ج1.وج2.نزهة المشتاق في اختراق الآفاق
المؤلف : الادريسي
الإقليم
الأول
الجزء الأول
إن هذا الإقليم الأول مبدؤه من جهة المغرب من البحر الغربي المسمى ببحر الظلمات
وهو البحر الذي لا يعلم ما خلفه وفيه جزيرتان تسميان بالخالدات ومن هذه الجزائر
بدأ بطليموس يأخذ الطول والعرض وهاتان الجزيرتان فيما يذكر في كل واحدة منهما صنم
مبني من الحجارة طول كل صنم منها مائة ذراع وفوق كل صنم منهما صورة من نحاس تشير
بيدها إلى خلف وهذه الأصنام فيما يذكر ستة أحدهما صنم قادس التي بغربي الأندلس ولا
يعلم أحد شيئاً من المعمور خلفها.
وفي هذا الجزء الذي رسمناه من المدن اوليل وسلى وتكرور وبريسى ودو ومورة وهذه
البلاد من أرض مقزارة السودان فأما جزيرة اوليل فهي في البحر وعلى مقربة من الساحل
وبها الملاحة المشهورة ولا يعلم في بلاد السودان ملاحة غيرها ومنها يحمل الملح إلى
جميع بلاد السودان وذلك أن المراكب تأتي إلى هذه الجزيرة فتوسق بها الملح وتسير
منها إلى موقع النيل وبينهما مقدار مجرى فتجري في النيل إلى سلى وتكرور وبريسى
وغانة وسائر بلاد ونقارة وكوغة وجميع بلاد السودان وأكثرها لا يكون لها مأوى ولا
مستقر إلا على النيل بعينه أو على نهر يمد النيل وسائر الأرضين المجاورة للنيل
صحار خالية لا عمارة فيها وهذه الصحارى فيها مجابات مياه وذلك أن الماء لا يوجد
فيها إلا بعد يومين وأربعة وخمسة وستة واثنى عشر يوماً مثل مجابة تيسر التي في
طريق سجلماسة إلى غانة وهي أربعة عشر يوماً لا يوجد فيها ماء وأن القوافل تتزود
بالماء لملوك هذه المجابات في الأوعية على ظهور الجمال ومثل هذه المجابة كثير في
بلاد السودان وأكثر أرضها أيضاً رمال تنسفها الرياح وتنقلها من مكان إلى مكان فلا
يوجد بها شيء من الماء وهذه البلاد كثيرة الحر حامية جداً ولذلك أهل هذا الإقليم
الأول والثاني وبعض الثالث لشدة الحر وإحراق الشمس لهم كانت ألوانهم سوداء وشعورهم
متفلفلة بضد ألوان أهل الإقليم السادس والسابع.
ومن جزيرة اوليل إلى مدينة سلى ست عشرة مرحلة ومدينة سلى على ضفة نهر النيل
وبشماله وهي مدينة حاضرة وبها مجتمع السودان ومتاجر صالحة وأهلها أهل بأس ونجدة
وهي من عمالة التكروري وهو سلطان مؤمر وله عبيد وأجناد وله حزم وجلادة وعدل مشهور
وبلاده آمنة وادعة وموضع مستقره والبلد الذي هو فيه مدينة تكرور وهي في جنوب النيل
وبينها وبين سلى مقدار يومين في النيل وفي البر ومدينة تكرور أكبر من مدينة سلى
وأكثر تجارة وإليها يسافر أهل المغرب الأقصى بالصوف والنحاس والخرز ويخرجون منها
التبر والخدم وطعام أهل سلى وأهل تكرور الذرة والسمك والألبان وأكثر مواشيهم
الجمال والمعز ولباس عامة أهلها قداوير الصوف وعلى رؤوسهم كرازى الصوف ولباس
خاصتها ثياب القطن والمآزر.
ومن مدينة سلى وتكرور إلى مدينة سجلماسة أربعون يوماً بسير القوافل وأقرب البلاد
إليهما من بلاد لمتونة الصحراء أزكى وبينهما خمس وعشرون مرحلة ويتزود بالماء فيها
من يومين إلى أربعة إلى خمسة وستة أيام وكذلك من جزيرة ارليل إلى مدينة سجلماسة
نحو من أربعين مرحلة بسير القوافل.
ومن مدينة تكرور إلى مدينة بريسى على النيل مشرقاً اثنتا عشرة مرحلة ومدينة بريسى
مدينة صغيرة لا سور لها غير أنها كالقرية الحاضرة وأهلها متجولون تجار وهم في طاعة
التكروري.
وفي الجنوب من بريسى أرض لملم وبينهما نحو من عشرة أيام وأهل بريسى وأهل سلى
وتكرور وغانة يغيرون على بلاد لملم ويسبون أهلها ويجلبونهم إلى بلادهم فيبيعونهم
من التجار الداخلين إليهم فيخرجهم التجار إلى سائر الأقطار وليس في جميع أرض لملم
إلا مدينتان صغيرتان كالقرى اسم إحداهما ملل واسم الثانية دو وبين هاتين المدينتين
مقدار أربعة أيام وأهلها فيما يذكره أهل تلك الناحية يهود والغالب عليهم الكفر
والجهالة وجميع أهل بلاد لملم إذا بلغ أحدهم الحلم وسم وجهه وصدغاه بالنار وذلك
علامة لهم وبلادهم وجملة عماراتهم على واد يمد النيل وليس بعد أرض لملم في جهة
الجنوب عمارة تعرف وبلاد لملم تتصل من جهة المغرب بأرض مقزارة ومن جهة المشرق بأرض
ونقارة ومن جهة الشمال بأرض غانة ومن جهة الجنوب بالأرض الخالية وكلامهم كلام لا
يشبه كلام المقزاريين ولا كلام الغانيين..
ومن
بريسى المتقدم ذكرها إلى غانة في جهة المشرق اثنا عشر يوماً وهي في وسط الطريق إلى
مدينة سلى وتكرور وكذلك من مدينة بريسى إلى اودغشت اثنتا عشرة مرحلة واودغشت من
بريسى شمالاً وليس في بلاد السودان شيء من الفواكه الرطبة إلا ما يجلب إليها من
التمر من بلاد سجلماسة أو بلاد الزاب يجلبه إليهم أهل وارقلان الصحراء والنيل يجرى
في هذه الأرض من المشرق إلى المغرب وينبت على ضفتيه القصب الشركي وشجر الأبنوس
والشمشار والخلاف والطرفاء والإثل غياضاً متصلة وبها تقيل وتسكن مواشيهم وإليها يميلون
ويستظلون عند شدة الحر وحمية القيظ وفي غياضه الأسد والزرائف والغزلان والضبعان
والأفيال والأرانب والقنافذ وفي النيل أنواع من السمك وضروب من الحيتان الكبار
والصغار ومنه طعام أكثر السودان يتصيدونه ويملحونه ويدخرونه وهو في نهاية السمن
والغلظ وأسلحة أهل هذه البلاد القسي والنشابات وعليها عمدتهم والدبابيس أيضاً من
أسلحتهم يتخذونها من شجر الأبنوس ولهم فيها حكمة وصناعة متقنة وأما قسيهم فإنها من
القصب الشركي وسهامم منه وكذلك أوتارها من القصب وبناء أهل هذه البلاد بالطين
والخشب العريض الطويل عندهم قليل الوجود وحليهم النحاس والخرز والنظم من الزجاج
والباذوق ولعاب الشيخ وأنواع المجزعات من الزجاج المؤلف.
وهذه الأمور والحالات التي ذكرناها من المطاعم والمشارب واللباس والحلى يفعلها
أكثر السودان في جميع أرضهم لأنها بلاد حر ووهج شديد وأهل المدن منها يزرعون البصل
والقرع والبطيخ ويعظم عندهم كثيراً ولا حنطة عندهم أكثر من الذرة ومنها ينتبذون
ويشربون وجل لحومهم الحوت ولحوم الإبل المقددة كما قدمنا وصفه وهاهنا انقضى ذكر
الجزء الأول من الإقليم الأول والحمد لله على ذلك.
نجز الجزء الأول من الإقليم الأول والحمد لله ويتلوه الجزء الثاني منه إن شاء
الله.
الجزء الثاني
إن الذي تضمنه هذا الجزء الثاني من الإقليم الأول من المدن مدينة مدل وغانة وتيرقى
ومداسة وسغمارة وغيارة وغربيل وسمقندة فأما مدينة ملل التي هي من بلاد لملم فقد
ذكرناها فيما تقدم وهي مدينة صغيرة كالقرية الجامعة لا سور لها وهي على تل تراب
أحمر منيع جانبه وأهل مال متحصنون فيه عمن يطرقهم من سائر السودان وشربهم من عين
خرارة تخرج من الجبل الذي في جنوبها وماؤها زعاق ليس بصادق الحلاوة وبغربي هذه
المدينة على ماء العين الذي يشربون منه ومع نزوله إلى أن يقع في النيل أمم كثيرة
سودان عراة لا يستترون بشيء وهم يتناكحون بغير صدقات ولا حق وهم أكثر الناس نسلاً
ولهم إبل ومعز يعيشون من ألبانها ويأكلون الحيتان المصيدة ولحوم الإبل المقددة
وأهل تلك البلاد المجاورة لهم يسبونهم في كل الأحايين بضروب من الحبل ويخرجونهم
إلى بلادهم فيبيعونهم من التجار قطاراً ويخرج منهم في كل عام إلى المغرب الأقصى
أعداد كثيرة وجميع من يكون في بلاد لملم مرسوم بالنار في وجهه وهي لهم علامة كما
قدمنا ذكره.
ومن مدينة ملل إلى مدينة غانة الكبرى نحو من اثنتي عشرة مرحلة في رمال ودهاس لا ماء بها وغانة مدينتان على ضفتي البحر الحلو وهي أكبر بلاد السودان قطراً وأكثرها خلقاً وأوسعها متجراً وإليها يقصد التجار المياسير من جميع البلاد المحيطة بها ومن سائر بلاد المغرب الأقصى وأهلها مسلمون وملكها فيما يوصف من ذرية صالح بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب وهو يخطب لنفسه لاكنه تحت طاعة أمير المؤمنين العباسي وله قصر على ضفة النيل قد أوثق بنيانه وأحكم إتقانه وزينت مساكنه بضروب من النقوشات والأدهان وشمسيات الزجاج وكان بنيان هذا القصر في عام عشرة وخمس مائة من سني الهجرة وتتصل مملكته وأرضه بأرض ونقارة وهي بلاد التبر المتكورة الموصوفة به كثرة وطيباً والذي يعلمه أهل المغرب الأقصى علماً يقيناً لا اختلاف فيه أن له في قصره لبنة من ذهب وزنها ثلاثون رطلاً من ذهب تبرة واحدة خلقها الله خلقة تامة من غير أن تسبك في نار ولا تطرق بآلة وقد نفذ فيها ثقباً وهي مربطة لفرس الملك وهي من الأشياء المغربة التي ليست عند غيره ولا صحت لأحد إلا له وهو يفخر بها على سائر ملوك السودان وهو أعدل الناس فيما يحكى عنه ومن سيرته في قربه من الناس وعدله فيهم أن له جملة قواد يهبون إلى قصره في صباح كل يوم ولكل قائد منهم طبل يضرب على رأسه فإذا وصل إلى باب القصر سكت فإذا اجتمع إليه جميع قواده ركب وصار يقدمهم ويمشي في أزقة المدينة ودائر البلد فمن كانت له مظلمة أو نابه أمر تصدى له فلا يزال حاضراً بين يديه حتى يقضى مظلمته ثم يرجع إلى قصره ويتفرق قواده فإذا كان بعد العصر وسكن حر الشمس ركب مرة ثانية وخرج وحوله أجناده فلا يقدر أحد على قربه ولا على الوصول إليه وركوبه في كل يوم مرتين سيرة معلومة وهذا مشهور من عدله ولباسه إزار حرير يتوشح به أو بردة يلتف بها وسراويل في وسطه ونعل شركي في قدمه وركوبه الخيل وله حلية حسنة وزي كامل يقدمه أمامه في أعياده وله بنود كثيرة وراية واحدة وتمشي أمامه الفيلة والزرائف وضروب من الوحوش التي في بلاد السودان ولهم في النيل زوارق وثيقة الإنشاء يتصيدون فيها ويتصرفون بين المدينتين بها ولباس أهل غانة الأزر والفوط والأكسية كل أحد على قدر همته وأرض غانة تتصل من غربيها ببلاد مقزارة ومن شرقيها ببلاد ونقارة وبشمالها بالصحراء المتصلة التي بين أرض السودان وأرض البربر وتتصل بجنوبها بأرض الكفار من اللملمية وغيرها.
ومن
مدينة غانة إلى أول بلاد ونقارة ثمانية أيام وبلاد ونقارة هذه هي بلاد التبر
المشهورة بالطيب والكثرة وهي جزيرة طولها ثلاث مائة ميل وعرضها مائة وخمسون ميلاً.
والنيل يحيط بها من كل جهة في سائر السنة فإذا كان في شهر أغشت وحمى القيظ وخرج
النيل وفاض غطى هذه الجزيرة أو أكثرها وأقام عليها مدته التي من عادته أن يقيم
عليها ثم يأخذ في الرجوع فإذا أخذ النيل في الرجوع والجزر رجع كل من في بلاد
السودان المنحشرين إلى تلك الجزيرة بحاثاً يبحثون طول أيام رجوع النيل فيجد كل
إنسان منهم في بحثه هناك ما أعطاه الله سبحانه كثيراً أو قليلاً من التبر وماً
يخيب منهم أحد فإذا عاد النيل إلى حده باع الناس ما حصل بأيديهم من التبر وتاجر
بعضهم بعضاً واشترى أكثره أهل وارقلان وأهل المغرب الأقصى وأخرجوه إلى دور السكك
في بلادهم فيضربونه دنانير ويتصرفون بها في التجارات والبضائع هكذا في كل سنة وهي
أكبر غلة عند السودان وعليها يعولون صغيرهم وكبيرهم وأرض ونقارة فيها بلاد معمورة
ومعاقل مشهورة وأهلها أغنياء والتبر عندهم وبأيديهم كثير والخيرات مجلوبة إليهم من
أطراف الأرض وأقاصيها ولباسهم الأزر والأكسية والقداوير وهم سود جداً فمن مدن
ونقارة تيرقى وهي مدينة كبيرة وفيها خلق كثير لاكن ليس لها سور ولا حظيرة وحي في
طاعة صاحب غانة وله يخطبون وإليه يتحاكمون وبين غانة وتيرقى ستة أيام وطريقها مع
النيل ومن مدينة تيرقى إلى مدينة مداسة ستة أيام ومدينة مداسة هذه مدينة متوسطة
كثيرة العمار صالحة العمالات وفي أهلها معرفة وهى على شمال النيل ومنه شربهم وهي
بلد أرز وذرة كبيرة الحب طعمها صالح وأكثر معايشهم من الحوت وتصيده وتجارتهم
بالتبر ومن مدينة مداسة إلى بلد سغمارة ستة مراحل وبين مداسة وسغمارة إلى جهة
الشمال ومع الصحراء قوم يقال لهم بغامة وهم برابر رحالة لا يقيمون في مكان يرعون
أجمالهم على ساحل واد يأتي من ناحية المشرق فيصب في النيل واللبن عندهم كثير ومنه
يعيشون ومن مدينة سغمارة إلى مدينة سمقندة ثمانية أيام ومدينة سمقندة هذه مدينة
لطيفة على ضفة البحر الحلو ومنها إلى مدينة غربيل تسعة أيام ومن مدينة سغمارة إلى
مدينة غربيل جنوباً ستة أيام ومدينة غربيل هذه على ضفة البحر الحلو وهي مدينة
لطيفة القدر في سفح جبل يعلوها من جهة الجنوب وشرب أهلها من النيل ولباسهم الصوف
وأكلهم الذرة والحوت وألبان الإبل وأهلها يتصرفون في تلك البلاد بضروب من التجارات
التي تدور بين أيديهم ومن مدينة غربيل مع المغرب إلى مدينة غيارة إحدى عشرة مرحلة
ومدينة غيارة هذه على ضفة النيل وعليها حفير دائر بها وبها خلق كثير وفي أهلها
نجدة ومعرفة وهم يغيرون على بلاد لملم فيسبونهم ويأتون بهم ويبيعونهم من تجار غانة
وبين غيارة وأرض لملم ثلاث عشرة مرحلة وهم يركبون النجب من الجمال ويتزودون الماء
ويسرون بالليل ويصلونه بالنهار إلى أن يغنموا ويرجعوا إلى بلدهم بما يفتح الله
سبحانه عليهم من السبي من أهل لملم ومن مدينة غيارة إلى مدينة غانة إحدى عشرة مرحلة
وماؤها قليل وجملة هذه البلاد التي ذكرناها هي في طاعة صاحب غانة وإليه يؤدون
لوازمهم وهو القائم بحمايتهم.
نجز الجزء الثاني من الإقليم الأول والحمد لله ويتلوه الجزء الثالث منه إن شاء
الله.
الجزء الثالث
إن
الذي تضمنه هذا الجزء الثالث من الإقليم الأول من المدن المشهورة كوغة وكوكو
وتملمة وزغاوة ومانان وانجيمى ونوابية وتاجوة فأما مدينة كوغة فإنها مدينة على ضفة
البحر الحلو وفي شماله ومنه شرب أهلها وهي من عمالة ونقارة ومن السودان من يجعلها
من بلاد كانم وهي مدينة عامرة لا سور لها وبها تجارات وأعمال وصنائع يصرفونها فيما
يحتاجون إليه ونساء هذه المدينة ينسب إليهن السحر ويقال إنهن به عارفات وبه
مشهورات وعليه قادرات ومن كوغة إلى سمقندة في جهة الغرب عشرة أيام ومن كوغة إلى
غانة نحو من شهر ونصف ومن كوغة إلى دمقلة شهر ومن كوغة إلى شامة دون الشهر ومن
كوغة إلى مدينة كوكو في الشمال عشرون مرحلة بسير الجمال والطريق على أرض بغامة
وأهل بغامة سودان بربر قد أحرقت الشمس جلودهم وغيرت ألوانهم ولسانهم لسان البربر
وهم قوم رحالة وشربهم من عيون يحفرونها في تلك الأرض عن علم لهم بها وتجربة في ذلك
صحيحة ولقد أخبر بعض السفار الثقات وكان قد تجول في بلاد السودان نحواً من عشرين
سنة أنه دخل هذه الأرض أعني أرض بغامة وعاين فيها رجلاً من هؤلاء البربر فكان يمشي
معه في أرض خالية رملة ليس بها أثر للماء ولا لغيره فأخذ البربري غرفة من ترابها
وقربه من أنفه ثم اشتمه وتبسم وقال لأهل القافلة انزلوا فإن الماء معكم فنزل أهل
القافلة هناك وعرسوا متاعهم وقيدوا الجمال وتركوها ترعى ثم عمد البربري إلى موضع
وقال احفروا هاهنا فحفر الناس في ذاك الموضع أقل من نصف قامة فخرج إليهم الماء
الكثير العذب فعجب من ذلك أهل القافلة وهذا مشهور معلوم يعلمه تجار أهل تلك البلاد
ويحكونه عنهم وفي هذه الطريق التي ذكرنا من كوغة إلى كوكو على أرض بغامة مجابتان
لا ماء فيهما وكل مجابة منهما تقطع من خمسة أيام إلى ستة أيام ومدينة كوكو مدينة
مشهورة الذكر من بلاد السودان كبيرة وهي على ضفة نهر يخرج من ناحية الشمال فيمر
بها ومنه شرب أهلها ويذكر كثير من السودان أن مدينة كوكو هذه على ضفة الخليج وذكر
قوم آخرون أنها على نهر يمد النيل والذي صح من القول أن هذا النهر يجري حتى يجوز
كوكو بأيام كثيرة ثم يغوص في الصحراء في رمال ودهاس مثل ما يغوص نهر الفرات الذي
ببلاد العراق وغوصه هناك في البطائح ثم إن ملك مدينة كوكو ملك قائم بذاته خاطب
لنفسه وله حشم كثير ودخلة كبيرة وقواد وأجناد وزي كامل وحلية حسنة وهم يركبون
الخيل والجمال ولهم بأس وقهر لمن جاورهم من الأمم المحيطة بأرضهم ولباس عامة أهل
كوكو الجلود يسترون بها عوراتهم وتجارهم يلبسون القداوير والأكسية وعلى رؤوسهم الكرازى
وحليهم الذهب وخواصم وجلتهم يلبسون الأزر وهم يداخلون التجار ويجالسونهم ويبضعونهم
بالبضائع على جهة المقارضة وينبت في أرض كوكو العود المسمى بعود الحية ومن خاصته
أنه إذا وضع على جحر الحية خرجت إليه مسرعة ثم أن ماسك هذا العود يأخذ من الحيات
ما شاء بيده من غير أن يدركه شيء من الجزع ويجد في نفسه قوة عند أخذها والصحيح عند
أهل المغرب الأقصى وأهل وارقلان أن ذلك العود إذا أمسكه ماسك بيده أو علقه في عنقه
لم تقربه حية البتة وهذا مشهور وصفة هذا العود كصفة العاقرقرحا مفتولاً لاكنه أسود
اللون.
ومن مدينة كوكو إلى مدينة غانة شهر ونصف شهر ومن مدينة كوكو إلى مدينة تملمة شرقاً
أربع عشرة مرحلة وهي مدينة صغيرة من أرض كوار جامعة فيها بشر كثير ولا سور لها
وفيها رجل ثائر بنفسه وهي على جبل صغير لاكنه جبل منيع بأجراف قد أحاطت به من جميع
جهاته ولها نخيل ومواش وأهلها عراة شقاة وضربهم من مياه الآبار وماؤها بعيد القعر
عن وجه الأرض وبها معدن شب ليس بالكثير الجودة ويبيعونه في كوار ويخلطه التجار
بالشب الطيب ويسافرون به إلى جميع الجهات.
ومن
تملمة إلى مدينة مانان من أرض كانم اثنتا عشرة مرحلة ومدينة مانان مدينة صغيرة
وليس بها شيء من الصناعات المستعملة وتجاراتهم قليلة ولهم جمال ومعز ومن مدينة
مانان إلى مدينة انجيمى ثمانية أيام وهي أيضاً من كانم وانجيمى مدينة صغيرة جداً
وأهلها قليل وهم في أنفسهم أذلة وهم يجاورون النوبة من جهة المشرق وبين مدينة
انجيمى والنيل ثلاثة أيام في جهة الجنوب وشرب أهلها من الآبار ومن انجيمى إلى
مدينة زغاوة ستة أيام ومدينة زغاوة مدينة مجتمعة الكور كثيرة البشر وحولها خلق من
الزغاويين يشيلون بإبلهم ولهم تجارات يسيرة وصنائع يتعاملون بها بين أيديهم وشربهم
من الآبار وأكلهم الذرة ولحوم الجمال المقددة والحوت المصيد والألبان عندهم كثيرة
ولباسهم الجلود المدبوغة يستترون بها وهم أكثر السودان جرباً ومن مدينة زغاوة إلى
مانان ثماني مراحل وفي مانان يسكن أميرها وعاملها وأكثر رجاله عراة رماة بالقسي
ومن مدينة مانان إلى مدينة تاجوة ثلاث عشرة مرحلة وهي قاعدة بلاد التاجوين وهم
مجوس لا يعتقدون شيئاً وأرضهم متصلة بأرض النوبة ومن بلادهم سمنة ومدينة سمنة هذه
مدينة صغيرة وحكى بعض المسافرين إلى مدائن كوار أن صاحب بلاق توجه إلى سمنة وهو
أمير من قبل ملك النوبة فحرقها وهدمها وبدد شملهم على الآفاق وهي الآن خراب ومن
مدينة تاجوة إليها ست مراحل ومن مدينة تاجوة إلى مدينة نوابة ثماني عشرة مرحلة
وإليها تنسب النوبة وبها عرفوا وهي مدينة صغيرة وأهلها مياسير ولباسهم الجلود
المدبوغة وأزر الصوف ومنها إلى النيل أربعة أيام وشرب أهلها من الآبار وطعامهم
الذرة والشعير ويجلب إليهم التمر والألبان عندهم كثيرة وفي نسائهم جمال فائق وهن
مختتنات ولهن أعراق طيبة ليست من أعراق السودان في شيء وجميع بلاد أرض النوبة في
نسائهم الجمال وكمال المحاسن وشفاههم رقاق وأفواههم صغار ومباسمهم بيض وشعورهم
سبطة وليس في جميع أرض السودان من المقازرة ولا من الغانيين ولا من الكانميين ولا
من البجاة ولا من الحبشة والزنج قبيل شعور نسائهم سبطة مرسلة إلا من كان منهن من
نساء النوبة ولا أحسن أيضاً للجماع منهن وإن الجارية منهن ليبلغ ثمنها ثلاث مائة
دينار وأقل من ذلك ولهذه الخلال التي فيهن يرغب ملوك أرض مصر فيهن ويتنافسون في
أثمانهن ويتخذونهن أمهات أولاد لطيب متعتهن ونفاسة حسنهن وذكر بعض الرواة أنه كان
بالأندلس جارية من هؤلاء الجواري المتقدم ذكرهن عند الوزير أبي الحسن المعروف
بالمصحفي فما أبصرت عيناه قط بأكمل منها قداً ولا أصبح خداً ولا أحسن مبسماً ولا
أملح أجفاناً ولا أتم محاسن وكان هذا الوزير المذكور مولعاً بها بخيلاً بمفارقتها
ويذكر أن شراءها عليه مائتان وخمسون ديناراً من الدنانير المرابطية وكانت هذه
الجارية المذكورة مع تمام محاسنها وبديع جمالها إذا تكلمت أسحرت سامعها لعذوبة
ألفاظها وحلاوة منطقها لأنها ربيت بمصر فكانت بذلك تامة الصفات ومن مدينة نوابة
إلى مدينة كوشة نحو من ثماني مراحل خفاف.
نجز الجزء الثالث من الإقليم الأول والحمد لله ويتلوه الجزء الرابع منه إن شاء
الله.
الجزء الرابع
وفي هذا الجزء الرابع من الإقليم الأول بلاد النوبة وبعض بلاد الحبشة وبقية جنوب
أرض التاجوين وقطعة من بلاد الواحات الداخلة وفي بلاد النوبة من البلاد المشهورة
والقواعد المذكورة كوشة وعلوة ودنقلة وبلاق وسوبة وفي أرض الحبشة مركطة والنجاغة
ومن أرض الواحات الداخلة وأعلى ديار مصر مدينة أسوان وأتفو والردينى.
وفي
هذا الجزء افتراق النيلين أعني نيل مصر الذي يشق أرضها وجريه من الجنوب إلى الشمال
وأكثر مدن مصر على ضفتيه معاً وفي جزائره أيضاً والقسم الثاني من النيل يمر من جهة
المشرق إلى أقصى المغرب وعلى هذا القسم من النيل جميع بلاد السودان أو أكثرها
وهذان القسمان مخرجهما من جبل القمر الذي أوله فوق خط الاستواء بست عشرة درجة وذلك
أن مبدأ النيل من هذا الجبل من عشر عيون فأما الخمسة الأنهار منها فإنها تصب
وتجتمع في بطيحة كبيرة وكذلك الخمسة الأنهار الأخر تنزل من الجبل إلى بطيحة أخرى
كبيرة ويخرج من كل واحدة من هاتين البطيحتين ثلاثة أنهار فتمر بأجمعها إلى أن تصب
في بطيحة كبيرة جداً وعلى هذه البطيحة مدينة تسمى طرمى وهي مدينة عامرة يزرع بها
الأرز وعلى ضفة البطيحة المذكورة صنم رافع يديه إلى صدره يقال إنه مسخ وإنه كان
رجلاً ظالماً ففعل ذلك به وفي هذه البحيرة سمك تشبه رؤوسه رؤوس الطير ولها مناقير
وفيها أيضاً دواب هائلة وهذه البحيرة المذكور فوق خط الاستواء مماسة له وفي أسفل
هذه البحيرة التي بها تجمع الأنهار جبل معترض يشق أكثر البطيحة ويمر منها إلى جهة
الشمال مغرباً فيخرج معه ذراع واحد من النيل فيمر في جهة المغرب وهو نيل بلاد
السودان الذي عليه أكثر بلادها ويخرج مع شق الجبل الشرقي الذراع الثاني فيمر أيضاً
إلى جهة الشمال فيشق بلاد النوبة وبلاد أرض مصر وينقسم في أسفل أرض مصر على أربعة
أقسام فثلاثة أقسام تنصب في البحر الشامي وقسم واحد ينصب في البحيرة الملحة التي
تنتهي إلى قرب الإسكندرية وبين هذه البحيرة وبين سكندرية ستة أميال وهي لا تتصل
بالبحر بل هي من فيض النيل ومع الساحل قليلاً وسنستقصي ذكرها في موضعه إن شاء الله
عز وجل.
ومن تحت جبل القمر فيما بين الأنهار العشرة والبطيحات ماراً مع جهة الشمال إلى أن
يتصل بالبطيحة الكبيرة مقدار عشر مراحل وعرض ما بين البطيحتين الصغيرتين من المشرق
إلى المغرب ست مراحل وفي هذه الأرض الموصوفة ثلاثة جبال مارة من المشرق إلى المغرب
فأما الجبل الأول فهو مما يلي جبل القمر ويسميه كهنة مصر جبل هيكل الصور وأما
الجبل الثاني الذي يلي هذا الجبل مع الشمال فإنهم يسمونه جبل الذهب لأن فيه معادن
الذهب وأما الجبل الثالث الذي يلي الجبل الثاني مع الأرض فإنهم يسمون أيضاً الأرض
التي هو فيها أرض الحيات ويزعم أهل تلك الأرض أن فيها حيات عظيمة تقتل بالنظر وفي
هذا الجبل الذي في هذه الأرض المذكورة عقارب على قدر العصافير سود الألوان تقتل في
الحال وقد ذكر ذلك صاحب كتاب العجائب وذكر أيضاً في كتاب الخزانة لقدامة أن جرية
النيل من مبدئه إلى مصبه في البحر الشامي خمسة آلاف ميل وستمائة ميل وأربعة
وثلاثون ميلاً وعرض النيل في بلاد النوبة ميل واحد على ما حكاه صاحب كتاب العجائب
أيضاً وعرضه في قبالة مصر ثلث ميل.
وفي البطيحات الصغار وما بعدها من النيل الحيوان المسمى بالتمساح وفيها أيضاً الحوت المسمى بالخنزير وهو ذو خرطرم أكبر من الجاموس يخرج إلى الجهات المجاورة إلى النيل فيأكل بها الزرع ويرجع إلى النيل وفي النيل المذكور سمكة مدورة حمراء الذنب يقال لها اللاش لا تظهر به إلا ندرة وهي كثيرة اللحم طيبة الطعم وفيه أيضاً سمك يسمى الأبرميس وهو حوت أبيض مدور أحمر الذنب ويقال إنه ملك السمك وهو طيب الطعم لذيذ يؤكل طرياً ومملوحاً إلا أنه لطيف بقدر الفتر طولاً. ومثل نصفه عرضاً وفيه الراى وهو سمك كبير لونه أحمر ومنه كبير وصغير وربما كان في وزن كبير ثلاثة أرطال وأقل وهو طيب الطعم قريب من طيب السمك الذي يسمى الأبرميس وفيه سمك يقال له البني وهو كبير عجيب الطعم والطيب وربما وجد في الواحد منه خمسة أرطال وعشرة أرطال وأكثر وأقل وفيه أيضاً من السمك قبيل يقال له البلطى وهو مدور في خلقة العفر الذي ببحيرة طبرية قليل الشوك طيب الطعم وقد يوجد منه الحوت الكبير الذي في وزنه خمسة أرطال وفيه سمك يقال له اللوطيس ويسميه أهل مصر بالفرخ وهو حوت طيب الطعم كثير الشحم ويوجد منه في الندرة ما وزنه قنطار وأقل وأكثر وفيه اللبيس وهو حوت طيب لذيذ شهي الطعم إذا طبخ لا يوجد فيه رائحة السمك ويصرف في جميع ما يصرف فيه اللحم من أنواع الطبيخ ولحمه شديد ويكون كبيراً وصغيراً فمنه ما يكون وزنه عشرة أرطال ودون ذلك ولهذا السمك كله قشر وفيه أسماك لا قشور لها ومنها الحوت الذي يسمى السموس وهو سمك كبير الرأس كثير السمن وربما بلغ وزن الحوت منه قنطاراً وأكثر وأقل ويباع لحمه مقطعاً وفيه سمك يسمى النيناريات وهو سمك مائل إلى الطول طويل الفم كأنه منقار طائر وفيه سمكة يقال لها أم عبيد تحيض ولا قشور لها وفيه السمك الذي يقال له الحلبوة بغير قشر وربما كان في وزنه الرطل والأكثر والأقل وهو مسموم وفيه سمك يقال له الشال وله شوكة في ظهره يضرب بها فيقتل مسرعاً وفيه أيضاً سمك في صور الحيات يقال لها الإنكليس مسمومة وفيه أيضاً سمك أسود الظهر له شوارب كبير الرأس دقيق الذنب يسمى الجرى وفيه سمك مدور خشن الجلد يقال له القافو تمشط النساء به الكتان وفيه أيضاً السمكة المعروفة بالرعادة وهي مثل الكرة خشنة الجلد ذات سم إذا مسها الإنسان ارتعدت يده حتى تسقط منها وهذه الخاصة فيها موجودة ما دامت حية فإذا ماتت كانت كسائر السمك وفيه كلاب الماء وهي في صور الكلاب ملونات وفيه فرس الماء وهو في خلقة الفرس لكنه لطيف وحوافره مثل أرجل البط تنضم إذا رفعتها وتنفتح إذا وضعتها وله ذنب طويل وفيه أيضاً السقنقور وهو صنف من التمساح لا يشاكل السمك من جهة يديه ورجليه ولا يشاكل التمساح لأن ذنبه أملس مستدير وذنب التمساح مسيف وشحمهه يتعالج به للجماع وكذلك ملحه الذي يملح به والسقنقور لا يكون بمكان إلا في النيل من حد أسوان والتمساح أيضاً لا يكون في نهر ولا بحر إلا ما كان منه في نيل مصر وهو مستطيل الرأس وطول رأسه نحو طول نصف جسده وذنبه ملوح وله أسنان لا يقبض بها على شيء من السباع أو من الناس إلا ومر به في الماء وهو بري وبحري لأنه يخرج إلى البر فيقيم به اليوم والليلة يدب على يديه ورجليه ويضر في البر لكن ضرراً قليلاً وأكثر ضرره في الماء ثم إن الله سبحانه سلط عليه دابة من دواب النيل يقال لها اللشك وهي تتبعه وترتصده حتى يفتح فمه فإذا فتحه وثبت فيه فتمر في حلقه ولا تزال تأكل كبده ومعاه حتى تفنيه فيموت ويخرج أيضاً إلى النيل من البحر الملح سمك يقال له البوري حسن اللون طيب الطعم في قدر الراي يكون وزن الحوت منه رطلين وثلاثة أرطال ويدخل أيضاً من البحر إلى النيل سمك يقال له الشابل وهو بقدر طول الذراع وأزيد على ذلك لذيذ الطعم حسن اللحم سمين ويدخل أيضاً منه حوت يسمى الشبوط وهو ضرب من الشابل إلا أنه صغير في طول شبر ويدخله من البحر أنواع كثيرة ويوجد أيضاً في أسفل النيل بناحية رشيد وفوة ضرب من السمك له صدف يتولد عند آخر النيل إذا خالط الماء الحلو الماء الملح هذا الصدف يقال له الدلينس وهو صدفة صغيرة في جوفها لحمة فيها نقطة سوداء وهو رأسها وأهل رشيد يملحونه ويرفعونه إلى جميع بلاد مصر وللنيل في جريه أخبار وعجائب سنذكر منها ما تيسر للذكر في موضعه من الكتاب بعون الله تعالى.
وأما
بلاد النوبة التي قدمنا ذكرهما فمنها مدينة كوشة الواغلة وبينها وبين مدينة نوابة
ستة أيام وهي تبعد عن النيل يسيراً وموضعها فوق خط الاستواء وأهلها قليلون
وتجاراتها قليلة وأرضها حارة جافة كثيرة الجفوف جداً وشرب أهلها من عيون تمد النيل
هناك وهي في طاعة ملك النوبة وملك النوبة يسمى كاسل وهو اسم يتوارثه ملوك النوبة
وقرارته ودار ملكه في مدينة دنقلة.
ومدينة دنقلة في غربي النيل وعلى ضفته ومنه شرب أهلها وأهلها سودان لكنهم أحسن
السودان وجوهاً وأجملهم شكلاً وطعامهم الشعير والذرة والتمر يجلب إليهم من البلاد
المجاورة لهم وشرابهم المزر المتخذ من الذرة واللحوم التي يستعملونها لحوم الإبل
طرية ومقددة ومطحونة ويطبخونها بألبان النوق وأما السمك فكثير عندهم جداً وفي
بلادهم الزرائف والفيلة والغزلان.
ومن بلاد النوبة مدينة علوة وهي على ضفة النيل أسفل من مدينة دنقلة وبينهما مسير
خمسة أيام في النيل وماؤهم من النيل وشربهم منه وبه يزرعون الشعير والذرة وسائر
بقولهم من السلجم والبصل والفجل والقثاء والبطيخ وحال علوة في هيأتها ومبانيها
ومراتب أهلها وتجاراتهم مثل ما هي عليه حالات مدينة دنقلة وأهل علوة يسافرون إلى
بلاد مصر وبين علوة وبلاق عشرة أيام في البر وفي النيل أقل من ذلك انحداراً وطول
بلاد النوبة على ساحل النيل مسير شهرين وأكثر وكذلك أهل علوة ودنقلة يسافرون في
النيل بالمراكب وينزلون أيضاً إلى مدينة بلاق في النيل.
ومدينة بلاق من مدن النوبة وهي بين ذراعين من النيل وأهلها متحضرون ومعايشهم حسنة
وربما وصلت إليهم الحنطة مجلوبة والشعير والذرة عندهم ممكن كثير موجود وبمدينة
بلاق يجتمع تجار النوبة والحبشة وتجار أرض مصر يسافرون إليها إذا كانوا معهم في
صلح وهدنة ولباس أهلها الأزر والمآزر وأرضها تسقى بالنيل وماء النهر الذي يأتي من
بلاد الحبشة وهو واد كبير جداً يمد النيل وموقعه بمقربة من مدينة بلاق وفي الذراع
المحيط بها وعليه مزارع أهل الحبشة كثير من مدنها وسنذكرها فيا بعد بعون الله
تعالى وليس في مدينة بلاق مطر ولا يقع فيها غيث البتة وكذلك سائر بلاد السودان من
النوبة والحبشة والكانميين والزغاويين وغيرهم من الأمم لا يمطرون ولا لهم من الله
رحمة ولا غياث إلا فيض النيل وعليه يعولون في زراعة أرزاقهم ومعيشتهم الذرة
والألبان والحيتان والبقول وجميع ذلك بمدينة بلات كثير موجود.
ومن مدينة بلاق إلى جبل الجنادل سية أيام في البر وفي النيل أربعة أيام انحداراً
وإلى جبل الجنادل تصل مراكب السودان ومنها ترجع لأنها لا تقدر على النفوذ في السير
إلى مدينة مصر والعلة المانعة من ذلك أن الله جل اسمه خلق هذا الجبل وجعله قليل
العلو من ناحية بلاد السودان وجعل وجهه الثاني مما يلي أرض مصر عالياً جداً والنيل
يمر من جهة أعلاه فيصب إلى أسفل صباً عظيماً مهولاً وهناك حيث ينصب الماء أحجار
مكدسة وصخور مضرسة والماء يقع بينها فإذا وصلت مراكب النوبيين وغيرها من مراكب
السودان وجاءت إلى هذا المكان من النيل لم يمكنها عبوره لما فيه من العطف المهلك
فإذا انتهت المراكب بما فيها من التجار وما معهم من التجارات تحولوا عن بطون
المراكب إلى ظهور الجمال وساروا إلى مدينة أسوان في البرية وبين هذا الموضع أعني
الجبل وأسوان نحو من اثنتي عشرة مرحلة بسير الجمال.
وأسوان هذه من ثغور النوبة إلا أنهم في أكثر الأوقات متهادنون وكذلك مراكب مصر لا
تصعد في النيل إلا إلى مدينة أسوان فقط وهي آخر الصعيد الأعلى وهي مدينة صغيرة
عامرة كثيرة الحنطة وسائر أنواع الحبوب والفواكه والدلاع وسائر البقول وبها اللحوم
الكثيرة من البقر والحملان والمعز والخرفان وغيرها من صنوف اللحوم العجيبة البالغة
في الطيب والسمن وأسعارها مع الأيام رخيصة وبها تجارات وبضائع تحمل منها إلى بلاد
النوبة وربما أغار على أطرافها خيل السودان المسمين بالبليين ويزعمون أنهم روم
وأنهم على دين النصرانية من أيام القبط وقبل ظهور الإسلام غير أنهم خوارج في
النصارى يعاقبة وهم منتقلون فيما بين أرض البجة وأرض الحبشة ويتصلون ببلاد النوبة
وهم رحالة ينتقلون ولا يقيمون بمكان مثل مما تفعله لمتونة الصحراء الذين هم
بالمغرب الأقصى.
وليس
يتصل بمدينة أسوان من جهة الشرق بلد الإسلام إلا جبل العلاقي وهو جبل أسفله واد
جاف لا ماء به لكن الماء إذا حفر عليه وجد قريباً معيناً كبيراً وبه معدن الذهب
والفضة وإليه تجتمع طوائف من الطلاب لهذه المعادن وعلى مقربة من أسوان جنوباً من
النيل جبل في أسفله معدن الزمرد في برية منقطعة عن العمارة ولا يوجد الزمرد في شيء
من جميع الأرض إلا ما كان منه بذلك المعدن وبه طلاب كثيرة ومن هذا المعدن يخرج
ويتجهز به إلى سائر البلاد.
وأما معدن الذهب فمن أسوان إليه نحو خمسة عشر يوماً بين شرق وشمال وهو في أرض
البجة ولا يتصل بأسوان من جهة المغرب إلا لواحات وهي الآن خالية لا ساكن فيها
وكانت في زمان سلف معمورة والمياه تخترق أرضها وبها الآن بقايا شجر وقرى متهدمة لا
تعمر وكذلك من ظهرها إلى ديار كوار وكوكو لا تخلو تلك الأرضون من جزائر نخل وبقايا
بناء وحكى الحوقلي أن بها إلى يومنا هذا معز وغنم وقد توحشت فهي تتوارى من الناس
وتصاد كما يصاد الحيوان البري وأكثر الواحات نازلة مع أرض مصر وفيها بقايا عمارة
وسنذكرها فيما بعد بحول الله وعونه.
ومن مدينة بلاق إلى مدينة مركطة ثلاثون مرحلة وهي مدينة صغيرة لا سور لها وهي
مجتمعة الخلق متحضرة وبها شعير ويتعيشون به والسمك والألبان عندهم كثير وإليها
يدخل التجار من مدينة زالغ التي على بحر القلزم وسنذكر هذه البلاد عند بلوغنا إلى
أمكنة ذكرها بعون الله وتأييده ونصره وتسديده.
نجز الجزء الرابع من الإقليم الأول و الحمد لله ويتلوه الجزء الخامس منه إن شاء
الله.
الجزء الخامس
وهذا الجزء الخامس من الإقليم الأول تضمن من الأرضين أكثر أرض الحبشة وجملة من
بلادها وأكبر مدنها كلها جنبيتة وهي مدينة متحضرة لكنها في برية بعيدة من العمارات
وتتصل عماراتها و بواديها إلى النهر الذي يمد النيل وهو يشق بلاد الحبشة ولها عليه
مدينة مركطة ومدينة النجاغة وهذا النهر منبعه من فوق خط الاستواء وفي آخر نهاية
المعمور من جهة الجنوب فيمر مغرباً مع الشمال حتى يصل إلى أرض النوبة فيصب هناك في
ذراع النيل الذي يحيط بمدينة بلاق كما قدمنا وصفه وهو نهر كبير عريض كثير الماء
بطيء الجري وعليه عمارات للحبشة وقد وهم أكثر المسافرين في هذا النهر حين قالوا
إنه النيل وذلك لأنهم يرون به ما يرون من النيل في خروجه ومده وفيضه في الوقت الذي
جرت به عادة خروج النيل وينقص فيض هذا النهر عند نقصان فيض النيل ولهذا السبب وهم
فيه أكثر الناس وليس كذلك حتى أنهم ما فرقوا بينه وبين النيل لما رأوا فيه من
الصفات النيلية التي قدمنا ذكرها وتصحيح ما قلناه من أنه ليس بالنيل ما جاءت به
الكتب المؤلفة في هذا الفن وقد حكوا من صفات هذا النهر ومنبعه وجريه ومصبه في ذراع
النيل عند مدينة بلاق وقد ذكر ذلك بطلميوس الأقلودي في كتابه المسمى بالجغرافية
وذكره حسان بن المنذر في كتاب العجائب عند ذكره الأنهار ومنابعها ومواقعها وهذا
مما لا يهم فيه نبيل ولا يقع في جهله عالم ناظر في الكتب باحث عن غرضه وعلى هذا
النهر يزرع أهل بوادي الحبشة أكثر معايشهم مما تدخره لأقواتها من الشعير والذرة
والدخن واللوبيا والعدس وهو نهر كبير جداً لا يعبر إلا بالمراكب وعليه كما قلناه
قرى كثيرة وعمارات للحبشة ومن هذه القرى ميرة جنبيتة وقلجون وبطا وسائر القرى
البرية فأما المدن الساحلية فإنها تمتار مما يجلب إليها من اليمن في البحر.
ومن مدن الحبشة الساحلية مدينة زالغ ومنقونة واقنت وباقطى إلى ما اتصل بها من
عمارات قرى بربرة وكل هذه القرى ميرتها مما يتصيده أهلها من السمك ومن الألبان
وسائر الحبوب التي يجلبونها من قراهم التي على ضفة النهر المذكور.
ومدينة النجاغة مدينة صغيرة على ضفة النهر وأهلها فلاحون يزرعون الذرة والشعير وبه
يتجهزون ومنه يتعيشون ومتاجر هذه البلدة قليلة وصنائعهم النافعة لأهلها قليلة
والسمك عندهم كثير ممكن والألبان غزيرة وبين هذه المدينة ومدينة مركطة السابق
ذكرها ستة أيام إنحداراً في النهر وفي الصعود أزيد من عشرة أيام على قدر الإمكان
وزوارقهم صغار وخشبهم معدوم وليس بعد هاتين المدينتين من جهة الجنوب شيء من
العمارات ولا شيء يعول عليه.
وبين
مدينة النجاغة ومدينة جنبيتة ثماني مراحل وكذلك بين مركطة وجنبيتة مثلها وجنبيتة
كما حكيناه في برية منقطعة من الأرض وشرب أهلها من الآبار وماؤها يجف في أكثر
الأوقات حتى لا يوجد والغالب على أهل هذه البلدة أنهم طلاب معادن الفضة والذهب
وذلك جل طلبهم وأكثر معايشهم منه وهذه المعادن في جبل مورس وهو على أربعة أيام من
مدينة جنبيتة ومن هذا المعدن أيضاً إلى أسوان نحو من خمسة عشر يوماً.
ومن مدينة جنبيتة إلى مدينة زالغ التي على الساحل من أرض الحبشة نحو من أربع عشرة
مرحلة ومدينة زالغ على ساحل البحر الملح المتصل بالقلزم وقعر هذا البحر أقاصير كله
متصلة إلى باب المندب لا تعبره المراكب الكبار وربما تجاسرت عليه المراكب الصغار
فتتخطفها الرياح فتتلفها ومن زالغ إلى ساحل اليمن ثلاثة مجار مقدرة الجري ومدينة
زالغ صغيرة القطر كثيرة الناس والمسافرون إليها كثير وأكثر مراكب القلزم تصل إلى
هذه المدينة بأنواع من التجارات التي يتصرف بها في بلاد الحبشة ويخرج منها الرقيق
والفضة وأما الذهب فهو فيها قليل وشرب أهلها من الآبار ولباسهم الأزر ومقندرات
القطن.
ومن مدينة زالغ إلى مدينة منقونة خمسة أيام في البر وأما في البحر فأقل من ذلك
ويقابلها في البرية بلدة اسمها قلجون وبينهما اثنا عشر يوماً في البرية ومن منقونة
إلى اقنت أربعة أيام في البر وهي على الساحل في الجنوب ويسافر إليها في الزوارق
الصغار التي لا تحمل الشيء الكثير من الوسق لأن هذا البحر كله من جهة أرض الحبشة
تروش وأقاصير متصلة لا تجري به المراكب كما قلناه ومدينة اقنت صغيرة ليست بكبيرة
ولا بكثيرة الخلق وأكثرها خراب وأهلها قليل وأكثر أكلهم الذرة والشعير وسمكهم
موجود وصيدهم كثير وأما عامة أهلها فإنهم يعيشون من لحوم الصدف المتكون في تلك
الأقاصير من البحر يملحونه ويصيرونه إداماً لهم.
ومن مدينة اقنت إلى باقطى خمسة أيام وباقطى هذه مدينة صغيرة جداً كالقرية الجامعة
ليست بمسورة لكنها على تل رمل وبينها وبين البحر نحو من رمية سهم وأهلها مقيمون
بها قليل سفرهم منها وقليلاً ما يدخل المسافرون إليها لضيق معايشها وكون متاجرها
مجالبة وبواديها شاقة وجبالها جرد لا نبات فيها وليس فوقها مما يلي الجنوب عمارة
ولا قرى إلا ما كان منها قريباً ولهم إبل يتصرفون عليها ويتعيشون منها ويتجرون
بها.
ومنها على ثمانية أيام مدينة بطا وتتصل بها قرى بربرة وأولها جوة وهي منها قريبة.
وجملة الحبشة يتخذون الإبل ويكتسبونها ويشربون ألبانها ويستخدمون ظهورها وينتظرون
لقاحها وهي أجل بضاعة عندهم ويسرق بعضهم أبناء بعض ويبيعونهم من التجار فيخرجونهم
إلى أرض مصر في البر والبحر.
وتجاور أرض الحبشة في جهة الشمال أرض البجة وهي بين الحبشة والنوبة وأرض الصعيد
وليس بأرض البجة قرى ولا خصب وإنما هي بادية جدبة ومجتمع أهلها ومقصد التجار منها
إلى وادي العلاقي وإليه ينجلب أهل الصعيد وأهل البجة وهو واد فيه خلق كثير وجمع
غزير. والعلاقي في ذاته كالقرية الجامعة والماء بها من آبار عذبة ومعدن النوبة
المشهور متوسط في أرضها في صحراء لا جبل حوله وإنما هي رمال لينة وسباسب سائلة
وإذا كان أول ليالي الشهر العربي وآخره خاض الطلاب في تلك الرمال بالليل فينظرون
فيها كل واحد منهم ينظر فيما يليه من الأرض فإذا أبصر التبر يضيء بالليل علم على
موضعه علامة يعرفها وبات هنالك فإذا أصبح عمد كل واحد منهم إلى علامته في كوم
الرمل الذي علم عليه ثم يأخذه ويحمله معه على نجيبه فيمضي به إلى آبار هنالك ثم
يقبل على غسله بالماء في جفنة عود فيتخرج التبر منه ثم يؤلفه بالزئبق ويسبكه بعد
ذلك فما اجتمع لهم منه تبايعوه بينهم واشتراه بعضهم من بعض ثم يحمله التجار إلى
سائر الأقطار وهذا شغلهم دأباً لا يفترون عنه ومن ذلك معايشهم ومبادئ مكاسبهم
وعليه يعولون.
ومن وادي العلاقي إلى عيذاب من أرض البجة اثنا عشر يوماً ومن بلاد البجة مدينة
بختة وهي أيضاً قرية مسكونة وبها سوق لا يعول عليها وحولها قوم ينتجون الجمال
ومنها معايشهم وهي أكثر مكاسبهم وإلى هذه القرية تنسب الجمال البختية وليس يوجد على
وجه الأرض جمال أحسن منها ولا أصبر على السير ولا أسرع خطاً وهي بديار مصر معروفة
بذلك.
وبين
أرض النوبة: أرض وأرض البجة قوم رحالة يقال لمم البليون ولهم صرامة وعزم وكل من
حولهم من الأمم يهادنونهم ويخافون ضرهم وهم نصارى خوارج على مذهب اليعقوبية وكذلك
جميع أهل بلاد النوبة والحبشة وأكثر أهل البجة نصارى خوارج على مذهب اليعاقبة كما
قدمنا ذكره.
ويتصل أيضاً بأرض الحبشة على البحر بلاد بربرة وهم تحت طاعة الحبشة وهي قرى متصلة
وأولها قرية جوة ومنها إلى باقطى ستة أيام ومنها أيضاً إلى بطا البرية سبعة أيام
ومدينة بطا المتقدم ذكرها فوق خط الاستواء في نهاية المعمور.
نجز الجزء الخامس من الإقليم الأول والحمد لله ويتلوه الجزء السادس منه إن شاء
الله.
الجزء السادس
إنه هذا الجزء السادس من الإقليم الأول تضمن من ناحية الجنوب مدينة قرقونة ومركة
والنجا وهذه البلاد الثلاثة من أرض بربرة وإليها تنتهي عمالتها وهي على البحر
اليماني وأهل قرى بربرة أكثر عيشهم من لحوم السلاحف البحرية وتسمى عندهم البسة.
ومن جوة إلى قرقونة يومان في البحر وعليها جبل عظيم يمتد في جهة الجنوب ومن قرقونة
إلى برمة ثلاثة أيام في البحر ويبتدئ منها جبل خاقوني وهو جبل له سبعة رؤوس خارجة
ويمتد تحت الماء في البحر أربعة وأربعين ميلاً وإلى رؤوس هذا الجبل بلاد صغار
كالقرى يقال لها الهاوية ومن خاقونى إلى مركة على الساحل ثلاثة مجار صغار وفي البر
سبعة أيام وعلى مرحلتين من مركة في البرية واد يمد كمد النيل وعليه يزرعون الذرة
ومن مركة إلى بلد النجا على البحر يوم ونصف يوم وعلى البر أربعة أيام والنجا آخر
أرض بربرة.
ومن النجا إلى قرنوة ثمانية أيام وهي مدينة صغيرة على البحر ومنها إلى بذونة ستة
أيام وهي قرية كبيرة مسكونة آهلة وأهلها يأكلون الضفادع الأحناش وأشياء من
القاذورات التي يعاف الناس أكلها وهذه الأرض أيضاً تليها بلاد الزنج ثم إن قرنوة
وبذونة مدينتان وأهلهما كفرة وهما تتصلان ببلاد الزنج على ضفة البحر الملح وكل هذه
البلاد المذكورة تقابل بلاد اليمن في جهة الشمال وبينهما عرض البحر وعرضه هناك ست
مائة ميل ويكون في أمكنة أخرى أكثر من هذا وأقل على قدر خروج أجوان البحر في
البراري وعلى قدر دخول القراطيل في البحر. وفيما تضمنه هذا البحر المحصل في هذا
الجزء أربع جزائر منها جزيرتان في جهة المشرق واسم إحداهما خرتان والثانية مرتان
وهما في جون الحشيش وسنستقصي ذكرهما في موضعه بعون الله تعالى.
ومنها جزيرة سقطرى التي ينسب الصبر إليها وبين وبين الساحل مجريان بالريح الطيبة
ويقابلها من بلاد اليمن مدينة برباط وحاسك وسنذكر هاتين المدينتين في موضع ذكرهما
مع جملة أخبار بحول الله وقوته.
والجزيرة الرابعة تسمى جزيرة قنبلا وهي في ناحية المغرب من هذا الجزء وهي خالية
لكنها كثيرة الشجر وفيها جبال ممتدة وعرة فيها ضروب وحوش ودواب مضرة وفيها أيضاً
عين ماء خرارة تصب في البحر وربما سقط إلى هذه الجزيرة من أحرم إليها من بلاد
اليمن أو من مراكب القلزم أو من مراكب الحبشة فيستغيثون بها وهي تقابل الحصن
المعروف بمخلاف حكم من ساحل اليمن.
ومنها إلى جبل المندب مجريان والمندب جبل يحيط به البحر من جميع جهاته وطرفه إلا
على مما يلي الجنوب ويمر إلى جهة الشمال مع تغريب يسير وطوله نحو من اثني عشر
ميلاً وظهره مما يلي بلاد الحبشة كله أقاصير وجزائر متصلة حتى تنتهي إلى زالغ
واقنت وباقطى فلا يقدر أحد على خوض هذا البحر من هذه الجهة وفي وسط هذه التروش
والجزائر جبل معترض يسمى موريقس وهو يتصل من نحو زالغ إلى ظهر المندب وليس بكثير
العلو في الجو لكنه يعلو على وجه الماء مرة ويغيب في مواضع أخرى يستره الماء لكنه
متصل في ذاته وحكى صاحب كتاب العجائب أنه لا يمر بهذا الجبل شيء من المراكب
المسمرة بالحديد إلا اجتذبه إليه وأمسكه معه فلا تكاد تتخلص منه البتة وأما جبل
المندب فإنه ممتد مع ساحل اليمن كما قلناه وليس لشيء من مراكب القلزم الصاعدة إلى
اليمن بد من أن تمر به في مسيرها ورجوعها لأن البحر يضيق هناك حتى يرى الرجل صاحبه
من البر الثاني من اليمن وفي هذا الجبل من ظهره مغارة لا يدخلها أحد فيخرج منها
إما لحيوان يأكله أو لحفر يقع فيه ولما علم الناس ذلك منها قصدوا إليها وسدوها
بالحجارة والطين فلا يصل الآن إليها أحد.
وأما
جزيرة سقطرى فهي جزيرة واسعة القطر جليلة القدر بهية الأرض نامية الشجر وأكثر
نباتها شجر الصبر ولا صبر يفوق صبرها في الطيب كالذي يتخذ بحضرموت اليمن والشحر
وغيرها وهي كما قلناه تتصل من جهة الشمال والغرب ببلاد اليمن بل هي محسوبة منه
ومنسوبة إليه ويقابلها من جهة بلاد الزنج مدينة ملند ومنبسة وأكثر أهل مدينة سقطرى
نصارى والسبب في ذلك أن الإسكندر لما تغلب على ملك فارس وغزت أساطيله جزائر الهند
وقتل قور ملك الهند وكان معلمه أرسطوطاليس قد أوصاه بطلب جزيرة الصبر فكان في بال
الإسكندر ذلك من أجل وصية معلمه فعند فراغه من أخذ جزائر الهند وتغلبه عليها وعلى
ملوكها أخذ راجعاً في بحر الهند إلى جهة البحر العماني وقد تغلب على تلك الجزائر
إلى أن وصل إلى جزيرة سقطرى فأعجبه منها طيب ثراها وإعتدال هوائها فكتب إلى معلمه
بذلك فلما وصل الخبر إلى أرسطوطاليس كتب إليه يأمره بأن ينقل أهلها عنها ويستبدلهم
باليونانيين ويوصيهم بحفظ شجرة الصبر وحياطتها لما في ذلك من جمل المنافع الطبية
وأنه لا تتم الايارجات إلا به مع انتفاع جميع الأمم بأخذه وتصريفه ولأنه في ذاته
دواء جليل كثير المنافع ففعل الإسكندر ذلك وأخرج عنها جملة أهلها ونقل إليها قوماً
من اليونانيين وأمرهم بحفظ شجرة الصبر والقيام بها وغراستها وإدامة تنميتها ففعلوا
ذلك وكانوا في صيانة وجمل أموال إلي أن ظهر دين المسيح فآمنت الأمم فدخل أهل سقطرى
في دين النصرانية وبقايا ذرياتهم بها إلى هذا الوقت مع سائر من يسكنها من غيرهم
وأوراق شجر الصبر تجمع في شهر يوليه ويستخرج لعابها ويطبخ في قدور النحاس وغيرها
ويوضع في زقاق ويجفف في شهر أغشت للشمس ويباع منه بهذه الجزيرة قناطير فيتجهز به
إلى سائر بلاد الله في المشرق والمغرب وصبرها ينسب إليها ويعرف.
وأما جزيرة خرتان وجزيرة مرتان اللتهب قدمنا ذكرهما فهما في جون الحشيش بالمحاذاة
إلى بلاد الشحر التي فيها منابت اللبان وهاتان الجزيرتان معمورتان يسكنهما قوم من
العرب قد أقاموا فيهما وقنعوا بهما وهم يتكلمون بألسنة عادية قديمة لا تعرفها
العرب في وقتنا هذا وأهل هاتين الجزيرتين في قشف وضيق عيش ونكد حال أيام الشتاء
إلى أن تكون أيام الأسفار في البحر فيركبون في مراكبهم إلى أرض عمان وعدن وساحل
اليمن فتتسع أحوالهم ويحسن عيشهم قليلاً وكثيراً ما يقع إليهم العنبر الجيد
فيبيعونه من التجار المسافرن إليهم وربما قصدوا به إلى بلاد اليمن بأنفسهم
فيبيعونه هناك بأرفع قيمة ويخرج من هاتين الجزيرتين الذبل والذيلعان وهو ضرب من
الذبل وظهور السلاحف يتخذ منها أهل اليمن قصاعاً لغسلهم وخبزهم.
وأما بلاد اليمن الواقعة في هذا الجزء فمنها مخلاف الحردة وهو حصن على البحر
والعرب تسمي الحصن مخلافاً والحردة حصن صغير وناسه قليلون وعيشهم اللحوم والألبان
والتمر ومعايشهم ضيقة ومنه إلى مخلاف غلافقة في البر أربع مراحل وأهل هذا الحصن
حضر وهو على مرسى زبيد ومنه إلى زبيد خمسون ميلاً.
ومدينة زبيد مدينة كبيرة وأهلها مياسير أهل ثروة ومال والمسافرون إلها كثيرون وبها
يجتمع التجار من أرض الحجاز وأرض الحبشة وأرض مصر الصاعدون في مراكب جدة وأهل
الحبشة يجلبون رقيقهم إليها ويخرج منها ضروب الأفاويه الهندية والمتاع الصيني
وغيره وهي على نهر صغير ومنها إلى مدينة صنعاء مائة واثنان وثلاثون ميلاً والطريق
على ديار اليمن من زبيد إلى جيلان ستة وثلاثون ميلاً ومن جيلان إلى ألهان اثنان
وأربعون ميلاً ومن ألهان إلى الغرف ثلاثون ميلاً ومن الغرف إلى صنعاء أربعة وعشرون
ميلاً وكل هذه البلاد قرى وحصون ليست بالكبار لكنها معمورة ينزل بها ويأوي التجار
والمسافرون إليها ويتزودون منها.
ومدينة
صنعاء كثيرة الخيرات متصلة العمارات وليس في بلاد اليمن أقدم منها عهداً ولا أكبر
قطراً ولا أكثر ناساً وهي في صدر الإقليم الأول معتدلة الهواء طيبة الثرى والزمان
بها أبداً معتدل الحر والبرد وبها كانت ملوك اليمن قاطنة وهي ديار العرب وكان
لملوكها بها بناء كبير عظيم الذكر وهو قصر غمدان فتهدم وصار كالتل العظيم وأكثر
بنيانها في هذا الوقت بالخشب والألواح وبها دار لعمل الثياب المنسوبة إليها وهي
قاعدة اليمن وهي على نهر صغير يأتي إليها من جبل يوافي من شمالها فيمر بها نازلاً
إلى مدينة ذمار ويصب في البحر اليماني وبشمال صنعاء جبل المدخير وطول أعلاه ستون
ميلاً وبه مزارع ومياه وينبت فيه الورس والورس نبات أصفر يشبه الزعفران تصبغ به
الثياب.
ومن صنعاء إلى ذمار ثمانية وأربعون ميلاً وهي مدينة صغيرة قليلة العمارة ضياقة
المساكن ومن مدينة صنعاء إلى مدينة عدن مائة ميل وأربعة أميال والطريق في ديار
داحس فمن صنعاء إلى ذمار ثمانية وأربعون ميلاً ثم إلى مخلاف سفتان أربعة وعشرون
ميلاً ثم إلى حجر وبدار وهما قريتان متجاورتان ستون ميلاً ثم إلى مخلاف أبين اثنان
وسبعون ميلاً ومن مخلاف أبين إلى عدن اثنا عشر ميلاً.
ومدينة عدن مدينة صغيرة وإنما شهر ذكرها لأنها مرسى البحرين ومنها تسافر مراكب
السند والهند والصين وإليها يجلب متاع الصين مثل الحديد الفرند والكيمخت والمسك
والعود والسروج والغضار والفلفل والدارفلفل والنارجيل والهرنوة والقاقلة
والدارصيني والخولنجان والبسباسة والأهليلجات والأبنوس والذبل والكافور والجوزبوا
والقرنفل والكبابة والثياب المتخذة من الحشيش والثياب العظيمة المخملة وأنياب
الفيلة والرصاص القلعي وغيرها من القنا والخيزران وأكثر السلع التي يتجهز بها إلى
سائر البلاد كما قد علم ذلك ومدينة عدن يحيط بها من جهة شمالها وعلى بعد منها جبل
دائر من البحر إلى البحر وقد نقب فيه من طرفيه نقبان كالبابين يدخل منهما ويخرج
عليهما وبين الباب والباب على ظهر الجبل مسيرة أربعة أيام وليس لأهل عدن دخول ولا
خروج إلا على هذين النقبين أو على البحر وهي بلد تجارة ويقابل عدن في البرية على
مسافة يوم مدينة كبيرة جداً تسمى بذي جبلة وعليها حصن منيع كبير جداً يرف بالتعكر.
ومن عدن إلى المهجم ثماني مراحل خفاف في ديار داحس والمهجم مدينة صغيرة كالحصن
وأهلها مجتمعون فيها وهي الحد بين عمل تهامة واليمن ومنها إلى صنعاء سبع مراحل ومن
المهجم إلى حيران أربع مراحل وحيران مدينة صغيرة جداً تشتمل على قرى ومزارع ومياه
عليها عمارة أهلها وهي في وطاء من الأرض وأهلها أصناف من قبائل اليمن ومنها إلى
صنعاء ثلاث مراحل ومن حيران إلى صعدة ثمانية وأربعون ميلاً وعلى المغرب من صنعاء
مخلاف شاكر وبينهما ثمانية عشر ميلاً والذي يتجهز به من صعدة الأديم لأن بها دار
صناعة الأديم العديم المثال إلا ما كان منه بصنعاء وبها مجتمع التجار وأهلها أهل
أموال وافرة وبضائع وتجارات كثيرة.
ومن عدن مع الساحل في جهة المشرق إلى قرية أبين اثنا عشر ميلاً وهي على ضفة البحر
اليماني وأهلها موسومون بالسحر ومنها إلى لسعا في البحر ليلة ويوم وفي البر خمسة
أيام لأن بينهما جبل يعترض في الساحل يتصل من البحر إلى الصحراء فيعوق عن الطريق
ومدينة لسعا صغيرة جداً على ضفة البحر الملح ومنها إلى شرمة على الساحل يوم وبين
ضرمة ولسعا قرية كبيرة فيها حمة حامية كالجابية وأهل تلك النواحي يتطهرون فيها
ويجلبون إليها مرضاهم فيصحون بها من آلامهم وأنواع أسقامهم ومدينة لسعا وشرمة هما
على ساحل أرض حضرموت وبينهما يومان في البرية.
وبأرض
حضرموت مدينتان اسم إحداهما شبام والأخرى تريم وبين المدينتين مقدار مرحلة ومن مدن
حضرموت مأرب وهي الآن مدينة خراب وكانت مدينة سبا ومنها بلقيس زوجة سليمان عليه
السلام ومن حضرموت إلى صداء مائتان وأربعون ميلاً ومن صنعاء إلى صداء مائة وعشرون
ميلاً ومن عدن إلى حضرموت خمس مراحل وهي في شرقي عدن وبها رمال متصلة تعرف
بالأحقاف وبلادها بلاد صغار وبها متاجر قليلة ويخرج منها الصبر الحضرمي وهو دون
الصبر السقطري وربما سبكه الغشاشون للصبر فغشوا به الصبر السقطري وبمدينة سبا
طوائف من أهل اليمن وأهل عمان وبها كان السد المذكور في أخبار العرب وقبل تفرقها
عنه ومن شرمة المقدم ذكرها على الساحل إلى مدينة مرباط ستة أيام في البحر وبينهما
غب القمر ومعنى الغب الجون وفي قعر هذا الجون بلد يقال له خلفات وعلى رأس الجون
المذكور جبل كبير مستدير على هيئة القمر أبيض اللون ولذلك سمي بجبل القمر لتقويسه
وبياضه وجبال مدينة مرباط تنبت شجر اللبان ومنها يتجهز به إلى جميع المشارق
والمغارب وأهل مرباط هذه قوم أخلاط من اليمن وسائر قبائل العرب ومنها إلى قرية
حاسك على البحر أربعة أيام في البر ومجريان في البحر ويقابل حاسك في البحر جزيرتان
جزيرة خرتان وجزيرة مرتان وقد تقدم ذكرهما وعلى حاسك جبل يسمى لوس وهو جبل كبير
مطل على البحر وأرض قوم عاد تقابله في جهة الشمال ومن حاسك إلى قبر هود أيضاً
مقدار ميلين وحاسك مدينة صغيرة كالقرية متحضرة وبها مصيد للحوت كبير وهي على جون
يسمى جون الحشيش وهو جون مقعر كالكيس إذا وقعت به المراكب لم تكد تتخلص لأن الخروج
منه يصعب إلا أن يكون بريح مستعملة وقليلاً ما يخرج منه من سقط فيه.
نجز الجزء السادس من الإقليم الأول والحمد لله ويتلوه الجزء السابع منه إن شاء
الله.
الجزء السابع
إن هذا الجزء السابع من الإقليم الأول تضمن في حصته ووجب له قطعة من البحر الهندي
وجملة جزائر متفرقة فيها أنواع من الأمم وعلى جنوبه أيضاً بقايا من بلاد الكفرة
السود وما اتصل بها على البحر من بلاد الزنج ونحن الآن نريد بعون الله أن نذكر
جميع ذلك ذكراً شافياً ونأتي به على استقصاء فنقول إن هذا البحر هو بحر الهند وعلى
ضفته مدينة بروة وهي آخر بلاد الكفرة الذين لا يعتقدون شيئاً وإنهم يأخذون الأحجار
القائمة فيدهنونها بدهن السمك ويسجدون لها ومثل هذه السخافة وما جانسها تعبدهم
واعتقادهم الفاسد وهم على ذلك ثابتون بعض هذه البلاد في طاعة ملك بربرة وبعض في
طاعة الحبشة ومن بروة على الساحل إلى بذونة ثلاثة أيام في البحر وهي مدينة خراب
قليلة الدمارة وحشة المساكن قذرة البقاع وعيش أهلها من السمك ولحوم الصدف والضفادع
الأحناش والفيران والورل والحيوان الذي يسمى أم حبين وغير ذلك من الحيوانات التي
لا تؤكل وهم يتصيدون في البحر عوماً من غير مركب ولا وقوف في ساحل وإنما هم
يتصيدون بالسباحة بشباك صغار يصنعونها من النبات ويربطونها في أرجلهم ولهم أخيات
وأنشوطات يجذبونها بأيديهم إذا أحسوا بأن الحوت دخل في شباكهم بصنعة قد أحكموها
وحيل قد هندموها وعرفوها ويضعون في شباكهم حناش الطين وبها يطعمون للحوت ومع هذا
فإنهم في فاقة وفقر وضيق حال لكن الله عز وجل حبب المواطن لأهلها فهم قد قنعوا
بذلك ورضوه لأنفسهم وهم في طاعة الزنج.
ومن هذه المدينة على الساحل إلى مدينة ملندة من بلاد الزنج ثلاثة أيام في البحر
بلياليها ومدينة ملندة على ضفة البحر على خور ماء عذب وهي مدينة كبيرة وأهلها
مخترقون بالصيد براً وبحراً فيصيدون في البر النمور والذئاب ويصيدون في البحر
ضروباً من الحيتان فيملحونها ويتجرون بها وعندهم معدن حديد يحتفرونه ويعملونه وهو
جل مكسبهم وتجارتهم وأهلها يزعمون أنهم يسحرون الحيوان الضار حتى لا يضر إلا لمن
أرادوا ضره والنقمة منه وأن السباع والنمور لا تعدو عليهم بما يسحرونها به واسم
السحر عندهم بلغتهم المقنقا.
ومن
هذه المدينة إلى مدينة منبسة على الساحل مسافة يومين وهي مدينة صغيرة للزنج وأهلها
محترفون باستخراج الحديد من معدنه والصيد للنمور وكلابهم حمر تغلب كل الذئاب وجملة
السباع وهي في نهاية من القهر لها وهذه المدينة على البحر وعلى ضفة خور كبير تدخله
المراكب مسيرة يومين وليس عليه شيء من العمارة أكثر من أن الوحوش تسكن في غياض
ضفتيه معاً فهم يصيدونها هناك كما قدمنا ذكره وفي هذه المدينة سكنى ملاث الزنج
وأجناده يمشون رجالة لأن الدواب ليست عندهم ولا تعيش بأرضهم.
ومن منبسة إلى قرية البانس في البر ستة أيام ومجرى ونصف في البحر وقرية البانس
قرية جامعة آهلة بالناس وهم يعبدون الرجيم والرجيم عندهم طبل كبير كالبتية مجلد من
وجه واحد ويربطون في ذلك الجلد شريطاً يجذبونه به فيكون له صوت هائل يسمع على
ثلاثة أميال أو نحوها ومدينة البانس هي آخر بلاد الزنج وتتصل بها أرض سفالة الذهب
فمنها على الساحل إلى مدينة تسمى بتهنة ثمانية أيام في البر ومجرى ونصف في البحر
وذلك لأن ما بين هاتين المدينتين جون كبير يأخذ في جهة الجنوب فيعوق عن الطريق
قصداً وبين هاتين المدينتين في البحر جبل عال عريض يقال له عجرد والماء قد حفر
جوانبه من كل ناحية فيصوت الموج به صوتاً هائلاً وهذا الجبل المذكور يجتذب إلى
نفسه من المراكب ما لاصقه فالمسافرون يتنحون عنه ويفرون منه.
ومدينة بتهنة أيضاً من بلاد سفالة وتتصل بأرض الزنج قرى كثيرة كل قرية منها على
خور وجميع بلاد الزنج بضائعهم الحديد وجلود النمور الزنجية وهي جلود إلى الحمرة
رطبة جداً وليس عندهم دواب وإنما يتصرفون بأنفسهم وينقلون أمتعتهم على رؤوسهم وعلى
ظهورهم إلى مدينتي منبسة وملندة فيبيعون هناك ويشترون وليس لزنج مراكب يسافرون
فيها وإنما تدخل المراكب من عمان وغيرهما إلى جزائر الزنج فيبيعون بها متاعهم
ويشترون متاع الزنج وأهل جزائر الرانج يسافرون إلى الزنج في زوارق ومراكب صغار
فيجلبون منها أمتعتها لأنهم يفهم بعضهم كلام بعض وللعرب في قلوب الزنج رعب عظيم
ومهابة فلذلك متى عاينوا رجلاً من العرب تاجراً أو مسافراً سجدوا له وعظموا شأنه
وقالوا بكلامهم هنيئاً لكم يا أهل بلاد التمر وإن المسافرين في بلادهم يسرقون
أبناء الزنج بالتمر يخدعونهم به فينقلونهم من مكان إلى حتى يقبضون عليهم ويخرجونهم
من بلادهم إلى البلاد التي يكونون بها وأهل بلاد الزنج كثيرو العدد قليلو العدد
وصاحب جزيرة كيش من بحر عمان يغزو بمراكبه بلاد الزنج فيسبي منها خلقاً كثيراً.
ويقابل بلاد الزنج الساحلية جزائر تسمى جزائر الرانج وهي كثيرة وأرضها واسعة
وأهلها سمر جداً وكل ما يزرع بها من الذرة وقصب السكر وشجر الكافور لونه أسود ومن
جزائر الرانج جزيرة شربوة وتكسيرها على ما يذكر ألف ميل ومائتا ميل وبها مغائص
للجوهر وبها أفاويه الطيب والتجار يدخلون إليها ومن جزائر الرانج الواقعة في هذا
الجزء الذي نتكلم عليه جزيرة الانجية ومدينتها التي يسكن فيها أهل هذه الجزيرة
تسمى الأنقوجة بلغة أهل الرانج وأهلها أخلاط والغالب عليهم أنهم مسلمون في هذا
الوقت وبينهما وبين مدينة البانس التي من ساحل بلاد الزنج مجرى واحد ودورها أربع
مائة ميل وأكثر عيشهم من الموز والموز عندهم خمسة ألوان فمنه الموز المسمى القند
والموز الفيلي أيضاً وقد يوجد في وزن الموزة اثنتا عشرة أوقية والموز العماني
والموز المورياني والموز السكري وأكثر عيش أهل هذه الجزيرة منه وهو عجيب الطعم
لذيذ الذوق شهي المزازة وهذه الجزيرة يقسمها من العرض جبل يسمى جبل ويره وهو جبل
منيع يأوي إليه المنقطعون من المدينة وهم هناك خلق كثير وجمع غزير وربما قطعوا في
طرق المدينة وهم ممتنعون في أعلى هذا الجبل متحصنون فيه عمن قصدهم من ناحية صاحب
الجزيرة وفيهم منعة ونجده وهم متمكنون من الأسلحة والعدد.
ولهذه
الجزيرة أيضاً عمارات متصلة وقرى كثيرة فيها مواشيهم ويزرعون بها الأرز وتجاراتها
كثيرة والداخل إليهم في كل سنة كثير بضروب من الأمتعة وجمل من البضائع التي
يتصرفون إليها ومنها ويقال إنه لما اضطرب أمر الصين بالخوارج وكثر الظلم والتخليط
بالهند صير أهل الصين تجاراتهم إلى الرانج وغيرها من جزائرها وعاملوا أهلها وأنسوا
إليهم لعلهم وحسن معاشرتهم ومعاملتهم وسماحة تجارهم فهي لذلك عامرة والمسافر إليها
كثير.
وبالقرب من هذه الجزيرة في البحر جزيرة صغيرة فيها جبل عالي الذرى لا يصل أحد إلى
أعلاه ولا إلى شيء منه لإحراقه كل ما قرب منه وذلك أنه يظهر منه بالنهار دخان عظيم
وبالليل نار تتقد ويخرج من أسفله عيون فمنها باردة عذبة ومنها حارة زعاق.
وبالقرب من جزيرة الرانج المذكورة أيضاً جزيرة كرموه وأهلها سود الألوان يسمون
بالبوميين ولباسهم الأزر والفوط وهم أهل دعارة ونجدة ويحملون السلاح وبها يمشون في
طرقهم وربما ركبوا في مراكبهم وتعرضوا للسفن فأكلوا متاعها وقطحوا على أهلها
ومنعوا من الدخول إليهم إلا أقواماً بأعيانهم لا يخافون عاديتهم وشرهم وبينها وبين
ساحل الزنج مجرى يوم وليلة وبينها وبين جزيرة الرانج المسماة أنقوجة مجرى يوم.
وبالقرب من هذه الجزيرة جزيرة القرود وبينهما نحو من ثلاثة مجار ومنها إلى البر
المتصل بأرض الحبشة مجريان خفيفان وهي جزيرة كبيرة فيها غياض وشجر وحواف منيعة
وبها أنواع من الثمر والقرود بهذه الجزيرة كثيرة تتولد وتتزايد حتى إنها قد تغلبت
على هذه الجزيرة لكثرتها ويقال إن لها أميراً تنقاد إليه وتحطه على أعناقها وهو
يحكم عليها حتى لا يظلم بعضها بعضاً وألوان هذه القرود إلى الحمرة وهي ذوات أذناب
ولها ذكاء وحدة فهم وإذا انكسر عل جزيرتها مركب أو لجأ إليها أحد من الناس عذبته
عذاباً بليغاً بالعض والرجم بالقاذورات وتعبث بمن سقط في أيديها عبثاً عظيماً
وربما أمضت عليه فقتلته مسرعاً وربما أقلت العبث به فمات بينها جوعاً وقد يتحيل
عليها أهل جزيرني خرتان ومرتان فيصيدونها ويخرجونها إلى بلاد اليمن فتباع بالثمن
الكثير وأهل اليمن أعني التجار منهم يتخذونها في حوانيتهم حراساً كالعبيد يحرس
أمتعة مواليها فلا يتقدر أحد على خدعها ولا على أخذ شيء مما بين أيديها وهي في
نهاية من الذكاء ومن هذه الجزيرة التي للقرود إلى جزيرة سقطرى مجريان وأهل سقطرى
يتحيلون عليها فيصيدونها بحيلة لطيفة وهي أنهم ينشئون لصيدها زوارق صغاراً جداً
فيها طول فيحملونها معهم في المراكب وصورة صيدهم لها أنهم ينسجون على أفواه
الزوارق شباكاً من الحبال مهندمة يلقونها مع جوانب الزوارق المذكورة حتى لا تحس
بها القرود وتخفى فإذا وصلوا الجزيرة زرقوا في البحر تلك الزرارق وجعلوا فيها
طعاماً لتأكله القرود فإذا قربوا من البر قذفتهم القرود بالحجارة فيتركون الزوارق
الصغار مع البر وتباعدوا بمراكبهم إلى لجة البحر فإذا نظرت القرود إليهم قد بعدوا
ولم يبق مع البر إلا تلك الزوارق قصدتها فوثبت فيها فوجدت بها ذلك الطعام الذي أعد
لها فتتزاحم عليه وتشتغل به فيجذب أهل المركب تلك الشباك التي في الزوارق في لطف
بحبال تحت الماء مهندمة جذباً لطيفاً فتكسي الشباك فوق أفواه الزوارق ويجتذبون
الزوارق إلى أنفسهم فتثب القرود إليهم فلا تدعها الشباك فيتولون ضربها بالعصي حتى
تهدأ ويتحيلون عليها حتى يلقوا الأخيات في أعناتها ويخرجونها أحياء إذا أرادوا ذلك
وقد يقتلونها بالدق ويسلخون جلودها فيخرجونها معهم إلى بلاد اليمن.
ومن جزيرة القرود في جهة الشمال جزيرة يقال لها القطربة وهي جزيرة عامرة يسكنها
قوم نصارى لكن زيهم عربي وهم يتكلمون بالعربية ويدعون أنهم عرب وهم أهل غدر ونكاية
يقطعون بالمراكب المارة والآتية فيما بين البحرين والبصرة إلى قرب عمان وهم أخبث
عدو يلقى في البحر وفي هذه الجزيرة مغائص للؤلؤ كان أهل اليمن يقصدون إليها
ويغوصون بها لكن أهل الجزيرة أكلوا متاع الغواصين والتجار القاصدين إليهم حتى
قطعوا الناس عن السفر إليهم.
ويسمى
هذا البحر المضمن في هذا الجزء والجزء الذي قبله أعني البحر العماني ببحر هركند
بلغة أهل الهند وفي هذا البحر عجائب كثيرة وصور شتى وحيتان ملونة فمنها ما يكون
طوله مائة ذراع ودون ذلك ويسمى هذا السمك الوالي وهو ابيض ويتبع هذا السمك الكبير
المسمى بالوالي سمكة صغيرة تسمى اللشنك فإذا طغت السمكة الكبيرة وجارت واعتدت على
سائر السمك لصقت السمكة الصغيرة المسماة لشنك بأصل أذن الدابة الكبيرة فلا تفارقها
حتى تقتلها وفيه سمك ذاهب في العرض إذا شق بطنها وجدت فيه سمكة أخرى وإذا شقت تلك
الأخرى وجد في بطنها سمكة أخرى وكذلك إذا فعل بالثالثة مثل هذا وجد في بطنها سمكة
أخرى إلى أربع سمكات بعضها في جوف بعض وفي هذا البحر سلاحف طول السلحفاة عشرون
ذراعاً وفي بطنها نحو من ألف بيضة وهي تلد وترضع وظهورها الذبل الجيد وفيه سمك على
خلقة البقر تلد وترضع وتعمل من جلودها الدرق وفيه سمك طوله مقدار الذراع وله وجه
كوجه البومة يطير على الماء ويسمى السبح وقد قيض الله له سمكة أخرى تسمى العنقريس
ترعاها تحت الماء فإذا سقط السبح في الماء ابتلعته وفيه أيضاً أسماك طيارة يقال
لما النطيق لها مرارات يكتب بها الكتب فإذا جفت قرئت في الظلام كما تقرأ بالنهار
في ضوء الشمس وفيه سمكة تسمى الهنس وهي من صدرها إلى رأسها مثل الترس تطيف به عيون
تنظر منها وباقيها طويل مثل الحية في طول عشرين ذراعاً ولها أرجل كثيرة كأسنان
الميشار من صدرها إلى ذنبها لا تمر بشيء إلا أهلكته.
ومن هذا البحر يخرج العنبر الكثير الطيب الرائحة وقد توجد منه العنبرة من قنطار
وأكثر وأقل وهو شيء تقذف به عيون في قعر البحر مثل ما تقذف عيون هيت بالنفط فإذا
اشتد هيجان الريح رمى به إلى الساحل وقد وهم فيه بعض الناس حين ظنوا أنه رجيع دابة
وليس هو برجيع دابة وإنما هو ما ذكرناه وقد حكى ذلك إبراهيم بن المهدي في كتابه
المسمى بكتاب الطيب وذكر فيه أن هارون الرشيد بعث إلى اليمن قوماً من قبله يبحثون
عن العنبر ما هو على الحقيقة فأخبر أهل عدن وشرمة وحاسك أنه شيء تقذف به عيون في
قعر البحر فيسوقه الموج إلى الساحل صغيراً وكبيراً وليس العنبر بشيء غير ما
ذكرناه.
نجز الجزء السابع من الإقليم الأول والحمد لله ويتلوه الجزء الثامن منه إن شاء
الله تعالى.
الجزء الثامن
إن هذا الجزء الثامن من الإقليم الأول تضمن في حصته بقية من أرض سفالة فيها
مدينتان كالقرى ويليهما قرى صغار ودواير رحالة كالعرب فأما المدينتان فهما جنطمة
ودندمة وهما على ضفة البحر الملح وهما مدينتان صغيرتان كالقرى الجامعة وأهلهما في
ذاتهم قلة وفي أنفسهم أذلة وليس بأيديهم شيء يتصرفون به ويتعيشون منه إلا الحديد
وذلك أن بلاد سفالة توجد في جبالها معادن الحديد الكثيرة وأهل جزائر الرانج وغيرهم
من ساكني الجزائر المطيفة بهم يدخلون إليهم ويخرجونه من عندهم إلى سائر بلاد الهند
وجزائرها فيبيعونه بالثمن الجيد لأن بلاد الهند أكثر تصرفهم وتجاراتهم بالحديد ومع
ذلك وإن كان الحديد موجوداً في جزائر الهند ومعادنه بها ففي بلاد سفالة هو أكثر
وأطيب وأرطب لكن الهنديون يحسنون تركيب أخلاط الأدوية التي يسبكون بها الحديد
اللين فيعود هندياً ينسب إلى الهند وبها دور الضرب للسيوف وصناعهم يجيدونها فضلاً
على غيرهم من الأمم وكذلك الحديد السندي والسرنديبي والبينماني كله يتفاضل بحسب
هواء المكان وجودة الصنعة وإحكام السبك والضرب وحسن الصقل والجلاء ولا يوجد شيء من
الحديد أمضى من الحديد الهندي وهذا شيء مشهور لا يقدر أحد على إنكار فضيلته.
وبين
جنطمة ودندمة مجريان في البحر وفي البر سبعة أيام ودندمة هذه أحد قواعد سفالة
ويتصل بأرض سفالة ثلاث مدن إحداها صيونة وهي متوسطة القدر وأهلها جماعات من بلاد
الهند والزنوج وغيرهم وهذه المدينة على ضفة البحر وبها يسكن رئيس هذه البلاد و له
عساكر رجالة لا خيل عندهم وهذه المدينة على خور تدخله المراكب المسافرة إليها
ومنها إلى مدينة برخة على الساحل ثلاثة مجار وكذلك من صيونة إلى مدينة دندمة من
أرض سفالة في جهة المغرب ثلاثة مجار في البحر وفي البر نحو من عشرين مرحلة لأن
بينهما غباً كبيراً ذاهباً في جهة الجنوب فيعوق عن الطريق المستقيم ومن مدينة برخة
إلى مدينة جسطة في البحر مجرى واحد وفي البر أربعة أيام.
وبجميع بلاد سفالة يوجد التبر الذي لا يعدله شيء من التبر في الطيب والكثرة والعظم
وهم مع هذا يفضلون النحاس على الذهب ومنه حليهم وهذا التبر الموجود في أرض سفالة
كبير المقدار يشف على غيره بالكبر لأنه يوجد في التبرة منه مثقال ومثقالان وأكثر
وأقل وعلى قدر الرمل وهم يسبكونه في البواذق بنار أرواث البقر الجاف ولا يحتاجون
فيه إلى جمع بزيبق ولا غيره كما يفعله أهل المغرب وذلك أنهم يؤلفون أجزاء تبرهم
ويجمعونها بالزيبق وبعد ذلك يسبكونه بنار الفحم فيذهب الزيبق في الدخان ويبقى جسد
التبر مسبوكاً نقياً وتبر أرض سفالة لا يحتاج إلى ذلك بل ينسبك بلا صنعة تدخله
وسنذكر باقي أرض سفالة فيما يأتي بعد هذا بحول الله وعونه.
وفي هذا الجزء من الجزائر المرسومة في أمكنتها جزائر الدبيحات المتصلة بعضها ببعض
وهي لا تحصى وأكثرها خالية وأكبرها جزيرة انبونه وهي عامرة وفيها خلق كثير
يعمرونها ويعمرون ما حولها من كبار الجزائر وتتصل بهم جزيرة القمر ولجميع هذه
الجزائر رئيس يجمعهم ويذب عنهم ويحامي عليهم ويهادن على قدر طاقته وزوجته تحكم بين
الناس وتكلمهم ولا تستر عنهم والرئيس زوجها حاضر لا يتكلم فيما تأمر به من جميع
أوامرها وتحكيم النساء عندهم سيرة دائمة لا ينتقلون عنها واسم هذه الملكة دمهرة
وهي تلبس حلة الذهب المنسوج وتحمل على رأسها تاج الذهب المكلل بأنواع اليواقيت
والأحجار النفيسة وتجعل في رجليها نعل الذهب وليس يمشي أحد في هذه الجزائر بنعل
إلا الملكة وحدها ومتى عثر على أحد أنه لبس النعال قطعت رجلاه وهذه الملكة في فصول
مذهبها وأعيادها تركب ويركب خلفها جواريها بالزي الكامل من الفيلة والرايات
والأبواق والملك زوجها وجملة الوزراء يتبعونها على بعد منها ولهذه الملكة أموال
تجمعها من جبايات معلومة فتتصدق بهذه الأموال على فقراء أهل بلادها في ذلك اليوم
ولا تتصدق بشيء منه إلا وهي واقفة تنظر وأهل بلادها يعلقون على طرقها ومواضع
مسيرها أنواع ثياب الحرير ولها زي حسن كما وصفنا وهذه الملكة وزوجها سكناهم من هذه
الجزائر المذكورة بجزيرة انبونه.
وبضائع أهل جزائر الدبيحات المذكورة الذبل والذبل يكون على السلاحف وهي سبع قطائع
لا يكون على السلحفاة أكثر منها ومبلغ وزن أربع قطائع منها منا والمنا تكون جملته
مائتين وستين درهماً وأثقل ما يكون قطعتان في المن وهذا الذبل يتخذ منه حلى وأمشاط
لأنه غليظ وهو في ذاته كثير التلوين صافي الديباجة ونساء هذه الجزيرة يمشين
مكشوفات الرؤوس مضفورات الشعور والمرأة الواحدة تمسك في رأسها عشرة أمشاط وأقل
وأكثر وهي حليهن وبهذا الزي تمشي نساء جزائر السحاب وأهلها مجوس وسنذكرهم فيما بعد
بعون الله.
وهذه
الجزائر المعروفة بجزائر الدبيحات عامرة بالناس ويزرع فيها النارجيل وقصب السكر
وتجاراتهم بالودع وبين الجزيرة والأخرى مسير ستة أميال وأكثر وأقل وملكهم يدخر
الودع في خزائنه وهو أكثر عدده وأهل هذه الجزائر أهل صناعات بالأيدي حذاق نبلاء من
ذلك أنهم ينسجون القميص مفروغاً بكميه وبنائقه وجيبه وينشئون السفن من العيدان
الصغار ويبنون البيوت المتقنة وسائر المباني العجيبة المتقنة من الحجر المجان
ويتخذون أيضاً بيوتاً من الخشب تسير على الماء وربما استعملوا في مبانيهم عود
المجمر همة ونخوة ويحكى أن هذا الودع الذي يدخره ملكهم يأتيهم على وجه الماء وفيه
روح فيأخذون عيدان شجر النارجيل فيطرحونها على الماء فيتعلق هذا الودع بها وهم
يسمونه الكنج وقد يخرج من بعض هذه الجزائر سيل يشبه القطران يحرق السمك في البحر
فيطفو على وجه الماء.
وآخر هذه الجزائر يتعلق بظاهر جزيرة سرنديب في البحر المسمى هركند ويتصل بهذه
الجزائر المسماة بالدبيحات جزيرة القمر وبينهما مجرى سبعة أيام وهي جزيرة طويلة
وملكها يسكن منها مدينة ملاي ويقول أهل هذه الجزيرة إن طولها ماراً مع المشرق
أربعة أشهر أولها في الدبيحات وآخرها يعارض جزائر الصين في جهة الجنوب وملكها لا
يحجبه ولا يقوم بخدمته في طعامه وشرابه وجميع أوامره إلا المخنثون يلبسون الثياب
النفيسة من الحرير الصيني والعراقي وفي يمين كل واحد منهم سوار ذهب واسم السوار
عندهم بلغة الهند اللكنكو ويسمون هولاء الخنثين التنبابة وهم يتزوجون الرجال عوضاً
من النساء ويخدمون الملك بالنهار ويرجعون بالليل إلى أزواجهم وفي هذه الجزيرة زرع
ونارجيل وقصب السكر والتانبول وهو أكثر ما ينبت في هذه الجزيرة والتانبول شجر ساقه
مثل ساق العريش ويلتوي ويتعلق بما جاوره من الشجر وله ورق مثل ورق الرند أو أشف
منه حار الطعم يشبه طعم القرنفل وإذا أراد أحد منهم أكله يأخذ الجيار معجوناً
بالماء ويتناول مع كل ورقة منه وزن ربع درهم ولا يطيب طعمه إلا بهذه الصفة ثم يصيب
الذي يأكل عند أكله منه سكر وطيب نفس وعطرية ذكية تنم عليه وهذا مشهور في جمع بلاد
الهند وما جاورها وفي هذه الجزيرة تصنع ثياب الحشيش وهذا الحشيش هو نبات يشبه نبات
البردي وهو القرطاس وسمي بذلك لأن أهل مصر يعملون منه القراطيس فيأخذ الصناع منه
أطيبه ويتخذون منه ثياباً مثل ثياب الديباج ملونة حساناً وتخرج هذه الثياب إلى
سائر بلاد الهند وربما وصلت إلى اليمن فلبست هناك وحكى بعض المخبرين أنه رأى
باليمن الشيء الكثير منها وقد تصنع بهذه الجزيرة حصر بيض فيها الرقم البديع
ويبسطها الرؤساء في بيوتهم ويجعلونها عوضاً من الحرير وغير ذلك وفي هذه الجزيرة
شجر يقال له البل وهو نوع من المقل تظل الشجرة منه عشرة رجال ومن هذه الجزيرة تخرج
المراكب المعروفة بالمشعيات وهي شوان غزوانية محكمة الصنعة يكون طول الواحد ستين
ذراعاً وهو منحوت من قطعة واحدة يقذف على ظهره مائة وخمسون رجلاً وحكى أيضاً بعض
المخبرين وهو قريب العهد بذلك المكان أنه رأى هناك مائدة يقعد حولها مائتا رجل
وبهذه الجزيرة من الخشب ما لا يوجد مثله على الأرض وأهلها بيض قليلو اللحى يشبون
الأتراك ويزعمون أن أصلهم من الترك.
ومن
الجزائر المشهورة في هذا البحر المسمى هركند جزيرة سرنديب وهي جزيرة كبيرة مشهورة
الذكر وهي ثمانون فرسخاً في ثمانين فرسخاً وفيها الجبل الذي أهبط عليه آدم وهو جبل
سامي الذروة عالي القمة ذاهب في الجو يراه البحريون في مراكبهم على مسيرة أيام
واسم هذا الجبل جبل الرهون وتذكر البراهمة وهم عباد الهند أن على هذا الجبل أثر
قدم آدم عليه السلام مغموس في الحجر وطوله سبعون ذراعاً وأن على أثر هذا القدم نور
يخطف شبيه بالبرق دائماً وأن القدم الثانية منه جاءت في البحر عند خطوته والبحر من
هذا الجبل على مسيرة يومين أو ثلاثة وعلى هذا الجبل وحوله توجد أنواع اليواقيت
كلها وأنواع من الأحجار وغيرها وفي واديه الماس الذي يحاول به نقش الفصوص من أنواع
الحجارة وعلى هذا الجبل أيضاً أنواع من الطيب وضروب من صنوف العطر مثل العود
والأفاويه ودابة المسك ودابة الزبادة وبها الأرز والنارجيل وقصب السكر وفي أنهارها
يوجد جيد البتور وكبيره وبجميع سواحلها مغائص اللؤلؤ الجيد النفيس الثمن وفي جزيرة
سرنديب من القواعد المشهورة مرقايا واغنا وفرسقورى وابدذى وماخولون وحامرى وقلماذى
وسندونا وسندورا ونيبرى وكنبلى وبرنشلى ومرونه وملك هذه الجزيرة يسكن من هذه المدن
مدينة اغنا وهي مدينة القصر وبها دار ملكه وهو ملك عادل كثير السياسة يقظان
الحراسة ناظر في أمور رعيته حائط لهم وذاب عنهم وله ستة عشر وزيراً أربعة منهم من
أهل ملته وأربعة نصارى وأربعة مسلمون وأربعة يهود وقد رتب لهم موضع يجتمع فيه أهل
الملل ويتكلمون في أديانهم ويقيم كل واحد منهم حجته ويأتي ببرهانه في دينه والملك
يبيح ذلك لهم ويكتب حججهم وأخبارهم ويجتمع إلى علماء كل ملة منهم أعني الرومية
والهندية والإسلامية واليهودية جمل من الناس وعدة طوائف فيكتبون عنهم سير أنبيائهم
وقصص ملوكهم في سالف الزمان ويعلمونهم شرائعهم ويفهمونهم ما لا يعلمونه وللملك في
بره صنم من ذهب لا يدرى لما عليه من الدر والياقوت وأنواع الأحجار الثمينة وليس
يملك أحد من ملوك الهند مثل ما يملكه صاحب سرنديب من الدر النفيس والياقوت الجليل
وأنواع الأحجار لأن أكثر ذلك موجود في جبال جزيرته وفي أوديتها وبحرها إليها تقصد
مراكب أهل الصين وسائر بلاد الملوك المجاورين له وملك سرنديب يحمل إليه الخمر من
العراق ومن بلاد فارس فيشتريها بماله وتباع له في بلاده وهو يشرب منها ويحرم الزنا
ولا يراه وملوك الهند وأهلها يبيحون الزنا ويحرمون الشراب المسكر إلا ملك قمار
فإنه يحرم الزنا والشراب ويجلب من سرنديب الحرير والياقوت بجميع ألوانه كلها والبتور
والماس والسنباذج وأنواع من العطر كثيرة.
وبين هذه الجزيرة والبر المتصل بالهند مجاز صغير ومن جزيرة سرنديب إلى جزيرة بلبق
الساحلية يوم ويحاذي هذه الجزيرة من أرض الهند أغباب وهي أجوان تقع فيها أنهار
وتسمى أغباب سرنديب وتدخلها المراكب السيارة وتمر فيها الشهر والشهرين بين غياض
ورياض وهواء معتدل والشاة فيها بنصف درهم وما يكفي جماعة من الشراب العسلي المطبوخ
بحب القاقلة الرطبة بنصف درهم ولعب أهل سرنديب الشطرنج والنرد والقمار بأنواعه
ولأهل سرنديب نظر في زراعة النارجيل في تلك الجزائر الصغار التي على طرقها ويقومون
بحفظه ويبيحونه للصادر والوارد ابتغاء الأجر وطلب المثوبة وأهل عمان ومربط من بلاد
اليمن ربما قصدوا إلى هذه الجزائر التي فيها النارجيل فيقطعون من خشب النارجيل ما
أحبوه ويصنعون من ليفه حبالاً يحرزون به ذلك الخشب وينشئون منه مراكب ويصنعون منه
صواريها ويفتلون من خوصه حبالاً ثم يوسقون تلك المراكب بخشب النارجيل ويمضون به
إلى بلادهم فيبيعونه هناك ويتصرفون به.
وتتصل
بجزيرة سرنديب جزيرة الرامى والرامى هي مدينة الهند وبها عدة ملوك وفيها زروع
ومعادن وطيب وهي فيما يذكر طولها سبع مائة فرسخ وبها دابة تسمى الكركدن وهذه
الدابة تكون دون الفيل وفوق الجاموس وفي عنقها عوج كعنق الجمل لكن اعوجاجه بخلاف
اعوجاج عنق الجمل ورأسها مما يلي يديها ولها قرن في وسط جبهتها طويل في غلظة
قبضتين وفيما يذكر أنه يوجد في بعض هذه القرون في جوفها إذا هي شقت صورة إنسان أو
صورة طائر أو غيره من الصور كاملة الشكل بيضاء وهذا القرن الذي توجد فيه هذه
الصورة يصنع منه مناطق تساوي من القيمة كثيراً وتكون الصورة التي توجد فيه من أوله
إلى آخره وحكى الجاحظ في كتاب الحيوان أن هذه الدابة تقيم في جوف أمها سبع سنين
وأنها تخرج رأسها وعنقها من فرج أمها فترعى الحشيش ثم تعيد رأسها إلى جوف أمها
فإذا ابتدأ تكون قرنها امتنعت عن الخروج للرعي على حسب عادتها فتنقر في جوف أمها
حتى تبقر جوفها وتخرج فتموت الأم وهذا محال من قوله غير مسموع لأن الأمر لو كان
كما وصفه لفنى هذا النوع حتى لا يوجد إلا ذكره وحكى الجيهاني في كتابه أن ملوك
الهند تصنع من قرن هذه الدابة أنصبة السكاكين للموائد فإذا وضع الطعام بين أيديهم
وكان فيه سم عرق ذلك النصاب فيعلم بذلك أن الطعام مسموم.
وجزيرة الرامى طيبة الثرى معتدلة الهواء عذبة المياه فيها أعداد بلاد وقرى ومعاقل
وفي هذه الجزيرة ينبت البقم ويشبه نباته نبات الدفلى بالسواء وخشبه أحمر وعروقه
دواء من سم الأفاعي والحيات وقد جرب ذلك منه فصح وفي هذه الجزيرة جواميس أيضاً لا
أذناب لها وفي غياض هذه الجزيرة ناس عراة لا يفهم كلامهم وهم يستوحشون من الناس
وطول الرجل الواحد منهم أربعة أشبار وله ذكر صغير وكذلك للمرأة منهم فرج صغير
وشعورهم زغب أحمر يتعلقون على الأشجار بأيديهم من غير أرجلهم ولا يدركون لسرعة
جريهم وبساحل هذه الجزيرة قوم يلحقون المراكب بالعوم والمركب يجرى بالريح الطيبة
ويبيعون العنبر من أصحاب المراكب بالحديد ويحملونه بأفواههم ويتجهز من هذي الجزيرة
بالذهب لأن معادنه بها كثيرة ويتجهز أيضاً منها بالكافور الطيب وبضروب من الأفاويه
واللؤلؤ الفائق في الجودة.
ومن هذه الجزيرة إلى سرنديب ثلاثة أيام ومن أراد أن يعدل من جزيرة بلبق المذكورة
إلى الصين جعل جزيرة سرنديب عن يمينه.
ومن سرنديب إلى جزيرة لنكبالوس مسيرة عشرة أيام وقد تسمى هذه الجزيرة أيضاً
لنجبالوس بالجيم وهي جزيرة كبيرة وفيها خلق كثير بيض الألوان والرجال فيها والنساء
يمشون عراة وربما استتر النساء بورق الشجر والتجار يدخلون إليهم في المراكب الصغار
والكبار ويشترون من أهلها العنبر والنارجيل بالحديد وأكثر أهلها يشترون الثياب فيلبسونها
في بعض الأوقات والحر والبرد في هذه الجزيرة قليل لقربهم من خط الاستواء وطعام
أهلها الموز والسمك الطرى والنارجيل وأموالهم وجل بضائعهم الحديد وهم يجالسون
التجار.
ومن جزيرة الرامى في جهة الجنوب جزيره يقال لها البينمان وهي جزيرة عامرة فيها
مدينة كبيرة وأكل أهلها النارجيل وبه يأتدمون ومنه ينتبذون وهم أهل شدة ونجدة ومن
سيرتهم وعاداتهم التي توارثها الأبناء عن الآباء أن الرجل منهم إذا أراد أن يتزوج
امرأة لم يزوجها له أهلها حتى يأتي برأس رجل يقتله فيخرج الرجل يطوف في جميع
النواحي المجاورة لهم حتى يقتل رجلاً ويأتي بقحف رأسه فإذا فعل ذلك زوج من المرأة
التي خطبها فإن جاء برأسين زوج امرأتين وكذلك إن جاء بثلاثة رؤوس زوج ثلاث زوجات
ولو قتل خمسين رجلاً زوج خمسين امرأة وشهد له أهل بلده بالبأس والنجدة ونظروا إليه
بعين الفخر والجلالة وفي هذه الجزيرة فيلة كثيرة وبها البقم والخيزران والقصب.
وبالقرب
منها جزيرة جالوس وبينهما مسافة يومين وأهلها قوم سود عراة يأكلون الناس وذلك أنه
إذا سقط في أيديهم إنسان من غير بلادهم علقوه منكساً وقطعوه وأكلوه قطعاً وذكر بعض
رؤساء المراكب أن أهل هذه الجزيرة أخذوا رجلاً من أصحابه فنظر إليهم حق علقوه
وقطعوه قطعاً وأكلوه وليس لهؤلاء القوم ملك وغذاؤهم السمك والموز والنارجيل وقصب
السكر ولهم مواضع يأوون إليها شبيهة بالغياض والآجام وأكثر نباتهم الخيزران وهم
عراة لا يستترون بشيء وكذلك نساؤهم أيضاً وكذلك لا يستترون في النكاح بل يأتونه
جهاراً ولا يرون بذلك بأساً وربما فعل الرجل منهم بابنته وأخته وليس يرى بذلك
عاراً ولا قبيحاً أتاه وهؤلاء القوم سود مناكير الوجوه مفلفلو الشعور طوال الأعناق
والسوق مشوهون جداً وبين البينمان وجزيرة سرنديب ثلاثة مجار ومن جزيرة سرنديب إلى
جزيرة لنجبالوس ويقال لنكبالوس عشرة مجار ومن لنجبالوس إلى جزيرة كلة مسيرة ستة
أيام وسنذكر هذه الجزائر فيما بعد بحول الله تعالى.
نجز الجزء الثامن من الإقليم الأول والحمد لله ويتلوه الجزء التاسع من الإقليم
المذكور إن شاء الله.
الجزء التاسع
إن هذا الجزء التاسع من الإقليم الأول تضمن قطعة من البحر الهندي وهو البحر
المعروف بالبحر الصيني وفيه شيء من البحر المسمى بحر دارلاروى وفي هذا البحر جملة
جزائر نذكرها بعد هذا بعون الله وقوته فنقول إن هذا البحر الهندي على جنوبه قطعة
من بلاد سفالة التي قدمنا ذكرها وقرى وعمارات فمنها مدينة جسطة وهي مدينة صغيرة
وبها يوجد التبر كثيراً وهو غلتهم وشغلهم وإياه يطلبون ومنه معايشهم وأكلهم
السلاحف البحرية ولحوم الصدف وعندهم الذرة قليلاً وهي على خور كبير تدخله المراكب
وليس لأهل جسطة مراكب ولا دواب يتصرفون عليها وإنما يتصرفون بأنفسهم ويستخدم بعضهم
بعضاً وأهل القمر وتجار بلاد المهراج يدخلون إليهم ويجالسونهم ويتجرون معهم.
ومن مدينة جسطة إلى مدينة دغوطة في البحر ثلاثة أيام بلياليها ومنها إلى جزيرة
القمر مجرى واحد ومدينة دغوطة آخر بلاد سفالة التبر وهي على خور كبير وأهلها عراة
لا يستترون بشيء من الثياب لكنهم يستترون بأيديهم عند التقائهم بالتجار الداخلين
إليهم من سائر الجزائر المجاورة لهم ونساؤهم محتجبات لا يدخلن الأسواق ولا المحافل
لأنهن عراة فهن لذلك يلزمن أمكنتهن اللاتي يأوين إليها وفي هذه المدينة وبأرضها
يوجد التبر مثل ما يوجد بغيرها من أرض سفالة ويتصل بأرض سفالة أرض الواق واق وبها مدينتان
حقيرتان وساكنها قليل لضيق عيشها وتكدر رزقها واسم الواحدة منها ددوا واسم الثانية
بنهنة وتليهما قرية كبيرة تسمى دغرغه وهم سودان قباح الصور مشوهو الخلقة وكلامهم
نوع من الصفير وهم عراة لا يستترون بشيء والداخل إليهم قليل وأكلهم الحوت والصدف
ولحوم السلاحف تتصل بهم جزائر الواق واق وسنذكرها فيما يرد بعد هذا بعون الله
تعالى وكل واحدة من هذه البلاد على خور كبير وليس بأرض هؤلاء القوم شيء من الذهب
ولا تخرج من عندهم تجارة ولا مراكب لهم ولا دواب.
فأما جزيرة جالوس فأهلها زنج سود عراة يأكلون من سقط في أيديهم كما قدمنا ذكرهم
وعندهم جبل ترابه فضة إذا مسته النار تحلل وصار فضة ومنها إلى جزيرة لنكبالوس
يومان ومن جزيرة لنكبالوس إلى جزيرة كله خمسة أيام وهي جزيرة كبيرة يسكنها ملك
يسمى حبابه الهندي وبهذه الجزيرة معدن الرصاص القلعي وهو بها كثير صافي الجوهر
والتجار يغشونه بعد خروجه عنها ومنها يتجهز به إلى جميع الأرض ولباس أهلها الفوط
يلبس الرجل والمرأة فوطة واحده وبهذه الجزيرة منابت الخيزران وبها الكافور الجيد
وهو شجر كبير يشبه شجر الصفصاف لكنه تظل الشجرة منه مائة رجل وأكثر والكافور
يستخرج من هذه الشجرة بأن ينقب في أعلاها نقب فيسيل منه عدة جرار وإذا انقطع الجرى
نقب أسفل من ذلك في وسط الشجرة فينساب منها قطع الكافور وهو صمغ ذلك الشجر غير أنه
ينعقد في داخلها ثم تبطل تلك الشجرة فتنحى ويقصد غيرها وخشب شجر الكافور أبيض خفيف
وفي هذه الجزيرة عجائب يقع واصفها في حد التكذيب.
ويلي
هذه الجزيرة جزيرة جابة وجزيرة سلاهط وجزيرة هزلج وبين كل واحدة منها وأختها
فرسخان وأكثر أو أقل وهذه الجزائر كلها لملك واحد اسمه جابة وهو يلبس حلة الذهب
وقلنسوة الذهب مكللة بالدر والياقوت ودراهمه مطبوعة بصورته وهو يعبد البد والبدود
هي الكنائس بلغة أهل الهند وبد الملك حسن البناء حسن الصنعة وقد كلفت جميع جوانبه
بالرخام وداخل البد يحيط به من كل جهة أصنام مصنوعة من حجارة الرخام الأبيض وعلى
رؤوسها التيجان المكللة وعليها الحلل وسائر الثياب المنسوجة من الذهب ونحوه
وصلاتهم في هذه الكنائس إنما تكون غناءً وتلحيناً وتصفيقاً لطيفاً بالأكف وزفن
الجواري الحسان في شعورهن ولعبهن بأنواع من الخف والتخلع وكل ذلك يكون بين أيدي
المصلين والمجتمعين في البد ولكل بد من تلك الجواري عدة يأكلن ويلبسن من مال البد
وذلك أن المرأة إذا ولدت بنتاً حسنة الصورة جميلة القد تصدقت بها على البد فإذا
ترعرعت وشبت كستها من الثياب أبلغ ما تقدر عليه وتأخذ أمها بيدها وحولها أهلها
نساءً ورجالاً وتصير بها إلى البد الذي تصدقت بها أمها عليه وتدفعها إلى خدامه
وتنصرف فإذا صارت الطفلة بيد خدام البد دفعوها إلى نساء عارفات بالزفن والتخلع
وجمل اللعب بما يحتاج إليه فإذا قبلت التعليم لبست أفضل الثياب وحليت بأرفع الحلي
ولزمت البد ولم يكن لها خروج منه ولا زوال عنه وكذلك سنة الهنديين الذين يعبدون
البدود وبهذه الجزائر شجر النارجيل كثير والموز المتناهي في الطيب أيضاً كثير
عندهم وكذلك السر والأرز بها موجود وبجزيرة هزلج مهوأة كبيره لا يقف أحد على قعرها
وهي من عجائب الأرض المريئة.
ويتصل بجزيرة جابة جزيرة مابط على قرب منها وهي تحت طاعة ملك جابة وفيها نارجيل
وموز وقصب وأرز وبجزيرة سلاهط صندل كثير وسنبل وقرنفل وصفة شجر القرنفل شبه نبات
شجر الحناء في دقة أغصانها وحمرتها ولها زهر يتفتح عن كمام شبيهة بزهر النارنج
سواء فإذا سقط الزهر جنيت تلك الكمام ونقعت في مياه هناك إلى أن يصلح منها ما
أرادوه ثم يخرجونه ويجففونه فقاحاً وخشباً ويبيعونه إلى التجار الواردين عليهم
فيشترونه منهم ويتجهزون به إلى جميع الأقطار وفي آخر هذه الجزيرة بركان نار تتقد
مقدار ارتفاعه مائة ذراع فهي بالنهار دخان وبالليل نار تشتعل.
وعلى يسار جزيرة مابط جزيرة تنومة وبينها وبين مابط يوم وهي جزيرة عامرة ولباس
أهلها الأزر وبها مياه عذبة وأرز وقصب سكر ونارجيل وبها أيضاً مغائص اللؤلؤ
وبجزيرة تنومة يوجد العود الهندي والكافور ونبات العود تكون أوراقه وأغصانه شبيهة
بأوراق وأغصان النبات المسمى الصاص بالسواء والعود أصوله تستخرج في وقت لا يكون في
غيره بعد أن يتقدم في قطع أغصانه قبل ذلك بأشهر ثم ينحت أعلاها ويزال رخوها وتوخذ
قلوبها الصلبة فتجرد بالاسكرفاج وهو مبرد العود حتى تنقى ثم تجرد بالزجاج ثم توضع
في أوعية خيش وتصقل صقلاً كثيراً ثم تخرج عن تلك الأوعية وتباع من التجار الواصلين
هناك فتخرجه التجار إلى جميع البلاد ويصرفونه ومن جزيرة تنومة إلى جزيرة قمار خمسة
أيام وإلى هذه الجزيرة ينسب العود القماري وبها يعرف وهو جيد لكن العود الصنفي
أجود منه وبهذه الجزيرة الصندل والأرز وأهلها يلبسون الفوط ويجالسون التجار
ويعاملون الجلة وفيهم عدالة ظاهرة وجودة مشهورة وإنصاف كامل وعبادتهم الأصنام
والبدود وهم يحوقون موتاهم بالنار.
ويتصل بجزيرة قمار مما يلي الساحل جزيرة صنف وبينهما ثلاثة أميال وبها يوجد العود
الصنفي وهو أفضل من العود القماري لأنه يغرق في الماء لجودته وثقله وبهذه الجزيرة
بقر وجواميس لا أذناب لها وبها النارجيل والموز والقصب السكري والأرز وأهلها لا
يذبحون شيئاً من الحيوان الماشي على أربع ولا غيره من الهوام والحشرات وإنما تؤكل
البقر عندهم إذا ماتت بل يعافها أكثرهم ولا يأكلها ومن قتل بقرة لزمه القتل أو
تقطع يده وإذا وقفت البقر عن الخدمة والتصرف وضعت في بيوت وتركت حتى يموتها موتها
الطبيعي وبهذه الجزيرة ملك اسمه زنبد وأهلها سمر يلبس كل واحد منهم فوطتين فوطة
يتزر بها وفوطة يلتحف بها ومياههما عذبة ومنها إلى جزيرة صندى فولات عشرة أيام.
ومن
جزيرة الصنف إلى مدينة لوقين ثلاث مراحل وهي أول مراقي الصين وبها طرز الديباج
والحرير الصيني ومنها يخرج إلى جميع الجهات وبها يعمل الغضار الصيني ومنها يتجهز
به أيضاً إلى سائر البلاد المتصلة بها والمتباعدة عنها وبها أرز وحبوب ونارجيل
وقصب ولباس أهلها الفوط وهم يجالسون التجار ويداخلون الناس ولهم همم عالية ونفوس
أبية ويستعملون أنواع الطيب أكثر من سائر بلاد الهند.
ومن مدينة لوقين إلى مدينة خانافو مسيرة أربعة أيام في البحر وعشرين يوماً في البر
وهي أعظم مراقي الصين وبها ملك مهاب له مملكة شامخة وفيلة كثيرة وأجناد وأسلحة
وأهلها يأكلون الأرز والألبان والنارجيل وقصب السكر والمقل وهي على خور تطلع فيه
المراكب مسافة شهرين إلى مدينة باجه وهي مدينة البغبوغ والبغبوغ هو ملك الصين
بأجمعها وإلى مدينته ينتهي مسافروا بلاد الغرب وبها جميع الفواكه والبقول والحنطة
والشعير والأرز ولا يوجد بجميع بلاد الهند والصين عنب ولا تين البتة وإنما يوجد
عندهم ثمار شجر يسمى الشكي والبركي وأكثر ما يكونان ببلاد الفلفل وهو شجر له ساق
غليظة وورق شبيه بورق الكرنب أخضر ما هو وله ثمر طول الثمرة أربعة أشبار مستدير
شبيه بالدلاع له قشرة حمراء وفي جوفها حب مثل حب البلوط يشوى في النار ويؤكل مثل
ما يؤكل القسطل وطعمهما سواء ولحم هذا الثمر إذا أكل وجد له آكله طعماً شهياً
لذيذاً يجتمع فيه طيب التفاح وطيب الكمثرى وبعض طعم الموز والمقل وهو ثمر بديع
الصفة شهي الطعم وهو أجل ما يؤكل ببلاد الهند وقد يوجد ببلاد الهند نبات يسمى
العنبا وهو شجر كبير يشبه شجر الجوز وودقه كودقه وله ثمر مثل ثمر المقل حلو إذا
عقد في أوله ويجمع في ذلك الحين فيعمل بالخل فيكون طعمه كطعم الزيتون سواء وهو
عندهم أيضاً من الكوامخ الشهية ومن مدننة خانفو إلى مدينة خانكو مسيرة ثمانية أيام
وسنذكرها في موضعها من الجزء العاشر بعد هذا بيمن الله وعونه.
ومن مدينة الصنف الساحلية إلى جزيرة شامل أربعة أيام وهي في آخر البحر الصنفي
معمورة القطر مجتمعة الأهل وفيها حنطة وأرز وموز كثير وقصب سكر وبها سمك كبير
العظم لذيذ الطعم يغني آكله عن أكل اللحم ومن جزيرة شامل إلى جزيرة عاشورا أربعة
أيام وهي جزيرة قليلة العامر وأرضها أرض حرشاء كثيرة العقارب والأفاعي وجبالها
متصلة ومنها إلى جزيرة ملاي يوم خفيف وهي جزيرة كبيرة ممتدة من المغرب إلى المشرق
وفيها مدينة يسكنها ملك الجرز ودراهمه فضة تسمى بالدراهم الطاطرية وله أجناد وفيلة
ومراكب كثيرة وفيها موز ونارجيل وأرز وقصب وهذه الجزيرة فيما يزعم أهلها أنها تتصل
بالبحر الزفتي من آخر الصين وقد يوجد في هذا البحر المسمى بحر الصنف أنواع من
الحيتان وضروب من السمك وجمل من العجائب يستدلون بها على السلامة أو العطب وسنذكر
أكثر ذلك فيما يلي آخر هذا الجزء من الإقليم الثاني ونأتي منه بما ذكره المتجولون
ونقله المسافرون واتفقت عليه أقاويل الناقلين حسب الطاقة ومبلغ الجهد بحول الله
سبحانه وعونه وتأييده.
نجز الجزء التاسع من الإقليم الأول والحمد لله ويتلوه الجزء العاشر منه إن شاء الله.
الجزء العاشر إن هذا الجزء العاشر من الإقليم الأول وهو نهاية المعمور من جهة
المشرق ولا يعلم أحد ما خلفه تضمن البحر الصيني المسمى بحر صنخى ومن الناس من
يسميه بحر الصنف ورأسه ومبدؤه من البحر المحيط المسمى هناك البحر الزفتي لأن ماءه
كدر وريحه عاصفة والظلمة لا تزال واقعة عليه في أكثر الأوقات ويتصل هذا البحر
الزفتي بالبحر المحيط المتصل ببلاد ياجوج وماجوج إلى ما تحتها مما يلي الأرض
الحالية في جهة الشمال ويتصل ببحر الظلمات المتصل أيضاً بجهة المغرب كما قد رسمناه
ويتصل هذا البحر أيضاً من جهة الجنوب على جزائر الواق واق وبحر الحيات إلى البحر
المحيط بالأرض في جهة الجنوب كما قد حكيناه وجئنا به مرسوماً بحول الله ومعونته.
وهذا البحر عاصف الرياح كثير الأمطار وريحه بحرية تجري ستة أشهر دائماً ثم تنقلب
إلى ريح أخرى وفيه عدة جزائر فمنها ما يصل إلى التجار ومنها ما لا يصلون إليها
لتعذر السلوك وهول البحر وتقلب الرياح وتوحش أهلها وانقطاعهم عن مجاورة الأمم
المعلومة.
فأما
الجزيرة المسماة بالموجه التي ببحر دارلارومى ففيها عدة ملوك إلا أنهم بيض غير
مخرمي الآذان يشبهون أهل الصين في اللباس والزي ولهم خيل كثيرة يقاتلون عليها
ملوكاً حولهم وهذه الجزيرة تتصل بمشارق الشمس وتوجد عندهم دابة المسك ودابة
الزبادة ونساؤهم من أجمل نساء الأمم ولهم شعور طوال والنساء بها لا يتوارين ولا
يستترن بشيء ويمشين مكشوفات الرؤوس ويكللن رؤوسهن بعصائب فيها أنواع من الودع
الملون والأصداف المجزعة.
ومن هذه الجزيرة إلى جزيرة سبومة مجريان وهذه الجزيرة جزيرة عظيمة كثيرة الزروع
والحبوب وبها أنواع من الطيور المأكولة التي ليست في بلاد الهند وبها نارجيل كثير
وتتصل بهذه الجزيرة جزائر كثيرة صغار ولكنها معمورة وملكها يسمى قامرون وبلاده
كثيرة المطر والرياح وبحرها مهول وعمق الماء به من أربعين باعاً إلى أكثر وأقل وفي
جبال هذه الجزيرة يوجد الكافور الجيد كثيراً أكثر مما يكون في بلاد غيرها وفي بعض
هذه الجزائر قوم يسمون القنجت مفلفلوا الشعور سود يخرجون إلى المراكب بالعدد
والأسلحة والسهام المسمومة ولا ترد شوكتهم وقليلاً ما ينجو منهم من مر بهم أو سقط
في أيديهم وفي أرنبة أنف كل واحد من هؤلاء المذكورين حلقة حديد أو نحاس أو ذهب.
وعلى رأس هذا البحر إلى جهة الصين جزيرة المايد وبينهما أربعة مجار وكذلك من جزيرة
سبومة إلى جزيرة الأيام ومنها يخرج إلى بر الصنف وليس في كل البحار التي ذكرنا
أكثر منه مطراً ولا أعصب منه رياحاً وربما أقامت السحابة تمطر اليوم واليومين لا
تنقطع ويخرج من هذه الجزائر التي ببحر الصنف العود وغيره من الأفاويه وليس لهذا
البحر غاية تعرف لسعته وساحله عليه بلاد الملك المسمى المهرج.
وجزائر هذا الملك كثيرة الخيرات متصلة العمارات بها الزرع والضرع والفيلة والكافور
والجوزبوا والسباسة والقرنفل والعود والقاقلة والكبابة وسائر الحبوب في بلاده
موجودة ممكنة وبلاده كثيرة الوارد والصادر وليس بيد ملك من ملوك الهند ما بيده من
هذه البضائع الموصوفة والتجارات الكثيرة المعروفة ومن الجزائر الموصوفة جزيرة
المايد وهي جزيرة فيها عدة مدائن وهي أكبر من جزيرة الموجه طولاً وأوسع عرضاً
وأخصب أرضاً وأهلها أشبه بأهل الصين من غيرهم أعني كل من جاور الصين من الأمم
ولملوكها عبيد خصيان حسان وخدم بيض وبلادهم وجزيرتهم تتصل بأرض الصين وهم يراسلون
ملك الصين ويهادونه ويهادنونه وبهذه الجزيرة تجتمع مراكب الصينيين الخارجة من
جزائر الصين وإليها تقلع وبها تحط ومنها تخرج إلى سائر النواحي.
ومن جزيرة صنف إلى جزيرة صندى فولات عشره أيام وجزيرة صندى فولات جزيرة عظيمة فيها
مياه عذبة وزروع وأرز ونارجيل وملكهم يقال له زنبد وأهلها يلبسون الفوط تأزراً
وتوشحاً وجزيرة صندى فولات تحيط بها من جهة الصين جبال وعرة والرياح بها عاصفة وهي
باب من أبواب الصين ومنها يركب إلى مدينة خانفو أربعة أيام وأبواب الصين اثنا عشر
باباً وهي جبال في البحر بين كل جبلين فرجة يسار منها إلى موضع بعينه من مدائن
الصين المقصودة بالساحل وجميع مراقي الصين لا يكون منها شيء إلا على خور تصعد فيه
المراكب الشهر والأكثر والأقل بين جنات وغياض وناس ولهم أغنام وأموال زاكية ومياه
جميع الأخوار حلوة لكن المد يدخلها من البحر والجزر يكون منها أيضاً في كل يوم
وليلة مرتين وفي هذه المراقي أسواق وتجار وخرج ودخل ومراكب وبضائع تحمل وأخرى تحط
وبهذه البلاد الأمن المتصل وفي ملوكها العدل وهو سنتهم وعليه يعولون فلذلك اتصلت
عمارتهم وحسنت بلادهم وقل جزعهم وكثر أملهم واتسعت أيديهم في الأموال والحالات
الحسنة وجميع أهل الهند والصين يقتلون السارق ويؤدون الأمانة وينصفون من أنفسهم من
غير احتياج إلى حاكم أو مصلح كل ذلك منهم طبعاً وسجية وأخلاقاً خلقوا بها وطبعوا
عليها وللملك قامرون في طاعتة جزيرتان تنسبان إلى بلاده واسم إحداهما جزيرة بوصا
واسم الثانية جزيرة لاسية وفيها قوم ألوانهم إلى البياض وفي نسائهم جمال بارع
وفيهم نجدة وبأس شديد وربما قطعوا على الناس في مراكب لهم سابقة الجري وإنما
يفعلون ذلك إذا كانوا مع الصينيين في خلاف ولم تكن بينهم هدنة.
ومن
جزيرة الموجه إلى جزيرة السحاب مسير أربعة مجار أو أكثر من ذلك وجزيرة السحاب سميت
بهذا الاسم لأنه ربما طلع من ناحيتها سحاب أبيض يظل المراكب فيخرج منها لسان رقيق
طويل مع الريح العاصفة حتى يلتصق ذلك اللسان بماء البحر فيغلي له ماء البحر ويضطرب
مثل الزوبعة الهائلة فإن أدركت المركب ابتلعته ثم ترتفع تلك السحاب فتمطر مطراً
فيه قذى البحر ولا يدرى أاستقت السحاب ذلك من البحر أم كيف هذا وهي جزيرة بها تلول
رمل إذا مستها النار انسكبت وعادت فضة خالصة وفيما يليها من جهة جزائر الواق واق
مواضع مقطوعة بالجبال والجزائر فلا يصل السالك إليها لامتناع بلادها وصعوبة
مسالكها وسكانها مجوس لا يعرفون ديناً ولا اتصلت بهم شريعة ونساؤهم يكشفن رؤوسهن ويجعلن
فيها الأمشاط المتخذة من العاج المكللة بالصدف وربما كان في رأس المرأة منهن عشرون
مشطاً وغير ذلك ورجالهم يغطون رؤوسم بشبه القلانس وتسمى بلغة الهند البعارى وهم
متحصنون بجبالهم لا يصلون إلى أحد ولا يتصل بهم أحد ولكنهم يشرفون على البحر
ويتطلعون إلى المراكب وربما تكلموا معهم بكلام لا يفهم منهم وهم مقيمون في بلادهم
بهذه الحالة التي وصفناهم بها وتتصل بهذه الجزائر جزائر الواق واق ولا يعرف ما
بعدها وربما وصل أهل الصين إليها في الندرة وهي جزائر عدة ولا عامر بها إلا الفيلة
وطيرها كثير جداً وبها شجر حكى المسعودي عنها أموراً لا تقبلها العقول من جهة
الأخبار عنها لكن الله على ما شاء قدير.
ومن جزيرة صنف إلى جزيرة ملاي مسافة اثني عشر يوماً بين جزائر وجبال شارعة في
البحر وهذه الجزيرة معترضة من المغرب إلى المشرق ولكنها تتصل مع جهة المغرب بساحل
الزنوج وتمر مع المشرق وفي جهة الشمال معترضة اعتراضاً مؤرباً إلى أن تماس ساحل
الصين وهي أطول الجزائر قطراً وأكثرها عمارةً وأخصبها جبالاً وأوسعها مملكةً
وأنفعها تجارةً وبها الفيلة والكركدن وضروب الأفاويه والعطر مثل القرنفل والقاقلة
والسنبل والهرنوة والجوزبوا وفيها جبال فيها معادن ذهب عجيب بالغ الطيب وهو أفضل
ذهب يكون ببلاد الصين ولأهل هذه الجزيرة بيوت وقصور يتخذونها على الخشب على مراكب
تعوم على وجه الماء وهم ينقلونها حيث أرادوا ولهم أرحاء تدور بالرياح وفيها يطحنون
الأرز والحنطة وسائر ما يتخذونه لمعايشهم.
ومن جزيرة المايد في الشرق إلى جزيرة صنجى مسير ثلاثة أيام خفاف وهي جزيرة عامرة
فيها خصب ومياه عذبة وأهلها ألوانهم بين البياض والسمرة يحملون في آذانهم أقراط
النحاس للرجل قرط واحد وللمرأة قرطان وأكلهم الأرز والقصب كثير عندهم والنارجيل
وفي بلادهم معادن الذهب المذكورة في الكثرة والجودة وبهذه الجزيرة أيضاً أصنام عدة
على ضفة البحر كل صنم منها رافع يده اليمنى كأنه يشير إلى الناظر إليه أن ارجع إلى
حيث جئت فليس خلفي أرض تسير إليها ومن هذه الجزيرة يسار إلى جزائر السيلا وهي
كثيرة متقاربة بعضها من بعض وفيها مدينة تسمى الكيوه من دخلها من المسافرين استوطنها
ولم يرد الخروج عنها لطيب ثراها وكثرة خيرها والذهب بها كثير جداً حتى أن أهلها
يتخذون سلاسل كلابهم وأطواق قرودهم من الذهب ويأتون بالقمص المنسوجة فيبيعونها
وكذلك في جزائر الواق واق مثل ذلك أعني من الذهب الكثير وإن التجار يدخلون إليها
مع الطلاب ويسبكون الذهب فيها ويخرجونه من هناك مسبوكاً وقد يخرجون ترابه فيذيبونه
في بلادهم على الصنعة المعروفة بينهم وفي جزائر الواق واق الأبنوس الذي لا يفوقه
شيء في الجودة.
وأيضاً فإن هذا البحر الصيني مع ما يليه من بحر الصنف وبحر دارلاروى وبحر هركند وبحر عمان يوجد بها المد والجزر وقد حكوا عن بحر عمان وبحر فارس أن المد والجزر يكونان فيهما مرتين في اليوم والليلة وحكى ربانيو البحر الهندي والبحر الصيني أن المد والجزر يكونان مرتين في السنة فمرة يمد في شهور الصيف شرقاً ويجزر ضده البحر الغربي ثم يرجع المد غرباً ستة أشهر وقد ذكر في المد والجزر أقوال كثيرة وجب لنا أن نذكر بعضها بالوجيز من القول مع استيفاء المعنى فأما أرسطوطاليس وأرشميدس فإنهما قالا في ذلك إن المد والجزر يحدثان عن الشمس إذا حركت الريح البحار وموجها فإذا انتهى ذلك إلى البحر المسمى أطلنطيقس وهو البحر المحيط كان عنه المد وإذا صارت هذه الريح في النقصان والسكون كان عنها الجزر وأما ساطوطس فإنه يرى أن علة المد والجزر تكون بامتلاء القمر وزيادته وأن الجزر يكون بنقصانه وهذا كلام يحتاج إلى الزيادة فيه والبيان عما أتى به الفلاسفة مجملاً فنقول إن المد والجزر الذي رأيناه عياناً في بحر الظلمات وهو البحر المحيط بغربي الأندلس وبلاد برطانيه فإن المد يبتدئ فيه في الساعة الثالثة من النهار إلى أول الساعة التاسعة ثم تأخذ في الجزر ست ساعات مع آخر النهار ثم يمد ست ساعات ثم يجزر ست ساعات هكذا يمد في اليوم مرة وفي الليل مرة ويجزر في اليوم مرة وفي الليل مرة أخرى وعلة ذلك أن الريح تهيج هذا البحر في أول الساعة الثالثة من النهار وكلما طلعت الشمس في أفقها كان المد مع زيادة الريح ثم تنقص الريح عند آخر النهار لميل الشمس إلى الغروب فيكون الجزر أيضاً وكذلك الليل أيضاً تهيج الريح في صدره وتركد مع آخره وزيادة الماء في المد يكون في ليلة ثلاث عشرة وليلة أربع عشرة وليلة خمس عشر وليلة ست عشرة ففي هذه الليالي المذكورة يفيض المد فيضاً كثيراً ويصل إلى أمكنة لا يصل إليها إلا إلى مثل تلك الليالي من الشهر الآتي وهذا من آيات الله المبصرة في هذا البحر يراه أهل المغرب مشاهدة لا امتراء فيه ويسمى هذا المد فيضاً.
وكل
ما في بحر الهند والصين من المراكب السفرية صغاراً كانت أو كباراً فإنها منشأة من
الخشب المحكم نجره وقد حمل أطراف بعضه على بعض وهندم وخرز بالليف وجلفط بالدقيق
وشحم البابة والبابة دابة كبيرة تكون في بحر الهند والصين منها ما يكون طوله نحواً
من مائة ذراع في عرض عشرين ذراعاً ينبت على سنام ظهرها حجارة صدفية وربما تعرضت
للمراكب فكسرتها وحكى أيضاً الربانيون أنهم يرشقونها بالسهام فتتنحى عن طريقهم
وذكروا أيضاً أنهم يتصيدون ما صغر منها فيطبخونها في القدور فيذوب جميع لحمها ويعود
شحماً مذاباً وهذا الدهن مشهور ببلاد اليمن في عدن وغيرها من المدن الساحلية وفي
بلاد فارس وساحل عمان وبحر الهند والصين وهو عمدتهم في سد خروق المراكب بعد خرزها
ومن العجايب التي في بحر الهند والصين مما أخبر به تجار الناحية أن في هذا البحر
جبال ومضائق تجري معهما المراكب وربما تطاير من البحر إلى المراكب صبيان صغار مثل
صبيان الزنج سود طول أحدهم نحو من أربعة أشبار يدورون في المراكب ولا يؤذون أحداً
ثم يعودون إلى البحر وهذا عندهم مشهور فإذا رأى هذا أهل المراكب علموا أنها علامة
لقدوم الريح التي تسمى ريح الخب وهي ريح خبيثة مخوفة فيستعدون لذلك ويأخذون أهبتهم
لقدومها فيخففون الأمتعة عن المراكب ويلقون بها في البحر ويلقون أيضاً بما معهم من
السمك والملح حتى لا يتركون منه شيئاً ويقطعون من طول الصواري ذراعين وأكثر مخافة
أن تنكسر فتهب الريح المذكورة قولاً وفعلاً في حين هبوبها ويصابرها من قدر الله له
بالخلاص حتى ينجو أو يتلف كيف شاء الله له وعندهم علامة أخرى للخلاص إذا قضى الله
بذلك وهي أن يرى أهل المركب على صاريهم طائراً ذهبي اللون كأنه شعلة نار ويسمى
البهمن فإذا رأوه علموا أنه من علامات التخلص وهذا مما قد أبصر عياناً وتواترت الأخبار
عنه حتى لا يقدر على إنكاره وفي بحر الصين دابة تعرف بالغيدة لها جناحان كالقلاعين
تشيلهما في الجو وتحمل على المراكب فتقلبها ويكون طول هذه الدابة مائة ذراع أو
نحوها وإذا رأى أهل المراكب هذه الدابة ضربوا الخشب بعضها ببعض فتنفر منها تلك
الدابة وتخرج لهم عن الطريق وقد قيض الله سبحانه لهذه الدابة سمكة صغيرة تسمى
الهيدة فإذا رأتها هذه الدابة الكبيرة نفرت منها ومرت على وجهها فلا تستقر بمكان
من البحر ما دامت الهبيدة تتبعها.
وملوك الهند والصين ترغب في ارتفاع ظهور الفيلة وتزيد في أثمانها الذهب الكثير
وأرفعه تسعة أذرع إلا فيلة الأخوار فإنها عشرة أذرع وأحد عشر ذراعاً وأعظم ملوك
الهند بلهرا وتفسير هذا الاسم ملك الملوك ويتلوه الكمكم وبلاده بلاد الساج وبعده
ملك الطافن وبعده ملك جابة وبعده ملك الجرز وبعده غابة وبعده دهمى ويحكى أن له
خمسين ألف فيل وله الثياب المخملة ومن بلده العود الهندي ثم يتلوه الملك المسمى
قامرون ويتصل ملكه بالصين.
وأهل الهند سبعة أجناس أحدها الساكهرية وهم الأشراف منهم والملك يكون فيهم ولا
يكون في غيرهم وجميع الأجناس يسجدون لهم عند اللقاء وهم لا يسجدون لأحد ثم
البراهمة وهم عباد الهند ولباسهم جلود النمور أو غيرها من الجلود وربما وقف الرجل
منهم وبيده عصا ويجتمع إليه الناس فيقف على رجليه يوماً إلى الليل يخطب عليهم
ويذكرهم الله عز وجل ويصف لهم أمور من هلك من سائر الأمم الماضية وهؤلاء البراهمة
لا يشربون الخمر ولا شيئاً من الأنبذة وعبادتهم الأصنام على جهة التوسط إلى الله
تعالى وبعدهم الجنس الثالث وهم الكسترية يشربون من الخمر ثلاثة أقداح فقط ولا
يسرفون في شربها مخافة أن يفارقوا عقولهم وهذه الطبقة يتزوجون في البراهمة
والبراهمة لا تتزوج فيهم وبعد هؤلاء الشوذرية وهم الفلاحون وأصحاب الزراعات وبعدهم
الفسية وهم أصحاب الصناعات والمهن ومنهم السندالية وهم أصحاب اللحون في نسائهم
جمال مشهور ومنهم الركية وهم سمر أصحاب لهو ولعب ومعازف وأنواع من الآلات.
ومذاهب
أكثر أهل الهند اثنتان وأربعون ملة فمنهم من يثبت الخالق والرسل ومنهم من يثبت
الخالق وينفي الرسل ومنهم ينفي الكل ومنهم من يتوسط بالأحجار المنحوتة ومنهم من
يتوسط بالأحجار المكدسة يصب عليها الدهن والشحم ويسجد لها ومنهم من يعبد النار
ويحرق نفسه بها ومنهم من يعبد الشمس ويسجد لها ويعتقد أنها الخالقة المدبرة للعالم
ومنهم من يعبد الشجر ومنهم من يعبد الثعابين يحوطونها بحظائر ويطعمونما أرزاقاً
مقدرة وهم يتوسلون بها ومنهم من لا يتعب نفسه بعبادة ولا غيرهما وينكر الكل وسنذكر
أمور الهندية: وحداً فواحداً بعد هذا بيمن الله وتسديده.
ولما تكلمنا على هذا الجزء بره وبحره وجزائره وجئنا من ذلك بما تيسر للذكر رأينا
أن نكمل القول فيما بقي من مراقي الصين التي على الساحل حسب ما تقدم رسمه قبل هذا
بعون الله تعالى فأول مراقي الصين كما قدمناه مدينة خانفو وهي المرقى الأعظم وهي
على خور يصعد فيه إلى كثير من بلاد البغبوغ وهو ملك الصين بأسره لا ملك فوقه بل كل
ملوك ذلك المكان تحت طاعته والذكر له ومن مدينة خانفو إلى مدينة خانكو وهي مدينة
جليلة بديعة البناء بهجة الأسواق حسنة البساتين والرياضات كثيرة الفواكه ويصنع بها
الغضار الصيني وثياب الحرير وبالجملة إن فيها جميع ما في مدينة خانفو وهي على خور
كبير يحيط بها ويصعد في هذا الخور إلى عدة من بلاد الصين كما قلناه أيضاً وفيما
يذكر أن في الصين ثلاث مائة مدينة كلها عامرة وفيها عدة ملوك لكنهم تحت طاعة
البغبوغ والبغبوغ يقال له ملك الملوك كما قدمنا ذكره وهو ملك حسن السيرة عادل في
رعيته رفيع في همته قادر في سلطانه مصيب في آرائه حازم في اجتهاده شهم في إرادته
لطيف في حكمته حليم في حكمه وهاب في عطائه ناظر في الأمور القريبة والبعيدة بصير
بالعواقب تصل أمور عبيده المستضعفين إليه من غير منع ولا توسط من ذلك أن له في
قصره مجلساً قد اتقن بنيانه وأحكم سمكه وأبدعت محاسنه له فيه كرسي ذهب يجلس فيه
ووزراؤه حوله في كل جمعة مرتيين وعلى أعلى رأسه جرس معلق تمتد منه سلسلة ذهب إلى
خارج القصر مهندمة الوضع ويتصل طرف السلسلة إلى أسفل القصر فإذا جاء المظلوم بكتاب
مظلمته جاء إلى طرف السلسلة فاجتذبها فيتحرك الجرس فيخرج وزير الملك يده من الطاق
وذلك علامة يفهم بها أنه يقول له اصعد إلينا فيصعد المظلوم هناك إلى المجلس على
درج مختص بصعود المظلومين عليه حتى يقف بين يدي الملك فيسجد المظلوم ثم يقف فيمد
الملك يده إلى المظلوم ويأخذ الكتاب منه وينظر فيه ثم يدفعه إلى وزرائه ويحكم له
بما يجب الحكم به بما يقتضيه مذهبه وشرعه من غير تسويف ولا تطويل ولا وساطة وزير
ولا حاجب ومع ذلك فإنه مجتهد في دينه مقيم لشريعته ديان محافظ كثير الصدقة على
الضعفاء ودينه عبادة البدود وبين مذهبه ومذهب الهندية انحراف يسير وأهل الهند
والصين كلهم لا ينكرون الخالق ويثبتونه بحكمته وصنعته الأزلية ولا يقولون بالرسل
ولا بالكتب وفي كل حال لا يفارقون العدل والإنصاف.
وأهل الإقليم الأول كلهم حمر أو سود فأما أهل الهند والسند والصين وكل من احتضن
منهم البحر فألوانهم سمر وأما أهل الصحارى من الزنج والحبشة والنوبة وسائر السودان
الذين سبق ذكرهم فلقلة الرطوبة البحرية وتوالي إحراق الشمس لهم وممرها عليهم
دائماً تفلفلت شعورهم واسودت ألوانهم وأنتنت أعراقهم وتقشفت جلود أقدامهم وتشوهت
خلقهم وقلت معارفهم وفسدت أذهانهم فهم في نهاية الجهالة واقعون وإليها ينسبون
وقلما أبصر منهم عالم أو نبيل وإنما يكتسب ملوكهم السياسة والعدل بالتعليم من
أقوام يصلون إليهم من أهل الإقليم الرابع أو الثالث ممن قرأ السير وأخبار الملوك
وقصصها.
وفي هذا الإقليم الأول من الحيوانات التي لا توجد بغيره من الأقاليم الستة الباقية
الفيلة والكركدنات والزرائف والقردة ذوات الأذناب والبقر والجواميس التي لا أذناب
لها والنسانس وهم صنف من الخلق وقد تقدم ذكرهم قبل هذا وأنهم يتعلقون بالشجر فلا
يلحقون والثعابين الرانجية التي ذكرها ابن خرداذبه وحكاها صاحب كتاب العجائب وأخبر
أيضاً عنها جماعة من المؤلفين والكل منهم باتفاق يقولون إن في جبال جزيرة الرانج
ثعابين تلتقم الفيل والجاموس ولا يفوتها إذا ظفرت به.
وبهذا
الإقليم أيضاً معدن الزمرد ولا يوجد على الأرض إلا في المعدن المذكور قبل هذا
والياقوت بأنواعه لا يوجد إلا بجزيرة سرنديب وكذلك الدابة التي في بحر اليمن وبحر
هركند المسماة بالبابة لا توجد إلا في هذا البحر دون غيره وكذلك الدابة المسماة
بالغيدة لا تكون إلا في هذا البحر وسمكة الغرا توجد به كثيراً وأيضاً السمكة
المسماة سقنقورا لا تكون إلا في هذا النيل من هذا الإقليم لا في غيره وفي هذا
الإقليم من الطيب القرنفل والصندل والكافور والعود وكل هذه لا يوجد شيء منها في
سائر الأقاليم ولا يكون إلا في هذا الإقليم بعينه والليل والنهار فيه متكافيان في
حال الاعتدال متساويان في تقدير الساعات وإن كان في آخره من جهة العرض نقص يسير
فلا يتبين ذلك إلا عن بحث وعناء كل ذلك قسمة حكيم وتدبير خلاق عليم وفيما ذكرناه
من الأخبار من هذا الإقليم الأول بلغة وكفاية لأهل الطلب والعناية والحمد لله
أولاً وآخراً لا رب غيره ولا معبود سواه ولا مرجو إلا هو.
نجز الجزء العاشر من الإقليم الأول والحمد لله ويتلوه الجزء الأول من الإقليم
الثاني إن شاء الله.
الإقليم الثاني
الجزء الأول
إنا لما رسمنا الإقليم الأول وما احتوى عليه في عشرة الأجزاء التي قسمناه بها
وذكرنا في كل جزء منه حصته الواجبة له من الأمصار والقرى والجبال والأرضين
المعمورة والمغمورة وما بها من الحيوانات والمعادن والبحور والجزائر والملوك
والأمم وما لهم من السير والزي والأديان وجب علينا أن نذكر في هذا الإقليم الثاني
ما فيه من البلاد والقلاع والمدن والأمصار والبراري والقفار والبحار وجزائرها
وأممها ومسافات طرقها حسبما سبق لنا من ذكر ذلك في الإقليم الأول ونبتدئ الآن بذكر
الجزء الأول من الإقليم الثاني بحول الله وعونه.
فنقول إن هذا الجزء الأول من الإقليم الثاني مبدؤه من المغرب الأقصى حيث بحر
الظلمات ولا يعلم ما خلفه وفي هذا الجزء من الجزائر جزيرة مسفهان وجزيرة لغوس وهما
من الجزائر الستة المتقدم ذكرها وتسمى الخالدات ومنها بدأ بطلميوس بالتعديل وأخذ
أطوال البلاد وعروضها وإلى هتين الجزيرتين وصل ذو القرنين أعني الإسكندر ومنها
رجع.
فأما جزيرة مسفهان فحكى صاحب كتاب العجائب أن في وسطها جبلاً مدوراً عليه صنم أحمر
بناه أسعد أبو كرب الحميري وهو ذو القرنين الذي ذكره تبع في شعره ويسمى بهذا الاسم
كل من بلغ طرفي الأرض وإنما نصب أبو كرب الحميري ذلك الصنم هناك ليكون علامة لمن
قصد تلك الناحية من البحر ليعرفه أنه ليس خلافه ملسك يسلكه ولا موضع يخرج إليه
وأيضاً أن في جزيرة لغوس المذكورة صنم وثيق البناء لا يمكن الصعود إليه وفي هذه
الجزيرة يقال مات الذي بناه وهو تبع ذو المراثد وقبره هناك في هيكل مبني من المرمر
والزجاج الملون وحكى صاحب كتاب العجائب أن في هذه الجزيرة دواب هائلة وأن فيها
أموراً تطول أوصافها وتمتنع العقول عن قبولها.
وفي سواحل هذا البحر الصادر عن هذه الجزائر وغيرها يوجد العنبر الجيد ويوجد أيضاً
في ساحله حجر البهت وهو مشهور عند أهل المغرب الأقصى ويباع الحجر منه بقيمة جيدة
لا سيما في بلاد لمتونة وهم يحكون عن هذا الحجر أن من أمسكه وسار في حاجة قضيت له
بأوفى عناية وشفع فيها وهو جيد عندهم في عقد الألسنة على زعمهم ويوجد أيضاً بساحل
هذا البحر أحجار كثيرة ذات ألوان شتى وصفات مختلفة يتنافسون في أثمانها
ويتوارثونها بينهم ويذكرون أنها تتصرف في أنواع من العلاجات الطبية الفاعلة
بالخاصية فمن ذلك أحجار تعلق على الثدي الموجعة فتبرأ من وجعها مسرعاً ومنها أحجار
تعلق للولادة فتسهل وأحجار يمسكها الماسك بيده ويشير على من شاء من النساء
والأطفال فيتبعه ومثل هذه الأحجار عندهم كثيرة وهم بالرقى عليها مشهورون وبه
معروفون.
وفيما تضمنه هذا الجزء بقية من أرض مقزارة السودان وماؤها قليل ولا عمارة بها ولا
سالك فيها إلا في النادر لقلة وجود الماء كما قلنا وسالكها لا يمكنه سلوكها إلا أن
يعد مع نفسه الماء لدخول هذه الأرض مع بعض ما يليها من أرض قمنورية.
وأرض
قمنورية منها في جهة الشمال متصلة من غربيها بالبحر المظلم وتتصل من جهة شرقيها
بصحراء نيسر وعلى هذه الصحراء طريق تجار أهل أغمت وسجلماسة ودرعة والنول الأقصى
إلى بلاد غانة وما اتصل بها من أرض ونقارة التبر وأما أرض تنورية المذكورة فكانت
بها مدن للسودان مشهورة وقواعد مذكورة لكن أهل زغاوة وأهل لمتونة الصحراء الساكنون
من جهتي هذه الأرض طلبوا هذه الأرض أعني أرض قمنورية حتى أفنوا أكثر أهلها وقطعوا
دابرهم وبددوا شملهم على البلاد وأهل بلاد قمنورية فيما يذكره التجار يدعون أنهم
يهود وفي معتقدهم تشويش وليسوا بشيء ولا على شيء ولا ملك فيهم ولا ملك عليهم بل هم
ممحونون من جميع الطوائف المجاورين لهم المحدقين بأرضهم وكانت في القديم من الزمان
السالف لأهل قمنورية مدينتان عامرتان اسم إحداهما قمنورى واسم الأخرى نغيرا وكانت
هتان المدينتان تحتويان على أمم من القمنورية وبشر كثير وكان لهم رؤوس وشيوخ
يدبرون أمرهم ويحكون في مظالمهم وما وقع بينهم فأفنتهم الأيام وتوالت عليهم الفتن
والغارات من جميع الجهات فقلوا في تلك الأرض وفروا عنها واعتصموا في الجبال
وتفرقوا في الصحارى ودخلوا في ذمة من جاورهم وتستروا في أكنافهم فلم يبق من أهل
قمنورية إلا قوم قلائل متفرقون في تلك الصحارى وبمقربة من الساحل عيشهم من الألبان
والحوت وهم في نكد من كد العيش وضيق الحال وهم ينتقلون في تلك الأرض مع مهادنة من
جاورهم ويقطعون أيامهم مسالمة إلى حين.
وبين بلاد قمنورية وبلد سلى وتكرور طرق مجهولة الآثار دارسة المسالك قليلة السالك
ماؤها غائر وعلامتها خفية وبين قمنورية وسلى وتكرور مسير ستة عشر يوماً ومن نغيرا
إلى سلى نحو من اثني عشر يوماً وكذلك منها إلى بلد ازقي من بلاد لمتونة اثنتا عشرة
مرحلة وماؤها قليل يتزود لقلته من حفر يحتفرها السالكون المجتازون بتلك الأرض وفي
بلاد قنورية جبل مانان ويتصل بالبحر المحيط وهو جبل منيع عالي الذروة أحمر التربة
وفيه أحجار لماعة تعشي البصر إذا طلعت عليها الشمس لا يكاد الناظر ينظر إليها
لشعاعها وبريق حمرتها وفي أسفله ينابيع بالماء العذب يتزود ويحمل في الأوعية إلى
كل جهة.
ومما يلي مدينة نغيرا وفي شرقيها مع ميل إلى الجنوب جبل بنبوان وهو من أعلى جبال
الأرض أجرد أبيض التربة لا ينبت فيه شيء من النبات إلا ما كان من الشيح والغاسول
المسمى الحرض ومن علو هذا الجبل في الهواء حكى صاحب كتاب العجائب عنه أن السحاب
تمطر المطر دونه ولا تصيب رأسه.
ويلي هذه الأرض المذكورة صحراء نيسر وهي الصحراء التي قدمنا ذكرها وعليها يدخل
المسافرون إلى اودغست وغانة وغيرهما من البلاد كما قلناه قبل وهذه الصحراء قليلة
الإنس ولا عامر بها وبها الماء قليل ويتزود به من مجابات معلومة ومنها مجابة نيسر
التي ذكرنا أنها أربعة عشر يوماً لا ماء بها ولا يوجد له أثر فيها وهي مشهورة بذلك
وفي هذه الصحراء المعروفة بصحراء نيسر حيات كثيرة طوال القدود غلاظ الأجسام
والسودان يصيدونها ويقطعون رؤوسها ويرمون بها ويطبخونها بالملح والماء والشيح
ويأكلونها وهي عندهم أطيب طعام يأكلونه وهذه الصحراء يسلكها المسافرون في زمان
الخريف وصفة السير بها أنهم يوقرون أجمالهم في السحر الأخير ويمشون إلى أن تطلع
الشمس ويكثر نورها في الجو ويشتد الحر على الأرض فيحطون أحمالهم ويقيدون أجمالهم
ويعرسون أمتعتهم ويخيمون على أنفسهم ظلالاً تكنهم من حر الهجير وسموم القائلة
ويقيمون كذلك إلى أول وقت العصر وحين تأخذ الشمس في الميل والانحطاط في جهة المغرب
يرحلرن من هناك ويمشون بقية يومهم ويصلون به المشي إلى وقت العتمة ويعرسون أينما
وصلوا ويبيتون بقية ليلهم إلى أول الفجر الأخير ثم يرحلون وهكذا سفر التجار
الداخلين إلى بلاد السودان على هذا الترتيب لا يفارقونه لأن الشمس تقتل بحرها من
تعرض للمشي في القائلة عند شدة القيظ وحرارة الأرض وبهذا السبب يلزمون النقلة على
هذه الصفة التي ذكرنا.
وفي هذا الجزء أيضاً قطعة من شمال أرض غانة وفيها مدينة اودغست وهي مدينة صغيرة في
صحراء ماؤها قليل وهي في ذاتها بين جبلين شبه مكة في الصفة وعامرها قليل وليس بها
كبير تجارة ولأهلها جمال ومنها يتعيشون.
ومنها
إلى مدينة غانة اثنتا عشرة مرحلة وذلك من اودغست إلى مدن وارقلان إحدى وثلاثون
مرحلة ومن اودغست أيضاً إلى مدينة جرمة نحو من خمس وعشرين مرحلة وكذلك من اودغست
أيضاً إلى جزيرة اوليل معدن الملح شهر واحد.
وأخبر بعض الثقات من متجولي التجار إلى بلاد السودان أن بمدينة اودغست ينبت بأرضها
بقرب مناقع المياه المتصلة بها كمأة يكون في وزن الكمء منها ثلاثة أرطال وأزيد وهو
يجلب إلى اودغست كثيراً يطبخونه مع لحوم الجمال ويأكلونه ويزعمون أن ما على الأرض
مثله وقد صدقوا.
نجز الجزء الأول من الإقليم الثاني والحمد لله ويتلوه الجزء الثاني منه إن شاء
الله.
الجزء الثاني
إن هذا الجزء الثاني من الإقليم الثاني تضمن في حصته من الأرضين بقية صحراء نيسر
وجملة أرض فزان بما فيها من المدن وكذلك أيضاً تحصل فيه جملة بلاد من أرض زغاوة
السودان وأكثر هذه الأرضين صحار متصلة غير عامرة وجهات وحشة وجبال حرش جرد لا نبات
فيها والماء بها قليل جداً لا يوجد إلا في أصل جبل أو في ما اطمأن من سباخها
وبالجملة إنه هناك قليل الوجود يتزود به من مكان إلى مكان وأهل تلك الأرضين يدلون
في أكنافها وطرقاتها ويجولون في ساحاتها ووهادها وجبالها.
وفي هذه الصحاصح المذكورة يقع أقوام رحالة ينتقلون في أكنافها ويرعون مواشيهم في
أدانيها وأطرافها وليس لهم ثبوت في مكان ولا مقام بأرض وإنما يقطعون دهرهم في
الرحلة والانتقال دائماً غير أنهم لا يخرجون عن حدودهم ولا يفارقون أرضهم ولا
يمتزجون بغيرها ولا يطمئنون إلى من جاورهم بل كل أحد منهم يأخذ حذره وينظر لنفسه
قدر جهده وأهل المدن الذين يجاورونهم من أجناسهم يسرقون أبناء هولاء القوم الرحالة
الذين يعمرون هذه الصحارى ويسرون بهم في الليل ويأتون بهم إلى بلادهم ويخفونهم
حيناً من الدهر ثم يبيعوهم من التجار الداخلين إليهم بالبخس من الثمن ويخرجونهم
إلى أرض المغرب الأقصى ويباع منهم في كل سنة أمم وأعداد لا تحصى وهذا الأمر الذي
جئنا به من سرقة قوم أبناء قوم في بلاد السودان طبع موجود فيهم لا يرون به بأساً.
وهم أكثر الناس فساداً ونكاحاً وأغزرهم أبناء وبنات وقلما توجد منهم المرأة إلا
ويتبعها أربعة أولاد وخمسة وهم في ذاتهم كالبهائم لا يبالون بشيء من أمور الدنيا
إلا بما كان من لقمة أو نكحة وغير ذلك لا يخطر لهم ذكره على بال.
وفي بلاد زغاوة من المدن والقواعد سغوة وشامة وبها قوم رحالة يسمون صدراتة يقال
إنهم برابر وقد تشبهوا بالزغاويين في جميع حالاتهم وصاروا جنساً من أجناسهم وإليهم
يلجؤون فيما عن لهم من حوائجهم وبيعهم وشرائهم ومن مدن زغاوة شامة وهي مدينة صغيرة
شبيهة بالقرية الجامعة وأهلها في هذا الوقت قليلون وقد انتقل أكثر أهلها إلى مدينة
كوكو وبينهما ست عشرة مرحلة وأهل شامة يشربون الألبان ومياههم زعاق وعيشهم من
اللحوم الطرية والمقددة والأحناش يتصيدونها كثيراً ويطبخونها بعد سلخها وقطع
رؤوسها وأذنابها وحينئذ يأكلونها والجرب لا يفارق أعناق هؤلاء القوم بل هو فيهم
موجود وهم به مشهورون وبه يعرف الزغاويون في جميع الأرض وقبائل السودان ولولا أنهم
يأكلون الأحناش لتقطعوا جذاماً وهم عراة يسترون عوراتهم فقط بالجلود المدبوغة من
الإبل والبقر ولهم في هذه الجلود التي يستترون بها ضروب من القطع وأنواع من
التشريف يحكمونها.
ولهم في أعلى أرضهم جبل يسمى جبل لونيا وهو عالي الارتقاء صعب لكنه ترب وترابه
أبيض رخو وفي أعلاه كهف لا يقربه أحد إلا هلك ويقال إنه فيه ثعبان كبير يلتقم من
اعترض مكانه على غير منه بذلك وأهل تلك الناحية يتحامون ذلك الكهف وفي أصل هذا
الجبل مياه نابعة تجري غير بعيد ثم تنقطع وعليه أمة تسمى سغوة من قبائل زغارة وهم
قوم ظواعن رحالة والإبل عندهم كثيرة اللقاح حسنة النتاج وهم ينسجون المسوح من
أوبارها والبيوت التي يعمرونها ويأوون إليها ويتصرفون في ألبانها وأسمانها
ويتعيشون من لحومها والبقول عندهم قليلة وهم يزوعونها وينتجونها وأكثر ما يزرعه
أهل زغاوة الذرة وربما جلبت الحنطة إليهم من بلاد وارقلان وغيرها.
وفي
جهة الشمال وعلى ثماني مراحل من موضع قبيلة سغوة مدينة خراب تسمى نبرنته وكانت
فيما سلف من المدن المشهورة لكن فيما يذكر أن الرمل تغلب على مساكنها حتى خربت
وعلى مياهها حتى نشفت وقل ساكنها فليس بها في هذا الزمان إلا بقايا قوم تشبثوا
بمقامهم في بقايا خرابها حناناً للموطن وبهذه المدينة في جهة شمالها جبل يسمى غرغة
حكى صاحب كتاب العجائب أن فيه نملاً على قدر العصافير وهي أرزاق لحيات طوال غلاظ
تكون في هذا الجبل ويحكى أن هذه الحيات قليلة الضرر والسودان يقصدون إلى هذا الجبل
فيصيدون به هذه الحيات ويأكلونها كما قدمنا ذكره قبل هذا.
ومن مدينة نبرنته إلى مدينة تيرقى من بلاد ونقارة التبر سبع عشرة مرحلة.
ويلي أرض زغاوة أرض فزان وبها من البلاد مدينة جرمة ومدينة تساوة والسودان يسمون
تساوة جرمى الصغرى وهاتان المدينتان يقرب بعضهما من بعض وبينهما نحو مرحلة أو
دونها وقدرهما في العظم وكثرة العامر سواء ومياههم من الآبار وعندهم نخيلات
ويزرعون الذرة والشعير ويسقونهما بالماء نكلاً بآلات يسمونها انجقة وتسمى ببلاد
المغرب هذه الآلة بالخطارة وعندهم معدن فضة في جبل يسمى جبل جوجيس وفائده قليل وقد
ترك الطالبون عمله واستخراجه لمن قصده ومن تساوة إلى هذا المعدن نحو من ثلاث مراحل
لمن قصده ومن مدينة تساوة إلى قبيل من البربر في جهة المشرق نحو من اثني عشر يوماً
ويسمون آزقار وهم قوم رحالة وإبلهم كثيرة وألبانهم غزيرة وهم أهل نجة وقوة وبأس
ومنعة لاكنهم يسالمون من سالمهم ويميلون على من حاولهم وهم يصيفون ويربعون حول جبل
يسمى طنطنه وفي محيطه من أسفله ينابيع وعيون مياه جارية ومناقع كثيرة تجتمع بها
المياه وينبت عليها الحشيش كثيراً وإبلهم ترعى هناك وينتقلون منه إلى أمكنة عن
عاداتهم المقام بها.
ومن هذا الجبل الذي يستدير حوله آزقارة إلى أرض بغامة عشرون مرحلة في أرضين خالية
من الأنيس قليلة المياه منحرقة الهواء دارسة المسالك دائرة المعالم ومن قبيلة
آزقار إلى مدينة غدامس ثماني عشرة مرحلة ومن آزقار أيضاً إلى مدينة شامة نحو من
تسع مراحل وبينهما مجابتان مياههما قليلة وربما أفرطت الريح بهما مع حر الهواء
فنشفت المياه حتى لا توجد البتة.
وأهل آزقار فيما يذكره أهل المغرب الأقصى أعلم الناس بعلم الخط الذي ينسب إلى
دنيال النبي عليه السلام وليس يدرى بجميع بلاد البربر على كثرة قبائلها قبيلة أعلم
بهذا الخط من أهل آزقار وذلك أن الرجل منهم صغيراً كان أو كبيراً إذا تلفت له ضالة
أو عدم شيئاً من أموره خط لها في الرمل خطاً فيعلم بذلك موضع ضالته فيسير حتى يجد
متاعه كما أبصره في خطه وربما سرق الرجل منهم متاع صاحبه ويدفنه في الأرض بعيداً
أو قريباً فيخط الرجل الذي فقد متاعه ويقصد موضع الخبية ويخط بإزائها خطاً ثانياً
ويقصد بعلمه إلى موضع الخبية فيستخرج منها متاعه وما ضاع له ويعلم مما خطه الرجل
الذي تعدى على أخذ متاعه ويجمع أشياخ القبيلة فيخطون له خطاً فيعلمون من ذلك البرئ
من الفاعل وهذا عند أهل المغرب مشهور مذكور ولقد أخبر بعض المخبرين أنه رأى رجلاً
من هذه القبيلة في مدينة سجلماسة وقد خبيت له خبية بحيث لا يعرف فخط لها خطاً وقصد
موضعها فاستخرجها وأعيد عليه العمل بذلك ثلاث مرات فاستخرجها في الثانية والثالثة
مثل ما فعل في المرة الأولى وهذا شيء عجيب من قوتهم على هذا العلم على كثرة جهلهم
وغلظ طبعهم وفيما جئنا به في ذلك كفاية والحمد لله على ذلك.
نجز الجزء الثاني من الإقليم الثاني والحمد لله ويتلوه الجزء الثالث منه إن شاء
الله.
الجزء الثالث
إن الذي تضمن هذا الجزء الثالث من الإقليم الثاني من الأرضين بعض أرض ودان وأكثر
بلاد كوار وبعض بلاد التاجوين المجوس وأكثر بلاد فزان.
وأما
أرض ودان فإنها جزائر نخل متصلة بين غرب وشمال إلى ناحية البحر وكانت فيما سلف
أكثر الأرض عمارة وكان الملك في أهلها ناشئاً متوارثاً إلى أن جاء دين الإسلام
فخافوا من المسلمين فتوغلوا هرباً في بلاد الصحراء وتفرقوا ولم يبق بها الآن إلا
مدينة داود وهي الآن خراب ليس بها إلا بقايا قوم من السودان معايشهم كدرة وأمورهم
نكدة وهم في سفع جبل طنطنة وإبلهم قليلة وأكثر أهلها يحفرون أصول نبات يسمى أغرسطس
وهو النجيل وهو عندهم من نبات الرمال فيجففونه ويدقونه بالحجر ويخبزونه خبزاً
يتقوتون به ويأكلون منه ويأكل جلتهم وخيارهم اللحوم الجمالية مقددة ويشربون ألبان
الإبل وأكثر نيرانهم يقدونها في بعر الجمال وبعض الشوك والحطب عندهم قليل.
وفي جهة الشمال من هذه المدينة مدينة زويلة بناها عبد الله بن خطاب الهوري وسكنها
هو وبنو عمه في سنة ست وثلاث مائة وهي منسوبة إلى هذا الرجل وبه اشتهر اسمها وهي
الآن عامرة وسنأتي بذكرها في موضعها من الإقليم الثالث بعون الله.
وفي جبل طنطنة معدن حديد جيد وفي جنوب هذه الأرض مسارح ومرابع لازقار وهم قوم من
البربر رحالون في هذه الأرض منتجعون بابلهم وقد ذكرنا لمعاً من أخبارهم.
ومما جاء في جنوب هذا الجزء بقية من أرض كوكو والدمدم وهناك بقية من جبل لونيا
وترابه أبيض رخو ويقال إن به حيات قصار الطول في رأس كل حية منها قرنان ويقال
أيضاً إن به حيات ذوات رأسين.
وقد اختلف قوم كثير من السودان في نهر كوكو فبعض قال إنه يخرج من جبال لونيا ويمر
في جهة الجنوب حتى يمر بكوكو ثم يجوز بها ويمر في الصحراء وبعض قالوا إنما هو نهر
يمد نهر كوكو وإن نهر كوكو على الصحة يخرج من أسفل جبل يتصل رأسه بالنيل وزعموا أن
النيل يغوص تحت ذلك الجبل ويخرج من طرفه الآخر حيث يظهر خروجه ويمر حتى يتصل بكوكو
ثم يمر مغرباً في الصحراء فيغوص في الرمال.
ويتصل بهذه الأرض من جهة المشرق أكثر كوار وهي أرض مشهورة وبلادها مقصودة ومنها
يخرج الشب المعروف بالشب الكواري ولا يعدله شيء في الطيب وبلاد كوار يحويها بطن
واد يأتي من جهة الجنوب ماراً إلى الشمال لا ماء به إلا أن الماء إذا حفر عليه وجد
به معيناً بهيراً وعلى هذا الوادي من البلاد مدينة صغيرة تسمى القصبة وهي مدينة حسنة
البناء يحيط بها من جميع جوانها نخل وأنواع من الشجر البري وأهلها متحضرون يلبسون
الفوط والأزر والقنادير المتخذة من الصوف وأهلها مياسير وتجولهم وسفرهم إلى سائر
البلاد كثير وشربهم من آبار فيها ماء كثير حلو.
ومن هذه المدينة إلى مدينة أخرى تليها في جهة الجنوب يومان واسمها قصر أم عيسى
وليست بالمدينة الكبيرة لكن أهلها مياسير ولهم إبل يسافرون بها شرقاً وغرباً وأكبر
بضاعتهم الشب وهو رأس أموالهم وحول هذه المدينة نخيلات وآبار ماء حلوة ومنها
يشربون.
ومنها إلى مدينة انكلاس أربعون ميلاً في بطن الوادي وهي مدينة من أكبر بلاد كوار
قطراً وأكثرها تجارةً وعندهم معادن الشب الخالص المتناهي في الطيب ويوجد في أجبلها
كثيراً لكنه يتفاضل في الجودة والطيب وأهل هذه المدينة يتجولون حتى ينتهوا في جهة
المشرق بلاد مصر ويتصرفون في جهة المغرب فيصلون بلاد وارقلان وسائر أرض المغرب
الأقصى وأهلها يلبسون المقندرات من الصوف ويربطون على رؤوسهم كرازي الصوف ويتلثمون
بفواضلها ويسترون أفواههم وهي عادة من عوائدهم توارثها الأبناء عن الأباء لم
ينتقلوا عنها ولا تتحولوا منها وفي هذه المدينة في هذا الوقت رجل ثائر من أهل
البلد وله عصبة وقرابة يقوم بهم وهم يعضدونه وله كرم مشهور وسيرة حسنة وأحكامه
شرعية وهو مسلم.
ومن مدينة انكلاس إلى مدينة صغيرة تسمى ابزر مسافة يومين وابزر هذه على تل تراب
وحولها نخيل ومياهها عذبة وبالقرب من هذه المدينة معدن شب فائق الجودة لكنه يتجرف
كثير الرخاوة ولباس أهل هذه المدينة الفوط ومآزر الصوف وهم يتجرون بالشب.
ومن ابزر إلى مدينة تلملة يوم وهي أيضاً مدينة صغيرة ومياهها قليلة ونخلها أيضاً
قليل وتمرها طيب جليل وبها معدن شب قليل الفائد لأن معدنه يخالطه عروق تراب كثيرة
وإنما يخلط بغيره ويباع من التجار وهي من مدن كوار ومدينة تلملة قد ذكرناها فيما
سلف من الإقليم الأول.
وهذا
الشب الذي يكون في بلاد كوار بالغ في نهاية الجودة وهو كثير الوجود ويتجهز منه في
كل سنة إلى سائر البلاد بما لا يحصى كثرةً ولا يقاوم وزناً ومعادنه لا تنقص كبير
نقص وأهل تلك الناحية يذكرون أنه ينبت نباتاً ويزيد في كل حين بمقدار ما يؤخذ منه
مع الساعات ولولا ذلك لأفنوا الأرض كلها لكثرة ما يخرج منه ويتجهز به إلى جميع
الأرض.
وعلى مقربة من ابزر وفي جهة المغرب بحيرة كبيرة عميقة القعر طولها اثنا عشر ميلاً
وعرضها ثلاثة أميال وفيها حوت كبير كثير شبيه بالبوري له شحم عذب المأكل يسمونه
البقق ويستخرج منه من هذه البحيرة كثير ويملح ويحمل إلى جميع بلاد كوار وهو بها
رخيص موجود.
وأما ما حاز هذا الجزء من أرض التاجوين وهم السودان الذين ذكرناهم قبل هذا في
الإقليم الأول وقلنا إنهم مجوس لا يعتقدون شيئاً فإنهم بشر كثير وجمع غزير ولهم
إبل كثيرة وفي بلادهم مراع كثيرة وهم رحالة لا يقيمون في مكان واحد من جاورهم
يغزوهم ويغير عليهم ويتحيل على أخذهم وليس لهم مدن إلا مدينتان وهما تاجوة وسمية
وقد تقدم ذكرهما في الإقليم الأول ويحيط بشمال هذه الأرض جبل مقور وهو جبل أغبر
إلى البياض وفيه عروق ترابية لينة تنفع من أوجاع العين الرمدة مثل ما ينفع رهج
الغار الذي بقفر مديبة طلبيرة من بلاد الأندلس النافع من جرب العين ويأكل ما فيها
وهو غبار وجد هناك لونه أخضر ما هو وهذا الغبار هو مشهور المنفعة في جميع بلاد
الأندلس معروف بالتجربة.
وأيضاً إن هذه الأرض تتصل بها أرض الواحات الخارجة وهي الآن تعرف بأرض سنترية
وسنترية هذه محدثة قريية العهد سنأتي بذكرها بعد هذا وفيها مما يلي جنوبها مدينة
هي الآن خراب وقد كانت فيما سلف عامرة بالخلق آهلة بالناس وتسمى هذه المدينة تثرو
وقد تهدم بناؤها وغارت مياهها وتشرد حيوانها وتنكرت معالمها فلم يبق منها إلا طلل
دارس واثر طامس وبها بقايا نخل ماحلة وربما بلغتها العرب عند تصرفها في أكناف هذه
الأرض وبشرقي هذه المدينة مع الشمال جبل وعر ليس بكثير العلو لكنه ممتنع الصعود
إليه لانقطاع أحجاره وفي أسفله بحيرة كبيرة دورها نحو من عشرين ميلاً ماؤها عذب
لكنه قليل العمق وفي وسطها نبات وبها حوت كثير الشوك سهك الطعم ويمد هذه البحيرة
عين ماء تأتيها من جهة الجنوب وتقع فيها وعلى هذه البحيرة ينزل رحالة أهل كوار
وربما زاحمهم العرب عليها فأوقعوا الضرر بهم وبهذه الأرض في وقتنا هذا مدينة مرندة
وهي مدينة عامرة بأهلها والداخل إليها قليل لقلة بضاعاتهم واختصار صنائعهم وعدم
الخيرات لديهم لكنها ملجأ وسكن للوارد والصادر من رحالتهم وظواعنهم.
وبشمال هذه الأرض يتصل بها مدينة زالة وزالة هذه بها حصن منيع فيه رجل ثائر بنفسه
وبين هذه المدينة وبلد سرت تسعة أيام بين غرب وشمال إلى ناحية البحر ومن زالة
أيضاً إلى أرض ودان ثمانية أيام ومن زالة إلى زويلة عشرة أيام متحرفة إلى الجنوب
مع الغرب وقد ذكرنا في هذا الجزء ما يحتاج إليه مستقصى بحمد الله وتأييده.
نجز الجزء الثالث من الإقليم الثاني والحمد الله ويتلوه الجزء الرابع منه إن شاء
الله.
الجزء الرابع
إن هذا الجزء الرابع من الإقليم الثاني تضمن بقية من أرض الواحات الخارجة بما اتصل
بها في جنوبها من أرض التاجوين وأكثر بلاد الجفار والبحرين راجعاً أرض سنترية التي
عرضنا بذكرها قبل هذا وذاهباً في مساكن بني هلال نازلاً مع الجبل المسمى جبل جالوت
البربري وإنما سمي به لأن جالوت هزم عسكره به ولجأ هو وجملة من خيله إلى هذا الجبل
فسمي بذلك إلى الآن وفي الشرق من هذا الجبل جملة من بلاد مصر على ضفة النيل النازل
إليها من أعلى بلاد النوبة وسنذكر هذه البلاد عند وصفنا لها بلداً بلداً وقطراً
قطراً مع ذكر ما يليق بها من الأخبار الكائنة بها بعون الله وما خلف النيل من
العمارات المتصلة من أرض مصر إلى نواحي أهريت وشرونة وبياض التي تلي منازل بلي
وجهينة وصفارة إلى أقصى الصعيد مع اتصاله بالعلاقي وأيضاً ما يلي أسفل الجزء من
منازل التيم والنجوم والقبط.
فنقول
إن أعلى هذا الجزء من ناحية المغرب حيث بقية أرض التاجوين كله خلاء صحار متصلة وإن
كانت المياه بها كثيرة والغدر موجودة فليس بما ساكن لأن بها رمالاً سائلة تنقلها
الرياح من مكان إلى مكان وليس لأحد بها مستقر لاعتداء الرمال عليها وكثرة جري
الرياح بها وكذلك يتصل هذا الرمل بأعلى أرض الواحات فيعدو عليها ويغير ما فيها من
الآثار وتتصل هذه الرمال بالغرب إلى أرض سجلماسة إلى البحر.
وبلاد الواحات الخارجة الآن صحراء لا أنيس بها بلقع لا عامر لها والمياه بها
موجودة وكانت على القدم معمورة متصلة الثمار والعمارات وكان فيما سبق من الزمان
الدخول عليها ومنها إلى مدينة غانة في طرق مسلوكة ومناهل معروفة لكنها انقطت ودرست
وبالواح الخارجة أغنام وبقر متوحشة كما قدمنا ذكره فيما سبق وبين الواحات وحد
النوبة مسير ثلاثة أيام في مفاوز غير عامرة وفي أرض الواحات الخارجة جبل علساى
المعترض بها وهو جبل سامي الذروة عالي القمة متساو عرضه أسفل وفوق وفيه معدن
يستخرج منه حجر اللازورد ويحمل إلى أرض مصر فيصنع بها ويصرف وفي أرض الواحات يكون
الثعبان ولا يكون البتة في غيرها من الأرضين والثعبان على ما يحكيه أهل تلك
النواحي يرى كالتل الكبير يلتقم العجل والكبش والإنسان وهو حيوان على صورة الحية ينساب
على بطنه وله أذنان بارزتان وأنياب وأسنان وحركته بطيئة ويأوي إلى الكهوف والدهاس
فمن قصده أو اعترضه بمساءة التقمه وأمضى عليه ولا يخرج عن هذه الأرض إلا ويموت
وهذا مشهور الذكر شائع الخبر.
وأما الواحات الداخلة فإن بها قوماً من البربر وعرباً متحضرين يرعون هناك حيث
المياه النيلج كثيراً والنيلج المعروف بها يفوق كثيراً من النيلج في الطيب والجودة
وإليها ينسب النيلج اللواحي وهو بها معروف وتنتج بهذه الأرض مع ما اتصل بها من
أعلى أرض أسوان حمير صغار المقادير في مقدار الكباش ملمعة بسواد في بياض لا تحمل
الركوب عليها وإذا أخرجت عن أرضها هلكت لا محالة وبأعلى صعيد مصر حمير ليست بكثيرة
اللحم لكنها في غاية من السير وسرعة المشي وبرمال الواحات وما اتصل بها من أرض
الجفار حبات كثيرة تستتر في الرمل فإذا مرت بها الجمال ثارت من الرمل ورمت بأنفسها
حتى تقع في المحامل فتنهش هناك من وافقته فيموت في الحال وأيضاً إن أرض الجفار
بأسفل الواحات وهي أرض خالية قفرة وكانت فيما سلف من الزمان متصلة العمارات كثيرة
البركات مشهورة بالخيرات وكان أكثر زراعة أهلها الزعفران والعصفر والنيلج وقصب
السكر وأما الآن فإن بها مدينتين معمورتين اسم إحداهما الجفار والثانية البحرين
وهما قريتان كالحصنين قد أحدقت النخل بهما من كل النواحي وماؤهما غزير عذب ومن
البحرين إلى الجفار يومان ومن الجفار إلى الواح ثلاثة أيام لا ماء فيها والواح هذه
المذكورة الآن في وقتنا هذا قرى كثيرة صغار وفيها ناس أخلاط يزرعون النيلج وقصب
السكر وهي في ضفة الجبل الكبير الحاجز بين أرض مصر والصحارى المتصلة بأرض السودان.
ومن البحرين إلى مدينة سنترية أربع مراحل ومدينة سنترية صغيرة وبها منبر وقوم من
البربر وأخلاط من العرب المتحضرة وهي على أول الصحراء ومنها إلى البحر الشامي في
جهة الشمال تسع مراحل وهناك تكون لكة الساحلية وشرب أهل سنترية من آبار وعيون
قليلة وبها نخل كثير ومنها إلى جبل قلمرى أربعة أيام وفي هذا الجبل معدن حديد جيد
ومن سنترية يسير من أراد الدخول إلى أرض كوار وسائر بلاد السودان وكذلك من سنترية
إلى أوجلة مغرباً عشرة أيام وفي هذه الناحية جبل بريم الأحمر ويقال إن مسلتي
الإسكندرية نحتتا منه.
وأما مدينة القيس التي على ضفة النيل وبغربيه فهي مدينة قديمة حسنة البناء جميلة
الجهات فيها قصب السكر الكثير وأنواع التمور والخيرات الكثيرة وبينها وبين دهروط
في جهة الشمال مخوض ثمانية عشر ميلاً.
ومن مدينة القيس إلى منية ابن الخصيب مقدار نصف يوم وهي قرية عامرة حولها جنات
وأراض متصلة العمارات وقصب وأعناب كثيرة ومتنزهات ومبان حسان وهي في الضفة الشرقية
من النيل.
ومن منية ابن الخصيب إلى مدينة الأشمونى مسافة نصف يوم أو أكثر قليلاً وهي مدينة
صغيرة حسنة عامرة بها جنات وبساتين ونخيل وزروع وضروب من الحبوب والفواكه والنعم
السابغة ويعمل بها ثياب معروفة كثيرة.
وأمامها
من شمال النيل بوصير وهي مدينة صغيرة القدر والعمارات بها متصلة وفيما يحكى أن
أكثر سحرة فرعون كانوا من هذه المدينة وبها الآن بقية من طلاب السحر.
ومن بوصير إلى أنصنا بشرقي النيل ستة أيام وهي مدينة قديمة البناء حسنة البساتين
والمتنزهات كثيرة الثمار غزيرة الخصب والفواكه وهي المدينة المشهورة بمدينة السحرة
ومنها جلبهم فرعون في يوم الموعد للقاء موسى النبي عليه السلام.
وهناك بلاد صغار يكون بينها وبين النيل ميلان وأكثر وأقل ومنها النجاشية وهي قرية
عامرة جامعة كثيرة الخصب والثمار ومنها مما يقابلها في الغربي من النيل بلد يسمى
منساوة لها نخل وزروع وضرع وبساتين وجنات.
ومنها مدينة طحا وهي أسفل من مدينة الأشمونى وهي مدينة مشهورة يعمل بها وفي طرزها
ستور صوف وأكسية صوف منسوب إليها ويقال إن التمساح يضر في عدوة الأشمونى ولا يضر
بعدوة أنصنا ويقال إنها مطلسمة.
ومن مدينة أنصنا المتقدم ذكرها إلى بلد صغير يسمى المراغة به نخل وقصب سكر وزراعات
وجمل بساتين وبينهما نحو من خمسة أميال والمراغة بغربي النيل.
ومنها إلى مدينة تزمنت نحو من خمسة أميال وهي بغربي النيل كثيرة البساتين والجنات
متصلة العمارات.
ومنها إلى قرية صول نحو من يوم وهي قرية كبيرة بها أسواق وجماعات من الناس ونخيل
وثمار ومنافع وهذه القرية على فم الخليج المسمى بخليج المنهى وهو الخليج الذي يتصل
بشرقي أرض الواحات ويصرف في سقي كثير من الأرضين هناك ومن هذا الخليج احتفرت خلجان
الفيوم وسنأتي بذكر ذلك في موضعه بحول الله وقوته.
ومن مدينة صول إلى أخميم يوم ومدينة أخميم في شرقي النيل وتبعد.
وفي الضفة الغربية من النيل وفوق فم خليج المنهى مدينة تسمى زماخر وهي مدينة حسنة
البناء كثيرة البساتين غزيرة المياه تحتوي على ضروب من الفواكه وجمل من أنواع
الحبوب وهي في ذاتها جميلة حسنة.
ومنها مع ضفة غربي النيل إلى جبل الطيلمون مقدار خمسة أميال وهذا الجبل يأتي من
جهة المغرب بتأريب فيعترض مجرى النيل والماء ينصب إليه بقوة جري ويخرج عنه بقهر
وانضغاط يمنع المراكب الصاعدة من مصر إلى أسوان وغيرها لأن صب النيل وقوة جريه
هناك يمنع الصعود في وجهه ويذكر أهل زماخر أن بأعلى هذا الجبل كانت دهية الساحرة
ساكنة في قصر لم يبق منه الآن إلا رسم محال ويشيعون من أمرها أنها كانت تتكلم على
المراكب فلا تقدر على الجواز علها البتة مع عون قوة جري الماء وانصبابه وانزعاج
قوته عند الجبل وهذا المكان من النيل إلى الآن صعب المجاز جداً وهو معروف.
ومن هذا الجبل إلى جبل تانسف نحو مرحلتين وهذا الجبل المسمى تانسف في جانبه حافة
ملساء فيها شق صغير ضيق يجتمع إليه في يوم من السنة جمل من الطير المسمى بوقير وهو
طير ملون من طيور الماء فيأتي كل طائر منها فيدخل رأسه في ذلك الشق من الجبل
ويخرجه ويمضي طائراً على حاله إلى أن ينطبق ذلك الشق على رأس أحدها فيبق مضطرباً
حتى يموت ويتساقط ريشه وتطير الباقي من الطير فلا تعود إلا لمثل ذلك اليوم من
السنة وهذا مشهور معلوم في ديار مصر وقد أثبت ذلك في كثير من الكتب.
ومن جبل الطيلمون المتقدم ذكره إلى مدينة أسيوط وهي على الضفة الغربية من النيل
مجرى يوم ومدينة أسيوط مدينة كبيرة عامرة آهلة جامعة لضروب المحاسن كثيرة الجنات
والبساتين مدخرة لضروب الحبوب واسعة الأرضين جميلة حسنة.
ومن مدينة أسيوط إلى أخميم صاعداً مع النيل نصف مجرى ومن مدينة أخميم إلى مدينة
قفط مجرى نصف يوم بالقلاع ومدينة قفط متباعدة عن ضفة النيل من الجهة الشرقية
وأهلها شيعة وهي مدينة جامعة متحضرة بها أخلاط من الناس وفيها بعض بقايا من الروم
وبها مزارع كثيرة للبقول مثل اللفت والخس وذلك لأنهم يجمعون بذورها ويطحنونها
ويستخرجون أدهانها ويصنعون منها أنواعاً من الصابون يتصرفون به في جميع أرض مصر
ومنها يتجهز به إلى كل الجهات وصابونها معروف النظافة.
ومنها
إلى مدينة قوص بالجهة الشرقية من النيل سبعة أميال ومدينة قوص مدينة كبيرة بها منبر
وأسواق جامعة وتجارات ودخل وخرج والمسافر إليها كثير والبضاعات بها نافقة والمكاسب
رابحة والبركات ظاهرة وشرب أهلها من ماء النيل ولها بقول طيبة وضروب من الحبوب
كثيرة ممكنة ولحوم سدفة حسنة المنظر طيبة المأكل ولكثرة نعمها كان هواؤها وبائياً
وأهلها مصفرة ألوانهم وقليلاً ما دخلها غريب وسلم من المرض إلا نادراً.
ومن مدينة قوص إلى دماميل بشرقي اليل نحو من سبعة أميال ومدينة دماميل محدثة حسنة
البناء طيبة الهواء كثيرة الزراعات ممكنة الحنطة وسائر الحبوب وأهلها أخلاط
والغالب عليهم أهل المغرب والغريب عندهم مكرم محفوظ مرعى الجانب وفي أهلها مواساة
بالجملة.
ومنها إلى قرية قمولة خمسة أميال وهي كالمدينة جامعة متحضرة مكتنفة لكل نعمة
وفضيلة وأخبر بعض الثقات في هذا العصر فقال رأيت بها أنواعاً من الفواكه وضروباً
من الثمر من جملتها عنب ما توهمت أن على الأرض مثله طيباً وحسناً وكبراً حتى إنه
دعتني نفسي إلى أن وزنت منه حبه فوجدت في زنتها اثني عشر درهماً وفي هذه القرية من
الدلاع وأنواع الموز ما يجل عن المقدار المعهود وكذلك من الرمان والسفرجل والإجاص
وسائر الفواكة ما لا يكون إلا بمثلها وكل شيء من ذلك كثير يباع بأيسر الأثمان.
وبشمال هذه القرية جبل يمر من الجنوب إلى الشمال إلى أن يقارب مدينة أسيوط وهذا
الجبل يقال له بران يقال إن فيه كنوز ولد أشمون بن مصرايم وفيه مطالب وطلاب إلى
الآن.
ومن هذه القرية إلى مدينة إسنا بغربي النيل مجرى يوم وهي من المدن القديمة من بناء
القبط الأول وبها مزارع وبساتين حسنة وبما رخاء شامل وأمن وادع وبها أعناب كثيرة
ولكثرته هناك يعمل منه زبيب كثير ويحمل إلى جميع أرض مصر فيعمها وهو بالغ في الطيب
وجودة الحلاوة وبها بقايا بنيان للقبط وآثار عجيبة.
ومنها إلى أرمنت في الضفة الشرقية مجرى يوم وهي مدينة من بناء القبط حسنة وبها
نخيل وثمر تحمل أنواعاً من الثمر المعلومة المحمودة القليل الوجود مثلها في كثير
من الأقطار طيباً وحسناً ومن مدينة أرمنت إلى مدينة أسوان مجرى يوم في النيل وقد
ذكرنا مدينة أسوان فيما صدر من ذكر الإقليم الأول في موضعه من الكتاب.
ولنرجع الآن إلى ذكر الخليج الخارج من معظم النيل كما قدمنا القول فيه بعون الله
فنقول إن هذا الخليج يخرج إلى جهة المغرب عند مدينة صول ويسمى هناك المنهى فيمر
جارياً نحو المغرب فيصل إلى مدينة البهنسا على أربع مراحل وهي بالجهة الغربية من
هذا الخليج وهي مدينة عامرة بالناس جامعة لأمم شتى ومن هذه المدينة إلى مصر سبعة
أيام كبار وبهذه المدينة كانت وإلى الآن طرز ينسج بها للخاصة الستور المعروفة
بالبهنسية والمقاطع السلطانية والمضارب الكبار والثياب المتخيرة وبها طرز كثيرة
للعامة يقيم بها التجار الستور الثمينة طول الستر منها ثلاثون ذراعاً وأزيد وأنقص مما
قيمة الزوج منها مائتا مثقال وأكثر من ذلك وأقل ولا يصنع من شيء من الستور
والأكسية وسائر الثياب المتخذة من الصوف والقطن إلا وفي اسم الطرز المتخذة بها
كانت من طرز الخاصة أو من طرز العامة سمة مكتوبة فعلها الجيل المتقدم وتبعهم على
ذلك من خلفهم من الصناع إلى حين وقتنا هذا وهذه الستور والفرش والأكسية مشهورة في
جميع الأرض.
وينزل هذا الخليج مع الشمال إلى مدينة اهناس وذلك مرحلتان وهي مدينة صغيرة متحضرة
كثيرة الأهل واسعة الخيرات جامعة لبركات نامية الزراعات وكل شيء من المأكول بها
كثير رخيص ومتاجرها نافقة وأسواقها مربحة.
ومنها إلى اللاهون مرحلتان.
ومنها إلى مدينة دلاص وهي في الضفة الشرقية من معظم النيل وعلى بعد ميلين منه نحو
من مسير يومين وبمدينة دلاص هذه تصنع اللجم الدلاصية المنسوبة صنعتها إليها وهي
مدينة صغيرة عامرة جليلة وصناعة الحديد بها قائمة الذات كثيرة المصنوعات ومدينة
دلاص كانت في أيام القبط كثيرة الديار مثبتة في ذكر الأمصار إلا أنها الآن في
وقتنا هذا ليست بالكبيرة لأن البرابر من لواتة وشرار العرب تسلطوا على أطراف
عمارات هذه البلاد فأفسدوها فقل ساكنوها لذلك وينتهي هذا الخليج إلى الفيوم ويصل
إلى بحيرة أقنى وتيهمت وسنستقصي ذكر ذلك في موضعه من الإقليم الثالث بحول الله.
وأما
ترفة وسمسطا فضياع وقصور بعيدة من معظم النيل على مسافة ميلين منه وهما عامرتان
بالناس وفيهما مزارع للقصب السكري ويعمل بها من السكر والفانيذ ما يقوم بأكثر ديار
مصر ويستغنى به عن غيره وجميع بلاد مصر تتقارب مسافاتها فلا يكون بين البلد والبلد
أكثر من يوم أو يومين وهي لا تفارق ضفتي النيل من كلتا الناحيتين وعماراتها متصلة
ومن مصر إلى أسوان مسافة خمس وعشرين مرحلة وقد ذكرنا في هذا الجزء ما فيه كفاية
وبلاغ.
نجز الجزء الرابع من الإقليم الثاني والحمد لله ويتلوه الجزء الخامس منه إن شاء
الله تعالى.
الجزء الخامس
إن هذا الجزء الخامس من الإقليم تضمن من البلاد التي على ساحل بحر القلزم مدينة
عيذاب وما اتصل بها قبلها من الصحراء المنسوبة إلى عيذاب وليس بها طريق معروف ولا
يستدل عليها إلا بالجبال والكدى الناتئة لأنها رمال سائلة وضحاضح غامرة وربما أخطأ
بها الدليل الماهر وأكثر الاستدلال بها بالنجوم ومسير الشمس من المشرق إلى المغرب
وفي هذا الجزء قطعة من بحر القلزم وجملة من جزائره العامرة والخالية ومراسيه
المشهورة المذكورة والكور الصغار مثل السرين والسقية وجدة والجحفة والجار وفيه من
البلاد البرية صنكان ومكة والطائف وقديد والمدينة وعيذاب ونحن واصفون الآن جميع ما
ذكرناه من ذلك وصفاً ناماً باستقصاء وشرح متقن بفضل الله تعالى وقوته.
فنقول إن جبل المقطم الذي أوله من ديار مصر يأخذ من مصر فيمر في الصحراء إلى أن
ينتهي إلى قرب أسوان وهو جبل مشهور بالطول وأما علوه فإنه يعلو في مكان وينخفض في
مكان وينقطع منه مواضع تسمى اليحاميم سود وتحفر منه المغرة والكلس وفيه ذهب كثير
وكذلك في تربته إذا دبرت استخرج منها ذهب صالح وتتصل منه قطع بديار مصر الداخلة
إلى البحر الملح بناحية القلزم وهو بحر الحجاز وفي هذا الجبل وما اتصل به كثير من
الكنوز مما خبأته ملوك مصر في العصر الأول وفيه كثير من هياكل الكهنة وعجائبهم
ومما يلي البحر منه الجبل المنحوت المدور الذي لا يستطيع أحد أن يصعده ولا يجد
سبباً للطلوع إليه وذلك لملاسته وارتفاع علوه ويذكر أن فيه كنوزاً عظيمة لمقطام
الكاهن وإليه ينسب هذا الجبل بأسره وفيه أيضاً كنوز كثيرة لبعض ملوك مصر من المال
والجوهر وتربة الصنعة والتماثيل العجيبة وأصنام الكواكب وقد كانوا رأوا في علومهم
أن ملكاً من ملوك الإفرنجة يقصدهم لما كان اتصل به من كثرة أموالهم والصنعة التي
كانوا يدبرونها لعمل الذهب فكان ما خافوه من ذلك حقاً وقصدهم الملك الإفرنجي وغزا
ديار مصر في ألف مركب فهرب أكابرهم إلى هذا الجبل وتستروا في الأماكن الخفية فيه
وبعضهم أمعن في الهروب حتى لحق بالواحات فلم يوصل إليهم ونجا أكثرهم بأموالهم وكان
السبب في مجيئ هذا الملك الإفرنجي إلى ديار مصر أن كاهناً من الكهنة وصل إليه ملك
مصر بأذى فهرب الكاهن أمامه إلى ملك الإفرنجة ولم يزل يرغبه في غزوهم وأخذ أموالهم
وانتهاك حرمهم حتى غزاهم ومضى بهم الكاهن إلى هذا الجبل الأملس الذي ذكرناه قبل
فحاول الصعود إليه فلم يصله ولا قدر على شيء مما أمله فيهم فدله الكاهن على كنوز
لأهل مصر في غير ذلك الجبل فأخذها ورجع إلى بلده.
وبالغربي من هذا الجبل تكون نواحي أهريت وبشرونة وبياض وصول.
وبشرقيه أيضاً أرض فيها بعض منازل بلي وجهينه وصفارة ويلي هؤلاء في جهة الشمال مما
يلي القلزم قوم من العرب أنذال الأفعال خسيسو الهمم ناقضو العهود فساق لئام أنكاد
يعرفون ببني بجرية لا يرجعون عن محرم ولا يخيفهم سفك دم إن استنصر بهم خذلوا وإن
اطمئن إليهم قتلوا لا أمانة لهم ولا رعاية ولا ديانة وقد أعطاهم الله جل جلاله
أوفر حظ من الفقر وابتلاهم بأنواع من الأسقام وهم مع ذلك عن الإضرار لا ينتقلون
وعن الأذى لا يتحولون.
وفي
أعلى الأرض من هذا الجزء صحارى عيذاب وهي متصلة الخلاء ليس بها ساكن ولا ينزلها
قاطن إلا قوم من البجة رحالة قليلو الإقامة فيها لعدم الماء بأمكنتها وقلة وجوده
بها وعرض هذه الصحراء يقطعه السالك من قوص إلى عيذاب في عشرين يوماً إلى ما دونها
وفي هذه الصحراء يكون جب حميرة وهو من أعجب العجب وذلك أن ماءه لا ينزل به من شربه
من حيث تنزل المياه من الإنسان ولا يقيم بالمعدة شيئاً وإنما هو إذا شربه الإنسان
لم يلبث أن ينزل به من مقعدته مسرعاً من غير تأخير ولا إقامة وهذه الصحراء لا تسلك
في اشتداد الحر وحموم القيظ لجفوف الماء بها ورياحها المنشفة وأرضها النارية
المهلكة وإنما يمر بها السالكون في آخر أيام الخريف.
وفي أعلى هذه الصحراء في ضفة البحر الملح مدينة عيذاب وأهلها سود وشربهم من آبار
وليست بالكبيرة القطر ولا بالآهلة العامرة بالخلق ومنها المجاز إلى جدة وعرضه هناك
مجرى يوم وليلة ومدينة عيذاب ينزلها عامل من قبل رئيس البجة وعامل من قبل ملك مصر
يقتسمون جبايتها بنصفين وعلى عامل صاحب مصر القيام بجلب الأرزاق والمعيشة إلى
عيذاب وعلى رئيس البجة القيام بحمايتها من الحبشة والرئيس المقيم بعيذاب من قبل
ملك البجة ينزل الصحارى ولا يدخل المدينة إلا غبا وأهل عيذاب يتجولون في كل
النواحي من أرض البجة يشترون ويبيعون ويجلبون ما هنالك من السمن والعسل واللبن
وبالمدينة زوارق يصاد بها السمك الكثير اللذيذ الطعم الشهي المأكل وبها يؤخذ المكس
في وقتنا هذا من حاج الإسلام القاصدين من بلاد المغرب وهذا المكس مبلغه على كل رأس
ثمانية دنانير من أي الذهب كان مسبوكاً أو مكسوراً أو مسكوكاً ولا يعبر أحد من حاج
المغرب إلى جدة إلا أن يظهر مكسه ومتى جوزه رباني بحر القلزم ولم يكن عنده مكس
غرمه الرباني فلذلك لا يجوز أحد من عيذاب إلى جدة حتى يظهر الرباني البراءة مما
يلزمه فإذا جاز المركب البحر وسهل الله عليه الوصول إلى جدة أرسى على بعد ودخل
الثقات من ناحية والي جدة فحرزوا ما هنالك من الموجودات الممكسة اللازمة وأثبتوها
في دواوينهم ثم نزلوا ونزل الناس بجملتهم فتقتضى منهم المكوس اللازمة لهم الواجبة
عليهم فإن عثروا على رجل منهم لا مكس معه لزم حقه على الرباني الذي جوزه وربما سجن
الرجل الحاج حتى يفوته الحج وربما قيض الله له من يفرج عنه بما لزمه من المكس وهذا
المكس يأخذه الهاشمي صاحب مكة فينفقه في أرزاق أجناده إذ منافعه قليلة وجباياته لا
تفي بلوازمه ورزق من معه.
وهذا البحر الذي ضمه هذا الجزء بحر صعب المجاز كثير القالات والتروش والجبال
الناتئة وفيه عدة جزائر خالية في زمن الشتاء وفي مدة خوض البحر وركوبه في أيام
السفر فيه قوم يعمرون هذه الجزائر حمر الألوان يأتون إليها في زوارقهم فيتصيدون
فيها السمك الكثير ويجففونه في الشمس ثم يطحنونه ويخبزونه ويتعيشون منه أكثر دهرهم
ولزومهم في هذه الجزائر لصيد الحوت واستخراج اللؤلؤ الدقيق منه وأخذ السلاحف
البحرية التي يكون على ظهورها الذبل وهو بها كثير حسن الصفة.
وأكبر جزيرة فيه من هذا الجزء جزيرة النعمان وبها قوم لازمون لها ساكنون بها ومنها
جزيرة السامري يسكنها قوم يهود سامرية وعلامتهم أن يقول أحدهم إذا لقي إنساناً
" لا مساس " وبهذه اللفظة يعرف أنهم من اليهود المنسوبين إلى السامرى
صاحب العجل في زمن موسى عليه السلام.
وفي هذا البحر من السمك حوت مربع عرضه قريب من طوله يقال له اليهار وربما بلغ وزن
الحوت منه نصف قنطار أو نحوه وهو حوت أحمر شهي الطعم حسن الذوق ولا سهك به وفيه
سمك آخر طوله شبر ونصف له رأسان رأس في موضع رأسه ورأس في موضع ذنبه وفي كل رأس من
هذين الرأسين عينان وفم وتصرفه في البحر يزج مرة إلى أمامه وتارة إلى خلفه ويسمى
هذا السمك الخنجر وفي هذا البحر أيضاً سمك يقال له القرش وهو نوع من كلاب البحر في
فمه سبعة صفوف أضراس ويكون منه ما طوله عشرة أشبار وأكثر وأقل من ذلك وضرره بمن
أمكنه في البحر كثير جداً.
ومراكب
هذا البحر كلها مؤلفة بالدسر ومخروزة بحبال الليف مجلفطة بدقيق اللبان ودهن كلاب
البحر المعد لذلك والربانيون في هذه المراكب لهم آلات متخذة بحكمة مهندسة موضوعة
في أعلى الصاري الذي يكون في مقدمة المركب فيجلس به الرباني ويبصر ما لاح أمامه من
التروش التي تحت الماء مخفية فيقول للماسك على المركب " خذ إليك " و "
ادفع عنك " ولولا ذلك ما عبره أحد وآفاته كثيرة في المراكب والمسافرون في هذا
البحر يأوون منه في كل ليلة إلى مواضع يسكنون فيها ويلجأون إليها خوفاً من معاطبه
وينزلون بها نهاراً ويقلعون عنها نهاراً حالاً دائماً سير النهار وإقامة الليل.
وهو بحر مظلم كريه الروائح وحش الجزائر لا خير في ظاهره ولا في باطنه وليس كبحر
الهند والصين الذي في بطنه اللؤلؤ النفيس وفي جباله الجواهر وفي مدنه أصناف الطيب
وفي سواحله محلات الملوك ومدنها وفي جزائره منابت الأبنوس والبقم والخيزران وشجر
العود والكافور والأفاويه وفي أرضه دواب المسك وظباؤه وجميع ما يقع إلى بحر القلزم
من العنبر فإنما هو مما شذ إليه من بر الهند وقد ذكرنا مسافة طوله وعرضه فيا سبق
من ذكر جملة البحور المذكورة في صدر الكتاب.
وعلى ساحل هذا البحر الواقع في هذا الجزء في الجهة الشرقية حصن حلي والسرين
والسقية وجدة والجحفة والجار وكل هذه معاقل ومواطن يسافر إليها ويتجهز منها وفي كل
واحدة منها وال وعامل.
فأما حلي فإنها مدينة صغيرة وواليها منها وهو من قبل صاحب تهامة وهي فرضة من جاء
من اليمن وفرضة لمن صعد من القلزم وبها جبايات على الداخل والخارج وكل شيء إليها
جلب ومنها على البرية إلى مدينة عثر جنوباً خسة أيام.
ومنها أيضاً إلى مدينة ضنكان مرحلتان خفيفتان وضنكان بلد صغير فيه أهله مقيمون به
لا يتحولون عنه إلى غيره وربما مات الرجل منهم والرجال الكثيرة ولم يخرجوا منه
لرؤية غيره لا ارتحالاً ولا نزهة والناس واردون عليها وصادرون عنها وبضائع أهلها
قليلة وأموالهم يسيرة وصنائعها نزرة حقيرة وضياعها ضيقة وثمارها قحطة وجملتها غير
حسنة لكن البارئ جل وعز حبب أرضها لأهلها.
وعلى الساحل مدينة السرين وينها وبين حلي خمسة أيام في جهة الشمال والسرين حصن
حصين حسن موضعه كثيرة مياهه ولواليه وجابيه شيء معلوم ورسم ملزوم على المراكب
الصاعدة والنازلة من اليمن بالتجارات والمتاع والرقيق وجباياته المحصلة يصل نصفها
إلى صاحب تهامة ونصفها الثاني يصل إلى الهاشمي بمكة وكذلك من السرين إلى ضنكان
مرحلتان.
ومن السرين إلى مرسى السقية ثلاث مراحل وهي قرية عامرة وبها مستراح للمراكب.
ومنها إلى جدة على الساحل ثلاث مراحل وهي فرضة لأهل مكة وبينهما أربعون ميلاً وهي
مدينة كبيرة عامرة تجاراتها كثيرة وأهلها مياسير ذوو أموال واسعة وأحوال حسنة
ومرابح ظاهرة ولها موسم قبل وقت الحجيج مشهود البركة تنفق فيه البضائع المجلوبة
والأمتعة المنتخبة والذخائر النفيسة وليس بعد مكة مدينة عن مدائن الحجاز أكثر من
أهلها مالاً ولا أحسن منهم حالاً وبها وال من ناحية الهاشمي صاحب مكة يقبض صدقاتها
ولوازمها ومكوسها ويحرس عمالتها ولها مراكب كثيرة تتصرف إلى جهات كثيرة وبها مصائد
للسمك الكثير والبقول بها ممكنة وبهذه المدينة فيما يذكر أنزلت حوا من الجنة وبها
قبرها.
ومدينة
مكة قديمة أزلية البناء مشهورة الثناء معمورة مقصودة من جميع الأرض الإسلامية
وإليها حجهم المعروف وهي مدينة بين شعاب الجبال وطولها من المعلاة إلى المسفلة نحو
ميلين وهو من حد الجنوب إلى جهة الشمال ومن أسفل جبل أجياد إلى ظهر جبل قعيقعان
ميل والمدينة مبنية في وسط هذا الفضاء وبنيانها حجار وطين وحجارة بنيانها من
جبالها وأسواقها قليلة وفي وسط مكة مسجدها الجامع المسمى بالحرم وليس لهذا الجامع
سقف وإنما هو دائر كالحظيرة والكعبة وهو البيت المسقف في وسط الحرم وطول هذا البيت
من خارجه من ناحية الشرق أربعة وعشرون ذراعاً وكذلك طول الشقة التي تقابلها في جهة
الغرب وبشرقي هذا الوجه باب الكعبه وارتفاعه على الأرض نحو قامة وسطح الكعبة من
داخل مساو لأسفل الباب وفي ركنه الحجر الأسود وطول الحائط الثاني الذي من جهة
الشمال وهو الشامي ثلاثة وعشرون ذراعاً وكذلك الشقة الأخرى التي تقابلها في جهة
اليمن ومع أصل هذه الشقة موضع محجوز في دائر وطوله خمسون ذراعاً وفيه حجر أبيض
يقال إنه قبر إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام وفي الجهة الشرقية من الحرم قبة
العباس وبئر زمزم وقبة اليهودية وما استدار بالكعبة كله حطيم يوقد فيه بالليل
مصابيح ومشاعل وللكعبة سقفان وماء السقف الأعلى يخرج عنه إلى خارج البيت في ميزاب
من خشب وذلك الماء يقع على الحجر الذي قلنا إنه قبر إسماعيل والبيت كله من خارج
على اتدارته مكسو بثياب الحرير العراقية لا يظهر منه شيء وارتفاع سمك البيت
المذكور سبعة وعشرون ذراعاً وهذه الكسوة معلقة فيه بأزرار وعرى وصاحب بغداد المسمى
بالخليشة يرسلها في كل سنة إليها فتكسى بها وتزال الأخرى عنها ولا يقدر أحد يكسوها
غيره وفيما يذكر أهل الخبر أن الكعبة كانت خيمة آدم عليه السلام وكانت مبنية
بالطين والحجارة فهدمها الطوفان وبقيت مهدمة إلى مدة إبراهيم وإسماعيل عليهما
السلام فيقال إن الله أمرهما ببنيانها فنهض إبراهيم عليه السلام إلى ابنه إسماعيل
وتعاونا في بنيانها بالحجر والطين وليس بمكة ماء جار إلا شيء أجري إليها من عين
على بعد من البلد ولم يستتم فلما كانت أيام المقتدر من بني العباس استتم بناؤه.
ومياه مكة زعاق لا تسوغ لشارب وأطيبها ماء بئر زمزم وماؤه شروب غير أنه لا يمكن
إدمان شربه وليس بجميع مكة شجر مثمر إلا شجر البادية ويسكن صاحب مكة في قصر له
بالجهة الغربية بموضع يعرف بالمربعة على ثلاثة أميال من مكة وهو قصر مبني من
الحجارة وتجاوره حديقة قريبة العهد فيها نخيلات وكثير من المقل وبها جملة شجر
منقولة إليها وليس للهاشمي صاحب مكة معسكر خيل وإنما معسكره رجالة لا خيل لهم
وتسمى رجالته الحرابة ولباسه البياض والعمائم البيض ويركب الخيل وسياسته حسنة
وحكمه عدل وإنصافه ظاهر وإحسانه غدق على قدر إمكانه ولمكة موسمان ينفق فيهما كل ما
جلب إليها أحدهما في أول رجب والثاني موسم الحجيج ولأهلها أموال صامتة وأحوال
فاشية ودواب وجمال ولا زرع بها ولا حنطة إلا ما جلب إلها من سائر البلاد والتمر
يأتي إليها كثيراً مما حولها والعنب يجلب إليها من الطائف وهو بها قليل جداً
والغالب على ضعفاء أهلها الجوع وسوء الحال وإذا خرج أحد عن مكة في كل جهة تلقاه
أودية هناك جارية وعيون مطردة وآبار غدقة وحوائط كثيرة ومزارع متصلة.
ومن مكة إلى المدينة التي تسمى يثرب على طريق الجادة نحو من عشر مراحل وذلك أن من
مكة إلى بطن مر ستة عشر ميلاً وهو منزل فيه عين ماء في مسيل رمل وحوله نخيلات يأوي
إليه قوم من العرب.
ومن بطن مر إلى عسفان ثلاثة وثلاثون ميلاً وعسفان حصن بينه وبين البحر نحو من عشرة
أميال وبه آبار ماء عذبة ويسكنه قوم من جهينة.
ومنه إلى قديد أربعة وعشرون ميلاً وقديد حصن صغير فيه أخلاط من العرب سمة الشقاء
عليهم بادية ولهم نخيلات يتعيشون منها وبين قديد والبحر خمسة أميال.
ومن قديد إلى الجحفة ستة وعشرون ميلاً والجحفة منزل عامر آهل فيه خلق كثير لا سور
عليه وهو ميقات أهل الشام ومنه إلى البحر نحو أربعة أميال.
ومن الجحفة إلى الأبواء سبعة وعشرون ميلاً والأبواء منزل فيه آبار.
ومنه إلى السقيا سبعة وعشرون ميلاً والسقيا منزل على نهر جار وبه بستان وحدائق نخل
وفيه قوم من طي وسائر قبائل العرب.
ومن
السقيا إلى الرويثة ستة وثلاثون ميلاً وفيها برك ماء أربع وليس بها عامر.
ومنها إلى سيالة أربعة وثلاثون ميلاً وهو منزل قليل العامر فيه آبار ماء شروبة.
ومنها إلى ملل سبعة عشر ميلاً وهو منزل وبه آبار غدقة كثيرة الماء.
ومنها إلى الشجرة وهو ميقات أهل المدينة اثنا عشر ميلاً وهو منزل به قوم من العرب
قلة ومنها إلى المدينة ستة أميال الجملة مئتان وسبعون ميلاً.
وطريق آخر من مكة إلى المدينة وهو طريق الجبال وفيه تحليق وذلك أن يأخذ المار من
مكة في طريق الساحل إلى بطن مر ثم إلى عسفان ثم إلى قديد إلى الخرار إلى ثنية
المرأة إلى مدلجة مجاح إلى بطن مرجح إلى بطن ذات كشد إلى الأجدد إلى ذي شمر إلى
بطن أعداء إلى مدلجة يعفر ثم إلى العينا إلى أذان القاحة إلى طرف جبل العرج إلى
ثنية الأعيار إلى رثما إلى حي عمرو بن عوف إلى المدينة.
والمدينة في مستو من الأرض حارة سبخية كان عليها سور قديم وبخارجها خندق محفور وهي
الآن في حين تأليفنا لمذا الكتاب عليها سور حصين منيع من التراب بناه قسيم الدولة
الغازي ونقل إليها جملة من الناس ورتب المير إليها وأهلها فقراء قليلو المال لا
صنع لهم ولا ضياع عندهم وحولها نخل كثير وتمرها حسن وبها يتقوتون في معايشهم وليس
لهم زرع ولا ضرع وشرب أهلها من نهر صغير يأتي إليها من جهة المشرق جلبه عمر بن
الخطاب وجاء به إليها من عين كبيرة إلى شمال المدينة وأجراه بالخندق المحتفر بها
ومقدار مدينة يثرب على قدر نصف مكة ومياه نخيلهم وزروعهم من الآبار يقيها العبيد
وبقيع الغرقد خارج باب البقيع في شرقي المدينة.
وقباء خارج المدينة على نحو ميلين مما يلي القبلة وكانت به بيوت يجتمع إليها
الأنصار وهي الآن قرية معمورة وبها عين ماء جارية وجبل أحد في شمال المدينة على
مقدار ستة أميال وهو أقرب الجبال إليها وهو جبل مطل على أرض فيها مزارع وضياع
كثيرة لأهل المدينة وعلى أربعة أميال من المدينة في جنوبها وعلى طريق مكة واد يسمى
بوادي العقيق وعليه مزارع ونخل وقبائل من العرب ومن المدينة إلى البحر ثلاثة أيام
وفرضتها الجار والجار قرية آهلة عامرة وكانت قبل هذا مدينة قريبة من جدة.
والطريق من المدينة إليها تخرج من المدينة إلى (ذو) خشب مرحلة ومنه إلى عذيب مرحلة
في حضيض جبل وبه بئر معينة الماء عذبة المشرب ومنه إلى الجار مرحلة والجار على ضفة
البحر الملح والمراكب إليها قاصدة ومقلعة وليس بها كبير تجارات وكذلك من الجار إلى
جدة نحو من عشرة أيام في البر بطول الساحل والبحر يبعد تارةً ويقرب أخرى وأكثر هذه
المراحل في رمال ناشفة وطرق دارسة يستدل فيها بالبحر والجبال وفي شرقي مكة الطائف
وبينهما ستون ميلاً والطائف من أرادها من مكة سار منها إلى بئر بن المرتفع وهي
قرية عامرة فيها عرب بادية ثم إلى قرن المنازل وهو حصن عامر بأهله على قارعة
الطريق ومنه إلى الطائف ومن أراد من مكة إلى الطائف على طريق العقيق يأتي عرفات
على ثلاثة أميال ثم إلى بطن نعمان وهو موضع فيه نخيلات ثم يصعد عقبة كرى ثم يشرف
على الطائف.
ثم ينزل ثم يصعد عقبة خفيفة ثم يدخل الطائف والطائف منازل ثقيف وهي مدينة صغيرة
متحضرة مياهها عذبة وهواؤها معتدل وفواكهها كثيرة وضياعها متصلة وبها العنب كثير
جداً وزبيبها معروف يتجهز به إلى جميع الجهات وأكثر فواكه مكة تصدر عنها وبالطائف
تجار مياسير وجل بضائعهم صنع الأديم وأديمها عالي الجودة رفيع القيمة وبالنعل
الطاثفي يضرب المثل هذا مشهور والطائف على ظهر جبل غزوان وعلى ظهر جبل غزوان ديار
بني سعد المضروب بهم المثل في كثرة العدد وبه جملة من قبائل هذيل وليس في بلاد
الحجاز بأسرها جبل أبرد من رأس هذا الجبل وربما جمد به الماء في الصيف لشدة برده
والغالب على نواحي مكة مما يلي المشرق بنو هلال وبنو سعد في قبائل من هذيل ومن
غربيها قبيلة مدلج وغيرها من قبائل مضر.
ولمكة
مخاليف وهي الحصون فمنها بنجد الطائف ونجران وقرن المنازل والعقيق وعكاظ وليمة
وتربة وبيشة وكتنه وجرش والسراة ومن حصونها بتهامة ضنكان والسرين والسفيه وغشم
وبيش وعك ومن مخاليف المدينة المنسوبة إليها تيماء ودومة الجندل والفرع وذو المروة
ووادي القرى ومدين وخيبر وفدك وقرى عربية والوحيدة والسيارة والرحبة والسيالة
وسبابه وراهط وغراب والأكحل والحمية.
والطريق من مكة إلى صنعاء يخرج من مكة إلى بئر بن المرتفع وفيه بئر ثم إلى قرن
المنازل وهي قرية كبيرة ثم إلى صفر وهي قرية صغيرة وبصفر بئران ماؤهما غدق عذب
يشرب منهما ثم إلى كرى وهي قرية عامرة كثيرة النخل بها عيون مطردة ثم إلى الرويثة
وهي قرية كبيرة وهي حصن منيع وفيها بركتان للماء وأهلها أخلاط من العمريين وفيها
كروم تحمل عنباً كبير الحب جداً ويصنع منه زبيب طيب الذوق جليل المقدار ويحمل إلى
البلاد المجاورة لها والبعيدة منها ومنها إلى صنعاء اثنان وسبعون ميلاً وكذلك من
خيوان إلى صعدة ثمانية وأربعون ميلاً وبخيوان قرى وعمارات ومزارع ومياه معمورة
بأهلها وبها أصناف من بطون غسان وجمل من قبائل العرب وبقرب من خيوان بلاد الإباضية
وبلادهم عامرة وحصونهم مانعة وزراعاتهم كثيرة وعماراتهم متصلة.
ومنها إلى اثافت وهي مدينة فيها كروم كثيرة وقليل نخل وشرب أهلها من بركة كبيرة
فيها ينابيع ماء ومنها إلى ريدة وهي مدينة صغيرة كالحصن حفت بها كروم كثيرة وزروع
متصلة وعيون دافقة ولأهلها مواش وجمال وفي الريدة البئر المعطلة والقصر المشيد
الذي ذكر في الكتب ومنها إلى صنعاء مرحلة وقد ذكرنا مدينة صنعاء فيما تقدم من
ذكرها في موضعها من الإقليم الأول وهذا الطريق الذي ذكرناه تأخذه القوافل في عشرين
مرحلة.
والطريق من مكة إلى ذي سحيم من خولان تخرج من مكة إلى ملكان وهو ماء ينزل به
المسافرون ومنه إلى يلملم مرحلة وهو جبل معترض من المشرق إلى المغرب وبه ميقات أهل
تهامة ثم إلى منزل في قفر به عين ماء مرحلة ومنه إلى قينة وهي قرية صغيرة فيها
بئران مرحلة ومنه إلى دوقه وعليب وهما قريتان عامرتان بأهلهما مرحلة ومنهما إلى
الحسبة وهي قرية صغيرة فيها ماء كثير مرحلة ومنها إلى قنونا مرحلة وقنونا منزل فيه
بئر مرحلة ثم إلى بيشة حاران وهو منزل فيه بقايا عرب وبه بئر عذبة مرحلة ومنها إلى
مدينة حلي وهي على البحر صغيرة مرحلة وقد ذكرناها في مكانها ومن حلي الساحلية إلى
وادي ضنكات الواصل إلى مدينة ضنكان مرحلة ومنه إلى مدينة ضنكان التي ذكرناها في
طريق صنعاء مرحلة ثم إلى حاران القرين وهي قرية صغيرة لكنها عامرة وفيها مياه
جارية ونخلات قليلة مرحلة ومنها إلى خولان ذي سحيم وهي قلعة حصينة ولأهلها منعة
وفيهم عزة.
وجميع هذه البلاد التي ذكرناها هي في أرض تهامة وتهامة قطعة من اليمن وهي جبال
مشتبكة أولها من البحر القلزمي ومشرفة عليه وتمر منها قطائع في جهة المشرق وحدود
تهامة في غربيها بحر القلزم وفي شرقيها جبال متصلة من الجنوب إلى الشمال وطول أرض
تهامة من الشرجة إلى عدن على الساحل اثنتا عشرة مرحلة وعرض أرض تهامة اليمن من
الجبال إلى عمل غلافقة يكون مسير أربعة أيام وفي شرقيها أيضاً مدينة صعدة وجرش
ونجران وفي شمالها مكة وجدة وفي جنوبها صنعاء على نحو عشر مراحل وبأرض تهامة صراح
العرب من جميع القبائل ومكة قطب ومقصد لأهل جزيرة عربة وهي بلاد اليمن ومن مكة إلى
صنعاء عشرون مرحلة ومن مكة إلى زبيد عشرون مرحلة ومن مكة إلى اليمامة إحدى وعشرون
مرحلة ومن مكة إلى دمشق ثلاثون مرحلة ومن مكة إلى البحرين خمس وعشرون مرحلة وسنأتي
بهذه الطرقات المذكورة في أمكنتها بعون الله تعالى.
نجز الجزء الخامس من الإقليم الثاني والحمد لله ويتلوه الجزء السادس منه إن شاء
الله تعالى.
الجزء السادس
إن
هذا الجزء السادس من الإقليم الثاني تحصل فيه من البلاد المعمورة والكور المشهورة
ما نذكره الآن مجملاً ثم نفسره بعد ذلك باستقصاء من القول على حسب ما سبق لنا في
ذلك بعون الله ففي هذا الجزء من قواعد البلاد المعلومة جرش وبيشة وتبالة وعكاظ
ونجران وعلو يحصب وظفار ومأرب والشحر وسفل يحصب وشبام وحضرموت وصور وقلهات ومسقط
وصحار والعفر وسعال ومنح وسرعمان وبثرون وحجر وحضرمة والقريتين ووجرة ورامة ومعدن
النقرة وسلمية وبرقة واضح وهجر وبيرمان والجيل وجلفار.
وفي البحر الفارسي مما تضمنته حصته جزيرة ابرون وجزيرة خير وجزيرة كيش وجزيرة ابن
كاوان والدردور وجبلا كسير وعوير وفيه من بلاد كرمان السبرين وجبال مسكن وهذه
البلاد كلها قواعد وبلاد يعمرها طوائف وأمم نذكرهم الآن بحول الله.
فنقول إن مدينة جرش ومدينة خيوان ومدينة نجران كلها بلاد تتقارب في المقدار
والعمارة وبها تدبغ الجلود اليمانية التي لا يبلغها شيء في الجودة كما سبق ذكره ولها
مزارع وضياع ومكاسب وتجارات يتقلبون فيها ويتعيشون منها وبين جرش وخيوان أربع
مراحل وبين خيوان ونجران ست مراحل وكذلك من جرش إلى نجران مثل ذلك.
وأما تبالة فإنها من مخاليف مكة وبينهما أربع مراحل ومدينة تبالة صغيرة بها عيون
متدفقة ومزارع ونخل وهي في أسفل أكمة تراب ولها وليها الحجاج بن يوسف من قبل عبد
الملك بن مروان (و) صار إليها وبلغ إليها لم يرها فسأل عنها فقيل له إنها في أسفل
هذه الأكمة التي بين يديك فقال إن بلدة تسترها أكمة لخليق أن يقال فيها أهون بها
ثم انصرف عنها فصار ذلك مثلاً فيقال أهون من تبالة على الحجاج.
ومن تبالة إلى بيشة خمسون ميلاً وكذلك من بيشة إلى جرش أربع مراحل ومن تبالة إلى
سوق عكاظ ثلاث مراحل وسوق عكاظ قرية كالمدينة جامعة لها مزارع ونخل ومياه كثيرة
ولها سوق يوماً في الجمعة وذلك يوم الأحد يقصد إليها في ذلك اليوم بأنواع من
التجارات المحوج إليها أهل تلك الناحية فإذا أمسى المساء انصرف كل أحد إلى موضعه
ومكانه ومن سوق عكاظ إلى مدينة نجران خمس مراحل.
وظفار هي قصبة يحصب وكانت ظفار فيما سلف من البلاد الكبار المشهورة وكان بها قصر
ريدان المشهور وبه كانت تنزل ملوك اليمن وهي الآن خراب أكثرها قد تهدم بناؤها وقل
ساكنها لكن بها في هذا الوقت بقايا من أهلها ساكنون بها ولهم فضول أموال وبضائع
ولهم مزارع قليلة ونخل فيه كفاية لأهله.
ومن مدينة يحصب التي اسمها ظفار إلى ذمار ستة وثلاثون ميلاً وكذلك من ذمار إلى
صنعاء أربعون ميلاً ومن علو يحصب إلى حصن الثجة ستة وثلاثون ميلاً ومن الثجة إلى
الجند سبعة وعشرون ميلاً والجند حصن عامر وبه قوم من خولان وبه آبار ماء وهو على
تل كبير ومن الجند إلى صنعاء مائة وأربعون ميلاً ومن ظفار إلى حصن علق أربعة عشر
ميلاً وهو حصن يحصب وبه جلة من العرب القديمة وبه مياه جارية وقليل نخيلات ومنه إلى
حصن سفل يحصب ستة عشر ميلاً وبه نخل ومياه جارية من عيون عذبة.
ومن
ظفار إلى قرية مأرب ثلاث مراحل وهذه القرية كانت في القدم مدينة كبيرة عامرة
بالخلق مشهورة في بلاد العرب وبها قصر سليمان بن داود ويسمى هذا القصر صرواح ولم
يبق منه الآن إلا طلل دارس وأثر غابر وبمأرب قصر القشيب وهو قصر بلقيس زوج سليمان
وبها كان السد المسمى بالعرم وهذا السد ذكره مشهور وخبره معلوم في جميع الأمم وذلك
أن هذه المدينة المسماة مأرب كان أكثر أهلها سبأ من قبائل العرب الحميرية وكان لهم
من التيه والعجب والكبر على سائر الأمم ما قد شاع ذكره وكانوا مع ذلك يكفرون بأنعم
الله سبحانه وكان لهم بهذه المدينة في مجرى الماء سد عظيم البناء وثيق الصنعة قد
أمنوا من خلله وكان الماء يرتدع فيه نحو من عشرين قامة وكان الماء محصوراً من
جوانبه قد أتقنوه وأوثقوا صناعته وكانت مساكنهم عليه وكان لكل قبيلة شرب معلوم ينصب
إليهم فيسقون منه ويصرفونه في مزارعهم بقسمة عدل وكان السد يعلو هذه المدينة
كالجبل المنيف فلما أراد الله انقطاع دولهم وتشتت جماعتهم وانصرام أيامهم أرسل
عليهم السيل الكبير فجاءهم وهم نائمون فرفع السد ومر بالمدينة وما جاورها من القرى
والأمم والبهائم والبناءات وقتل الكل بالكل وفرقهم شذر شذر وتفرقت العرب وتبلبلت
الألسن وصاروا في المشارق والمغارب وبقي من المدينة آثار تراجع إليها قوم من
حضرموت فعمروها إلى الآن.
ومن مأرب إلى مدينة شبام من بلاد حضرموت أربع مراحل ومدينتا حضرموت إحداهما تريم
والثانية شبام فأما تريم فقد تقدم ذكرها وأما شبام فهو حصن منيع جامع بأهله في قنة
جبل شبام وهو جبل منيع جداً لا يرتقى إلى أعلاه إلا بعد جهد وفي أعلاه قرى كثيرة
عامرة ومزارع ومياه جارية وغلات ونخل وخصب زائد ويوجد في هذا الجبل أحجار العقيق
وأحجار الجمست وأحجار الجزع وهي في ذاتها عند وجودها أحجار مغشاة بأغشية ترابية لا
يعرفها إلا طلابها بعلاماتها المشهورة لها فتعمل هذه الأحجار فإذا عملت وصقلت ظهر
حسنها وصفاء جوهرها ويحكي طلابها ومستخرجوها أنهم يجدون هذه الأحجار في أودية
محصاة وحصاها ملون بأنواع من الألوان الحسنة فيلقطون هذه الأحجار من بينها ويأتون
بها إلى صناعها فيحكمونها ويتجهز بها التجار من هذه البلاد.
وتتصل بأرض حضرموت من جهه شرقيها أرض الشحر وبها قبائل مهرة وهم عرب صرح والإبل
المنتجة عند هؤلاء العرب لا يعدل بها شيء في سرعة جريها ومن غريب ما ينسب إليها
أنها تفهم الكلام وتعلم ما يراد منها بأقل أدب تعلمه ولها أسماء إذا دعيت بها جاءت
وأجابت من غير تأخير ولا توان في ذلك وقصبة أرض مهرة تسمى الشحر ولسان أهل مهرة
مستعجم جداً لا يكاد يفهم وهو اللسان الحميري القديم وأكثر هذه الأرض قفر لا
يعمرها إلا رواحل مهرة وجل مكاسبهم الإبل والمعز وجملة دوابهم التي في بلادهم
تعتلف السمك المعروف بالوزق يصاد في ذلك البحر من بلاد عان وهو حوت صغير جداً يصاد
ويشمس وتعلف به الدواب والإبل وأهل مهرة لا يعرفون الحنطة ولا خبزها وإنما أكلهم
السموك والتمور وشربهم الألبان وقليل الماء قد اعتادوه وألفوه فلا يعولون على غيره
من الأغذية ومتى دخل أحدهم البلاد المجاورة لهم وأكل شيئاً من الحنطة وجد لذلك
ألماً وربما مرض لذلك ويقال إن طول بلاد مهرة تسع مائة ميل وعرضها في جميع طولها
من خمسة وعشرين ميلاً إلى خمسة عشر ميلاً إلى ما دون ذلك وهذه الأرض كلها رمل سيال
والرياح لاعبة به تنقله من مكان إلى مكان ومن آخر بلاد الشحر إلى عدن ثلاث مائة
ميل.
ويتصل بأرض مهرة بلاد عمان وهي مجاورة لها في جهة الشمال وبلاد عمان مستقلة بذاتها
عامرة بأهلها وهي كثيرة النخل والفواكه الجرومية من الموز والرمان والتين والعنب
ونحو ذلك ومن بلاد عمان مدينتا صور وقلهات وهما على ضفة البحر الملح الفارسي وهما
مدينتان صغيرتان لكنهما عامرتان وشربهما من الآبار ويصاد بهاتين المدينتين اللؤلؤ
قليلاً وبين صور وقلهات مرحلة كبيرة في البر وفي البحر دون ذلك.
ومن صور إلى رأس المحجمة خمسة أيام في البر وفي البحر مجريان ورأس المحجمة هو جبل
عال على ضفة البحر يمر في شرقي غب الحشيش ويندفن في الماء فلا يعلم حيث يصل وربما
تكسرت المراكب عليه وفي رأس المحجمة مغايص لؤلؤ.
ومن
قلهات على الساحل إلى مدينة صحار مئتا ميل وبقرب منها على الساحل قرية دما وهي
قرية يكون في الشتاء عامرها قليلاً ومعايشها كاسدة وتصرف أهلها قليل وأما في الصيف
فإنها تكون كالمدينة العامرة لأن بها مغاص اللؤلؤ الجيد جداً وهي مشهورة بجيد
اللؤلؤ المستخرج بها.
ومن مسقط إلى صحار وهما مدينتا عمان أربع مائة وخمسون ميلاً لا ساكن بها ومدينة
صحار على ضفة البحر الفارسي وهي أقدم مدن عمان وأكثرها أموالاً قديماً وحديثاً
ويقصدها في كل سنة من تجار البلاد ما لا يحصى عددهم وإليها يجلب جميع بضائع اليمن
ويتجهز منها بأنواع التجارات وأحوال أهلها واسعة ومتاجرهم مربحة وبها نخل كثير ومن
الفواكه الموز والرمان والسفرجل وكثير من الثمار العجيبة الطيبة وكان في القديم من
الزمان تسافر منها مراكب الصين فانقطع ذلك وسبب انقطاع السفر من مدينة عمان أن في
وسط بحر فارس مما يقابل مسقط جزيرة تسمى جزيرة كيش وهي جزيرة مربعة طولها اثنا
عشرة ميلاً في عرض اثني عشرة ميلاً وفيها مدينة كيش فوليها عامل من اليمن فحصنها
وأحسن إلى أهلها وعمرها وأنشأ بها أسطولاً فغزا به يلاد اليمن الساحلية فأضر
بالمسافرين والتجار ولم يترك لأحد مالاً وأضعف البلاد وانقطع بذلك السفر من عمان
وعاد إلى عدن وصاحب جزيرة كيش يغزو بهذا الأسطول مدينة الرانج ويصل إلى بلاد
القامرون وأهل الهند يخافونه ويهابون شره ويواسونه بالمراكب المسماة المشعيات وقد
ذكرناها في بلاد الهند وحكينا عمن أخبرنا بها أن هذه المشعيات يكون طول المركب
منها طول الغراب الكامل من عود واحد يجذف فيه مائتا رجل وأخبر مخبر في وقت هذا
التأليف أن عند صاحب مدينة كيش من هذه المراكب المسماة بالمشعيات خمسون مركباً كل
واحد منها من قطعة واحدة وعنده من سائر المراكب الملفقة جملة عديدة وهو الآن على
هذه الحال يغزو ويسبي وعنده أموال كثيرة وليس لأحد به طاقة وبمدينة كيش زروع
وأغنام وأبقار وكروم وفيها مغايص اللؤلؤ الجيد ومن صحار إلى هذه الجزيرة مجريان
ويحاذي هذه الجزيرة من بلاد اليمن مسقط وبينهما مجرى ومن ساحل كرمان التيزوشط.
ويقابل صحار في البرية على مسير يومين بلدان متصلان بينهما واد يسمى وادي الفلح
واسم أحد البلدين سعال والأخر العفر وهما مدينتان صغيرتان عامرتان بهما نخل كثير
ومزارع وحدائق نخل وتمر وهما متقاربتان في القدر وشربهما من نهر الفلح وتسمى الأرض
التي هما فيها نزوة ويتصل بهاتين المدينتين على قدر نصف يوم مدينة منح وهي مدينة
صغيرة في أسفل جبل يسمى جبل شرم بها نخيل وعيون ماء وهي على ضفة نهر الفلح ومن منح
إلى سر عمان غرباً مرحلتان وهي في أسفل جبل شرم حيث منبعث نهر الفلح وهو نهر كبير
عليه قرى وعمارات متصلة إلى أن يصب في البحر بمقربة قرية جلفاره.
والغالب على أهل بلاد عمان الشراة وأكثر الشراة في وقتنا هذا منحشرون عامرون بلدة
تسمى بثرون في غربي بلاد عمان ولهم هناك قرى وعمارات وهم متحصنون بجبل لهم وبثرون
في أسفله.
وفيما يقال إن حدود بلاد عمان دوراً تكون تسع مائة ميل وهي بالجملة بلاد حارة
ويذكر بأن جبل شرم ينزل بأعلاه ثلج قليل وبين نجد وبلاد عمان برار متصلة وفي بلاد
عمان حية تسمى العربد وإليها ينسب السكران المعربد وهي حية تنفخ ولا توذى وهي
كثيرة التقافز ويحكى أنها متى أخذت ووضعت في آنية زجاج وتوثق من رأسها ووضعت في
وعاء وأخرجت عن بلاد عمان ثم تفقدت الآنية لم توجد الحية فيها بوجه وهذا مثبوت في
هذه الحية والإخبار بها شائع وفي بلاد عمان أيضاً دويبة صغيرة تسمى القراد إذا
ظفرت بجارحة من الإنسان عضته فلا تزال عضتها تربو وتتزايد إلى أن تقيح وتتذود ولا
يزال ذلك الدود يسعى في جوف الإنسان حتى يموت وبجبال عمان قردة كثيرة تضر بأهلها
إضراراً كلياً وربما اجتمع منها العدد الكثير حتى لا يطاق دفاعها إلا بالخروج
إليها بالقسي والسهام والسلاح العام وحينئذ يقدر على دفاعها.
ومن
مدينة صحار إلى بلاد البحرين نحو من عشرين مرحلة وطريق عمان في البرية إلى مكة أو
غيرها صعبة جداً لكثرة القفار وقلة السكان وإنما يسافرون في المراكب على البحر إلى
مدينة عدن ومن عدن يسافرون إن شاؤوا براً أو بحراً وكذلك من صحار التي من أرض عمان
إلى البحرين في جهة الشمال طرق متعذرة السلوك لتنازع العرب بها ومحاربتهم وغاراتهم
بعضهم على بعض فليس لمسافر معهم أمان في نفسه ولا في شيء من ماله.
ويتصل بأرض عمان من جهة الغرب ومع الشمال أرض اليمامة وهي بلاد الزرقاء اليمامة
وكانت هذه الزرقاء اليمامة في عهد الجاهلية ولها أخبار مشهورة مذكورة في الكتب
وتولى قتلها وسبيها وأخذ أموالها وال من قبل عمر بن الخطاب وبلادها محدقة بواد
يسمى افنان وعلى هذا الوادي عماراتهم وقراهم ومدينتهم المعروفة تسمى الحضرمة وهي
مدينة عامرة بها مزارع ونخيل وتمر كثير وتمرها أكثر من سائر التمر ببلاد الحجاز.
ومن مدنها حجر وهي الآن خراب وبها كانت اليمامة الملكة ساكنة في وقتها ويتصل بها
برقة وسلمية وهما مدينتان متقاربتان في القدر والعمارة والصغر من البلاد.
ومن اليمامة إلى مكة طريق وهو من اليمامة إلى العرض مرحلة ثم إلى الحذيقة مرحلة ثم
إلى الثنية مرحلة ثم إلى السفرا مرحلة ثم إلى صدا مرحلة ثم إلى حصن القريتين الذي
في طريق البصرة مرحلة وبالقريتين تجتمع الطرق ومن القريتين إلى رامة مرحلة ثم إلى
طقجة مرحلة ثم إلى صربة مرحلة ثم إلى جديلة مرحلة ثم إلى قلجة مرحلة ثم إلى
الرقيبة مرحلة ثم إلى قباء مرحلة ثم إلى مران مرحلة ثم إلى وجرة مرحلة ثم إلى
اوطاس مرحلة ثم إلى ذات عرق مرحلة وهي بتهامة ثم إلى بستان ابن عامر إلى مكة مرحلة
وسنذكر هذه المراحل من هذه الحصون والقرى والأماكن في مواضعها ذكراً شافياً بحول
الله.
ومن بلاد اليمامة وأعراضها حجر التي ذكرناها وبين الحضرمة وحجر مرحلتان ومعنى
العرض في هذه الأرض هو وادي افنان وهو يشق اليمامة من أعلاط إلى أسفلها وعليه قرى
عامرة ومزارع متصلة ونخل وحدائق أشجار.
وهذه القرى هي منفوخة ووبرة والقرفة وعبرا وبهيشة والسال والعامرية ونيسان وبرقة
ضاحك وسلمية وتوضح والمقراة والمجازة.
وبين هذه القرى مسافات متقاربة لتجاورها بعضها ببعض وبين سلمية والسال مرحلة وبين
السال وحضرمة اليمامة مرحلة وسلمية قرية حسنة عامرة قد أحدقت بها حدائق النخل
وفيها تمور حسنة الألوان شهية المأكل وكذلك السال قرية صغيرة بها قوم من العرب
مستضعفون قليلون وبها آبار وعين ماء خوارة.
ومن أراد المسير من اليمامة إلى البصرة سار من حضرمة إلى السال مرحلة ثم إلى سلمية
مرحلة ثم يمر في صحراء متصلة إلى المراب وهي قرية صغيرة بها قوم من العرب ثلاث
مراحل ينزل على مياه آبار في مواضع قفرة ثم يسير ثلاث مراحل أخرى إلى الصمان وهي
قرية عامرة يسكنها قوم من العرب جياع عراة قد كتب الفقر لهم بأمان ومن الصمان إلى
طقجة مرحلة وهي قرية صغيرة يتصل أرضها بأرض البحرين ومنها إلى المدينة المسماة
كاظمة أربع مراحل وكاظمة حصن منيع على جبل عالي الذروة وهذه الأربع مراحل ينزلها
المسافرون مع العرب على مياه وآبار وعيون ومن كاظمة إلى قرية دهمان مرحلة ثم إلى
البصرة مرحلة فجملة هذا الطريق من اليمامة إلى البصرة خمس عشرة مرحلة ومن اليمامة
إلى البحرين نحو ثلاث عشرة مرحلة وكذلك من اليمامة إلى عمان نحو ثلاث عشرة مرحلة.
ومن عمان الطريق على الساحل إلى بلاد البحرين وذلك من صحار ودما إلى مسقط إلى
الخيل إلى جلفار وهاتان قريتان بهما مغايص اللؤلؤ ويقابلهما في البحر طرف جبل كبير
غائص في البحر يظهر منه القليل في بعض الأماكن ويغيب في غيرها فإذا وصلت المراكب
الصاعدة من البصرة إلى عمان ووصلت إلى هذا الحد فرغت في الساحل ما فيها من الأمتاع
حتى تخف السفينة وتجوز ذلك الطرف ثم توسق بعد ذلك وتسير إلى عمان.
ومن جلفار وأنت نازل إلى البحرين تصير إلى مرسى السبخة وهو مرسى فيه عين نابعة
عذبة ومنه إلى شقاب وبوار وبحر عويص صعب السلوك وتسمى هذه الأمكنة ببحر قطر وفي
هذا البحر عدة جزائر خالية لا عامر بها يأوي إليها أجناس من الطير البحري والبري
فيجتمع بها
من
زبولها المقادير الكثيرة فإذا طاب ماء هذا البحر للسفر قصدت إليها المراكب فتوسق
تلك الزبول التي قد كومتها الطير في تلك الجزائر وتصير بها إلى البصرة وغيرها
فيببعونها هناك بالثمن الكثير وتلك الزبول تصرف في عمارات الكروم والنخل والجنات
والبساتين وليس على بحر قطر ساكن ولا يأوي إليه أحد وهو مكان مخوف براً وبحراً
ومنه يسار إلى مرسى المفقود وهو مرسى جليل مكن من رياح شتى وبه عين ماء غزير عذب
ومنه إلى ساحل هجر وهو أول بلاد البحرين ومن ساحل هجر إلى البصرة طريق على الساحل
غير معمورة وسنذكره إذا جاء موضع ذكره في الإقليم الثالث بعون الله تعالى.
وأما معدن النقرة فهو قرية كبيرة عامرة يجتمع بها حاج البصرة وحاج الكوفة ومن أراد
المسير إلى المدينة سار ذات اليمين إلى الغسيلة وهو منزل فيه أعراب وبها آبار ملحة
ستة وأربعين ميلاً ومنها إلى بطن نخل وهي قرية كثيرة الماء والنخل ستة وثلثون
ميلاً ثم إلى الطرف وهو منزل خلا وربما قصده بعض العرب فنزله وعمره وبه برك يجتمع
بها ماء السماء اثنان وعشرون ميلاً ثم إلى المدينة خمسة عشر ميلاً وأما الطريق من
مكة إلى بغداذ على القريتين فسنذكره في موضعه بعد هذا بعون الله تعالى.
وأما بحر فارس فإنا قد ذكرنا أنه خليج مبدؤه من البحر الكبير الهندي وأنه يخالف
سائر البحور والخلجان في بحره وموجه وفيه مما يلي شط اليمن جبلاً كسير وعوير
ويحاذي هذين الجبلين المكان المسمى دردوراً ويسمى بحر موضعه بحر عزرة والدردور
موضع يدور فيه الماء كالرحى دوراناً دائماً من غير فترة ولا سكون فإذا سقط إليه
مركب أو غيره لم يزل يدور حتى يتلف وهذا الماء موضعه يكون في جنوب جزيرة ابن كاوان
وجزيرة ابن كاوان بينها وبين جزيرة كيش اثنان وخمسون ميلاً وهو نصف مجرى وجزيرة
ابن كاوان مقدارها اثنان وخمسون ميلاً في عرض تسعة أميال وأهلها شراة اباضية وفيها
عمارة وزروع ونارجيل وغير ذلك وترى منها جبال اليمن وعندها الدردور المذكور وهو
مضيق على مقربة من جبلي كسير وعوير تسلكه السفن الصغار ولا تسلكه السفن الصينية
وهذان الجبلان غائران تحت الماء لا يظهر منها شيء والماء يكسر على أعلاهما والربانيون
يعرفون مكانيهما فيجنبونهما وهذه الدردورات الثلاثة منها هذا الواحد والثاني
بمقربة جزيرة قمار والدردور الثالث منها هو في آخر الصين وفيما بين سيراف ومسقط
سيف بن الصفاق وهو أنف قائم في البحر وبإزائه جزيرة صغيرة.
وفي هذا البحر سمك يسمى الدفسين له رأس مربع فيه قرنان في طول الاصبع إلى الدقة ما
هي وجسد هذا السمك قليل وفمه شبيه بالقمع لا يفتحه ولا يغلقه وداخل فمه شيء أشبه
بالقمع أحمر غض وفي فمه شق ذو أسنان به يقطع ويبلع ويقال إن هذا السمك إذا أكله
الأجذم ودام على أكله برئ من علته وهذا مشهور في أرض فارس وفي أرض كرمان.
نجز الجزء السادس من الإقليم الثاني والحمد لله ويتلوه الجزء السابع منه إن شاء
الله تعالى.
الجزء السابع
إن المدائن التي في هذا الجزء السابع من الإقليم الثاني هي كيه وكيز وأرمابيل وبند
وقصرقند وفيربوز والحور وقنبلي ومنجابرى والديبل والنيرون والمنصورية ووندان
وأصقفه ودزك وماسورجان وقزدار وكيزكانان وقديرا وبسمد والطويران والملتان والجندور
والسندور والرور وأتري وقالري وبثرا ومسوام وسدوسان وبانيه ومامهل وكنبايه وسوباره
وسندان وسيمور وأساول وفلفهره وراسك وشروسان وكوشه وكشد وسوره ومنهه ومحياك ومالون
وقاليرون وبلين.
وفي بحر هذا الجزء جزيرة ثارة وجبلا كسير وعوير والدردور وجزيرة الديبل وفيها
مدينة كسكهار وجزيرة اوبكين وجزيرة المند وجزيرة كولم ملى وجزيرة سندان.
وفي كل هذه الأقاليم أمم وعالم مختلفو الأديان واللباس والعادات وها نحن لكل ذلك
واصفون وعنه بما صح من ذلك مخبرون وبالله التوفيق.
فنقول إن أول هذا الجزء يأخذ من شرقي البحر الفارسي.
فأما جنوبه ففيه مدينة الديبل ومدينة الديبل كثيرة الناس جدبة الأرض قليلة الخصب
ليس بها شجر ولا نخل وجبالها جرد وسهولها قشفة عديمة النبات وأكثر بنيانهم بالطين
والخشب وإنما سكنها أهلوها بحسب أنها فرضة لبلاد السند وغيرها وتجارات أهلها من
وجوه شتى وأسباب متفرقة يتصرفون فيها.
وأيضاً
أن مراكب العمانيين تقصدها بأمتعتها وبضائعها وقد ترد عليها مراكب الصين والهند
بالثياب والأمتاع الصينية والأفاويه العطرية الهندية فيشترون من ذلك جزافاً لأنهم
أهل يسار وأموالهم كثيرة ويمسكونا حتى إذا سارت المراكب عنهم وخلت السلع أخرجوا
أمتعتهم وباعوا وسافروا إلى البلاد وقارضوا وتصرفوا في أموالهم كيف شاءوا.
وبين الديبل وموقع نهر مهران الأعظم ستة أميال في جهة المغرب منها.
ومن الديبل إلى النيرون في غربي مهران ثلاث مراحل وهي في وسط الطريق إلى المنصورة
وبها يجوز نهر مهران من جاء من الديبل يريد المنصورة.
والنيرون مدينة ليست بالكبيرة ولا بالصغيرة الأهل وعليها حصن حصين وأهلها مياسير
ولهم قليل شجر وفيها إلى المنصورة ثلاث مراحل وبعض مرحلة.
والمنصورة مدينة يحيط بها ذراع من نهر مهران ويبعد عنها وهي على معظم مهران من
الجانب الغربي.
ومهران يأتي من منبعه حتى إذا وصل إلى مدينة قالري التي هي في غربي النهر وبينهما
وبين المنصورة مرحلة انقسم قسمين وسار معظمه إلى المنصورة ومر الذراع الثاني منه
آخذاً مع الشمال إلى ناحية سدوسان ثم أخذ راجعاً في جهة المغرب إلى أن يلتصق
بصاحبه وهو القسم الثاني من النهر وذلك أسفل مدينة المنصورة وعلى نحو اثنى عشر
ميلاً منها فيصيران واحداً ويمر منما إلى النيرون ثم إلى البحر.
ومقدار المنصورة في الطول نحو ميل في عرض ميل وهي مدينة حارة بها نخل كثير وقصب
سكر وليس لهم شيء عن الفواكه إلا نوع من الثمر على قدر التفاح يسمونه الليمونه وهو
حامض شديد الحموضة ولهم فاكهة أخرى تشبه الخوخ وتقاربه في الطعم.
ومدينة المنصورة محدثة بناها المنصور من بني العباس في صدر ولايته فنسبت إليها
وبنا هذا الملك الملقب بالمنصور أربع مدن بأربعة طوالع وقد رأى في علمه في ذلك
أنها لا تخرب أبداً وأحد هذه البلاد الأربعة بغداذ في العراق وهذه المنصورة في
السند والمصيصة عل بحر الشام والرافقة بأرض الجزيرة.
والمنصورة مدينة كبيرة فيها بشر كثير وتجار مياسير وأموال ماشية وزروع وحدائق
وبساتين وبناءها باللبن والآجر والجص وهي فرجة المساكن ولأهلها نزاهات وأيام راحات
والتجار بها كثيرون والأسواق قائمة والأرزاق دارة وزيهم ولباس عامتهم زي العراقيين
وملوكهم يتشبهون بملوك الهند في لباس القراطق وإسبال الشعور.
ودراهمهم فضة ونحاس ووزن الدرهم عندهم خمسة دراهم وربما جلبت إليهم الدراهم
الطاطرية فيتعاملون بها.
ويصاد بهذه المدينة حوت كثير واللحم بها رخيص والفواكه مجلوبة إليها وبها أيضاً
فواكه.
واسم المنصورة بالسندية باميرمان.
وهي والديبل والنيرون وبانية وقالري وأتري وسدوسان والجندور والسندور ومنجابرى
وبسمد والملتان كل هذه المدن من السند ومحسوبة فيها.
فأما بانية فهي مدينة صغيرة كثيرة النعم رخيصة الأسعار وأهلها أخلاط ولهم رفاهة
عيش ولهم كثرة خصب على أنفسهم وأكثرهم مياسير.
ومن هذه المدينة إلى المنصورية ثلاث مراحل ومنها إلى مامهل ست مراحل ومن الديبل
إلى هذه المدينة مرحلتان.
ومنها إلى مامهل إلى كنبايه على البحر مفازة متصلة لا عامر بها ولا أنيس وماؤها
قليل وليس لأحد بها سلوك لوحشة أرضها وبعد أقطارها.
ومدينة مامهل هي بين الهند والسند.
وفي أطراف هذه المفازة قوم يسمون المند والمند قوم رحالة ينتجعون إلى أطراف هذه
المفازة وتتصل مراعيهم وجولانهم إلى مامهل وهم قوم عددهم كثير وجمعهم غزير ولهم
إبل وأغنام وقد ينتهون في أكثر الأوقات في مسارحهم إلى الرور على شط نهر مهران
وربما زادوا فوصلوا قرب حدود مكران.
والرور مدينة حسنة كثيرة الناس حفيلة كثيرة الجمع عامرة الأسواق نافقة التجارات
وهي حصينة عليها سوران ويمر النهر بها من جهة المغرب وأهلها في رفاهة وخصب عيش وهي
في قدرها تضاهي الملتان.
ومن الرور إلى بسمد ثلاث مراحل وكذلك من الرور أيضاً إلى أتري أربع مراحل.
وتصل بمدينة أتري مدينة قالري وبينهما مرحلتان.
ومدينة قالري على شط نهر مهران السند وفي غربيه وهي مدينة حسنة حصينة محاصنها
ظاهرة وخيراتها وافرة ومتاجرها رابحة.
وعلى
قرب منها بجهة الغرب ينقسم نهر مهران قسمين فيمر معظمه غرباً حتى يصل ظهر المدينة
المسماة بالمنصورة وهي في غربيه وينزل القسم الثاني مع الشمال وأكثره في جهة
المغرب ثم يمر آخذاً في جهة الشمال ثم في جهة الغرب حتى يتصل بصاحبه أسفل المنصورة
على نحو اثني عشر ميلاً.
ومدينة قالري مدينة متنحية عن الطريق وقاصدها كثير لحسن معاملات أهلها ومنها إلى
المنصورة مرحلة كبيرة يكون عدد أميالها أربعين ميلاً ومن قالري إلى مدينة شروسان
ثلاث مراحل.
ومدينة شروسان جليلة المقدار كثيرة العيون والأنهار أسعارها رخيصة ونعمها ممكنة
وأهلها كفاف مال وتجارتهم حسنة والقاصد إليهم كثير والبضائع عندهم نافقة.
ومنها إلى مدينة منجابري ثلاث مراحل غرباً ومدينة منجابرى مدينة في وطاء من الأرض
حسنة البناء بهيجة الأرجاء ولها مزارع وبها جنات وشرب أهلها من العيون والأنهار
ومن هذه المدينة إلى مدينة فيربوز ست مراحل وكذلك من مدينة منجابري إلى الديبل
مرحلتان والطريق من الديبل إلى فيربوز على منجابري.
وبين فيربوز ومنجابري مدينة تسمى الحور وهي مدينة صغيرة عامرة.
وأما مدينة فيربوز فمدينة عامرة بالناس والتجار وأهلها أصحاب أموال وفيهم حسن
معاملة وسلامة واجتناب الريب وهم في ذاتهم أعفاء نبلاء ومدينة فيربوز من بلاد
مكران.
ومن مدنها أيضاً كيز ودزك وراسك وهي مدينة الخروج ومدينة به وبند وقصرقند وأصقفه
وفلفهره ومشكى والتيز والبلين وهذه كلها من مدن مكران وهي بلاد متصلة ونواح واسعة
عريضة والغالب عليها المفاوز والقحط والضيق.
وأكبر مدنها مدينة كيز وهي تقارب الملتان في مقدارها وبها نخيل كثير ومزارع متصلة
وأسعار موافقة وتجارات كثيرة.
وبقربها في جهة المغرب مدينة التيز والتيز على البحر مدينة صغيرة مشهورة عامرة
تقصدها مراكب فارس ويسافر إليها من مدينة عمان ومن جزيرة كيش في وسط بحر فارس
إليها نحو مجرى وافر ومن التيز إلى كيز نحو من خمس مراحل ومن كيز إلى فيربوز
مرحلتان كبيرتان.
وبين مدينة كيز ومدينة أرمابيل إقليمان متجاوران يسمى أحدهما الراهون والآخر كلوان
فأما كلوان فهي من مكران وتنضم إلى أعمالها والإقليم الثاني المسمى بالراهون من حد
المنصورة وهذان الإقليمان بهما زروع كثيرة ومكاسب جليلة وثمارهما قليلة وإنما عمدة
أهلهما على المواشي من الأبقار والأغنام.
ومن أراد النهوض من فيربوز إلى أرض مكران فطريقه على كيز ومن مدينة كيز إلى مدينة
أرمابيل من مكران مرحلتان.
وهي مدينة على قدر فيربوز أو نحوها وبها عمارات وحدائق ومتنزهات وأهلها مياسير.
ومن مدينة أرمابيل إلى مدينة قنبلي مرحلتان ومدينة قنبلي تقابل أرمابيل في القدر
وحسن المباني وكثرة العمارات واتساع الأحوال والمال وبين قنبلي والبحر نحو ميل
ونصف ميل وأرمابيل وقنبلي مكانهما بين الديبل ومكران.
ومن مدينة فيربور إلى دزك ثلاث مراحل ودزك مدينة جليلة كبيرة عامرة وبها تجارات
كثيرة وبضائع نافقة وأقاليم متصلة وشرب أهلها من عيون وآبار وفي جهة الغرب مائلاً
مع الجنوب جبل كبير منيع ويسمى الجبل الملح وإنما سمى بذلك لأن أكثر مياهه ملحة
وبه عمارات وقرى. ومن دزك إلى راسك ثلاث مراحل ومدينة راسك أهلها خوارج ولها
إقليمان يدعى أحدهما الخروج والثاني يدعى كيركايان وبهذه المدينة وأقاليمها قصب
السكر كثير والفانيذ يعمل بها كثيراً ويتجهز به إلى سائر الآفاق.
وقد يعمل بناحية ما سكان أيضاً سكر كثير وفانيذ وكذلك إقليم قصران يزرع به قصب
السكر كثيراً فيحمل منه السكر والفانيذ كثيراً شرقاً وغرباً وقصران وفاسكان
يجاوران الطويران وعامة أهلها والغالب عليهما الشراة.
ويتصل بنواحي كرمان مدينة مشكي وهي عامرة بالناس وفي أهلها منعة وشدة بأس وبها نخل
وزروع وإبل وجمل من الفواكه الصرودية.
ولسان أهل مكران فارسي ومكراني وبهما يتكلموق ولباس عامتهم القراطق ولباس التجار
والجلة منهم القمص المكممة والأردية ويتعممون بالفوط والمناديل المصفحة بالذهب مثل
زي تجار أهل العراق وفارس.
ومن بلاد مكران مدينة فلفهرة وأصقفه وبند وقصرقند وهذه البلاد كلها بلاد تتقارب في
القدر وتشتبه أحوال أهلها وبها تجارات وعمارات ومقاصد رابحة.
ومن
فلفهرة إلى راسك مرحلتان ومن فلفهرة إلى أصقفه مرحلتان ومن أصقفه إلى بند مرحلة
غرباً ومن أصقفه إلى دزك ثلاث مراحل ومن بند إلى قصرقند مرحلة ومن قصرقند إلى كيه
أربع مراحل.
ومن المنصورة إلى مدينة طويران نحو خمس عشرة مرحلة والطويران مدينة مجاورة للفهرج
من بلاد كرمان.
والطويران واد فيه مزارع وعمارات وقصبته تدعى طويران منسوبة إلى الوادي وهي مدينة
حصينة لها فرج ومتنزهات وزراعات متصلات.
ومنها إلى قزدار أربع مراحل وهي مدينة عامرة كبيرة صالحة القدر بها أسواق وتجارات
وأحوال حسنة ولها أقاليم وقرى عامرة.
وبغربيها مدينة كيزكانان وبها ينزل والي الطويران ومدينة كيزكانان متحضرة كثيرة
الناس رخيصة الأسعار ولها بساتين وحدائق وأعناب وفواكه ولا نخل بها.
ومن مدينة الطويران إلى مدينة مستنج في وسط المفازة ثلاث مراحل وهي مدينة صغيرة
قليلة الفواكه كثيرة نتاج الإبل والأغنام.
ومنها إلى مدينة الملتان في آخر بلاد السند عشر مراحل ومدينة الملتان مجاورة لبلاد
الهند وهي مدينة نحو المنصورة في الكبر وبعض الناس يجعلها من بلاد الهند وتسمى فرج
بيت الذهب.
وبها صنم يعظمه أهل الهند ويحجون إليه من أقاصي بلدانها ويتصدقون عليه بأموال جمة
وحلي كثير وطيب وشيء يقصر الوصف عنه تعظيماً له وإجلالاً وله خدام وعباد يأوون
إليه وينفقون ويلبسون من ماله المتصدق به عليه.
وسميت الملتان باسم الصنم.
والصنم على صورة الإنسان مربع على كرسي من جص وآجر قد البس جميع جسده جلداً يشبه
السختيان أحمر لا يتبين من جسده شيء إلا عيناه فمنهم من يزعم أن بدنه من خشب ومنهم
من يدفع ذلك القول عنه وينكره غير أنه لا يترك بدنه مكشوفاً وعيناه جوهرتان وعلى
رأسه إكليل من ذهب مرصع والصنم قد تربع ومد ذراعيه على ركبتيه كأنه يحسب أربعة وهو
معظم عندهم جداً.
وبيت هذا الصنم في وسط الملتان وبأعمر سوق فيها وهي قبة عظيمة مزخرفة منمقة قد
أتقن بنيانها وشيدت عمدها ولونت صنعها وأوثقت أبوابها والصنم فيها.
وحول القبة بيوت مبنية يسكنها خدام هذا الصنم ومن يعتكف عليه.
وليس بالملتان من الهند والسند قوم يعبدون الأوثان إلا هولاء الذين في هذا القصر
مع هذا الصنم وغير ذلك من أهل الهند والسند إنما يحجون إليه تعظيماً له ولما
عاينوه من أمره وذلك أن ملوك الهند المجاورون الملتان إذا قصدوا إليها وأرادوا
خربها وانتزاع هذا الصنم منها تبادر خدامه فأخفوا الصنم وأظهروا كسره وإحراقه
فيرجع القاصدون إليها عن خربها ولولا ذلك لخربت الملتان فيقول المضلون بهذا الصنم
إنه نصرة الله في هذا المكان فيعظمونه تعظيماً كثيراً.
ولا يعرف من صنع هذا الصنم ولا يحدون لصنعه أولاً وهو غريب.
والملتان مدينة كبيرة عامرة عليها حصن منيع ولها أربعة أبواب وبخارجها خندق محفور
ونعمها كثيرة وأسعارها رخيصة ولأهلها أموال طائلة.
وإنما سميت الملتان فرج بيت الذهب لأن محمد بن يوسف أخا الحجاج أصاب بها أربعين
بهار ذهب والبهار ثلاث مائة وثلاثة وثلاثون مناً وكلها في بيت فسميت بذلك فرج
الذهب والفرج الثغر.
وللملتان نهر صغير عليه أرحاء ومزارع ويصب في نهر مهران السند.
ومنها إلى جندور وهي قصور مجتمعة ميل ونصف وهذه القصور محكمة البناء شاهقة الذرى
وتخترقها مياه عذبة كثيرة.
والوالي ينزلها في أيام الربيع وفي أيام فرجه وحكل الحوقلي أن والي هذه المدينة
كان على عهده ير كب من هذه القصور إلى الملتان في يوم كل جمعة على فيل له سيرة
متوارثة عن آبائه.
والغالب على أهل الملتان أنهم مسلمون والحكم فيها للإسلام ورئيسهم مسلم.
وبجهة الجنوب من مدينة الملتان إلى مدينة الندور ثلاثة أيام وهي مدينة عامرة جامعة
للخيرات مشهورة البركات وبها تجار وناس نظاف ولباسهم الثياب المحكمة وزيهم حسن
ومعايشهم خصبة ويقال إنها من بلاد الهند.
وهي على ضفة نهر عذب يمد نهر مهران ويفرغ فيه قبل أن يتصل بسمد وبعد الملتان.
ومن مدينة الملتان إلى جهة الشمال برية متصلة بشرقي الطويران.
ومنها
أيضاً إلى حد المنصورة قوم رحالة يسمون البدهة وهم قبائل وبشر كثير متفرقون
متقلبون ما بين حدود الطويران ومكران والملتان ومدن المنصورة وهم كالبادية من
البربر لهم أخصاص وآجام يأوون إليها وبطائح مياه يعيشون فيها وهي في غربي نهر
مهران.
ولهم إبل فارهة حسنة وبها تنتج الفالج وهي إبل يرغب فيها أهل خراسان وغيرهم من أهل
فارس وأشباهها لنتاج البخت البلخية والنوق السمرقندية وذلك أن هذه الجمال لها خلق
حسان ولكل بختي منها سنامان بخلاف هذه الإبل التي عندنا في بلادنا.
ومن المنصورة إلى أول حدود البدهة ست مراحل ومن آخر حدود البدهة إلى مدينة كيز نحو
عشر مراحل ومن أول البدهة إلى التيز التي بآخر مكران ست عشرة مرحلة.
والمدينة التي يلجأ إليها أهل البدهة في بيعهم وشرائهم وقضاء حوائجهم مدينة
قندابيل.
وبين كيزكانان وقندابيل إقليم يعرف بإيل وفيه مسلمون وغيرهم من البدهة المقدم
ذكرهم ولهم غلات وزروع وأحوال واسعة وكروم مثمرة وخصب وإبل وغنم وبقر وإنما سمي
هذا الإقليم بإيل لأنه تغلب على هذه الناحية رجل كان اسمه إيلا وظهرت البركة فيهم
أيام مدته فسموا هذا الإقليم بإيل على اسمه إلى الآن.
ومن قندابيل إلى المنصورة نحو عشر مراحل.
ومن بلاد السند أيضاً مدينة خوكخليا وكوشه وقديرا وهما مدينتان مكاربتان في القدر
وبهما عمارات ومتاجر للبدهة.
ومن مدن الطويران محياك وكيزكانان وسورة وقزدار وكشدان وماسورجان.
وبين مدن الطويران إلى بلاد المنصورة مفاوز وبرار متصلة ومنها أيضاً في جهة الشمال
إلى ناحية سجستان مفاوز وعشار معطلة متصلة ومدينة ماسورجان مدينة كبيرة عامرة بها
متاجر ومكاسب ولها عمارات وقرى كثيرة وهي على نهر الطويران.
ومنها إلى قصبة الطويران اثنان وأربعون ميلاً.
ومن ماسورجان إلى درك يامونه مائة وأحد وأربعون ميلاً.
ومن درك يامونه إلى فيربوز ويقال فيربوس بالسين مائة ميل وخمسة وسبعون ميلاً.
فهذه جملة بلاد مكران والسند والطويران.
وكذلك من الطويران إلى المنصورة ألف ميل وسبعون ميلاً.
فأما ما اتصل بالسند من بلاد الهند فمدينة مامهل وكنباية وصوبارة وخابيرون وسندان
وماسويا وصيمور.
ولها من الجزائر البحرية أوبكين وجزيرة المند وجزيرة كولم ملى وجزيرة سندان.
ومدن الهند كثيرة منها مامهل وكنباية وموبارة وأساول وجنارل وسندان وصيمور
والجندور والسندور وزويلة في المفازة ولمطة وأودغست ونهروارة ولهاور وغيرها مما
سنأتي بذكره في أمكنته بعون الله تعالى.
فأما مدينة مامهل فقوم يحسبونها من الهند وقوم يجعلونها من السند وهي على رأس
المفازة المتصلة بينها وبين كنباية والديبل وبانيه.
وهي مدينة جامعة عامرة وهي طريق الداخلين من السند إلى بلاد الهند وبها تجارات
وحولها عمارات وهي قليلة الفواكه كثيرة الكسب والمواشي ومنها إلى المنصورة تسع
مراحل على مدينة بانيه.
ومن مامهل إلى مدينة كنباية خمس مراحل ومدينة كنباية على ثلاثة أميال من البحر وهي
في ذاتها حسنة الشكل وبها الإقلاع والحط وبها جمل بضائع وتجارات من كل الآفاق
ويخرج منها إلى كل الجهات.
وهي أيضاً على خور تدخله المراكب وترسي به وماؤها كثير.
وعلى هذه المدينة حصن منيع بنته ولاة الهند عند ما تغلب عليها صاحب جزيرة كيش.
ومن مدينة كنباية في البحر إلى جزيرة أوبكين مجرى ونصف.
وكذلك من جزيرة أوبكين إلى جزيرة الديبل مجريان وهي أول بلاد الهند وينبت في أرضها
الزروع والأرز وفي جبالها تنبت القنا الهندية وأهلها عباد بدود.
ومنها إلى جزيرة المند ستة أميال وأهلها لصوص.
وفها إلى كولي ستة أميال.
ومن كولي على الساحل إلى مدينة سوبارة نحو خمس مراحل وهي تبعد عن البحر نحو ميل
ونصف وهي مدينة متحضرة عامرة كثيرة الساكن ولها تجارات ومرافق وهي فرضة من فرض
البحر الهندي وبها مصائد ومغايص اللؤلؤ.
وعليها جزيرة ثارة وهي صغيرة وفيها قليل نارجيل وقسط.
ومن مدينة سوبارة إلى مدينة سندان نحو خمس مراحل وبينها وبين البحر ميل ونصف ميل
وهي مدينة متحضرة الأهل وسكانها أهل حذق ونبالة وهم تجار مياسير متجولون وهي كبيرة
القدر والمسافر إليها كثير والخارج عنها كثير.
وفي
جانب الشرق منها جزيرة تسمى بها وتنسب إليها وهذه الجزيرة واسعة القطر كثيرة الزرع
والنخل والنارجيل وبها تنبت القنا والخيزران وهي في عداد بلاد الهند.
ومن مدينة سندان إلى صيمور خمس مراحل وصيمور مدينة واسعة حسنة جليلة المباني حسنة
الجهات وبها نارجيل كثير وقنا وبجبالها كثير من النبات العطر المحمول إلى سائر
الآفاق.
وفي البحر منها على خمسة أيام جزيرة تسمى ملي وهي جزيرة كبيرة حسنة البقاع قليلة
الجبال كثيرة النبات وبجزيرة ملي ينبت شجر الفلفل ولا يكون إلا بها أو بفدرينة أو
بجرباتن ولا يوجد منه شيء إلا بهذه البلاد الثلاثة.
وهو نبات له ساق أشبه شيء بساق شجرة العريش وورقه كورق النبات اللبلاب فيه طول ولا
تشريف له وله عناقيد مثل عناقيد الشبوقة وكل عنقود منها تكنه ورقه من المطر ويجنى
إذا بلغ والفلفل الأبيض منه هو ما كان جنى منه في أول بلوغه وقبل ذلك.
وحكى ابن خرداذبه أن هذه العناقيد إذا كان المطر انحنت ورقاتها عليها وأكنتها من
المطر فإذا ارتفع المطر ارتفعت الورقة عن العناقيد فما تعاودها إلا في حين المطر
فإن عاد المطر عادت الورقة عليها وهذا غريب.
وأما كنباية وسوبارة وسندان وصيمور فكلها من بلاد الهند.
وصيمور بلدة من بلاد الملك المسمى بلهرا.
وملكه عظيم وبلاده واسعة العمارات كثيرة التجارات جامعة الخيرات وجباياته وافرة
وأمواله مقنطرة وببلاده أيضاً أنواع وصنوف من أفاويه العطر.
وتفسير بلهرا مالك الملوك وهذا الاسم يتوارثه الملوك المستأخذة عن الملوك الماضية
وكذلك سائر الملوك بالهند إذا صار الملك لملك منهم تسمى باسم الملك الذي كان قبله
وأسماؤهم متوارثة بينهم لا ينتقلون عنها وقد صار ذلك بينهم سيرة يتبعونها.
وكذلك أيضاً ملوك النوبة وملوك الزنج وملوك غانة وملوك الفرس وملوك الروم يتوارثون
الأسماء وقد ذكر أبو القاسم عبيد الله بن خرداذبه في كتابه من هذا ما يجب ذكره في
هذا المكان الذي بدأنا به فقال إن للملوك ألقاباً متوارثة بينهم مثل ملوك الصين لا
يسمى أحد منهم إلا البغبوغ والبغبون أيضاً بالنون من آلاف السنين إلى اليوم أمم
توورث وتدول بين الصينيين.
ومن ملوك الهند بلهرا وجابة والطافن والجرز وعابة ودمى وقامرون وكل واحد من هذه
الأسماء لا يسمى بها إلا ملك يملك بلاداً وناحية لا يشركه في ذلك الاسم مشارك ولا
ينتقل عنه وإنما يسمى بذلك الاسم من ملك ذلك المكان بعينه.
وكذلك ملوك الترك والتبت والخزر أسماؤهم خاقان إلا الخرلخ فإنه يسمى جبغويه وهو
اسم متوارث يسمى به من ملك ترك الخرلخ وكذلك ملوك الزابج يسمى الملك فيهم الفنجب
اسماً متوارثاً.
وملوك الروم يسمون بالقياصرة وقيصر اسم متوارث واقع بمن ملك الرومية كلها والأغزاز
يسمى ملكها بشاه شاه أي ملك الملوك وهو اسم يتوارثه ملوكهم بينهم لا ينتقلون عنه
وكذلك الفرس تسمى ملوكهم بالأكاسرة وأما السودان فإنما تنسب ملوكها إلى بلادها
فاسم صاحب غانة غانة وملك كوغة اسمه كوغة وفيما جئنا به من هذا الفن إقناع وكفاية.
ومن بلاد الهند المضمنة في هذا الجزء خابيرون وأساول وهما مدينتان عامرتان بالناس
والتجار والفعلة وأموالهم وافرة وصنعهم حسنة وبضاعاتهم نافقه.
وقد وصل المسلمون إلى أكثر هذه البلاد وتغلبوا على أطرافها في هذا الوقت وسنذكر ما
اتصل بهذه البلاد من غيرها بحول الله وقوته.
نجز الجزء السابع من الإقليم الثاني والحمد لله ويتلوه الجزء الثامن منه إن شاء
الله تعالى.
الجزء الثامن
إن هذا الجزء الثامن من الإقليم الثاني تضمن في حصته من البلاد الهندية بلاداً
ساحلية على بحر الهند.
منها بروج وسندابور وتانه وفندرينه وجرباتن وكلكيان وضنجى وكلكسار ولولوا وكنجه
وسمندر.
ومن البلاد البرية مدينة دولقه وجناول ونهروارة والقندهار وزويلة ولمطة وأودغست
وكل هذه على رأس المفازة وكابل وخراش وحسك وموريدس وماديار وتته ودده ومنيبار
ومالوه ونياست وأطراسا ونجه وقشمير السفلى وميدره وكارموت وقشمير العليا والقنوج
وأسناند.
وفي بحره من الجزائر الهندية جزيرة ملي وجزيرة بليق وتروي بليخ وجزيرة المسخا
وجزيرة سمندر وها نحن لأوصافها ذاكرون ولغرائب احتوائها واصفون بمن الله وقوته.
فأما
مدينة بروج فإنها مدينة كبيرة جليلة جميلة حسنة البناء بناؤها بالآجر والجص
ولأهلها همم عالية وأحوال وافرة وأموال صامتة وتجارات معروفة وهم وقف على الإغتراب
والجول وكثرة الأسفار وهي فرضه من جاء من الصين وفرضة لمن جاء من الهند ومنها إلى
صيمور يومان.
ومن بروج إلى مدينة نهروارة ثماني مراحل في بر متصل لا جبل به والسفر بينهما يكون
على العجل.
وليست ببلاد نهروارة كلها ولا ما جاورها من البلاد للمسافرن سفر إلا على العجل
يحملون عليها أمتعتهم والبقر تجرها وتسير بهم حيث شاؤوا ولكل عجلة سائق وقائد.
وبين بروج ونهروارة مدينتان اسم إحداهما جناول واسم الثانية دولقه وهما متقاربتان
في القدر وبين الواحدة والأخرى أشف من مرحلة.
ومدينة دولقه على نهر يصل إلى البحر ويكون خوراً وعلى غربيه مدينة بروج وتروي
بروص.
وجناول ودولقه في أسفل جبل معترض من جهة شمالهما يسمى جبل أوندرن وترابه أبيض إلى
الصفرة وينبت فيه القنا وقليل نارجيل.
وبالقرب من مدينة جناول مدينة أساول.
وكل هذه الثلاثة بلاد يشبه بعضها بعضاً في الصفات والقدر وأحوال أهلها واشتباه
زيهم ولكل واحدة منها تجارات ومقاصد أرباح ممكنة.
فأما مدينة نهروارة فملكها ملك عظيم يسمى بلهرا وله جيوش وفيلة وعبادته صنم البد
وهو يحمل تاج الذهب على رأسه ويلبس الحلل المنسوجة من الذهب ويركب الخيل في سائر
الأيام.
وقد يركب في كل جمعة مرة ويركب حوله نحو مائة امرأة ولا يمشي معه أحد سواهن وقد
لبسن القراطق المذهبة وتحلين بأحسن الحلية واحتملن الأساور من الذهب والفضة في
أيديهن وأرجلهن واسبلن شعورهن على أردافهن وهن يتلاعبن ويتدافعن والملك يقدمهن
وأما جملة وزرائه وعظماء رجاله فلا يركبون معه إلا إذا خرج محارباً لمن قام عليه
أو لمن اهتضم شيئاً من عمالاته أو إلى من قصد بلاده من الملوك المجاورين له وله من
الفيلة كثير وهي عمدة حربه.
وهذا الملك متوارث الذات والاسم لا ينتقل عنهم وبلهرا تفسيره ملك الملوك كما
قدمناه.
ومدينة نهروارة يصلها كثير من تجار المسلمين وبها تجولهم وللمسافرين بها إكرام من
ملكها وضبط لما بأيديهم.
وبسط العدل في أهل الهند طبيعة هؤلاء لا يعولون شيء سواه ولفضل عدالتهم وحفظ
عقودهم وحسن سيرهم ذكروا أنهم وجملة أهل تلك البلاد في خير وكثر.
القاصد إليهم وبلادهم عامرة وأحوالهم راجحة وادعة.
ومن انقياد عوامها للحق وأتباعهم له وكراهتهم للباطل أن الرجل يكون له عند أحد
منهم حق فيلقاه حيث ما لقيه فيخط له خطا في الأرض كالحلقة ويدخله الطالب في تلك
الحلقة فيدخلها المطلوب طائعاً من ذاته ولا يبرح منها إلا بإنصاف عنه وأداء ما
لزمه أو يعفو عنه الذي له الحق فيخرج عن الحلقة.
وطعام أهل نهروارة الأرز والحمص والباقلي واللوبيا والعدس والماش والسمك
والحيوانات التي تموت موتا طبيعياً.
ولا يذبحون طائراً ولا حيواناً لا كبيراً ولا صغيراً وأما البقر فإنها محرمة عندهم
البتة فإذا ماتت دفنت وهذا فعلهم في البقر خاصة دون سائر البهائم وإذا ضعفت البقر
عن الخدمة والتصرف رفعت عن التعب وأمر بالنظر إليها وبالعلف من غير أن تستخدم
ظهورها إلى أن تموت.
وأهل الهند يحرقون موتاهم ولا قبور لم.
وإذا مات الملك صنعت له عجلة على قدره عريضة ارتفاعها عن الأرض مقدار شبرين أو
نحوهما وتوضع على الحجلة قبة مكللة ويوضع الملك بحلية كفنه على تلك العجلة ويطاف
به على المدينة كلها يجره عبيده ورأسه مكشوف لمن يراه وشعره ينجر على تراب الأرض
وينادي على مناد بلسان الهندية بكلام تفسره بالعربية أيها الناس هذا ملككم فلان بن
فلان عاش في ملكه فارحا قادرا كذا وكذا سنة وها هو قد مات وفتح يده بما معه لا يملك
من ملكه شيئا ولا يدفع عن جسمه أذى ففكروا فيما أنتم إليه صائرون وإليه راجعون وكل
هذا باللغة الهندية فإذا فرغ من الطواف به أخرج إلى مكان النار التي من عاداتهم أن
يحرقوا بها موتى ملوكهم فيلقونه في النار حتى يحترق.
وأهل الهند لا يحزنون كثيرا ولا يقولون بالهموم جملة.
وجملة البلاد الهندية المجاورة للسند الذين قد مازجهم المسلمون يدفنون موتاهم في
بيوتهم بالليل تسترا ويسوون التراب عليهم ولا يبكون ميتا ولا يحزنون عليه كثرا كما
قدمناه.
والزنا
في جميع بلاد بلهرا مباح إلا في المزوجات.
والرجل إن ارتضى نكاح بنته أو أخته أو خالته أو عمته ما لم تكن مزوجات فعل ذلك
والأخ يفعل بأخته مثل ذلك.
ويقابل مدينة بروج الساحلية في البحر جزيرة ملي وفيها الفلفل كثيرا.
ومنها إلى جزيرة سندان مجريان.
ومن هذه الجزيرة إلى جزيرة بليق يومان: هي جزيرة عامرة كبيرة بها نارجيل كثير
وموز. وأرز وبها تفترق الطرق إلى جزائر الهند ومن هذه الجزيرة ومن هذه الجزيرة إلى
اللجة العظمى مسيرة يومين ومن هذه الجزيرة أيضا إلى جزيرة سرنديب مجرى وزائد.
ومن مدينة بروج الساحل إلى مدينة سندابور وهو أربع ومدينة سندابور على خور كبير
ترسى به المراكب وهي مدينة تجارات وبها عمارات ومقاصد أرزاق.
ومنها إلى مدينة تانه على الساحل أربعة أيام ومدينه تانه مدينة جليلة على ضفة خور
كبير تدخله السفن وتحط به الأرحال.
وبجبالها وأرضها تنبت القنا والطباشير يتخذ فيها من أصول القنا ومنها يحمل إلى
سائر البلاد من المشارف والمغارب.
والطباشير يغش بعظام الفيل المحرقة والصافي منه ما كان من أصول هذا القصب الهندي
الشركي كما ذكرناه.
ومن تانه إلى مدينة فندرينه على الساحل أربع مراحل ومدينة فندرينة على خور واد
يأتي من ناحية منيبار وتحط به مراكب التجار من جزائر الهند ومراكب السند أيضا
ولأهلها أموال ياسرة وأسواق عامرة ومتاجر ومكاسب.
وبشمال هذه المدينة وعليها جبل كبير سامي العلو كثير الشجر عامر بالقرى المواشي
وتنبت في حوافيه القاقلة ومنها تحمل إلى سائر أقطار الأرض.
ونبات القاقلة تكون أشبه الأشياء بنبات الشهدانج ولها مزاود فيها بزرها.
ومن مدينة فندرينة إلى جرباتن خمس مراحل وهي مدينة عامرة على خور صغير وهي بلد أرز
كثير وحبوب كثيرة ويذكر أن منها ميرة سرنديب وينبت بجبالها شجر الفلفل كثيرا.
ومن جرباتن إلى ضنجى وكلكسار مسير يومين وهما مدينتان على البحر عامرتان متقاربتان
وفيهما أرز وحبوب كثيرة ومنها إلى كلكيان يوم.
ومن كلكيان إلى اللولوا وكنجة مسيرة يومين وفيهما أرز وحنطة وينبت بأرضهما البقم
كثيراً و نبات البقم شبيه بنبات الدفلى وبها نارجيل وفاكهة كثيرة.
ومن كنجه إلى مدينة سمندر ثلاثون ميلا.
وهي مدينة واسعه المتاجر كثيرة المنافع لأهلها بضائع وأموال كثيرة والإقلاع منها والحط
بها كثير وهي من أعمال القنوج وهو ملك تلك البلاد.
وهي أيضا على خور يصل إلها من مدينة قشمير.
وفي هذه المدينة حبوب وأرز كثير وحنطة ممكنة ويحمل إليها العود من مسيره خسة عشر
يوما في ماء عذب من بلاد كارموت وهناك منابت عود جيد طيب في بخوره ويجلب هناك من
جبال قامرون.
ولهذه المدينة جزيرة كبيرة تسامتها وبينهما مجرى ساعة وهذه الجزيرة عامرة بالناس
والتجار من كل الآفاق رمنها إلى جزيرة سرنديب أربعة مجار.
وبالشمال من مدينة سمندر مدينة قشمير الداخلة وبينهما سبع مراحل ومدينة قشمير
مدينة مشهورة بين بلاد الهند في طاعة الملك القنوج وكذلك من قشمير إلى كارموت أربع
مراحل ومن مدينة قشمير الداخلة إلى القنوج نحو سبع مراحل وهي مدينة كبيرة حسنة
كثيرة التجارات وبها يسمى الملك المسمى القنوج.
وهي على نهر كبير يمد نهر مسلى بالهند ونهر مسلى ذكره صاحب كتاب العجائب فقال هو
النهر المسمى نهر الطيب ومخرجه من جبال قامرون ويمر بركن مدينة اسناند ثم يمر حتى
ينتهي إلى سفح جبل لونيا فيمر من تحته إلى ركن مدينة كليكان ويصب في البحر وينبت
بضفتي هذا النهر أنواع من الطيب وبذلك سمي.
ومن مدينة أسناند إلى مدينة قشمير الخارجة أربع مراحل وقشمير مدينة من مدن الهند
المشهورة.
وأهلها يحاربون كافر ترك وربما بلغت مضرة الترك الخرلخية إليها.
ومن مدن القنوج مدينه أطراسا وبينها وبين مدينة. قشمير الخارجة ست مراحل وهي مدينة
على نهر جنجس الهند وهي حسنة كثيرة المباني كثيرة المياه وهي ثغر من ثغور القنوج
تتاخم كابل إلى أرض لهاور.
وهذا الملك القنوج كثير الرجال والفيلة عظيم المملكة شامخ الملك وليس في ملوك
الهند البرية ملك عنده من الفيلة ما عنده منها وله همة عالية وعنده عدد وأسلحة
وأموال وسطوته مهابة على من يليه.
ومن
مدينة أطراسا إلى مدينة نياست خمس مراحل وهي على نهر جنجس الهند وهي مدينة عامرة
كثيرة الساكن بها وبها حنطة وأرز وحبوب كثيرة.
ومنها إلى مدينة ماديار على ضفة جنجس سبع مراحل ومدينة ماديار واسعة العمارات
كثيرة القرى والديار وبها تجارات وأهلها أصحاب أموال طائلة.
ومنها إلى مدينة نهروارة سبع مراحل ونهروارة في غرب نهر جنجس وقد سبق ذكرها.
ومن مدينة ماديار المذكورة إلى مدينة مالوه خمس مراحل ومالوه مدينة حسنة كثيرة
الوارد والصادر ولها قرى وعمارات وعمالات.
ومن مدنها مدينتا دده وتته.
وبين مالوه ودده أربع مراحل وبين دده وتته مرحلتان.
ولهاور أرض هذه البلاد المذكورة.
وكذلك من موريدس إلى دده ثلاث مراحل ومدينة موريدس حصينة الحصن عامرة الأهل بها
تجار وجيوش تحرس ثغر كابل.
وهي في حضيض جبل عظيم صعب الصعود إلى أعلاه وتنبت به قنا كثيرة وخيزران.
ومن مدينة موريدس إلى مدينة القندهار ثماني مراحل وهي في بعض الجبل الذي قدمنا
ذكره والطريق بينهما مع ذيله.
ومدينة القندهار مدينة كبيرة القطر كثيرة الخلق وهم قوم يمتازون بلحاهم عن غيرهم
وذلك أنهم يتركون لحاكم تطول حتى يصل الأكثر من لحاهم إلى الركب ودونها وهي عراض
كثيرة الشعر ووجوههم مدورة والمثل يضرب بهم بكبر لحاهم وطولها وزيهم زي الأتراك
وعندهم وفي بلدهم حنطة وأرز وحبوب وأغنام وأبقار.
وهم يأكلون الأغنام الميتة ولا يأكلون البقر البتة كما قد ذكرناه قبل هذا.
ومن مدينة القندهار إلى مدينة نهروارة خمس مراحل بسير العجل وأهل القندهار يحاربون
ملك كابل.
وكابل من مدن الهند المجاورة لبلاد طخارستان وهي مدينة جليلة المقدار حسنة البنية:
بجبالها عود جيد وبها النارجيل والإهليلج الكابلي المنسوب إليها وينبت في جبالها
ويزرع بأباطحها بصل الزعفران ويرفع منه بها الكثير ويتجهز به منها إلى ما جاورها
من البلاد وحي من غرر البلاد وأحسنها هواء وبها حصن موصوف بالتحصن ولا يوجد الصعود
إليه إلا من طريق واحد وفيها مسلمون كثيرون ولها ربض فيه الكفار من اليهود.
ولا يتم لملك من ملوك الشاهية عقد بيعة إلا بمدينة كابل يعقد بها عليه شروط قديمة
تتم بها البيعة والقصد إليها من الآفاق القريبة والبعيدة.
ويزرع بسواد أرض كابل كلها النيلج الذي لا يوجد نظيره في سائر البلاد المحيطة بها
كثرة وطيبا ويحمل منها إلى كل الآفاق ويعرف بها.
ويتجهز أيضا من مدينة كابل بثياب تصنع من القطن حسان تحمل إلى الصين تخرج إلى بلاد
خراسان وقد يسافر بها إلى السند وأعمالها ويتصرف بها كثير.
وفي جبال كابل معادن حديد مشهورة كثيرة النفع وحديدها قاطع حسن.
ولكابل بلاد كثيرة منها أرزلان وخواش وخير ولها قلاع وقرى وعمارات متصلة.
ومن مدينة كابل إلى أربع مراحل.
ومن خواش إلى حسك خمس مراحل ومن حسك إلى كابل ثلاث مراحل.
وهذه البلاد متساوية المقادير وبها متاجر ومتصرفات.
ومن مدينة كابل إلى مدينة لمطة أربع مراحل ومدينتا لمطة وزويلة هما على طرف
المفازة المتصلة بين الملتان وبلاد سجستان.
ولمطة وزويلة بلدان قدرهما قدر متوسط وبهما جمل الناس من السندية وبعض أهل الهند
وقليل من أهل سجستان وبهما مزارع حنطة أرز وقليل فواكه وشرب أهل هذه البلاد من
عيون وأنهار صغار وجباب وآبار ويعمل بها ثياب قطن حلوة يتجهز بها منها إلى ما
جاورها من البلاد.
ومن البلاد التي بشرقي الملتان مدينة أودغست ومنها إلى القندهار أربع مراحل ومن
أودغست أيضا إلى الملتان أربع مراحل وبأودغست ينبت شيء من القنا وأهلها قليلو
التجارات والتصرف في الأسفار لكن أهلها مياسير لهم أموال كثيرة.
ومن مدينة أودغست إلى مدينة زويلة عشر مراحل.
ومن مدينة زويلة إلى لمطة ثلاث مراحل.
ومن مدينة أودغست إلى مدينة السندور ثلاث مراحل.
فهذه جملة صفات البلاد التي تضمنها هذا الجزء وأما بحره أيضا فقد ذكرنا ما قبله من
الجزائر مما فيه كفاية وقصد معنى.
وأما جزيرة سرنديب التي سبق لنا ذكرها في الإقليم الأول فإن الخارج منها إذا أراد
ذلك قصد أقرب بر لها وهو أرض مدينة جرباتن وبينهما أقل من نصف مجرى.
وإن
أخذ المشرق بتأريب فإنما تقع تصفيته إلى مدينه كلكسار أو يصل آخر جبل الامرى وهذا
الجبل هو جبل عال كثير العلو جدا يخرج عن البحر في جهة الشرق ويتجون البحر عليه
جونا كبيرا ومن طرف هذا الجون إلى جزيرة سرنديب نحو من أربعة مجار وجميع نبات هذا
الجبل إنما هو نبات البقم ومنه يتجهز به ويخرج إلى سائر الأقطار وهذا الجبل جبل
مشهور وعروق البقم تنفع من نهش الحيات بلا تأخير كما قدمنا ذكره فيما سبق والحمد
لله أولا وآخراً.
نجز الجزء الثامن والحمد لله رب العلمين ويتلوه الجزء التاسع منه إن شاء الله
تعالى.
الجزء التاسع
إن الذي تضمن هذا الجزء التاسع من الإقليم الثاني من المدن الهندية والصينية منها
مدن الهند وهي أوريسين على ضفة البحر الملح ولوقين وقاقلا وأطراغا.
وفيه من بلاد الصين طريغيوقن وقطيغورا وكاشغرا وخيغون وإسقيريا وإشقيرا وبورا
وطوخا وأطراغن وقرنابول.
وفي حصة بحره جزيرة أوريسين وجزيرة سناسا وفي كل بلد منها، أمور مختصة بها لا توجد
بغيرها وها نحن لكل ذلك ذاكرون بحول الله وعونه.
فأما مدينة أوريسين فإنها مدينة صغيرة على الساحل.
وإنما المذكور منها جزيرتها لأنها عظيمة المقدار كثيرة الجبال والأشجار وفيها فيلة
كثيرة وبها تصاد ويتجهز منها بأنيابها.
وقد اختلف في صيد الفيلة وأكثر القول في ذلك فمن الناس من قال إن الصائدين للفيلة
يقصدون إلى مواضع مبيتها والأماكن التي تألفها فيحفرون لها حفائر مثل ما تحقره
البرابر لصيد الأسود وصفة هذه الحفرة يكون أعلاها واسعا وأسفلها ضيقا ويسترونها
بالخشب الرقاق والحشيش ويسوون بالتراب فوق ذلك حتى تخفى الحفرة فإذا جاءت الفيلة
إلى مواضعها التي من عادتها المبيت فيها أو في طرق مائها التي تعودت الشرب منه
فإذا وافت الحفرة سقط منها واحد على رأسه وفر الباقي من الفيلة على وجوهها
وصائدوها يكونون هنالك في أماكن لهم ينظرون منها إلى سقوط الفيلة فإذا نظروا إليها
أسرعوا بالجري إلى ما سقط في الحفرة وفتحوا خواصرها وفتقوا بطونها وتركوها إلى أن
تموت ثم يتعاونون على تجزيرها وإخراجها عن الحفر قطعاً قطعاً ويخرجون أنيابها
ويأخذون كعوبها.
وفي كثير من أخبار الهند أن الفيلة في بلادها تمشى قطارا وتبيت في الغياض اثنين في
واحد وثلثة وأربعة في واحد ورقادها هو أن تقصد الشجر فتورك على أصولها ويورك بعضها
على بعض وتنام وقوفا لغلظ وطول مفاصلها فيقصد الصائدون إلى تلك الأشجار بالنهار
فيقطعون أكثرها ويتركون الشجرة قائمة مستهلكة فإذا جن الليل وأتت الفيلة على جري
العادة إلى الأشجار التي من عادتها الرقاد بالاعتماد عليها فلا يزال يثقل بعضها
على بعض إلى أن تمر الشجرة على أوائلها وتسقط الفيلة مع سقوط الشجر فلا تقدر أن
تقوم فيثب الصائدون إليها بالخشب ويضربون رؤوسها إلى أن تموت وتستخرج أنيابها
وتباع من التجار بأموال كثيرة وتحمل إلى الآفاق وتصرف في كثير من الأعمال المرصعة
وأخبر غير واحد أن النابين الكبيرين من الفيلة يكون وزنهما ستة عشر قنطار إلى ما
فوقها أو دونها.
مما يحكي التجار المسافرون إلى الهند عن ولادة الفيلة أن الإناث منها تلد أولادها
في المياه الراكدة فتخرج أولادها عند الوضع فتسقط في الماء فتسرع الأمهات إليها
فتقيمها في الماء سوقها وتخرجها عنه وتديم لعقها إلى أن تجف وتستدرجها مشيا إلى أن
يكمل خلقها فتبارك الله أحسن الخالقين.
ولا يدرى فيما خلق الله من البهائم ذوات الأربع أفهم من الفيل ولا أقبل منه
للتعليم ومن خواص الفيل أنه لا ينظر في عورة الإنسان.
وملوك الهند تتنافس في اكتساب الفيلة وتتغالى في أثمانها وتنظر الملوك إليها بعين
المحافظة عليها وتجلب إلى مرابطها عندهم صغارا فتنشأ على التأنس بالناس.
ويصادر بها في القتال لأن الفيل الكبير المجفف يقاتل على ظهره اثنا عشر رجلا
بالحجف والسيوف والدبابيس المتخذة من الحديد ويقف على رأس كل فيل منها رجل يسوقه
بمخطاف يجر به خطمه ويضرب أعلى رأسه بخشبة أو بمصفع متخذ لذلك وبه يدار الفيل وأمر
الفيلة في القتال أنها يحمل بعضها على بعض فيمر الأقوى على الأضعف ولها كرات
ورجعات وكل ذلك مشهور من أمر الفيلة مشهود في بلاد الهند.
وبهذه االجزيرة معادن حديد.
وينبت
في أكثر جبالها الراوند الذي يجلب من الصين أفضل لأنه أصلب جسما وأصبغ لونا وأبلغ
فيما يراد منه في إصلاح الكبد وجملة منافعه.
وفي هذه الجزيرة شجر على صفة الخروع إلا أنه كثير الشوك وشوكه بارز يمنع من لمسه
ويسمى الشهكير وله عروق سود وملوك الصين والهند تقتنيه لأنهم يدبرون منه سم ساعة
وهو مشهور الذكر.
وأهل الهند والصين لا يقتلون أحدا من ذوي محارمهم ولا من خدامهم ولا ممن يمكنهم
التحيل عليه إلا بالسم.
وفي كل خور من أخوار الهند وأخوار الصين يظهر منها في البحر مما يقابل كل خور
أحناش ملمعة بأنواع ألوان وصفات مختلفة من الترقيط وأهل البحر يعلمونها ويميزونها
ويعلمون أحناش كل خور مها وأين هي من الأرض بما يعرفون من صفاتها وبها يستدلون
وهذا أيضا مذكور وتسمى هذه الأحناش باللسان الهندى الميزرة.
ومن أوريسين إلى لوقين ثلاث مراحل على الساحل وهي مدينة حسنة على البحر وعلى ضفة
خور عذب والمراكب تدخله.
ومنها إلى المدينة طريغيوقن أربع مراحل وهي مدينة عامرة على ضفة البحر الملح.
ويقبل هذه المدينة في البحر جزيرة سناسا وهي جزيرة عامرة كثيرة الصادر والوارد
وبينها وبين الساحل أقل من نصف مجرى وفيما يذكر أن في هذه الجزيرة بئرا تخرج منها
في بعض الأوقات نار محرقة ثم تخمد ثم تخمد في بعض الأوقات.
ومنها إلى قطيغورا ست مراحل ومدينة قطيغورا على البحر وهي على خور ماء حلو وهي
مدينة جليلة فيها مكاسب ومتاجر وهي محسوبة في بلاد الصين.
ومنها إلى الصنف ثلاث مراحل والصنف من بلاد الصين وقد ذكرناها وجزيرتها فيما سلف
وتقدم من ذكر الإقليم الأول.
ومن قطيغورا إلى كاشغرا أربع مراحل ومدينة كاشغرا من بلاد الصين وهي مدينة عامرة
كثيرة الخيرات مشتملة البركات فجها متاجر وبضائع وأسفار وحركات منجحة وهي على نهر
صغير يأتي إليها من جهة شمالها من جبل قطيغورا وفي هذا الجبل معادن فضة طيبة فائقة
الجودة سهلة التخليص من خبثها.
ومن مدينة كاشغرا إلى مدينة خيغون ثماني مراحل ومدينة خيغون مدينة عامرة من مدن
الصين والقاصد إليها كثير وبها التجارات الكثيرة.
وبأرضها توجد دواب المسك والزباد أما دواب المسك فهي صنف من أصناف المعز بل هي
أشبه بالغزلان لكنها صغار وألوانها صهب إلى الحمرة وجلودها لدنة المجسة ورعيها
أنواع نبات الطيب ولها صرر يجتمع فيها دم يكون دمها أول شيء أحمر ثم لا يزال يتغير
إلى السواد حتى يكون لونه أسود إلى الشقرة فتقلق بها الظباء فتحكها وتقرضها تارة
بأضلافها وتارة بالعض بأفواها إلى أن تسقط وحكى صاحب كتاب العجائب أن في برية بلاد
التبت جبلان خلف مدينة وحلان يمر بينهما نهر عذب الماء وفي هذين الجبلين ينبت سنبل
الطيب كثيرا أو ضرب منه فترعاهما الظباء المسكية وتأتي إلى ذلك الماء فتنتفخ صررها
وتمتلئ دما فتحكها بأظلافها حتى تنقطع وهذه الدواب تصاد في وقت معلوم لصيدها فتمسك
إلى أن تؤخذ منها تلك الصرر ثم تحمل إلى المواضع التي صيدت فيها فتطلق بها وهي بها
مستأنسة لا تنفر كثيرا.
وأما دابة الزباد فهي في هذا الإقليم الثاني من أوله إلى آخره موجودة به وهي دابة
تشبه القط بالسواء لا فرق بينهما لكنها كبيرة وتمسك في أقفاص كبار وتطعم اللحم
فإذا كان في أول الصيف وآخر الربيع ابتدأ الرشح في أخصيتها فمتى نظر إليها وقد
اجتمع من الزباد فيها شيء قبض عليها وكبست في أوعية الخيش وجرد منها ما اجتمع على
خصاها من الدرن فذلك الزباد المحض ثم تعاد إلى أقفاصها فتكون بالحالة الأولى إلى أن
يجتمع بها الدرن ثانية وثالثة ثم تعاود إلى الجرد والأخذ هكذا من أول الربيع إلى
آخر الخريف وهذا الحيوان يكون بالغرب الأقصى كثير في بلاد الملثمين وهو مشهور قد
رأيناه عيانا.
ومدينة خيغون عليها حصن حصين وجنات محدقة بها وبساتين لا عنب بها ولا تين البتة
ومدينة خيغون على ضفة نهر يصب في نهر خمدان الصين ومن مدينة خيغون إلى مدينة
إسقيريا أربع مراحل ومدينة إسقيريا مدينة من مدن الصين على نهر يمد نهر خمدان وهي
عامرة وبها ملوك وسادات وجلة وعمال وبها تجتمع أموال الصين التي تصل إلى ملكها
الأكبر بعد تخليصها من جميع النوائب وذلك أن جميع الجبايات المجموعة في بلاد الصين
براً أو بحراً يصير بها عمالها إلى مدينة إسقيريا
فيدفعونها
هناك إلى عمال وأمناء يحصلونها ويحاسبون بها وعليها ثم ينصرف العمال إلى بلادهم
فإذا اجتمعت الأموال بإسقيريا وكان الوقت المعلوم من العام المؤرخ عندهم لحمل المال
جمعت تلك الأموال بأسرها ورفعت إلى مدينة تاجه وهي مدينة الملك العظمى فيستودع
هناك المال الذي جيئى به في خزائن الملك البغبوغ وهذه دائمة لا تنقطع ولا يصل إلى
بيت مال الملك شيء يحتاج فيه إلى الإخراج منه وإنما يوصل إليه ما كان مخلصا من
جميع النوائب وأهل إسقيريا يرمون موتاهم في النهر ولا يدفنون ميتا البتة وسنذكر
نهر خمدان وما يصنع به من أهل الصين.
ومن مدينة إسقيريا إلى مدينة طرخا ستة أيام ومدينة طوخا على نهر كلهى الصيني
الكبير وهي عامرة بالناس وفيها تجار وبضائع وذخائر ويصنع بها الثياب الطوخية من
الحرير القسي ولها قيمة وافره ويتجهز منها إلى سائر البلاد وهي ثياب مطرفة كالثياب
العتابية ومنها ثياب مريشة ويعمر الثوب منها كثيرا.
ومن مدينة طوخا إلى مدينة بورا يومان انحدارا في نهر كلهى وفي البر أربعة أيام
وبورا كثيرة الخلق والتجارات متصلة العمارات وافرة النعم بها حنطة وأرز وشجر مقل
شهي الأكل.
ومن مدينة بورا إلى مدينة كاشغرا السابق ذكرها ثماني مراحل ومن مدينة بورا إلى
مدينة إسقيرا سبع مراحل ومن مدينة إسقيرا إلى مدينة كاشغرا ثماني مراحل.
ومدينة إسقيرا على نهر يمد نهر بهنك وأهلها يعبدون الأصنام وهم كفرة.
ومنها إلى طريغيوقن سبع مراحل ومن إسقيرا أيضاً إلى أطراغن أربع مراحل وهي مدينة
على بركة ماء كبيرة عذبة الماء ولا يوجد لوسطها قعر وماؤها مائل إلى الدكنة وبها
سمك وجوهها كوجوه البومة على رؤوسها شبه قلانس الديكة ويزعم أهل كفران ترك أنها
تفعل بالرجال ما يفعل الإسقنقور من كثرة الإنعاظ وغزر الباه.
ومن مدينة أطراغن إلى مدينة قرنابول أربع مراحل وهي مدينة صغيرة في سفح جبل لكنها
عامرة: وربما طرقتها الترك فأضرت بأهلها وسبت بعض قراها ومواشيها لأنها متاخمة
للأتراك الخرلخية وهي مدينة على نهر صغير ونهرها يصب في نهر كلهى الصين ومن
قرنابول إلى طوخا ست مراحل وطوخا أيضا قد تقدم ذكرها.
ومن لوقين التي على الساحل من بلاد الهند إلى قاقلا سبعة أيام .
وهي على ضفة نهر صغير يصب في نهر بهنك الهند.
وبمدينة قاقلا حرير كثير وأهلها يربون دود الحرير كثيرا وإليها تنسب الثياب
القاقلية والحرير القاقلي.
ومن مدينة قاقلا إلى مدينة قشمير عشر مراحل.
ومن قاقلا أيضاً إلى مدينة أطراغا أربع مراحل وأطراغا مدينة كبيرة لملك من ملوك
الهند على ضفة نهر بهنك.
وبها جيوش كثيرة ورجال وأسلحه وهم يحاربون الأتراك وبها أرز وخصب ومن أطراغا إلى
أطراغن عشر مراحل.
وبهذا الجزء من الأنهار الهندية نهر بهنك ونهر كلهى وبعض نهر خمدان الصين الكبير
فأما نهر بنهك الهند فإنه يخرج من الجبل المحيط بأقصى شمال الهند ويمر إلى شرقي
مدينة أطراغا إلى موقع نهر قاقلا إلى أن يتصل بالبحر فيصب فيه وذلك عند مدينة
طريغيوقن.
ومن أهل الهند قبيلة تسمى الجلهكتية تزعم أن هذا النهر غاص به الملك جلهكت وأنه
يتراءى لهم فيه في أكثر الأوقات.
فإذا أذنب الرجل منهم ذنبا أتى إلى هذا النهر فيدخل فيه إلى وسطه ويقيم فيه ساعة
وأكثر وبيده أنواع الرياح ثم يقطعها صغارا ويلقي بعضها إثر بعض على ماء النهر
ويسبح ويقرأ فإذا أراد الانصراف حرك الماء بيديه أخذ منه بكلتي يديه وصبه على رأسه
وظهره ثم يسجد وينصرف.
ومن أنهار الصين نهر كلهى وأهل الصين الساكنون بضفتيه لهم سنة معتادة في هذا النهر
إذا أذنب الرجل منهم ذنبا وأراد تكفير ذلك سار إلى هذا النهر وحوله جماعات الناس
يدعون له بالطوبى ويدعونه بالكرامة والخلود فإذا وصل إلى هذا النهر أغرق نفسه فيه
حتى يموت.
نجز الجزء التاسع من الإقليم الثاني والحمد لله ويتلوه الجزء العاشر منه إن شاء
الله تعالى.
الجزء العاشر
إن
هذا الجزء العاشر من الإقليم الثاني وبه تمام الإقليم الثاني تضمن من البلاد
الصينية الشرقية مدينة سوسة الصين وسعلا وطوغما وصينية الصين واسنخوا وشذخو وباجة
وبشهيار وقاشا وسارخا وبه من الجزائر التي في البحر الشرقي جزيرة النمنج وجزيرة
السبارة وفيه من الأنهار الكبار نهر خمدان الصين وهو من الأنهار الكبار المشهورة
التي نطقت بما التواريخ وأثبتت ذكرها الكتب.
وها نحن نبتدئ الآن بشرح معلوماتها ونوضح صفاتها بحول الله وعونه فنقول إن مدينة
سوسة مدينة مشهورة معلومة مذكورة كثيرة التجارات متصلة العمارات جامعة الخيرات
وأموال أهلها كثيرة وتجاراتهم مباركة موفورة وقراضهم مفترق في الآفاق ومتصل بكل
الأمصار.
ويصنع بها الغضار الصيني الذي لا يعدله شيء من فخار الصين جودة وبها طرز كثيرة
مشهورة بعمل الحرير الصيني الرفيع القيمة المحكم الصنعة الذي لا يقرن به غيره
وسوسة الصين على شرقي نهر خمدان الكبير ومنها إلى مدينة قابطوا أربع عشرة مرحلة
وكذلك سوسة أيضاً إلى مدينة صينية الصين ست عشرة مرحلة ومن سوسة أيضا إلى مدينة
سعلا ثمانية أيام.
ومدينة سعلا على ضفة نهر وهي عامرة بالساكن حسنة المساكن كثيرة التجارات موفورة
العمارات وإليها مقصد التجار من كل الأقطار المجاورة لها والمتباعدة عنها بضروب
البضائع نوافق الأمتعة وأنواع من التجارات وليست بكبيرة القطر لكنها مجتمعة متحضرة
ويعمل بها ثياب حرير كثيرة وفخار.
ومنها إلى مدينة صينية الصين سبع عشرة مرحلة ومن سعلا إلى طوغما ثماني مراحل
ومدينة طوغما مدينة كبيرة لا حصن عليها لكنها عامرة وبها جمل بضائع ويتجهز منها
بأصناف من التجارات.
ومنها إلى صينية الصين ثماني مراحل وصينية الصين في أقصى الصين ولا تعدلها مدينة
في الكبر وكثرة العامر وسعة التجارات وكثرة البضائع واجتماع التجار إليها من سائر
الأقطار ومن بعض المدن الهندية المجاورة للصين وبهذه المدينة ملك من ملوك الصين من
أهل الملك لكنه تحت يد البغبوغ وهذا الملك الأعظم كما حكينا عنه.
ومن مدينة الصينية إلى مدينة اسنخوا ثماني مراحل وهي على بطحاء أرض ممتدة لا ينبت
بها شيء إلا الزعفران غرسا ومن ذات نفسه بريا ومنها يتجهز بالزعفران إلى سائر
أقطار الصين ويباع بها منه ما يعم الكل كثرة وطيبا وقد يعم بهذه المدينة الحرير والغضار
وليس في هذه البلاد التي ذكرنا صنعة أجل عند أهلها من الفخار والرسم ولا فوق الرسم
عندهم صنعة.
ومما يحكى في الكتب الصحيحة الأخبار أن ملوك الصين وأكثر ملوك الهند لا يتركون
الرسم بل يقولون به ويتعلمونه ويتكلفون منه أكثر مما يتكلفه المتعلمون له حتى أنه
لا يولي الملك من أبنائه إذا كان عنده كثرة أولاد إلا أرسمهم وأمهرهم في صنعة
الرسم.
ولم تزل ملوك الهند تعمل مثل هذا ولا تقدم على الرسم أيضاً والتصوير صنعة وإنما
يلحق بها فالفضل صنعة الفخار وذلك أنهم يسمون صانع الفخار خالقاً صغيراً والمصور
خالقاً كبيراً.
وكذلك من مدينة اسنخوا إلى باجة أربع مراحل وهي مدينة الملك المسمى البغبوغ وبهذه
المدينة دار ملكه وموضع رجاله وخزائن أمواله ومصون حرمه وعياله.
ومما حكى صاحب كتاب الأخبار عن ملوك الأمصار أن هذا الملك له أبدا مائة زوجة بمهور
أنقاد ومتى لم يملك الملك منهم هذه العدة لا يسمى عندهم بملك الملوك وله من الفيلة
أيضا المعدة للحرب ألف فيل مجففة برجالها وأسلحتها وأمتعها ومتى لم تكمل له هذه
العدة فليس بملك الملوك عندهم وبهذين الشيئين من النساء والفيلة يفتخرون على غيرهم
من الملوك.
ولا يلي الملك بالصين إلا من ورثه عن آبائه أو إخوته أو أقاربه هم جارون على سنن
العدل وطريق الأمان وسيرهم حميدة مبنية على الحق.
وهذه المدينة على ضفة نهر خمدان وعلى هذا النهر يصعد إلى هذه المدينة من خانفوا
وخانكو وغيرهما من مراقي الصين المشهورة ومن مدينة باجة إلى مدينة شذخو أربع مراحل
ومدينة شذخو على نهر صغير يقع في البحر الشرقي وبين مدينة شذخو والبحر أربع مراحل
ومن مدينة شذخو إلى مدينة بشهيار تسع مراحل.
ومدينة
بشهيار مدينة فيها رئيس من قبل البغبوغ له خيول ورجال وحشم وعبيد وملك عظيم وهو
يقاتل الترك الداخلين إليه ممن يجاوره منهم وهم الترك المسمون بالخاقانية والخزلجية
ولهذا الملك خيول مندوبة لحراسة أبواب هناك في الجبل العظيم الحاجز بينهم وبين
الترك وزيهم وزي الأتراك سواء لا فرق بينهم في ذلك.
ومن مدينة بشهيار إلى مدينة قاشا ثماني مراحل وهي مدينة أهلها خوارج عن مذهب أهل
الصين وهم يحرقون موتاهم بالنار على مذهب الهندية ومن مدينة قاشا إلى مدينة شارخيا
أربع مراحل وهي مدينة عامرة ومن قاشا إلى مدينة باجة عشر مراحل كذلك من مدينة
شارخيا إلى مدينة باجة عشر مراحل.
فأما نهر خمدان الصين فإنه نهر عظيم وعليه عمارات وحكى صاحب كتاب العجائب أن في
هذا النهر شجرة عظيمة باسقة يقال إنها من حديد وتسمى باللسان الهندية برشول وهي
مبنية قي قعر النهر مثبتة وطولها من فوق الماء نحر من عشرة أذرع في غلط ذراع وكسر.
وفي رأسها ثلاث شعب غلاظ مسنونة محدودة كالنار وعندها رجل قاعد يقرأ كتابا ويقول
للنهر يا عظيم البركة وسبيل الجنة أنت الذي خرجت من عيني الجنة ودللت، الناس عليها
فطوبى لمن صعد هذه الشجرة وألقى بنفسه على هذا العمود فينتدب لذلك واحد أو عدة ممن
حوله فيصعدون إلى الشجرة ويلقون أنفسهم على العمود فيسقطون ويموتون في ماء النهر
والحاضرون هناك من الناس يدعون لهم بالطوبى والمسير إلى الجنة واللذة الدائمة
ويقال إن نهر كنك يقع فيه.
وأما جزيرة النمنج التي في البحر الشرقي فإن مجرمي الصين يجمعون عليها ويدخلون
إليها وحكى صاحب كتاب العجائب أن في هذه الجزيرة قوما لهم أذناب ولهم ملك منهم.
وفيما ذكرناه كفاية لذوي العناية وإلى هاهنا انتهى آخر الإقليم الثاني والحمد لله
كثيرا.
نجز الجزء العاشر من الإقليم الثاني والحمد لله ويتلوه الجزء الأول من الإقليم
الثالث إن شاء الله.
الإقليم الثالث
الجزء الأول
إنا لما تكلمنا فيما سبق من ذكر المدن الواقعة في الإقليمين المتقدمين قبل هذا
رأينا أن نأتي بمثل ذلك في هذا الإقليم الثالث ونذكر ما فيه من المدن والأكور
والقرى والأمصار ونأتي بمسافاتها وطرقاتها على ما هي عليه من الأميال والمراحل
ونذكر كل بلد من ذلك ذكرا مفردا وكيف هو في حاله وداخله وخارجه وما جاوره من
البحار والأودية والمناخ والبرك ونأتي بصفات الجبال الواقعة فيه وأطوالها وعروضها
وما تحتوي عليه من النبات والأشجار والمعادن والحيوانات ونصف مبادئ الأنهار
ومواقعها وحدود مساقطها حسب ما سبق ذكره وتقدم الأخبار عنه ونأتي بكل ذلك في موضعه
مينا ملخصا رؤية ورسم وأخبار على توال ونسق بعون الله فنقول إن هذا الجزء الأول من
هذا الإقليم الثالث مبدؤه من البحر الكبير المحيط بالجهة الغربية من كرة الأرض
وفيه من الجزائر جزيرة ساوة قرب البحر المظلم يقال إن ذا القرنين نزلها قبل أن
تدخلها الظلمة وبات بها وكانوا يرمون بالحجارة وأوذي
بذلك
جماعة من أصحابه وجزيرة السعالي فيها خلق كخلق النساء لهم أنياب بادية وعيونهم
كالبرق وسوقهم كالخشب المحرق يتكلمون بكلام لا يفهم ويحاربون الدواب البحرية ولا
فرق بين الرجال منهم والنساء إلا بالذكور والفروج لا غير ورجالهم لا لحى لهم
ولباسهم ورق الشجر ومنها جزيرة حسران وهي أرض واسعة وفيها جبل عال في سفحه ناس سمر
قصار ولهم لحى تبلغ ركبهم ووجوههم عراض ولهم آذان كبيرة وطعامهم وعيشهم مما تنبته
الأرض هناك من الحشيش وموافق النبات مثل ما تأكله البهائم وعندهم نهر صغير عذب
يجري من تحت الجبل وفيه جزيرة الغور وهي كبيرة الطول والعرض كثيرة الأعشاب والنبات
وفيها أنهار وغدران وآجام تأوي إليها حمر وبقر لها قرون طوال جدا وفيه جزيرة
المستشكين يذكر أنها جزيرة عامرة فيها جبال وأنهار وأشجار وثمار وزروع وعلى
المدينة حصن عال وفيما يحكى من أمر هذه الجزيرة أنه كان فيها فيما سلف من قبل عهد
الإسكندر تنين عظيم يبتلع كل من مر به من إنسان أو ثور أو حمار أو ما أشبهها فيقال
إن الإسكندر لما دخلها استغاث به أهلها وشكوا إليه أضرار التنين بهم وإنه قد أتلف
مواشيهم وأبقارهم حتى أنهم جعلوا له ضريبة في كل يوم ثورين ينصبونهما بمقربة من
موضعه فيخرج إليهما فيبتلعهما ثم يعود إلى موضعه وكذلك يأتي من الغد فيفعلون له
ذلك فقال لهم الإسكندر يأتيكم هذا التنين من مكان واحد أو من أمكنة كثيرة قالوا من
مكان واحد قال لهم أروني مكانه فانطلقوا به إلى قرب من موضعه ثم نصبوا له الثورين
فأقبل التنين كالسحابة السوداء وعيناه تلمعان كالبرق والنار تخرج من جوفه فابتلع
الثورين وعاد إلى موضعه فأمرهم الإسكندر أن يجعلوا له في اليوم الثاني عجلين وفي
اليوم الثالث مثل ذلك فاشتد جوعه فأمر الإسكندر عند ذلك بثورين عظيمين فسلخا وحشيت
جلودهما زفتا وكبريتا كلسا وزرنيخا وجعلهما في ذلك المكان المعلوم فخرج التنين
إليهما على حسب عادته فابتلعهما ومضى فاضطرمت تلك الأشياء في جوفه فلما أحس
باشتعالها وكان قد جعل في تلك الأخلاط كلاليب حديد فذهب ليتقيأ ذلك من جوفه فتشبكت
الكلاليب في حلقه فخر واقعاً وفتح فمه ليستروح فأمر عند ذلك الإسكندر فحميت قطع
الحديد وحملت على ألواح حديد وقذفت في حلق التنين فاشتعلت الأخلاط في جوفه فمات ففرج
الله بذلك من أهل تلك الجزيرة فشكروا الإسكندر عند ذلك والطفوه ووهبوه من طرائف ما
عندهم وكان فيما حملوه إليه من طرائف ما عندهم دابة في خلق الأرنب يبرق شعره في
صفرة كما يبرق الذهب يسمى بغراج وفي رأسه قرن واحد أسود إذا رأته الأسود وسباع
الوحش والطير وكل دابة هربت عنه.
وفي هذا البحر جزيرة قلهان فيها أمة مثل خلق الناس إلا أن رؤوسهم مثل رؤوس الدواب
يغوصون في البحر ويخرجون ما قدروا عليه من دوابه فيأكلونها وفي هذا البحر أيضا
جزيرة الأخوين الساحرين اللذين يسمى أحدهما شرهام والثاني شرام ويقال إنهما كانا
بهذه الجزيرة يقطعان على المراكب المحط التي تمر بها ويهلكان جميع أهلها ويأخذان
أموالهم فمسخ الله بهما لظلمهما وبقيا حجرين على ضفة البحر قائمين ثم عمرت هذه
الجزيرة بالناس وهي تقابل مرسى آسفى ويقال إن الصفاء إذا عم البحر ظهر دخانها من
البر وكان أخبر بذلك أحمد بن عمران المعروف بدقم الإوز وكان والياً لأمير المسلمين
على بن يوسف بن تاشفين على جملة من أسطوله فعزم على الدخول إليها بما معه من
المراكب فأدركه قبل الدخول إليها الموت ولم يبلغ أمله في ذلك ولهذه الجزيرة قصة
غريبة أخبر عنها المغررون من أهل مدينة اشبونة بالأندلس حين أسقطوا إليها بمراكبهم
وكيف سميت آسفى بهم وهي مرسى وحديثها طويل وسنأتي به في موضعه عند ذكرنا لمدينة
اشبونة إن شاء الله.
وفي
هذا البحر جزيرة الغنم وهي جزيرة كبيرة والظلمات بها وفيها من الغنم ما لا يحصى
عددها وهي صغار ولا يقدر أحد أن يأكل لحومها لمرارتها وقد أخبر بذلك أيضا المغررون
منها وتليها جزيرة راقا وهي جزيرة الطيور ويقال إن فيها جنسا من الطير في خلق
العاقبان حمراء ذوات مخالب تصيد دواب البحر وتأكلها ولا تبرح من هذه الجزيرة ويقال
إن بها ثمرا يشبهه التين الكبير وأكله ينفع من جميع السموم وحكى صاحب كتاب العجائب
أن ملكا من ملوك افرنجة أخبر بذلك فوجه إليه بمركب معد ليجلب له من ذلك الثمر
ويصاد له من تلك الطيور لأنه كان له علم في دمائها ومراراتها فتلف المركب الذي
أنفذه ولم يعد إليه ومنها جزيرة الشاصلند طولها خمسة عشر يوما في عرض عشرة أيام
وكان فيها ثلاث مدن كبار وبها قوم يسكنونها وكانت المراكب تجتاز بهم وتحط عليهم
وتشتري منهم العنبر والحجارة الملونة فوقعت بين أهل تلك البلاد شرور وطلب بعضهم
بعضا حتى فني أكثرهم وانتقل جماعات منهم إلى عدوة البحر الأرض الكبيرة ة للروم
وبها ألان من أهلها خلق كثير وسنذكر هذه الجزيرة عند ذكرنا جزيرة ارلاندة وفي هذا
البحر جزيرة لاقة ويقال إن فيها شجر العود كثير ولكنه لا رائحة له فإذا أخرج عنها
وحمل في البحر طابت روائحه وهو في ذاته أسود رزين وكان التجار يقصدونها ويستخرجون
العود منها وكان يباع بأرض الغرب الأقصى من ملوكها بتلك النواحي ويذكر أيضا أنها
كانت مسكونة عامرة بالناس لكنها خربت وتغلبت الحيات على أرضها فلا يمكن الآن
دخولها لهذا السبب وفي هذا البحر من الجزائر على ما ذكره بطلميوس الأقلودي سبعة
وعشرون ألف جزيرة ما بين عامرة وغامرة وإنما ذكرنا منها قليلا من كثير مما قرب
مكانها من البر ووصلت العمارات إليه وأما غير ذلك فلا حاجة بنا إلى ذكرها هنا.
وأيضا إن في هذا الجزء من بلاد الصحراء نول لمطة وتازكغت واغرنوا وفيه من بلاد
السوس الأقصى مدينة تارودنت وتيويوين وتامامت وهي بلاد السوس وفيه من بلاد البربر
سجلماسة ودرعة وداى وتادلة وقلعة مهدى بن توالة وفاس ومكناسة وسلا وسائر المراسي
التي على البحر الأعظم.
ومدينة تلمسان وتطن وقرى وصفروى ومغيلة واقرسيف وكرنانطة ووجدة ومليلة ووهران
وتاهرت وأشير وفيه من بلاد الغرب الأوسط تنس وبرشك وجزائر بني مزغنا وتدلس وبجاية
وجيجل ومليانة والقلعة والمسيلة والغدير ومقرة ونقاوس وطبنة والقسنطينة وتنجس
وباغاي وتيفاش ودار مرين وبلزمة ودار ملول وميلة والغالب على ما ذكرناه من البلاد
البرابر وكانت ديار البرابر فلسطين وكان ملكهم جالوت بن ضريس بن جانا وهو أبو
زناتة المغرب وجانا هو ابن لواء بن بر بن قيس بن الياس بن مضر فلما قتل داود عليه
السلام جالوت البربري رحلت البربر إلى المغرب حتى انتهوا إلى أقصى المغرب فتفرقت
هناك ونزلت مزاتة ومغيلة وضريسة الجبال نزلت لواتة أرض برقة ونزلت طائفة من هوارة
بجبال نفوسة ونزل الغير منهم بأرض الغرب الأقصى ونزلت معهم قبائل مصمودة فعمروا
تلك البلاد وقبائل البربر زناتة وضريسة ومغيلة ومقدر وبنو عبد ربه وورفجوم ونفزة
ونفزاوة ومطماطة ولمطة وصنهاجة وهوارة وكتامة ولواتة ومزاتة وصدراتة ويصلاسن
ومديونة وزبوجة ومداسة وقالمة وأوربة وهطيطة ووليطة وبنو منهوس وبنو سمجون وبنو
وارقلان وبنو يسدران وبنو زيرجى وورداسا وورهون وسائر قبائل البربر ممن سنأتي
بذكرهم في عمارات بلادهم بحول الله.
فأما
بلاد نول الأقصى وتازكاغت فهي بلاد لمتونة الصحراء ولمتونة قبيل من صهاجة وصنهاجة
ولمطة أخوان لأب واحد وأم واحدة وأبوهم لمط بن زعزاع من أولاد حمير وأمهم تازكاى
العرجاء وأبوها زناتى وهوار أيضا أخ لصنهاج ولمط من أم وأبوه المسور بن المثنى بن
كلاع بن أيمن بن سعيد بن حمير وإنما قيل له هوار لكلمة تقولها فسمي بها هوارا وذلك
أن قبائل العرب نزلت على قبائل البربر فنقلوهم إلى لسانهم بطول المجاورة لهم حتى
صاروا جنسا واحدا وأن أميرا من أمراء العرب يسمى المسور كان ساكنا مع قومه في بلاد
الحجاز فضاعت له إبل فخرج يطلبها ويبحث عنها إلى أن عبر النيل بمصر وسار في بلاد
المغرب طالبا لها فمر بجبال طرابلس فقال لغلامه أين نحن من الأرض فقال له الغلام
نحن بأرض إفريقية فقال له لقد تهورنا والتهور عند العرب هو الحمق فسمي بهذه اللفظة
هوارا ونزل المسور المذكور بقوم من زناتة فحالفهم ورأى بأرضهم تازكاي أم صنهاج
ولمط التي ذكرناها آنفا وكانت جميلة حسنة بدنة تليعة بارعة الكمال فولع بها المسور
فسأل عنها ورغب في زواجها فتزوجها وكانت تازكاي يومئذ خلوا من زوج ومعها أبناها
صنهاج ولمط وهما أبنا لمط الأكبر فولد للمسور منها ولد سماه المثنى ثم مات المسور
عنها وبقي ولده المثنى مع أخويه لمط وصنهاج عند أمهم تازكاي وعند أخواله من زناتة
فولد للمط أولاد كثيرة وولد لصنهاج مثل ذلك فكثر نسلهم وتسلطوا على الأمم فاجتمع
عليهم قبائل البربر فأزعجوهم إلى الصحارى المجاورة للبحر المظلم فنزلوها وبها
قبائلهم إلى الآن متفرقة بنواحيها وهم أصحاب إبل ونجب عتاق رحالة لا يقيمون بمكان
واحد ولباس الرجال منهم والنساء أكسية الصوف ويربطون رؤوسهم عمائم الصوف المسماة
بالكرازي وعيشهم من ألبان الإبل ولحومها مقددة مطحونة وربما جلبت إليهم الحنطة
والزبيب لكن الزبيب أكثر لأنهم كثيرا ما ينقعون الزبيب في الماء بعد الدق ويشربون
صفوه نقيعا حلوا وفي بلادهم العسل كثير وجل طعامهم وأحفله الطعام المسمى بالبربرية
آسلوا وهو أنهم يأخذون الحنطة فيقلونها قليا معتدلا ثم يدقونها حتى تعود جريشا ثم
يمزجون العسل بمثله سمنا ويعجنون به تلك الحنطة على النار ويضعونه في مزاود ثم
فيأتي طعاماً شهياً وذلك أن الإنسان منهم إذا أخذ من هذا الطعام ملء كفه وأكله
وشرب عليه اللبن ثم مشى بقية يومه ذلك لم يثسته طعاماً إلى الليل.
وليس لهم مدينة يأوون إليها إلا مدينة نول لمطة ومدينة آزقى للمطة أيضاً فأما
مدينة نول الغربية فمنها إلى البحر ثلاثة أيام ومنها إلى سجلماسة ثلاث عشرة مرحلة
ومدينة نول مدينة كبيرة عامرة على نهر يأتي إليها من جهة المشرق وعليه قبائل
لمتونة ولمطة وبهذه المدينة تصنع الدرق اللمطية التي لا شيء أبدع منها ولا أصلب
منها ظهراً ولا أحسن منها صنعاً وبها يقاتل أهل المغرب لحصانتها وخفة محملها وبهذه
المدينة قوم يصنعون السروج واللجم والأقتاب المعدة لخدمة الإبل وتباع بها الأكسية
المسماة بالسفسارية والبرانس التي يساوي الزوج منها خمسين دينارا وأقل وأكثر وعند
أهلها البقر والغنم كثير جدا والألبان والسمن عندهم موجود وإلى هذه المدينة يلجأ
أهل تلك الجهات فيما يعن لهم من مهم حوائجهم وفنون مطالبهم.
ومن قبائل لمطة مسوفة ووشان تمالتة ومن قبائل صنهاجة بنو منصور وتمية وجدالة
ولمتونة وبنو إبراهيم وبنو تاشفين وبنو محمد وجمل من صنهاجة وأما مدينة آزكى فإنها
من بلاد مسوفة ولمطة وهي أول مراقي الصحراء ومنها إلى سجلماسة ثلاث عشرة مرحلة
ومنها نول سبع مراحل وهذه المدينة ليست بالكبيرة لكنها متحضرة وأهلها يلبسون
منقدرات ثياب الصوف ويسمونها بلغتهم القداور وقد أخبر بعض من دخل هذه المدينة أن
النساء اللواتي لا أزواج لهن بها إذا بلغت المرأة منهن أربعين سنة تصدقت بنفسها
على من أرادها من الرجال فلا تدفع عن نفسها ولا تمنع من يريدها وتسمى هذه المدينة
بالبربرية آزقى وبالجناوية قوقدم ومن أراد الدخول إلى بلاد سلى وتكرور وغانة من
بلاد السودان فلا بد له من هذه المدينة
وأما
مدينة سجلماسه فمدينة كبيرة كثيرة العامر وهي مقصد للوارد والصادر كثيرة الخضر
والجنات رائقة البقاع والجهات ولا حصن عليها وإنما هي قصور وديار وعمارات متصلة
على نهر لها كثير الماء يأتي إليها من جهة المشرق من الصحراء يزيد في الصيف كزيادة
النيل سواء ويزرع بمائه حسبما يزرع فلاحو مصر ولزراعته إصابة كثيرة معلومة وفي
أكثر الأعوام الكثيرة المياه المتواترة عن خروج هذا النهر ينبت لهم ما حصدوه في
العام السابق من غير بذر وفي الأكثر من السنين إذا فاض النهر عندهم ثم رجع بذروا
على تلك الأرض زرعهم ثم حصدوه عند تناهيه وتركوا جذوره إلى العام القادم فينبت ذلك
من غير حاجة إلى بذر زراعة وحكى الحوقلي أن البذر بها يكون عاما والحصاد فيه في كل
سنة إلى تمام سبع سنين لكن تلك الحنطة التي تنبت من غير بذر تتغير عن حالها حتى
تكون بين الحنطة والشعير وتسمى هذه الحنطة يردن تيزواو وبها نخل كثير وأنواع من
التمر لا يشبه بعضها بعضا وفيها الرطب المسمى بالبرني وهي خضراء جداً وحلاوتها
تفوق كل حلاوة ونواها صغار في غاية الصغر ولأهل هذه المدينة غلات القطن وغلات
الكمون والكروياء والحناء ويتجهز منها إلى سائر بلاد المغرب وغيرها وبناءاتها حسنة
غير أن المخالفين في زماننا هذا أتوا على أكثرها هدما وحرقا وأهل سجلماسة يأكلون
الكلاب والحيوان المسمى الحرذون ويسمونه بلسان البربر اقزيم ونساؤهم يستعملنه في
السمن وخصب البدن وكذلك هن في نهاية السمن وكثرة اللحم وقل ما يوجد من أهلها صحيح
العينين بل أكثرهم عمش.
ومن مدينة سجلماسة إلى مدينة اغمات وريكة نحو من ثماني مراحل ومن مدينة سجلماسة
إلى مدينة درعة ثلاث مراحل كبار ودرعة ليست بمدينة يحوطها سور ولا حفير وإنما هي
قرى متصلة وعمارات متقاربة ومزارع كثيرة يتناول ذلك فيها جمل وأخلاط من البربر وهي
على نهر سجلماسة النازل إليهم وعليه يزرعون غلات الحناء والكمون والكروياء والنيلج
ونبات الحناء يكبر بها حتى يكون في قوام الشجر يصعدون إليه ومنها يؤخذ بذره ويتجهز
به إلى كل الجهات ونبات الحناء لا يؤخذ بذره إلا في لحذا الإقليم فقط ولا يؤخذ
بغيره من الأقاليم البتة وأما النيلج المزروع في مدينة درعة فليس طيبه مناك ولكنه
يتصرف به في بلاد الغرب لرخصه وربما خلط مع غيره من النيلج الطيب ويباع معه.
ومن
أرض درعة إلى بلاد السوس الأقصى أربعة أيام ومدينته هي تارودنت وبلاد السوس قرى
كثيرة وعماراتها متصلة بعضها ببعض وبها من الفواكه الجليلة أجناس مختلفة وأنواع
كثيرة كالجوز والتين والعنب العذاري والسفرجل والرمان الإمليسي وألاترج الكبير
المقدار الكثير العدد وكذلك المشمش والتفاح المنهد وقصب السكر الذي ليسن على قرار
الأرض مثله طولا وعرضا وحلاوة وكثرة ماء ويعمل ببلاد السوس من السكر المنسوب إليها
ما يعم أكثر الأرض وهو يساوي السكر السليماني والطبرزد بل يشف على جميع أنواع
السكر في الطيب والصفاء ويعمل ببلاد السوس من الأكسية الرقاق والثياب الرفيعة ما
لا يقدر أحد على عمله بغيرها من البلاد ورجالها ونساؤها سمر الألوان وفي نسائهم
جمال فائق وحسن بارع وجمال ظاهر وحذق صناعات بأيديهن وهي بلاد حنطة وشعير وأرز
ممكن بأيسر قيمة وأسعارها رخيصة والغالب على أهلها الجفاء وغلظ الطبع وقلة
الانقياد وهم أخلاط من البربر المصامدة وزيهم لباس الأكسية من الصوف التفافا وعلى
رؤوسهم الشعور الكثيرة ولهم بها اهتمام وحفظ وذلك أنهم يصبغونها في كل جمعة
بالحناء ويغسلونها في كل جمعة مرتين برقيق البيض والطين الأندلسي ويحتزمون في
أوساطهم بمآزر صوف ويسمونها سفاقس ولا يمشي الرجل مهم أبدا إلا وفي يده رمحان قصار
العصى طوال الأسنان رقاقها وينتخبونها من أطيب الحديد ويأكلون الجراد أكلا كثيرا
مقلواً ومملوحاً وأهل السوس فرقتان فأهل مدينة تارودنت يتمذهبون بمذهب المالكية من
المسلمين وهم حشوية وأهل بلد تويوين يقولون بمذهب موسى بن جعفر وبينهم أبدا القتال
والفتنة وسفك الدماء وطلب الثأر غير أنهم أرفه الناس عيشا وأكثرهم خصبا وشرابهم
المسمى آنزيز وهو حلو يسكر سكرا عظيما ويفعل بشاربه ما لا تفعله الخمر لمتانته
وغلظ مزاجه وذلك أنهم يأخذون من عصير العنب الحلو فيطبخونه بالنار إلى أن يذهب منه
الثلث ويزال عن النار ويرفع ويشرب ولا سبيل إلى شربه إلا أن يخلط بمثله ماء وأهل
السوس الأقصى يرون شربه حلالا ما لم يتعد به إلى حد السكر.
وبين مدينتي السوس أعنى تارودنت وتويوين يوم في جنات وبساتين وكروم وأشجار وأنواع
من الفواكه واللحوم عندهم ممكنة رخيصة جدا والغالب عليهم الشرة والبطر ومن بلاد
السوس إلى مدينة اغمات ست مراحل في بلاد وقبائل من البرابر المصامدة يقال لهم انتى
نتات وبنو واسنو وانكطوطاون وانسطيط وارعن واكنفيس وانتوزكيت وكل هذه القبائل من
البرابر المصامدة العامرين لهذه البلاد والجهات ومنهم نافيس الجبل ونفيس مدينة
صغيرة حولها عمارات وطوائف من قبائلها المنسوبين إليها وبها من الحنطة والفواكه
واللحوم ما لا يكون في كثير من البلاد غيرها وبها جامع وسوق نافقة وبها من أنواع
الزبيب كل عجيبة من جمال المنظر وحلاوة الذوق وكبر المقدار وهو مع ذلك كثير جدا
مشهور العين في بلاد الغرب الأقصى.
والطريق من تارودنت السوس إلى مدينة اغمات وريكة مع أسفل جبل درن الأعظم الذي ليس
جبل مثله إلا القليل في السمو وكثرة الخصب وطول المسافة واتصال العمارات ومبدؤه من
البحر المحيط في أقصى السوس.
ويمر
مع المشرق مستقيما حتى يصل إلى جبال نفوسة فيسمى هناك بجبل نفوسة ويتصل بعد ذلك
بجبال طرابلس ثم يدق هناك ويخفى أثره وقد حكى غير واحد من الفيوج أن طرف هذا الجبل
يصل إلى البحر حيث الطرف المسمى أوثان وفي كل هذا الجبل كل طريفة من الثمار وغرائب
من الأشجار والماء يطرد منه وبوسطه وحوافيه يوجد النبات أبدا مخضرا في كل الأزمان
وعلى أعلاه جمل من قلاع وحصون تشف على نيف وسبعين حصنا ومنها الحصن المنيع القليل
مثله في حصون الأرض بنية وتحصنا ومنعة وهو في أعلى الجبل ومن حصانته وثقافة مكانه
أن أربعة رجال يمسكونه ويمنعون الصعود إليه لأن الصعود إليه على مكان ضيق وعر
المرتقى لأنه يشبه الدرج الحرج ولا ترتقي إليه دابة البتة إلا بعد جهد ومشقة واسم
هذا الحصن تانملت وهو كان عمدة المصمودي محمد بن تومرت حين ظهر بالمغرب وهو الذي
زاد في تشييده ونظر في تحصينه وجعله مدخرا لأمواله وبه الآن قبره لأنه أمر بذلك
فلما مات بجبل الكواكب احتمله المصامدة إليه وحموه ودفنوه بهذا الحصن وقبره في هذا
الوقت بيت جعله المصامدة حجا يقصدون إليه من جميع بلادهم وعليه بناء متقن كالقبة
العالية لكنها غير مزخرفة ولا مزينة كل ذلك على طريق الناموس.
وفي هذا الجبل من الفواكه التين الكثير الكبير الطيب المتنامي في الطيب البالغ
الحلاوة وفيه العنب المستطيل العسلي الذي لا يوجد في أكثره نوى ومنه يتخذ الزبيب
الذي عليه يتنقل ملوك المغرب لرقة قشرته وعذوبة طعمه واعتدال غذائه وفيه الجوز
واللوز وأما السفرجل والرمان فيكون به منهما ما يباع الحمل منه بقيراط واحد وبه من
الإجاص والكمثرى والمشمش كل غريبة وكذلك الأترج والقصب الحلو حتى أن أهل هذا الجبل
لا يبيعونه بينهم ولا يشترونه لكثرته وعندهم شجر الزيتون والخرنوب والمشتهى وسائر
الفواكه وبهذا الجبل شجر كبير يسمى بالبربرية ارقان وهي تشبه شجر الإجاص أغصاناً
وفروعاً وأوراقاً ولها ثمر شبيه بثمر العيون في أول نباته قشرته العليا رقيقة
خضراء فإذا تناهت اصفرت لكنها في نهاية العفوصة والحموضة وداخله نرى شبيه بالزيتونة
المحدودة الرأس صلب ولا يطيب طعم هذا الثمر البتة فإذا كان في آخر شهر شتبر جمع
ووضع بين يدي المعز فتبتلعه بعد أن تأكل قشرته العليا ثم تلقميه بعد فيجمع ويعسل
ويكسر ويدق لبه ويعصر فيخرج منه دهن كثير صافي اللون عجيب المنظر إلا أنه ليس بعذب
الطعم فيه أدنى حرافة وهذا الزيت كثير جداً معروف ببلاد الغرب الأقصى ولكثرته
يسرجون به قناديلهم ويقلى به الدخانيون الإسفنج في الأسواق وله إذا مسته النار
رائحة كريهة حريفة ولكنه يعذب طعمه في الإسفنج ونساء المصامدة يدهن رؤوسهن به على
المشط فتحسن شعورهن بذلك وتطول وتتكسر ويمسك الشعر على لونه من السواد.
ومدينة اغمات وريكة أسفل هذا الجبل من جهة الشمال في فحص أفيح طيب التراب كثير
النبات والأعشاب والمياه تخترقه يمينا وشمالا وتطرد بساحاته ليلا ونهارا وحولها
جنات محدقة وبساتين وأشجار ملتفة ومكانها أحسن مكان من الأرض فرجة الأرجاء طيبة الثرى
عذبة الماء صحيحة الهواء وبها نهر ليس بالكبير يشق المدينة ويأتيها من جنوبها فيمر
إلى أن يخرج من شمالها وعليه أرحاؤهم التي يطحنون بها الحنطة وهذا النهر يدخل
المدينة يوم الخميس ويوم الجمعة والسبت والأحد وباقي أيام الجمعة يأخذونه لسقي
جناتهم وأرضيهم ويقطعونه عن البلد فلا يجري منه إليه شيء.
ومدينة
اغمات مدينة تكنفها جبل درن كما قلناه فإذا كان زمن الشتاء تحللت الثلوج النازلة
بجبل فيسيل ذوبانها وربما إلى نهر اغمات وربما جمد في داخل المدينة حتى يجتاز
الأطفال عليه وهو جامد فلا يتكسر لشدة جموده وهذا شيء عايناه بها غير مرة ومدينة
اغمات أهلها هوارة من قبائل البربر المتبربرين بالمجاوره وهم أملياء تجار مياسير
يدخلون إلى بلاد السودان بأعداد الجمال الحاملة لقناطير الأموال من النحاس الأحمر
والملون والأكسية وثياب الصوف والعمائم والمآزر وصنوف النظم من الزجاج والأصداف والأحجار
وضروب من الأفاويه والعطر وآلات الحديد المصنوع وما منهم رجل يسفر عبيده ورجاله
إلا وله في قوافلهم مائة جمل والسبعون والثمانون جملا كلها موقرة ولم يكن في دولة
المتلثم أحد أكثر منهم أموالا ولا أوسع منهم أحوالا وبأبواب منازلهم علامات تدل
على مقاديرهم وذلك أن الرجل منهم إذا ملك أربعة آلاف دينار يمسكها مع نفسه وأربعة
آلاف يصرفها في تجارته أقام على يمين بابه وعن يساره عرصتين من الأرض إلى أعلى
السقف وبنيانهم بالآجر وبالطوب والطين أكثر فإذا مر الخاطر بدار ونظر إلى تلك
العرص مع الأبواب قائمة عدها فيعلم من عددها كم مبلغ مال صاحب الدار لأنه قد يكون
من هذه العرص خلف الباب أربع وست مع كل عضادة اثنتان وثلاث وأما الآن في وقت
تأليفنا هذا الكتاب فقد أتي على أكثر أموالهم وغيرت المصامدة ما كان بأيديهم من
نعم الله ولكنهم مع هذا أملياء مياسير أغنياء لهم نخوة واعتزاز لا يتحولون عنه
وبمدينة اغمات عقارب كثيرة وكثيراً ما تلسب الناس فتؤذيهم وربما مات من لسبته
وبمدينة اغمات ضروب من الفواكه وأنواع من النعم وكل شيء من المأكول بها رخيص ممكن.
وبشمال هذه المدينة وعلى اثني عشر ميلا منها مدينة بناها يوسف بن تاشفين في صدر
سنة سبعين وأربع مائة بعد أن اشترى أرضها من أهل اغمات بجملة أموال واختطها له
ولبني عمه وهي في وطاء من الأرض ليس حولها شيء من الجبال إلا جبل صغير يسمى ايجليز
ومنه قطع الحجر الذي بني منه قصر أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين وهو المعروف
بدار الحجر وليس في موضع مدينة مراكش حجر البتة إلا ما كان من هذا الجبل وإنما
بناؤها بالطين والطوب والطوابي المقامة من التراب وماؤها الذي تسقى به البساتين
مستخرج بصنعة هندسية حسنة استخرج ذلك عبيد الله بن يونس المهندس وسبب ذلك أن ماءهم
ليس ببعيد الغور موجود إذا احتفر قريباً من وجه الأرض وذلك أن هذا الرجل المذكور
وهو عبيد الله بن يونس جاء إلى مراكش في صدر بنائها وليس بها إلا بستان واحد لأبي
الفضل مولى أمير المسلمين المقدم ذكره فقصد إلى أعلى الأرض مما يلي البستان فاحتفر
فيه بئراً مربعة كبيرة التربيع ثم احتفر منها ساقية متصلة الحفر على وجه الأرض ومر
يحفر بتدرج من أرفع إلى أخفض متدرجا إلى أسفله بميزان حتى وصل الماء إلى البستان
وهو منسكب مع وجه الأرض يصب فيه فهو جار مع الأيام لا يفتر وإذا نظر الناظر إلى
مسطح الأرض لم ير بها كبير ارتفاع يوجب خروج الماء من قعرها إلى وجهها وإنما يميز
ذلك عالم بالسبب الذي به استخرج ذلك الماء والسبب هو الوزن للأرض فاستحسن ذلك أمير
المسلمين من فعل عبيد الله بن يونس والمهندس وأعطاه مالا وأثوابا وأكرم مثواه مدة
بقائه عنده ثم إن الناس نظروا إلى ذلك ولم يزالوا يحفرون الأرض ويستخرجون مياهها
إلى البساتين حتى كثرت البساتين والجنات واتصلت بذلك عمارات مراكش وحسن قطرها
ومنظرها ومدينة مراكش في هذا الوقت من أكبر مدن المغرب الأقصى لأنها كانت دار
إمارة لمتونة ومدار ملكهم وسلك جميعهم وكان بها أعداد قصور لكثير من الأمراء
والقواد وخدام الدولة وأزقتها ورحابها فسيحة ومبانيها سامية وأسواقها مختلفة
وسلعها نافقة.
وكان بها جامع بناه أميرها يوسف بن تاشفين فلما كان في هذا الوقت وتغلب عليها
المصامد وصار الملك ثم تركوا ذلك الجامع عطلا مغلق الأبواب لا يرون الصلاة فيه
وصنعوا لأنفسهم مسجدا جامعا يصلون فيه بعد أن نهبوا الأموال وسفكوا الدماء وباعوا
الحرم كل ذلك بمذهب لهم يرون ذلك فيه حلالاً وشرب أهل مراكش من الآبار ومياهها
كلها عذبة وآبارهم قريبة معينة وكان علي بن يوسف قد جلب إلى مراكش ماء من عين
بينها وبين المدينة أميال ولم
يستتم
ذلك فلما تغلب المصامده على الملك وصار لهم وبأيديهم تمموا جلب ذلك الماء إلى داخل
المدينة وصنعوا به سقايات بقرب دار الحجر وهي الحظيرة التي فيها القصر منفرداً
متحيزاً بذاته والمدينة بخارج هذا القصر وطول المدينة أشف من ميل وعرضها قرب ذلك
وعلى ثلاثة أميال من مراكش نهر لها يسمى تانسيفت وليس بالكبير لكنه دائم الجري
وإذا كان زمن الشتاء حمل بسيل كبير لا يبقى ولا يذر وكان أمير المسلمين علي بن
يوسف بنى على هذا النهر قنطرة عجيبة البناء متقنة الصنع بعد أن جلب إلى عملها صناع
الأندلس وجملا من أهل المعرفة بالبناء فشيدوها وأتقنوا بنيانها حتى كملت ثم لم
تلبث غير أعوام يسيرة حتى أتى عليها السيل فاحتمل أكثرها وأفلت عقدها وهدمها ورمى
بها في البحر الزخار وهذا الوادي يأتي إليه الماء من عيون ومياه منبعثة من جبل درن
من ناحية مدينة اغمات ايلان.
واغمات ايلان مدينة صغيرة في أسفل جبل درن المذكور وهي في الشرق من اغمات وريكة
السابق ذكرها وبينهما ستة أميال وبهذه المدينة يسكن يهود تلك البلاد وهي مدينة
حسنة كثيرة الخصب كاملة النعم وكانت اليهود لا تسكن مدينة مراكش عن أمر أميرها علي
بن يوسف ولا تدخلها إلا نهارا وتنصرف عنها عشية وليس دخولهم في النهار إليها إلا
لأمور له وخدم تختص به ومتى عثر على واحد منهم بات فيها استبيح ماله ودمه فكانوا
ينافرون المبيت بها حياطة على أموالهم وأنفسهم.
وأهل مراكش يأكلون الجراد ويباع منه بها كل يوم الثلاثون حملا فما دونها وفوقها
بقبالة عليه وكانت أكثر الصنع بمدينة مراكش متقبلة عليها مال لازم مثل سوق الدخان
والصابون والصفر والمغازل وكانت القبالة على كل شيء يباع دق أو جل كل شيء على قدره
فلما ولي المصاميد وصار الأمر إليهم قطعوا القبالات بكل وجه وأراحوا منها واستحلوا
قتل المتقبلين لها ولا تذكر الآن القبالة ذكرا في شيء من بلاد المصامدة ويسكن
بقبلة مراكش من قبائل البربر ايلان وهم مصاميد وحولها من القبائل نفيس وبنو يدفر
ودكال ورجراجة وزودة وهسكورة وهزرجة ويسكن بغربي اغمات وشرقيها مصاميد وريكة.
ومن مدينة مراكش إلى مدينة سلا على ساحل البحر تسع مراحل أولها تونين وتونين قرية
على أول فحص أفيح لا عوج به ولا أمتا وطول هذا الفحص مرحلتان ويسكنه من قبائل
البربر قزولة ولمطة وصدرات ومن تونين إلى قرية تيقطين مرحلة إلى قرية غفسيق مرحلة
وهي قرية على أخر الفحص المذكور وصحن هذا الفحص كله نبات الشوك المسمى بالسدرة
المثمرة بالنبق وفيه السلاحف البرية التي تفوق السلاحف البحرية كبراً وعظماً وأهل
تلك النواحي يتخذون من جلودها دساتى للغسل ومعاجن لدقيق الحنطة وغيره.
ومن قرية غفسيق إلى قرية أم ربيع مرحلة وهي قرية كبيرة جامعة وبها أخلاط من برابر
رهونة وبعض زناتة وتامسنا وقبائل تامسنا شتى مفترقة فمنهم برغواطة ومطماطة وبنو
تسلت وبنو اويقمران وزقارة وبعض من زناتة وبنو يجفش من زناتة وكل هذه القبائل
أصحاب حرث ومواش وجمال والغالب عليهم الفروسية وآخر سكناهم مرسى فضالة ومرسى فضالة
على البحر المحيط الغربي وبينه وبين وادي أم ربيع ثلاث مراحل.
وأم ربيع على واد كبير خرار يجاز بالمراكب سريع الجري كثير الانحدار كثير الصخور
والجنادل وبهذه القرية ألبان وأسمان ونعم رغدة وحنطة في نهاية الرخص وبها بقول
ومزارع القطاني والقطن والكمون وهي في جنوب الوادي ويجاز هذا الوادي إلى غيضة
كبيرة من الطرفاء والأنشام وكثير العليق وهي غابة كبيرة ملتفة والأسد بها كثيرة
وربما أضرت بالمار والجائي غير أن أهل تلك النواحي لا يهابونها وقد تمهروا في
مقاتلتها بأنفسهم من غير سلاح وإنما يلقونها بأنفسهم عراة يلقون أكسيتهم على
أذرعهم ويمسكون معهم قنات من شوك السدرة وسكاكينهم بأيديهم لا غير وقد لقيت الأسود
منهم هناك نكايات فلا مهابة بذلك لها عندهم بل تخاف ضرهم وتجتنب طرقهم وربما هجمت
على الضعفاء من الناس ممن يقتاد حماراً أو غير ذلك.
ومن أم ربيع إلى قرية ايغيسل مرحلة وهي قرية حسنة وبها عيون كثيرة دفاعة بالماء
بين صخور صلدة وهذا الماء يتصرف في سقي كثير من زروعهم.
ومن
هذه القرية إلى قرية انقال مرحلة ويقال لها دار المرابطين أيضاً وبها عين عليها
أقباء وماؤها معين وهي حسنة في موضعها كثيرة الزروع والمواشي والإبل والبقر
وقبالتها فحص طويل قد انحشرت إليه طيور النعام فهي في أكنافه سارحة وعلى مراقبه
دارجة وهي آلاف لا تحد ولا تعد وأهل تلك النواحي يصيدونها طرداً بالخيل فيقبضون
منها جملاً كباراً وصغاراً وأما بيضها الموجود في هذا الفحص فلا يحاط به كثرة ولا
يحصل ومنه يحمل إلى كل البلاد وطعامها وخيم يفسد المعد وأما لحوم النعام فلحوم
باردة يابسة وشحومها نافعة عندهم من الصمم تقطيرا ومن سائر الأوجاع البدنية.
ومن انقال إلى قرية مكول مرحلة وقرية مكول على أبطح ويتصل بها فحص يقال له فحص
خراز وطوله اثنا عثر ميلا لا ماء به وقرية مكول كالحصن الكبير عامرة بالبربر ولها
سوق نافقة بما يجلب إليها من جميع المجلوبات من السلع والمتاجر التي يضطر الأحتياج
إليها وبها زروع كثيرة ومواش وأنعام ومن مكول إلى قرية اكسيس مرحلة صغيرة والطريق
على فحص خراز وفي آخر الفحص واد فيه ماء جار دائما وعليه غابات ثمار والأسود فيها
ظاهرة للناس عادية عليهم بالليل والنهار ظاهرة لا تستتر في غياضها وبهذه القرية
المسماة اكسيس بيت متخذ لصيد الأسود حتى أنه ربما صيد منها في الجمعة الثلاثة
والأربعة والأكثر من ذلك والأقل والأسود تفر من النار إذا رأتها ولا سبيل لها على
صاحب نار.
ومن قرية اكسيس إلى مدينة سلا مرحلة ومدينة سلا الحديثة على ضفة البحر وكانت في
القديم من الزمان مدينة شالة على ميلين من البحر وموضعها على ضفة نهر اسمير الذي
يتصل الآن بمدينة سلا الحديثة وهناك مصبه في البحر وأما شالة القديمة فهي الآن
خراب وبها بقايا بنيان قائم وهياكل سامية ويتصل بخرابها عمارات متصلة وزروع ومواش
لأهل سلا الحديثة وسلا الحديثة على ضفة البحر الملح منيعة من جانب البحر لا يقدر
أحد من أهل المراكب على الوصول إلها من جهته وهي مدينة حسنة حصينة في أرض رمل ولها
أسواق نافقة وتجارات ودخل وخرج وتصرف لأهلها وسعة أموال ونمو أحوال والطعام بها
كثير رخيص جدا وبها كروم وغلات وبساتين وحدائق ومزارع ومراكب أهل اشبيلية وسائر
المدن الساحلية من الأندلس يقلعون عنها ويحطون بها بضروب من البضائع وأهل اشبيلية
يقصدونها بالزيت الكثير وهو بضاعتهم ويتجهزون منها بالطعام إلى سائر بلاد الأندلس
الساحلية والمراكب الواردة عليها لا ترسى منها في شيء من البحر لأن مرساها مكشوف
وإنما ترسى المراكب بها في الوادي الذي قدمنا ذكره.
وتجوز المراكب على فمه بدليل لأن في فم الوادي أحجار وتروش تنكسر عليها المراكب
وفيه أعطاف لا يدخلها إلا من يعرفها وهذا الوادي يدخله المد والجزر في كل يوم
مرتين وإذا كان المد دخلت المراكب به إلى داخل الوادي وكذلك تخرج في وقت خروجها
وفي هذا الوادي أنواع من السمك وضروب من الحيتان والحوت بها لا يكاد يباع ولا
يشترى لكثرته وجودته وكل شيء من المأكولات في مدينة سلا موجود بأيسر القيمة وأهون
الثمن.
ومن مدينة سلا مع البحر الملح إلى جزائر الطير اثنا عشر ميلا ومنها في جهة الجنوب
إلى مرسى فضالة اثنا عشر ميلا ومرسى فضالة ترده المراكب من بلاد الأندلس وحائط
البحر الجنوبي فتحمل منها أوساقها طعاماً حنطة وشعيراً وفولاً وحمصاً وتحمل منها
الغنم أيضاً والمعز والبقر.
ومن فضالة إلى مرسى آنفا أربعون ميلاً وهو مرسى مقصود تأتي إليه المراكب وتحمل منه
الحنطة والشعير ويتصل به في ناحية البر عمارات من البرابر من بني يدفر ودكال
وغيرهما.
ومن
آنفا إلى مرسى مازيغن خمسة وستون ميلاً روسية ومن مازيغن إلى البيضاء جون، وهو
ثلاثون ميلا ومن البيضاء إلى مرسى الغيط خمسون ميلاً وهو جون ثان ومن الغيط إلى
آسفي خمسون ميلا ومن آسفي إلى طرف جبل الحديد ستون ميلا ومن طرف جبل الحديد إلى
الغيط التي في الجون خمسون ميلا وكذلك من طرف مازيغن إلى آسفي روسية خمسة وثمانون
ميلا وتقويرا مائة وثلاثون ميلا ومرسى آسفي كان فيما سلف آخر مرسى تصل إليه
المراكب فأما الآن فهي تجوزه بأكثر من أربعة مجار وآسفي عليه عمارات وبشر كثير من
البرابر المسمين رجراجة وزودة وأخلاط من البرابر والمراكب تحمل منه أوساقها في وقت
السفر وسكون حركة البحر المظلم وإنما سمي هذا المرسى بآسفي لأمر سنأتي به عند
ذكرنا لمدينة اشبونة بغربي الأندلس وذكر الشيء في موضعه أليق وأوفق والحمد لله
كثيرا.
ومن مرسى آسفي إلى مرسى ماست في طرف الجون مائة وخمسون ميلا ومرسى الغيط مرسى حسن
مكن من بعض الرياح والمراكب تصل إليه فتخرج منه الحنطة والشعير ويتصل به من قبائل
البربر دكالة وأرض دكاله كلها منازل وقرى ومناهل ومياهها قليلة وتتصل دكالة إلى
مرسى ماست إلى تارودنت السوس ويسكنها قوم من المصاميد لهم حرث وزرع ومواش كثيرة
وقد ذكرنا ذلك قبل هذا.
ومن مدينة اغمات مع الشرق والشمال إلى مدينتي داي وتادلة أربعة أيام وبين داي
وتادلة مرحلة ومدينة داي في أسافل جبل خارج من جبل درن وهي مدينة بها معدن النحاس
الخالص الذي لا يعدله غيره من النحاس بمشارق الأرض ومغاربها وهو نحاس حلو لونه إلى
البياض يتحمل التزويج ويدخل في لجام الفضة وهو إذا طرق جاد ولم يتشرح كما يتشرح
غيره من أنواع النحاس وهذا المعدن ينسبه العوام إلى السوس وليست مدينة داي من بلاد
السوس لان بينهما مسافات أيام كثيرة ومن هذا المعدن يحمل إلى سائر البلاد ويتصرف
به في كثير من الأعمال ومدينة داي صغيرة لكنها كثيرة العامر والقوافل عليها صادرة
وواردة ويزرع بها وبأرضها كثير القطن ولكنه بمدينة تادلة يزرع أكثر مما يزرع
بمدينة داي ومن مدينة تادلة يخرج القطن كثيرا ويسافر به إلى كل الجهات ومنه كل ما
يعمل من الثياب القطنية ببلاد المغرب الأقصى ولا يحتاجون مع قطنها إلى غيره من
أنواع القطن المجلوب من سائر الأقطار وبهاتين البلدتين أرزاق ومعايش وخصب ونعم شتى
وأهلها أخلاط من البربر.
وفي شرقي تادلة وداى من البرابر بنو وليهم وبنو ويزكون ومنداسة ويسكن بهذا الجبل
النازل إلى داي قوم من صنهاجة يقال لهم املو.
ومن مدينة تادلة إلى مدينة تطن وقرى أربع مراحل وهي مدينة صغيرة لكنها متحضرة
يسكنها قوم من أخلاط البرابر وبها مزارع وحنطة كثيرة ولها مواش وأغنام ومن مدينة
تطن وقرى إلى مدينة سلا التي على الساحل يومان وقد ذكرنا مدينة سلا قبل هذا.
ومن مدينة سلا إلى مدينة فاس أربع مراحل ومدينة فاس مدينتان بينهما نهر كبير يأتي
من عيون تسمى عيون صنهاجة وعليه في داخل المدينة أرحاء كثيرة تطحن بها الحنطة بلا
ثمن له خطر والمدينة الشمالية منهما تسمى القرويين وتسمى الجنوبية الأندلس
والأندلس ماؤها قليل لكن يشقها نهر واحد يمر بأعلاها وينتفع منه ببعضها وأما مدينة
القرويين فمياهها كثيرة تجري منها في كل شارع وفي كل زقاق ساقية متى شاء أهل
الموضع فجروها فغسلوا مكانهم منها ليلا فتصبح أزقتهم ورحابهم مغسولة وفي كل دار
منها صغيره كانت أو كبيرة ساقية ماء نقيا كان أو غير نقي وفي كل مدينة منهما جامع
ومنبر وإمام وبين المدينتين أبدا فتن ومقاتلات وبالجملة إن أهل مدينة فاس يقتل
فتيانها بعضهم بعضاً وبمدينة فاس ضياع ومعايش ومبان سامية ودور وقصور ولأهلها
اهتمام بحوائجهم ومبانيهم وجميع آلاتهم ونعمها كثيرة والحنطة بها رخيصة الأسعار
جدا دون غيرها من البلاد القريبة منها وفواكهها كثيرة وخصبها زائد وبها في كل مكان
منها عيون نابعة ومياه جارية وعليها قباب مبنية ودواميس محنية ونقوش وضروب من
الزينة وبخارجها الماء مطرد نابع من عيون غزيرة وجهاتها مخضرة مؤنقة وبساتينها
عامرة وحدائقها ملتفة وفي أهلها عزة ومنعة.
ومنها
إلى سجلماسة ثلاث عشرة مرحلة والطريق على صفروي إلى قلعة مهدي إلى تادلة إلى داي
إلى شعب الصفا ويشق الجبل الكبير إلى جنوبه ومن هناك إلى سجلماسة فأما مدينة صفروي
فمنها إلى فاس مرحلة وكذلك منها إلى قلعة مهدي مرحلتان وصفروي مدينة صغيرة متحضرة
بها أسواق قليلة وأكثر أهلها فلاحون وزروعهم كثيرة ولهم جمل مواش وأنعام ومياههم
عذبة غدقة.
وأما قلعة مهدي فهي حصن حصين فوق جبل شامخ ولها أسواق وعمارات ومزارع وغلات وبقر
وغنم وأحوال واسعة ومن قلعة مهدي إلى مدينة تادلة مرحلتان ويسكن في قبلة قلعة مهدي
قبائل زناتة من بني سمجون وبني عجلان وبني تسكدلت وبني عبد الله وبني موسى وبني
ماروى وتكلمان واريلوشن وانتقفاكن وبني سامرى وكذلك بين مدينة فاس ومكناسة أربعون
ميلا في جهة المغرب ومكناسة مدائن عدة وهي في طريق سلا والطريق إليها من فاس إلى
مدينة مغيلة.
ومدينة مغيلة كانت قبل هذا الوقت متحضرة كثيرة التجارات متصلة العمارات وهي في فحص
أفيح كثير الأعشاب والخضر والنواوير والأشجار والثمار وهي الآن فيها بقايا عمارات
وخراباتها متصلة والمياه تخترق في كل جانب منها ومكانها حسن وهواؤها معتدل.
ومن مغيلة إلى وادي سنات إلى فحص النخلة إلى مكناسة ومدينة مكناسة هي المسماة تاقررت
وهي الآن باقية على حالها لم يدركها كبير تغير وهي مدينة حسنة مرتفعة على الأرض
يجري في شرقيها نهر صغير عليه أرحاء وتتصل بها عمارات وجنات وزروع وأرضها طيبة
للزراعات ولها مكاسب وأحوال طائلة ومكناسة سميت بإسم مكناس البربري لما نزلها مع
بنيه عند حلولهم بالمغرب وأقطع لكل ابن من بنيه بقعة يعمرها مع ولده وكل هذه
المواضع التي أحلهم فيها تتجاور وتتقارب أمكنتها بعضها من بعض وبلاد مكناسة منها
التي تعرف ببني زياد وهي مدينة عامرة لها أسواق عامرة وحمامات وديار حسنة والمياه
تخترق أزقتها ولم يكن في أيام الملثم بعد تاقررت أعمر قطرا من بني زياد وبينهما
نحو من ربع ميل.
ومنها إلى بني تاورة نحو ذلك وبين تاورة وتاقررت نحو ذلك وكانت مدينة تاورة متحضرة
جامعة عامرة وأسواقها كثيرة والصناعات بها نافقة والنعم والفواكه لا تقضى بها حاجة
والماء يأتيها من جنوبها من نهر كبير فينقسم في أعلاها ويمر ما انقسم هناك من
المياه فيخترق جميع أزقتها شوارعها وأكثر دورها.
وبين تاورة وبني زياد مدينتان صغيرتان إحداهما القصر وهي مدينة صغيرة في الطريق من
تاقررت إلى السوق القديمة على رميتي سهم وهذه المدينة بناها أمير من أمراء
الملثمين وجعل لما سورا حصينا وبنى بها قصرا حسنا ولم تكن بها أسواق كثيرة ولا
طائل تجارات وإنما كان ذلك الأمير يسكنها مع جلة بني عمه والمدينة الأخرى في شرقي
هذه المدينة تعرف ببني عطوش وهي ديار متصلة وعمارات في بساتين لهم هناك ولهم أشجار
وغلات وزيتون كثير وشجر تين وأعناب وفواكه جمة وكل ذلك بها ممكن رخيص.
ومن أسفا هذه المنازل إلى قبيلة من مكناسة على مجرى الماء الذي يأتي من بني عطوش
وتسمى هذه القبيلة بني برنوس وهي منازل وديار لهم وبها مزارع وكروم وعمارات وشجر
زيتون كثيرة وفواكههم موجود تباع بالثمن اليسير وفي شمال قصر أبي موسى سوق تقصد
إليها في يوم كل خميس يجتمع إليه جميع قبائل بني مكناس وهي سوق نافقة لما جلب
إليها ويقصد إليها من بعيد وقريب وتسمى السوق القديمة ومن قبائل بني مكناس
المجاورة لهذه البلاد بنو سعيد وبنو موسى ويسكنها من غير قبائل مكناسة بنو بسيل
ومغيلة وبنو مصعود وبنو علي وورياغل ودمر وواربة وصبغاوة وهي من أخصب البقاع أرضاً
وأنماها زرعاً وأكثرها خيراً وأنجبها نتاجاً وهم برابر يلبسون الأكسية ويربطون
العمائم.
ومن بلاد مكناسة في جهة الغرب إلى قصر عبد الكريم ثلاث مراحل وقصر ابن عبد الكريم
يسكنه قوم من البربر يسمون دنهاجة وهي مدينة صغيرة عامرة بأخلاط دنهاجة وهي على
نهر اولكس ويجري منها في جهة الجنوب وبينها وبين البحر نحو من ثلاثة أميال في أرض
أكثرها رمل ولما مزارع وخصب وصيود بر وبحر وبها سوق عامرة وجمل صناعات ومن قصر عبد
الكريم إلى مدينة سلا التي على البحر الملح مرحلتان من القصر إلى المعمورة ومن
المعمورة إلى سلا ونهر اولكس نهر كبير من أنهار المغرب المشهورة وتمده أنهار كثيرة
وعيون نابعة وعليه عمارات وقرى وديار.
ومدينة
فاس قطب ومدار لمدن المغرب الأقصى ويسكن حولها قبائل من البربر ولكنهم يتكلمون
بالعربية وهم بنو يوسف وفندلاوة وبهلول وزواوة ومجاصة وغياتة وسلالحون وفاس هذه هي
حضرتها الكبرى ومقصدها الأشهر وعليها تشهد الركائب وإليها تقصد القوافل ويجلب إلى
حضرتها كل غريبة من الثياب والبضائع والأمتعة الحسنة وأهلها مياسير ولها من كل شيء
حسن أكبر نصيب وأوفر حظ ومن مدينة فاس إلى مدينة سبتة على بحر الزقاق شمالاً سبع
مراحل.
ومن فاس إلى تلمسان تسع مراحل والطريق بينهما هو أن تخرج من فاس إلى نهر سبو وهو
نهر عظيم يأتي من نواحي جبل القلعة لابن توالة ويمر حتى يحاذي فاس من جهة شرقيها
وعلى ستة أميال منها وهناك يقع نهر فاس مع ما اجتمع معه من سائر العيون والأنهر
الصغار وعليه قرى وعمارات ويمر الطريق منه إلى تمالتة مرحلة وهي قرية وعمارات على
نهر لها يأيها من جهة الجنوب يقال له وادي ايناون.
ومنها إلى كرانطة مرحلة وكانت أيضاً فيما سلف من الزمان مدينة لها كروم كثيرة
وفواكه ومزارع على السقي ومنها إلى باب زناتة نحو من عشرة أميال وهو واد عليه حرث
يسقى به وبه أغنام وأبقار وزروع كثيرة تقرب من نهر ايناون.
ومنها إلى قلعة كرمطة مرحلة وبها سوق وزروع وضرع وهذه القلعة مطلة على نهر ايناون
ومن كرمطة في أسفل الجبل إلى مراوز وهي قلعة صغيرة أكثرها خلا مرحلة وبها القمح
والشعير كثيراً.
ومنها إلى وادي مسون مرحلة والطريق إليه على تابرندا وهو حصن منيع على أكمة مطلة
على وادي ملوية ووادي ملوية يقع إلى وادي صاع فيجتمعان معا ويصبان في البحر ما بين
جراوة ابن قيس ومليلة.
ومنها إلى صاع مرحلة وهي مدينة لطيفة صغيرة بأسفل كدية تراب مطلة على نهر كبير يشق
أرباضها ويخترق ديارها وهي الآن مهدمة خربها المصاميد ومنها إلى جراوة مرحلة وبين
جراوة والبحر ستة أميال وكانت عامرة.
ومنها إلى برقانة مرحلة وهي قلعة عليها حصن منيع ولها سوق عامرة وبها مياه كثيرة
ولها جنات وكروم ومنها إلى العلويين مرحلة وهي قرية كبيرة على نهر يأتها من القبلة
وفواكهها فاضلة وخيراتها شاملة.
ومنها إلى تلمسان مرحلة لطيفة وتلمسان مدينة أزلية ولها سور حصين متقن الوثاقة وهي
مدينتان في واحدة يفصل يينهما سور ولها نهر يأتيها من جبلها المسمى بالصخرتين وعلى
هذا الجبل حصن بناه المصمودي قبل أخذه تلمسان ولم تزل المصامدة قاطنين به إلى أن
فتحوا تلمسان وهذا الوادي يمر في شرقي المدينة وعليه أرحاء كثيرة وما جاورها من
المزارع كلها مسقي وغلاتها ومزارعها كثيرة وفواكهها جمة وخيراتها شاملة ولحومها
شحيمة سمينة وبالجملة إنها حسنة لرخص أسعارها ونفاق أشغالها ومرابح تجاراتها ولم
يكن في بلاد المغرب بعد مدينة اغمات وفاس أكثر من أهلها أموالاً ولا أرفه منهم
حالا ومدينة فاس أكبر من تلمسان قطرا وأجل منها قدرا وأكثر خيراً ومالاً وأعلى همة
في المباني واتخاذ الديار الحسنة.
والطريق من مدينة فاس إلى بني تاودا مرحلتان وهذه المدينة بناها أمير من قبل
الملثم وكانت مدينة قائمة بذاتها لكثرة زروعها ومفيد غلاتها وغزر ألبانها وسمنها
وعسلها وأسواقها عامرة وخيراتها وافرة وكانت على مقربة من جبل غمارة وكانت بمكانها
شبه الثغر سداً مانعاً من طغاة غمارة العابثين بتلك النواحي المغيرين على جوانبها
وبينها وبين طرف جبل غمارة ثلاثة أميال وبين بني تاودا وفاس برية يشق في وسطها
وادي سبو وبين وادي سبو في طريق بني تاودا وبين فاس عشرون ميلا ويسكن هذه البرية
قبائل من البربر يسمون لمطة وحد عمارتهم من مدينة تاودا إلى وادي سبو المذكور
ويمتدون بالعمارة إلى قرية عكاشة وبين هذه القرية وبني تاودا يوم وبينها وبين
مدينة فاس يومان وهي أول مدينة من مدن الغرب التي حل بها الفساد ونزل بها التغيير
واستأصلها المصامدة وهدموا أسوارها وصيروا قائم مساكنها أرضا ولم يبق من هذه
المدينة المنسوبة لبني تاودا إلا مكانها وقد تراجع إلى مكانها نحو من مائة رجل
فعمروها وزرعوا في أرضها لطيب ترابها ونمو زروعها وجودة حنطتها.
وأما من أراد الطريق إلى تلمسان من سجلماسة فالقوافل تسير من تلمسان إلى فاس ومن
فاس إلى صفروى إلى تادلة إلى اغمات إلى بني درعه إلى سجلماسة.
والطريق
الآخر تأخذه القوافل أيضاً لكن في النادر لأنه مفازة فمن شاء ذلك سار من مدينة
تلمسان إلى قرية تارو مرحلة ومنها إلى جبل تامديت مرحلة ومنها إلى غايات وهي قرية
خراب وبها بئر ماء معينة مرحلة ومنها إلى صدرات وهي أرض قوم من البربر مرحلة ومنها
إلى جبل تيوى مدينة خراب وبها عين ماء خرارة وهي في أسفل جبل مرحلة ومنها إلى فتات
بئر في وسط صحراء مرحلة ومنها إلى شعب الصفا مرحلتان وهذا الشعب هو بين جبال درن
ومجرى نهر يأتي من هناك والطريق بينهما مرحلة ومنه إلى تندلى وهي قرية عامرة مرحلة
ومنها إلى قرية تمسنان مرحلة ومنها إلى تقربت مرحلة ومنه إلى سجلماسة.
ثلاث مراحل وهذا الطريق قليل سالكوه إلا ندرة في الدهر.
ومدينة تلمسان قفل بلاد المغرب وهي على رصيف للداخل والخارج منها لا بد منها
والاجتياز بها على كل حالة والطريق من تلمسان إلى مدينة تنس سبع مراحل تخرج من
تلمسان إلى قرية العلويين وهي قرية كبيرة عامرة على ضفة نهر ولهم بها جنات ومياه
جارية من عيون.
ومنها إلى قرية بابلوت مرحلة وهي قرية جليلة كثيرة الأهل والعمارة على نهر ليس به
أرحاء وتسقى منه مزارع ومن بابلوت إلى قرية سنى التي على نهر مرغيت مرحلة وهو صغير
والعيون بها والمياه تطرد في كل وجهة.
ومنها إلى رحل الصفاصف مرحلة وهو رحل عامر آهل على نهر يأتي من افكان من جهة
المشرق ومن الرحل إلى افكان مرحلة وافكان هذه مدينة كانت لها أرحاء وحمامات وقصور
وفواكه كثيرة وكان عليها سور تراب لكنه الآن تهدم وبقي أثره وواديها يشقها نصفين
ويمضي منها إلى تاهرت.
ومنها إلى المعسكر مرحلة والمعسكر قرية عظيمة لها أنهار وثمار ومنها إلى جبل فرحان
ماراً مع أسفله إلى قرية عين الصفاصف وبها فواكه كثيرة وزروع ونعم دارة مرحلة.
ومنها إلى مدينة يلل مرحلة ومدينة يلل بها عيون ومياه كثيرة وفواكه وزروع وبلادها
جيدة للفلاحه وزروعها نامية.
ثم إلى مدينة غزة وهي مدينة صغيرة القدر فيها سوق مشهورة لها يوم معلوم وبها حمام
وديار حسنة ولها مزارع.
ومنها إلى مدينة سوق إبراهيم مرحلة وهي على قدر غزة وموضعها على ضفة نهر شلف.
ومن سوق إبراهيم إلى باجة مرحلة وهي مدينة حسنة صغيرة لها إقليم به شجر التين كثير
جدا ويعمل بها من التين شرائح على مثال الطوب وبذلك تسمى وتحمل منها إلى كثير من
الأقطار.
ومنها إلى مدينة تنس مرحلة ومدينة تنس على مقربة من ضفة البحر الملح وعلى ميلين
منه وبعضها على جبل وقد أحاط بها السور وبعضها في سهل الأرض وهي مدينة قديمة أزلية
عليها سور حصين وحظيرة مانعة دائرة بها وشرب أهلها من عين ولها جهة الشرق واد كثير
الماء وشربهم منه في أيام الشتاء والربيع وبها فواكه وخصب وبها إقلاع وحط ولها
أقاليم وأعمال ومزارع وبها الحنطة ممكنة جداً وسائر الحبوب موجودة وتخرج منها إلى
كل الآفاق في المراكب وبها من الفواكه كل طريفة ومن السفرجل الطيب المعنق ما يفوت
الوصف في كبره وحسنه.
والطريق من تلمسان إلى مدينة وهران الساحلية وهما مرحلتان كبيرتان وقيل بل هي ثلاث
مراحل وذلك أنك تخرج من تلمسان إلى وادي وارو فتنزل به وبينهما مرحلة ومنها إلى
قرية تانيت فتنزل بها وهي مرحلة ومن هذه القرية إلى مدينة وهران ووهران على مقربة
من ضفة البحر الملح وعليها سور تراب متقن وبها أسواق مقدرة وصنائع كثيرة وتجارات
نافقة وهي تقابل مدينة المرية من ساحل بحر الأندلس وسعة البحر بينهما مجريان ومنها
أكثر ميرة ساحل الأندلس ولها على بابها مرسى صغير لا يستر شيئاً ولها على ميلين
منها المرسى الكبير وبه ترسى المراكب الكبار والسفن السفرية وهذا المرسى يستر من
الريح وليس له مثال في مراسي حائط البحر من بلاد البربر وشرب أهلها من واد يجري
إليها من البر وعليه بساتين وجنات وبها فواكه ممكنة وأهلها في خصب والعسل بها
موجود وكذلك السمن والزبد والبقر والغنم بها رخيصة بالثمن اليسير ومراكب الأندلس
إليها مختلفة وفي أهلها دهاقنة وعزة أنفس ونخوة.
والطريق
من مدينة تنس إلى المسيلة من بلاد بني حماد بالغرب الأوسط تخرج من مدينة تنس إلى
بني وازلفن مرحلة لطيفة في جبال وعرة وشواهق متصلة وبنو وازلفن قرية كبيرة لها
كروم وجنات ذوات سوان يزرعون عليها البصل والشهدانج والحناء والكمون ولها كروم
كثيرة ومعظمها على نهر شلف ومن تنس إلى شلف مرحلتان.
ومن بني وازلفن إلى الخضراء مرحلة وهي مدينة صغيرة حصينة على نهر صغير عليه عمارات
متصلة وكروم وبها من السفرجل كل بديع ولها سوق وحمام وسوقها يجتمع إليه أهل تلك
الناحية.
ومن الخضراء إلى مدينة مليانة مرحلة وهي مدينة قديمة البناء حسنة البقعة كريمة
المزارع وهما نهر يقي أكثر حدائقها وجناتها وجانبي مزارعها ولها أرحاء بنهرها
المذكور ولأقاليمها حظ من سقي نهر شلف وعلى ثلاثة أيام منها وفي جنوبها الجبل
المسمى بجبل وانشريس يسكنه قبائل من البربر منها مكناسة وحرسون واوربة وبنو أبي
خليل وكتامة ومطماطة وبنو مليلت وبنو وارتجان وبنو أبي خليفة ويصلاتن وزولات وبنو
واتمشوس وزواوة ونزار ومطغرة ووارترين وبنو أبي بلال وايزكروا وبنو أبي حكيم وهوارة
وطول هذا الجبل أربعة أيام وينتهي طرف هذا الجبل إلى قرب تاهرت.
ومن مدينة مليانة إلى كزناية مرحلة وهو حصن أزلي له مزارع وأسواق وهو على نهر شلف
وله سوق يوم الجمعة يقصده بشر كثير.
ومن سوق كزناية إلى قرية ريغة مرحلة ولهذه القرية أرض متسعة وحروث ممتدة وفواكه
وبساتين ولها سوق صالحة تقصد في يوم معلوم في كل جمعة يباع بها ويشترى ويقضى منها
حوائج وبهذه القرية المذكورة مياه كثيرة وعيون مطردة ومنها إلى ماورغة مرحلة وهي
قرية حسنة لكنها لطيفة القدر وبها زراعات وخصب ومياه جارية ومنها إلى اشير زيري
مرحلتان وهو حصن حسن البقعة كثير المنافع وله سوق يوم معروف يجلب إليه كل لطيفة
ويباع به كل طريفة ومنه إلى تامزكيدة مرحلة.
ثم إلى المسيلة مرحلتان وهي مستحدثة استحدثها علي بن الأندلسي في ولاية إدريس بن
عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب وهي عامرة في بسيط من الأرض ولها
مزارع ممتدة أكثر مما يحتاج إليه ولأهلها سوائم خيل وأغنام وأبقار وجنات وعيون
وفواكه وبقول ولحوم ومزارع قطن وقمح وشعير ويسكنها من البربر بنو برزال ودنداح
وهوارة وصدراتة ومزاتة وهذه المدينة أيضاً عامرة بالناس والتجار وهي على نهر فيه
ماء كثير مستنبط على وجه الأرض وليس بالعميق وهو عذب وفيه سمك صغير فيه طرق حمر
حسنة ولم ير في بلاد الأرض المعمورة سمك على صفته وأهل المسيلة يفتخرون به ويكون
مقدار هذا السمك من شبر إلى ما دونه وربما اصطيد منه الشيء الكثير فاحتمل إلى قلعة
بني حماد وبينهما اثنا عشر ميلاً.
ومدينة القلعة من أكبر البلاد قطراً وأكثرها خلقاً وأغزرها خيراً وأوسعها أموالاً
وأحسنها قصوراً ومساكن وأعمها فواكه وخصباً وحنطتها رخيصة ولحومها طيبة سمينة وهي
في سند جبل سامي العلو صعب الارتقاء وقد استدار سورها بجميع الجبل ويسمى تاقربست
وأعلى هذا الجبل متصل ببسيط من الأرض ومنه ملكت القلعة وبهذه المدينة عقارب كثيرة
سود تقتل في الحال وأهل القلعة يتحرزون منها ويتحصنون من ضررها ويشربون لها نبات
الفوليون الحراني ويزعمون أنه ينفع شرب درهمين منه لعام كامل فلا يصيب شاربها شيء
من ألم تلك العقارب وهذا عندهم مشهور وقد أخبر بذلك من يوثق به في وقتنا هذا وحكى
عن هذه الحشيشة أنه شربها وقد لسبته العقرب فسكن الوجع مسرعاً ثم إنه لسبته
العقارب في سائر العام ثلاث مرات فما وجد لذلك اللسب ألماً وهذا النبات ببلد
القلعة كثير.
والطريق من مدينة تلمسان إلى مدينة المسيلة من تلمسان إلى مدينة تاهرت أربع مراحل
تخرج من تلمسان إلى تادرة وهي قرية في حضيض جبل فيها عين ماء خرارة مرحلة ومنها
إلى قرية نداى مرحلة وهي قرية صغيرة في فحص أفيح بها بئران ماؤهما معين ومنها إلى
مدينة تاهرت مرحلتان.
وبين
مدينة تاهرت والبحر أربع مراحل ومدينة تاهرت كانت فيما سلف من الزمان مدينتين
كبيرتين إحداهما قديمة والأخرى محدثة والقديمة من هاتين المدينتين ذات سور وهي على
قنة جبل قليل العلو وبها ناس وجمل من البرابر ولهم تجارات وبضائع وأسواق عامرة
وبأرضها مزارع وضياع جمة وبها من نتاج البراذين والخيل كل حسن وأما البقر والغنم
بها فكثيرة جداً وكذلك العسل والسمن وسائر غلاتها كثيرة مباركة وبمدينة تاهرت مياه
متدفقة وعيون جارية تدخل أكثر ديارهم ويتصرفون بها ولهم على هذه المياه بساتين
وأشجار تحمل ضروباً من الفواكه الحسنة وبالجملة إنها بقعة حسنة.
ومن تاهرت إلى قرية اعبر مرحلة وهي قرية صغيرة على نهر صغير ومنها إلى قرية دارست
مرحلة وهي قرية صغيرة جداً وزراعاتها كثيرة ومواشيها عامة ومنها إلى مدينة ماما
مرحلتان وهي مدينة صغيرة لها سور من تراب وأكثره طوب ولها بما استدار بسورها خندق
محفور ولها واد عذب عليه مزارع وغلات وإصابتها في الحنطة كثيرة ومن مدينة ماما إلى
قرية ابن مجبر مرحلة وهي قرية كبيرة كثيرة الزروع عذبة المياه وشربهم من العيون
وسكانها زناتة ومنها إلى اشير زيري التي قدمنا ذكرها مرحلة ومن اشير زيري إلى قرية
سطيت مرحلة وبها عين ماء جارية ومنها إلى قرية هان في فحص رمل مرحلة وإليها مياه
عيون وهي الآن خراب ومنها إلى المسيلة مرحلة.
وبين مدينة تلمسان وتاهرت يسكن بنو مرين وورتطغير وزير وورتيد ومانى واومانوا
وسنجاسة وغمرة ويلومان وورماكسين وتجين وورشفان ومغراوة وبنو راشد وتمطلاس ومنان
وزقارة وتيمنى وكل هذه القبائل بطون زناتة وهم أصحاب هذه الفحوص وهم قوم رحالة ظواعن
ينتجعون من مكان إلى مكان غيره لاكنهم متحضرون وأكثر زناتة فرسان يركبون الخيل
ولهم عادية لا تؤمن ولهم معرفة بارعة وحذق وكياسة ويد جيدة في علم الكتف ولا يدرى
أن أحداً من الأمم أعلم بعلم الكتف من زناتة وهم منسوبون إلى جانا وهو أبو زناتة
كلها وهو جانا ابن ضريس وضريس هو جالوت الذي قتله داود عليه السلام وضريس ابن لوى
بن نفجاو ونفجاو هو أبو نفزاوة كلها ونفجاو ابن لوى الأكبر في برا بن قيس بن الياس
بن مضر وزناتة في أول نسبهم عرب صرح وإنما تبربروا بالمجاورة والمحالفة للبرابر من
المصاميد.
ولنرجع الآن إلى ذكر مدينة وهران فنقول إن من مدينة وهران السابق ذكرها إلى مدينة
تنس مجريان وهي من الأميال مائتا ميل وأربعة أميال ومن مدينة تنس إلى برشك على
الساحل ستة وستون ميلاً ومن مدينة تنس إلى مدينة مليانة في البر مرحلتان وبين
مليانة وتاهرت ثلاث مراحل.
ومدينة برشك مدينة صغيرة على تل وعليها سور تراب وهي على ضفة البحر وشرب أهلها من
عيون وماؤها عذب وافتتحها الملك المعظم رجار في سنة ( - ) وخمس مائة وبها فواكه
وجمل مزارع وحنطة كثيرة وشعير.
ومنها إلى شرشال عشرون ميلاً ويصل بينهما جبل منيع يسكنه قبيلة من البربر تسمى
ربيعة ومدينة شرشال صغيرة القدر لاكنها متحضرة وبها مياه جارية وآبار معينة عذبة
وبها فواكه حسنة كثيرة وسفرجل كبير الجرم ذو أعناق كأعناق القرع الصغار وهو من
الطرائف غريب في ذاته وبها كروم وبعض شجر تين وما دار بها بادية لأهلها مواش
وأغنام كثيرة والنحل عندهم كثير والعسل بها ممكن وأكثر أموالهم الماشية ولهم من
زراعة الحنطة والشعير ما يزيد على الحاجة.
ومن شرشال إلى الجزائر لبني مزغنا سبعون ميلاً ومدينة الجزائر على ضفة البحر وشرب
أهلها من عيون على البحر عذبة ومن آبار وهي عامرة آهلة وتجاراتها مربحة وأسواقها
قائمة وصناعاتها نافقة ولها بادية كبيرة وجبال فيها قبائل من البربر وزراعاتهم
الحنطة والشعير وأكثر أموالهم المواشي من البقر والغنم ويتخذون النحل كثيراً فلذلك
العسل والسمن كثير في بلدهم وربما يتجهر بهما إلى سائر البلاد والأقطار المجاورة
لهم والمتباعدة عنهم وأهلها قبائل ولهم حرمة مانعة.
ومن الجزائر إلى تامدفوس شرقاً ثمانية عشر ميلاً وتامدفوس مرسى حسن عليه مدينة
صغيرة خراب وأكثر سورها قد تهدم وقل أهلها وبها بقايا بناء قديم وهياكل وأصنام
حجارة ويذكر أنها كانت من أعظم البلاد كبراً وأوسعها قطراً.
ومن
تامدفوس إلى مرعى الدجاج عشرون ميلاً ومدينة مرسى الدجاج كبيرة القطر لها حصن دائر
بها وبشرها قليل وربما فر عنها أكثر أهلها في زمن الصيف ومدة السفر خوفاً من قصد
الأساطيل إليها ولها مرسى مأمون ولها أرض ممتدة وزراعات متصلة وإصابة أهلها في
زروعهم واسعة وحنطتهم مباركة وسائر الفواكه واللحوم بها كثيرة وتباع بالثمن اليسير
والتين خاصة يحمل منها شرائح طوباً ومنثوراً إلى سائر الأقطار وأقاصي المدائن
والأمصار وهي بذلك مشهورة.
ومن مدينة مرسى الدجاج إلى مدينة تدلس أربعة وعشرون ميلاً وهي على شرف متحصنة لها
سور حصين وديار ومتنزهات وبها من رخص الفواكه والأسعار والمطاعم والمشارب ما ليس
يوجد بغيرها مثله وبها الغنم والبقر موجودة كثيراً وتباع جملتها بالأثمان اليسيرة
ويخرج من أرضها إلى كثير من الآفاق.
ومن تدلس إلى مدينة بجاية في البر سبعون ميلاً وفي البحر تسعون ميلاً ومدينة بجاية
على البحر لاكنها على جرف حجر ولها من جهة الشمال جبل يسمى مسيون وهو جبل سامي
العلو صعب المرتقى وفي أكنافه جمل من النبات المنتفع به في صناعة الطب مثل شجر
الحضض والسقول وفند وريون والبرباريس والقنطوريون الكبير والرزاوند والقسطون
والإفسنتين أيضاً وغير ذلك من الحشائش وفي هذا الجبل كثير من العقارب صفر الألوان
لاكن ضررها قليل ومدينة بجاية في وقتنا هذا مدينة الغرب الأوسط وعين بلاد بني حماد
والسفن إليها مقلعة وبها القوافل منحطة والأمتعة إليها براً وبحراً مجلوبة
والبضائع بها نافقة وأهلها مياسير تجار وبها من الصناعات والصناع ما ليس بكثير من
البلاد وأهلها يجالسون تجار المغرب الأقصى وتجار الصحراء وتجار المشرق وبها تحل
الشدود وتباع البضائع بالأموال المقنطرة ولها بواد ومزارع والحنطة والشعير بها
موجودان كثيران والتين وسائر الفواكه منها ما يكفي لكثير من البلاد وبها دار صناعة
لإنشاء الأساطيل والمراكب والسفن والحرابي لأن الخشب في جبالها وأوديتها كثير
موجود ويجلب إليها من أقاليمها الزفت البالغ الجودة والقطران وبها معادن الحديد
الطيب موجودة وممكنة وبها من الصناعات كل غريبة ولطيفة وعلى بعد ميل منها نهر
يأتيها من جهة المغرب من نحو جبل جرجرة وهو نهر عظيم يجاز عند فم البحر بالمراكب
وكلما بعد عن البحر كان ماؤه قليلاً ويجوز من شاء في كل موضع منه.
ومدينة بجاية قطب لكثير من البلاد وذلك أن من بجاية إلى اتكجان يوم وبعض يوم ومن
بجاية إلى بلزمة مرحلتان وبعض ومن بجاية إلى سطيف يومان وبين بجاية وباغاية ثمانية
أيام وبين بجاية وقلعة بشر خمسة أيام وهي من عمالة بسكرة وبين بجاية وتيفاش ست
مراحل وبين بجاية وقالمة ثماني مراحل وبين بجاية وتبسة ستة أيام وبين دور مدين
وبجاية إحدى عشرة مرحلة وبين بجاية والقصرين ستة أيام وبين بجاية وطبنة سبع مراحل.
وأما مدينة بجاية في ذاتها فإنها عمرت بخراب القلعة التي بناها حماد بن بلقين وهي
التي تنسب دولة بني حماد إليها والقلعة كانت في وقتها وقبل عمارة تجارية دار الملك
لبني حماد وفيها كانت ذخائرهم مدخرة وجميع أموالهم مختزنة ودار أسلحتهم والحنطة
تختزن بها فتبقى العام والعامين لا يدخلها الفساد ولا يعتريها تغيير وبها من
الفواكه المأكولة والنعم المنتخبة ما يلحقه الإنسان بالثمن اليسير ولحومها كثيرة
وبلادها وجميع ما ينضاف إليها تصلح فيها السوائم والدواب لأنها بلاد زرع وخصب
وفلاحتهم إذا كثرت أغنت وإذا قلت كفت فأهلها أبد الدهر شباع وأحوالهم صالحة وقد
ذكرنا حالها وصفتها في ذات بنائها فيما تقدم لنا وهي متعلقة بجبل عظيم مطل عليها
وقد احتوى سورها المبني على جميع الجبل المذكور طولاً وعرضاً وأمامها في جهة
الجنوب أرض سهلة متصلة الانفراج لا يرى الناظر فيها جبلاً عالياً ولا شرفاً مطلاً
إلا على بعد منها وعلى مسير أربع مراحل يرى جبالاً لا تبين.
وعلى
اثني عشر ميلاً منها المسيلة التي تقدم ذكرها غرباً والمسيلة في أرض طبنة وفي جهة
المغرب من مدينة القلعة ومن القلعة أيضاً في جهة المشرق مدينة محدثة تسمى الغدير
وبينها وبين القلعة ثمانية أميال والغدير مدينة حسنة وأهلها بدو ولهم مزارع وأرضون
مباركة والحرث بها قائم الذات والإصابة في زروعها موجودة والبركات في معاملاتهم
كثيرة وبين المسيلة والغدير ثمانية عشر ميلاً.
والطريق من مدينة بجاية إلى القلعة تخرج من بجاية إلى المضيق إلى سوق الأحد إلى
وادي رهت إلى حصن تاكلات وبه المنزل وحصن تاكلات حصن منيع وهو على شرف مطل على
وادي بجاية وبه سوق دائمة وبه فواكه ولحوم كثيرة رخيصة وبحصن تاكلات قصور حسان
وبساتين وجنات ليحيى بن العزيز.
ومن حصن تاكلات إلى تادرفت إلى سوق الخميس إلى حصن بكر وبه المنزل وحصن بكر حصن
حصين على مراع ممتدة والوادي الكبير يجري مع أصلها وبجنوبها وفيه سوق وبيع وشراء
ومن حصن بكر إلى حصن وارفو ويسمى أيضاً رافو إلى القصر وهو أيضاً قرية وهناك تترك
وادي بجاية غرباً وتمر في جهة الجنوب إلى حصن الحديد مرحلة إلى الشعراء إلى قبور
بني تراكش إلى تاورت وهي قرية كبيرة عامرة على نهر ملح وبها المنزل وشرب أهلها من عيون
محتفرة ببطن واد يأتيها من جهة المشرق وهذا الوادي لا ماء به.
ومن تاورت إلى الباب وهي جبال يخترق بينها الوادي الملح وهناك مضيق وموضع مخيف
وإلى هاهنا تصل غارات العرب وضررها ومنه إلى السقائف وهو حصن.
ثم إلى حصن الناظور إلى سوق الخميس وبه المنزل وهذه الأرض كلها تجولها العرب وتضر
بأهلها وسوق الخميس حصن في أعلى جبل وبه مياه جارية ولا تقدر العرب عليه لمنعته
وبه من المزارع والمنافع قليل.
ومنه إلى الطماطة وهو فحص في أعلى جبل ومنه إلى سوق الاثنين وبه المنزل وهو قصر
حصين والعرب محدقة بأرضه وفيه رجال يحرسونه مع سائر أهله.
ومنه إلى حصن تافلكايت وهو حصن إلى تازكا وهو حصن صغير ومنه إلى قصر عطية وهو حصن
على أعلى جبل ثم إلى حصن إلى حصن إلى حصن القلعة مرحلة وجميع هذه الحصون أهلها مع
العرب في مهادنة وربما أضر بعضهم ببعض غير أن أيدي الأجناد فيها مقبوضة وأيدي
العرب مطلقة في الإضرار وموجب ذلك أن العرب لها دية مقتولها وليس عليها دية فيمن
تقتل.
ومن المسيلة إلى طبنة مرحتان وطبنة مدينة الزاب وهي مدينة حسنة كثيرة المياه
والبساتين والزروع والقطن والحنطة والعير وعليها سور من تراب وأهلها أخلاط وبها
صنائع وتجارات وأموال لأهلها متصرفة في ضروب من التجارات والتمر بها كثير وكذلك
سائر الفواكه.
وتخرج من المسيلة إلى مقرة مرحلة وهي مدينة صغيرة وبها مزارع وحبوب وأهلها يزرعون
الكتان وهو عندهم كثير ومن مقرة إلى طبنة مرحلة وبين طبنة ومدينة بجاية ست مراحل
وكذلك من طبنة إلى باغاي أربع مراحل.
ومن طبنة شرقاً إلى دار ملول مرحلة كبيرة وكانت فيما سلف من الدهر مدينة عامرة
وأسواقها قائمة ولها مزارع وغلات جمة وفيها حصن مطل فيه مرصد من البلد ينظر إلى
مجال العرب في بلادهم ويتطلع منه إلى ما بعد من الأرض وشربهم من ماء عيون بها
جارية وبين دار ملول ونقاوس ثلاث مراحل وجبل اوراس منها على مرحلة وزائد وكذلك من
دار ملول إلى الضلعة ثلاث مراحل وجبل اوراس قطعة يقال إنها متصلة من جبل درن
المغرب وهو كالام محني الأطراف وطوله نحو من اثني عشر يوماً ومياهه كثيرة وعماراته
متصلة وفي أهله نخوة وتسلط على من جاورهم من الناس.
ومن مدينة طبنة إلى مدينة نقاوس مرحلتان ومدينة نقاوس مدينة صغيرة كثيرة الشجر
والبساتين وأكثر فواكهها الجوز ومنها يتجهز به إلى ما جاورها من الأقطار وفيها سوق
قائمة ومعايش كثيرة ومن نقاوس إلى المسيلة أربع مراحل وقيل ثلاث ومن مدينة نقاوس
أيضاً إلى حصن بسكرة مرحلتان وهو حصن منيع في كدية تراب عال وبه سوق وعمارة وبه
أيضاً من التمر كل غريبة وطريفة.
ومنه إلى حصن بادس وهو في أسفل طرف جبل اوراس ثلاث مراحل وهو حسن عامر بأهله
والعرب تملك أرضه وتمنع أهله من الخروج عنه إلا بخفارة رجل منهم ومنه إلى مدينة
المسيلة أربعة أميال.
وفي
الشرقي من مدينة قلعة بني حماد مدينة مسيلة وهي على أربع مراحل منها ومدينة مسيلة
حسنة كثيرة الأشجار ممكنة الثمار وفواكهها كثيرة ومحاسنها ظاهرة ومياهها غدقة
وأهلها من أخلاط البرابر جملة والعرب تحكم بخارجها وكانت في طاعة يحيى بن العزيز
صاحب بجاية.
ومنها في الشرق إلى مدينة قسنطينة المراء ثمانية عشر ميلاً ويصل بينهما جبل
والطريق به ومدينة القسنطينة عامرة وبها أسواق وتجار وأهلها مياسير ذوو أموال
وأحوال واسعة ومعاملات للعرب وتشارك في الحرث والأدخار والحنطة تقيم بها في
مطامرها مائة سنة لا تفسد والعسل بها كثير وكذلك السمن يتجهز به منها إلى سائر
البلاد ومدينة القسنطينة على قطعة جبل منقطع مربع فيه بعض الاستدارة لا يتوصل إليه
من مكان إلا من جهة باب في غربيها ليس بكثير السعة وهناك مقابر أهلها حيث يدفنون
موتاهم ومع المقابر أيضاً بناء قائم من بناء الروم الأول وبه قصر قد تهدم كله إلا
قليلاً منه وبه دار ملعب من بناء الروم شبيه بملعب ثرمة من بلاد صقلية.
وهذه المدينة أعني القسنطينة يحيط بها الوادي من جميع جهاتها كالعقد مستديراً بها
وليس للمدينة من داخلها سور يعلو أكثر من نصف قامة إلا من جهة باب ميلة وللمدينة
بابان باب ميلة في الغرب وباب القنطرة في الشرق وهذه القنطرة من أعجب البناءات لأن
علوها يشف على مائة ذراع بالذراع الرشاشي وهي من بناء الروم قسي عليا على قسي سفلى
وعددها في سعة الوادي خمس والماء يدخل على ثلاث منها مما يلي جانب الغرب وهي كما
وصفناها قوس على قوس والقوس الأولى يجري بها الماء أسفل الوادي والقوس الأخرى
فوقها وعلى ظهرها المشي والجواز إلى البر الثاني وباقي القوسين اللتين من جهة
المدينة فإنما هما مفردتان على الجبل وبين القوس والقوس أرجل تدفع مضرة الماء
ومصادرة الماء عند حمله بسيوله وعلى رقاب الأرجل قسي فارغة كالبنات صغار فربما زاد
الماء في بعض الأوقات عند سيله فعلا الأرجل ومر في تلك الفرجات وهي من أعجب ما
رأيناه من البناء.
وليس في المدينة كلها دار كبيرة ولا صغيرة إلا وعتبة بابها حجر واحد وكذلك جميع
عضادات الأبواب فمنها ما يكون من حجرين ومنها ما يكون من أربعة أحجار وبناؤها من
التراب وأرضها كلها حجر صلد وفي كل دار منها مطمورتان وثلاث وأربع منقورة في الحجر
ولذلك تبقى بها الحنطة لبرودتها واعتدال هوائها وواديها يأتي من جهة الجنوب فيحيط
بها من غربيها ويمر شرقاً مع دائر المدينة ويستدير في جهة الشمال ويمر مغرباً إلى
أسفل الجبل ثم يسير شمالاً إلى أن يصب في البحر في غربي وادي سهر والقسنطينة من
أحصن بلاد الله وهي مطلة على فحوص متصلة ولها مزارع الحنطة والشعير ممتدة في جميع
جهاتها ولها في داخل المدينة ومع سورها مسقى يستقون منه ويتصرفون به عند أوقات
الحصار لها ممن طرقها.
وبين القسنطينة وباغاي ثلاث مراحل وكذلك من القسنطينة إلى مدينة بجاية ستة أيام
أربعة منها إلى جيجل ومن جيجل إلى بجاية خمسون ميلاً وكذلك من القسنطينة إلى اربس
خمس مراحل ومنها إلى بجاية أربع مراحل ومنها إلى قلعة بشر يومان ومنها إلى تيفاش
يومان كبيران ومنها إلى قالمة يومان كبيران ومنها إلى القصرين ثلاثة أيام ومنها
إلى دور مدين ستة أيام ومنها إلى مرسى القل يومان في أرض العرب.
والطريق من القسنطينة إلى بجاية من القسنطينة إلى النهر إلى فحص فارة إلى قرية بني
خلف إلى حصن كلديس وكلديس حصن منيع جداً ومنه إلى القسنطينة عشرون ميلاً وليس بينهما
جبل ولا خندق وكلديس على جرف مطل على نهر القسنطينة.
ومن حصن كلديس إلى جبل سحاو ثمانية أميال وهو من أعظم الجبال علواً وأسماها
ارتقاءً وأصعبها مسلكاً وعلى أعلاه حصن يسمى ( - ) ويصعد إلى أعلاه نحو من خمسة
أميال ويسار في أعلاه أيضاً نحو من ثلاثة أميال وهذا الجبل لا تتعداه العرب إلى
غيره ولا تجوزه وينحدر منه إلى أسفل واد هناك يسمى وادي شال ويمر معه إلى سوق يوسف
وهي قرية في سند جبل ممتنع السلوك اثني عشر ميلاً وهو جبل تخترقه مياه عذبة.
ومنه
إلى سوق بنى زندوي وهو حصن في بسيط قليل الحصانة وهي سوق لها يوم في الجمعة وأهل
تلك الناحية يقصدونها في ذلك اليوم وهذه القبيلة من البربر قوم يعمرون هذه الجهات
ولهم منعة وتحصن وهم أهل خلاف وقيام بعض على بعض والجبايات التي تلزمهم لا تؤخذ
منهم إلا بعد نزل الخيل والرجال عليهم في تلك النواحي ومن عوائدهم التي هم عليها
أن صغيرهم وكبيرهم لا يمشي من موضعه إلى موضع غيره إلا وهو شاكي السلاح بالسيف
والرمح والدرقة اللمطية.
ومن هذا الحصن إلى تالة وهو حصن خراب وبه المنزل ومنه إلى المغارة إلى ساحل البحر
إلى مسجد بهلول إلى المزارع إلى مدينة جيجل وهي مدينة على ضفة البحر والبحر يحيط
بها ولها ربض ولما ظفر بها أسطول الملك المعظم رجار ارتفع أهلها عن المدينة إلى
جبل على بعد ميل منها وبنوا هناك مدينة حصينة فإذا كان زمن الشتاء سكنوا المرسى
والساحل وإذا كان زمن الصيف ووقت سفر الأسطول نقلوا أمتعتهم وجملة بضائعهم إلى
الحصن الأعلى البعيد من البحر وبقي الرجال باليسير من التجائر في الضفة يتجرون وهي
إلى الآن خراب مهدمة الديار مثلمة الأسوار ليس بها ساكن ولا بقربها قاطن وهي مدينة
حسنة بها الألبان والسمن والعسل والزروع الكثيرة وبها الحوت الكثير العدد المتناهي
في الصيب والقدر ومن مدينة جيجل إلى طرف مزغيطن إلى جزائر العافية إلى فج الزرزور
إلى حصن المنصورية على البحر إلى متوسة وهي قرية عامرة وبها معادن الجص ومنها يحمل
إلى بجاية وبينهما اثنا عشر ميلاً وكذلك من جيجل إلى بجاية الناصرية خمسون ميلاً.
ومدينة جيجل لها أيضاً مرسيان مرسى منهما في جهة جنوبها وهو مرسى وعر الدخول إليه
صعب لا يدخل إلا بدليل حاذق وأما مرساها من جهة الشمال ويسمى مرسى الشعراء فهو
ساكن الحركة كالحوض حسن الإرساء به لاكنه لا يحتمل الكثير من المراكب لصغره وهو
رمل.
ومن جيجل إلى مدينة القل سبعون ميلاً وهو آخر مدن هذا الجزء المرسوم والقل قرية
عامرة وكانت في سالف الدهر مدينة صغيرة عامرة والآن هي مرسى وعليه عمارات والجبال
تكنفه من جهة البر ومن القل إلى مدينة القسنطينة مرحلتان جنوباً والطريق في أرض
تغلبت العرب عليها.
وعلى مقربة من مدينة بجاية إلى جهة الجنوب حصن سطيف وبينهما مرحلتان وحصن سطيف
كبير القطر كثير الخلق كالمدينة وهو كثير المياه والشجرة المثمرة بضروب من الفواكه
ومنها يحمل الجوز لكثرته بها إلى سائر الأقطار وهو بالغ الطيب حسن ويباع بها
رخيصاً وبين سطيف وقسنطينة أربع مراحل.
وبقرب سطيف جبل يسمى ايكجان وبه قبائل كتامة وبه حصن حصين ومعقل منيع وكان قبل هذا
من عمالة بني حماد ويتصل بطرفه من جهة الغرب جبل يسمى جلاوة وبينه وبين بجاية
مرحلة ونصف.
وقبيلة كتامة تمتد عمارتها إلى أن تجاوز أرض القل وبونة وفيهم كرم وبذل طعام لمن
قصدهم أو نزل بأحدهم وهم أكرم الرجال للأضياف حتى استسهلوا مع ذلك بذل أولادهم
للأضياف النازلين بهم ولا تتم عندهم الكرامة البالغة إلا بمبيت أبنائهم من الأضياف
ليتلقوا منهم الإرادة ولا ترى كتامة بذلك عاراً ولا ترجع عن ذلك البتة وقد أصابتهم
الملوك بذلك وأبلغت في نكاياتهم فما أقلعوا ولا امتنعوا عن عادتهم في ذلك ولا
تحولوا عن شيء منه ولم يبق من كتامة في وقت تأليفنا لهذا الكتاب إلا نحو أربعة
آلاف رجل وكانوا قبل ذلك عدداً كثيراً وقبائل وشعوباً وأعف قبائل كتامة وأقلهم
فعلاً منهم لهذا العمل من كان في جهة سطيف لأنهم من القدم لا يرون ذلك ولا
يستجيزونه ولا يستحسنون فعل شيء من هذه المنكرات التي تأتيها قبائل كتامة الساكنون
بجهة القل وبأجبلها المتصلة بأقاليم قسنطينة الهواء.
وبمقربة من قسنطينة حصن يسمى بلزمة وبينهما يومان وهو حصن لطيف وفي أهله عزة ومنعة
ولها ربض وسوق وبها آبار طيبة وماؤها أيضاً غدق وهو في وسط فحص أفيح وبناؤه
الحجارة الكبار القديمة ويذكر أهل تلك الناحية أنه من أيام السيد المسيح وهذا
السور يراه الراؤون من خارج عالياً جداً والمدينة في ذاتها مردومة بالزاب والأحجار
فإذا نظر الناظر إلى السور من خارج رأى سوراً كاملاً وإذا دخل المدينة لم يجد لها
سوراً لأن أرض الحصن مساو للشرفات وهي مردومة كما ذكرنا وهذا غريب في الباء.
وأما
حصن بشر فهو قلعة عامرة من أعمال بسكرة وهو في ذاته حصن جليل ومعقل جميل وله
عمارات هي الآن في أيدي العرب وبينها وبين بجاية أربعة أيام وهي إلى قسنطينة أقرب
وبينهما مرحلتان وقد ذكرنا من صفات البلاد وغرائب البقاع مما تضمنه هذا الجزء ما
فيه كفاية.
وبقي علينا أيضاً أن نذكر سواحل البحر بهذا الجزء وأجوانه وجباله وعدد أمياله
تقويراً وروسية إذ ليس يمكننا هاهنا ذكر سواحل هذا البحر على جملته لأنه منه ما
يأتي في الإقليم الثالث ومنه ما يأتي في الإقليم الرابع فوجب لذلك أن نذكر منه ما
تحصل في كل جزء من هذه الأجزاء المرسومة ونأتي بذلك كله على توال ونسق بحول الله
وعونه.
فمن ذلك أن وهران من هذا الجزء على ضفة البحر الملح كما قدمنا ذكرها ومنها إلى طرف
مشانة روسية خمسة وعشرون ميلاً وعلى التقوير اثنان وثلاثون ميلاً ومن طرف مشانة
إلى مرسى ارزاو ثمانية عشر ميلاً وهي قرية كبيرة تجلب إليها الحنطة فيسير بها
التجار ويحملونها إلى كثير من البلاد ومنها إلى مستغانم على البحر مع الجون وهي
مدينة صغيرة لها أسواق وحمامات وجنات وبساتين ومياه كثيرة وسور على جبل مطل إلى
ناحية الغرب وهذا الجون تقويره أربعة وثلاثون ميلاً تقويراً وروسية أربعة وعشرون
ميلاً.
ومن مستغانم إلى حوض فروح تقويراً أربعة وعشرون ميلاً وروسية خمسة عشر ميلاً وهو
مرسى حسن وعليه قرية عامرة ويلي حوض فروح في البر مع الشرق مدينة مازونة على ستة
أميال من البحر وهي مدينة بين أجبل وهي أسفل خندق ولها أنهار ومزارع وبساتين
وأسواق عامرة ومساكن مونقة ولسوقها يوم معلوم يجتمع إليه أصناف من البربر بضروب من
الفواكه والألبان والسمن والعسل كثير بها وهي من أحسن البلاد صفة وأكثرها فواكه
وخصباً.
ومن حوض فروح إلى طرف جوج وهو أنف خارج في البحر تقويراً أربعة وعشرون ميلاً وفي
البر اثنا عشر ميلاً ومن هذا الطرف تأخذ جونا إلى جهة الجنوب فمن هذا الطرف مع
الجون إلى جزائر الحمام أربعة وعشرون ميلاً تقويراً وثمانية عشر ميلاً روسية ومن
جزائر الحمام إلى مصب وادي شلف اثنان وعشرون ميلاً ومنه إلى قلوع الفراتين في وسط
الجون اثنا عشر ميلاً والقلوع جباة بيض ومن القلوع إلى مدينة تنس اثنا عشر ميلاً
مع الجون ومنها إلى طرف الجون ستة أميال فذلك من طرف جوج إلى طرف الجون تقويراً
ستة وستون ميلاً وروسية أربعون ميلاً.
ومن الطرف إلى مرسى امتكوا عشرة أميال ومن امتكوا طالعاً في الجون إلى مرسى وقور
تقويراً أربعون ميلاً وروسية ثلاثون ميلاً وهو مرسى ضيق يستر من الريح الشرقية ولا
يستر من غيرها ووقور في آخر الجون.
ومن وقور إلى مدينة برشك عشرون ميلاً وقد ذكرنا شرشال فيما تقدم وبين برشك وشرشال
عشرون ميلاً على البحر يتصل بينهما جبل كبير منيع يسكنه قوم من البربر يسمون ربيعة
ومن شرشال إلى طرف البطال وهو خارج في البحر اثنا عشر ميلاً ويقابل هذا الطرف
جزيرة صغيرة في البحر ومن طرف البطاك ابتداء جون هور وهذا الجون يقطع روسية أربعين
ميلاً وتقويره ستون ميلاً وهور قرية صغيرة في وسط الجون وعلى بعد من البحر وبها
قوم صيادون للحوت ومكانها أقصار لا يسقط فيه أحد ويتخلص منه البتة.
ومنه آخر جون هور إلى جزائر بني مزغنا ثمانية عشر ميلاً وقد ذكرناها فيما مضى من
الذكر في صفات البلاد أولاً ومنها إلى تامدفوس ثمانية عشر ميلاً وهو مرسى وعليه
عمارة ومزارع متصلة ومنه إلى مرسى الدجاج عشرون ميلاً ومرسى الدجاج قد ذكرناه قبل
هذا.
ومنه إلى طرف بني جناد وهو أنف يدخل البحر اثنا عشر ميلاً ومن طرف بني جناد إلى
مدينة تدلس اثنا عشر ميلاً وقد ذكرناها قبل هذا.
ومن مدينة تدلس إلى طرف بني عبد الله أربعة وعشرون ميلاً تقويراً وروسية عشرون
ميلاً ومن طرف بني عبد الله إلى جون زفون روسية عشرون ميلاً وتقويراً ثلاثون ميلاً
ومن زفون إلى الدهس الكبير تقويراً ثلاثون ميلاً وروسية خمسة وعشرون ميلاً ومنه
إلى الدهس الصغير ثمانية أميال ومن الدهس إلى طرف جرية خمسة أميال وهي مزارع
كثيرة.
ومن
طرف جربة إلى مدينة بجاية في البر ثمانية أميال وفي البحر اثنا عشر ميلاً ومدينة
بجاية في جون ينظر إلى الشرق ومن مدينة بجاية إلى متوسة اثنا عشر ميلاً على
التقوير وروسية ثمانية أميال ومن متوسة إلى المنصورية في وسط الجون على التقوير
عشرة أميال ومن المنصورية إلى فج الزرزور اثنا عشر ميلاً ومنه إلى مزغيطن وهو طرف
خارج في البحر أحد عشر ميلاً فمن هذا الطرف إلى بجاية خمسة وأربعون ميلاً.
ومن مزغيطن إلى مدينة جيجل خمسة أميال.
ومن متوسة إلى فج الزرزور روسية خمسة وعشرون ميلاً ومن فج الزرزور إلى جيجل على
التقوير عشرون ميلاً.
ومن جيجل إلى وادي القصب عشرون ميلاً وهناك مسقط واد يأتي من ظهر ميلة مع الجنوب.
ومن وادي القصب إلى مرسى الزيتونة على التقوير ثلاثون ميلاً وروسية عشرون ميلاً
ومرسى الزيتونة أول جبال الرحمان وهي جبال وجبأة عالية مشرفة على البحر ومنها إلى
القل وبه ديار وناس ساكنون بها وهم الآن في أيام سفر الأسطول يرحلون إلى الجبال ولا
يبقون بها شيئاً من آثارهم وإنما يبقى بالقل في زمن الصيف الرجال فقط.
ومن القل إلى مرسى استورة عشرون ميلاً.
ومن استورة إلى مرسى الروم ثلاثون ميلاً تقويراً وروسية ثمانية عشر ميلاً.
ومن مرسى الروم إلى تكوش ثمانية عشر ميلاً وهي رابطة وبها قوم ساكنون ومنها إلى
رأس الحمراء ثمانية عشر ميلاً.
ومن رأس الحمراء إلى بونة في قاع الجون ستة أميال وسنذكر مدينة بونة فيما يأتي بعد
هذا إن شاء الله فمن بجاية إلى بونة روسية مائتا ميل وقد أتينا بما ذكرناه من وضع
هذه البلاد بما فيه كفاية حسب الطاقة والحمد لله على ذلك كثيراً كما هو أهله
ومستحقه.
نجز الجزء الأول من الإقليم الثالث والحمد لله ويتلوه الجزء الثاني منه إن شاء
الله تعالى.
الجزء الثاني
إن الذي وقع بهذا الجزء الثاني من الإقليم الثالث جمل من مدن وأقاليم وحصون وقلاع
وأجناس وأمم فأما البلاد فمنها قمودة وباغاي ومسكيانة ومجانة وباجة وبونة ومرسى
الخرز وبنزرت والاربس ومرماجنة وقسطيلية وبيلقان وتقيوس وزرود وقفصة ونفطة والحمة
وتونس واقليبية وهرقلية وسوسة والمهدية وسفاقس وقابس ورغوغا وصبرة واطرابلس ولبدة
وعلى ساحل هذا البحر بهذا الجزء حصون ومحارس وعمارات نذكرها فيما يأتي بعد هذا
بعون الله.
فأما مدينة باغاي فمدينة كبيرة عليها سوران من حجر وربض عليه سور وكانت الأسواق
فيه وأما الآن فالأسواق في المدينة والأرباض خالية بإفساد العرب لها وهي أول بلاد
التمر ولها واد يجري إليها من جهة القبلة وشربهم منه ولهم أيضاً شرب من آبار عذبة
وكانت لها بواد وقرى وعمارات والآن كل ذلك قليل فيها وحولها عمارات برابر يعاملون
العرب وأكثر غلاتهم الحنطة والشعير وقبض معاوينها وتصرف أحوالها لأشياخها.
ويتصل بها وعلى أميال منها جبل اوراس وطوله نحو من اثني عشر يوماً وأهله مسلطون
على من جاورهم.
ومن مدينة باغاي إلى قسنطينة ثلاث مراحل ومن باغاي إلى طبنة الزاب أربع مراحل ومن
باغاي إلى مدينة قسطيلية أربع مراحل.
وهي تسمى توزر ولها سور حصين وبها نخل كثير جداً وتمرها كثير يعم بلاد إفريقية
وبها الأترج الكبير الحسن الطيب وأكثر الفواكه التي بها في حال معتدلة وبقولها
كثيرة موجودة متناهية في الكثرة والجودة وماؤها غير طيب ولا مرو وسعر الطعام بها
في أكثر الأوقات غال لأنه يجلب إليها وزروع الحنطة والشعير بها قليل يسير.
ويتصل بها جنوب منها وشرق مدينة الحمة وبينهما مرحلة صغيرة وماء الحمة ليس بطيب
لكنه شروب قنع به أهلها وبها نخل كثير وتمر غزير.
ومنها إلى تقيوس نحو من عشرين ميلاً وهي مدينة حسنة تقع بينها وبين قفصة وهي مدينة
عامرة لها غلات الحناء والكمون والكروياء وبها نخل وتمر حسن وجملة بقول طيبة ناعمة
ومن تقيوس إلى مدينة قفصة مرحلة.
ومدينة قفصة مدينة حسنة ذات سور ونهر جار ماؤه أطيب من ماء قسطيلية ولها في وسطها
العين المسماة بالطرميذ ولها أسواق عامرة ومتاجر كثيرة وصناعات قائمة ويطيف بها
نخل كثير يشتمل على ضروب من أنواع التمر العجيب ولها جمل جنات وبساتين وقصور قائمة
معمورة يزرع بها ضروب من غلات الحناء والقطن وأهلها متبربرون وأكثرهم يتكلم
باللسان اللطيني الإفريقي.
ومن
مدينة قفصة إلى جهة الغرب ومع الجنوب يتصل بها هناك مدينة قاصرة وهي مدينة مذكورة
ومدينة نقاوس ومدينة جمونس في الشرق منها وهذه البلاد كلها تتقارب في حالاتها
وتتدانى في صفاتها ونخيلها ومياهها وغلاتها والحنطة بها أبداً قليلة لأنها في
الأغلب تجلب إليها.
ومدينة قفصة مركز والبلاد بها دائرة فمن قفصة إلى مدينة القيروان شمالاً مع شرق
أربع مراحل وعلى جهة المغرب مع الجنوب مدينة بيلقان على خمس مراحل وهي الآن خراب
أفسدتها العرب واستولت على منافعها وعلى جميع أرضها ومياهها كثيرة ومنها إلى قفصة
أربع مراحل ومن قفصة في جهة الجنوب إلى ناحية جبل نفوسة مدينة زرود وبينهما خمس
مراحل ومن مدينة قفصة إلى مدينة نفطة مرحلتان صغيرتان وهي مدينة متحضرة عامرة
بأهلها لها أسواق وتجارات ونخل وغلات ومياه جارية ومن قفصة إلى نفزاوة جنوباً
يومان وبعض يوم ومن توزر إلى نفزاوة يوم ونصف يوم كبير.
ومن مدينة قفصة إلى جبل نفوسة في جهة الجنوب نحو من ستة أيام وهو جبل عال يكون
نحواً عن ثلاثة أيام طولاً أو أقل من ذلك وفيه منبران لمدينتين تسمى إحداهما شروس
في الجبل ولها مياه جارية وكروم وأعناب طيبة وتين وأكثر زروعهم الشعير الطيب
المتناهي طيباً مما إذا خبز كان أطيب من سائر الطعام في سائر الأقاليم ولأهله في
صنعة الخبز حذق وتمهر فاقوا في ذلك كل الناس ومن مدينة قفصة إلى مدينة سفاقس ثلاثة
أيام.
وفيما بين جبل نفوسة ومدينة نفزاوة مدينة لوحقة ويتصل بها غرباً مدينة بسكرة
وبادس.
وكل هذه البلاد تتقارب في مقاديرها وصفاتها وفي متاجرها وأسواقها.
ومن جبل نفوسة إلى وارقلان اثنتا عشرة مرحلة ومن نفطة إلى مدينة قابس ثلاث مراحل
وبعض من مرحلة.
وقابس مدينة جليلة عامرة حفت بها من نواحيها غابات جنات ملتفة وحدائق مصطفة وفواكه
عامة رخيصة وبها من التمر والزروع والضياع ما ليس بغيرها من البلاد وفيها زيتون
وزيت وغلات وعليها سور منيع يحيط به من خارجه خندق ولها أسواق وعمارات وتجارات
وبضاعات وكان بها فيما سلف طرز يعمل بها الحرير الحسن وبها الآن مدابغ للجلود
ويتجهز بها منها ولها واد يأتيها من غدير كبير وعلى هذا الغدير قصر سجة وبينه وبين
قابس ثلاثة أميال وهي مدينة صغيرة متحضرة وبها من ناحية البحر أيضاً سوق وباعة
وحريريون كثيرون وشربهم من وادي قابس وماء مدينة قابس غير طيب لكنه شروب وأهلها
يستسيغونه ومدينة قابس بينها وبين البحر ستة أميال من جهة الشمال وتصل بآخر غابة
أشجارها إلى البحر رملة متصلة مقدار ميل وهذه الغابة أشجار وجنات وكروم وزيتون
كثير يستعمل منه زيت كثير يتجهز به إلى سائر النواحي وبها أيضاً نخل ملتف به من
الرطب الذي لا يعدله شيء في نهاية الطيب وذلك أن أهل قابس يجنونها طرية ثم
يودعونها في دنانات فإذا كان بعد مدة من ذلك خرجت لها عسلية تعلو وجهها بكثير ولا
يقدر على التناول منها إلا بعد زوال العسل عنها من أعلاها وليس في جميع البلاد
المشهورة بالتمر شيء من التمر يشبهه ولا يحاكيه ولا يطابقه في علوكته وطيب مذاقته.
ومرساها في البحر ليس بشيء لأنه لا يستر من ريح وإنما ترسى القوارب بواديها وهو
نهر صغير يدخله المد والجزر وترسى به المراكب الصغار وليس بكثير السعة وإنما يطلع
المد للإرساء نحواً من رمية سهم وفي أهلها قلة دماثة ولهم زي ونظافة وفي باديتها
عتو وفساد وقطع سبل.
ومن مدينة قابس إلى مدينة سفاقس نازلاً مع الجون سبعون ميلاً ومدينة سفاقس بينها
وبين قفصة بين جنوب وغرب ثلاثة أيام.
ومدينة سفاقس مدينة قديمة عامرة لها أسواق كثيرة وعمارة شاملة وعليها سور من حجارة وأبواب عليها صفائح من حديد منيعة وعلى أسوارها محارس نفيسة للرباط وأسواقها متحركة وشرب أهلها من المواجل ويجلب إليها من مدينة قابس نفيس الفواكه وعجيب أنواعها ما يكفيها ويربى كثرة ورخص قيمة ويصاد بها من السمك ما يعظم خطره ويكثر قدره وأكثر صيدهم بالزروب المنصوبة لهم من الماء الميت بضروب حيل وجل غلاتها الزيتون والزيت وبها منه ما ليس يوجد بغيرها مثله وبها مرسى من ميت الماء وبالجملة إنها من عز البلاد وأهلها لهم نخوة وفي أنفسهم عزة وافتتحها الملك المعظم رجار في عام ثلاثة وأربعين وخمس مائة من سني الهجرة وهي الآن معمورة وليست مثل ما كانت عليه من العمارة والأسواق والمتاجر في الزمن القديم.
ومن
سفاقس إلى مدينة المهدية مرحلتان ولها عامل من قبل الملك المعظم رجار والمهدية
مدينة لم تزل ذات إقلاع وحط للسفن الحجازية القاصدة إليها من بلاد المشرق والمغرب
والأندلس وبلاد الروم وغيرها من البلاد وإليها تجلب البضائع الكثيرة بقناطير
الأموال على مر الأيام وقد قل ذلك في وقتنا هذا ومدينة المهدية كانت مرسى وفرضة
للقيروان واستحدثها المهدي عبيد الله وسماها بهذا الاسم وهي في نحر البحر ترحل من
سفاقس إلى رقادة القيروان ثم ترحل إليها من مدينة رقادة ومدينة المغدية من مدينة
القيروان على مرحلتين وكانت فيما سلف المسافر إليها كثير والبضائع إليها مجلوبة من
سائر البلاد والأقطار والأمتعة والمتاجر بها نافقة وفيها بائعة والهمم على أهلها
موقوفة وإليهم راجعة ولها حسن مبان لطيفة نظيفة المنازل والمتبوات وديارها حسنة
وحماماتها جليلة وبها خانات بهيرة وهي في ذاتها حسنة الداخل والخارج بهية المنظر
وأهلها حسان الوجوه نظاف الثياب ويعمل بها من الثياب الحسنة الدقيقة الجيدة
المنسوبة إليها ما يحمل ويتجهز به التجار إلى جميع الآفاق في كل وقت وحين ما ليس
يقدر على عمل مثله في غيرها من البلاد والأمصار لجودته وحسنه وشرب أهلها من
المواجل وآبارها غير عذبة ويحيط بالمهدية سور حسن مبني من الحجارة وعليها بابان من
حديد لفق بعضه على بعض من غير خشب وليس يدرى في معمور الأرض مثلهما صنعة ووثاقة
وهما من عجائبها الموصوفة وليس لها جنات ولا بساتين نخل وإنما يجلب إليها شيء من
الفواكه من قصور المنستير وبينهما في البحر ثلاثون ميلاً والمنستير قصور ثلاثة
يسكنها قوم متعبدون والأعراب لا تضرهم في شيء من ضجرهم ولا من عماراتهم وبهذا
المكان أعني المنستير يدفن أهل المهدية موتاهم يحملونهم في الزوارق إليها
فيدفنونهم بها ثم يعودون إلى بلدهم وليس بالمهدية جبانة تعرف في وقتنا هذا
والمهدية في حين تأليفنا هذا الكتاب مدينتان إحداهما مدينة المهدية والثانية مدينة
زويلة ومدينة المهدية يسكنها السلطان وجنوده وبها قصره الحسن البناء العجيب
الاتقان والارتقاء وكان بها قبل أن يفتحها الملك المعظم رجار في سنة ثلاث وأربعين
وخمس مائة طيقان الذهب وكانت مما يفتخر به ملوكها واستفتحت المهدية وسلطانها يومئذ
الحسن بن علي بن يحيى بن تميم بن المعز بن باديس بن المنصور بن بلقين ابن زيرى
الصنهاجي وبمدينة زويلة الأسواق الجميلة والمباني الحسنة والشوارع الواسعة والأزقة
الفسيحة وأهلها تجار مياسير نبلاء ذوو أذهان ثاقبة وأفهام ذكية وجل لباسهم البياض
ولهم همم في أنفسهم وملابسهم وفيهم الجمال ولهم معرفة زائدة في التجارات وطريقتهم
حميدة في المعاملات ولهذه المدينة أسوار عالية حصينة جداً تطيف بها من سائر جهاتها
ونواحيها البرية والبحرية وجميعها مبني بالحجر وفيها فنادق كثيرة وحمامات جمة
ولهذه المدينة من جهة البر خندق كبير تستقر به مياه السماء وبخارجها من جهة غربيها
حمى كان قبل دخول العرب أرض إفريقية وإفسادهم لها فيه جنات وبساتين بسائر الثمار
العجيبة والفواكه الطيبة ولم يبق الآن منها بهذا الحمى المذكور شيء وعلى مقربة من
هذه المدينة قرى كثيرة ومنازل وقصور يسكنها قوم بواد ثم زروع كثيرة ومواش وأغنام
وأبقار وإصابات كثيرة في القمح والشعير وبها زيتون كثير يعتصر منه زيت طيب عجيب
يعم سائر بلاد إفريقية ويتجهز به إلى سائر بلاد المشرق وبين هاتين المدينتين أعني
المهدية وزويلة فضاء كبير يسمى الرملة مقداره أشف من رمية سهم والمهدية قاعدة بلاد
إفريقية وقطب مملكتها.
وإذ قد انتهى بنا القول في ذكر بلاد إفريقية فلنرجع الآن إلى ذكر بلاد نفزاوة
فنقول إن مدينة سبيطلة كانت مدينة جرجيس ملك الروم الأفارقة وكانت من أحسن البلاد
منظراً وأكبرها قطراً وأكثرها مياهاً وأعدلها هواء وأطيبه ثرى وكانت بها بساتين
وجنات وافتتحها المسلمون في صدر الإسلام وقتلوا بها ملكها العظيم المسمى جرجيس
ومنها إلى مدينة قفصة مرحلة وبعض ومنها أيضاً إلى القيروان سبعون ميلاً.
ومدينة
القيروان أم أمصار وقاعدة أقطار وكانت أعظم مدن الغرب قطراً وأكثرها بشراً وأيسرها
أموالاً وأوسعها أحوالاً وأتقنها بناء وأنفسها همماً وأربحها تجارة وأكثرها جباية
وأنفقها سلعة وأنماها ربحاً وأجهزهم عصياناً وأطغاهم أغماراً والغالب على فضلائهم
التمسك بالخير والوفاء بالعهد والتخلي عن الشبهات واجتناب المحارم والتفنن في
محاسن العلوم والميل إلى القصد فسلط الله سبحانه عليها العرب وتوالت الجوائح عليها
حتى لم يبق منها إلا أطلال دارسة وآثار طامسة وهي الآن في وقتنا هذا على جزء منها
سور تراب وولاة أمورها العرب وهم يقبضون ما يتوفر من جباياتها وبها أقوام قليلون
تجاراتهم يسيرة ومنافعها نزرة وفيما يذكر أهل النظر أنها عما قريب ستعود إلى ما
كانت عليه من العمارة وغير ذلك ومياهها قليلة ومشرب أهلها من ماء الماجل الكبير
الذي بها وهذا الماجل من عجيب البناء لأنه مبني على تربيع وفي وسطه بناء قائم
كالصومعة وذرع كل وجه منه مائتا ذراع وهو كله مملوء ماء والقيروان كانت مدينتين
إحداهما القيروان والثانية صبرة وصبرة كانت دار الملك وكان فيها أيام عمارتها ثلاث
مائة حمام وأكثرها للديار وباقيها مبرز للناس كافة وصبرة الآن في وقتنا هذا خراب
ليس بها ساكن وعلى ثلاثة أميال منها قصور رقادة الشاهقة الذرى الحسنة البناء
الكثيرة البساتين والثمار وبها كانت الأغالب تربع في أيام دولتهما وزمان بهجتها
وهي الآن خراب لا ينتظر جبرها ولا يعود خيرها.
ومن مدينة القيروان إلي مدينة تونس مرحلتان وبعض بسير القوافل وهي مدينة حسنة يحيط
بها من جميع جهاتها فحوص ومزارع للحنطة والشعير وهي أكبر غلاتها وجل معاملات أهلها
مع ثقات العرب وأمرائها وهي الآن في حين تأليفنا لهذا الكتاب معمورة موفورة
الخيرات يلجأ إليها القريب والبعيد وعليها سور تراب وثيق ولها أبواب ثلاثة وجميع
جناتها ومزارع بقولها في داخل سورها وليس لها خارج السور شيء يعول عليه والعرب
تجاور أرضها وتأتي بأنواع الحبوب إليها والعسل والسمن ما يكفي أهلها غدقاً ويعمل
بها من الخبز وأنواعه ما لا يمكن عمله في غيرها من البلاد ومدينة تونس في ذاتها
قديمة أزلية حصينة اسمها في التواريخ ترشيش ولما افتتحها المسلمون وأحدثوا البناء
بها سموها تونس وشرب أهلها من آبار شتى لكن أعظمها قدراً وأحلاها ماءً بئران
احتفرتهما بعض سيدات الإسلام ابتغاء الثواب وهما في نهاية من سعة القدر وكثرة
الماء وهذه المدينة مصاقبة لقرطاجنة المشهورة بالطيب وكثرة الفواكه وحسن الجهة
وجودة الثمار واتساع الغلات ومن غلاتها القطن والقنب والكروياء والعصفر وقرطاجنة
في وقتنا هذا خراب لا ساكن بها.
ومدينة تونس في وسط جون خارج عن البحر وهي على بحيرة محتفرة وعرضها أكثر من طولها
وذلك أن طولها ستة أميال وعرضها ثمانية أميال ولها فم يتصل بالبحر وهو المسمى فم
الوادي وذلك أن هذه البحيرة لم تكن قبل وإنما حفر في البر حفر انتهي به إلى مدينة
تونس لأن بين تونس والبحر ستة أميال كما وصفناه قبل وسعة هذا النهر المحفور نحو من
أربعين ذراعاً وعمقه من أربع قيم إلى ثلاث وقعره طين وطول هذا الحفر المسمى نهراً
أربعة أميال ثم أجروا ماء البحر في ذلك النهر المحفور فعلا على الحفر حتى جاور
أعلاه بربع قامة وأقل وأكثر إلى أن بلغ الماء خده فوقف وعند آخر هذا الحفر يتسع
فيه الماء ويعمق واسمه وقور وإليه تصل المراكب الحمالة والنواشي والحرابي وترسى
هناك واتصل فيض الماء الطافي في هذا النهر المحفور إلى مدينة تونس فهي على نحر
البحيرة وأوساق المراكب تنفرغ بوقور في زوارق صغار تعوم في أقاصير المياه إلى
مدينة تونس ودخول المراكب من البحر إلى النهر حتى تصل إلى وقور واحداً بعد واحد
لأن سعة النهر لا يحتمل أكثر من ذلك ويتصل بعض من هذه البحيرة في جهة المغرب حتى
يكون بينها وبين قرطاجنة ميلان ومن فم هذه البحيرة إلى مدينة قرطاجنة ثلاثة أميال
ونصف.
وهي
الآن خراب وإنما يعمر منها قطيعة مرتفعة تسمى المعلقة يحيط بها سور تراب ويسكنها
رؤساء من العرب يعرفون ببني زياد ومدينة قرطاجنة كانت في وقت عمارتها من غرائب
البلاد المذكورة بما فيها من عجائب البناء وإظهار القدرة في ذلك وبها الآن بقايا
من بنيان الروم المشهور بها مثل الطياطر التي ليس لها نظير في مباني الأرض قدرة
واستطاعة وذلك أن هذه الطياطر هي بناء في استدارة وهي نحو من خمسين قوساً قائمة في
الهواء سعة كل قوس منها أزيد من ثلاثين شبراً وبين كل قوس وأختها سارية وعظمها
وسعة السارية والعضادتين أربعة أشبار ونصف ويقوم على كل قوس من هذه الأقواس خمسة
أقواس قوس على قوس صفة واحدة وبناء واحد من الحجر الكذان الذي لا يجانسه شيء في
الجودة وعلى أعلى كل قوس من هذه القسي بحر دائر وقد صور في البحر الدائر على القسي
السفلى أنواع من الصور وضروب من التماثيل العجيبة الثابتة في الصخر من صفات الناس
والصناع والحيوانات والمراكب وكل ذلك قد أتقن بأبدع صنعة وأحدث حبكة وسائر البناء
الأعلى أملس لا شيء به ويقال إن هذا البناء كان ملعباً ومجتمعاً في فصل ما ويوم ما
من السنة ومن عجائب البناء بقرطاجنة الدواميس التي يبلغ عددها أربعة وعشرين
داموساً في سطر واحد طول كل داموس مائة وثلاثون خطوة في عرض ست وعشرين خطوة ولكل
داموس منها أقباء في أعلاه وبين كل داموس منها وصاحبه أثقاب وزراقات تصل منها
المياه من بعض إلى بعض كل ذلك بهندسة وحكمة وكان الماء يجري إلى هذه الدواميس من
عين شوقار التي هي بقرب القيروان وطول مسافة جري هذا الماء من العين إلى الدواميس
ثلاث مراحل وكان جري الماء من هذه العين إلى هذه الدواميس على عدة قناطر لا يحصى
لها عدد وجري الماء بوزنة معتدلة وهذه القناطر قسي مبنية بالصخر فما كان منها في
نشز الأرض كان قصيراً وما كان منها في بطن الأرض وأخاديدها كان في نهاية العلو
وهذا من أغرب شيء أبصر على وجه الأرض والماء في وقتنا هذا مقطوع عن هذه الدواميس
لا يصل إليها منه شيء كل ذلك أوجبه خراب مدينة قرطاجنة ومع ذلك إنها من يوم خرابها
إلى الآن يحفر على ما تهدم من قصورها وأصول بنائها فيتخرج منه من أنواع الرخام ما
يكل عنه الواصف ولقد أخبر خبير بها أنه رأى ألواحاً استخرجت من الرخام طولها
أربعون شبراً في عرض سبعة أشبار فما دونها والحفر في خرابها دائماً لا ينقطع
وإخراج الرخام منها لا ينقضي ورخامها يحمل إلى جميع أقطار الأرض ولا سبيل إلى أن
يخرج أحد منها في مركب أو غيره إلا ويحمل معه من رخامها الشيء الكثير حتى اشتهر
ذلك وقد يوجد بها من أعمدة الرخام ما يكون محيط دور الواحدة منها أربعين شبرا فما
دونه.
ويحيط بمدينة قرطاجنة أوطية من الأرض وسهول ولها مزارع وضروب غلات ومنافع جمة
ويتصل بأرض قرطاجنة من جهة المغرب إقليم مدينة سطفورة وهو إقليم جليل به ثلاث
مدائن فأقربها إلى تونس اشلونة وتينجة وبنزرت وهي مدينة على البحر حصينة أصغر من
مدينة سوسة في ذاتها وبين تونس وبزرت يوم كبير في البر ومدينة بنزرت صغيرة عامرة
بأهلها وبها مرافق وأسواق قائمة بذاتها وبالجهة الشرقية منها بحيرتها المعروفة بها
والمنسوبة إليها وطولها ستة عشر ميلاً وعرضها ثمانية أميال وفمها متصل بالبحر
وكلما أخذت في البرية اتسعت وما قربت من البحر ضاقت وانخرطت.
وهذه البحيرة من أعاجيب الدنيا وذلك أن بها اثني عشر نوعاً من السمك يوجد منها في
كل شهر نوع واحد لا يمتزج بغيره من أصناف السمك فإذا تم الشهر لم يوجد شيء من ذلك
النوع في الشهر الآتي ثم يوجد في الشهر الآتي صنف من السمك آخر غير الصنف الأول لا
يمتزج بغيره هكذا لكل شهر نوع من السمك لا يمتزج بسمك غيره إلى كمال السنة هكذا في
كل عام وهذه الاثنا عشر نوع من الحوت التي ذكرناها هي البوري والقاجوج والمحل
والطلنط والاشبلينيات والشلبة والقاروض واللاج والجوجة والكحلاء والطنفلو والقلا.
ويتصل
بهذه البحيرة من جهة الجنوب مع انحراف إلى الغرب بحيرة ثانية تسمى بحيرة تينجة
وطولها أربعة أميال في عرض مثلها وبينهما فم تتصل منه مياه بعضها ببعض وفي أمر
هاتين البحيرتين عجيب وذلك أن ماء بحيرة تينجة عذب وماء بحيرة بزرت ملح وكل واحدة
من هاتين البحيرتين تصب في أختها ستة أشهر ثم ينعكس جريهما فتمسك الجارية عن الجري
وتصب البحيرة الثانية إلى هذه الأولى ستة أشهر أخرى فلا بحيرة تينجة يتملح ماؤها
ولا يعذب ماء بحيرة بنزرت وهذا أيضاً عجب آخر من عجائب هذا الصقع والسمك ببنزرت وبتونس
أيضاً كثير رخيص جداً.
ومن بنزرت إلى مدينة طبرقة سبعون ميلاً وطبرقة حصن على البحر قليل العمارة وحوله
عرب لا خلاق لهم ولا يحفظون في أحد من الناس إلا ولا ذمة وبها مرسى للمراكب ومراكب
الأندلس تصفي إليها وتأخذها في قطعها روسية.
وعلى بعض الطريق من طبرقة إلى تونس مدينة باجة وهي مدينة حسنة في وطاء من الأرض
كثيرة القمح والشعير ولها من غلات ذلك ما ليس بالمغرب مثله كثرة وجودة في المواضع
المضاهية لباجة وهي صحيحة الهواء كثيرة الرخاء واسعة الدخل على وإليها والعرب
مالكة لخراج قطرها ومتصل أرضها وبها عين في وسطها ينزل إليها بأدراج ومنها شرب
أهلها وليس لها في خارجها عود نابت إلا فحوص ومزارع وبين باجة وطبرقة مرحلة وبعض
ويقابل باجة في جهة الشمال وعلى نحر البحر الملح مدينة مرسى الخرز وبينهما مرحلة
كبيرة.
وهي مدينة صغيرة عليها سور حصين ولها قصبة وحولها عرب كثير وعمارة أهلها لها على
صيد المرجان والمرجان يوجد بها كثيراً وهو أجل جميع المرجان الموجود بسائر الأقطار
مثل ما يوجد منه بمدينة سبتة وصقلية وسنذكر سبتة التي على مجاز البحر المسمى
بالزقاق المتصل ببحر الظلمات ويقصد التجار من سائر البلاد إلى هذه المدينة فيخرجون
منه الكثير إلى جميع الجهات.
ومعدن هذا المرجان في هذه المدينة مخدوم في كل سنة ويعمل به في كل الأوقات الخمسون
قارباً والزائد والناقص وفي كل قارب العشرون رجلاً وما زاد ونقص والمرجان ينبت
كالشجر ثم يتحجر في نفس البحر بين جبلين عظيمين ويصاد بآلات ذوات ذوائب كثيرة تصنع
من القنب تدار هذه الآلة في أعلى المراكب فتلتف الخيوط على ما قاربها من نبات
المرجان فيجذبه الرجال إلى أنفسهم ويستخرجون منه الشيء الكثير مما يباع بالأموال
الطائلة وعمدة أهلها على ذلك وشرب أهلها من الآبار وهي قليلة الزرع وإنما يجلب
إليها قوتها من بوادي العرب المجاورة لها وكذلك الفواكه ربما جلبت إليها من بونة
وغيرها.
وبين مدينة مرسى الخرز ومدينة بونة مرحلة خفيفة وفي البحر أربعة وعشرون ميلاً
روسية.
ومدينة بونة وسطة ليست بالكبيرة ولا بالصغيرة ومقدارها في رقعتها كالاربس وهي على
نحر البحر وكانت لها أسواق حسنة وتجارة مقصودة وأرباح موجودة وكان فيها كثير من
الخشب موجود جيد الصفة ولها بساتين قليلة وشجر وبها من أنواع الفواكه ما يعم أهلها
وأكثر فواكهها من باديتها والقمح بها والشعير في أوقات الإصابات كما وصفنا كثير
جداً وبها معادن حديد جيد ويزرع بأرضها الكتان والعسل بها موجود ممكن وكذلك السمن
وأكثر سوائمهم البقر ولها أقاليم وأرض واسعة تغلبت العرب عليها وافتتحت بونة على
يدي أحد رجال الملك المعظم رجار في سنة ثمان وأربعين وخمس مائة وهي الآن في ضعف
وقلة عمارة وبها عامل من قبل الملك المعظم رجار من آل حماد وعلى مدينة بونة
وبجنبيها جبل يدوغ وهو عالي الذروة سامي القمة وبه معادن الحديد التي ذكرناها
آنفاً.
ومن مدينة باجة المتقدم ذكرها إلى مدينة الاربس مرحلتان ومن الاربس إلى مدينة
القيروان ثلاث مراحل وكذلك بين باجة والبحر مرحلتان خفيفتان.
ومدينة
الاربس مدينة في وطاء من الأرض عليها سور تراب جيد وفي وسطها أعين ماء جارية لا
تجف وشرب أهلها الآن من ماء تلك العيون واسم العين الواحدة منها عين رباح والأخرى
عين زياد وماء عين زياد أطيب من ماء عين رباح وماؤها صحيح ولها معدن حديد وليس
حولها من خارج شجرة نابتة البتة وهي على مزارع الحنطة والشعير ويدخر بها منهما
الشيء الكثير ومنها على اثني عشر ميلاً مدينة ابة وهي بغربي الاربس وبها من
الزعفران ما يضاهي الزعفران الأندلسي في الكثرة والجودة وأرضهما واحدة مختلطة وفي
وسط مدينة ابة عين ماء جارية منها شرب أهلها وهي غدقة ماؤها غزير وكان على ابة
فيما سلف من الزمان سور مبني من الطين وأسعارها رخيصة وأكثرها الآن خراب.
ومن مدينة الاربس إلى مدينة صغيرة تسمى تامديت مرحلتان وعليها سور تراب وشرب أهلها
من عيون بها وغلات أهلها من الحنطة والشعير المقدار الكثير.
وبين الاربس وتامديت مدينة صغيرة تسمى مرماجنة وهي لأهلها وللعرب عليها ضريبة
ويصيبون من القمح والشعير ما يعم بالكفاف وزيادة.
ومن تينجس إلى بونة الساحلية ثلاث مراحل ومن تينجس إلى مدينة المسيلة خمس مراحل
وكذلك من مدينة الاربس إلى القيروان ثلاث مراحل ومن مدينة الاربس إلى تونس مرحلتان
ومن تينجس إلى قسنطينة يومان وبين الاربس ومدينة بجاية اثنتا عشرة مرحلة ومن
مرماجنة إلى مدينة مجانة مرحلتان خفيفتان بل هي مرحلة كبيرة.
وهي مدينة صغيرة عليها سور تراب وكان بها قديماً يزدرع بصل الزعفران كثيراً ولهم
واد غزير الماء يأتي من جبل بمقربة منها يزرعون عليه غلاتهم وهو جبل شاهق ومنه
تقطع أحجار المطاحن التي إليها الانتهاء في الجودة وحسن الطحين حتى أن الحجر منها
ربما مر عليه عمر الإنسان فلا يحتاج إلى نقش ولا إلى صنعة هذا لصلابته ودقة أجزائه
وأرض مجانة تغلبت العرب عليها وبها تخزن طعامها وبينها وبين القسنطينة ثلاث مراحل
ومنها إلى بجاية الناصرية ست مراحل.
وبين تونس والحمامات مرحلة كبيرة وهذه المرحلة هي عرض الجزيرة المسماة بجزيرة باشو
وهي أرض مباركة وطيبة ذات شجر زيتون وعمارات متصلات وبركات وخيرات وغلات ومياه
ليست بكثيرة الجري على وجه الأرض لكنها ممكنة مياه الآبار وفيها بالجملة خصب زائد
وهذه الجزيرة إقليم لها مدينة باشو ولم يبق الآن منها إلا مكانها وفيه قصر معمور
ومنها قصر على البحر يسمى نابل وكان بالقرب من هذا القصر في أيام الروم مدينة
عامرة فخربت وبقي الآن مكانها وهو قصر صغير معمور وكذلك قصر توسيهان بالقرب منها
أثر مدينة كانت عامرة في أيام الروم فخربت وبقي مكانها.
وبين تونس ومدينة القيروان جبل زغوان وهو جبل عال جداً تقصد إليه المراكب من ظهر
البحر لعلوه وارتقائه في الجو وهو أكثر الجبال ماء وفيه خصب ومزارع وعمارة ويعمر
منه في أماكن قوم عباد مسلمون متفردون وكذلك جبل واسلات وطوله يومان ومنه إلى تونس
يومان وبينه وبين القيروان خمسة عشر ميلاً وفيه عمارات كثيرة ومياه جارية وفيه من
الحصون حصن الجوزات وحصن تيفاف وحصن القيطنة ودار إسماعيل ودار الدواب وكل هذه
البلاد يعمرها قبائل من البربر وهم أهل هذه الناحية وهم في خصب ولهم مواش أبقار
وأغنام وبغال ورماك والعرب متغلبون على سهول هذه الأرض كلها.
ولنذكر الآن الطرقات المسلوكة بين هذه البلاد فمن ذلك الطريق من القيروان إلى
تاهرت.
فمن القيروان إلى الجهنيين وهي قرية مرحلة.
إلى مدينة سبيبة مرحلة وهي مدينة أزلية كثيرة المياه والجنات وعليها سور من حجارة
حصين ولها ربض فيه الأسواق والخانات وشربهم من عين جارية كبيرة عليها جناتهم
وبساتينهم وغلاتهم من الكمون والكروياء والبقول.
ومنها إلى مرماجنة وهي قرية لهوارة مرحلة.
ومنها إلى مدينة مجانة التي قدمنا ذكرها مرحلة.
ثم إلى مسكيانة مرحلة وهي قرية عامرة قديمة وبها زروع ومكاسب وعيون ولها سوق ممتدة
كالسماط وهي أكبر من مرماجنة.
ومنها إلى باغاي وهي مدينة عامرة وقد قدمنا ذكرها فيما سلف من هذا الجزء والطريق
يتمادى من مدينة باغاي إلى المسيلة كما قدمناه فيما سلف.
وطريق
ثان ياخذ من القيروان إلى المسيلة على غير الطريق الذي قدمنا ذكره وهو يخرج من
القيروان إلى جلولة مرحلة خفيفة وهي مدينة صغيرة عليها سور وبها عين ماء جارية
عليها بساتين كثيرة ونخل كثير.
ومنها إلى احرى مرحلة وهي قرية حسنة ماؤها من الآبار وفيها زروع وحنطة وشعير كثير.
ومنها إلى قرية طامجنة مرحلة ولها فحص كبير وحنطتها وشعيرها ممكن كثير رخيص جداً.
ومنها إلى مدينة الاربس مرحلة.
ومن الاربس إلى تيفاش مرحلة وهي أيضاً مدينة أزلية قديمة عليها سور قديم بالحجر
والجيار وبها عين ماء جارية ولها بساتين ورياضات وأكثر غلاتها الشعير.
ومن تيفاش إلى قصر الإفريقي مرحلة ولا سور لها وبها مزارع وإصابات جمة في الحنطة
والشعير.
ومنها إلى قرية ازكو مرحلة ولها جنات وعيون ومياه وبساتين وغلات قمح وشعير وخير
واسع.
ومنها إلى قرية البردوان مرحلة وكانت قرية كبيرة وهي من أقاليم القمح والشعير.
ومنها إلى قرية النهرين مرحلة وهي في وطاء من الأرض وفيها آبار ماء عذبة وكان لها
سوق والغالب عليها البربر من كتامة ومزاتة.
ومنها إلى قرية تامسيت كتامة مرحلة وبها أشجار وعمارات.
ومنها إلى دكمة مرحلة وهي قرية لها سوق وأهلها من كتامة.
ومنها إلى اوسحنت مرحلة وهي قرية للبربر وبها مياه جارية ومزارع حنطة وشعير.
ومنها إلى المسيلة أقل من مرحلة.
ومن مدينة المسيلة إلى وارقلان اثنتا عشرة مرحلة كبار وهي مدينة فيها قبائل مياسير
وتجار أغنياء يتجولون في بلاد السودان إلى بلاد غانة وبلاد ونقارة فيخرجون منها
التبر ويضربونه في بلادهم باسم بلدهم وهم وهبية إباضية نكار خوارج في دين الإسلام.
ومن وارقلان إلى غانة ثلاثون مرحلة ومن وارقلان إلى كوغة نحو من شهر ونصف ومن
وارقلان إلى قفصة ثلاث عشرة مرحلة.
فلنرجع الآن إلى ذكر مدينة قابس التي في نحر البحر الملح وهي مدينة الأفارقة التي
تقدم ذكرها وذلك أن من مدينة قابس إلى الفوارة ثلاثون ميلاً وكانت فيما سلف قرية
وهي الآن خراب ومنها إلى آبار خبت ثلاثون ميلاً ومن آبار خبت إلى قصر الدرق ثمانية
وعشرون ميلاً ومن قصر الدرق إلى بئر الجمالين ثلاثون ميلاً ومنها إلى صبرة أربعة
وعشرون ميلاً ومن قصر صبرة إلى اطرابلس مرحلة وكل هذه المنازل التي ذكرناها في هذا
الطريق خلاء بلقع قد أتت العرب على عمارتها وطمست آثارها وأخربت عشارها وأفنت
خيراتها فليس بها الآن أنيس قاطن ولا حليف ساكن وهي مستباحة لقبيلة من العرب تسمى
مرداس ورياح.
وطريق آخر من قابس إلى وادي احناس ثم إلى بئر زناتة ثم إلى تامدفيت إلى آبار
العباس إلى تافنات إلى بئر الصفاء إلى اطرابلس.
ومدينة اطرابلس مدينة حصينة عليه سور حجارة وهي في نحر البحر بيضاء حسنة الشوارع
متقنة الأسواق وبها صناع وأمتعة يتجهز بها إلى كثير من الجهات وكانت قبل هذا مفضلة
العمارات من جميع جهاتها كثيرة شجر الزيتون والتين وبها فواكه جمة ونخل إلا أن
العرب أضرت بها وبما حولها من ذلك وأجلت أهلها وأقفرت بواديها وغيرت أحوالها
وأبادت أشجارها وأغورت مياهها واستفتحها الملك رجار في سنة أربعين وخمس مائة فسبى
حرمها وأفنى رجالها وهي الآن له في طاعته ومعدودة في جملة بلاده وأرض مدينة
اطرابلس عديمة المثال في إصابة الزرع ولا يدرى أن على معمور الأرض مثلها في ذلك
وهذا مشهور معلوم.
ومن مدينة اطرابلس في جهة المشرق إلى مدينة صرت مائتا ميل وثلاثون ميلاً وهي إحدى
عشرة مرحلة وذلك أن السائر يخرج من مدينة اطرابلس إلى المجتنى عشرون ميلاً ومن
المجتنى إلى ورداسا اثنان وعشرون ميلاً ومن ورداسا إلى رغوغا خمسة وعشرون ميلاً
ومن رغوكا إلى تاورغا اثنان وعشرون ميلاً ثم إلى المنصف خمسة وعشرون ميلاً ثم إلى
قصور حسان بن النعمان الغساني أربعون ميلاً ثم إلى الاصنام ثلاثون ميلاً ثم إلى
صرت ستة وأربعون ميلاً وهذا الطريق يبعد عن الساحل تارة ويقرب أخرى وكل ذلك في ملك
قبيلتين من العرب وهما عوف ودباب.
ومدينة
صرت بينها وبين البحر ميلان وعليها سور تراب وما استدار بها رمل وبها بقايا نخيل
ولا زيتون بها وبها كثير من شجر التوت وبقايا شجر التين أيضاً كثير غير أن العرب
تأتي على أكثر ذلك بإفسادها وليس بها من العشب ما باوجلة ولا من التمر ما بودان
وكان نخيلهم فيما سلف فوق الكفاف لهم وكانت لهم أعناب وفواكه إلا أنها قد تلفت في
وقتنا هذا ولم يبق منها شيء إلا ما كان في بطون الأودية ورؤوس الجبال ومياهها من
المطر في المواجل وآبارها قليلة وعليها قبائل من البربر.
وعلى مدينة اطرابلس جبل مقدة وبينهما ثلاث مراحل ومن مدينة اطرابلس إلى جبل نفوسة
ست مراحل وكذلك من جبل نفوسة إلى سفاقس تسع مراحل ومن جبل نفوسة أيضاً إلى قسطيلية
ست مراحل وأهل جبل نفوسة كلهم إسلام لكنهم خوارج نكار على مذهب ابن منبه اليماني
وقد ذكرنا هذا المذهب في ذكرنا أهل جزيرة جربة.
ومن جبل نفوسة إلى جبل دمر ثلاث مراحل في رمل متصل وفي أطراف هذا الجبل قوم من
البربر يسمون رهانة وهم قوم ينتجون الإبل ويركبون أمضاها واسرعها خطاء ويسيرون
فرقاً إلى ما تباعد منهم من قبائل العرب فيضربون عليهم ويغيرون على إبلهم ويعودون
بغنائمهم إلى جبلهم ومواضع مساكنهم التي يأوون إليها وليس لهم شغل إلا هذا وليس
أحد من العرب المجاورين لهم إلا ويتشكى أذيتهم وقليلاً ما يظفر بأحد منهم لسرعة
جري نجبهم ودلالتهم بتلك الأرض وتحصنهم في أمكنتهم كما قلناه وتتصل هذه البلاد في
جهة الجنوب ببلاد ودان.
ونحن الآن ذاكرون ما تضمنه هذا الجزء الذي نحن في وصفه من مراسي البحر وقراطله وما
عليه من القصور المعمورة والبلاد المقصودة حسبما وصل إليه الطلب والبحث وبلغه
الجهد والطاقة وبالله الإرشاد.
فأقول إن من مدينة بونة الغربية إلى الطرف ستة أميال إلى جون الازقاق وهو جون صغير
وفي آخره مرسى الخرز وهذا القرطيل داخل في البحر أربعون ميلاً.
ومن مرسى الخرز إلى طبرقة أربعة وعشرون ميلاً ومنها إلى طرف الجون خمسة عشر ميلاً
روسية وعلى التقوير أربعة وعشرون ميلاً وهناك رملة تسمى المنشار ستة عشر ميلاً ومن
طرف المنشار إلى قلعة ابي خليفة عشرة أميال ومنها قطع جون روسية عشرون ميلاً
وتقويراً ثمانية وعشرون ميلاً وإلى رأس الطرف اثنا عشر ميلاً.
ومنها إلى بنزرت ثمانية أميال وقد سبق ذكرها.
ومنها إلى مرسى بني وجاص اثنا عشر ميلاً.
ومن طرف بني وجاص إلى رأس الجبل ثلاتلة عشر ميلاً جوناً وعلى هذا الجون قصور فمن
أول رأس بني وجاص إلى قصر مرسى الوادي ثلاثة أميال وهو مسقط نهر صغير ومنه إلى قصر
ترشة داود ثلاثة أميال ومنه إلى قصر صونين خمسة أميال ومنه إلى طرف الجبل ميلان
وهذا الطرف يعرف بالكنيسة وهو أول الجون الذي في وسطه مدينة تونس وبحيرتها.
بحذاء طرف الجبل مع التقوير إلى موقع نهر بجردة ستة أميال ومن موقع الوادي إلى قصر
جلة على مقربة منه نحو من أربعة أميال ومنه إلى قصر جردان ميلان ومنه إلى مدينة
قرطاجنة ميلان ومدينة قرطاجنة خراب كما قدمنا ذكرها.
ومن قرطاجنة إلى حلق وادي تونس ثلاثة أميال وهذا الوادي هو في نصف الجون ومن فم
الوادي إلى قصر جهم اثنا عشر ميلاً ومن قصر جهم إلى قصر قربص ستة عشر ميلاً ومن
قصر قربص إلى طرف افران أربعة عشر ميلاً وهو قرطيل داخل في البحر فجميع تقوير هذا
الجون أربعة وعشرون ميلاً وقطعه روسية من رأس الجبل إلى طرف افران ثمانية وعشرون
ميلاً وكذلك من وسط الجون حيث فم وادي تونس إلى طرف افران إذا قطع روسية ثمانية
وعشرون ميلاً وتقويراً ستة وخمسون ميلاً.
ومن طرف افران إلى مرسى قصر النخلة ستة أميال.
ومنه إلى قصر مينزت اثنا عشر ميلاً.
ومنه إلى قصر نوبة ثلاثون ميلاً فذلك من فم وادي تونس إلى نوبة سبعون ميلاً ويوازي
نوبة في البحر الجامور الكبير والجامور الصغير وبينهما سبعة أميال ومن الجامور
الكبير إلى نوبة اثنا عشر ميلاً.
ومن نوبة روسية إلى رأس الرخيمة ميل واحد بجون وهذا الجون على التقوير ستة أميال
وهو قصير كله.
ومن رأس الرخيمة إلى طرف البقلة وهو طرف الجبل المسمى ادارو وهو من ناحية اقليبية
في المشرق.
ومن رأس الرخيمة إلى الجامور الصغير ستة أميال وهذه الجوامير جبلان قائمان في
البحر ويرسى بهما عند انقلاب الرياح.
فجميع
ما بين نوبة واقليبية ثلاثون ميلاً ومن طرف اقليبية إلى المنستير مجرى فمن سار من
اقليبية إلى قصر ابي مرزوق سبعة أميال ومنه إلى قصر لبنة ثمانية أميال ومن لبنة
إلى قصر سعد أربعة أميال ومن قصر سعد إلى قصر قربة ثمانية أميال إلى طرف توسيهان
عشرة أميال.
وطرف توسيهان يدخل في البحر ميلاً ونصفاً وهو كالضرس الخارج ومن هذا الضرس إلى قصر
توسيهان في الجون أربعة أميال.
ومن توسيهان إلى قصر نابا ثمانية أميال ونابا كانت مدينة للروم كبيرة جداً عامرة
فلما استفتحت الجزيرة في صدر الإسلام استبيحت مصالحها ومحاسنها حتى لم يبق لها رسم
ولا أثر إلا مكان قصر فقط وبقيت بقايا خرابها دالة عليها.
ومن قصر نابل إلى قصر الخياط ثمانية أميال وبينه وبين البحر نحو من ميلين ومن قصر
الخياط إلى قصر النخيل ستة أميال ثم إلى طرف الحمامات سبعة أميال.
ومن هذا الطرف راجعاً في البر إلى مدينة تونس مرحلة كبيرة وهذه المرحلة هي عرض
الجزيرة المسماة بجزيرة باشو المتقدم ذكرها.
وهذا الطرف المسمى بطرف الحمامات هو قصر مشيد على طرف يدخل في البحر نحواً من ميل.
ومن الحمامات إلى المنار وهو قصر خمسة أميال وهذا القصر على بعد من البحر ومنه إلى
قصر المرصد ثم إلى قصر المرابطين ستة أميال وهذا القصر في قاع جون المدفون ومنه
إلى طرف قرطيل المدفون ستة أميال ومن طرف القرطيل المذكور إلى حصن اهرقلية ثمانية
أميال.
ومن اهرقلية إلى مدينة سوسة ثمانية عشر ميلاً وهي مدينة عامرة بالناس كثيرة
المتاجر والمسافرون إليها قاصدون وعنها صادرون بالمتاع الذي يعدم قرينه من أنواع
الثياب والعمائم المنسوبة إليها وهو من جيد المتاع ونفيسه وبها أسواق عامرة
ومياههم من المواجل وعليها سور من حجر حصين.
ومن سوسة إلى قصر شقانس ثمانية أميال ومن شقانس إلى قصر ابن الجعد أربعة أميال
ومنه إلى قصور المنستير ميلان فذلك من حصن اقليبية إلى المنستير قطع روسية مائة
ميل وهو مجرى وعلى التقوير مائة وعشرون ميل.
ويقابل المنستير في البحر جزيرة قورية ومنها إلى المنستير تسعة أميال ومن هذه
الجزيرة إلى لمطة عشرة أميال ومنها إلى الديماس اثنا عشر ميلاً ومنها إلى المهدية
عشرون ميلاً.
وكذلك أيضاً من المنستير إلى المهدية ثلاثون ميلاً ومن المنستير إلى قصر لمطة سبعة
أميال ومن قصر لمطة إلى الديماس ثمانية أميال ومن الديماس إلى المهدية ثمانية
أميال.
والمهدية يحيط بها البحر كما قدمنا ذكره ومنها يبدأ البحر يتجون في جهة الجنوب.
ومن المهدية إلى قصر سلقطة ستة أميال ومنه إلى قصر العالية ستة أميال إلى قبوذية
ثلاثة عشر ميلاً.
وقبوذية قصر حسن ويصاد به من الحوت كل طريفة وهو بها كثير رخيص.
ومن قبوذية إلى قصر مليان ثمانية أميال ومن قصر مليان إلى قصر الريحانة أربعة
أميال إلى قصر قناطة أربعة أميال ويعمل بقصر قناطة فخار كثير ساذج يتجهز به إلى
المهدية وغيرها وطينه أحمر.
ثم إلى قصر اللوزة أربعة أميال إلى قصر زياد ستة أميال ومن قصر زياد إلى قصر
مجدونس ثمانية أميال ومن قصر مجدونس إلى قصر قاساس ثمانية أميال ومن قصر قاساس إلى
قصر قزل ميلان فذلك من قصر زياد إلى طرف قزل ثمانية عشر ميلاً.
ومن طرف قزل إلى قصر حبلة ميلان في جون ومنه إلى مدينة سفاقس في الجون خمسة أميال
الجميع من ذلك من قبوذية إلى سفاقس ثمانية وأربعون ميلاً تقويراً وروسية ثلاثون
ميلاً.
وقبالة قصر زياد في البحر مع المشرق جزيرة قرقنة ومكانها وموضعها بين قصر زياد
وسفاقس وذلك لأن من قرقنة إلى قبوذية عشرون ميلاً ومن قرقنة إلى سفاقس نحو من خمسة
عشر ميلاً وهي جزيرة حسنة عامرة بأهلها وليس بها مدينة وإنما سكناهم في أخصاص وهي
خصيبة كثيرة الكروم والأعناب وغلات الكمون والانيسون وهي الحبة الحلوة واستفتحها
الملك المعظم رجار في سنة ثمان وأربعين وخمس مائة وفي الطرف الغربي منها كهوف
وغيران يتحصنون فيها ممن يريدهم وتسمى القربدي والقربدي هناك يتصل به حجر قصير
عشرون ميلاً ومن القربدي إلى بيت القصير خمسة وثلاثون ميلاً وطول هذه الجزيرة ستة
عشر ميلاً وعرضها ستة أميال.
ثم
نرجع الآن إلى ذكر سفاقس فنقول إن منها إلى طرف الرملة أربعة أميال ومن طرف الرملة
راجعاً في جهة الجنوب وهو أول الجون إلى قصر المجوس أربعة أميال ومنه إلى قصر بنقة
عشرة أميال ومن قصر بنقة إلى قصر تنيذة ثمانية أميال ومنه إلى قصور الروم أربعة
أميال ومنه إلى مدينة قابس خمسة وسبعون ميلاً وقد وصفنا قابس فيما تقدم ذكره بما
هي عليه من الصفة.
فمن قابس مع الساحل إلى قصر ابن عيشون ثمانية أميال إلى قصر زجونة ثمانية أميال
ومن قصر زجونة إلى قصر بني مأمون عشرون ميلاً ومن قصر بني مأمون إلى امرود أحد عشر
ميلاً ومنه إلى قصر الجرف ثمانية عشر ميلاً فذلك من قرطيل رأس الرملة إلى هذا
الطرف المسمى بالجرف على التخلية خمسون ميلاً وعلى التقوير مائة وخمسون ميل.
ومن طرف الجرف إلى جزيرة جربة في البحر أربعة أميال وهي جزيرة عامرة بقبائل من
البربر والسمرة تغلب على ألوان أهلها والشر والنفاق موجود في جبلتهم وكلامهم
بالبربرية خاصهم وعامهم وهم أهل فتنة وخروج عن الطاعة وافتتحها الملك المعظم رجار
باسطول بعثه إليها وذلك في آخر سنة تسع وعشرين وخمس مائة ثم استقر من بقي فيها إلى
سنة ثمان وأربعين وخمس مائة ثم نافقوا وخرجوا عن طاعة الملك المعظم رجار فغزاهم في
هذه السنة بالأسطول فاستفتحها ثانية ورفع جميع سبيها إلى المدينة وطول جزيرة جربة
ستون ميلاً من المغرب إلى المشرق وعرض الرأس الشرقي خمسة عشر ميلاً ومن هذا الطرف
إلى البر الكبير عشرون ميلاً ويسمى هذا الطرف الضيق رأس كرين ويسمى الطرف الواسع
انتيجان.
ويتصل بهذه الجزيرة إلى جهة المشرق جزيرة زيزوا وهي صغيرة جداً وفيها نخل وكروم
وبين جزيرة زيزوا والبر نحو من ميل ويقابلها قصر بني خطاب وهذه الجزيرة عامرة
بأهلها وهم قوم نكار خوارج في الإسلام مذهبهم الوهبية وكذلك جميع الحصون والقصور
التي تلي هاتين الجزيرتين يتمذهبون بمثل ذلك وذلك أنهم لا يماسح ثوب أحدهم ثوب رجل
غريب ولا يمسه بيده ولا يؤاكله ولا يأكل له في آنية إلا أن تكون آنية محفوظة لا
يقربها أحد سواه ورجالهم ونساؤهم يتطهرون في كل يوم عند الصباح ويتوضؤون ثم
يتيممون لكل صلاة وإن استقى عابر سبيل شيئاً من مياه آبارهم وعاينوه طردوه
واستخرجوا ذلك الماء عن البئر وثياب الجنب لا يقربها الطاهر وثياب الطاهر لا
يقربها الجنب وهم مع ذلك كله ضيافون يطعمون الطعام ويندبون إلى طعامهم ويسالمون
الناس في أموالهم وفيهم عدالة بينة لمن نزل بهم.
ومن طرف الجزيرة أعني جربة المسمى انتيجان إلى قصير البيث تسعون ميلاً وكذلك من
طرف انتيجان إلى القنطرة التي في قرقنة اثنان وستون ميلاً.
ورجع بنا القول إلى طرف الجرف المتقدم ذكره فمنه إلى رأس الاودية على الساحل أربعة
وعشرون ميلاً ومنها إلى قصور الزارات عشرون ميلاً وهذه القصور الثلاثة تلي طرف
جزيرة جربة وبينهما في البحر عشرون ميلاً ومن قصور الزارات إلى قصر بني ذكومين
خمسة وعشرون ميلاً ومن بني ذكومين إلى قصر الهرى ستة أميال ومنه إلى قصر جرجيس ستة
أميال.
ومن قصر جرجيس إلى قصر بني خطاب خمسة وعشرون ميلاً وقصر بني خطاب هو على آخر سباخ
الكلاب من جهة المغرب ويقابل قصر بني خطاب في البحر اسقالة جزيرة زيزوا وطولها
أربعون ميلاً وعرضها نحو نصف ميل وبعضها معمور بالنخل والكروم وباقيها تحت الماء
كما قدمنا ذكره والماء يشف على وجهها نحو قامة وأزيد من ذلك وأقل.
ومن قصر بني خطاب إلى قصر شماخ خمسة وعشرون ميلاً وبينهما جون صغير ويسمى جون صلب
الحمار.
ومن قصر شماخ إلى قصر صالح عشرة أميال وقصر صالح على قرطيل يأخذ من المشرق إلى
المغرب طوله خمسة أميال ويسمى رأس المخبز.
ومنه إلى قصر كوطين عشرون ميلاً ومن قصر كوطين إلى قصر بني ولول عشرون ميلاً ومن
قصر بني ولول إلى مرسى مركيا عشرون ميلاً ومن قصر مركيا إلى قصر عفسلات عشرون
ميلاً ومن قصر عفسلات إلى قصر سربة أربعة أميال ومنه إلى قصر سنان ميلان ومنه إلى
قصر البنداري ثلاثة أميال ثم إلى قصر غرغرة عشرة أميال ومن قصر غرغرة إلى قصر صياد
ستة أميال ثم إلى مدينة اطرابلس عشرون ميلاً وقد وصفنا مدينة اطرابلس فيما مر على
استقصاء وصفها وحالها في ذاتها.
ومن
مدينة اطرابلس إلى قصر على رأس قاليوشا أربعة عشر ميلاً ومنه إلى قصر الكتاب
ثمانية أميال ومنه إلى قصر بني غسان اثنا عشر ميلاً إلى مصب وادي لادس ثمانية عشر
ميلاً ومنه إلى طرف رأس الشعراء أربعة عشر ميلاً فذلك من رأس قاليوشا إلى رأس
الشعراء روسية أربعون ميلاً وعلى التقوير اثنان وخمسون ميلاً.
ومن رأس الشعراء إلى قصر شريكس أربعة عشر ميلاً إلى قرطيل المسن وهو طرف داخل في
البحر أربعة أميال ومنه إلى لبدة أربعة أميال.
وكانت مدينة لبدة كثيرة العمارات مشتملة الخيرات وهي على بعد من البحر فتسلطت
العرب عليها وعلى أرضها فغيرت ما كان بها من النعم وأجلت أهلها إلى غيرها فلم يبق
الآن منها بها إلا قصران كبيران وعمارهما وسكانهما قوم من هوارة البربر ولها على
نحر البحر الآن قصر كبير عامر آهل به صناعات وسوق عامرة وللبدة نخل كثير وزيتون
يستخرجون زيته في وقته.
ومن لبدة إلى قصر بني حسن سبعة عشر ميلاً ومنه إلى مرسى باكروا ميل واحد وهو مرسى
حسن يكن من كل الرياح.
ومنه إلى قصر هاشم إلى قصر سامية اثنا عشر ميلاً ومن قصر سامية إلى سويقة ابن
مثكود اثنا عشر ميلاً ومن السويقة إلى طرف قانان المشهور عشرون ميلاً فذلك من
اطرابلس إلى طرف قانان على التخلية مائة ميل وثمانون ميلاً وعلى التقوير مائتان
وعشرة أميال.
وهنا انقضى ذكر ما تحصل في هذا الجزء من ساحل البحر الشامي حسبما أوجبته القسمة له
وسنأتي بذكر ما بقي منه فيما يأتي بحول الله تعالى والسويقة التي ذكرناها تنسب إلى
ابن مثكود ويسكن حولها وبها قبائل من هوارة برابر تحت طاعة العرب وبها سوق مشهودة
وهي قصور كثيرة وأهلها يحرثون الشعير على السقي والعرب يخزنون بها طعامهم.
نجز الجزء الثاني من الإقليم الثالث والحمد لله ويتلوه الجزء الثالث منه إن شاء
الله تعالى.
الجزء الثالث
إن الذي تضمنه هذا الجزء الثالث من الإقليم الثالث من الأرضين أكثرها خلاء وعامرها
قليل وأهلها عرب مفسدة في الأرض مغيرة على من جاورها.
وفيها من البلاد زويلة ابن الخطاب ومستيح وزالة وأوجلة وبرقة.
وعلى ساحل البحر المحيط قصور جمل يحيط بها التفصيل وفيها من البلاد المشهورة صرت
وأجدابية أما وإن كانتا في زماننا هذا في نهاية ضعف وقلة عامر فقد بقي لهما ومنهما
توهم رسم مع حلية اسم والمراكب ترد عليهما بالأمتعة النافقة فيهما ومنافعهما على
قدرهما وها نحن ذاكرون هذه المدن والأرضين والقصور والبحور واصفون بحالاتها والحول
والقوة لله سبحانه. فأما مدينة برقة فمدينة متوسطة المقدار ليست بكبيرة القطر ولا
بصغيرة غير أنها في هذا الوقت عامرها قليل وأسواقها كاسدة وكانت فيما سلف على غير
هذه الصفة وهي أول منبر ينزله القادم من بلاد مصر إلى القيروان ولها كور عامرة
بالعرب وهي في بقعة فسيحة يكون مسيرها يوماً وكسراً في مثله ويحيط بهذه البقعة جبل
وأرضها حمراء خلوقية التراب وثياب أهلها أبداً حمر وبذلك يعرف أهلها في سائر
البلاد المحيط بها والصادر عنها والوارد إليها كثير في الأحايين لأنها بعيدة عن
البلاد المجاورة المقاومة لها في جميع حالاتها وهي برية بحرية وكان لها من الغلات
في سالف الزمان القطن المنسوب إليها الذي لا يجانسه صنف من أصناف القطن وكان بها
وإلى الآن ديار لدباغ الجلود البقرية والنمور الواصلة إليها من أوجلة وهي الآن
يتجهز منها المركب والمسافرون الواصلون إليها من الإسكندرية وأرض مصر بالصوف
والعسل والزيت وتخرج منها التربة المنسوبة إليها فينتفع بها الناس ويتعالجون بها
مع الزيت للجرب والحكة وداء الحية وهي تربة غبراء وإذا ألقيت في النار فاحت لها
رائحة كرائحة الكبريت وهي فظيعة الدخان كريهة الرائحة والطعم.
ومن برقة إلى مدينة أوجلة في البرية عشر مراحل بسير القوافل وكذلك من برقة إلى
أجدابية ست مراحل وهي من الأميال مائة واثنان وخمسون ميلاً ومن برقة إلى
الإسكندرية إحدى وعشرون مرحلة وهي من الأميال خمس مائة ميل وخمسون ميلاً والأرض
التي بينهما يقال لها أرض برنيق.
وأجدابية
مدينة في ضحضاح من حجر مستو كان لها سور فيما سلف وأما الآن فلم يبق منها إلا
قصران في الصحراء والبحر منها على أربعة أميال وليس بها ولا حولها شيء من النبات
وأهلها الغالب عليهم يهود ومسلمون تجار ويطوف بها من أحياء البربر خلق كثير.
وليس بأجدابية ولا ببرقة ماء جار وإنما مياههم من المواجل والسواني التي يزرعون
عليها قليل الحنطة والأكثر الشعير وضروب من القطاني والحبوب ومن أجدابية إلى أوجلة
خمس مراحل.
ومدينة أوجلة مدينة صغيرة متحضرة فيها قوم ساكنون كثيرو التجارة وذلك على قدر
احتياجهم واحتياج العرب وهي في ناحية البرية يطيف بها نخل وغلات لأهلها ومنها يدخل
إلى كثير من أرض السودان نحو بلاد كوار وبلاد كوكو وهي في رصيف طريق والوارد عليها
والصادر كثير وأرض أوجلة وبرقة أرض واحدة ومياهها قليلة وشرب أهلها من المواجل.
ومن أوجلة إلى مدينة زالة عشر مراحل غرباً وهي مدينة صغيرة ذات سوق عامرة وبها
أخلاط من البربر من هوارة وتجارات وفي أهلها حماية ومروة.
ومن زالة يدخل إلى بلاد السودان أيضاً وكذلك من مدينة زالة إلى مدينة زويلة عشرة
أيام وبين زالة وزويلة مدينة صغيرة تسمى مستيح ومن زالة إلى أرض ودان ثلاثة أيام.
وودان جزائر نخل متصلة وعمارات كثيرة ومن زالة إلى مدينة صرت تسعة أيام ومن مدينة
صرت إلى أرض ودان خمس مراحل وودان هذه ناحية في جنوب مدينة صرت وهما قصران بينهما
مقدار رمية سهم والقصر الذي يلي الساحل خال والذي مع البرية مسكون ولها آبار كثيرة
ويزرعون بها الذرة وبغربيها غابات وحولها شجر التوت كثير وشجر تين ذاهب ونخل كثير
وتمور لينة حلوة أما وإن كانت تمور أوجلة أكثر فتمور ودان أطيب ومنها يدخل إلى
بلاد السودان وغيرها.
وأما مدينة زويلة ابن خطاب فمنها إلى صرت خمس مراحل كبار ومنها إلى السويقة
المسماة بسويقة ابن مثكود ست عشرة مرحلة ومدينة زويلة ابن خطاب في صحراء وهي مدينة
صغيرة وبها أسواق ومنها يدخل إلى جمل من بلاد السودان وشرب أهلها من آبار عذبة
ولها نخل كثير وتمرها حسن والمسافرون يأتونها بأمتعة من جهازها وجمل من أمور يحتاج
إليها والعرب تجول في أرضها وتضر بأهلها قدر الطاقة.
وكل هذه الأرضين التي ذكرناها ملك بأيدي العرب فمن قصر العطش إلى قافز هي لناصرة
وعميرة وهما قبيلتان من العرب.
ومن قافز إلى طلميثة إلى لك هي لقبيلة من البربر متعربين يقال لهم مزاتة وزناتة
وفزارة وهم يركبون الخيول ويعتقلون الرماح الطوال ويحمون تلك الأرض عن العرب إن
تدوس ديارهم ولهم عزة ونخوة وجلادة.
فأما البحر الذي تضمنه هذا الجزء فهو لمن قطعه روسية سبع مجار وأمياله سبع مائة
ميل وهذا الجون على تقويره ثلاث عشرة مجرى وأمياله ألف ميل وثلاث مائة ميل وذلك
لأن من طرف قانان إلى مدينة صرت ثلاث مجار وقد ذكرنا مدينة صرت فيما سلف.
ومن مدينة صرت إلى قصر مغداش مجرى ونصف ومنه إلى الجزيرة البيضاء مجرى ونصف إلى
قصر سربيون مجرى ومن قصر سربيون إلى قصر قافز نصف مجرى إلى برنيق نصف مجرى إلى
الأربعة بروج مجرى ثم إلى توكرة خمسون ميلاً ثم إلى طلميثة خمسون ميلاً ثم إلى
الطرف مجريان وهذا ذكر مجمل.
ونريد أن نذكر ما عليه من القصور فإذا خرج الخارج من طرف قانان صار إلى قصور حسان
قطعاً في البرية أربع مراحل كبار ليس بها شيء من الماء وهو وطاء ولا عوج به ولا
أمت وقصور حسان لا عامر بها وإنما هي الآن في وقتنا هذا خراب لم يبق منها إلا أثر
غابر وبها ماء يشرب من بئرين قريبتي القعر ومنهما يتزود بالماء المار بها والجائي
ويأخذ منهما ما يكفيه لشربه في مسافة سفره ومنها إلى الأصنام ثلاثون ميلاً ويسمى
هذا الجون جون زديف والماء يوجد بها في خروق أحساء محفورة في الرمل على ضفة البحر
الملح وسميت الأصنام لأن بالقرب منها في البرية عدة أصنام وهي من بناء الروم
الأول.
ومن
الأصنام إلى القرنين وهو قصر كبير عامر وفي وسطه بئر عميقة وإليه تصب مياه الأمطار
في زماننا ومنه إلى صرت ثلاثة عشر ميلاً ومدينة صرت ذكرناها قبل هذا بما فيه كفاية
ومنها إلى قصر العبادى على البحر أربعة وثلاثون ميلاً ومن قصر العبادى إلى
اليهودية أربعة وثلاثون ميلاً وهو قصر عامر وفيه زراعات على مياه تستخرج بالسواقي
من آبار ومن اليهودية إلى قصر العطش أربعة وثلاثون ميلاً وهو قصر عامر وفيه زراعات
وفيه ثلاث جباب.
ومن قصر العطش إلى منهوشة ثلاث مراحل لا ماء فيها وهي سباخ وطيئة ومنهوشة على
البحر ومياهها في أحساء تحتفر في الرمل على البحر وسميت منهوشة لأن في رمالها أفاع
صغار طول الواحدة شبر لا زائد وهي تضر وتنهش من لا يعلم أمرها ومن أسرى بالليل في
تلك الأرض وبها قطائع بقر وحشية وكذلك بها ذئاب كثيرة وضباع تفترس السالك إذا تبين
الضعف فيه.
ومن منهوشة إلى بئر الغنم نحو من ثلاثة عشر ميلاً وهي على آخر السبخة المنسوبة إلى
منهوشة ومنها إلى الفاروخ مرحلة وهي من الأميال ثلاثون ميلاً ومن الفاروخ إلى حرقرة
خمسة وعشرون ميلاً ثم إلى بوسمت عشرون ميلاً ثم إلى سلوق أربعة وعشرون ميلاً ثم
إلى اويرار ثلاثون ميلاً ثم إلى قصر العسل اثنا عشر ميلاً ثم إلى مرينة سبعة
وعشرون ميلاً ثم إلى برقة خمسة عشر ميلاً والطريق من سلوق إلى قافز مرحلة.
وقافز قصر في وسط وطاء برنيق وفي شرقيها غابة متصلة إلى البحر وبينها وبين البحر
أربعة أميال وبمقربة من قافز في جهة الشرق بحيرة مع طول البحر يحجزها تل رمل
وماؤها عذب وطولها ستة عشر ميلاً وفي سعتها نحو من نصف ميل ومن نصف هذه البحيرة
تبتدئ الغابة وبهذه الأرض قبائل رواحة.
ومن قافز إلى قصر توكرة مرحلتان وهو قصر كبير عامر آهل وفيه قوم من البربر وحوله
أرض عامرة وسوان يزرع عليها القطاني والشعراء محيطة بها.
ومنها إلى قمانس وهو قصر عشرة أميال ومنه إلى اوطليط وهو قصر عامر بالناس نصف يوم
ومنه إلى الأربعة بروج وهو قصر يوم ومنه إلى قصر العنين عشرة أميال.
ومنه إلى قصر طلميثة وهو حصن جيد عليه سور حجارة عشرة أميال وهو عامر بالناس
والمراكب تقصد إليه بالمتاع الحسن من القطن والكتان ويتجهز منه بالعسل والقطران
والسمن في المراكب الواصلة إليه من الإسكندرية وحوله قبائل رواحة من جهة المغرب
ومن طلميثة إلى جهة المشرق قبائل هيب وسنأتي بما اتصل بهذه البلاد والأرضين بعد
هذا إن شاء الله تعالى.
نجز الجزء الثالث من الإقليم الثالث والحمد لله ويتلوه الجزء الرابع منه إن شاء
الله.
الجزء الرابع
إن الذي تضمن هذا الجزء الرابع من الإقليم الثالث من البلاد البرية سنتريه وصحار
متصلة إلى أعمال الإسكندرية ومع ذلك ديار مصر وبعض بلادها العليا وبلاد أسفل الأرض
منها متصلة بمعظم النيل وبلاد الفيوم والريف ثم أسفل الأرض وما تحويه من الأقاليم
والبلاد المعمورة التي هي من أعمال مصر ومنسوبة إليها ونذكر ذلك ذكراً متصلاً
شافياً ونذكر من أخبار مصر وعجائب بنيانها ومشاهير عجائبها والداخل فيها والخارج
عنها ومقاييس مياهها كل ذلك على توال ونسق إن شاء الله تعالى.
فنقول إن من مدينة برقة إلى الإسكندرية على طريق مستقيم إحدى وعشرون مر حلة وذلك من مدينة برقة إلى قصر الندامة ستة أميال ومنها إلى تاكنست ستة وعشرون ميلاً إلى مغار الرقيم خمسة وعشرون ميلاً وهنا يجتمع هذا الطريق بالطريق الأعلى ومن مغار الرقيم إلى جب حليمة خمسة وثلاثون ميلاً ومن جب حليمة إلى وادي مخيل خمسة وثلاثون ميلاً ومن وادي مخيل إلى جب الميدان خمسة وثلاثون ميلاً ومن جب الميدان إلى جناد الصغير خمسة وثلاثون ميلاً إلى حب عبد الله ثلاثون ميلاً ثم إلى مرج الشيخ ثلاثون ميلاً ثم إلى العقبة عشرون ميلاً ثم إلى حوانيت أبي حليمة عشرون ميلاً ومن حوانيت أبي حليمة إلى خربة القوم خمسة وثلاثون ميلاً ثم إلى قصر الشماس خمسة عشر ميلاً ومن قصر الشماس إلى سكة الحمام خمسة وعشرون ميلاً ومن سكة الحمام إلى جب العوسج ثلاثون ميلاً ومن جب العوسج إلى كنائس الحرير إلى الطاحونة أربعة وعشرون ميلاً ومن الطاحونة إلى حنية الروم ثلاثون ميلاً ومن حنية الروم إلى ذات الحمام أربعة وثلاثون ميلاً ومن ذات الحمام إلى ثونية ثمانية عشر ميلاً ومن ثونية إلى الإسكندرية عشرون ميلاً وهذه الطريق هي الطريق العليا في الصحراء وأما طريق الساحل فإنه من الإسكندرية إلى رأس الكنائس ثلاثة مجار ومن رأس الكنائس إلى مرسى الطرفاوى مجرى ومن مرسى الطرفاوى إلى أول جون رمادة خمسون ميلاً ومنه إلى عقبة السلم ومن عقبة السلم إلى مرسى عمارة عشرة أميال ومن مرسى عمارة إلى الملاحة ثلاثون ميلاً ومن الملاحة إلى لكة عشرة أميال ومما يلي لكة في البرية قصران يسمى أحدهما كيب والثاني قمار ومن لكة إلى مرسى طبرقة خمسون ميلاً ومن طبرقة إلى مرسى رأس تينى مجرى ونصف ومن رأس تينى إلى البندرية مجريان ومن البندرية ينعطف البحر ماراً جهة المغرب على استواء طرف التعدية مجريان لا عمارة بهما وإنما هناك مما يلي البحر جبال وشعاب لا يقدر أحد على سلوكها لصعوبة مراقيها وخشونة طرقاتها وتعذر منافذها ومن طرف التعدية يأخذ جون درين في الابتداء إلى آخره وهذا الجون الذي تأتي البندرية في أوله إلى أن ينتهي إلى الإسكندرية قطعة روسية ستة مجار وهو ستمائة ميل وطول هذا الجون على التقوير إلى الإسكندرية أحد عشر مجرى ونصف وهي من الأميال ألف ميل ومائة وخمسون ميلاً ومن آخر عمالة طلميثة المتقدم ذكرها يكون أول عمالة هيب ورواحة وهم قبائل من العرب أهل إبل وأغنام وثروة وبلادهم آمنة وادعة وبجبال أوثان حروث كثيرة وأهلها يتصيدون فيها وينبت بها البطم والعرعر والصنوبر كثيراً وفي هذه الجبال زراعات ومعائش ونخل كثير وعسل عجيب وآخر عمل هيب لكة وبعد البندرية على نحو عشرة أميال قصر كبير يسكنه قوم من لخم ويسمى القصر بهم وأهله كلهم عسالة يتخذون النحل ويشتارون عسلها وأكثرهم يستعملون قطع العرعر ثم يستخرجون منه القطران ويسافرون به إلى ديار مصر.
وأما الإسكندرية فهي مدينة بناها الإسكندر وبه سميت وهي مدينة على نحر البحر الملح وبها آثار عجيبة ورسوم قائمة تشهد لبانيها بالملك والقدرة وتعرب عن تمكن وبصر وهي حصينة الأسرار نامية الأشجار جليلة المقدار كثيرة العمارة رائجة التجارة شامخة البناء رائعة المغنى شوارعها فساح وعقائد بنيانها صحاح وفرش دورها بالرخام والمرمر وحنايا أبنيتها بالعمد المشمر وأسواقها كثيرة الاتساع ومزارعها واسعة الانتفاع والنيل الغربي منها يدخل تحت أقبية دورها كلها وتتصل دواميس بعضها ببعض وهي في ذاتها كثيرة الضياء متقنة الأشياء وفيها المنارة التي ليس على قرار الأرض مثلها بنياناً ولا أوثق منها عقداً أحجارها من صميم الكدان وقد أفرغ الرصاص في أوصالها فبعضها مرتبط ببعض معقود لا ينفك التئامها والبحر يصدم أحجارها من الجهة الشمالية وبين هذه المنارة وبين المدينة ميل في البحر وفي البر ثلاثة أميال وارتفاع هذه المنارة ثلثمائة ذراع بالرشاشي وهو ثلاثة أشبار وذلك أن طولها كله مائة قامة منها ست وتسعون قامة إلى القبة التي في أعلاها وطول القبة أربع قامات ومن الأرض إلى الحزام الأوسط سبعون قامة سواء ومن الحزام الأوسط إلى أعلاها ست وعشرون قامة ويصعد إلى أعلاها من درج عريض في وسطها كالعادة في أدراج الصوامع ومنتهى الدرج الأول إلى نصفها ثم ينقبض البناء في نصفها من الأربعة أوجه وفي جوف هذا البناء وتحت أدراجه بيوت مبنية ومن هذا الحزام الأوسط يطلع بناؤها إلى أعلاها مقبوضاً عن مقدار البناء الأسفل بمقدار ما يستدير به الإنسان من كل ناحية ويصعد أيضاً إلى أعلاها من هذا الحزام في أدراج أقل أبنية من الأدراج السفلى وفيه زراقات أضواء في كل وجه منها يدخل الضوء عليها من خارج إلى داخل بحيث يبصر الصاعد فيها حيث يضع قدميه حين يصعد فيها وهذه المنارة من عجائب بنيان الدنيا علواً ووثاقة والمنفعة فيها أنها علم توقد النار بها في وسطها بالليل والنهار في أوقات سفر المراكب فيرى أهل المراكب تلك النار بالليل والنهار فيعملون عليها وترى من بعد مجرى لأنها تظهر بالليل كالنجم وبالنهار يرى منها دخان وذلك أن مدينة الإسكندرية في قعر الجون متصلة بها أوطئة وصحار متصلة لا جبل بها ولا علامة يستدل بها عليها ولولا تلك النار لضلت أكثر المراكب عن القصد إليها وهذه النار تسمى فانوساً ويقال إن الذي بنى هذه المنارة هو الذي بنى الأهرام التي في حد مدينة الفسطاط من غربي النيل ويقال أيضاً إنها من بنيان الإسكندر عند بنيان الإسكندرية والله أعلم بصحيح ذلك وبالإسكندرية المسلتان وهما
حجران
على طولهما مربعان وأعلاهما أضيق من أسفلهما وطول الواحدة منهما خمس قيم وعرض
قواعدها في كل وجه عشرة أشبار محيط الكل أربعون شبراً وعليها كتابات بالخط
السرياني وحكى صاحب كتاب العجائب أنهما منحوتان من حجر جبل بريم في بلاد مصر
وعليها مكتوب انا يعمر بن شداد بنيت هذه المدينة حين لا هرم فاش ولا موت ذريع ولا
شيب ظاهر وإذ الحجارة كالطين وإذ الناس لا يعرفون لهم رباً إلا يعمر فأقمت
أسطواناتها وفجرت أنهارها وغرست أشجارها وأردت أن أطول على الملوك الذين كانوا بها
بما أجعله فيها من الآثار المعجزة فأرسلت الثبوت بن مرة العادي ومقدام بن الغمر بن
أبي رغال الثمودي إلى جبل بريم الأحمر فاقتطعا منه حجرين وحملاهما على أعناقهما
فانكسرت ضلع الثبوت فوددت أن أهل مملكتي كانوا فداء له وأقامهما لي الفطن بن جارود
المؤتفكي في يوم السعادة وهذه المسلة الواحدة في ركن البلد من الجهة الشرقية
والثانية من هذه المسلات أيضاً في بعض المدينة وقيل إن المجلس الذي بجنوب
الإسكندرية المنسوب إلى سليمان بن داود أن يعمر بن شداد بناه ويقال أيضاً إن
سليمان بن داود بناه وأسطواناته وعضاداته باقية إلى الآن وصفته أنه مجلس مربع
الطول في كل رأس منه ست عشرة سارية وفي الجانبين المتطاولين منه سبع وستون سارية وفي
الركن الشمالي منه اسطوانة عظيمة ورأسها عليها وفي أسفلها قاعدة رخام في محيط
تربيع وجوهها ثمانون شبراً في عرض كل وجه عشرون شبراً في ارتفاع ثمانين شبراً ودور
محيط هذه السارية أربعون شبراً وطولها من القاعدة إلى رأسها تسع قيم والرأس منقوش
مخرم بأحكم صنعة وأتقن وضع ولا أخت لها ولا يعلم أحد من أهل الإسكندرية ولا من أهل
مصر ما المراد بوضعها مفردة في مكانها وهي الآن مائلة ميلاً كثيراً لكنها ثابتة
آمنة من السقوط والإسكندرية من عمالة مصر وقاعدة من قواعدها.
وأرض مصر تتصل حدودها من جهة الجنوب ببلاد النوبة ومن جهة الشمال بالبحر الشامي
ومن جهة الشام بفحص التيه ومن جهة الشرق ببحر القلزم ومن جهة المغرب بالواحات.
وأما طول النيل فمن ساحل بحر الروم حيث ابتداؤه إلى أن يتصل بأرض النوبة من وراء
الواحات نحو خمس وعشرين مرحلة ومن حد النوبة مما يلي الجنوب مصاقباً لبلاد النوبة
نحو ثماني مراحل ويمتد من هناك إلى أول الحد الذي ذكرناه نحو اثنتي عشرة مرحلة.
ومدينة الفسطاط هي مصر سميت بذلك لأن مصرام بن حام بن نوح عليه السلام بناها في
الأول وكانت مدينة مصر أولاً عين شمس فلماش نزل عمرو بن العاصي والمسلمون معه في
صدر الإسلام وافتتحها اختط المسلمون حول فسطاطه فعمروا مكان مصر الآن وهو المكان
الذي هي الآن فيه ويقال إنما سميت بالفسطاط لأن عمرو بن العاصي لما استفتح مصر
وأراد المسير إلى الإسكندرية أمر بالفسطاط أن يحط ويسار به أمامه فنزلت حمامة في
أعلاه وباضت بيضتها فأخبر بذلك عمرو فأمر أن يترك الفسطاط على حاله إلى أن تخلص
الحمامة فرخيها فعل وقال والله ما كنا لنسيء لمن ألفنا واطمأن بجانبنا حتى نفجع
هذه الحمامة بكسر بيضها فترك الفسطاط وأقام بمصر إلى أن تخلص فرخ الحمامة ثم ارتحل
وتسمى مدينة مصر باللسان اليوناكا ببيلونة وهي الآن مدينة كبيرة على غاية من العمارة
والخصب والطيب والحسن فسيحة الطرقات متقنة البناءات قائمة الأسواق نافقة التجارات
متصلة العمارات نامية الزراعات لأهلها همم سامية ونفوس نقية عالية وأموال مبسوطة
نامية وأمتعة رائقة لا تشتغل نفوسهم بهما ولا تعقد قلوبهم على غم لكثرة أمنهم
ورفاهة عيشهم وانبساط العدل والحماية فيهم وطول المدينة ومقدارها ثلاثة فراسخ
والنيل يأتيها من أعلى أرضها فيجتازها من ناحية جنوبها وينعطف مع غربيها فينقسم
قدامها قسمين يعدى في المدينة من الذراع الواحد إلى الآخر.
وفي هذه الجزيرة مساكن كثيرة جليلة ومبان متصلة على ضفة النيل وهذه الجزيرة تسمى
دار المقياس وسنصفه بعد هذا بحول الله وهذه الجزيرة يجاز إليها على جسر فيه نحو
ثلاثين سفينة ويجاز القسم الثاني وهو أوسع من الأول على جسر آخر وسفنه أكثر من
الأول أضعافاً مضاعفة وطرف هذا الجسر يتصل بالشط المعروف بالجيزة وهناك مبان حسنة
وقصور شاهقة العلو وسوق وعمارة.
وأرض
مصر شبخة غير خالصة التراب وبنيان دورها كلها وقصورها طبقات بعضها فوق بعض والأعم
من ذلك تكون طباقها في العلو خمسه وستة وسبعة وربما سكن في الدار المائة من الناس
وأكثر وأخبر الحوقلي في كتابه أنه كان بمصر على عهد تأليفه لكتابه دار تعرف بدار
عبد العزيز في الموقف يصب لمن فيها في كل يوم أربعمائة راوية ماء وفيها خمسة مساجد
وحمامان وفرنان ومعظم بنيان مصر بالطوب وأكثر سفل ديارهم غير مسكون ولها مسجدان
جامعان للجمعة والخطبة فيهما أحدهما بناه عمرو بن العاصي في وسط أسواق تحيط به من
كل جهة وكان هذا الجامع في أوله كنيسة للروم فأمر به عمرو فقلب مسجداً جامعاً
والمسجد الجامع الثاني هو بأعلى الموقف بناه أبو العباس أحمد بن طولون ولابن طولون
أيضاً جامع آخر بناه في القرافة وهو مكان يسكنه المتعبدون وجمل من أهل الخير
والعفاف وبالجزيرة التي بين ذراعي النيل جامع وكذلك في الضفة الغربية المسماة
بالجيزة.
ومصر بالجملة عامرة بالناس نافقة بضروب المطاعم والمشارب وحسن الملابس وفي أهلها
رفاهة وظرف شامل وحلاوة ولها في جميع جوانبها بساتين وجنات وشجر ونخل وقصب سكر وكل
ذلك يسقى بماء النيل ومزارعها ممتدة من أسوان إلى حد الإسكندرية ويقيم الماء في
أرضهم بالريف منذ ابتداء الحر إلى الخريف ثم ينضب فيزرع عليه ثم لا يسقى بعد ذلك
ما زرع عليه ولا يحتاج إلى سقي البتة وأرض مصر لا تمطر ولا تثلج البتة وليس بأرض
مصر مدينة يجري فيها الماء من غير حاجة إلا الفيوم.
وأكثر جري النيل في جهة الشمال وعرض العمارة عليه من حد أسوان ما بين نصف يوم إلى
يوم إلى أن ينتهي إلى الفسطاط تم تعرض العمارة وتتسع فيكون عرضها من الإسكندرية
إلى الحوف الذي يتصل بعمارة القلزم نحو ثمانية أيام وليس في أرض مصر مما يحوز ضفتي
النيل شيء قفر وإنما هو كله معمور بالبساتين والأشجار والمدن والقرى والناس
والأسواق والبيع والشراء وبين طرفي النيل فيما ثبت في الكتب خمسة آلاف وست مائة
وأربعة وثلاثون ميلاً وفي كتاب الخزانة أن طوله أربعة آلاف وخمس مائة وخمسة وتسعون
ميلاً وعرضه في بلاد النوبة والحبشة ثلاثة أميال فما دونها وعرضه ببلد مصر ثلثا
ميل وليس يشبه نهراً من الأنهار.
وأما الجزيرة التي تقابل مصر وهي التي قدمنا ذكرها حيث المباني والمتنزهات ودار
المقياس فإنها جزيرة عرضها بين القسمين من النيل مارة مع المشرق إلى جهة المغرب
وطولها بالضد وهو من الجنوب إلى جهة الشمال وطرفها الأعلى - حيث المقياس - عريض
ووسطها أعرض من رأسها والطرف الثاني محدود وطولها من رأس إلى رأس ميلان وعرضها
مقدار رمية سهم ودار المقياس هي في الرأس العريض من الجهة الشرقية مما يلي الفسطاط
وهي دار كبيرة يحيط بها من داخلها في كل وجه أقبية دائرة على عمد وفي وسط الدار
فسقية كبيرة عميقة ينزل إليها بدرج رخام على الدائر وفي وسط الفسقية عود رخام قائم
وفيه رسوم أعداد أذرع وأصابع بينها وعلى رأس العمود بنيان متقن من الحجر وهو ملون
مرسم بالذهب واللازورد وأنواع الأصباغ المحكمة والماء يصل إلى هذه الفسقية على
قناة عريضة تصل بينها وبين ماء النيل والماء لا يدخل هذه الجابية إلا عند زيادة
ماء النيل وزيادة ماء النيل تكون في شهر أغشت والوفاء من مائه ستة عشر ذراعاً وهو
الذي يروي أرض السلطان باعتدال فإذا بلغ النيل ثمانية عشر ذراعاً وروى جميع
الأرضين التي هناك فإن بلغ عشرين ذراعاً فهو ضرر وأقل زيادته تكون اثني عشر ذراعاً
والذراع أربعة وعشرون اصبعاً فما زاد على الثمانية عشر ضر لأنه يقلع الشجر ويهدم
وما نقص عن اثني عشر كان بذلك النقص والحدب وقلة الزراعة.
ومما
يلي جنوب الفسطاط قرية منف وبناحية شمالها المدينة المسماة عين شمس وهما كالقريتين
مما يلي جبل المقطم ويقال إنهما كانتا متنزهين لفرعون لعنه الله فأما منف فهي الآن
خراب أكثرها وأما عين شمس فهي الآن معمورة وهي أسفل جبل المقطم وعلى مقربة منها
على رأس جبل المقطم مكان يعرف بتنور فرعون وكانت فيه مرآة تدور على لولب فكان إذا
خرج من أحد الموضعين أعني منف أو عين شمس أصعد في هذا المكان الآخر من يعدله
ليعاين شخصه ولا تفقد هيئته والتمساح لا يضر بشيء مما جاور الفسطاط ويحكى عنه أنه
إذا انحدر من أعلى النيل أو صعد من أسفل وأتى قبالة الفسطاط انقلب على ظهره وعام
كذلك حتى يجاوز الفسطاط وحماه ويقال إن ذلك بطلسم صنع له وكذلك أيضاً عدوة بوصير
لا يضر بها ويضر بعدوة الأشموني وبينهما عرض النيل وهذا عجب عجيب وبعين شمس مما
يلي الفسطاط ينبت البلسان وهو النبات الذي يستخرج منه دهن البلسان ولا يعرف بمكان
من الأرض إلا هناك.
وبأسفل الفسطاط ضيعة سيروا وهي ضيعة جليلة يعمل بها شراب العسل المتخذ بالماء
والعسل وهو مشهور في جميع الأرض ويتصل بأرض الفسطاط جبل المقطم وبه جمل من قبور
الأنبياء عليهم السلام كيوسف ويعقوب والأسباط.
وعلى ستة أميال من مصر الهرمان وهما بناءان في مستو من الأرض ولا يعرف فيما
جاورهما جبل يقطع منه حجر يصلح للبناء وطول كل واحد من هذه الأهرام ارتفاعاً مع
الجو أربعمائة ذراع وعرضه في الدائر كارتفاع الكل مبني بحجارة الرخام التي ارتفاع
كل حجر منها خمسة أشبار وطوله خمسة عشر ذراعاً إلى العشرة فزائداً وناقصاً على قدر
ما توجبه الهندسة وموقع الحجر من جوار لصيقه وكلما ارتفع بناؤه على وجه الأرض ضاق
حتى يصير أعلاه نحو مبرك جمل ومن شاء الخروج إليهما من البر جاز إلى الجيزة على
الجسر ومر من الجيزة إلى قرية دهشور ثلاثة أميال وهناك سجن يوسف عليه السلام ومنها
إلى الهرمين وبين الهرم والهرم نحو من خمسة أميال وبينهما وبين أقرب موضع إلى
النيل خمسة أميال وفي بعض حيطانه كتابات قد درس أكثرها وفي داخل كل هرم منهما طريق
يسير فيه الناس وبين هذين الهرمين طريق مخترق في الأرض واضح يفضي من أحدهما إلى
الآخر ويحكى أنهما علامات على قبور ملوك ويذكر أنهما كانا قبل أن يكونا قبوراً
أراء للغلات.
ويتصل
بمصر في الجانب الغربي منها مدينة الفيوم وبينهما مرحلتان والفيوم مدينة كبيرة ذات
بساتين وأشجار وفواكه وغلات ولها جانبان على وادي اللاهون وهو فيما يقال أن يوسف
عليه السلام اتخذ له مجريان للماء في وقت الفيض ليدوم لهم الماء فيها وقومهما
بالحجارة المنضدة ومدينة الفيوم في ذاتها مدينة طيبة كثيرة الفواكه والغلات وأكثر
غلاتها الأرز وهو الأكثر في سائر حبوبها وهواؤها وبيء غير موافق منكر لمن دخلها من
الطارئين والغرباء النازلين بها وبها آثار بنيان عظيم ونواحيها مسماة بها ومنسوبة
إليها وكانت هذه العمارة المحيطة بها كلها تحت سور يجمع على جميع أعمالها ويحيط
بجميع مدنها وبقاعها وما بقي منه الآن شيء إلا ما لا يرى بشيء ونهر اللاهون اخترقه
وأجرى الماء فيه يوسف الصديق عليه السلام وذلك لما كبرت سنه وأراد الملك راحته
وانتزاعه عن الخدمة وقد كثرت حاشيته وأهله من ذريته وذرية أبيه وأقطعه أرض الفيوم
وكان الفيوم بحيرة تصب إليها المياه وكانت ذات آجام وقصب وكان الملك يكره ذلك منها
لأنها كانت قريبة منه فلما وهبها ليوسف عليه السلام نهض إلى ناحية صول واحتفر
الخليج المسمى بالمنهى حتى أتى به إلى موضع اللاهون ثم بنى اللاهون وأوثقها بالحصى
والكلس واللبن والصدف كالحائط المرتفع وجعل على أعلاه في الوسط باباً وحفر من
ورائه خليجاً يدخل إلى الفيوم شرقياً وعمل خليجاً غربياً متصلاً بهذا الخليج يمر
به من خارج الفيوم يقال له تنهمت فخرج الماء من الجونة إلى الخليج الشرقي فجرى إلى
النيل وخرج ماء الخليج الغربي يصب إلى صحراء تنهمت بالغرب فلم يبق من الماء شيء
إلا وخرج وكل ذلك في أيام يسيرة ثم أمر الفعلة فقلموا القصب التي هناك والعصاب
وعقد الأدياس والطرفاء وكان ذلك في وقت جري الماء في النيل فدخل في رأس الخليج
المسمى بالمنهى فجرى حتى وصل اللاهون فقطعه إلى خليج الفيوم وسار الماء إليها وسقاها
وعم جميعها وصارت لجة وكان ذلك في سبعين يوماً فلما نظر إليها الملك قال هذا عمل
ألف يوم فسميت بذلك الفيوم ثم إن يوسف عليه السلام قال للملك إن عندي من الحكمة أن
تعطيني من كل كورة من أرض مصر أهل بيت واحد فأعطاه ذلك فأمر يوسف القوم بأن يبني
لكل بيت منهم قرية ففعلوا ذلك وكان عدد هذه البيوتات خمسة وثمانين بيتاً وكانت
قراهم على عدد ذلك فلما فرغوا من بنيان القرى ضرب لكل قرية من الماء بقدر ما يصير
إليها من الأرض لا يكون لها في ذلك زائد ولا ناقص ثم صير لكل قوم شرباً في زمان ما
لا ينالهم الماء إلا فيه فهذه صفة الفيوم.
ومن خرج من مصر على معظم النيل يريد الصعيد سار من الفسطاط إلى منية السودان وهي
منية جليلة تتصل بها عمارات بضروب من الغلات وهي في الضفة الغربية من النيل ومنها
إلى مصر نحو من خمسة عشر ميلاً.
ومنها إلى بياض عشرون ميلاً وهي قرى وضياع عامرة وغلات حسنة وبساتين تشتمل على
ضروب من الفواكه.
ومنها إلى الحمى الصغير عشرون ميلاً.
ثم إلى الحي الكبير في الجهة الشرقية عشرة أميال وهي قرية عامرة ولها بساتين وكروم
ومزارع قصب.
ومنها إلى دير الفيوم في الجهة الشرقية عشرون ميلاً.
ثم إلى قرية تونس في الجهة الغربية ميلان وهي متنحية عن النيل ومنها إلى دهروط نصف
يوم ودهروط في الجهة الغربية من النيل.
ومنها إلى مدينة القيس في الجهة الغربية نحو من عشرين ميلاً ومدينة القيس مدينة
قديمة أزلية وقد تقدم ذكرنا لها فيما سلف من ذكر بلاد مصر في الإقليم الثاني قبل
هذا والطريق منها إلى مدينة أسوان على النيل ولا حاجة بنا إلى إعادة ذكر ذلك.
وأما أسفل الأرض من مصر فمن أراد المسير إليها سار منحدراً مع النيل إلى المنية
خمسة أميال ومنها إلى منية القائد خمسة أميال وهي مدينة كبيرة عامرة ذات مزارع
وبساتين وخصب وقصب سكر.
ومنها إلى شبرة خمسة أميال وهي قرية وضياع كالمدينة يعمل فيها شراب العسل المفوه
المشهور في جميع الأرض وبها خيمة البشنس.
ومنها إلى بيسوس خمسة أميال وهي قرية عامرة حسنة.
ومنها إلى قرية الخرقانية خمسة أميال وهي قرية عامرة لها مزارع وضياع وبساتين
كثيرة للملك.
ومنها إلى قرية سرودس خمسة أميال.
ومنها إلى شلقان خمسة أميال وهي قرية كبيرة عامرة.
ومنها
إلى قرية زفيتة خمسة عشر ميلاً وبها تجتمع المراكب التي يصاد بها الحوت بأسرها
وهذه القرية على رأس الجزيرة حيث ينقسم النيل خلجاناً.
وهذه القرية تصاقب مدينة شنطوف التي على رأس الخليج الذي ينزل إلى تنيس ودمياط.
وفي أعلى شنطوف ينقسم النيل على قسمين ينزلان إلى أسفل ويتصلان بالبحر ويتفرع من
كل واحد من هذين القسمين خليجان يصلان البحر فأما الخليجان الكبيران فإن مبدأهما
من شنطوف فيمر الواحد في جهة المشرق حتى يصل تنيس ويتفرع من هذا الخليج ثلاثة
خلجان فأحدها يخرج عند أنتوهى من جهة المغرب فيمر بتقويس إلى إن يرجع إلى معظمه
عند دمسيس ويتفرع أسفل ذلك منه خليج في جهة الغرب فيمر حتى يصل دمياط وأما الخليج
الآخر فإنه يمر من نحو شنطوف في جهة المغرب إلى قرب قيس أنمار فينقسم منه قسم يمر
في جهة المغرب فينعطف إلى قرية ببيج ثم ينزل ويتفرع هناك منه خليج يصل إلى
الإسكندرية وهذا الخليج يسمى خليج شابور وفمه وابتداء مخرجه من أسفل ببيج ولا يكون
الماء فيه في كل السنة وإنما يكون فيه الماء مدة خروج النيل فإذا رجع ماء النيل جف
ماؤه حتى لا ينحدر أحد فيه ويخرج من معظم هذا القسم المتصل برشيد أسفل سنديون
وسمونس أسفل فوه وفوق رشيد ذراع من النيل فيمر إلى مستقر بحيرة تتصل بقرب الساحل
ثم تمر ممتدة مع الغرب إلى أن يكون بينها وبين الإسكندرية نحو من ستة أميال ومن
هناك تتحول الأمتعة من المراكب في البر إلى الإسكندرية وعلى هذه الخلجان كلها مدن
كثيرة متحضرة وقرى عامرة متصلة وها نحن لأكثرها ذاكرون وبالله التوفيق.
فمن أراد النزول من مصر إلى تنيس وبينهما تسعة أيام ومن تنيس إلى دمياط مجرى ومن
دمياط إلى رشيد يومان ومن رشيد إلى الإسكندرية مجرى ومن الإسكندرية إلى مصر ستة
أيام ومن مصر إلى قرية زفيتة التي قدمنا ذكرها وقلنا إن بها تجتمع مراكب صيد السمك
بأسرها ومبلغ مقدار عددها مائة مركب ونيف خمسون ميلاً ويقابلها من الضفة الغربية
شنطوف وهي مدينة حسنة.
ومن شنطوف إلى شنوان خمسة وعشرون ميلاً ينزل منها إلى قرية الشاميين عشرة أميال
وهذه القرية يزرع فيها قصب السكر والبصل والقثاء وهذه أكبر غلاتها وأكثرها وهي
بذلك مختصة وهي في الضفة الشرقية ويقابلها في الضفة الغربية طنت وهي قرية حسنة
كثيرة المزارع والغلات.
ومن طنت إلى شنوان وهي مدينة صغيرة خمسة عشر ميلاً.
ومن منحدرا إلى قشيرة الأبراج نحو من اثني عشر ميلاً وهي قرية عامرة وفيها غلات
وعمارات كثيرة.
وتقابلها قرية سيوجة.
ومنها منحدراً إلى الصالحية نحو عشرة أميال وهي مدينة متحضرة وفيها عمارات وزراعات
وأهلها لصوص لهم أذية فاشية وهم بالشر موسومون.
وأسفل الصالحية منية العطف في الغربية وهي قرية كثيرة الخيرات ومنها إلى شيرجة
عشرة أميال.
ومنها منحدراً إلى مدينة جدوة خمسة عشر ميلاً وهي مدينة صغيرة متحضرة لها أسواق
عامرة وزراعاتها متصلة وخيراتها كثيرة وفي هذه المدينة مراكب كثيرة معدة لتعدية
العساكر مختصة بذلك.
ومن جدوة عشرون ميلاً إلى منية العطار وهي قرية صغيرة وبها بساتين وجنات وغلات.
ويقابلها من الضفة الغربية مدينة أنتوهى وهي مدينة صغيرة وبها بساتين وجنات
وزراعات وغلات معلومة ولها سوق في يوم معلوم.
ومن منية العطف السابق ذكرها إلى قرية شميرق عشرة أميال بالجهة الغربية ومن قرية
شميرق وهي تقابل جدوة وبأسفلها قليلاً إلى قرية أنتوهى السابق ذكرها نحو من عشرة
أميال.
وأسفل أنتوهى ينقسم الذراع من النيل على قسمين فيمر منه القسم الواحد إلى ناحية
الغرب والقسم الثاني يمر بالجهة الشرقية فيكون بينهما جزيرة ثم يجتمعان بشبرة
ودمسيس ثم يمران غير بعيد فينقسمان قسمين ويمر القسم الشرقي إلى تنيس ويمر القسم
الثاني وهو الغربي إلى دمياط.
ثم نرجع بالقول إلى مدينة أنتوهى حيث ينقسم النيل فمن انحدر على الذراع الشرقي صار
من أنتوهى إلى منية العطار وهما متقابلتان فانحدر إلى بنة العسل وهي منية جليلة
كثيرة الأشجار والفواكه وتتصل بها عمارات وتقابلها في الضفة الغربية منيتها الكبرى
المنسوبة إلى بنة.
ومنها إلى قرية أتريب في الشرقية وهي قرية لها سوق عامرة.
ومنها إلى قرية جنجر وهي كثيرة الغلات والمزارع.
ويقابلها في الجهة الغربية منية الحوفي وهي قرية ومنية كبيرة.
ومنها
إلى قرية سنيت في الشرقي ويقابلها من الجهة الغربية قرية وروده وهي قرية كثيرة
الخصب عامرة بالناس ولها سوق حسنة.
ومنها إلى قرية الخمارية ويقابلها في الغربية منية الحرون.
وينحدر منها إلى قرية صحرشت الكبرى في الجهة الشرقية.
ومنها إلى صحرشت الصغرى في الجهة الغربية وهي قرية عامرة وبها من غلات السمسم
والقنب وأنواع الحبوب كل حسن.
ومنها إلى قرية منية غمر بجهة الشرق وهي قرية لها سوق ومتاجر ودخل وخرج قائم.
ويقابلها في الجهة الغربية منية زفته.
ومن منية زفتة إلى منية الفيران في الجهة الغربية وهي قرية يزرع بها غلات الكمون
والبصل والثوم برسم قصر الملك.
ويحاذيها في الشرق قرية قدقوس وهي قرية كبيرة جداً ذات بساتين وزروع ولها سوق
نافقة وهي يوم الأربعاء.
ومنها ينحدر إلى منية فيماس وهي قرية حسنة كثيرة الخيرات كثيرة الغلات.
ويقابلها في الجهة الغربية قرية حانوت وهي قرية ذات مياه جارية وعمارات وهي برسم
زراعة الكتان وهو غلتها وعليها يعول أهلها ونبات الكتان يجود فيها.
ومنها إلى منية إسنا بالشرقي من الخليج وهي قرية حسنة ولها سوق في يوم معلوم.
ومنها إلى قرية دمسيس المقدم ذكرها وهي قرية عامرة آهلة ولها سوق وهو يوم السبت
وسوقها يباع بها ويشترى من الثياب والأمتعة كل طريفة والتجار يقصدونها لنفاقها.
ومن أراد النزول إلى الخليج الغربي من أنتوهى سار من أنتوهى إلى مدينة مليج عشرين
ميلاً وهي مدينة عامرة ولها أسواق وتجارات ويقابلها في الضفة الشرقية منية عبد
الملك وهي قرية عامرة كبيرة كثيرة الخيرات مفيدة الزراعات.
ومن مليج نازلاً إلى طنطنة في جهة الغرب خمسة عشر ميلاً وهي مدينه متحضرة صغيرة
لكنها ذات سوق وأرزاق دارة وأحوال صالحة وأهلها في رفاهة وخصب ومن طنطنة إلى مدينة
طلطى في الضفة الغربية خمسة عشر ميلاً ويقابلها في الجهة الشرقية الجعفرية وهي
قرية ذات مزارع وغلات ومن مدينة طلطى إلى قرية بلوس في الضفة الغربية ويقابلها في
الضفة الشرقية قرية السنطة وهي قرية جليلة عامرة.
ومن قرية بلوس إلى مدينة سنباط في الغربي ومزارعها كتان وفيها سوق عامرة وتجارات
وأرباح وأموال ممدودة ونعم ومنها بالمحاذاة في الضفة الشرقية إلى مدينة ونعاصر ومن
مدينة سنباط إلى مدينة شبرة التي على فم الخليج المقابل لدمسيس المتقدم ذكرها قبل
ذلك.
فمن أراد المسير من دمسيس إلى تنيس على النيل نزل في النيل إلى منية بدر نحو ميلين
ومنها يخرج خليج شنشا في الجهة الشرقية فيمر إلى مدينة شنشا وهي مدينة حسنة كثيرة
الأشجار والمزارع وبها معاصير لقصب السكر وخيرات شاملة وينحدر منها إلى مدينة
البوهات في الشرقي أربعة وعشرون ميلاً وهي مدينة عامرة ذات أسواق ومنافع جمة
وعليها سور قديم مبني بالصخر ومنها إلى سفناس ثمانية عشر ميلاً وهي مدينة متحضرة
صغيرة ومنها إلى جهة الغرب في البر إلى مدينة طناح التي على خليج تنيس في الضفة
الشرقية منه خمسة وعشرون ميلاً ثم إلى بحيرة الزار وهي على مقربة من الفرما.
وبحيرة الزار متصلة ببحيرة تنيس وبيها وبين البحر الملح ثلاثة أميال وهذه البحيرة
التي ذكرناها بحيرة كبيرة واسعة القطر وفيها من الجزائر غير مدينة تنيس جزيرة حصن
الماء وهي مما يلي ناحيه الفرما وبقرب منها وإليها وصل الملك بردوين الذي استفتح
بلاد الشام بعد الإسلام وغرق بفرسه بقربها ومنها انصرف إلى ما خلفه وبالشرق من
تنيس ومع الجنوب قليلاً جزيرة تونة وهي في بحيرة تنيس وفي جنوب تنيس وببحيريها
جزيرة نبلية.
وفي غربي خليج شنشا الذي ذكرناه آنفاً قرى وضياع وشوارع متصلة بضروب من الغلات
وجمل من المنافع ومن أحب النزول من دمسيس على معظم الخليج إلى تنيس صار من دمسيس
إلى منية بدر التي قدمنا ذكرها قبل ذلك ومنها إلى بنا في الضفة الغربية عشرة أميال
وهي قرية حسنة لها بساتين وفدادين غلاتها وافرة.
وفوقها
ينقسم النيل على فرقتين فتصير بينهما جزيرة صغيرة على غربيها قرية بوصير وهي عامرة
وعلى الذراع الثاني مما يلي المشرق رحل جراح وهي مدينة صغيرة عامرة ولها دخل وخرج
ومنافع وغلل وبين رحل جراح وبين فم خليج شنشا أربعون ميلاً وكذلك بين بوصير وبنا
ومن منية ابن جراح نازلاً في النيل إلى سمنود اثنا عشر ميلاً وهي في الضفة الشرقية
ويقابلها في الجهة الغربية مدينة سمنود وهي مدينة حسنة كثيرة الداخل والخارج عامرة
آهلة وبها مرافق واسعار رخيصة ومن مدينة سمنود في البرية في جهة الغرب بالمقابلة
إلى مدينة سندفة التي على خليج بلقينة ثمانية أميال ومن مدينة سمنود إلى مدينة
الثعبانية ثمانية عشر ميلاً وهي مدينة عامرة وبها أسواق وعمارات وتجارات وهي في
الغربي من الخليج ومنها إلى منية عساس اثنا عشر ميلاً وهي قرية كثيرة البركات
جامعة لضروب من الغلات ومنها نازلاً إلى جوجر اثنا عشر ميلاً ويقابلها في الضفة
الشرقية ويش الحجر وهي مدينة صغيرة بها بساتين وأشجار ومن ويش الحجر إلى مدينة
سمنود المقدم ذكرها ستة وثلاثون ميلاً ومن ويش الحجر نازلاً إلى مدينة طرخا وهي
بالضفة الغربية من النيل وبينها وبين جوجر اثنا عشر ميلاً.
وأسفل طرخا ينقسم هذا الخليج قسمين يصل أحدهما إلى بحيرة تنيس شرقاً والثاني يصل
غرباً إلى مدينة دمياط فمن شاء أن ينزل إلى تنيس ينزل من طرخا إلى منية شهار في
الغربي وهي مدينة صغيرة عامرة بها تجارات وأموال قائمة ويقابلها في الضفة الشرقية
محلة دمينة وبينهما خمسة أميال ومنية دمينة أسفل من مدينة شهار ومن محلة دمينة إلى
قباب البازيار اثنا عشر ميلاً وهي قرية كبيرة ومنها نازلاً إلى قباب العريف ستة
عشر ميلاً ومنها إلى قرية دمو خمسة عشر ميلاً ومن دمو إلى مدينة طماخ ميلان في
الضفة الشرقية وهي مدينة حسنة كثيرة العامر فيها أسواق ومتاجر قائمة ومنها إلى
شمون عشرة أميال وهي قرية عامرة ومنها إلى قرية الأنصار في الضفة الغربية عشرون
ميلاً ومنها إلى قرية وبيدة عشرون ميلاً في الضفة الشرقية ومنها إلى برنبلين عشرون
ميلاً وهي في الضفة الغربية ثم إلى شنيسة أربعون ميلاً ثم غرباً إلى بحيرة تنيس
خمسة عشر ميلاً.
وبحيرة تنيس إذا امتد النيل في الصيف عذب ماؤها وإذا جزر في الشتاء إلى أوان الحر
غلب ماء البحر عليها فملح ماؤها وفيها مدن مثل الجزائر تطيف البحيرة بها وهي نبلى
وتونة وسمناة وحصن الماء ولا طريق إلى واحدة منها إلا بالسفن وبمدينة تنيس وذمياط
يتخذ رفيع الثياب من الدبيقي والشروب والمصبغات من الحلل التنيسية التي ليس في
جميع الأرض ما يدانيها في الحسن والقيمة وربما بلغ الثوب من ثيابها إذا كان مذهباً
ألف دينار أو نحو ذلك وما لم يكن فيه ذهب المائة والمئتين ونحوها وأصولها من
الكتان أما وان كانت شطا ودبقو ودميرة وما قاربها من ذلك الجزائر يعمل بها الرفيع
من الأجناس فليس ذلك بمقارب للتنيسي والذمياطي وفيما يذكر أن بحيرة تنيس بها كانت
الجنتان التي ذكرت في الكتب وكانت لرجلين من ولد أتريب بن مضر وكان أحدهما مؤمناً
والآخر كافراً فافتخر الكافر بكثرة ماله وولده فقال له أخوه المؤمن فما أراك
شاكراً على ما رزقت فنزع ذلك منه ويقال إنه دعا عليه فغرق الله جميع ما كان للكافر
في البحر حتى كأنها لم تكن في ليلة واحدة وهذه البحيرة قليلة العمق يسار في أكثرها
بالمعادي وتلتقي فيها السفينتان فتجانب إحداهما الأخرى هذه صاعدة وهذه نازلة برج
واحدة وكلاهما مملوء القلاع بالريح وسيرهما في السرعة سواء.
وأما ذمياط فإنها مدينة على ضفة البحر وبينهما مسافة وبذمياط يعمل من غريب الصنع
في الثياب الدبيقية وغيرها ما يقارب الثياب التنيسية سواء وذراع النيل ينصب إليها
من الذراع النازل إلى مدينة تنيس وخروجه أسفل طرخا التي قدمنا ذكرها.
فمن
شاء النزول إليها من مصر سار على ما وصفناه من القرى والمدن والعمارات حتى يصل
طرخا فيأخذ في الذراع الغربي الواصل إلى ذمياط فينحدر إلى مدينة دميرة عشرة أميال
وهي في غربي الخليج وهي مدينة صغيرة ويعمل بها ثياب حسنة يتجهز بها إلى كثير من
البلاد وبها صناع كثيرة وتجار قاصدون وبيع وشراء ومن دميرة نازلاً مع الخليج إلى
شرنقاش في الضفة الغربية سبعة عشر ميلاً وهي مدينة صغيرة عامرة حسنة ذات مزارع
وغلات وصناعات ومنها إلى مدينة شرمساح في الضفة الشرقية عشرون ميلاً وهي مدينة
جليلة لكنها ليست بالكبيرة ولها سوق جامعة لضروب بيع وشراء وأخذ وعطاء ومنها إلى
منية العلوق عشرون ميلاً وهي قرية متحضرة لها معاصر قصب وغلات قائمة نامية وهي في
الضفة الشرقية من الخليج ومنها إلى قرية فارسكور عشرة أميال في الضفة الشرقية من
الخليج ومن فارسكو إلى بورة وهي قرية جامعة ذات زراعات وغلات وجنات وبساتين وخيرات
خمسة عشر ميلاً ومن بورة إلى ذمياط ثلاثة عشر ميلاً وكذلك من طرخا إلى ذمياط مائة
ميل وخمسة أميال وكذلك من طرخا إلى منية دمسيس مائة ميل وعشرة أميال ومن دمسيس إلى
أنتوهى نحو من تسعين ميلاً ومن فم أنتوهى إلى قرية شنطوف مائة ميل ومن شنطوف إلى
الفسطاط خمسون ميلاً.
ونرجع بالقول إلى خليج المحلة وفوهته تخرج من أسفل طنطى فيمر في جهة الغرب نازلاً
حتى يحاذي شرمساح التي على خليج دمياط ومن فوهته إلى منية غزال في الشرق عشرون
ميلاً وهي قرية جامعة لمحاسن شتى وضروب غلات مختلفة وتقابلها محلة أبي الهيثم في
الضفة الغربية ومنها إلى ترعة بلقينة خمسة عشر ميلاً وهي قرية كثيرة البساتين
والجنات متصلة العمارات والغلات ومنها يخرج أيضاً خليج آخر يأخذ في الغرب مستقيماً
إلى صخا وعليه من أوله قرية دار البقر في الغرب وأسفلها في الغرب أيضاً قرية
المعتمدية ومنها إلى متبول في الغرب وهي قرية عامرة لها سوق في يوم معلوم ومنها
إلى صخا وصخا في البرية وبها إقليم متصل ومنها في جهة الجنوب في البرية إلى محلة
صرت ومنها إلى منوف العليا وهي قرية صغيرة عامرة ولها إقليم معمور وبها غلات وخير
كثير ومن منوف العليا إلى سكاف وهي قرية حسنة شاملة لأهلها محدقة بخيرها متصلة
عماراتها ومنها إلى شنطوف. ونرجع بالقول إلى ترعة بلقينة السابق ذكرها فمنها
منحدراً إلى المحلة وهي مدينة كبيرة ذات أسواق عامرة وتجارات قائمة وخيرات شاملة
وبها يقرب من المحلة على خمسة وأربعين ميلاً في البرية مدينة صنهور وإليها تصل
ترعة بلقينة ويقابلها في جهة الشرق مدينة سندفة وبينهما نحو ميل ونصف وهي مدينة
جليلة جميلة كثيرة الفواكه والنعم وبين سندفة ومدينة سمنود في البرية خمسة عشر
ميلاً ومدينة سمنود على خليج تنيس ودمياط ومن سندفة إلى مدينة المحلة ومنها إلى
محلة الداخل وهي قرية حسنة لها بساتين وجنات في غربي الخليج ومنها إلى دميرة التي
ترسم بها الثياب الشروب وهما مدينتان كبيرتان فيهما طرز للخاصة وطرز للعامة ومنها
يخرج إلى ذمياط كما قدمنا.
وقد
ذكرنا من أوصاف الخلجان الشرقية وتشعبها على ما هي عليه ما فيه كفاية وبقي علينا
أن نذكر الخليجين الغربيين حسب ما يجب ونأتي بما عليهما من البلاد وكيفية تشعبهما
فنقول من ذلك: من شاء الانحدار من مصر إلى الإسكندرية خرج من مصر منحدراً إلى
جزيرة أنقاش ونبابة وهما مدينتان بين شطي النيل كانتا برسم تربية الوحوش فيهما في
مدة أيام الأمير صاحب مصر عشرة أميال ومنها إلى الأخصاص وهي قرية حسنة لها بساتين
وجنات وروضات ومبان ومنتزهات عشرون ميلاً ومنها منحدراً في النيل إلى ذروة خمسة
أميال ومنها إلى شنطوف عشرون ميلاً وشنطوف مدينة صغيرة متحضرة لها مزارع وخصب
ومنها في الضفة الغربية إلى قرية تسمى أم دينار وهي قرية حسنة ومن أم دينار إلي
أشمن جريش خمسة عشر ميلاً وهي مدينة صغيرة في الغرب كثيرة العمارات والبساتين
والجنات ومنها إلى مدينة الجريش ثمانية عشر ميلاً وهي في الضفة الشرقية وهي مدينة
حسنة على إقليم جليل كبير وهي كثيرة التجارات والعمارات والكروم والأشجار ومنها
إلى رمال الصنيم وبها آية من آيات الله سبحانه وذلك أنه يؤخذ العظم فيدفن في هذه
الرمال سبعة أيام فيعود حجراً صلداً بإذن الله ومن رمال الصنيم إلى أبي يجنس وهي
قرية كبيرة عامرة لها سوق وحولها بساتين وغراسات وكذلك منها إلى ترنوط وهي مدينة
صغيرة متحضرة لها سوق وتجار مياسير ومن ترنوط هذه إلى شنطوف خمسون ميلاً وبمدينة
ترنوط معدن النطرون الجيد ومنه يحمل إلى جميع البلاد ومدينة ترنوط على بر شابور
وذلك أن هذا الذراع من النيل إذا وصل إلى رمال الصنيم انقسم قسمين فيمر القسم
الأول إلى ناحية المغرب إلى أن يصل إلى ترنرط ثم إلى بستامة إلى طنوب ومنها إلى
شابور وهي مدينة كالقرية الجامعة ومنها إلى محلة السيدة ثم إلى دنشال ثم إلى قرطسا
ثم إلى سوق أبي منى ومنها إلى قرنفيل ثم إلى الكريون ومنها إلى قرية الصير ثم إلى
الإسكندرية.
وهذا الخليج لا يدخله الماء لا يسافر فيه إلا عند زيادة النيل لأن فوهته مرتفعة
على مجرى النيل فلا يصل إليه الماء إلا في الوقت الذي ذكرناه وذلك أن فوهة هذا
الخليج إذا وصل إلى ترنوط انعطف إلى جهة المشرق حتى يجتمع بأخيه عند ببيج وتصير
بينهما جزيرة بيار وفم الخليج الشرقي يخرج من نحو رمال الصنيم فيمر في جهة الشمال
إلى أن يتصل بصاحبه عند ببيج وعلى فوهته وأسفل منه مزارع وقرى متصلة في ضفة المشرق
تتصل بأعلى منوف السفلى.
ومنها إلى قرية تتا ومن قرية تتا إلى فيشة إلى البندارية ويقابلهما المنار وفي
الضفة الغربية ببيج وهناك يجتمع الخليجان فيصيران واحداً وفوق ببيج قرية قليب
العمال وينزل النيل مع الشمال إلى صاه في الضفة الشرقية ويقابلها من الجهة الشرقية
محلة نكلا خمسة عشر ميلاً ومن صاه إلى قرية إصطافية في الضفة الشرقية عشرون ميلاً
وهي قرية حسنة عامرة ومنها إلى محلة العلوي خمسة عشر ميلاً وهي قرية كبيرة ذات
بساتين وضياع ويقابلها في الضفة الغربية سرنبى وهي قرية عامرة ومن محلة العلوي إلى
فوة خمسة عشر ميلاً وهي مدينة حسنة كثيرة الفواكه والخصب وبها أسواق وتجارات.
وينقسم النيل أمامها قسمين فتكون بينهما جزيرة الراهب وعلى آخرها مدينة سنديون
وكانت قبل ذلك مدينة لكنها دثرت وبقي منها معالم وقرى متصلة ومن فوة إلى سنديون في
الضفة الشرقية نحو من خمسة عشر ميلاً ويحاذيها في الجهة الغربية قرية سمديسي وبين
سمديسي وسرنبى خمسة عشر ميلاً.
وعلى مقربة من أسفل سمديسى يخرج ذراع من النيل ليس بالكبير فيتصل ببحيرة مارة ما
بين غرب وشمال طولها أربعون ميلاً في عرض ميلين أو نحوهما وماؤهما ليس بعميق حتى
تأتي ساحل البحر الملح وتنعطف هذه البحيرة مع الساحل على بعد ستة أميال من رشيد ثم
ترجع إلى فم ضيق في أعلى سعتها مقدار عشرة أبواع في طول رمية حجر.
ثم
تتصل هذه البحيرة ببحيرة أخرى طولها عشرون ميلاً وسعتها أقل من سعة الأخرى وماؤها
أيضاً ليس بعميق فيسار فيها إلى أعلاها ومن هناك إلى الإسكندرية ستة أميال ثم
يتحول الناس عن المراكب إلى البر فيسيرون على الدواب إلى الإسكندرية وأما النزول
إلى رشيد فعلى معظم الخليج فيسار من سمديسى إلى قرية الحافر عشرون ميلاً ويقابلها
في الضفة الشرقية قرية نطوبس الرمان ومن الحافر إلى الجديدية خمسة عشر ميلاً وهي
قرية عامرة.
ومن الجديدية إلى رشيد وهي مدينة متحضرة بها سوق وتجار ونفقة ولها مزارع وغلات
حنطة وشعير وبها جمل بقول حسنة كثيرة ولها نخل كثير وأنواع من الفواكه الرطبة وبها
من الحيتان وضروب السمك من البحر الملح والسمك النيلي كثير وبها يصاد الدليس
ويملحونه ويسافرون به إلى كل الجهات وهو من بعض تجاراتهم.
وأكثر رساتيق مصر وقراها في الجوف والريف والريف هو ما كان من النيل جنوباً وأكثر
أهل هذه القرى قبط نصارى يعقوبية ولهم الكنائس الكثيرة وفيهم قلة شر وهم أهل يسار
وأخبر الحوقلي في كتابه أن المرأة العظيمة من نساء القبط ربما ولدت الاثنين
والثلاثة في بطن واحد وبحمل واحد ولا يجدون لذلك علة إلا ماء النيل.
ومن رشيد إلى مدينة الإسكندرية ستون ميلاً وذلك أنك تسير من رشيد إلى الرمال إلى
بوقير ثلاثين ميلاً إلى القصرين إلى الإسكندرية ثلاثين ميلاً ولأهل الإسكندرية في
بحرهم سمكة مخططة لذيذة الطعم تسمى العروس إذا أكلت مشوية أو مطبوخة رأى آكلها في
نومه كأنه يؤتى إن لم يتناول عليها شيئاً من الشراب أو يكثر من أكل العسل.
فأما الطريق من مصر إلى أسوان وأعلى الصعيد فقد ذكرناه وكذلك الطريق من مصر إلى
إفريقية قد ذكرناه على مسافة فنريد الآن أن نذكر الطريق من مصر إلى البهنسا ثم إلى
مدينة سجلماسة مرحلة مرحلة وهو الطريق الذي أخذه المرابطون في سنة ثلاثين وخسمائة
تخرج من مصر إلى البهنسا سبعة أيام ومن البهنسا إلى جب مناد مرحلة ثم إلى فيدلة
مرحلة ثم مرحلة بلا ماء ثم مرحلة بلا ماء ثم إلى عين قيس مرحلة ثم إلى غيات مرحلة
إلى جبل أمطلاس مرحلة إلى نسنات مرحلة إلى وادي قسطرة مرحلة إلى جبل سرواي مرحلة
إلى صحراء تيديت ثلاث مراحل بلا ماء إلى غدير شناوة وماؤه شروب مرحلة إلى جبل تاتى
مرحلة إلى ساملا مرحلة إلى سيرو في الجبل مرحلة إلى صحراء متالاوت وهي ست مراحل لا
ماء فيها ثم إلى نقاو مرحلة ثم إلى سلوبان جبل مرحلة ثم إلى جبل وجاد مرحلة ثم إلى
ندرمسة ثم إلى جبل قزول مرحلة ثم إلى جبل أيدمر ثلاث مراحل صحراء بلا ماء إلى
سلكايا مرحلتان ثم إلى تساممت مرحلة إلى سجلماسة مرحلة وهذا الطريق قليلاً ما يسلكه
أحد وإنما يسلكه الملثمون بدليل.
وكذلك من مصر إلى بغداد خمسمائة وسبعون فرسخاً تكون ألف ميل وسبعمائة ميل وعشرة
أميال.
والطريق من مصر إلى مدينة يثرب تخرج من مصر إلى الجب إلى البويب ثم إلى منزل ابن
صدقة ثم إلى عجرود ثم إلى الدوينة ثم إلى الكرسي ثم إلى الخفر ثم إلى منزل ثم إلى
أيلة ثم إلى حقل ثم إلى مدين ثم إلى الأعراء ثم إلى منزل ثم إلى الكلاية ثم إلى
شعب ثم إلى البيضاء ثم إلى وادي القرى ثم إلى الرحيبة ثم إلى ذي المروة ثم إلى مر
ثم إلى السويداء ثم إلى ذي خشب ثم إلى المدينة يثرب.
وطريق آخر على ساحل البحر القلزمي من مصر إلى عين شمس إلى قرية المطرية إلى بركة
الجب وهو غدير يفرغ فيه خليج القاهرة إلى جب عجرود ثم إلى جب العجوز إلى القلزم ثم
إلى بطن مغيرة وهو مرسى عليه بركة ماء ثم إلى جون فاران ثم إلى مزيد ثم إلى تيران
وهو مكان خبيث تعطب فيه المراكب عند الهول وذلك أنه جون على ضفته جبل قائم فالريح
إذا هبت عليه تلوت ونزلت إلى البحر فهاجت موجه أتلفت ما لقيت هناك من السفن وإذا
هبت الريح الجنوب فلا سبيل إلى سلوكه ومقدار هذا المكان الصعب نحو من ستة أميال
ويقال إن في هذا الموضع غرق فرعون لعنه الله وبالقرب من فاران موضع صعب إذا سلك
والريح الصبا مغرباً أو الدبور مشرقاً ويسمى جبيلات ومن جبيلات إلى جبل الطور إلى
الأيلة إلى الحقل إلى مدين إلى الحوراء إلى الجار إلى قديد إلى عسفان إلى بطن مر
إلى مكة.
والطريق
من مصر إلى الفرما من مصر إلى بلبيس مرحلة إلى فاقوس مرحلة وهي مدينة ثم إلى جرجير
مرحلة وسنذكر حال الفرما بعد هذا إن شاء الله تعالى.
نجز الجزء الرابع من الإقليم الثالث والحمد لله ويتلوه الجزء الخامس منه إن شاء
الله تعالى.
الجزء الخامس
إن هذا الجزء الخامس من الإقليم الثالث تضمن قطعة من بحر القلزم وفحص التيه وبعض
البحر الشامي بما عليهما من المدن والمراسي والحصون العامرة وأرض فلسطين والشام
وأسفل أرض الحجاز مع قطعة من غربي البادية وفيها من البلاد المشهورة القلزم وفاران
والأيلة ومدين وخيبر ووادي القرى والحجر وتبوك ودوما ومعدن النقرة والعادي
والسيالة وراهط ثم الفرما وعسقلان وغزة والرملة وبيت المقدس وطبرية ونابلس ودمشق
وبعلبك وحمص ويافا وقيسارية وأرسوف وعكة وصور وبيروت والناعمة وجبيل واطرابلس
وانطرطوس وبيسان وجبلة واللاذقية والسويدة وأنطاكية ونحن ذاكرون لما في كل واحدة
منها من المباني والعجائب والطرق والمصنوعات وما يجلب إليها وما يخرج عنها وما
بينها من الأميال والفراسخ وأمكنتها على التقصي بحول الله.
فأما بحر القلزم فإنه كما قدمنا ذكره طوله نحو ثلاثين مرحلة وعرضه أوسع ما يكون
قدر ثلاثة مجار ثم لا يزال يضيق حتى يرى من بعض جوانبه الجانب الآخر وأوسع مكان
فيه حيث القلزم.
وبحر القلزم في ذاته كالنهر وفيه جبال عادية فوق الماء وفيه تروش وقالات ظاهرة
ومخفية وطرق السفن فيما بينها معلومة لا يدخل بينها إلا الربانيون وأولو المعرفة
بالبحر والتمهر في الرياسة فيه العالمون بطرقاته المجترئون على مجالاته والسير في
هذا البحر بالنهار فقط وأما بالليل فلا يسير أحد فيه لصعوبة طرقه وتعاريج مسالكه
وكثرة معاطبه.
والقلزم كانت مدينتين وهما الآن أكثرهما خراب لتسلط العرب عليهما وأخذهم ما بأيدي
أهليها والتضييق الدائم عليهم حتى قلت عمارتهما وخاف قاصدهما وانقطعت طرق
تجاراتهما وفنى ما بأيدي أهليهما وضاقت معايشهم وشرب أهلهما من عين السويس وهي عين
ناشعة في وسط الرمل وماؤها ماء زعاق لا يسيغه شارب.
وبين القلزم ومصر تسعون ميلاً وكذلك من القلزم إلى الفرما في البر مما يلي الشمال
سبع مرحل وهو ما بين البحر القلزمي والبحر الشامي من المسافة وما بينهما يسمى فحص
التيه وهناك تاهت بنو اسرائيل في زمن موسى عليه السلام.
وبالقلزم تنشأ السفن السائرة في هذا البحر وإنشاؤها شيء طريف وذلك أن الكلكل ينبسط
على الأرض عريضاً ثم لا يزال اللوح يتركب منه على ما لصق به حتى يتهندم ثم يجوز
بحبال الليف والدسر ويوصل بينهما بالجسور الماسكة فإذا كمل ذلك بأسره جلفط بالشحم
المتخذ من دواب البحر ودقاق اللبان وقيعان مراكبه عراض دون تعميق في تركيبها لتحمل
بذلك كثير الوسق ولا تدرس على كبير عمق.
ومن القلزم على الساحل إلى فاران أربعون ميلاً ومدينة فاران في قعر جون وهي قرية
صغيرة يأوي إليها بعض عرب تلك الناحية.
وإزاء فاران موضع متجون من قبل البحر وعلى ضفته جبل من حجر صلد والماء يتردد معه
ويستدير وسلوكه عند هيجان الريح به صعب لا يقدر أحد على جوازه إلا بعد جهد وربما
تلف السالك فيه إلا ما دفع الله وفيما يذكر أن بهذا البحر غرق فرعون لعنه الله.
ومنه إلى جبل الطور وهو على مقربة من البحر ويمتد معه وبينه وبين البحر طريق مسلوك
وهو جبل عال يصعد إليه على مدارج وفي أعلاه مسجد وله بئر ماء ناشعة ومنها يشرب من
هناك من الصادرين والواردين.
ومن الطور إلى المصدف وهو مكان حسن رمل وماؤه صاف ويصاد به اللؤلؤ.
ومن هذا المصدف إلى شرم البيت وهو مرسى لا ماء فيه.
ومنه إلى شرم البئر وهو مرسى لا ماء فيه.
ومنه إلى رأس أبي محمد وهو مرسى لا ماء فيه وهو رأس عقبة أيلة.
وأيلة مدينة صغيرة والعرب يأوون إليها ويتصرفون فيها.
ثم إلى العونيد وهو مرسى فيه الماء وتقابله جزيرة النعمان وبينها وبين البر عشرة
أميال وجزيرة النعمان معمورة فيها قوم من العرب أشقياء عيشهم من صيد الحوت.
ومنها إلى مرسى ظبا فيه ماء.
ومنه
إلى العطوف ثم إلى الحوراء وهي قرية عامرة وأهلها أشراف وعندهم معدن يقطعون فيه
الأبارم ومنها يتجهز بها إلى سائر الأقطار المصاقبة والمتباعدة ويتصل بها في جهة
الجنوب وعلى قرب منها جبل رضوى وفيه حجر المسن الذي يحمل إلى جميع أقطار الأرض من
بلاد المشرق والمغرب وشرب أهل الحوراء من آبار عذبة وبها إرساء وقصر.
ومنه إلى وادي الصفراء وهو مرسى حسن.
ومنه إلى القويعة وهو مرسى عامر وماؤه يجلب من بعيد.
ومنها إلى الجار ثم إلى الجحفة ثم إلى قديد ثم إلى عسفان ثم إلى جدة وقد سبق لنا
ذكر هذه الحصون والمعاقل فيما سبق من ذكر الإقليم الثاني حيث جاء ذكر الجحفة وقديد
وعسفان والجار والسقيا ولا حاجه بنا إلى إعادة ذكر ذلك.
وعلى ساحل بحر القلزم مدينه مدين وهي أكبر من تبوك وبها البئر التي استقى منها
موسى عليه السلام لسائمة شعيب ويحكى أنها بئر معطلة وقد عمل عليها بيت وماء أهلها
من عين تجري إليهم وسميت مدين بالقبيلة التي كان منها شعيب وبها معايش ضيقة
وتجارات كاسدة.
ومن مدينة مدين إلى أيلة خمس مراحل.
ومن أيلة إلى الجار نحو من عشرين مرحلة.
ومن مدين إلى تبوك في البرية شرقاً ست مراحل.
ومدينة تبوك بين الحجر وبين أول الشام وأول الشام منها على أربع مراحل في نحو نصف
طريق الشام ولها حصن يطيف بها وشرب أهلها من عين ماء خرارة وبها نخيل كثير ويقال
إن أصحاب الأيكة الذين بعث الله إليهم شعيباً كانوا بها وكان شعيب من مدين.
والحجر من وادي القرى على مرحلة وهو حصن نظيف الحال بين الجبال وبها كانت ديار
ثمود وبها بيوت منقورة في الصخر وأهل الحجر وتلك النواحي يسمونها الأثالب وهي جبال
في ذاتها متصلة في العيان حتى إذا توسط المار بها كانت كل قطعة منها قائمة بذاتها
يطاف بكل واحدة منها من غير أن يمازج بعضها بعضاً أو يختلط بعضها ببعض وبها الآن
بئر ثمود ويحيط بالحجر من كل ناحية جبال ورمال لا يكاد أحد يرتقي إلى ذراها إلا
بعد جهد ومشقة.
ومن الحجر إلى تيماء أربع مراحل ومن تيماء إلى خيبر أربع مراحل.
ومدينة خيبر مدينة صغيرة كالحصن منيعة ذات نخيل وزروع وكانت في صدر الإسلام داراً
لبني قريظة والنضير وكان بها السموءل بن عاديا المضروب به المثل في الوفاء.
ومنه إلى المدينة أربع مراحل.
وبقرب خيبر جبل رضوى وهو جبل منيف ذو شعاب وأودية ورأسه من ينابيع الماء به كخضرة
البقل وفيه مياه كثيرة وأشجار ومنه تحمل أحجار المسن إلى سائر الآفاق.
وفيما بينه وبين ديار جهينة وساحل البحر ديار يسكنها قوم من ذرية الحسن بن علي بن
أبي طالب وهم يسكنون بيوت الشعر وهم خلق كثير زيهم زي الأعراب ينتجعون المراعي
والمياه كانتجاع العرب لا فرق بينهم وبين العرب في خلق ولا خلق وتتصل ديارهم مما
يلي المشرق بوادي أرادان وهو عن الجحفة على مرحلة وبينها وبين الأبواء التي في
طريق الحاج ستة أميال.
ومن تيماء إلى دومة الجندل أربع مراحل.
ودومة الجندل حصن منيع ومعقل حصين وبه عمارة وتتصل به عين التمر وبرية خساف من
بادية السماوة وبريه خساف وهي ما بين الرقة وبالس عن يسار الذاهب.
وتيماء حصن عامر وبنية أزلية وهو أعمر من تبوك وبينهما أربع مراحل وبين تيماء وأول
الشام ثلاثة أيام وبتيماء مياه ونخيل ومنه تمتار البادية وبه تجارات قلائل ويسكن
بين أيلة وتبوك إلى وادي القرى قبائل لخم وجذام وجهينة وبلي وبلادهم بلاد إبل وألبان
وأسمان وهم ينتجعون مراعي هذه الأرض ولهم كرم وبذل لما في أيديهم وهم يسكنون بيوت
الشعر وينتقلون من موضع إلى موضع لا يقيمون بمكان ولهم مصايف ومرابع يدورون عليها
وينتقلون إليها مع الدهر وهم مترددون إليها.
وأما
جبل اللكام فإنا ذكرناه لأنه ليس بمعمور الأرض أطول منه فإنه يبتدئ من بحر القلزم
فيمتد إلى نواحي الشام فيسمى هناك جبل لبنان ثم ينتهي إلى حمص فيجاورها ويسمى هناك
جبل بهرا وتنوخ ثم يمر إلى أن يجاور اللاذقية وثم يسمى اللكام وينتهي إلى عين زربة
والهارونية ثم إلى مرعش إلى أن يصل شمشاط وهي عليه ثم يتصل بأعمال آمد ويسمى هناك
جبل السلسلة ثم ينقسم فتمر منه شعبة مع المشرق إلى حصن منصور إلى الباب والأبواب
ويتعلق به جبل القبق وتمر الشعبة الثانية منه مع آمد إلى أحواز ميافارقين ويمر مع
الجنوب إلى حدود بارما ويسمى هناك جبل الكرد إلى أن ينتهي إلى شهرزور إلى أحواز حلوان
إلى الجبال من أحواز الصيمرة إلى جنوب إصبهان ثم يعطف إلى أن يأتي قاشان إلى قم ثم
يصل إلى الري ويتصل به هناك جبال الديلم ويمر مع ساحل البحر الخزري إلى أن ينتهي
إلى بحيرة خوارزم ثم يمر متصلاً بجنوب الغزية حتى يتصل بفاراب ثم يمر في شرقي بلاد
الشاش وينتهي إلى أقصى بلاد فرغانة فيتصل هناك بجبال فردحس الخارجة من البحر
الصيني المحيط على وخان فيقطع بلاد التبت لا في وسطها بل على غربيها ومشارق بلاد
الخرلخية إلى أن يأتي من حدود الإسلام إلى فرغانة.
فتمر منه قطعة إلى الجنوب من فرغانة إلى جبال البتم وبها يسمى هناك على جنوب
أشروسنة ومياه سمرقند تنبعث منه وتنفذ قطعة منه إلى نسف على جنوب الصغد إلى كش
ونسف ونواحي زم على جيحون ثم تصل شعبتان منه فتمر إحداهما شمالاً إلى الجوزجان
ويمتد على الجوزجان ويأخذ على الطالقان إلى مرو الروذ إلى طوس آخذاً على نيسابور
فتكون نيسابور في سفحه وهو في شرقها ويمتد سائراً إلى الري فيكون عن يمين القاصد
من خراسان إلى العراق وينجر مع معظمه كما قدمناه فيما سلف.
وأما حدود فلسطين وهي أول أحواز الشام وحدودها مما يلي المغرب مقدار أربعة أيام
وذلك من رفح إلى اللجون وعرضه من يافا إلى ريحا مسيرة يومين وزغر وديار قوم لوط
والبحيرة المنتنة وجبال الشراة مضمومة إليها وهي منها في العمل إلى حمود أيلة.
وديار قوم لوط والبحيرة المنتنة وزغر إلى بيسان وطبرية تسمى الغور لأنها بقعة بين
جبلين وسائر مياه الشام تنحدر وتجتمع فيكون منها نهر زخار أوله من بحيرة طبرية
فيأخذ من طبرية وجميع الأنهار تصب إليه مثل نهر اليرموك والحد وأنهار بيسان وما
ينصب من كوش مآب وجبال بيت المقدس وجبال قبر إبراهيم عليه السلام وجميع ما ينصب
أيضاً من نابلس فإنه يجتمع الكل منها حتى يقع في بحيرة زغر وتسمى بحيرة سادوم
وغاموراء وهما كانتا مدينتين لقوم لوط فغرقهما الله تعالى فعاد مكانهما بحيرة
منتنة وسميت البحيرة الميتة لأن ما فيها شيء له روح لا حوت ولا دابة ولا شيء متكون
مثل ما ييكون في سائر المياه الراكدة والمتحركة وماؤها حار كريه الرائحة وفيه سفن
صغار يسافر بها في تلك الناحية وتحمل عليها الغلات وصنوف التمر من زغر والدارة إلى
ريحا وسائر أعمال الغور وطول هذه البحيرة ستون ميلاً وعرضها اثنا عشر ميلاً.
ومن ريحا إلى زغر يومان.
ومن زغر إلى جبال الشراة ومن جبال الشراة إلى آخر الشراة يومان.
ومن ريحا إلى بيت المقدس مرحلة.
ومن بيت المقدس إلى عمان والبلقاء يومان.
ومن الرملة إلى قيسارية مرحلة كبيرة.
وريحا المذكورة من أجمل بقاع الغور وعمتا وبيسان وأكثر غلات بلاد الغور النيلج
وأهله سمر بل إلى السواد أقرب.
والجي بلد من بلاد فلسطين صغير ماؤه حار وهواؤه وخيم.
وأما مدينة بيسان فصغيرة جداً وبها نخل كثير وينبت بها السامان الذي يعمل منه
الحصر السامانية ولا يوجد نباته البتة إلا بها وليس في سائر الشام شيء منه.
وفلسطين ماؤها من الأمطار والسيول وأشجارها قليلة وديار فلسطين حسنة البقاع بل
أزكى بلاد الشام ومدينتا الشام هما الرملة ثم بيت المقدس.
فأما الرملة فهي مدينة حسنة عامرة وبها أسواق وتجارات ودخل وخرج ومنها إلى يافا
التي على ساحل البحر الملح نصف يوم.
ومن الرملة إلى نابلس يوم.
ومن الرملة إلى قيسارية مرحلة كبيرة.
ونابلس مدينة السامرية وبها البئر التي حفرها يعقوب عليه السلام وبها جلس السيد
المسيح وطلب من المرأة السامرية الماء ليشرب وعليه الآن كنيسة حسنة ويزعم أهل بيت
المقدس أن السامرية لا يوجد أحد منهم إلا بهذه المدينة.
وبآخر
مدن فلسطين مما يلي الجفار وطريق مصر مدينة غزة وبينهما من الأميال ثلاثون ميلاً.
ومن فلسطين إلى مدينة عسقلان مرحلة كبيرة.
وبين عسقلان وغزة نحو من عشرين ميلاً وهي الآن عامرة بأيدي الروم ومرسى غزة تيدا.
ومن ميماس إلى عسقلان شرقاً عشرون ميلاً.
والعريش مدينة كانت ذات جامعين مفترقة المباني والغالب على أرض الرمال ولها ثمار
وجمل فواكه وهي على مقربة من البحر.
وأيضاً فإن الطريق من الرملة إلى يبنى نصف مرحلة ومنها إلى يزدود في البر مرحلة
ومن يزعود إلى غزة وقد تقدم ذكرها مرحلة.
ومن غزة إلى مدينة رفح وهي مدينة صالحة مرحلة ومنها إلى العريش مرحلة ومن العريش
إلى الورادة وهي منزل قرب البحر مرحلة.
ومن الورادة إلى الفرما وهي مدينة على بحر الشام مجاورة لبحيرة تنيس مرحلة.
وأما مدينة عسقلان فهي مدينة حسنة ذات سورين وبها أسواق وليس لها من خارجها بساتين
وليس بها شيء من الشجر واستفتحها صاحب القدس بعساكر الروم من الإفرنج وغيرهم في
سنة ثمان وأربعين وخمسمائة وهي الآن بأيديهم وعسقلان معدودة في أرض فلسطين
ويقابلها في جهة الجنوب ناحيتان جليلتان وهما جبال وشراة فأما جبال فمدينتها تسمى
دراب وشراة أيضاً مدينتها تسمى أذرح وهما في غاية الخصب وكثرة أشجار الزيتون
واللوز والتين والكروم والرمان وعامة سكانها من قيس.
وكذلك بين جنوب منها وشرق قرية مؤتة ومنها إلى عمان تمر فيما بين شعبي جبل يقال له
الموجب وهو واد عظيم عميق القعر ويمر فيما بين هذين الشعبين وليسا بمتباعدين وذلك
يمكن أن يكون بمقدار ما يمكن أن يكلم إنسان إنساناً وهما واقفان على ضفتي النهر
فيسمع بعضهما بعضاً ينزل فيه السالك ستة أميال ويصعد ستة أميال أيضاً.
ومن عسقلان الساحلية المتقدم ذكرها إلى حصن الماحوز الأول على البحر خمسة وعشرون
ميلاً ويقابله في البرية كوم زنجل وبيت جبريل وهما محلان ينزل بهما ثم إلى الماحوز
الثاني خمسة وعشرون ميلاً ومنها إلى مدينة يافا وهي فرضة بيت المقدس وبينهما
مرحلتان خفيفتان.
وبيت المقدس مدينة جليلة قديمة البناء أزلية وكانت تسمى إيلياء وهي على جبل يصعد
إليها من كل جانب وهي في ذاتها طويلة وطولها من المغرب إلى المشرق وفي طرفها
الغربي باب المحراب وهذا الباب عليه قبة داؤود عليه السلام وفي طرفها الشرقي باب
يسمى باب الرحمة وهو مغلق لا يفتح إلا من عيد الزيتون لمثله ولها من جهة الجنوب
باب يسمى باب صهيون ومن جهة الشمال باب يسمى باب عمود الغراب وإذا دخل الداخل من
باب المحراب وهو الباب الغربي كما قلناه يسير نحو المشرق في زقاق شارع إلى الكنيسة
العظمى المعروفة بكنيسة القيامة ويسميها المسلمون قمامة وهي الكنيسة المحجوج إليها
من جميع بلاد الروم التي في مشارق الأرض ومغاربها فيدخل من باب في غربها فيجد
الداخل نفسه في وسط القبة التي تشمل على جميع الكنيسة وهي من عجائب الدنيا
والكنسية أسفل ذلك الباب ولا يمكن أحداً النزول إليها من هذه الجهة ولها باب في
جهة الشمال ينزل منه إلى أسفل الكنيسة على ثلاثين درجة ويسمى هذا الباب باب شنت
مرية وعند نزول الداخل إلى الكنيسة تلقاه المقبرة المقدسة المعظمة ولها بابان
وعليها قبة معقودة قد أتقن بنيانها وحصن تشييدها وأبدع تنميقها وهذان البابان
أحدهما يقابل الشمال حيث باب شنت مرية والباب الآخر يقابله من جهة الجنوب ويسمى
باب الصلوبية وعلى هذا الباب قنبنار الكنيسة ويقابلها من جهة الشرق كنيسة عظيمة
كبيرة جداً يقدس فيها إفرنج الروم ويتقربون.
وفي
شرقي هذه الكنيسة منحرفاً بشيء لطيف إلى الجنوب الحبس الذي حبس فيه السيد المسيح
ومكان الصلوبية وأما القبة الكبيرة فهي قوراء مفتوحة للسماء وبها دار بها الأنبياء
مصورون والسيد المسيح والسيدة مريم والدته ويوحنا المعمدان وعلى المقدسة من
القناديل المعلقة على المكان خاصة ثلاثة قناديل ذهب وإذا خرجت من هذه الكنيسة
العظمى وقصدت شرقاً ألفيت البيت المقدس الذي بناه سليمان بن داؤود عليه السلام
وكان مسجداً محجوجاً إليه في أيام دولة اليهود ثم انتزع من أيديهم وأخرجوا عنه إلى
مدة الإسلام فكان معظماً في ملك المسلمين وهو المسجد المعظم المسمى بالمسجد الأقصى
عندهم وليس في الأرض كلها مسجد على قدره إلا المسجد الجامع الذي بقرطبة من ديار
الأندلس وفيما يذكر أن مسقف جامع قرطبة أكبر من مسقف الجامع الأقصى وصحن المسجد
الأقصى هو في تربيع طوله مائتا باع في عرض مائة وثمانين باعا نصفه مما يلي المحراب
مسقف بأقباء صخر على عمد كثيرة صفوفاً والنصف الثاني صحن لا سقف له وفي وسط الجامع
قبة عظيمة تعرف بقبة الصخرة وهذه القبة مرصعة بالفص المذهب والأعمال الحسنة من
بناء خلفاء المسلمين وفي وسطها الصخرة المسماة بالواقعة وهو حجر مربع كالدرقة في
وسط القبة رأسها الواحد مرتفع عن الأرض مقدار نصف قامة أو أشف من ذلك ورأسها
الثاني لاصق بالأرض وطول هذه الصخرة مقارب لعرضها يكون بضعة عشر ذراعاً في مثلها
وينزل من باطنها وأسفلها إلى سرداب كالبيت المقلم طوله عشرة أذرع في عرض خمسة
وارتفاع سمكه يشف على القامة ولا يدخل إلى هذا البيت إلا بمصباح يستضاء به ولهذه
القبة أربعة أبواب والباب الغربي منها يقابله مذبح كان بنو إسرائيل يقربون عليه
القرابين وبالقرب من الباب الشرقي من أبواب هذه القبة الكنيسة المسماة بقدس القدس
وهي لطيفة القدر والقبلي منها يقابله المسقف الذي كان مصلى للمسلمين فلما استفتحها
الروم وبقي بأيديهم إلى وقت تأليفنا لهذا الكتاب صيروا هذا المسقف من المسجد
بيوتاً يسكنها الجيل المعروفون بالداوية ومعناه خدام بيت الله ويقابل الباب
الشمالي بستان حسن مغروس بأنواع الأشجار ودائر هذا البستان أعمدة رخام مضفورة
بأبدع ما يكون من الصنعة وفي آخر البستان مجلس برسم الغذاء للقسيسين والمدرجين.
وتخرج من هذا المسجد أيضاً شرقاً فتصل إلى باب الرحمة المغلوق كما قدمنا وبالقرب
من هذا الباب باب آخر مفتوح يعرف بباب الأسباط عليه الدخول والخروج وإذا خرجت من
باب الأسباط سرت في حدود مقدار رمية سهم فتجد كنيسة كبيرة حسنة جداً على اسم
السيدة مريم ويعرف المكان بالجسمانية وهناك قبرها يبصر جبل الزيتون وبينه وبين باب
الأسباط نحو ميل.
وفي طريق الصعود إلى هذا الجبل كنيسة عظيمة حسنة متقنة البناء تسمى كنيسة باتر
نصتر وعلى أعلى الجبل كنيسة أخرى حسنة معظمة وفيها رجال ونساء محبوسون يبتغون بذلك
أجر الله سبحانه وفي شرقي هذا الجبل المذكور منحرفاً قليلاً إلى الجنوب قبر العازر
الذي أحياه السيد المسيح وعلى ميلين من جبل الزيتون القرية التي جلب منها الأتان
لركوب السيد المسيح عند دخوله إلى أورشليم وهي الآن خراب لا ساكن بها.
وعلى قبر العازر يؤخذ طريق وادي الأردن وبين وادي الأردن وبيت المقدس مسافة يوم
واحد ومن قبل أن تصل إلى وادي الأردن مدينة ريحا السابق ذكرها وبينها وبين الوادي
ثلاثة أميال وعلى الوادي المسمى الأردن كنيسة عظيمة على اسم شنت يوحنا يسكنها
رهبان الإغريقيين ووادي الأردن يخرج من بحيرة طبرية ويصب في بحيرة سادوم وغاموراء
اللتين كانتا مدينتي قوم لوط فغرقهما الله بذنوب أهلهما ومما يلي قبلة وادي الأردن
برية متصلة.
وأما
ما يلي بيت المقدس في ناحية الجنوب فإنك إذا خرجت من باب صهيون وسرت مقدار رمية
حجر وجدت كنيسة صهيون وهي كنيسة جليلة حصينة وفيها العلية التي أكل عليها السيد
المسيح مع التلاميذ وفيها المائدة باقية إلى الآن ولها ميعاد في يوم الخميس ومن
باب صهيون تنزل في خندق يعرف بوادي جهنم وفي طرف الخندق كنيسة على اسم بطرس وفي
هذا الخندق عين السلوان وهي العين التي أبرأ بها السيد المسيح الضرير الأعمى ولم
تكن له قبل ذلك عينان ومن هذه العين المذكورة إلى الجنوب الحقل الذي يدفن فيه
الغرباء وهي أرض اشتراها السيد لذلك وبقربها بيوت كثيرة منقورة في الصخر وفيها
رجال قد حبسوا أنفسهم فيها عبادة.
وأما بيت لحم وهو الموضع الذي ولد فيه المسيح فبينه وبين القدس ستة أميال وفي وسط
الطريق قبر راحيل أم يوسف وأم ابن يامين ولدي يعقوب عليهم السلام وهو قبر عليه
اثنا عشر حجراً وفوقه قبة معقودة بالصخر وبيت لحم هناك كنيسة حسنة البناء متقنة
الوضع فسيحة مزينة إلى أبعد غاية حتى إنه ما أبصر في جميع الكنائس مثلها بناء وهي
في وطاء من الأرض ولها باب من جهة المغرب وبها من أعمدة الرخام كل مليحة وفي ركن
الهيكل من جهة الشمال المغارة التي ولد بها السيد المسيح وهي تحت الهيكل وداخل
المغارة المذود الذي وجد به وإذا خرجت من بيت لحم نظرت في الشرق منه كنيسة
الملائكة الذين بشروا بولادة السيد المسيح. ومن بيت لحم إلى مسجد إبرهيم في الجنوب
نحو من ثمانية عشر ميلاً وهي قرية ممدنة وفي مسجدها قبر إبراهيم وإسحق ويعقوب
عليهم السلام وكل قبر من قبورهم تجاه قبر امرأة صاحبه وهذه المدينة في وهدة بين
جبال كثيفة الأشجار أعني شجر الزيتون والتين والجميز وفواكه كثيرة.
وليس بشمال بيت المقدس شيء من البناء ومن مدينة بيت المقدس شمالاً إلى مدينة نابلس
يومان وكذلك من نابلس إلى الرملة يوم كبير.
ومن بيت المقدس إلى عمان والبلقاء يومان وبعض يوم.
ومن بيت المقدس إلى طبرية تسعون ميلاً وكذلك من طبرية إلى الرملة ثلاث مراحل
وطبرية مدينة الأردن الكبرى وهي قصبتها فمنها إلى صور يومان كبيران ومنها إلى عقبة
افيق نحو يوم ومنها إلى بيسان بعض يوم ومنها إلى عمتا مدينة الغور إلى آخر عمل
الأردن ومنها إلى موضع يعرف بالجميلة يوم.
ومن طبرية إلى عكة يومان خفيفان وهي مدينة جليلة على جبل مطل طويلة في ذاتها قليلة
العرض وطولها نحو من ميلين وأسفلها من جهة المشرق بحيرة عذبة الماء طولها اثنا عشر
ميلاً في عرض مثلها وبها مراكب سامحة تحمل فيها الغلات إلى المدينة ولها سور حصين
ويعمل بها من الحصر السامانية كل عجيبة وقليلاً ما يصنع مثلها في بلد من البلاد
المعروفة وفي هذه المدينة حمامات حامية من غير نار توقد لها فهي حارة في الشتاء
والصيف وفيها حمام يعرف بحمام الدماقر وهو كبير عظيم وماؤه في أول خروجه حار تسمط
فيه الجداء والدجاج ويسلق فيه البيض وماؤه ملح وبها حمام اللؤلؤ وهو أصغر من حمام
الدماقر وماؤه حار عذب وهذا الماء الحار يخترق في الدور المجاورة له وبه يغتسلون
ويتصرفون ومن حماماتها حمام المنجدة وماؤه حار عذب وليس فيها حمام ترقد له النار إلا
الحمام الصغير الذي بها وذلك أنه بناه أحد الملوك الإسلامية في داره ليدخله هو ومن
له من أهل وولد وحاشية فلما مات أخرج وجعل للناس عامة فهم يدخلونه وماؤه يسخن
بالنار وحده وفي جهة الجنوب منها حمامات كثيرة مثل عين موقعين وعين الشرف وغيرهما
تصب إليها عيون مياهها حارة مدى الدهر ويقصد إليها من جميع النواحي أهل البلايا من
الناس مثل المقعدين والمفلوجين والمرياحين وأصحاب القروح والجرب فيقيمون بها في
الماء ثلاثة أيام فيبرؤون بإذن الله من ذلك.
ومدن سواحل فلسطين منها عسقلان وأرسوف ويافا وهذه كلها مدن تتقارب مقاديرها وصفاتها
وأحوال أهلها مع أنها لطاف حصينات كثيرة العمارات وبها شجر الزيتون والكروم كثيرة
جداً ويافا في ذاتها مدينة ساحلية وهي فرضة لبيت المقدس وبينهما ثلاث مراحل خفاف.
وبين يافا والرملة عشرون ميلاً.
وقيسارية بلد كبير عظيم له ربض عامر وحصن منيع حسن.
وبين يافا وقيسارية ثلاثون ميلاً ومن قيسارية إلى نابلس مرحلة وكذلك من قيسارية
إلى الرملة مرحلتان خفيفتان ومن قيسارية إلى مدينة حيفا على الساحل يومان.
وحيفا
تحت طرف الكرمل وهو طرف خارج في البحر وبه مرسى حسن لإرساء الأساطيل وغيرها ومدينة
حيفا هي فرضة لطبرية وبينهما ثلاث مراحل خفاف.
ومن حيفا إلى مدينة عكة مرحلة في البر وهي من الأميال ثلاثون ميلاً وفي البحر
رؤوسية ثمانية عشر ميلاً ومدينة عكة كبيرة واسعة الأرجاء كثيرة الضياع ولها مرسى
حسن مأمون وناسها أخلاط فمن طبرية إلى عكة يومان ومن عكة إلى حصن الزيب اثنا عشر
ميلاً وهو حصن حسن على ضفة البحر الملح.
ومنه إلى االنواقير وهي ثلاثة جبال بيض شواهق مطلة على ضفة البحر نحو من ثمانية
عشر ميلاً ومن وسط النواقير إلى مدينة الإسكندرية خمسة أميال.
ومن الإسكندرية إلى مدينة صور خمسة عشر ميلاً وهي مدينة حسنة على ضفة البحر وبها
للمراكب إرساء وإقلاع وهو بلد حصين قديم والبحر قد أحاط به من ثلاثة أركانه ولهذه
المدينة ربض كبير ويعمل بها جيد الزجاج والفخار وقد يعمل بها من الثياب البيض
المحمولة إلى كل الآفاق كل شيء حسن عالي الصفة والصنعة ثمين القيمة وقليلاً ما
يصنع مثله في سائر البلاد المحيطة بها هواء وماء.
ومن صور إلى طبرية يومان كبيران ومنها إلى عدلون وهو حصن منيع على البحر ومنه إلى
صرفند عشرون ميلاً وهو حصن حسن ومنه إلى صيداء عشرة أميال وبين صور وصرفند يقع نهر
ليطقة ومنبعه من الجبال ويقع هناك في البحر ومن مدينة صور في البر إلى طبرية يومان
كبيران ومن صور إلى دمشق أربعة أيام.
ومدينة دمشق من أجمل بلاد الشام وأحسنهما مكاناً وأعدلها هواء وأطيبها ثرىً
وأكثرها مياهاً وأغزرها فواكه وأعمها خصباً وأوفرها مالاً وأكثرها جنداً وأشمخها
بناءً ولها جبال ومزارع تعرف بالغوطة وطول الغوطة مرحلتان في عرض مرحلة وبها ضياع
كالمدن مثل المزة وداريا وبرزة وحرسة وكوكبا وبلاس وكفرسوسية وبيت الأهواء وبها
جامع قريب الشبه بجامع دمشق ومن باب دمشق الغربي وادي البنفسج وطوله اثنا عشر
ميلاً وعرضه ثلاثة أميال وكله مغروس بأجناس الثمار تشقه خمسة أنهار وغير ذلك ويكون
في كل واحدة من هذه الضياع من ألفي رجل إلى ألف وأقل وأكثر والغوطة أيضاً هي أشجار
وأنهار ومياهها مخترقة تشق البساتين والديارات وبها من أنواع الفواكه ما لا يحيط
به تحصيل ولا يأتي به تمثيل كثرةً وخصباً وطيباً ودمشق أنزه بلاد الله من خارج.
ومياه الغوطة الجارية بها تخرج من عين الفيجة وهذه العين في أعلى جبل وينصب ماؤها
من أعلى هذا الجبل كالنهر العظيم له صوت هائل ودوي عظيم يسمع على بعد ويرى نزول
الماء من أعلى الجبل على قرية ابل حتى ينتهي إلى المدينة فتتفرع منه الأنهار
المعروفة بها منها نهر يزيد ونهر ثورة ونهر بردى ونهر قناة المزة ونهر باناس ونهر
سقط ونهر يشكور ونهر عادية وهذا النهر ليس بمشروب منه لأن عليه مصبات أوساخ
المدينة وأوذار غسالاتها وقنوات صغار ويشق لهذا النهر وسط المدينة وعليه قنطرة
يجتاز عليها الناس وكذلك أيضاً سائر الأودية التي ذكرناها تخرج منها سواق تخترق
المدينة وتجري إلى دورها وحماماتها وبساتينها وأسواقها.
وبها
المسجد الجامع الذي ليس على الأرض مثله بناء ولا أحسن منه صفة ولا أتقن منه
إحكاماً ولا أوثق منه عقداً ولا أغرب منه رسماً ولا أبدع منه تلميعاً بأنواع
الفصفص المذهب والآجر المحكوك والمرمر المصقول وهو في مربعة تعرف بالميزاب فمن
جاءه من ناحية باب جيرون صعد إليه في درج رخام كبير واسع نحو من ثلاثين درجة ومن
قصده من ناحية باب البريد والقبة الخضراء وقصر اليتيمين وحجر الذهب وباب الفراديس
كان مدخله مع الأرض بغير عرج وفيه آثار عجيبة فمنه الخوان والقبة التي فوق المحراب
عند المقصودة ويقال إنها بناء الصابئة وكان مصلاهم بها ثم صار في أيدي اليونانين
فكانوا يعظمون فيه دينهم ثم صار من بعدهم لملوك من عباد الأوثان فكان لهم موضعاً
لأصنامهم ثم انتقل إلى اليهود فقتل في ذلك الزمان يحيى بن زكرياء فنصب رأسه على
باب المسجد المسمى باب جيرون ثم تغلبت عليه النصارى فصار ملكاً بأيديهم فحولته
بيعة يقيمون بها دينهم ثم استفتحها الإسلام فصار لهم فاتخذوه جامعاً فلما كان في
أيام الوليد بن عبد الملك من بني أمية عمره فجعل أرضه رخاماً ومعاقد رؤوس أساطينه
ذهباً ومحرابه مذهباً وسائر حيطانه مرصعة بأشباه الجوهر ودور السقف كله مكتباً كما
يدور بترابيع جدران المسجد مذهباً بأحسن صنعة وأبدع تنميق ويقال إنه جعل بأعلى
السقف حصر رصاص محكة التأليف وثيقة الصنعة والماء يصل إليه في قنوات رصاص فمتى
احتاج ذلك المسجد إلى الغسل فتح إليه الماء وغسل جميع صحنه بأهون سعي ويقال إن
الوليد بن عبد الملك المقدم ذكره أنفق في إتقان هذا المسجد الجامع خراج الشام كله
سنتين.
ومدينة دمشق محدثة وإنما كان القديم من موضعها موضعاً يسمى الجابية وذلك في أيام
الجاهلية وبنيت دمشق عليها ولها أبواب شتى فمنها باب الجابية وعرض الأرض المعمورة
أمامه ستة أميال طولاً في عرض ثلاثة أميال كل ذلك أشجار وعمارات ويشقها خمسة أنهار
ومن أبوابها باب توما وباب السلامة وباب الفراديس ودير مران يقابله والباب الصغير.
ومدينة دمشق جامعة لصنوف من المحاسن وضروب من الصناعات وأنواع من الثياب الحرير
كالخز والديباج النفيس الثمين العجيب الصنعة العديم المثال الذي يحمل منها إلى كل
بلد ويتجهز منها به إلى كل الآفات والأمصار المصاقبة لها والمتباعدة منها ومصانعها
في كل ذلك عجيبة يضاهي ديباجها بديع ديباج الروم ويقارن ثياب تستر وينافس أعمال
إصبهان ويشف على أعمال طرز نيسابور من جليل ثياب الحرير المصمتة وبدائع ثياب تنيس
وقد احتوت طرزها على أفانين من أعمال الثياب النفيسة ومحاسن جمة فلا يعادلها جنس
ولا يقاومها مثال ولدمشق في داخلها على أوديتها أرحاء كثيرة والحنطة فيها كثيرة
جداً وأنواع الفواكه وأما الحلاوات فيها فمنها ما لا يوجد بغيرها ولا يوصف كثرة وطيباً
وجودة وأهلها في خصب عيش واتصال أمن وصناعاتها نافقة وتجاراتها رابحة وهي من أعز
البلاد الشامية وأكملها حسناً.
ومنها إلى مدينة بعلبك في جهة الشمال مرحلتان وهي مدينة خصيبة على سفح جبل وعليها
سور حصين مبني بالحجارة وسعته عشرون شبراً والماء يشق في وسطها ويدخل كثيراً من
ديارها وعلى هذا النهر أرحاء ومطاحن وهي كثيرة الغلات نامية الإصابات وافرة
الفواكه والطرف غزيرة الكروم والأشجار خصيبة المآكل والأسعار وفيها من عجيب البناء
المذكور آثار يجب ذكرها لشماختها ووثاقة صنعها وذلك أن بها من عجيب البنيان
الملعبين وهما الصغير والكبير فالكبير يحكى أنه بني في أيام سليمان بن داؤود وهو
عجيب المنطر فيه حجارة يكون طول الحجر منها عشرة أذرع وأقل وأكثر ومنه شيء مبني
على عمد شاهقة يروع منظرها والملعب الصغير قد تهدم أكثره وذهبت محاسنه وبقي منه
الآن حائط قائم طوله عشرون ذراعاً وارتفاعه على الأرض عشرون ذراعاً وليس فيه إلا
سبعة أحجار حجر واحد في أسفله وحجران فوقه وأربعة أحجار فوق الحجرين وفي هذه
المدينة من البناء كل شيء عجيب.
ومن مدينة دمشق إلى بيروت يومان كبيران ومنها إلى مدينة صيداء مثل ذلك ومن دمشق
إلى أذرعات وهي البثنية أربع مراحل ومن دمشق إلى نابلس ست مراحل غرباً ومن دمشق
إلى اطرابلس الساحلية خمس مراحل.
فأما
مدينة صيداء فهي على ساحل البحر الملح وعليها سور حجارة وهي تنسب إلى امرأة كانت
في الجاهلية وهي مدينة كبيرة عامرة الأسواق رخيصة الأسعار محدقة بالبساتين
والأشجار غزيرة المياه واسعة الكور لها أربعة أقاليم وهي متصلة بجبل لبنان لإقليم
يعرف بإقليم جزين وفيه مجرى وادى الحر وهو مشهور بالخصب كثير الفواكه وإقليم
السربة وهو إقليم جليل وإقليم كفر قيلا وإقليم الرامي وهو نهر يشق جبالها ويصب إلى
البحر وجميع هذه الأربعة أقاليم تشتمل على نيف وستمائة ضيعة وشرب أهلها من ماء
يجري إليها من جبلها في قناة وبهذه المدينة أعني صيداء عينها المعروفة وذلك أنه
ينشأ بها في أيام الربيع سميكات على طول الإصبع سواء منها ذكور ومنها إناث ولها
علامات تعرف بها إناثها وذكورها فإذا كان وقت سفادها أخذت صيداً ثم تجفف فإذا احتيج
إليها أخذت منها واحدة فتسحق وتستف بالماء فإن الرجل ينعظ إنعاظاً قوياً ويجامع ما
شاء ولا يصيبه عن ذلك عجز ولا فتور وهذه السميكات صغار على هيئة الوزغ لها أيد
وأرجل خفية صغار وقد رأيناها غير ما مرة.
ومن صيداء إلى الجية وهو حصن على البحر ثمانية أميال ومنه إلى حصن القلمون على
البحر خمسة أميال وهذا الحصن على قنطرة والقنطرة على واد وهي عريضة جداً وقد بني
الحصن عليها وهو حصن منيع في عطفة جون.
ومنه إلى حصن الناعمة وهو كالمدينة الصغيرة سبعة أميال والناعمة مدينة حسنة وأكثر
نبات أرضها شجر الخرنوب التي لا يعرف في معمور الأرض مثله قدراً ولا طيباً ومنها
يتجهز به إلى الشام وإلى ديار مصر وإليها ينسب الخرنوب الشامي أما وإن كان الخرنوب
في الشام كثيراً طيباً فهو بالناعمة أكثر وأطيب.
ومن حصن الناعمة إلى طرف بيروت أربعة وعشرون ميلاً ومدينة بيروت أيضاً مدينة على
ضفة البحر الملح على سور حجارة كبيرة واسعة ولها بمقربة منها جبل فيه معدن حديد
طيب جيد القطع ويستخرج منه الكثير ويحمل إلى بلاد الشام ولها غيضة أشجار صنوبر مما
يلي جنوبها تتصل إلى جبل لبنان وتكسير هذه الغيضة اثنا عشر ميلاً في مثلها وشرب
أهلها من الآبار.
ومنها إلى دمشق يومان ومن مدينة بيروت إلى حصن المزداسية ثمانية أميال ومنه إلى
نهر الكلب ستة أميال وهو على البحر حصن صغير ومنه إلى جونية أربعة أميال وجونية
حصن كبير على البحر وأهله نصارى يعاقبة ومنه إلى عطفة سلام وهو جون كبير طوله عشرة
أميال ومنه إلى ماحوز جبيل وهو حصن حصين ثم إلى موقع نهر إبراهيم ثلاثة أميال.
ومن النهر إلى مدينة جبيل خمسة أميال وهي مدينة حسنة على البحر لها سور من حجر
حصين ولها كورة واسعة وأشجار وفواكه وكروم وليس لها ماء جار وإنما يشرب أهلها من
مياه الآبار وبها إرساء وحط ومن مدينة جبيل على البحر إلى حصن بثرون عشرة أميال
وهو حصن حسن ومنه إلى أنف الحجر على البحر خمسة أميال ومن حصن أنف الحجر إلى مدينة
اطرابلس الشام ثمانية أميال.
ومدينة اطرابلس الشام مدينة عظيمة عليها سور من حجر منيع ولها رساتيق وأكوار وضياع
جليلة وبها من شجر الزيتون والكروم وقصب السكر وأنواع الفواكه وضروب الغلات الشيء
الكثير والوارد والصادر إليها كثير والبحر يأخذها من ثلاثة أوجه وهي معقل من معاقل
الشام مقصود إليها بالأمتعة وضروب الأموال وصنوف التجارات وينضاف إليها عدة حصون
وقلاع معمورة داخلة في أعمالها مثل أنف الحجر المتقدم ذكرها وحصن القالمون وحصن أبي
العدس وأرطوسية ولها من أمهات الضياع المشهورة المذكورة أربعة فمنها الضيعة
المعروفة بالشفيقية والزيتونية والراعبية والحدث وأميون وبها من شجر الزيتون
وأنواع الفواكه أكثر مما في غيرها ومنها في جهة الجنوب حصن بناه ابن صنجيل
الإفرنجي ومنه افتتح اطرابلس وبينهما أربعة أميال وهو حصن منيع جداً وهو بين
واديين.
ويقابل مدينة اطرابلس أربع جزائر في صف فأولها مما يلي البر جزيرة النرجس وهي
صغيرة خالية وإليها جزيرة العمد ثم إليها جزيرة الراهب ثم إليها جزيرة أرذقون.
ومن
مدينة اطرابلس على الساحل إلى رأس الحصن وهو مدينة صغيرة عامرة آهلة وهي على طرف
جون وهذا الجون طوله رؤوسية خمسة عشر ميلاً وتقويراً مع الساحل ثلاثون ميلاً ويسمى
جون عرقة وفي وسط هذا الجون ثلاثة حصون تتقارب بعضها من بعض اسم أحدها مما يلي
اطرابلس لوتورس والآخر بابيية وهو على نهر جار يسمى نهر بابيية والحصن الثالث يسمى
حصن الحمام وهي تتقارب بعضها من بعض ومنه إلى عرقة وهي مدينة عامرة حسنة في سفح
جبل قليل العلو ولها في وسطها حصن على قلعة علية ولها ربض كبير وهي عامرة بالخلق
كثيرة التجارات وأهلها مياسير وشربهم من ماء يأتيهم في قناة مجلوبة من نهرها
ونهرها جار ملاصق لها وبها بساتين كثيرة وفواكه وقصب سكر وبها مطاحن على نهرها
المتقدم ذكره وبينها وبين البحر ثلاثة أميال وحصنها كبير وعيش أهلها خصيب رغد
وبناؤها بالجص والتراب والخير بها كثير.
وأما أرض حمص فإن مدينتها حمص وهي مدينة حسنة في مستو من الأرض وهي عامرة بالناس
والمسافرون يقصدونها بالأمتعة والبضائع من كل فن وأسواقها قائمة ومسرات أهلها
دائمة وخصبهم رغد ومعايشهم رفيقة وفي نسائها جمال حسن بشرة وشرب أهلها من ماء
يأتيهم في قناة من قرية بقرب جوسية والمدينة منها على مرحلة مما يلي دمشق ونهر
الأرنط المسمى المقلوب يجري على بابها بمقدار رمية سهم أو أشف قليلاً ولهم عليه
قرى متصلة وبساتين وأشجار وأنهار كثيرة ومنها تجلب الفواكه إلى المدينة وكانت في
مدة الإسلام من أكثر البلاد كروماً فتلف أكثرها وثراها طيب للزراعات واقتناء
الغلات وهواؤها أعدل هواء يكون بمدن الشام وهي مطلسمة لا تدخلها حية ولا عقرب ومتى
أدخلت على باب المدينة هلكت على الحال وبها على القبة العالية الكبيرة التي في
وسطها صنم نحاس على صورة الإنسان الراكب يدور مع الريح حيث دارت وفي حائط القبة
حجر عليه صورة عقرب فإذا جاء إنسان ملدوغ أو ملسوع طبع في ذلك الحجر الطين الذي
يكون معه ثم يضع الطين على اللسعة فتبرأ للحين وجميع أزقتها وطرقها مفروشة بالحجر
الصلد وزراعاتها مباركة كثيرة وزروعها تكتفي باليسير من السقي وبها مسجد جامع كبير
من أكبر جوامع مدن الشام.
ومن مدينة حمص إلى حلب خمس مراحل.
ومن حمص إلى انطرطوس على البحر مرحلتان والطريق من عرقة إلى انطرطوس على الساحل
تخرج من مدينة عرقة إلى الحصن المسمى شنج ثم إلى مدينة انطرطوس وهي في آخر جون
كبير وعلى أكثره جبال ممتدة ويقطع هذا الجون رؤوسية خمسة عشر ميلاً ومدينة انطرطوس
مدينة صغيرة على البحر لها سور حصين وعلى مقربة منها في البحر جزيرة أرواد وهي جزيرة
كبيرة فيها كنيسة كبيرة معمورة متقنة البناء شاهقة منيعة ذات أبواب حديد وهي
كالمحرس.
ومن انطرطوس في جهة الجنوب من البر إلى حصن الخوابي على أعلى الجبل خمسة عشر ميلاً
وهذا الحصن حصن منيع وأهله حشيشية خوارج في الإسلام لا يعتقدون شيئاً من البعث ولا
القيامة من بعد الموت لعنوا بمذهبهم.
وانطرطوس فرضة حمص ومن حمص إلى دمشق خمس مراحل وكذلك من اطرابلس الشام إلى دمشق
خمس مراحل.
والطريق من دمشق إلى مدينة يثرب تخرج من دمشق إلى منزل على نهر صغير ومنه إلى دمة
مرحلة ومنه إلى ذات المنازل وهي قرية عامرة ومنها إلى ينوع مرحلة ومنها إلى
البثنية مرحلة ومنها إلى دمة مرحلة وهي قرية ومنها إلى مدينة تبوك ثم إلى المحدثة
ثم إلى الاقرع ثم إلى الحنيفية ثم إلى الحجر مرحلة وهو حصن منيع بين جبال في ديار
ثمود ومنه إلى وادي وهي مدينة صغيرة جداً على نهر صغير ومنه إلى الرحبة ثم إلى ذي
المروه ثم إلى المر ثم إلى السويدة ثم إلى ذي خشب ثم إلى المدينة يثرب.
والطريق من دمشق إلى الرقة نحو من ثماني عشرة مرحلة.
والشام اسم لجملة بلاد وأكوار مثل بلاد فلسطين التي منها أطباق القدس وكورة عمواس
وكورة لد وكورة يبنا وكورة يافا وكورة قيسارية وكورة نابلس وكورة سبسطة وكورة
عسقلان وكورة غزة وكورة بيت جبرين.
وفي جنوب هذه البلاد فحص التيه وهي الأرض التي هام فيها بنو إسرائيل أربعين سنة لم
يدخلوا مدينة ولا أووا إلى بيت ولا بدلوا ثوباً ولا ازداد أحد منهم في قدره وطول
هذا الفحص الذي هو أول أرض التيه نحو من ستة أيام.
ويلي
كورة فلسطين من جهة المشرق كورة الأردن وأكبر بلادها مدينة طبرية ومنها اللجون
ومنها كورة السامرية وهي نابلس وبيسان وريحا وزغر وعمتا وحبيس وجدر وابل وسوسية
وكورة عكة وكورة ناصرة وكورة صور ويليها من جهة المشرق أرض دمشق ومن كورها الغوطة
وأرض بعلبك والبقاع وإقليم لبنان وكورة حولة وكورة اطرابلس وكورة جبيل وكورة بيروت
وكورة صيداء وكورة البثنية وكورة حوران وكورة جولان وكورة ظاهرة وكورة البلقاء
وكورة جبرين الغور وكفرمآب وكورة عمان وكورة الشراة وبصرى والجابية.
ويلي هذه الأرض من جهة المشرق أرض البادية ويليها من ناحية الجنوب أرض السماوة
وأرض عاد ويلي أرض دمشق أرض العواصم وأرض قنسرين وسنذكرها أيضاً في أمكنتها عند
اتصالها بالمصورة الآتية من الإقليم الرابع.
ومدينة دمشق قطب ومدار لمدنها فمنها إلى بعلبك مرحلتان ومنها إلى حمص خمسة أيام
ومن دمشق إلى طبرية أربع مراحل ومن دمشق إلى اطرابلس على بحر الروم مسيرة خمسة
أيام ومن دمشق إلى أقصى الغوطة يوم وهناك تتصل بطرف البادية ومن دمشق إلى بيروت
يومان ومن دمشق إلى صيداء يومان ومن دمشق إلى أذرعات وهي البثنية أربعة أيام ومن
دمشق إلى الجولان يومان.
والشام أول طوله من ملطية إلى رفح والطريق من ملطية على منبج وبينهما أربع مراحل
ومن منبج إلى حلب يومان ومن حلب إلى حمص خمسة أيام ومن حمص إلى دمشق خمسة أيام ومن
دمشق إلى طبرية أربعه أيام ومن طبرية إلى الرملة ثلاثة أيام ومن الرملة إلى رفح
يومان فذلك خمس وثلاثون مرحلة.
نجز الجزء الخامس من الإقليم الثالث والحمد لله ويتلوه الجزء السادس منه إن شاء
الله تعالى.
الجزء السادس
إن الذي تضمن هذا الجزء السادس من الإقليم الثالث في غربيه قطعة من أطراف البادية
فيها من البلاد مدينة فيد والثعلبية وزبالة والحيرة والقادسية والصمان وطخفة
والقرعاء وكاظمة وهناك من بلاد شمال أرض البحرين القطيف والزارة والأحساء والعقير
والخرج وبيشة وجزيرة أوال وسائر ما بين بلاد البحرين وعمان صحراء تسكنها العرب وهي
قليلة الماء.
وفيه انتهى البحر الفارسي وعليه من البلاد عبادان والأبلة ومهروبان وسينيز وجنابا
ونجيرم وصحار وسيراف وحصن ابن عمارة وهذه كلها من أرض فارس ويتلوها على البحر من
بلاد كرمان مثورة وهرمز وبوادي جبال القفص وفي هذا البحر من الجزائر جزيرة خارك
وجزيرة لافت وهي تصاقب سيراف وطرف بني الصفار وجزيرة أوال.
وفيه من بلاد سواد العراق الحيرة والقادسية والكوفة وسورا والقطر ونهر الملك
وكوثاربا وواسط والبطائح وفم الصلح والمذار والمفتح وبيان وسليمانان والأبلة
والبصرة وعبادان وجرجراي.
وفيه من حدود خوزستان مدينة الباسيان وجبى والدورق وديرا وآسك وأزم وسنبيل وايذج
ورام هرمز وسوق الأربعاء وهرمز وهي الأهواز وعسكر مكرم وجندي سابور وتستر وكرخة
والسوس وقرقوب والطيب ومتوث وبردون وبصنا وفيه من بلاد إصبهان البندجان والبيضاء
وإصبهان وفيه من بلاد فارس أرجان وكازرون والنوبندجان وجور وشيراز وهزار ومايين
وكيسا وجم وجهرم ونحن لهذه البلاد ذاكرون ولما فيها واصفون بحول الله ومعونته.
فنقول إن مدينة فيد من بلاد البادية وهي في نصف الطريق ما بين بغداد ومكة وأما
البادية فإنها دار لفزارة وجهينة ولخم وبلي وقبائل مختلطة من اليمن وربيعة ومضر
وأكثرها يمن وبنو أسد والرمل المعروف بالهبير هو الرمل الذي بالشقوق إلى الأجفر
عرضاً وطوله من وراء جبلي طيء إلى أن يتصل شرقاً بالبحر الفارسي ويمضي من وراء
جبلي طيء إلى أن يرد الجفار من أرض مصر.
ومن مدن البادية مدينة الثعلبية وبها مجتمع للعرب وبها سوق عامرة ومنها مدينة
زبالة وكانت من قبل مدينة فأما الآن فما بقي منها إلا رسم مجير وموضع يأوي إليه
المسافرون وليس بمدينة ولا حصن وأما القادسية فهي مدينة على جنب البادية بنتها
الأكاسرة من ملوك فارس وهي الآن مدينة صغيرة ذات نخيل ومياه عذبة وأكثر زراعاتها
الرطبة ويتخذ منها القت علفاً للجمال الصادرة والواردة في طريق الحجاز ومنها
يتزودون علوفاتهم ومدينة القادسية غرب مدينة بغداد وهي ثغر من ثغور العراق ومن القادسية
إلى الكوفة مرحلتان ومن القادسية إلى مدينة السلام بغداد أحد وستون فرسخاً.
ومدينة
الكوفة على شاطئ نهر الفرات ذات بناء حسن وأسواق عامرة وحصن حصين ولها ضياع ومزارع
ونخل كثير وأهلها مياسير وتشبه مبانيها أبنية البصرة في الإتقان والنفاسة ومياهها
عذبة وهواؤها صحيح وأهلها من صرح العرب لكنهم الآن متحضرون وعلى ستة أميال من
الكوفة قبة عظيمة مرتفعة الأركان من كل جانب لها باب مغلق وهي مستورة من كل ناحية
بفاخر الستور وأرضها مفروشة بالحصر السامانية ويذكر أن بها قبر علب بن أبي طالب
وما استدار بالقبة مدفن لآل أبي طالب وهذه القبة بناها أبو الهيجاء عبد الله بن
حمدان في دولة بني العباس وكان قبل في دولة بني أمية مخفياً لو يوبه به.
والقادسية والحيرة على خط البادية وحاشيتها مما يلي المغرب ويحيط بهما مما يلي
المشرق المياه الجارية والبساتين المتصلة والنخل الكثير التمر العذب المذاق وهذان
البلدان ومدينة الكوفة في أقل من مرحلة والحيرة مدينة صغيرة جاهلية البناء طيبة
الثرى مفترشة البناء وكانت فيما سلف أكبر من قطرها الآن لكن أكثر أهلها انتقلوا
إلى الكوفة وخف أهل القادسية والحيرة لذلك والكوفة والقادسية والحيرة كلها داخلة
في أعمال العراق وجباياتها مرتفعة إلى ديوان بغداد وكذلك عمالها والناظرون في جميع
أعمالها من قبل عمال بغداد.
ومدينتا واسط على جانبي دجلة وبينهما قنطرة كبيرة مصنوعة على جسر سفن يعبر عليها
من أراد الاجتياز من إحدى المدينتين إلى الأخرى وفي كل مدينة منهما جامع يختطب فيه
والمدينة الغربية تسمى كسكر وهي من بنيان الحجاج بن يوسف الثقفي وبها مزارع ونخيل
وبساتين وعمارات متصلة والمدينة الأخرى التي في الضفة الشرقية تسمى واسط العراق
وهي أيضاً مثل أختها حسنة البناء فسيحة الأرجاء مبانيها سامية وسموكها عالية
وبساتينها وأموالها كثيرة وناسها حسان الزي وملابسهم البياض والعمائم الكبار
وأهلها أخلاط من أهل العراق وغيرها وليس بها بطائح وأرضها واسعة وطينتها ممتدة
وهواؤها أصح من هواء البصرة وهي من أعمر بلاد العراق وعليها معول ولاة بغداد وبها
قوامها ونواحي واسط عمل مفرد عن أعمال العراق وأموالها ترتفع إلى مدينة السلام ومن
مدينة السلام عامل واسط أبداً.
ومن مدينة واسط إلى بغداد ثماني مراحل وكذلك منها إلى البصرة سبع مراحل وكذلك من
واسط أيضاً إلى مدينة الكوفة ست مراحل على طريق البطائح ومن الكوفة إلى البصرة نحو
اثنتي عشرة مرحلة ومن الكوفة إلى المدينة نحو عشرين مرحلة ومن الكوفة إلى بغداد
خمس مراحل ومن الكوفة إلى القادسية مرحلتان ومن القادسية إلى العذيب وهي أول خط
البادية ستة أميال ومن واسط تنزل مع دجلة إلى نهر أبان في النهر نصف يوم وفي البر
مرحلة ومنها إلى دجلة العوراء ثم إلى نهر معقل ثم تنحدر في فيض البصرة.
والبصرة مدينة عظيمة لم تكن في أيام العجم وإنما اختطها المسلمون في أيام عمر
ومدنها عتبة ابن غزران وبغربيها البادية وبشرقيها مياه الأنهار منفرشة وهي نيف على
مائة ألف نهر يجري في جميعها السماريات ولكل نهر منها اسم ينسب إلى صاحبه الذي
احتفره أو إلى الناحية التي يصب فيها وهي في استواء من الأرض لا جبال فيها ولا
بحيث يقع البصر منها على جبل وفيما حكى أحمد بن أبي يعقوب صاحب كتاب المسالك
والممالك أن البصرة كان فيها سبعة آلاف مسجد ونيف وأما الآن فأكثرها خلاء وما بقي
منها إلا عمارة ما دار بالمسجد الجامع الذي فيها وحكى بعض التجار المسافرين إليها
أنه اشترى التمر بها في عام ستة وثلاثين وخمسمائة خمسمائة رطل بدينار.
وبها
نهر يعرف بنهر الأبلة طوله اثنا عشر ميلاً وهو مسافة ما بين البصرة والأبلة وعن
جانبي هذا النهر قصور وبساتين متصلة كأنها بستان واحد ويحويها حائط واحد وينصب إلى
هذا النهر عدة أنهار كثيرة مما تقاربه أو تقاومه في الكبر وجميع نخلها في اعتداد
قدوده ونضارة فروعه كأنما أفرغ في قالب واحد أو غرس سائره في يوم واحد وجميع أنهار
البصرة المحيطة بشرقيها يصب بعضها في بعض ويتشعب بعضها من بعض وأكثرها يدخله المد
والجزر من البحر فإذا كان المد دخل الماء من البحر وتراجعت مياه الأنهار فصبت في
البساتين والمزارع وسقتها وإذا كان الجزر انحجزت وعادت الأنهار جارية على حسب
عادتها ومنها انهار كثيرة محتفرة لا يجري بها ماء وإنما يدخلها ردع المياه الواصلة
إليها مع المد والغالب على مياه هذه الأنهار الملوحة.
والأبلة مدينة على هذا النهر من إحدى جهاتها بل هو منها في شمالها وجانبها الآخر
وهو الشرقي على غربي دجلة وهي صغيرة المقدار حسنة الديار واسعة العمارة متصلة
البساتين والضياع عامرة بالناس وأهلها مياسير وعندهم خصب من العيش ورفاهة ودعة ومن
أسفل الأبلة المفتح والمذار على ضفة دجلة وهي مدن متقاربة القدر متشابهه العظم
عامرة بالأسواق والتجارات والأبلة أكبر منها قدراً وأكثر خلقاً وأغنى أهلاً وأوسع
عمارة.
وفي حدود البصرة وبين عماراتها وقراها آجام كبيرة وبطائح ماء سورة وتسير عليها
السماريات والزوارق بالمدافع لقرب قعرها وارتدام مجاريها بالتراب وربما زادت
الأمطار في أوقات الشتاء فحملت دجلة والفرات وصبت في هذه الأنهار سيولها فحفرت
منها موضعاً وردمت آخر.
ومن البصرة إلى عبادان مرحلتان وهي ستة وثلاثون ميلاً وعبادان حصن صغير عامر على
شط البحر وإليه يصل جميع مياه دجلة وهو رباط ومحرس لطراق هذا البحر وعبادان في
الضفة الغربية من دجلة ودجلة هناك تتسع على وجه الأرض كثيراً ومن عبادان إلى
الخشبات ستة أميال وهذه الخشبات على متصل بحر فارس بمصب دجلة وهي خشبات مغروزة في
قعر البحر عليها مناصب من ألواح مهندمة ويجلس عليها حراس البحر ومعهم زورق يركبون
فيه إلى هذه الخشبات وبه ينزلون إلى الساحل.
وهذا البحر الفارسي شطه الأيمن للعرب والأيسر لفارس وعرضه مائتا ميل وعشرة أميال
وعرضه من سبعين باعا إلى ثمانين باعا ومن الخشبات إلى هجر مدنية البحرين في شط
العرب مائتا ميل وعشرة أميال ومن البصرة إلى البحرين على الجادة إحدى عشرة مرحلة
وليس في طريق الساحل ماء وهو نحو من ثماني عشرة مرحلة في قبائل العرب مياههم
محمولة معهم وهو سلوك غير أنه مخوف ومن البصرة إلى المدينة نحو من عشرين مرحلة
ويلتقي الطريق مع طريق الكوفة بقرب معدن النقرة ومن البحرين إلى المدينة نحو من
خمس عشرة مرحلة.
والطريق من البصرة إلى البحرين من عبادان إلى مرحلة لا ماء فيها ولا عامر بها ثم
إلى الحدوثة مرحلة ثم إلى عرفجا مرحلة ثم إلى حنيان مرحلة ثم إلى القرى مرحلة ثم
إلى مسلحة مرحلة ثم إلى الأحساء مرحلة ثم إلى حمص مرحلة ثم إلى ساحل هجر مرحلة وهذه
المراحل كلها مراس ومواضع لا ماء فيها وعامرها قوم من العرب رحالة لا يستقرون في
مكان واحد. فأما الأحساء فهي مدينة على البحر الفارسي تقابل أوال وهي بلاد
القرامطة وهي مدينة حسنة لكنها صغيرة وبها أسواق تقوم بها في تصرفها.
وأما مدينة القطيف فإنها مجاورة للبحر وهي في ذاتها كبيرة وبين القطيف والأحساء
مرحلتان ومن القطيف إلى حمص يومان وهي على البحر الفارسي ومن مدينة القطيف إلى
بيشة مرحلة كبيرة ويتصل بالقطيف إلى ناحية البصرة بر متصل لا عمارة فيه أي ليس به
حصن ولا مدينة وإنما به أخصاص لقوم من العرب يسمون عامر ربيعة.
ومدن البحرين منها هجر وحمص والقطيف والأحساء وبيشة والزارة والخط التي تنصب إليها
الرماح الخطية وسميت البحرين بجزيرة أوال وذلك أن جزيرة أوال بينها وبين بر فارس
مجرى ومنها إلى بر العرب مجرى وهي ستة أميال طولاً وستة أميال عرضاً ومنها إلى
البصرة خمسمائة ميل وأربعون ميلاً لأن أيضاً من جزيرة أوال إلى جزيرة خارك مئتان
وأربعون ميلاً.
وجزيرة خارك ثلاثة أميال في ثلاثة أميال وبها زروع وأرز كثير وكروم ونخل وهي جزيرة
حسنة كثيرة الأعشاب خصيبة.
وجزيرة
أوال جزيرة حسنة بها مدينة كبيرة تسمى البحرين وهي عامرة حسنة خصيبة كثيرة الزروع
والنخل وفيها عيون ماء كثيرة ومياهها عذبة منها عين تسمى عين بو زيدان ومنها عين
مريلغة ومنها عين غذار وكلها في وسط البلد وفي هذه العيون مياه كثيرة نابعة مترعة
دفاعة تطحن عليها الأرحاء فالعين المسماة عين غذار فيها عجب لمبصرها وذلك أنها عين
كبيرة قدراً مستديرة الفم في عرض ستين شبراً والماء يخرج منها وعمقها يشف على
خمسين قامة وقد وزن المهندسون وحذاق العلماء علو فمها فوجدوه مساوياً لسطح البحر
وعامة أهل البلاد التي في هذه الجهة يزعمون أنها متصلة بالبحر ولا اختلاف بينهم في
ذلك وهذا غلط ومحال لا يشك فيه لأن لعين ماؤها حلو عذب لذيذ شهي بارد وماء البحر
حار زعاق ولو كانت كما زعموا لكان ماؤها ملحاً كماء البحر.
وفي هذه الجزيرة أمير قائم بنفسه وقد رضيه أهل الساحلين لعدله ومتانة دينه ولا يلي
مكانه إذا مات إلا من هو مثله في العدل والقيام بالحق.
وفي هذه الجزيرة رؤساء الغواصين في البحر ساكنون بهذه المدينة والتجار يقصدون إليها من جميع الأقطار بالأموال الكثيرة ويقيمون بها الأشهر الكثيرة حتى يكون وقت الغوص فيكترون الغواصين بأسوام أجر معلومة تتفاضل على قدر تفاضل الغوص والأمانة وزمان الغوص في شهر أغشت وشتنبر فإذا كان أوان ذلك وصفا الماء للغطاص وأكرى كل واحد من التجار صاحبه من الغواصين خرجوا من المدينة في أزيد من مائتي دونج والدونج أكبر من الزورق وفي إنشائه وطاء ويقطعها التجار أقساماً في كل دونج منها خمسة أقسام وستة وكل تاجر منهم لا يتعدى قسمه من المركب وكل غواص له صاحب يتعاون به في عمله وأجرته على خدمته أقل من أجرة الغطاس ويسمى هذا المعاون المصفي ويخرج الغواصون من هذه المدينة وهم جملة في وقت خروجهم ومعهم دليل ماهر ولهم مواضع يعرفونها عياناً بوجودهم صدف اللؤلؤ فيها لأن للصدف مراعي تجول فيها وتنتقل إليها وتخرج عنها في وقت آخر إلى أمكنة أخر معلومة بأعيانها فإذا خرج الغواصون عن أوال تقدمهم الدليل والغواصون خلفه في مراكبهم صفوفاً لا تتعدى جريه ولا تخرج عن طريقه فكلما مر الدليل بموضع من تلك المواضع التي يصاد بها صدف اللؤلؤ تنحى عن ثيابه وغطس في البحر ونظر فإن وجد ما يرضيه خرج وأمر بحط قلاع دونجه وأرسى وحطت جميع المراكب حوله وأرست وانتدب كل غواص إلى غوصه وهذه المواضع يكون عمق الماء فيها من ثلاث قيم إلى قامتين فدونها وصفة غوصهم أن الغواص يتجرد عن ثيابه ويبقى بسترة تسار عورته لا غير ويضع في أنفه الخلنجل وهو شمع مذاب بدهن الشيرج يسد به أنفه ويأخذ مع نفسه سكيناً ومشنة يجمع فيها ما يجده هناك من الصدف ومع كل غواص منهم حجر وزنه من ربع قنطار إلى ما نحوه مربوط بحبل رقيق وثيق فيدليه في الماء جع جنب الدونج ويمسك الحبل صاحبه بيده إمساكاً وثيقاً ويتخلى الغواص بنفسه في الماء فيجعل رجليه على الحجر ويمسك الحبل بيديه ثم يرسل صاحبه الحبل من يده دفعة واحدة فينزل الحجر مسرعاً حتى يصل قعر البحر والغائص عليه يمسك الحبل بيديه فإذا استقر في قعر البحر نزل إلى قعر البحر وجلس وفتح عينيه في الماء ونظر إلى ما أمامه وجمع ما وجد هناك من الصدف في عجل وكر فإن امتلأت مشنته كان وإلا اندرج إلى ما قاربه والحجر لا يفارقه ولا يترك يده عن إمساك حبله فإن أدركه الغم كثيراً صعد مع الحبل إلى وجه الماء واسترد نفسه حتى يستريح ويرجع إلى غوصه وطلبه فإذا امتلأت مشنته اجتذبها صاحبه من أعلى الدونج وفرغ المشنة مما فيها من الصدف في قسمه من المركب وأعادها في البحر إلى الغواص إن كان الصدف هناك كثيراً وعلى قدر الوجود له يكون طلبه فإذا تم الغواصون في البحر مقدار ساعتين صعدوا ولبسوا ثيابهم وتدثروا وناموا وانتدب المصفي وهو صاحب الغواص فيشق ما معه من الصدف والتاجر ينظر إليه حتى يأتي على آخره فيأخذه التاجر منه ويصره عند نفسه بعدد مكتوب فإذا كان عند العصر انتدبوا إلى طعامهم فصنعوه وتعشوا وناموا ليلتهم إلى الصباح ثم يقومون وينظرون قي أغذية يأكلونها إلى أن يحين وقت الغوص فيتجردون ويغوصون هكذا كل يوم وكلما فرغوا من مكان أفنوا صدفه انتقلوا إلى غيره ولا يزالون بهذه الحال إلى آخر أغشت ثم ينصرفون إلى جزيرة أوال في الجمع الذي خرجوا فيه وما معهم من الجوهر في صررهم وعلى كل صرة منها مكتوب اسم صاحبها وهي مطبوعة بطابع فإذا نزلوا أخذت تلك الصرر من التجار وصارت في قبض الوالي وفي ذمته فإذا كان في يوم البيع اجتمع التجار في موضع البيع فأخذ كل واحد مكانه وأحضرت الصرر ودعي باسم كل واحد من أصحابها وفضت خواتمها واحدة بعد واحدة وصب ما في الصرة من لؤلؤ في غربال موضوع تحته ثلاثة غرابيل وتلك الغرابيل لها أعين بمقادير يترك منها الدقيق والمتوسط ويمسك كل نوع منها في صحن غربال فلا يبقى على وجه الغربال الأول الأعلى إلا ما غلظ من الجوهر ويبقى على وجه الغربال الثاني اللؤلؤ المتوسط ويستقر على الغربال الثالث اللؤلؤ الدقيق ثم يعزل كل صنف منها وينادى عليه بأسوامه ومستحق أثمانه فإن أحب التاجر سلعته كتبت عليه وإن شاء بيعها من غيره باع وقبض ماله والتاجر إذا اشترى متاعه إنما يكون عليه أن يؤدي اللوازم التي وجبت عليه وينتصف التجار من الغواصين والغواصون من التجار وينفصل كل أحد من كل أحد
وينصرف
الناس ثم يعودون إلى هناك في العام القابل هكذا أبداً.رف الناس ثم يعودون إلى هناك
في العام القابل هكذا أبداً.
ولصاحب جزيرة كيش التي ذكرناها في الإقليم الثاني وموضعها في بحر فارس على التجار
الذين يعاملون الغواصين شيء معلوم يقبض له في ديوان البيع منهم ويبعث إليه بذلك
ضريبة وما وجد من الجوهر الغالي النفيس أمسكه الوالي وكتبه على نفسه باسم أمير
المؤمنين والعدل لا يفارقهم في البيع والشراء حتى لا يضام منهم أحد ولا يشكو
ظلماً.
والجوهر يتكون حبه خلقاً في هذا الصدف على ما يصفه أهل بحر فارس من ماء مطر نيسان
وإن لم يمطر مطر نيسان لم يجد الغواصون منه شيئاً في سنتهم تلك وهذا عندهم شيء
مشهور صحيح متفق عليه بينهم.
والغوص في بلاد فارس صنعة تتعلم وينفق عليها الأموال في تعليمها وذلك أنهم يتدربون
في رد أنفاسهم على آذانهم حتى أن الرجل منهم في أول تعليمه تتزكم أذناه وتتسلط
وتسيل منهما المادة ثم يتعالجون من ذلك فيبرؤون منه وأعلاهم أجرة أصبرهم تحت الماء
وكل واحد منهم يميز صاحبه ولا يتعدى طوره ولا ينكر فضل من تقدمه وفاقه في المعرفة
والصبر.
وفي هذا البحر الفارسي جميع مغايص اللؤلؤ وأمكنته ثم إن أمكنته نحو من ثلثمائة
مكان مقصودة كلها مشهورة بالغوص وقد ذكرنا منها أكثرها عند ذكر أمكنتها في مواضعها
من سواحل البحور والجزائر ومغايص بحر فارس أكثر نفعاً وأمكن وجوداً للطلب من سائر
البحور الهندية واليمنية وقد ذكرنا من ذلك ما فيه بلغة بل كفاية.
ولنرجع الآن إلى ما كنا فيه من ذكر البلاد وصفاتها وطرقاتها على الكمال بحول الله
فمن ذلك صفة الطريق من البصرة إلى البحرين ثم إلى اليمامة على البادية وهو طريق
العرب وقليلاً ما يسلكه التجار فمن ذلك أن الخارج عن البصرة يسير إلى منزل في
الصحراء فيه عين ماء مرحلة ثم إلى كاظمة مرحلة ثم إلى منزل في الصحراء ثم إلى منزل
ثم إلى منزل ثم إلى القرعاء وهو منزل فيه عرب ومنه إلى طخفة منزل عرب مرحلة ومنه
إلى الصمان مرحلة وهو منزل فيه عرب ثم إلى منزل فيه ماء ثم إلى منزل لا ماء فيه ثم
إلى منزل فيه ماء ثم إلى اليراني من غربي بلاد البحرين ومنها إلى منزل ثم إلى منزل
ثم إلى منزل ثم إلى سلمية ثم إلى السيال ثم إلى حضرمة اليمامة وقد ذكرنا هذه
البلاد فيما سلف.
وفي شرقي موضع دجلة في بحر عبادان أرض خوزستان ومنها الأهواز ومدينة الأهواز تعرف
بهرموزشهر وهي القطر الكبير والقطر المعمور والناحية الحسنة التي ينسب إليها سائر
الكور وبها أسواق وتجارات وعمارات متصلة وأرزاق دارة وخيرات جمة وفيها ناس أخلاط
من قبائل فارس والعرب المتحضرة بها مياسير لهم أموال كثيرة وبضائع وافرة ومصانع
مكسبة وعيش ممكن وخصب رغد.
والأهواز هي قاعدة بلاد خوزستان وأرض خوزستان هذه أرض وطيئة حسنة ثرية موضعها فسيح
وهواؤها صحيح وهي سهلة الأرجاء كثيرة المياه وبلادها كثيرة عامرة منها الأهواز
وعسس مكرم وتستر وجندي سابور والسوس ورام هرمز والمسرقان وسرق واسمها دورق الفرس
وايذج وبيان وجبى وبصنا وسوق سنبيل ومناذر الكبرى ومناذر الصغرى وقرقوب والطيب
وكليوان ونهر تيرى ومتوث وبردون وكرخة وأزم وسوق الأربعاء وحصن مهدي على البحر
والباسيان وسليمانان.
وبأرض
خوزستان مياه جارية وأودية غزيرة وأنهار سائلة وأكبر أنهارها نهر تستر ويسمى دجيل
الأهواز وهو نهر عجيب منبعه من جبال من ناحية اللور وعليه الشاذروان الذي أمر
بعمله سابور الملك وهو من العجائب المشهورة وذلك أنه بنى أمام تستر من الضفتين
بنياناً وثيقاً عالياً وأقام في صدر مجرى الماء سداً موثقاً بالحجر العظيم والعمد
الحجازية حتى ساواه مع ضفتي بنائه وارتدع به الماء حتى صار بإزاء تستر وذلك أن
تستر في نشز من الأرض عال والماء مرتدع بين يديها ويجري هذا النهر من وراء عسكر
مكرم ويمر بالأهواز حتى ينتهي إلى نهر السمرة إلى حصن مهدي ويقع هناك في البحر
ويخرج من نهر تستر نهر يسمى نهر المسرقان فيمر مغرباً حتى ينتهي إلى مدينة عسكر
مكرم وعليه هناك جسر كبير نحو من عشرين سفينة وتجري فيه السفن الكبار ويتصل
بالأهواز وبين عسكر مكرم والأهواز ثلاثون ميلاً في الماء فإذا كان الماء في المد
وزيادته في أول الشهر عبر هناك بالمراكب وإن كان الجزر لم يمكن المراكب السير فيه
لأن الماء به يجف ولا يبقى منه إلا عدد منقطعة عن اتصال الجري وهذا النهر لا يضيع
من مائه شيء وإنما يتصرف كله في سقي الأرضين هناك تسقى به غلات القصب وضروب الحبوب
والنخل والبساتين وسائر المزارع المعمورة ويجري في جنوب خوزستان نهر طاب وهو الحد
المميز بين خوزستان وفارس وجميع مياه خوزستان كلها تتألف وتنصب في البحر عند حصن
مهروبان وبضفة حصن مهدي وليس بأرض خوزستان بحر إلا ما ينتهي إليها عن زاوية من حد
مهروبان إلى قرب سليمانان بحذاء عبادان وهو شيء يسير من بر فارس وأرض خوزستان كلها
سهول وأرضها رمل وليس بها شيء من الجبال إلا ما كان بنواحي تستر وبالجملة إنها
كلها سهول وفجاج غير عالية.
ومدينة المسرقان مدينة عامرة بأهلها والصادرون عنها والواردون عليها كثير ولهم
معايش وأرزاق كثيرة وأكثر شجرهم النخل وفيها الرطب الموصوف المسمى الطن إذا أكله
الإنسان وشرب عليه ماء المسرقان وجد عليه رائحة الخمر سواء وعندهم من الحنطة
والشعير الشيء الكثير وسائر أنواع الحبوب موجودة بها وأكثر الحبوب عندهم الأرز وهم
يطحنونه ويتخذون منه خبزاً يأكلونه ويفضلونه على الحنطة وبالمسرقان من غلات القصب
الشيء الكثير الذي يفوق ما بسائر الآفاق من ذلك.
والسوس مدينة جليلة حاضرة بكل خير جامعة لكل فضل وأهلها أخلاط وهي من بلاد السكر
يصنع بها منه كل شيء كثير ويتجهز به إلى كل الآفاق ويصل فاضله إلى أقصى خراسان
وينسب إليها ويصنع بها من الخز العتيق كل جليلة وبها فواكه كثيرة.
ومدينة عسكر مكرم مدينة كبيرة حسنة على نهر المسرقان ولها جسر قدمنا وصفه وهي
عامرة بالتجار وأخلاط الناس وبها أسواق وأرزاق وصناعات ولها مزارع متصلة وبها صنف
من العقارب على قدر ورقة الأنجذان وصفرتها تسمى الجرارة إذا لسبت أحداً مات لحينه
وقل ما يسلم من لسبته وبين عسكر مكرم وتستر مرحلة ومن عسكر مكرم إلى رام هرمز
مرحلتان وهي مدينة عامرة جليلة وبها أسواق ومتاجر ويصنع بها من ثياب الإبريسم ما
يحمل إلى كثير من المواضع وكذلك من مدينة عسكر مكرم إلى الدورق نحو أربع مراحل ومن
الدورق إلى الأهواز أربع مراحل خفاف.
والدورق مدينة عامرة بأهلها وبها من أخلاط الناس جمل ومتاجرها كثيرة وتسمى مدينة
الرستاق وبغربيها مدينة باسيان على مرحلتين منها.
وباسيان مدينة وسطة في الكبر عامرة يشقها نهر فيصير نصفين وهي فرجة حسنه من داخلها
وخارجها وبين باسيان وحصن مهدي مرحلتان غرباً.
ومدينة
تستر هي كما قدمنا ذكره مرتفعة عن وجه الأرض والماء يرتفع في الشاذروان إلى بابها
وفي تستر فيما يقال تابوت دانيال وقال الحوقلي في كتابه إن أبا موسى الأشعري وجد
بها القبر المذكور وكان أهل الكتاب يديرونه على مجامعهم ويتبركون به ويستسقون به
المطر إذا أجدبوا فأخذه أبو موسى وشق من النهر الذي على باب السوس خلجاناً وجعل
فيه ثلاث قبور مطوية بالآجر ودفن ذلك التابوت في أحد القبور ثم استوثق منها كلها
وعماها ثم فتح إليها الماء حتى قلب ذلك الثرى الكثير على ظهر تلك القبور والنهر
يجري عليها إلى يومنا هذا ويقال إن من نزل إلى قعر النهر وجد القبور هناك ومما
يتاخم آسك في جهة حد فارس جبل أذروان وهو بركان نار يقذف بها ليلاً ونهاراً
والدخان لا يطفأ أبداً فيه وهذا الجبل شبيه بجبل النار الذي في جزيرة صقلية ويصنع
بتستر الديباج العجيب المنظر المتقن الصنعة وكان قبل هذا يعمل بها كسوة الكعبة
فأما الآن فإن الكسوة تعمل بالعراق ومنها تحمل كل سنة ومن العسكر إلى ايذج في جهة
المشرق أربع مراحل وهي مدينة عجيبة فرجة الرقعة بسيطة المكان متاخمة للجبل المتصل
بإصبهان وبها متاجر وصنائع وأموال متصرفة وأسواق نافقة مما جلب إليها ومن مدينة
تستر إلى مدينة جندي سابور مرحلة كبيرة.
ومدينة جندي سابور في نشز من الأرض حسنة حصينة منيعة وهي تمير من جاورها بخيرها
وبها نخل وزروع كثيرة ومياه ولها عمارات وخصب وفواكه وأسواق جامعة لضروب من
البضائع نافقة المتصرفات ومن جندي سابور إلى السوس مرحلة.
والسوس مدينة ليست بالكبيرة جداً لكنها متحضرة ولها بساتين وجنات ونخل وقصب كثير
يعمل منه السكر الكثير كما قدمنا وصفها.
ومنها إلى قرقوب مرحلة وهي المدينة التي ينسب إليها الرقم القرقوبي في جميع الأرض
ويعمل بها ديباج معين بالذهب يسمى خرد وقليلاً ما يوجد مثله بآفاق الأرض وهو
الديباج القرقوبي وبمدينه قرقوب مثل ما بمدينة السوس من الطرز للسلطان لنسيج الحلل
والديباج والخزوز وسائر الثياب النفيسة الغالية الثمن.
ويتصل بمدينة قرقوب في جهة الشمال مدينة الطيب على مرحلة وليست بكبيرة وإنما هي
حسنة الذات كثيرة الخيرات جامعة لأشتات البركات ويصنع بها تكك تشبه التكك
الأرمينية لا يوجد في بلاد الإسلام مثلها بعد تكك أرمينية حسان وبركانات ثمينة
محكمة ويصنع بها كثير من الصنائع لا يجارى صناعها فيها ولهم كيس في الأمور وحذق
ومنها إلى واسط مرحلتان. ويتصل بها في جهة الشرق مدينة صغيرة تسمى متوث وهي في
مستو من الأرض حسنة الجهات كثيرة المتنزهات خيرها عام وشكلها تام وبين متوث والسوس
مرحلة ومتوث منها غرباً.
ويتصل بمدينة السوس في جهة الغرب مدينة برذون وهي صغيرة القدر كثيرة الأهل وبها
مزارع وعمارات.
ومنها مدينة بصنا أيضاً وبين بصنا والسوس مرحلة وكذلك من السوس إلى بردون مرحلة
ومدينة بصنا مدينة صغيرة الجرم خلقها كثير وبها طرز للسلطان يعمل بها الستور
المنسوبة إليها المشهورة في جميع الآفاق المكتوب على تطريزها مما عمل ببصنا وقد
يعمل ببرذون وكليوان وغيرهما من المدن ستور يكتب عليها بصنا ويدلس بها في ستور
بصنا.
ومن السوس إلى الأهواز ثلاثة أيام والأهواز وعسكر مكرم في سمت واحد والأهواز من
عسكر مكرم جنوباً ورام هرمز منهما كأحد الأثافي شكلاً مثلثا متساوي الأضلاع.
ومن عسكر مكرم إلى سوق الأربعاء وهو السوق المسمى بسوق الأهواز مرحلة وهي مدينة
حسنة ولها سوق مشهورة في يوم معلوم وبها فواكه ونعم كثيرة ومتاجر ودخل وخرج وجباية
طائلة.
ومن سوق الأهواز إلى دورق في الماء ثمانية وأربعون ميلاً وعلى الظهر في البر اثنان
وسبعون ميلاً.
ومن سوق الأربعاء إلى حصن مهدي على البحر الفارسي مرحلة وهو حصن منيع حسن البنية
متقن وبه يجتمع مصب مياه هذه البلاد ويتسع هناك حتى يكون عرضه نحو ثلاثة أميال.
ومن سوق الأهواز إلى أزم مرحلة وأزم على نهر يقع في نهر تستر وهي متحضرة ولها سوق
متحركة وبها بيع وشراء وهي رصيف متوسط لمن جاء من فارس يريد العراق.
ويحاذيها من خلف النهر قرية آسك وهي قرية عامرة وعلى طريق من جاء من فارس.
ومن
مدينة الأهواز إلى نهر تيرى مرحلة ونهر تيرى مدينة صالحة القدر عامرة بالديار
والأسواق كثيرة الخيرات والأرزاق بها طرز يتخذ فيها ثياب حسنة ويذكر أنها من أرض
فارس وسنذكرها في تخوم فارس بحول الله ومن مدينة نهر تيرى إلى مدينة بيان مرحلتان.
ومدينة بيان على الدجلة من الضفة الشرقية وهي مدينة صغيرة حسنة الداخل والخارج
وبها منبر ولأهلها حرص على طلب الآداب والعلوم وفيهم اعتلاء على من ساواهم من أهل
البلاد وأخبر أحمد بن يعقوب في كتاب المسالك الذي ألفه أن بنهر تيرى داراً لا تعمر
وكل من يسكنها لا يلبث أكثر من يوم ولا يجاوز الليلة إلى الغد ومن مدينة بيان إلى
الأبلة مرحلة ومن بيان إلى حصن مهدي مرحلة.
ويتصل بالأبلة المفتح والمذار وهما مدينتان على مجاري الدجلة والمفتح مدينة صغيرة
المقدار عامرة القطر حسنة البناء متحركة الأسواق وليست من أمهات البلاد والداخل
إليها والخارج منها كثير ولها بساتين ومزارع ومتنزهات ومنها إلى مدينة المذار
مرحلة خفيفة والمذار مدينة صغيرة تشبه مدينة المفتح في مقدارها وتجانسها في
مبانيها وآثارها وبها من الأسواق والمصانع ما بالمفتح وأشف من ذلك وأهلها متنافسون
فيما بينهم ولهم اهتمام بالأمور وصيانة لما بين أيديهم من أموالهم وشح بين ولها
مزارع كثيرة وعمارات جليلة وغلات رابحة.
ومن الباسيان إلى جبى اثنا عشر ميلاً وجبى مدينة ورستاق عريض مشتبك العمارة بالنخل
وقصب السكر وغيرهما من الفواكه ولأهلها رفاهة وخصب ومنها أبو علي الجبائي إمام
المعتزلة ورئيس المتكلمين في عصره.
ومن جبى إلى مدينة سليمانان خمسة عشر ميلاً وهي مدينة على ضفة نهر الدجلة حسنة
المطلع بهية النواحي مفيدة الزراعات والغلات وبها حوت كثير ولحوم وأرزاق ومنها مع
الدجلة إلى مدينة بيان ثمانية عشر ميلاً.
ومن مدن خوزستان المتاخمة لأرض فارس مدينة اللور وهي مدينة حسنة صغيرة ولها إقليم
بذاته خصيب والغالب عليه هواء الجبل وكان من خوزستان فصير إلى أعمال الجبل ولها
بادية وإقليم ورستاق والغالب على سكانه الأكراد وبهم كثر خصبه وكثرت غلته ومن
اللور إلى مدينة تستر مرحلتان.
ومن أكوار الخوزستان المجاورة لأرض فارس كورة سنبيل وهي كورة متاخمة لفارس وكانت
أيضاً معدودة في أرض فارس فحولت إلى أرض خوزستان وهي عامرة وبها سوائم ونتاج.
ومن تلك الأكوار المجاورة لأرض فارس كورة الزها والجايزان وهما كورتان عامرتان
متجاورتان كثيرتا الخير متاخمتان للسردن من أرض فارس وحد إصبهان وهواؤها هواء
الصرود وهي باردة ويقع الثلج بها في إبان سقوطه والألبان بها والسمن كثير جداً
وبها قوم يتخذون النحل للعسل وهو بها كثير موجود.
وآسك أيضاً قريه كبيرة عامرة ولا منبر بها ولها حدائق نخل كثيرة وزراعات وغلات جمة
ومن قرية آسك إلى أرجان مرحلتان خفيفتان ومن آسك أيضاً إلى الدورق مرحلتان ومن
قرية آسك تحمل الأدياس المنسوبه إلى آسك ويعمل منها الحصر بالعراق وهذا الديس مفضل
على كل ديس ينبت في بلاد أرجان وغيرها وبهذه القرية كانت وقيعة الأزارقة المذكورة
في الكتب وذلك أن الأزارقة كان عددهم أربعين رجلاً من الشواة امتنعوا في مكان منها
فخرج إليهم من الجند ألفا رجل في بعثتين فقتلهم الأزارقة حتى أتوا على آخرهم.
وأما مناذر الكبرى ومناذر الصغرى فقريتان عامرتان لا منابر بهما وكورهما عامرة
وأرزاقهما دارة ونواحيها متسعة ومياههما كثيرة وبهما من حدائق النخل كثير
ومزارعهما كثيرة وافرة النفع.
وبقي أن نذكر الأرض وحدودها بعد هذا إن شاء الله تعالى وأرض خوزستان كما قدمنا
وصفها حسنة البقع كثيرة الخيرات متصلة العمارات وأهلها يتكلمون بالفارسية والعربية
ولسان آخر ليس بعربي ولا بسرياني يستعملونه بينهم وزيهم زي أهل العراق يلبسون
القمص والطيالسة والعمائم وعوامهم يلبسون الأزر والمآزر وفي أنفسهم وأطباعهم الشر
والتنافي بعضهم على بعض وفي ألوانهم تغيير بصفرة وسمرة وفواكههم كثيرة إلا الجوز
فهو عندهم قليل وفيما ذكرناه بلاغ ونريد الآن أن نذكر من طرقها المشهورة المسلوكة
ما لا بد من ذكره والعون بالله.
فالطريق
من أرجان إلى قرية آسك مرحلتان ومن آسك إلى ديرا مرحلة وديرا قرية ثم منها إلى
الدورق مرحلة ثم من الدورق إلى خان تنزله السابلة يعرف بالخان ثم إلى مدينة
الباسيان مرحلة ومن الباسيان إلى حصن مهدي مرحلتان وبها منبر ويسلك منها في الماء
وهو أيسر من البر ومن حصن مهدي إلى بيان مرحلة على الظهر وبيان على الدجلة فتركب
منها إن شئت إلى الأبلة في الماء وإن شئت على الظهر إلى أن تحاذي الأبلة فتركب
منها إلى العراق.
وطريق آخر على واسط إلى بغداد من أرجان إلى سوق سنبيل مرحلة ثم إلى رام هرمز
مرحلتان ثم إلى عسكر مكرم مرحلتان ومن عسكر مكرم إلى تستر مرحلة ومن تستر إلى جندي
سابور مرحلة ومن جندي سابور إلى السوس مرحلة ومن السوس إلى قرقوب مرحلة ومن قرقوب
إلى مدينة الطيب مرحلة ثم إلى واسط مرحلتان وقد يكون طريق آخر من عسكر مكرم إلى
مدينة واسط أقرب من هذا وهو على عبر يسير.
الطريق من ايذج إلى مدينة إصبهان من ايذج إلى جواردان اثنا عشر ميلاً ثم إلى
رستاجرد اثنا عشر ميلاً ثم إلى سليدست وهي قرية ثمانية عشر ميلاً ثم إلى بوين خمسة
عشر ميلاً ثم إلى قرية سوجر ثمانية عشر ميلاً ثم إلى الرباط ثمانية عشر ميلاً ثم
إلى خان الأبرار أحد وعشرون ميلاً ثم إلى إصبهان ثمانية عشر ميلاً.
والطريق من سوق الأهواز إلى شيراز من سوق الأهواز إلى أزم ثمانية عشر ميلاً ثم إلى
عبدين وهي قرية خمسة عشر ميلاً ثم إلى الزط ثمانية عشر ميلاً ثم إلى قنطرة على
وادي الملح ثمانية عشر ميلاً ثم إلى أرجان ثمانية عشر ميلاً وهي من أرض فارس ومنها
إلى اصفن خمسة عشر ميلاً وهي قرية ثم إلى الدرخويذ ثمانية عشر ميلاً ثم إلى مدينة
النوبندجان أربعة وعشرون ميلاً ثم إلى قرية جويم خمسة عشر ميلاً ثم إلى شيراز خمسة
عشر ميلاً وأيضاً فإن من مهروبان التي على ساحل بحر فارس إلى حصن ابن عمارة وهو
طول فارس على البحر أربعمائة ميل وثمانون ميلاً ومن حصن ابن عمارة إلى سيراف
مرحلتان ومن سيراف إلى نجيرم ستة وثلاثون ميلاً.
وفي هذا الجزء المرسوم من أرض فارس قطعة كبيرة فيها من بلاد فارس سينيز وجنابا
ونجيرم وسيراف وحصن ابن عمارة وجهرم وجور وفسا ودارابجرد وسابور والزنجان وتارم
ورستاق الرستاق والفستجان وخورستان وكازرون وكران وجرمق وإصطخر ورباط السرمقان
وجور واقليد وميبذ ونايين وكثة والروذان وصاهك ويزد وعقدة وسردن وتوج والبيضاء
ومايين وسوران وكثير من قلاعها مما سنأتي بأسمائه وسائر صفاته وأوصافه وهيآته بعد
هذا بحول الله.
فنقول إن أرض فارس يحيط بها من ناحية الشرق المفازة الكبيرة المتصلة بأرض السند من
أعلاها وتتصل بالري من أسفلها ويحيط بها من جهة المغرب بر فارس ومن جهة الجنوب أرض
مكران ومن جهة الشمال أرض خوزستان وكور فارس خمس كور.
فمنها كور أرجان وهي أصغر كور فارس وقاعدتها سابور كما قلناه وبهذه الكورة مدينة
منذ والنوبندجان وكازرون ولكن هذه كورة تنسب إلى سابور وهو الذي ابتنى المدينة
المسماة بسابور وإليها تنسب الثياب السابورية ومنها سينيز واسلجان والملجان وفرزك
وباش.
ومنها كورة دارابجرد ومدينتها دارابجرد وفسا وهي أكبر وأعم غير أن الكورة منسوبة
إلى دارا الملك وطمستان وكردبان ونيريز والفستجان والابجرد والانديان وجويم
وماذوان وخسوا وفرج وتارم.
وإصطخر أكبر بلادها ومن كور إصطخر مدينتها البيضاء ونهران وابرج ومايين والبرانجان
والميادوان والكاسكان وكرم والهزار وناحية الروذان والأذركان وابرقويه.
ومن الكور أيضاً بفارس كورة سابور وهي كورة حسنة ومدنها كثيرة فمنها النوبندجان
وبندرمان ودشت بارين والهنديجان وجنجان وتنبوك والدرخويذ وملتون ودربختجان
والخوبذان والكيمارج وماهان والراميجان والديبنجان والشاهجان والشادروذ ومور
وخمايجان العليا وخمايجان السفلى.
ومن كور فارس أيضاً كورة أردشير خرة ومن مدنها شيراز وجور ونابند وميمند والصيمكان
والبرجان والكربنجان والخواروستان وكوار وسيراف ونجيرم وسينيز وجه وكير وكبرين
وكران وكام فيروز والرويجان.
وقاعدة
فارس مدينة شيراز وهي دار مملكة فارس وينزلها الولاة والعمال وبها الديوان والمجبى
وهي مدينة إسلامية بناها محمد بن القاسم بن أبى عقيل ابن عم الحجاج وتفسير شيراز
جوف الأسد وإنما سميت بذلك لأنها مدينة يجلب إليها المير من سائر البلاد ولا يخرج
منها ميرة البتة ولما وصل عسكر الإسلام إلى فارس عرس المعسكر بمكانها وأقام به إلى
أن استفتحت إصطخر وجميع كردها فتبرك المسلمون بفلك فبنوا شيراز هناك في موضع
المعسكر وهي مدينة جليلة المقدار حسنة النواحي والأقطار طولها نحو من ثلاثة أميال
في مثلها وهي متصلة البناء لا سور لها شبيهة بمصر وبها أسواق وعمارة وهي قرارة
الجيوش وأولي الحرب والدواوين والجبايات وشرب أهلها من الآبار.
ومدينة إصطخر مدينة جليلة كبيرة جميلة كثيرة الأسواق والمتاجر وبناؤها بالطين
والحجارة والجص ومدينة إصطخر أقدم مدن فارس وأشهرها اسماً وكانت مداراً لملكها
وملوكها إلى أن ولي أردشير الملك فنقل ملكه إلى جور وجعلها داراً لملكه ويروى في
الأخبار أن سليمان بن داؤود كان يسير من طبرية إليها من غدوة إلى عشية وبها مسجد
يعرف بمسجد سليمان وإصطخر على نهر فرواب ولها قنطرة تسمى بقنطرة خراسان وهي قنطرة
حسنة وخارج القنطرة أبنية ومساكن بنيت في عهد الإسلام ومن إصطخر إلى شيراز ستة
وثلاثون ميلاً وهواء إصطخر هواء فاسد وخيم وبإصطخر تفاح عجيب تكون التفاحة منه
نصفها حلو صادق الحلاوة ونصفها حامض صادق الحموضة ومن شيراز إلى جور ستون ميلاً.
ومدينة جور بناها أردشير وكان مكانها فيما يحكى منقع مياه تجتمع به فاحتال لخروج
ذلك الماء وبنى مدينة جور بها وهي مدينة جليلة لها سور من طين وخلفه خندق ولها
أربعة أبواب ومقدارها نحو إصطخر وسابور ودارابجرد كثيرة البساتين والجنات رحيبة
الأبنية والجهات غدقة الفواكه والثمرات نزيهة جداً فرجة من جميع جهاتها الأربع
يسير السائر بها بين قصور عالية ومتنزهات سامية كاملة الحسن طيبة الهواء وكان في
وسطها فيما سلف من الزمان بنيان يسمى الطربال بناه أردشير الملك وجعل له من العلو
مقدار ما إذا صعد الإنسان إلى أعلاه أشرف على جميع المدينة ورساتيقها وكان له في
أعلى هذا البناء بيت نار فهدمت الإسلامية أكثره ولم يبق منه الآن إلا رسم داثر
ويعمل بمدينة جور ماء الورد الكثير الخالص البالغ في الطيب والصفاء وعبق الرائحة
وقلة التغيير في المدة الكثيرة وإليها ينسب ماء الورد الجوري.
ومن مدينة شيراز إلى مدينة دارابجرد مائة وخمسون ميلاً ودارابجرد ابتناها دارا
الملك ونسبها إلى نفسه وتفسير بجرد بالعربية عمل وهي لفظة فارسية فكأنه قال عمل
دارا وهي مدينة كبيرة عامرة آهلة فرجة وبها تجار وأسواق وبيع وشراء وهي مقصد ومجمع
للتجار المتصرفين في ديار فارس وعليها سور حصين كسور جور ويدور بسورها خندق تجتمع
إليه فضول المياه التي يبقى بها النخل ومسالات مياه عيون جمة وفي هذا الماء حشائش
وغدران تمنع من خوضه وبه سمك كثير لا شوك فيه ولا عظم ولا له فقار ولا على جسمه
فلوس وهو من ألذ السمك طعماً ويصرف فيما يصرف فيه اللحم ولهذه المدينة أربعة أبواب
وفي وسطها جبل عال كالقبة ليس يتصل بشيء من الجبال وبنيان أهلها بالحجارة والطين
والجص ومن مدينة دارابجرد إلى مدينة فسا أربعة وخمسون ميلاً.
ومدينة
فسا مدينة مفترشة البناء واسعة الشوارع وأبنيتها أفسح وأشمخ من أبنية شيراز
وبنيانهم بالطين وخشبها كثير والغالب عليه خشب الصنوبر والسرو وهي عامرة بالناس
والجلة والتجار المياسير وهي تقارب شيراز في كبر مقدارها وكثره عمارتها وهواؤها
أصح من هواء شيراز وعليها حصن حصين وأبواب خشب محددة وحولها في الدائر خندق واسع
عميق ولها ربض كبير وأكثر أسواقها في ربضها ذلك وبها من غلات الرطب والبلح والجوز
والأترج والسفرجل والقصب الحلو ما يقوت ويكفي ويشف على الحاجة إليه ومن مدينة فسا
إلى مدينة شيراز ستون ميلاً ولدارابجرد من الرساتيق رستاق كرم ورستاق جهرم ورستاق
نيريز ورستاق الفستجان ورستاق الابجرد ورستاق الانديان ورستاق جويم ورستاق فرج
ورستاق تارم ورستاق طمستان وهذه الرساتيق بها مدن وقرى كالمدن عامرة آهلة وبها
أسواق وتجارات وبقرية من قرى دارابجرد الموميا الذي يحمل إلى الآفاق وهي ملك للسلطان
ولا نظير لها وهي في غار في جبل وقد وكل بها حفظة والغار مسدود الباب مطبوع على
غلقه بعلامات كثيرة ويفتح في كل سنة مرة فيوجد قد اجتمع في قعره حجر على قدر
الرمانة فيطبع عليه بمحضر من ثقات السلطان ويحمل إلى شيراز ويباع هناك وهو الصحيح
وما سواه من الموميا فليس بشيء.
ومن فسا إلى كازرون ستة وخمسون ميلاً وهي مدينة حسنة لها سور وحصن وأبواب خشب
وحديد ولها قلعة داخلها حصينة ولها ربض عامر فيه أسواق ومتاجر وصناعات وبها فواكه
عامة وخير كثير ومن كازرون إلى جور ثمانية وأربعون ميلاً.
والجنجان تتاخم كازرون وهي مدينة عامرة آهلة من كورة سابور وعليها سور منيع وبها
تجارات وبيع وشراء.
والراميجان ميدينة حسنة من كور سابور ولها سور تراب حصين ولها رستاق خصيب ويسمى
بها وينسب إليها.
والخوبذان أيضاً مدينة صغيرة عامرة بالناس كثيرة الخلق ولها سوق وتجار وصناعات
وبيوع وأشرية ولها رستاق كبير وجانب متسع وينضاف إليها عمل المورستان وبها منبر
وبشر كثير وفواكه ونعم دارة.
ومن كورة سابور مدينة جرة وهي عامرة عليها سور من طين حصين ولها رستاق آهل كثير
العمارة وأفضيتها واسعة والدرخويذ وتنبوك رستاقان متقاربان في الكبر عامران ولهما
مزارع ومناخ وغلات وكذلك رستاق الكيمارج حسن الموضع واسع الجهات ممتد مستغل لكل
فائدة وأما الرامجان والشاهجان وابنوران والشادروذ وخمايجان العليا والسفلى
وتيرمردان فهذه كلها رساتيق وحصون وقرى كالمدن متقاربة الأقدار واسعة الأقطار
خيراتها عامة وأموالها وافرة وخلقها كثير وجملتها من كورة سابور المتقدم ذكرها.
ويتصل بما ذكرناه من جهة الجنوب مع الغرب من هذا الجزء المرسوم مدن وقلاع ورساتيق
من كورة أردشير مثل جور وقد تقدم ذكرها ولها رستاق جليل عامر ونابند ورستاقها ممتد
متسع الأرجاء وكذلك الصيمكان وهو حصن منيع وله عمارات ورستاقه منسوب إليه وخورستان
مدينة حسنة عامرة بسوق وحصن منيع ولها رستاق كبير عامر له غلات مفيدة وكذلك
الفوشجان مدينة صغيرة وأهلها بشر كثير وبها صناعات وتجارات ولها رستاق يسمى باسمها
ومن كورة أردشير مدينة كران وهي مدينة صغيرة حصينة ولها رستاق معروف باسمها وبها
طين أخضر كالسلق يؤكل لا نظير له.
ومن مدنها مدينة سيراف وهي على ساحل البحر الفارسي وهي مدينة كبيرة وبها تجار
مياسير وأهلها مولعون بكسب المال واستجلابه على أي وجه أمكن وهم أكثر عباد الله
تغرباً وتجولاً في الآفاق حتى إن الرجل منهم يتجول العام والعشرين ولا يرجع إلى
أهله ولا يكترث بمن خلفه وسيراف فرضة فارس ومبانيها بالساج وأبنيتهم طبقات مشتبكة
البناء كثيرة الأهل ولأهلها همم في نفقات الأبنية وضروب التحسين والتحصين وفواكههم
ومياهم تصل إليهم من جبل مشرف عليهم يسمى جم وهذا الجبل مطل على البحر وليس به زرع
ولا ضرع وهي شديدة الحر جداً ولها منبران أحدهما نجيرم وهي مدينة على البحر وكذلك
مدينة الغندجان ورستاقها يسمى دشت بارين وفيه حصن به منبر وسوق.
ومدينة صفارة صغيرة على البحر وبها سكان وهم مياسير ولهم رستاق معمور يسمى
الرستقان.
ومن
كورة أردشير توج وهو حصن عامر بأهله منيع وكذلك الجرمق أيضاً قصبة حسنة حصينة
عامرة آهلة وكذلك كير قصبة معمورة كبيرة ولها رستاق حسن جليل مفيد ومنها أبزر وهو
قصبة جامعة وملجأ وبها أسواق وكذلك سميران مدينة صغيرة لها رستاق جليل متسع
العمارات كثير العامر وأيضاً مدينة كوار متوسطة عليها سور تراب وفيها أسواق وتجار
مياسير وهي مقصد لأنواع تجارات ولها رستاق كبير فيه عمارات وخير وافر ومستغلات جمة
والرستاق بلسان الفرس معناه الإقليم أي عمل بجهة.
وفي البحر جزيرة ابن كاوان وفيها مدينة وجامع آهل ومي من كورة أردشير وبقربها
جزيرة أوال وبها أيضاً مدينة ولها جامع وفيها أسواق صالحة وكلا هاتين الجزيرتين
على مقربة من البر ويتصل بهذه الأكوار كورة أرجان المتقدم ذكرها وفيها مدن كثيرة
كبار وصغار يجب ذكرها هاهنا وسنأتي بمسافاتها في الطرقات المتصلة بالبلاد.
فأما أرجان فإنها حد بين فارس وخوزستان وهي مدينة حسنة في غاية الطيب ولها رساتيق
وخصب ونخيل وكروم وفواكه عامة مثل الجوز والأترج والخوخ والزيتون الكثير والزيت
وماؤها غير طيب ولا شروب وعلى باب أرجان مما يلي خوزستان على نهر طاب قنطرة تنسب
إلى الديلمي طبيب الحجاج بن يوسف وهي طاق واحد سعة ما بين عموديها على وجه الأرض
ثمانون خطوة وارتفاعها ما يحمل ذلك.
ومدينة سابور مدينة بناها سابور الملك وهي تباهي إصطخر في هيآتها وأبنيتها لكن
مدينة سابور أكثر بشراً وعمارة وأهلاً وأوفر حالاً وبها جامع ومنبر.
وأما مدينة ريشهر فإنها صغيرة لكنا عامرة ولها جامع ورستاق كبير منسوب إليها وبه
عمارات وقرى ومزارع وكذلك.
وايج حصن جامع ومعقل مانع وبه منبر وله عمالة وقرى.
وجنابة مدينة كبيرة عامرة آهلة ذات أسواق عامرة و طرز يصنع بها ثياب الكتان
الفاخرة على ضروب وبها أنواع من التجارات ولها رستاق وعمالة.
ومنها مدينه سينيز وهي بقرب البحر وبها منبر وينسب إليها الكتان السينيزي المجمع عليه
بالقول العام أنه ليس بجميع أقطار الأرض كتان يعدله ولا يقاومه قوة وليناً ومن
شأنه أنه لا يتعلق بالثياب كفعل الكتان في ذاته وحاله في التعليق بالثياب الملامسة
له ومن رساتيقها العامرة اسلجان وبها منبر ومنها الملجات وفرزك وباش كلها حصون
ومواطن معمورة تتقارب في أقدارها وتتشابه في عماراتها وفي كل واحدة منها منبر
وجمالات ومن أرض فارس بلاد كثيرة بقي علينا ذكرها وسنأتي بها في الجزء الآتي إثر
هذا الجزء بحول الله.
وفي هذا الجزء الذي نحن في ذكره قطعة من أرض كرمان وفيها من بلادها سوروا وهرمز
وجبال القفص نأتي بذكرها بعد ذكرنا لطرقات بلاد فارس ومشهورها إلى ما يليها من
قواعد الأمصار المصاقبة لها إن شاء الله.
فمن ذلك صفة الطريق من شيراز إلى سيراف ومن شيراز إلى قرية كفرة خمسة عشر ميلاً
ومن كفرة إلى قرية نخذ خمسة عشر ميلاً ومن نخذ إلى مدينة كوار ستة أميال ومدينة
كوار تقسم ما بين نخذ والبيمجان لأن من نخذ إلى قرية البيمجان اثني عشر ميلاً ومن
البيمجان إلى مدينة جور السابق ذكرها ثمانية عشر ميلاً ومن جور إلى رستاق دشت
شوراب خمسة عشر ميلاً ومنها إلى خان آزاذمرد وهي قرية في صحراء قدر تسعة أميال
وهذه الصحراء كلها تنبت نرجساً مضاعفاً ومن حار إلى خان آزاذمرد وهي قرية ثمانية
عشر ميلاً ومن خان آزاذمرد إلى قرية كيرند ثمانية عشر ميلاً ومن كيرند إلى قرية مي
ثمانية عشر ميلاً ومن مي إلى رأس العقبة وهناك منزل يسمى اذركان ثمانية عشر ميلاً
ومن اذركان إلى خان بركانة اثنا عشر ميلاً ومن بركانة إلى مدينة سيراف نحو أحد
وعشرين ميلاً يكون الجميع مائة وثمانين ميلاً.
والطريق من شيراز إلى جنابة على البحر من شيراز إلى خان الأسد وهو على نهر السكان
ثمانية عشر ميلاً ومن خان الأسد إلى خان دشت أرزن اثنا عشر ميلاً ومن دشت أرزن إلى
قرية تيرة اثنا عشر ميلاً ومن تيرة إلى مدينة كازرون السابق ذكرها ثمانية عشر
ميلاً ومن كازرون إلى قرية دريز اثنا عشر ميلاً ومنها إلى مدينة توج أربعة وعشرون
ميلاً ومن توج إلى جنابة ستة وثلاثون ميلاً فذلك مائة واثنان وثلاثون ميلاً.
والطريق
من شيراز إلى إصبهان من شيراز إلى مدينة الهزار اثنا عشر ميلاً ومنها إلى مايين
مدينة أحد وعشرون ميلاً ومن مايين إلى مدينة كسنا ثمانية عشر ميلاً ومنها إلى كنار
وهي قرية اثنا عشر ميلاً ومن كنار إلى قرية قصر ابن أعين أحد وعشرون ميلاً ومنها
إلى قرية إصطخران أحد وعشرون ميلاً ومنها إلى خان روشن وهي قرية عامرة أحد وعشرون
ميلاً ومنها إلى قرية كرد أحد وعشرون ميلاً ومنها إلى قرية دزة أربعة وعشرون ميلاً
ومن دزة إلى خان لنجان أحد وعشرون ميلاً ومنه إلى إصبهان أحد وعشرون ميلاً فذلك من
شيراز إلى خان روشن اثنان وسبعون ميلاً ومن خان روشن إلى إصبهان ثلاثة وتسعون
ميلاً الجملة من ذلك مائتان وخمسة وعشرون ميلاً.
والطريق من شيراز إلى خوزستان من شيراز إلى جويم وهي مدينة حسنة نبيلة متقنة خمسة
عشر ميلاً ومن جويم إلى خلار اثنا عشر ميلاً وخلار قرية كبيرة ومنها إلى قرية
الخرارة خمسة عشر ميلاً وهي قرية عامرة قليلة الماء ومن الخرارة إلى قرية الكركان
خمسة عشر ميلاً ومن الكركان إلى النوبندجان وهي مدينة كبيرة عامرة ذات أسواق
وتجارات وقد ذكرناها فيما سلف ثمانية عشر ميلاً ومنها إلى قرية الخوبذان اثنا عشر
ميلاً ومنها إلى قرية زايدق اثنا عشر ميلاً ومنها إلى خان حماد وهي قرية عامرة
اثنا عشر ميلاً ومنها إلى راسين اثنان وعشرون ميلاً ومنها إلى أرجان أحد وعشرون
ميلاً ومنها إلى بيذك وهي قرية تسعة أميال ومنها إلى قرية العقارب وتعرف بهبر اثنا
عشر ميلاً ومن أرجان أيضاً إلى سوق سنبيل ثمانية عشر ميلاً والحد قنطرة ثكان من
أرجان على غلوة سهم فالجملة من ذلك من شيراز إلى أرجان مائة وثلاثون ميلاً.
والطريق من شيراز إلى يزد ويزد في جهة الشرق وهي على جانب المفازة في طريق خراسان
ونحن نذكر هذا الطريق مجرداً على حاله وسنذكر البلاد التي تأتي هناك على استقصاء
في موضعها إن شاء الله فمن ذلك تخرج من شيراز إلى الزرقات ثمانية عشر ميلاً
والزرقان منازل على واد عذب إلى مدينة إصطخر ثمانية عشر ميلاً ومن إصطخر إلى قرية
تير اثنا عشر ميلاً ومن تير إلى قرية كمهنك أربعة وعشرون ميلاً ومن كمهنك إلى قرية
بيذ أربعة وعشرون ميلاً ومن بيذ إلى مدينة ابرقريه ستة وثلاثون ميلاً ومن ابرقويه
إلى قرية الأسد تسعة وثلاثون ميلاً ومن قرية الأسد وهي قرية ذات حصن منيع إلى قرية
الجوز ستة فراسخ ومن قرية الجوز إلى قلعة المجوس ثمانية عشر ميلاً ومن قلعة المجوس
إلى مدينة كثه من حومة يزد خمسة عشر ميلاً ومن كثه إلى يزد ثلاثون ميلاً وسنذكر
هذه البلاد بعد هذا في الجزء الآتي بعون الله.
والطريق من شيراز إلى السيرجان والسيرجان مدينة كرمان من شيراز إلى إصطخر ستة
وثلاثون ميلاً ومن إصطخر إلى زياداباذ وهي قرية من رستاق خفرز أربعة وعشرون ميلاً
ومن زياداباذ إلى كلودر أربعة عشر ميلاً ومن كلودر إلى جوبانان وهي قرية عامرة على
بحيرة ثمانية عشر ميلاً ومن الجوبانان إلى قرية عبد الرحمن ستة فراسخ وهي مدينة
تسمى اباذة وسنذكرها ومنها إلى مدينة البوذنجان ثمانية عشر ميلاً ومنها إلى صاهك
وهي مدينة عامرة أربعة وعشرون ميلاً ومن صاهك إلى رباط السرمقان مفازة أربعة
وعشرون ميلاً ومنه إلى رباط بشت خم سبعة وعشرون ميلاً ومنها إلى السيرجان سبعة
وعشرون ميلاً ورباط السرمقان المتقدم ذكره من حد فارس وما بعده من حد كرمات فجميع
ذلك من حد السرمقان إلى شيراز مائة وثمانون ميلاً ومنه إلى مدينة السيرجان أربعة
وعشرون ميلاً.
والطريق
من شيراز إلى تارم من جروم كرمان من شيراز إلى خان ميم أحد وعثسرون ميلاً وخان ميم
قرية من رستاق الكهركان ومنه إلى مدينة خورستان أحد وعشرون ميلاً ومن خورستان إلى
منزل يعرف بالرباط اثنا عشر ميلاً ومنه إلى قرية كرم اثنا عشر ميلاً ومن كرم إلى
مدينة فسا المتقدم ذكرها خمسة عشر ميلاً ومن فسا إلى طمستان وهي مدينة اثنا عشر
ميلاً ومن طمستان إلى ناحية الفستجان وهي مدينة ثمانية عشر ميلاً ومنها إلى
الدراكان اثنا عشر ميلاً ومنها إلى مدينة مريزجان اثنا عشر ميلاً وهي مدينة عامرة
كثيرة التجارات عامرة الأسواق حسنة المباني ومنها إلى سنان اثنا عشر ميلاً وهي مدينة
عامرة ومنها إلى دارابجرد ثلاثة أميال ومنها إلى رم المهدي وهي مدينة حسنة بهية
المنظر ذات حصن حصين خمسة عشر ميلاً ومنها إلى رستاق الرستاق خمسة عشر ميلاً ومنها
إلى فرج وهي مدينة جليلة كاملة أربعة وعشرون ميلاً ومنها إلى تارم وهي مدينة اثنان
وأربعون ميلاً فالجميع من شيراز إلى تارم مائتان وستة وأربعون ميلاً.
وبقي أن نذكر شيئاً من مسافات بلاد فارس ومن شيراز إلى كوار ثلاثون ميلاً وهي قرية
حسنة عامرة وبها معدن طين أخضر كالسيف كالسلق أشد خضرة منه وهو شهي للأكل ولا
يعدله شيء في ذلك ومن شيراز إلى البيضاء أربعة وعشرون ميلاً ومن شيراز إلى توج ستة
وتسعون ميلاً ومن شيراز إلى خرمة اثنان وأربعون ميلاً ومن سيراف إلى نجيرم ستة
وثلاثون ميلاً ومن روذان إلى أنار أربعة وخمسون ميلاً ومن أنار إلى الكهرج خمسة
وسبعون ميلاً ومن الفهرج إلى مدينة كثة ستة وثلاثون ميلاً ومن كثة إلى ميبذ عشرة
فراسخ ومن ميبذ إلى عقدة ثلاثون ميلاً ومن عقدة إلى نايين خمسة وسبعون ميلاً.
ولأرض فارس أربعة رموم وتفسير الرموم محال الأكراد ولكل رم منها قرى ومدن مجتمعة
وفيها رئيس من الأكراد التزم درك النوائب الكائنة في ناحيته وحفظ الطرق حتى لا
يصيب أحداً في أرضه مكروه.
فمنها رم الحسن بن جيلويه ويسمى الرميجان وهو مما يلي إصبهان ويأخذ طرقاً من كورة
سابور وطرقا من كورة أرجان فحد منه ينتهي إلى البيضاء وحد منه ينتهي إلى إصبهان
وكل ما وقع فيه من المدن والقرى فإنه من عمل إصبهان ويتاخمهم من عمل إصبهان
المازنجان الذين هم من بر شهريار وبعده عن شيراز على اثنين وسبعين ميلاً.
والرم الثاني منها هو رم الديوان المعروف برم الحسين بن صالح ويسمى السوران وهو من
كور سابور وحد منه يلي أردشير خرة والثلاثة حدود الباقية منه تنعطف بها كورة سابور
وكل ما كان من المدن والقرى في أصقابه فهو منها وأقرب حده إلى شيراز على أحد
وعشرين ميلاً.
والرم الثالث منها هو رم اللوالجان لأحمد بن الليث وهو من كورة أردشير خرة فحد منه
يلي البحر ويلي ثلاثة حدوده أردشير وما وقع في أصقابه من المدن والقرى فهو منها
وهو من شيراز على ثمانية وأربعين ميلاً وأما رم الكاريان فإن حداً منه إلى سيف بني
الصفار وحد منه إلى المازنجان وحد منه إلى حدود كرمان وحد منه إلى حدود أردشير
فحدودها كلها مجتمعة في أردشير خرة.
ويزيد هؤلاء الأكراد الذين هم في هذه الرموم على خمسمائة بيت ويخرج من الحي الواحد
ألف فارس وأقل من ذلك وأكثرهم ينتجعون في الشتاء والصيف إلى المراعي وكل واحد من
أهل هذه الرموم لا يتحول عنها ولا ينتقل منها بل ينتقل جميعهم فيما لهم من النواحي
المختصة بهم لا يدخلون أرض غيرهم وحكى ابن دريد أنهم من العرب من ولد كرد بن مرد
بن عمرو بن عامر وللأكراد في بلاد فارس أغنام ورماك وإبل وليس لهم خيل عتاق بل
أكثرها هجن وفيها بحومة المازنجان خيل عتاق ولها عندهم أثمان غالية لحسن خلقها
وكريم خلقها.
وبأرض فارس قلاع منيعة وحصون حصينة في جبال شاهقة الذرى لا يقدر أحد من الملوك على
فتح شيء منها عنوة البتة فمنها قلعة داكباياه وهي جبال ثلاثة كالأثافي القائمة على
رأس كل شعبة منها حصن لا يقدر أحد أن يرقى إليه بنفسه إلا أن يرقى به في شيء من
البحر وهي مراصد لآل عمارة على البحر تقصد إليها المراكب لأنها ترى من بعد في
البحر يستدل بها على فرضات فارس ويذكر أنها من بنيان الجلندى بن كنعان.
ومنها قلعة الكاريان وهي على جبل طين وليس لأحد ارتقاء إليها إلا على طريق مثل
مدرج النمل حرج.
ومنها
قلعة اسفندياذ من كورة إصطخر في أعلى جبل شاهق والارتقاء إليها في طريق صعب ثلاثة
أميال ولا يقدر أحد على من تحصن فيها وامتنع بنفسه ومياهها من الأمطار وإنما تؤخذ
بالقعود عليها ومنع الميرة عنها.
ومنها قلعة اشكنوان وهي من رستاق مايين في نهاية من العلو وامتناع من الصعود إليها
وفيها عين ماء جارية.
ومنها قلعة جوذرز ومكانها بموضع يعرف بالسويقة من كام فيروز وهي قلعة لا يبصرها
الناظر إليها إلا عن جهد وطريقها صعب وقلعة الجص بناحية أرجان وسكانها قوم مجوس وتسمى
قلعة بندارس وهي قلعة منيعة جداً لا يستطاع التغلب عليها لامتناع الارتقاء إليها
وفيها عين ماء جارية وقلعة ابرج مثلها في المنعة وصعوبة الارتقاء وبها عين ماء
جارية.
وفي بلاد فارس أنهار كثيرة كبار وأودية صغار تمد الأنهار ونريد الآن أن نذكر
أكثرها حسب ما تبلغه الطاقة وتمكنه القوة والحمد والقوة لله وجميع أنهار فارس تخرج
من الجبال المتاخمة لأرض إصبهان وتصب في البحر الفارسي ومياهها كلها عذبة طيبة.
فمنها نهر مسن وهذا النهر الخارج من نواحي إصبهان إلى نواحي السردن يجتمع بنهر طاب
عند قرية تسمى مسن ولا يزال فاضلها عن حاجتهم جارياً إلى باب أرجان تحت قنطرة ثكان
ويمر قنطرة بين فارس وخوزستان قليلة النظير وهي تضاهي قنطرة قرطبة الأندلس وهي من
عجائب البناء وغريبة ويمر هذا النهر حتى يأتي رستاق ريشهر ثم يقع في البحر عند
سينيز.
ومن أنهار فارس نهر شيرين ومخرجه من جبل دينان الذي من ناحية بازرنج فيسقي رستاق
فرزك والجلادجان ثم يمر فيخترق رستاق ثم يمر فيصب في البحر نحو جنابه.
وأما نهر الشاذكان فإنه يخرج من بازرنج وجبالها حتى يدخل تنبوك وهو رستاق ثم يمر
بخان حماد ويسقي رستاق زيداياذ ونابند والكهركان ثم يمتد إلى دشت الرستقان ثم يدخل
البحر.
وأما نهر درخيذ فإنه يخرج من الجويخان فيقع في بحيرة درخيذ ونهر الخوبذان فيخرج
بالخوبذان فيسقي نواحيها ثم يمر بأبنوران ثم يصب إلى الجلادجان متفرقاً ويتساقط في
البحر.
ونهر رس يخرج من الخمايجان العليا حتى يصير بالزيزيان فيسقط في نهر سابور فيمضي
إلى توج فيمضي ماراً ببابها ومنها إلى البحر.
ومنها نهر اخشين يخرج من خلاق داذين فإذا بلغ الجنقان وقع نهر توج.
ونهر سكان يخرج من رستاق الرويجان من قرية تدعى شاذفزى فيسقي زرعها ثم ينحدر إلى
رستاق سياه فيسقيه ومنها إلى كوار فيسقيها ثم يمر إلى قرية سك وهذا النهر منسوب إلى
سك ثم يقع في البحر وليس في أنهار فارس نهر أكثر عمارةً وانتفاعاً من هذا النهر
لأن ماءه يخرج عنه فيسقي الرساتيق والعمارات.
وأما نهر جرشيق فإنه يخرج من رستاق ماصرم ونجيرم فيمر برستاق المشجان حتى يخرج تحت
قنطرة عادية تعرف بقنطرة سيول حتى يدخل رستاق جرة فيسقيه ثم إلى رستاق داذين ويقع
في نهر اخشين.
فأما نهر كر فإنه يخرج من كروان من حد الارد وينسب إلى الكروان وهو من شعب بوان
المذكور المشهور ويسقط كام فيروز وينحدر فيسقي قرية رامجرد وكاسكان والطسوج فينتهي
إلى بحيرة البختكان.
وأما نهر فرواب فإنه يخرج من الجوبرقان ويعرف بفرواب فيخرج على باب إصطخر تحت
قنطرة خراسان حتى يسقط في ناحية الكر.
ونهر برزة يخرج من ناحية دارجان سياه فيسقي رستاق الخنيفغان وجور حتى يخترق رستاق
أردشير خره ثم يقع في البحر.
وبأرض فارس من الأودية الصغار كثير أضربنا الآن عن ذكرها خوفاً من السآمة والملل
وبالله التوفيق.
وبأرض فارس بحيرات كثيرة عليها عمارات وقرى مسكونة ومزارع ومستغلات فنذكر منها
أكبرها قطراً وأكثرها عمارةً وخيراً فمنها بحيرة البختكان التي يقع فيها نهر كر
وهي بناحية خفرز وتتصل إلى قرب صاهك كرمان وطولها يكون نحو ستين ميلاً وعرضها في
أماكن ستة أميال وأكثر من ذلك وهي ملحة الماء وتعقد أطرافها في حمائم الصيف ملحاً
كثيراً يتصرف به وحواليها رساتيق وقرى وعمارات متصلة ويتصل طرفها بكورة إصطخر.
ومن
البحيرات الفارسية بحيرة بدشت أرزن من كورة سابور وطولها نحو ثلاثين ميلاً وماؤها
عذب ويجف أكثرها في سمائم الصيف وحميم القيظ حتى لا يبقى منها إلا الشيء اليسير
وربما امتلأت فكان عمقها نحو من قيم وأقل وأكثر وفي زوارق كثيرة يصاد فيها السمك
العجب الكثير العدد الكبير القدر وعامة سموكها تحمل إلى شيراز وتشف كثرتها على ما
يحتاج إليه.
وبحيرة مور من كورة سابور بموضع يعرف بكازرون وطولها نحو ثلاثين ميلاً وتتصل إلى
قرب مورق وماؤها ملح وفيها زوارق وعامة الساكنين بها يتصيدون السمك ويسيرون به إلى
تلك الأقطار المدانية المجاورة لها.
وأما بحيرة الجنكان فماؤها ملح وطولها ستة وثلاثون ميلاً ويرتفع منها ملح كثير
وبها مصايد للسمك ومعايش وحولها قرى الكهرجان وهي من أردشير خرة وأولها من شيراز
على ستة أميال وآخرها حد الخوزستان.
وبحيرة الباسفرية التي عليها دير الباسفرية طولها نحو من أربعة وعشرين ميلاً
وماؤها ملح وسمكها كثير ومع أطرافها آجام كثيرة فيها قصب وبردي وحلفاء وغير ذلك
مما ينتفع به أهل تلك النواحي وهي من إصطخر متاخمة للمزرقان من رستاق هزار وبها من
البرك والمناقع كثير ولا حاجة بنا إلى ذكرها.
وبجميع أرض فارس وفي كل مكان منها بيوت نيران وهي كثيرة يفضلون بعضها على بعض
فمنها بيت الكاريان وهو بيت معظم لناره موقده منذ ألف سنة ونيف ومنها بيت نار بجرة
وهي منسوبة إلى دارا بن دارا وهو بيت معظم عند الفرس وبه يقسمون وهي أعظم أيمانهم
التي يحلفون بها وبحقها ومنها بيت بارين وموضعها عند بركة جور ومنها بيت نار عند
باب سابور وتعرف بسيوخشين ومنها بيت نار آخر على باب سابور أيضاً ومحاذياً لباب
ساسان ويسمى بجنبذ كاوسن ومنها بيت نار بكازرون أيضاً وهو معظم عندهم ومنها بيت
شيراز وهو كبير عند أهله معظم يقسمون به ومنها بيت نار يسمى بهرمزد وعلى مقربة من
شيراز بالقرية المعروفة بالسوكان وهو على شرف عال وأهل شيراز يرونه من قطرهم وقرية
السوكان في شمال شيراز وعن يسار طريق يزد الآخذ إلى خراسان وبينها وبين شيراز نحو
ميل وكان بأرض فارس بيوت نيران كثيرة تعطلت برجوع أكثر الفرس إلى دين الإسلام وبقي
أكثر أماكنها إلى الآن بلاقع.
وأرض فارس مربعة الطول والعرض وطولها أربعمائة وخمسون ميلاً في أربعمائة وخمسين
ميلاً وأرض فارس مستوية على خط من لدن أرجان إلى النوبنجان إلى كازرون إلى جرة ثم
تمتد على الرموم ودارابجرد إلى فرج وتارم فما كان مما يلي الجنوب فجروم وما كان
مما يلي الشمال فصرود.
ويقع في جرومها أرجان والنوبنجان ومهروبان وسينيز وجنابة وتوج ودشت الرستقان وجرة
وداذين ومور وكازرون ودشت بارين وجينزير ودشت البوشقان ورم اللوالجان وكير وكبرين
وابزر وسميران وخمايجان وكران وسيراف ونجيرم وحصن ابن عمارة وما في أضعاف ذلك.
ويقع في الصرود إصطخر والبيضاء ومايين وابرج وكام فيروز وكرد وخلار وسروستان
والاوسبنجان والارد والرون وصرام وبازرنج والسردن والخرمة والنيريز والماشكانات
والايج والاصطهبانات وبرم ورهنان وبوان وطرخيشان والجوبرقان واقليد والسرمق
وابرقويه ويزد وجارين ونايين وما في أضعاف ذلك من البلاد وهواء بلاد الصرود صحيح
معتدل وهواء الجروم وخيم فاسد وفيما ذكرناه من أخبار فارس كفاية لذوي التفهم والدراية.
وبهذا الجزء من بلاد كرمان مدينة هرمز والمنوجان وقرية سوروا على البحر وجبال
البلوص وسنذكر أرض كرمان بذاتها وجميع بلادها على التقصي عند ذكرنا ما في الصورة
التي تأتي بعد هذا إن شاء الله تعالى.
نجز الجزء السادس من الإقليم الثالث والحمد لله ويتلوه الجزء السابع منه إن شاء
الله.
الجزء السابع
إن الذي تضمن هذا الجزء السابع من الإقليم الثالث في حصة من البلاد المعمورة كورة
إصطخر ومدها مثل كثة وميبذ ونايين والفهرج والروذان على أنها كانت فيما يذكر من
أعمال كرمان فقلبت في دواوين فارس وامتداد هذه الناحية نحو مائة وثمانين ميلاً ومن
مدنها ابرقويه واقليد والسرمق والجوبرقان ومشكان والارجمان وبرم ومدينة عبد الرحمن
وميرزنجان وصاهك الكبرى وهراة والأذركان والخيرة وابرج وخرمة والسرداب وكمين وبجة
وكرد واللورجان.
وفي
هذا الجزء أيضاً يتصل بجنوب هذه البلاد بلاد كرمان وفيها من المدن المنوجان ورويست
وولاشجرد و الخبروقان والروذان ورستاق الرستاق والسيرجان وبردسير وزرند وماهان
وخبيص وخناب وجيرفت وهرمز وسوروا وقفيز والريقان وبم والفهرج ونرماشير وسبيج وكل
هذه مدن كرمان.
ويتصل بكلتا الناحيتين من أرض فارس وأرض كرمان في جهة الشرق المفازة العظيمة التي
ليس في معمور الأرض مثلها وفيها جمل قرى وبضفاتها مدن سنأتي بذكرها في موضعها
ويتصل بهذه المفارة أكثر أرض سجستان وفيها من المدن المشهورة مدينة زرنج والطاق
والقرنين وخواش وسروان وبست وانزالقان وبنجواي واسفنجاي وسيوي وبشلنك وبغنين وجزة
وفره ودزة ودزق وقلائي وكركوية وهيشوم وباشورد.
ويتصل بهذه المدن من جهة الشمال من بلاد خراسان قطعة فيها بعض بلاد خراسان
المعمورة المشهورة منها قاين وزوزن وسلومك وينابذ ومالن والواديقان وسرخس وبوزنجان
ومنها من بلاد قوهستان باشين وكرين وطبس وخاسكين وبشتاذران وكل هذه البلاد
المذكورة نريد أن نذكرها بلداً بلداً وقطراً قطراً على ما هي عليه من الصفات
المختلفة والكور المؤتلفة والأقاليم والرساتيق حسب ما جرت به عادتنا فيما سلف قبل
هذا بحول الله تعالى وحسن معونته وتوفيقه.
فنقول إن كورة إصطخر من أرض فارس أعظم كورها وأكثرها بلاداً وأوسعها عمارة وأكثرها
جهات وأزكاها غلات ومدينة إصطخر هي كما قدمنا ذكرها أكبر هذه البلاد قطراً وأكثرها
عمارةً وخلقاً ومنها إلى ابرقويه ستة وتسعون ميلاً ومدينة ابرقويه مدينة حصينة
خصيبة كثيرة العامر مقصودة بالتجارات عليها سور تراب والغالب على أبنيتها لبن الطين
وليس بها ماء جار ولا حولها شيء من الشجر ولا عمارة بما استدار بها لكن بها مزارع
الحنطة والحبوب وأسعارها رخيصة وبقرب ابرقويه تلال رمال وجبال عظام طولها أكثر من
ميلين وبين إصطخر وابرقويه مدينة بجة وهي متوسطة بين إصطخر وابرقويه وهي مدينة
صغيرة عامرة ولها رستاق يسمى الأرد كثير العمارة والقرى.
ومن ابرقويه إلى كثة مائة وثلاثة وعشرون ميلاً وكثة هي مدينة جليلة عامرة آهلة
كثيرة التجارات متصلة العمارات على طرف المفازة لها طيب هواء البرية وصحته وهي من
أخصب البلاد وأكثرها أرزاقاً ولها رستاق يشتمل على ربض والغالب على أبنيتها لبن
الطين ولها مدينة محصنة بحصن وللحصن بابان من حديد يسمى أحدهما باب اندور والباب
الثاني باب المسجد وإنما سمي بباب المسجد لقربه من المسجد الجامع وجامعها في الربض
ومياهها من القنوات لا نهر لها وماء قنواتها يأتي من ناحية القلعة غرباً وبينهما
ثمانية عشر ميلاً وعلى قرب من هذا الحصن قرية تعرف بدنج وفيها معدن الآنك ومنها
يتجهز به إلى سائر الأقطار وهذه القرية نزيهة جداً ولهذه المدينة المقدم ذكرها
رساتيق ممتدة عريضة خصيبة وهي ورساتيقها كثيرة الشجر طيبة الثمر وربما كثرت فيجفف
أكثرها ويحمل إلى سائر الأقطار والأكثر إلى أرض إصبهان وما جاورها وجبالها كثيرة
الشجر والنبات وخارج المدينة ربض يشتمل على أبنية وأسواق قائمة العمارة وأهلها
متأدبون طالبون للعلوم.
ومن كثة إلى يزد شرقاً ثلاثون ميلاً ومدينة يزد مدينة متوسطة المقدار رخيصة
الأسعار عامرة وانجيرة بينها وبين يزد أربعة وعشرون ميلاً وانجيرة موضع فيه قباب
وعين ماء عليها أصول شجر تين ومنها تأخذ الطريق إلى خراسان وهي على رأس المفازة.
ومن مدينة كثة إلى عقدة ثلاثون ميلاً وعقدة مدينة صغيرة عامرة قائمة الأسواق
وأهلها مياسير وكرد تتاخم ابرقويه وهي أكبر من ابرقويه وبنيانها كبناء ابرقويه
بلبن الطين وفيها خصب ورخص أسعار.
ومن عقدة إلى نايين خمسة وسبعون ميلاً ونايين مدينة حسنة ذات سور من طين ولها
أسواق ومتاجر وأموال متصرفة ومن نايين إلى إصبهان ثمانية وسبعون ميلاً.
ومن كثة إلى الفهرج في جهة الجنوب خمسة عشر ميلاً والفهرج مدينة صغيرة متحضرة لها
سوق عامرة وأهلها أكياس ومن الفهرج إلى أنار وهي مدينة صغيرة لا سور لها خمسة
وسبعون ميلاً ومن أنار إلى الروذان أربعة وخمسون ميلاً وكذلك من قرية أنار إلى
المريزجان مرحلة خفيفة وهي متاخمة للمفازة وهي حصينة كثيرة الأهل وبها أجناد
وأعمال وجبايات.
والروذان
مدينة كبيرة كثيرة الخيرات متصلة العمارات لها أسواق ومكاسب وأهلها مياسير ولها
رستاق عامر ممتد فيه من المنابر كثير والروذان في ذاتها قريبة من ابرقريه في الشبه
وقدر الكبر وحسن المباني.
وأما مدينة خرمة فقريبة الشبه من ابرقويه كبراً وعمارةً وتصرف تجارات ومنها إلى
مدينة شيراز ستة وثلاثون ميلاً ولمدينة خرمة رستاق يعرف بالطسوج وكذلك مدينة ميبذ
واحدة من كورة كثة وكذلك مدينة نايين والفهرج اللتين قدمنا ذكرهما فهذه البلاد
الأربعة كورة واحدة وليس في جميع النواحي ناحية بها أربعة منابر غير هذه الناحية.
ومما يجاور ابرقويه مدينة اقليد والسرمق مدينة خصيبة جليلة رخيصة الأسعار كثيرة
الأشجار عامرة القطر كثيرة التجارات قائمة الأسواق ولها رستاق واسع كثير الزراعات
خصيب والجوبرقان رستاق كبير ومدينة مشكان وهي مدينة متوسطة المقدار خصيبة أسواقها
عامرة وأحوالها حسنة.
ومن مدن كورة إصطخر مدينة صاهك وهي مدينة لها سور تراب وهي عامرة وأهلها يتجولون
ويسافرون وأموالهم كثيرة وأحوالهم صالحة ومنها إلى شيراز مائة وثمانية وثلاثون
ميلاً وصاهك على الطريق بين شيراز وكرمان ومن صاهك أيضاً إلى السيرجان من كرمان
تسعون ميلاً وكذلك من شيراز إلى السيرجان على صاهك مائتان وثمانية وعشرون ميلاً.
وأما مدينة البيضاء فهي مدينة كبيرة لها حصن وربض عامر وهي أكبر مدن كورة إصطخر
وإنما سميت البيضاء لأن قلعتها بيضاء يرى بياضها من بعد واسمها بالفارسية نسايك
وهي في الكبر تضاهي إصطخر وبناؤها من طين ولها حروث متشعبة وخصب زايد وأكثر ميرة
شيراز منها وأهلها مياسير وزيهم زي العراقيين في اللباس والعمائم ومن البيضاء إلى
شيراز أربعة وعشرون ميلاً.
والأرجمان مدينة ولها رستاق متسع الطنب يسمى المريزجان.
وأما إقليم السرداب وحومتها وكمين فلهما منبران وجماعات وعمارات.
ومدينة بجة لها رستاق يسمى الأرد وهي مدينة صغيرة ومثلها في القدر مدينة كرد وهي
متحضرة ولها منبر ولها رستاق صغير وأما مدينة اللورجان فهي صغيرة حسنة ورستاقها
السردن فهذه جملة ما في كورة إصطخر من أرض فارس بها بأرض كرمان.
وأرض كرمان متوسطة بين أرض فارس وأرض مكران وأعظم مدنها السيرجان والسيرجان ينزلها
العمال والولاة وبها الدواوين وعليها سور تراب حصين وأبنيتها بشتى حجر لقلة الخشب
بها وبها أسواق كثيرة عامرة بالناس وبها مياسير ذوو أموال كثيرة وأحوال حسنة وشرب
أهلها من الآبار وهي أكبر مدينة بكرمان وفي أهلها عفة وخير ظاهر وفي تجارتهم حسن معاملة
وانقياد ورجوع إلى الحقائق وفيهم نزاهة عن كثير من أخلاق السوقة والفعلة بسائر
البلاد ومنها إلى جيرفت ست مراحل والطريق على باختة.
ومدينة جيرفت كبيرة طولها نحو ميلين وهي ممدنة آهلة عامرة ولها غلات وزروع كثيرة
وزروعهم على السقي وماؤهم الذي يسقون به ويشربون منه هو من واديها المسمى هري روذ
وهو نهر صغير شديد الجري له وجبة رخرخرة زائدة وجريه على الصخور لا يستطيع أحد أن
يجوزه راكباً بل يجوزه على رجليه لكثرة أحجاره وملاستها ومقدار ما يدور به خمسون
رحى ويقرب من مدينة جيرفت جبل يعرف بالميزان وفيه جنات لها فواكه جمة وفواكه جيرفت
وحطبها أكثره يجلب من هذا الجبل إليها ومن موضع يعرف بدرفارد وبجيرفت من الفواكه
ما يجلب إليها من الصرود والجروم كالبلح والرطب والجوز والأترج والأعناب والقصب
الحلو ولأهلها زي حسن وعيش خصيب وبها متاجر خراسان وسجستان وتجلب إليها الخيرات
والبضائع والتجارات وهي مدينة حسنة كاملة من كل شيء وبسائر جروم جيرفت التمر مائة
منه بدرهمين ولهم في تمرهم سيرة حسنة وهي أنهم لا يرفعون منه ما تسقطه الريح وأن
السابلة يأخذونه دون أربابه.
ومن
مدينة كرمان مدينة بيمند وبينها وبين السيرجان خمسة عشر ميلاً وهي مدينة متوسطة
متحضرة لها سوق نافقة وفواكه تجلب إليها من بساتينها وجناتها وبها عيون وماء كثير
ومن مدن كرمان مدينة باختة وهي صغيرة حسنة صالحة العمارة وبها أسواق وبها صناعات
ومنها إلى السيرجان شمالاً مائة ميل وميلان ومنها إلى جيرفت جنوباً ستون ميلاً
وبجنوب باختة مدينة خبر وهي مدينة صغيرة متحضرة ومنها إلى جيرفت اثنان وسبعون
ميلاً ومنها إلى باختة ثمانية عشر ميلاً وهي مدينة جليلة الزراعات والأشياء إليها
تجلب من المدن.
ومن المدن التي بين جيرفت والفهرج مدينة هرمز الملك المسماة في هذا الوقت قرية
الجوز وهي كانت مدينة هرمز وفيها كانت مملكته إلى أن هلك وانفصل الملك عنها إلى
السيرجان فهرمز الآن مدينة صغيرة وساكنوها من أهلها وأخلاط من الناس وهي مدينة
حسنة الداخل والخارج كثيرة المياه وبها أسواق وتجارات بقدرها وبينها وبين جيرفت
غرباً مرحلة ومنها إلى مدينة بم مرحلة.
ومدينة بم مدينة كبيرة ذات أسواق عامرة وأموال كثيرة ولها نخل وكروم وقرى كثيرة
وهي أصح هواء من جيرفت ولها قلعة منيعة حصينة مشهورة بالتحصين مذكورة في جميع بلاد
كرمان وفي أهلها تجار مياسير وبها صناعات قائمة وطرز منصوبة لعمل ثياب القطن
الحسنة يصنع بها منها المتاع الكثير ويتجهز به إلى سائر الأقطار وكذلك تصنع عندهم
الطيالسة الفاخرة المقورة التي يساوي الطيلسان الرفيع منها ثلاثين ديناراً فما
فوقها وما تحتها ويتجهز به التجار إلى سائر الأرض من العراقات والشامات وديار مصر
وكذلك يصنع بها من العمائم الرفيعة كل شيء بديع وثيابهم حسنة الصنعة ثابتة الأصول
تبقى مع الدهر ولا تفنى إلا بعد مدد وأزمان طويلة والملوك يتنافسون في ثيابها وجيد
متاعها ويقتنونه ادخاراً في خزائنهم.
ومن بم إلى جيرفت مرحلتان كبيرتان وهما ستون ميلاً ومن بم إلى نرماشير مرحلة
ونرماشير مدينة متوسطة على قارعة المفازة وهي مدينة فيها أسواق وعمارة وتجارات
داخلة وخارجة.
ومن مدن كرمان مدينة هرمز الساحلية التي على بحر فارس وهي فرضة مدن كرمان وهي في
ذاتها مدينة كبيرة كثيرة العمارة كثيرة الدخل حارة جداً ويزرع بنواحها الكمون
الكثير والنيلج الذي إليه المنتهى في الطيب المضروب به المثل ويتجهز به منها إلى
كل الآفاق وأهل مدينة مغون وأهل مدينة ولاشجرد ليس لهم غلة إلا هو ولهم بغرسه
اهتمام لكثرة فائدته وعموم منفعته وجودته عندهم وقد يصل في هذه البلاد من قصب
السكر السكر الكثير والفانيذ والغالب على طعام هؤلاء الساكنين بهذه البلاد الشعير
وهو أكثر زراعاتهم وجل حبوبهم وفي هذه البلاد النخل الكثير الطيب التمر ومدينة
هرمز على خليج يسمى الجيز يخرج من بحر فارس تدخل فيه السفن من البحر إلى المدينة.
وأما الفهرج فهي مدينة على رأس المفازة المتصلة بسجستان بها أسواق عامرة ولها سور
تراب ومنها إلى سجستان مائتان وعشرة أميال وذلك عرض المفازة بينهما ومن الفهرج إلى
نرماشير السابق ذكرها مرحلة وأما ما بقي من سائر بلاد كرمان فأكثرها حواضر صغار
المقادير ونحن الآن نذكر ما بقي منها على طرقاتها المشهورة إن شاء الله.
فمن ذلك الطريق من السيرجان إلى رستاق الرستاق من حد فارس وذلك أربع مراحل تخرج من
السيرجان إلى مدينة كاهون مرحلتين وكامون بلد حسن كثير النخل مليح الجهات به سوق
نافقة وربح كثير ومن كاهون إلى بلد خشناباذ مرحلة ومن خشناباذ إلى رستاق الرستاق
من فارس مرحلة.
والطريق من السيرجان إلى الروذان من حدود فارس أربع مراحل تخرج من السيرجان إلى
مدينة بيمند اثني عشر ميلاً وهي مدينة لها سور تراب وبها مساكن عامرة وأسواق قائمة
وصناعات دائمة ومن بيمند إلى مدينة كردكان ستة أميال وهي مدينة خصبة كثيرة الخصب
والزراعات ومنها إلى اناس مرحلة كبيرة واناس مدينة متوسطة القدر حسنة الأسواق
فسيحة الطرق وبها عمارات ومن اناس إلى مدينة الروذان من حد فارس مرحلة خفيفة.
وكذلك الطريق من السيرجان إلى رباط السرمقان من حد فارس مرحلتان كبيرتان وليس
بينهما منزل يعول عليه والسرمقان قرية صغيرة ولا منبر بها.
والطريق
من مدينة السيرجان إلى مدينة البم المتقدم ذكرها تخرج من السيرجان إلى الشامات
مرحلة وبينهما رستاق كبير ويعرف بقوهستان وهو رستاق عامر وفيه قرية سلطانية ومن
الشامات إلى مدينة بهار مرحلة وهي مدينة صغيرة عامرة ومنها إلى خناب وهي مدينة
صغيرة مرحلة خفيفة ومنها إلى مدينة غبيرا مرحلة خفيفة وغبيرا مدينة صغيرة لكنها
ذات سوق وتجار وصناع ومعارف ومن غبيرا إلى جوين وهي مدينة ثلاثة أميال وهي في وطاء
من الأرض حسنة الجهات والمقابلات ومن جوين إلى راين مرحلة وراين مدينة متوسطة
المقدار تشبه جون في ذاتها وجميع أحوالها ومعايش أهلها ومنها إلى سروستان مرحلة
وسروستان مدينة عامرة حسنة البقع كثيرة المزارع رائعة الجهات كثيرة الخيرات وبها
سوق ومنها إلى دارجين مرحلة ودارجين حسنة كاملة بديعة المصانع والمباني ومن دارجين
إلى بم المدينة مرحلة فالجملة تسع مراحل.
والطريق من سروستان إلى جيرفت وبينهما مرحلتان وكذلك من مدينة السيرجان إلى مدينة
جيرفت قصداً على باختة من السيرجان إلى باختة أربع مراحل وقد تقدم ذكر مدينة باختة
ومنها إلى خبر مرحلة ومن مدينة خبر السابق ذكرها إلى جبل الفضة مرحلة ومن هذا
الجبل إلى درفارد مرحلة ودرفارد عمارة ومكان خصيب ومنه إلى جيرفت مرحلة خفيفة.
والطريق من السيرجان إلى مدينة خبيص ست مراحل ترحل من السيرجان إلى قرية كرج مرحلة
ومنها إلى مدينة فردين مرحلة وفردين مدينة ذات أسواق وسور تراب ولها قصبة ومنها
إلى مدينة ماهان مرحلة وماهان مدينة صغيرة متحضرة لها مزارع وغلات وعيون جارية
ومنها إلى ندغ مرحلة وهي قرية عامرة ومنها إلى قرية داروا مرحلة ومن داروا إلى
مدينة خبيص مرحلة ومدينة خبيص على طرف المفازة الكبيرة وهي مدينة عامرة صغيرة من
جروم كرمان وماؤها جار وبها نخيل كثير وهي حصينة رخيصة الأسعار.
والطريق أيضاً من مدينة السيرجان إلى زرند أربع مراحل وذلك أن من السيرجان إلى
مدينة بردسير مرحلتان وهي مدينة حسنة عامرة كثيرة الخصب لها سور وخندق وأبواب وبها
أسواق كثيرة وصناعات مفتعلة نافقة ومنها إلى جنزروذ مرحلة كبيرة ومدينة جنزروذ
مدينة كبيرة عامرة بأسواق وصناع ومنها إلى مدينة زرند مرحلة ومدينة زرند مدينة
متوسطة بسور تراب على ضفة المفازة الكبيرة وبها خصب وزراعات وإصابات وفوائد جمة
وفيها مدابغ للجلود وبها تصنع البطائن الزرندية المعروفة والتجار يتجهزون بها إلى
العراق وربما حملت إلى مصر.
والطريق من جيرفت إلى الرستاق بأرض فارس من جيرفت إلى قناة الشاه مرحلة وهي رستاق
ومنها إلى مغون مرحلة ومغون مدينة صغيرة فيها أسواق ومنها إلى مدينة ولاشجرد ويقال
ولاشكرد بالكاف مرحلة وهي مدينة عامرة صغيرة القدر كثيرة العامر ولها سوق ومنها
تفترق طريق إلى هرمز.
والطريق من ولاشجرد إلى مدينة اذركان مرحلة وهي مدينة صغيرة متحضرة ومنها إلى
خبروقان ثلاثة أميال وهي مدينة جيدة جامعة صغيرة ذات أسواق ومعايش ومنها إلى
كشستان مرحلة خفيفة وهي مدينة متوسطة القدر متحضرة ومن كشستان إلى الرستاق
مرحلتان.
والطريق من جيرفت إلى هرمز الساحلية تسير من جيرفت إلى قناة الشاه مرحلة إلى مغون
مرحلة إلى ولاشجرد المتقدم ذكرها مرحلة ومن ولاشجرد المتقدم ذكرها مرحلة ومن
ولاشجرد تعدل الطريق إلى جهة المغرب إلى مدينة كومين مرحلة وهي مدينة جيدة متوسطة
المقدار حسنة المباني نزيهة فرجة ومنها إلى المنوجان مرحلتان مرحلة إلى نهر زنكان
ومرحلة من نهر زنكان إلى المنوجان ومن المنوجان إلى هرمز قد تقدم لنا وصفها قبل
هذا ولا يحتاج إلى إعادته .
والطريق من هرمز إلى فارس من هرمز إلى قرية سوروا على البحر وهي مدينة صغيرة لا
سور لها وليس بها منبر وبها صيادون للسمك على البحر كثيرون ومن سوروا إلى مدينة
رويست ثلاث مراحل ورويست مدينة حسنة عامرة ذات نخيل وبساتين.
ولسان أهل كرمان الفارسية إلا القفص فإن لهم لساناً آخر.
ومما يلي الجبال المتاخمة لمكران وهي الجبال المسماة بجبال البارز محال القوم
الذين يسمون بالأخواش ويقال الخواش وهم بواد هناك أصحاب إبل ومواش ولهم أخصاص
ينزلون فيها ولهم نخل كثير يرتفع بين خواش ونواحيها الفانيذ الذي يحمل إلى سجستان
وغير ذلك.
ونقود أهل كرمان الدراهم والدنانير.
وبأرض
كرمان جبال وعرة عالية منها جبال القفص وجبال البارز وجبال معدن الفضة وبين البلاد
منها مفاوز متصلة وقفار عامرة وليست عمارة أرض كرمان متصلة مثل اتصال عمارة فارس
لأن أرض فارس كلها متصلة غير منفصلة وكرمان بضد ذلك.
فأما جبال القفص فهي جبال تتاخم البحر الفارسي وشمالها بلاد نجيرمان وجنوبها البحر
الفارسي وبعض مفاوز مكران وغربيها البحر الفارسي مع بعض البلوص وحدود نواحي
المنوجان ونواحي هرمز ويقال إنها سبعة جبال ولكل جبل رئيس منهم وهم صف من الأكراد
رحالة ولا دواب لهم وألوانهم سمر نحفاء الأبدان وهم أصحاب مواش ونخل ونحل وبين
شمال هذه الجبال ومع المشرق قليلاً البلوص وهم قوم يسكنون في سفح الجبل بعينه وهم
أولو نجدة وحدة شوكة وعرامة زائدة ومنة قائمة مع قلة أذيتهم وتأمينهم الطرق وهم
أصحاب نعم وسوام ولهم بيوت شعر مثل بيوت العرب وأهل جبال القفص يخافون عاديتهم
ويسالمونهم عن غلبة.
وأما جبال البارز فهي جبال متصلة ولها شعاب وهي بين غرب وشمال من جيرفت وهي في
ذاتها خصيبة مشجرة كثيرة الخشب وهي بلد صرود والثلج يقع فيها دائماً وأهلها أهل
عفاف لا يؤذون الناس ولا يقولون بشر وبها معادن حديد جيد القطع طيب بالغ الجودة في
العمل ويتصل بهذا الجبل جبل به معادن الفضة وهو جبل يمتد على ظهر جيرفت ويتصل
بكورة درفارد ودرفارد هذه شعب خصيب كثير الفوائد والقرى العامرة ومنه إلى جبل
الفضة مرحلة.
وأما المفازة الكبيرة فإنها مفازة متصلة ببلاد كرمان وفارس والملتان وسجستان وبلاد
قوهستان وطرف بلاد خراسان ويتصل أسفلها ببلاد قومس والري وهي مفازة قليلة العمارة
متصلة المفاوز كثيرة اللصوص والقطاع وذلك لأنها ليست في إقليم قوم بأعيانهم
فيحفظونها وهذه المفارة قد أحاطت بها أمم مختلفة الألسن والهيئات من أعمال خراسان
وقومس وعمل سجستان وبعضها من عمل كرمان وفارس وإصبهان وقاشان والري ومع ذلك فإنها
مفاوز يصعب سلوكها بالخيل وإنما تقطع منها طرق معلومة بالإبل دون الأحمال والسفار
يقطعونها في مشقة وجهد على طرق معروفة ومياه معلومة إن نكب عنها قاصد ملك لكثرة
شقائها ولكثرة عواديها وللصوص في هذه المفاوز مآو يعتصمون بها ويلجأون إليها
وأمنعها مأوى وأكثرها منعاً جبل كركس كوه وجبل سياه كوه وبهما للصوص أموال مدفونة
وذخائر مخفية فأما جبل كركس كوه فإنه جبل ليس بالكبير ولكنه منقطع عن الجبال تحيط
به المفاوز ويذكر أن دور أسفله نحو من ستة أميال ومع أسفله مياه قليلة وفي وسطه
مثل الساحة وهو بجملته وعر المسالك صعب الطرقات وشعابه وحشة من توارى فيها لا يظهر
وكذلك جبل سياه كوه مأوى للصوص وليس فيه عمارة وبينهما مقدار يسير.
والطرق المعلومة المسلوكة بهذه المفازة هي طرق قليلة نذكرها على التوالي إن شاء
الله فالأول منها تمر من الفهرج الذي من أرض كرمان إلى أرض سجستان من الفهرج إلى
الأحساء والآبار أربعة وعشرون ميلاً ثم إلى جرج منارة أحد وعشرون ميلاً ثم إلى
رباط معبد أحد وعشرون ميلاً ثم إلى اسبيذ سبعة وعشرون ميلاً ثم إلى كراغان أربعة
وعشرون ميلاً ثم إلى بر القاضي أربعة وعشرون ميلاً ثم إلى راسك ثمانية عشر ميلاً
ثم إلى كاونيشك اثنا عشر ميلاً ثم إلى برزذين أربعة وعشرون ميلاً ثم إلى جارون
خمسة عشر ميلاً ثم إلى مدينة سجستان ثمانية عشر ميلاً.
والطريق الثاني من نرماشير إلى سجستان فمن نرماشير إلى بذجان مرحلة وهو ماء ينزل
عليه في أصل جبل ومنه إلى مدراة ماء آخر ينزل عليه مرحلة ومنه إلى دمراه باذ مرحلة
ومنه إلى رباط القاضي مرحلة ومنه إلى رباط القاضي مرحلة ومنه إلى كاونيشك مرحلة
وهما رباطان ثم إلى برزذين وهو بئر ماؤها عذب مرحلة ومنه إلى دارك مرحلة ومنه إلى
جاورن مرحلة ومن جاورن إلى سجستان مرحلة وهذه المراحل كلها خفاف.
وإن أخذت من نرماشير إلى كروة مرحلة ومنها إلى ندباه مرحلة ثم إلى شروه مرحلة
ومنها إلى تمانيح مرحلة ثم إلى سبيج مرحلة وسبيج مدينة صغيرة عامرة في وسط المفازة
وهي من عمالة كرمان غير أنها منقطعة عنها وهي عامرة بأهلها ولها زراعات يسيرة ونخل
يقوتون به.
ومن مدينة سبيج تأخذ طريقين طريق ذات اليمين إلى سجستان وهي سبع مراحل وطريق ذات
اليسار إلى هراة.
فمن
شاء طريق سجستان سار من سبيج في المفاز إلى ديرن مرحلة وهي عين ماء ناشعة ومنه إلى
بئر كردوج مرحلة ومنه إلى رباط نايرح مرحلة وهو خلاء لا عامر به ومنه إلى تارست
باذ وهو ماء ينزل عليه موحلة ومنه إلى باسباد رباط خال مرحلة ومنه إلى سدح مرحلة
ثم إلى سجتان.
ومن أراد المسير من سبيج إلى هراة سار ذات اليسار إلى منزل خلاء ثم إلى منزل آخر
خلاء ثم إلى رباط عزة مرحلة وهذا الرباط ربما كان معموراً أو غير معمور ومنه إلى
جبل مذر مرحلة ومنه إلى قرية سلم مرحلة وهي قرية عامرة كبيرة لها زراعات وحروث
ومنها إلى رباط خسك مرحلة ثم إلى نذم مرحلة ثم إلى سمجان مرحلة ثم إلى حوض ناجة
مرحلة ثم إلى مدجان مرحلة ثم إلى سردان مرحلة ثم إلى بست مرحلة ثم إلى كردرم مرحلة
ثم إلى عطياه مرحلة ثم إلى فره مرحلة وفره من أعمال سجستان وبها تجمع هذه الطريق
مع طريق سجستان إلى هراة ومن فره إلى دزة مرحلة ومن دزة إلى كويسان إلى خاشان
مرحلة وهي من الاسفزار والاسفزار أول بلاد هراة ومن خاشان إلى قناة سري مرحلة ومن
قناة سري إلى الجبل الأسود مرحلة ومن الجبل الأسود إلى جدمان مرحلة ثم إلى هراة
مرحلة.
وطريق آخر من نرماشير إلى قرية سلم وهو الطريق الجديد تخرج من نرماشير إلى دارستان
مرحلة وهي قرية عامرة فيها عيون ماء جارية ونخل كثير وليس وراءها عمارة ومنها إلى
رأس الماء مرحلة ورأس الماء عين جارية يجتمع فاضل مائها إلى بركة كبيرة ومنها يقطع
في عرض المفازة أربع مراحل إلى قرية سلم وهذه المراحل الأربع كبار كلها مفازة
متصلة مخوفة ومن قرية سلم إلى سجستان عشر مراحل وكذلك منها إلى فره عشر مراحل وفرة
قرية كبيرة بقرب البحيرة التي يقع فيها نهر الهيذمند وهو نهر سجستان.
والطريق من خبيص إلى خراسان وخبيص مدينة صغيرة على شفير المفازه من جروم كرمان
ولها ماء جار ونخل كثير وأسعارها رخيصة فمن خبيص إلى مكان يسمى الدروازق مرحلة وهو
موضع فيه أبنية مهدمة كثيرة ما مد البصر وبها تلال وعلى أنها كانت مسكونة ليس بها
بئر ولا عين ولا نهر ولا علامة لماء ومنها إلى شورروذ مرحلة وشورروذ واد جاف أرضه
سبخة وتجري فيه مياه السيول فقط وهذه المفازة مالحة التربة ومنها إلى جبل بارسك
مرحلة ومنه إلى مكان يعرف بالحوض وهو موضع يجتمع فيه ماء المطر مرحلة ومنه إلى رأس
الماء مرحلتان وهو عين ماء يجتمع في حوض يسقي زراعاتها وهو رباط يكون فيه الواحد
والاثنان وقد لا يكونون به ومن رأس الماء إلى كركورة وهي قرية على شفير المفازة
وهي من حد قوهستان ومن كركورة إلى خوسب مرحلتان وهو حصن صغير ومن خوصب إلى خور
مرحتان ومن خور إلى قاين يوم وقاين قاعدة مدن قوهستان وهي من أرض خراسان.
وطريق آخر من راور إلى كرين من أرض خراسان وراور مدينه عامرة عليها حصنان ولها ماء
جار وبها نخل وبعض زراعة وهي حدود كرمان فمنها إلى مكان يدعى دركرجوى مرحلة وهو
منزل قفر لا بناء فيه وفيه عين ماؤها قليل ومنها إلى شور دوازده مرحلة وهناك رباط
قفر قد خرب وفيه نخيل وهو مخوف وقلما يخلو من اللصوص ومنه إلى دير بردان قفر لا
بناء فيه مرحلة ومنه إلى رند وهو منزل فيه حوض تجتمع فيه مياه الأمطار مرحلة وليس
هناك بناء ومن هذا الحوض إلى رباط نابند ويسكنه مقدار عشرين بيتاً وفيه ماء وعليه
رحى صغير ولهم زرع ونخل يسقى بماء عين لهم وقبل أن تصل إلى نابند بفرسخين تجد عين
ماء وفيه نخيلات وبناء ليس فيه أحد وهو مأوى للصوص وأهل رباط نابند يتعاعهدون هذا
المكان ويحمونه ويحمون ثمر ذلك النخل الذي هناك ومن نابند إلى اردغه منزل قفر
مرحلة ومنه إلى بئر شك مرحلة وفيها ماء طيب ومن بئر شك إلى خوسب مرحلة ولا عامر
بها ومنها إلى خور مرحلتان ومن خور أيضاً إلى كرين نحو ثلاث مراحل وكرين من بلاد
نيسابور من خراسان.
وطريق
آخر من يزد إلى ترشيز من يزد إلى انجيرة مرحلة وبها عين ماء وحوض يجتمع فيه ماء
المطر وليس بينهما عمارة ومن انجيرة إلى خرانة مرحلة وليس بينهما عمارة وخرانة
قرية عامرة تحتوي على أزيد من مائتي رجل وبها زرع وضرع وبساتين وعين جارية من تحت
خرانة وعليها حصن منيع وهي على تل مرتفع جنب واد على ضفتيه البساتين والكروم
وعندهم خصب على قدم الأيام ومن خزانة إلى تل سياه سبيذ مرحلة وليس بينهما عمارة
وهو منزل قفر لا عامر به وفيه حوضان يجتمع بهما ماء الأمطار ومن تل سياه سبيذ إلى
ساغند مرحلة وليس بينهما عمارة وهو حصن فيه نحو من مائة رجل وبه عين ماء جارية
يزرع عليها قنوات ولها قنوات مياه وبساتين لكن خرانة السابق ذكرها أعمر من ساغند
وأحصن بنية ومن ساغند إلى بشت باذام إلى رباط محمد مرحلة خفيفة وهو رباط فيه نحو
ثلاثين رجلاً ولهم زروع وعيون ماء ومنه إلى الريك إلى المهلب مرحلة وهو خان وفيه
عين ماء وليس بينهما عمارة ومنه إلى رباط خوران مرحلة ورباط خوران رباط من جص
وحجارة يكون فيه ثلاثة نفر أو أربعة يحفظونه وبه عين ماء وليس له زرع ومن رباط
خوران إلى زادخرة مرحلة وزادخرة بئر ماء وخان وليس فيه ساكن وليس بينهما عمارة
ومنه إلى بشتاذرن مرحلة ومن بشتاذرن إلى بن مرحلة خفيفة وبن قرية عامرة فيها أشف
من خمسمائة نفس وفيها ماء جار وزروع ومواش وخصب ومن بن إلى دارونة مرحلة وليس بينهما
عمارة وريكن رباط فيه زرع وماء جار وهذا الرباط في أكثر الأوقات قفر ومنه إلى
اسنيشت مرحلة ليس فيها عمارة ومن اسنيشت إلى ترشيز مرحلة وترشيز من حومة نيسابور.
وطريق آخر ثالث وهي التي من يزد وإصبهان ونايين وهذه الطرق الثلاث كلها تجتمع
بكرين وكرين قرية كبيرة وما عليها سور وفيها نحو من ألفي رجل ولها رستاق كبير وبين
طبس وكرين تسعة أميال.
فمن يزد إلى شور مرحلة وشور بئر على شفير المفازة فيه ماء ملح وليس بها قرية ولا
عمارة ومنه إلى قرية بيرة وهي قرية صغيرة بها دون عشرة الأنفس وهي من حدود كرمان
ومنها إلى عين مغول مرحلة ومنها إلى غمرسرخ مرحلة وغمرسرخ عين كبيرة في وهدة طين
أحمر وعليه جبل أحمر مرحلتان ومنه إلى جاه بر مرحلة وهو عين ماء لا عمارة عليها
ومنه إلى حوض هزار جوين مرحلة وهو حوض يجتمع فيه ماء المطر ومن حوض هزار جوين إلى
شور وهو عين ماء ملح شروب ولا عامر عليه وبه قباب خالية مرحلة ومنه منه إلى عين
ماء تسمى مغول مرحلة ولا عامر على هذه العين ومنها إلى كرين مرحلتان وعلى اثني عشر
ميلاً منها بركة عظيمة يجتمع إليها مياه السيول والأمطار وهذه المراحل كلها مخوفة
كبار والناس يقطعونها على وجل وحفز وفي المفازة التي بين شور وبيرة على يمين طريق
الذاهب من خراسان إلى كرمان على نحو فرسخين منها صور أنواع الفواكه من اللوز
والجوز والتفاح والكمثرى والأترج ونحو ذلك وكلها من الحجارة.
والطريق الثاني منها من نايين إلى دارمرد مرحلة وهو حوض يجتمع فيه ماء لا ساكن به
ومنه إلى حوملة مرحلة وهو حوض يجتمع فيه ماء المطر ومنه إلى باذان مرحلة وباذان
قباب خالية وبئر فيها ماء ومنها إلى دهك مرحلة ودهك رملة فيها تل من ترب أحمر صلب
وبئر ماء ومنه إلى بغلكيك مرحلة وهو عين ماء قليل لا عامر به ومنه إلى سندبند
مرحلة وسندبند رباط خال لا عامر به ومنه إلى رشداد مرحلة وهو جبل في أضله رباط فيه
بئر ماء وهو خلاء لا عامر به ومنه إلى درنة مرحلة وهي قرية قليلة أهلها وموضعها
على تل تراب محجوز ومنها إلى نيمكثروذ مرحلة وهو حوض تجتمع فيه مياه الأمطار ومنه
إلى كرين مرحلة.
والطريق الثالث من إصبهان إلى كرين وهو طريق مخوف قليل العمارة وقليلاً ما يسلك
لأنه كثير المفاوز متصل الجبال محجر واللصوص يأوون إلى تلك الشعاب الممتنعة السلوك
يخرج من إصبهان إلى اندرة وهو جبل في وسط مفازة به بئر ماء مرحلة منه إلى ندرسار
مرحلة وهو بئر ماء لا عامر عليه ومنه إلى افشوط وهو حوض تجتمع فيه مياه الأمطار مرحلة
ومنه إلى زذران مرحلة وهو جبل في أصله عين ماء واللصوص يأوون إليه ومنه إلى بدخس
باذ مرحلة وهو رباط خال لا ساكن به ومنه إلى خيدجين مرحلة وهي عين ماء لا ساكن به
ومنه إلى دمندار وهي عين ماء خرارة ومنه إلى عران باذ مرحلة ومنه إلى كرين
مرحلتان.
ومن
شاء سار من خيدجين إلى مارسان مرحلة وهي شعبة من جبل فيها ماء في قفر ومنه إلى
بغيس مرحلة ومنه إلى دمغدين مرحلة وهو رباط قفر ومنه إلى باذمة مرحلة وهو عين ومنه
إلى خاسكين مرحلة ومنه إلى بدرست مرحلة ومنه إلى قبرسة مرحلة ومنه إلى نيسابور
ثمانية عشر ميلاً.
وطريق من إصبهان إلى مدينة الري من إصبهان إلى دالجي مرحلة ودالجي قرية عامرة
ومنها إلى رباط عابر مرحلة وهو رباط خال وكان فيه قبل ذلك قوم يحرسون الطريق على
الحماية وبه حوض يجتمع إليه ماء عين يأتي إليه من جهة الغرب ومنها إلى رباط أبي
علي بن رستم مرحلة ومن رباط أبي علي إلى حصن دزة مرحلة وهو حصن حصين لكنه صغير ومن
حصن دزة إلى قاشان وهي مدينة مرحلتان في مفاوز وعشار معطلة ومن مدينة قاشان إلى
قرية المجوس مرحلة وأهل هذه القرية مجوس ومنها إلى مدينة قم مرحلة ومدينة قم مدينة
حسنة تحيط بها العمارات وأكثر هذه المفازة التي بينها وبين قرية المجوس عامرة بقرى
وعمارات ومن مدينة قم إلى قرية كاج مرحلة وقرية كاج خربة وهي قليلة الساكن
والمساكن ومياهها من الأمطار ومن كاج إلى دير الجص مرحلة في غير عمارة ودير الجص
حصن حصين مبني بالجص والآجر آهل عامر بالناس والأجناد ومن دير الجص إلى مدينة دزة
مرحلة وهي مدينة متوسطة القدر وبها منبر ولها عمارات ومزارع ولها ماء جار في نهير
وهذه المرحلة محاذية لجبل كركس كوه وجبل سياه كوه ومن دزة إلى الري مرحلة والري
مدينة كبيرة وسيأتي ذكرها في موضعها على التمام بحول الله تعالى.
وطريق آخر من إصبهان إلى الري على المفازة بين جبلي كركس كوه وسياه كوه تسير على
الطريق الأول إلى دير الجص ثم تعرج على اليمين فتعدل بك الطريق إلى ما بين جبلي
كركس كوه وسياه كوه ومن كركس كوه إلى دير الجص اثنا عشر ميلاً وبعد ما بين الجبلين
سبعة وعشرون ميلاً ثم ترجع الطريق على اليسار إلى دزة وبينهما أحد وعشرون ميلاً ثم
إلى الري فهذه جميع الطرقات التي في هذه المفازة وقد جئنا بها على الكمال والتمام
حسب الجهد والطاقة وبالله التوفيق.
ولنذكر الآن ما في هذا الجزء من بلاد سجستان فنقول إن مدنها زرنج وكس ونه والطاق
والقرنين وخواش وفره وجزة وبست وروذان وسروان وزالقان وبغنين ودرغش وتل وبشلنك
وبنجواي وكهك وغزنة والقصر وسيوي واسفنجاى وجدمان.
ومدينتها العظمى تسمى زرنج وهي مدينة كبيرة عامرة الأسواق وأسواقها دائرة بالمسجد
الجامع الذي بها ولها أرباض عامرة وفي كل مكان منها أسواق على غاية العمارة ولها
سور حصين وخندق دائر بالحصن ولها على أرباضها حصون دائرة وخنادق وفي الخندق
المستدير بسور الحصن ماء نابع ينبع من مكانه وتقع فيه جمل من فضول المياه التي في
المدينة وللمدينة نفسها خمسة أبواب وللربض ثلاثة عشر باباً وبناؤها بالطين آزاج
معقودة لأن الخشب بها يتسوس فلا يقيم ومسجدها الجامع في المدينة دون الربض وفي
داخل المدينة نفسها ثلاثة أنهار منها نهر يدخل من الباب المسمى بالباب العتيق
والنهر الثاني يدخل على الباب الجديد والنهر الثالث يدخل على باب الطعام وهي كلها
صغار وهي مفرقة في دور المدينة وبساتينها وحماماتها وأرض زرنج سبخة رملية في سهل متصل
لا يرى بها شيء من الجبال وهي حارة ولا يقع بها الثلج البتة وأكثرها بها الرياح
العواصف الدائمة حتى إنهم قد صنعوا أرحاء تطحن بالريح لكثرة رياحهم والرمل في أكثر
الأحوال يضر بهم.
وهذه الأنهار التي تأتي المدينة وتشق أعراضها هي مستخرجة من نهر هيذمند وهو نهر عظيم
يخرج من ظهر الغور حتى يصل حد رخج وبلدي الداور ثم يجري على بست حتى ينتهي إلى
سجستان ثم يقع في بحير ة زرة.
وزرة هذه بحيرة يتسع الماء فيها وينتقص بقدر زيادة الماء ونقصانه وعليها قرى
ومزارع وطولها يكون نحو من تسعين ميلاً من ناحية كرين على طريق قوهستان إلى قنطرة
كرمان على طريق فارس وهي عذبة الماء ويصاد فيها سمك كثير وهي عامرة من نواحيها إلا
ما كان مما يلي المفازة فأما النهر الذي يخرج من هيذمند فيمر إلى ناحية نيشك فلا
يصل منه شيء إلى هذه البحيرة.
وسجستان
ناحية وفيها زرنج وغيرها وهي حصينة كثيرة الطعام والتمور والأعناب وأهلها مياسير
ويقارضون التجار بفواضل أموالهم ويتصل بالجنوب من سجستان ناحية بالس وموضعها بين
سجستان وناحية السند ومدينتها سيوي غير أن الوالي يسكن منها موضعاً يسمى القصر
وبينهما نحو مرحلتين.
ورخج اسم الإقليم ومدينتاه بنجواي وكهك وموضع هذا الإقليم هو بين بلدي الداور
وبالس والداور اسم إقليم خصيب وهو ثغر للغور وبغنين وخلج وبشلنك وبلد الداور اسم
إقليم ومدينته تل وله من المدن أيضاً درغش وهما على ضفتي نهر هيذمند غير أن بغنين
وخلج وبشلنك ناحية تتاخم الغور.
والخلج صنف من الأتراك وصلوا على قديم الزمان إلى تخوم الهند ونواحي سجستان والغور
فنزلوا بها وعمروها واتخذوها أوطاناً وهم أصحاب أغنام وأبقار وخيل ونعم كثيرة وهم
على زي الأتراك وحياتهم.
ومن المدن المجاورة لزرنج الطاق وهي على مرحلة من زرنج وهي على يمين المار إلى
خراسان وهي مدينة صغيرة متحضرة ولها رستاق واسع كثير الخصب وبها أعناب كثيرة
وفواكه ونعم يتسع فيها أهل سجستان.
ومنها القرنين وهي مدينة متوسطة ولها سور وأسواق وهي كانت في سالف الدهر دار رستم
الشديد ودار ملكه وبها أثر مربط فرسه ولها قرى ورساتيق وهي على مرحلة من سجستان
على يسار الذاهب إلى بست.
ثم مدينة خواش وهي أكبر من القرنين وأشمخ منهما ولها سور تراب وبها سوق نافقة
وأمتعة وترف أحوال وهي من القرنين على مرحلة عن يسار الذاهب إلى بست وبينها وبين
قارعة الطريق ميل ونصف ولها مزارع وعمارات ونخيل وأشجار وفواكه كثيرة ومياه جارية
وقنوات وأهلها مياسير.
ومدينة جزة مدينة تتصل عماراتها بعمارة فره عن يمين الذاهب من سجستان إلى خراسان
على نحو مرحلة وهي ناحية حسنة قدرها نحو القرنين ولها جمل قرى وعمارات ورساتيق
خصيبة وبناؤها بالطين والحجارة وشرب أهلها من مياه تدخل إليها في قنى.
ومن جزة إلى سجستان ثلاث مراحل وبين جزة وفره مرحلة وجزة بين فره والقرنين.
ومدينة فره أكبر من القرنين ومن جزة وهي مدينة حسنة وعليها سور تراب وهي في أرض
سهلية ومبانيها بالطين ولها رستاق يشتمل على نحو ستين قرية ولها نخيل كثير وفواكه
جمة وأعناب وهي على نهرها المعروف بها وهو يسقي أكثر رساتيقها ويصل فضله فيقع في
بحيرة زرة وبين زرة وفرة مرحلة.
ويتصل بمدينة فره مدينة نه وتعرف براجحة وهي صغيرة القدر متحضرة خصيبة كثيرة
الفواكه والأعناب وبينها وبين فره مرحلة كبيرة وهي مما يلي المفازة وكذلك مدينة
سروان مدينة صغيرة متحضرة شبيهة بالقرنين في قدرها وأبنيتها ولها أرض واسعة ومزارع
ورساتيق وعمارات وقرى وفواكه عامة وأعنابها كثيرة وخيرها واسع وهي من بست على
مرحلتين واسم المرحلة الأولى فيروزقند والثانية نهر سروان ويتصل بسروان بلاد
الداور والرخج.
وأما مدينة الزالقان فهي مدينة من بست على مرحلة وهي مدينة متحضرة ذات سور وأسواق
ومياه جارية ونخيل وكروم وزروع ومواش وتكون على قدر القرنين كبراً وأكثر أهلها
حاكة وتجارها يتجرون بالثياب ويتجهزون بها من هذه المدينة ويمشون بها إلى جميع
الأقطار لكثرتها ومبانيها بالآجر والطين.
وأما مدينة روذان فإنها صغيرة لكن عليها سوراً ومبانيها بالطين وهي أصغر من
القرنين وهي بقرب فيروزقند وهي على يمين الذاهب إلى الرخج وبها فواكه وأعناب ولها
مزارع وزروع وغلات وأكثرها المنج ولها مياه جارية تسقي أكثر رساتيقها.
وأما مدينة كس فهي صغيرة القدر لها سور وسوق عامرة وصناعات وأهلنها متحرفون
متجولون وأكثرهم حاكة وبين كس وزرنج تسعون ميلاً وكس على شفير المفازة ويعبر إليها
نهر الهيذمند ولها زروع وغلات.
والطريق
من سجستان إلى هراة أول مرحلة منها تسمى كركوية ومن كركوية إلى بشتر اثنا عشر
ميلاً والعبر على قنطرة يجري فيها فضل مياه هيذمند ومن بشتر إلى قرية جوين مرحلة
ثم إلى البست مرحلة ومن البست إلى كنكرة مرحلة وكنكرة إلى سرشك مرحلة ومن سرشك إلى
قنطرة وادي فره مرحلة ومن قنطرة وادي فره إلى حصن دزة مرحلة وهي على ضفة البحيرة
التي يصب فيها نهر هيذمند ومن دزة إلى كويسان مرحلة ومن كويسان إلى خاشان مرحلة
وخاشان من الاسفزار والاسفزار من بلاد هراة ومن خاشان إلى قناة سري مرحلة ومن قناة
سري إلى الجبل الأسود مرحلة ومن الجبل الأسود إلى جدمان مرحلة ومن جدمان إلى هراة
مرحلة.
والطريق من سجستان إلى بست أول مرحلة إلى زانبوق ومن زانبوق إلى شروزن وهي قرية
عامرة سلطانية مرحلة ومن شروزن إلى حرورى وهي قرية عامرة سلطانية وبينهما نهر نيشك
وعليه قنطرة من آجر ومن حرورى إلى دهك والمنزل في رباط من حد دهك ومن هذا الرباط
المفازة فمنزل منها رباط يسمى آب شور مرحلة ومن آب شور إلى كرووين وهو رباط مرحلة
ومن رباط كرووين إلى رباط هفشيان مرحلة ومنه إلى رباط عبد الله مرحلة ومن رباط عبد
الله إلى مدينة بست مرحلة.
والطريق من بست إلى غزنة في جهة الشرق مع الجنوب من بست إلى رباط فيروز مرحلة ومن
رباط فيروز إلى رباط ميغون مرحلة ومنه إلى رباط كثير مرحلة ومنه إلى الرخج وهي
مدينة تسمى بنجواي مرحلة وبنجواي مدينة من مدن الداور وبالس وعامتها صواف ولها
غلات وسوائم وأنعام كثيرة ويرتفع منها منافع جمة وبلاد الداور إقليم خصيب وهو ثغر
للغور وبغنين وخلج وبشلنك ومن مدينة بنجواي إلى تكين آباذ مرحلة ومنه إلى الاوق
مرحلة وهي قرية ومنها إلى رباط خنكل آباذ مرحلة ثم إلى قرية غرم مرحلة ثم إلى
جابشت مرحلة وهو منزل ثم إلى قرية جومة مرحلة ثم إلى خابسان مرحلة وخابسان أول حد
غزنة ثم إلى قرية خسراجى مرحلة ثم إلى رباط هذوا وهي قرية عامرة مرحلة ثم إلى غزنة
مرحلة.
وغزنة مدينة جليلة عامرة كثيرة الأسواق ذات تجارات وتجار مياسير ومنها يدخل إلى
بلاد الهند.
وفي هذا الطريق إذا جئت مدينة بنجواي فإن شثت أخذت ذات اليمين إلى مدينة بالس التي
هي على شفير المفازة وصرت من مدينة بنجواي إلى رباط الحجرية منزل ثم إلى رباط كنكى
منزل ثم إلى رباط بر منزل ثم إلى حصن اسفنجاي مرحلة فذلك من مدينة بنجواي إلى
اسفنجاي أربع مراحل.
واسفنجاي حصن مانع وله زراعات وماشية وإلى جانبه حصن القصر وهو حصن كبير كثير
العمارة وبينهما ثلاثة أميال ومن اسفنجاي إلى مدينة سيوي مرحلتان وهي متاخمة
لمفاوز السند وهي مدينة حصينة عامرة ويجلب مما دار بأرضها الحلتيت الذي لا نظير له
ويجنى منه الشيء الكثير الذي لا يتحصل لكثرته.
وبين مدينة بنجواي وبين كهك في جهة المشرق مقدار ثلاثة أميال ومن مدينة بست إلى
مدينة سروان مرحلتان في جهة المشرق وسروان مدينة حسنة لها سور وأسواق حسان وتجارات
وفوائد ومنها في جهة الشمال إلى ضفة نهر هيذمند مرحلة فتعبر هذا الوادي وتدخل
مدينة درتل وهي على ضفة النهر وهي مدينة حسنة الصفة حصينة الوضع متقنة الأسواق
وفيها تجارات وخيرات شاملة.
ومنها إلى مدينة درغش مرحلة والطريق على ضفة النهر ودرغش مدينة حسنة متقنة لها
أسوار ومساكن عامرة وتجارات قائمة وهي على نهر هيذمند ودرغش ودرتل من بلاد الداور.
ومن درتل إلى بغنين يوم في قبائل بشلنك ومدينة خابين من بلاد بشلنك وهي عامرة
كبيرة ولا سور عليها ولها قلعة حصينة.
ومن مدينة هراة التي يأتي رسمها وذكرها بعد هذا إلى مدينة بوزنجان ثمانية أيام
وبوزنجان من بلاد خراسان وهي مدينة عامرة لها أسواق وحمامات وعمارة متصلة ومنها
إلى نيسابور ست مراحل.
ونيسابور في أرض سهلة وليس لها ماء جار إلا نهر يخرج إليهم فضله في السنة ولا يدوم
ماؤه وهو فضل مياه هراة وزروعهم بعلية وهي مدينة يكون قدرها نصف قدر مدينة مرو.
وأما سرخس فطيبة الثرى معتدلة الهواء وليس لها رساتيق ولا قرى كثيرة ولأهل بواديها
همة في انتخاب الجمال وتنسيلها وشربهم من مياه الآبار وأرحاؤهم تديرها الدواب
وبناؤها بالطين واللبن ومن مدينة سرخس إلى هراة خمس مراحل بين جنوب وشرق ومن سرخس
إلى بوزنجان أربعة أيام.
ومن
مدينة بوزنجان إلى مدينة ينابذ خمس مراحل ومن بوزنجان إلى مالن مرحلة وهي مدينة
صغيرة عامرة ويقال لها مالن كواخرز وليست بمالن هراة ومن مالن إلى خايمند مرحلة
وهو قطر كبير عامر ومن خايمند إلى سنكان مرحلة ثم إلى مدينة ينابذ مرحلتان ومدينة
ينابذ أكبر في القدر من مدينة خور وهي مدينة صغيرة متحضرة بناؤها بالطين وفيها
أسواق قائمة دائمة ولها قرى ومزارع وغلات وماؤهم من ماء يدخل البلد في قنوات.
ومن مدينة ينابذ إلى مدينة قاين مرحلتان وهي عامرة آهلة عليها سور تراب وبناؤها من
طين ولها قصبة وعليها خندق ولها مسجد جامع ودار الإمارة منها في القصبة وشرب أهلها
من ماء جلب إليهم في قنى وبساتينهم قليلة وقراها متفرقة وهي في القدر نحو سرخس وهي
قصبة قوهستان ومن حومة قاين وعلى مرحلتين منها في طريق نيسابور يحمل الطين النجاحي
الذي يحمل إلى سائر الآفاق للأكل وهو طين أبيض عجيب.
ومن قاين إلى الزوزن ثلاث مراحل والزوزن مدينة عامرة كثيرة التجارات قائمة الأسواق
حسنة حصينة.
ومن الزوزن طريق إلى هراة وذلك أنك تخرج من الزوزن إلى مدينة خركرد يوم وهي مدينة
صغيرة حسنة ومنها إلى مدينة فركود مرحلتان وفركود حصن عامر كبير به مسجد وسوق
عامرة ومن فركود إلى بوشنج يومان وبوشنج مدينة متحضرة وهراة مرحلة وسنأتي بذكر هذه
البلاد على التقصي بعد هذا إن شاء الله تعالى.
ومن قاين إلى الطبس ثلاث مراحل والطبس أكبر قطراً من ينابذ وهي أصغر من قاين وهي
مدينة جرومية ولها نخيل وعمارات ولها سور تراب وبناؤها بالطين وماؤها من مياه
مجلوبة إليهم في قنى ونخيلها وبساتينها أكثر من بساتين قاين ولا قصبة لها ومن
الطبس إلى خور مرحلتان كبيرتان وخور مدينة صغيرة على شفير المفازة وتدعى بخوسب
وبين خور وخوسب مرحلتان.
وكذلك من قاين إلى خور يومان وخور مدينة أصغر من الطبس وبناؤها بالطين وليس لها
حصن ولا قصبة وبساتينها قليلة ونخلها قليل وماؤها يدخل البلد في قنى حجر مسربة
إليهم وخوسب مدينة أكبر من خور وبها مسجد ومنبر وأسواق حسان وتجارات دائرة.
وكذلك من خوسب إلى مدينة كرين نحو ثلاث مراحل وكرين هذه قرية كبيرة مائجة لا سور
لها ولها رستاق كبير وبين كرين وطبس اثنا عشر ميلاً.
ومن مدن نيسابور مدينة ترشيز وهي مدينة عامرة متحضرة ذات سور حصين وخندق وبساتين
وتجارة وبينها وبين نيسابور أربع مراحل وبين ترشيز وينابذ المقدم ذكرها مرحلتان
تخرج من ترشيز إلى كندر مرحلتان ثم إلى ينابذ مرحلة وكندر حصن متحضر لها سوق عامرة
ومن الزوزن المتقدم ذكرها إلى سلومك مرحلتان وسلومك عن يسار سنكان ومن سنكان إلى
ينابذ مرحلتان.
وجملة ما بين قاين ونيسابور عشر مراحل لأن من نيسابور إلى مالن أربع مراحل ومن
ماين إلى سنكان مرحلتان ومن سنكان إلى ينابذ مرحلتان ومن ينابذ إلى قاين مرحلتان
وكذلك من نيسابور إلى الزوزن عشر مراحل.
ومن نيسابور إلى مالن أربع مراحل ثم إلى سنكان يومان ومن سنكان إلى سلومك يومان
ومن سلومك إلى الزوزن يومان.
وكذلك من ترشيز إلى خاسكين أربع مراحل وخاسكين مدينة صغيرة بها مسجد ومنبر ولها
مزارع وعمارات متصلة ومنها إلى نيسابور ستة وستون ميلاً وبين قاين وترشيز خمس
مراحل وكذلك من ترشيز إلى ينابذ ثلاث مراحل ومن ترشيز إلى قرية سلم ست مراحل وقرية
سلم في المفازة وقد سبق ذكرها وهاهنا انقضى ذكر ما في هذا الجزء السابع والحمد لله
على ذلك كثيراً دائماً ويتلوه الجزء الثامن من الإقليم الثالث وحسبنا الله وحده.
الجزء الثامن
إن الذي تضمن هذا الجزء الثامن من البلاد والأكوار بقية من أرض سجستان إلى ما
يليها من بلاد الباميان وبلاد الغور قبلها ثم بلاد بذخشان ثم بلاد وخان وبلاد
الختل وبلاد بلخ وبلاد هراة وبلاد مرو وسائر بلاد خراسان إلى ما عدا النهر المسمى
بجيحون من بلاد بخارا وسمرقد ثم بلاد اشروسنة ثم بلاد فرغانة والتبت مع ما يليها
من بلاد الشاس وفاراب وفي كل أرض من هده الأرضين التي سطرنا ذكرها عدة بلاد وقلاع
معمورة مشهورة ونحن نريد أن نتكلم فيها حسب ما قدمناه في ذكر غيرها من الأرضين
الكائنة في الإقليم الأول والثاني بحول الله تعالى.
فنقول
إن شرق بلاد سجستان يتصل بالغور والإقليم الذي يلي الغور يسمى الداور وهو إقليم
واسع كثير الخير خصيب وهو ثغل للغور وبغنين وخلج وبشلنك وخوابين وبغنين بلد حسن
خصيب كثير الفواكه ومنه إلى درتل يوم في قبائل بشلنك ودرتل مدينة على ضفة نهر
هيذمند وهي من قواعد بلاد الداور وبها عمارة ومزارع ولا سور لها ومن بلاد الداور أيضاً
مدينة تل ومدينة درغش وقد سبق ذكرها ويعمر هذه الأرض قبيلة تسمى الخلج وهم صنف من
الأتراك وقعوا إلى هذا المكان في قديم الدهر واتصلت عمارتهم إلى شمال الهند وظهر
الغور وبعض بلاد سجستان الشرقية وهم أصحاب سوائم وأنعام وحرث وخير شامل وزيهم زي
الأتراك في اللباس والهيئة وجميع أفعالهم وفي حروبهم وسلاحهم وهم مهادنون لا
يقولون بشر ولا يرونه.
ويعبر النهر في درتل ويسار إلى مدينة سروان وبينهما مرحلة ومدينه سروان مدينة
صغيرة القدر لكنها عامرة متحضرة ولها قرى ورساتيق وغلات ومنافع جمة وهي أكبر من
القرنين وأكثر خيراً وبها فواكه ونعم عامة وأعناب تحمل منها إلى بست وغيرها وبين
مدينة بست وسروان مرحلتان تخرج من سروان إلى منزل يسمى فيروزقند ومنه إلى بست
وفيروزقند مدينة صغيرة متحضرة ولها سوق على قدرها وهي على يمين الطريق لمن سار إلى
الرخج والرخج اسم إقليم ومدينتها بنجواي وقد سبق ذكر بنجواي في أول بلاد سجستان
ويقابل مدينة درتل في الضفة الجنوبية من نهر هيذمند مدينة روذان وهى مدينة صغيرة
خصيبة وأما مدينة تل فهي مدينة متاخمة لأرض الغور وهي صغيرة خصيبة.
والغور جبال عامرة ذات عيون وبساتين وأنهار وهى خصيبة منيعة كثيرة الزرع والمواشي
ولسانهم غير لسان أهل خراسان وليسوا بمسلمين ويطيف بالغور مما يلي هراة والجوزجان
بلد فراوة وبلد داؤود بن العباس ورباط كروان وغرجستان وهذه كلها بلاد خصيبة وأهلها
مسلمون وأكثر رقيق الغور يقع إلى هراة وسجستان لأن أهل تلك النواحي المجاورين لهم
يسرقون أبناءهم ونساءهم ويستخرجونهم إلى بلادهم.
ومن شاء أن يدخل من بنجواي إلى غزنة سار إليها عن تسع مراحل شرقاً فمن بنجواي إلى
تكين اباذ مرحلة ثم إلى رباط الاوق مرحلة ثم إلى رباط خنكل اباذ مرحلة ثم إلى قرية
غرم مرحلة ثم إلى خاست مرحلة ثم إلى قرية جومة مرحلة ثم إلى خابسان مرحلة وهي قرية
وهو أول حد غزنة ثم إلى قرية خسراجى مرحلة ثم إلى رباط هذوا وهي قرية عامرة مرحلة
ومنها إلى غزنة مرحلة خفيفة.
وغزنة مدينة كبيرة حسنة عليها سور تراب وخندق يستدير بها وهي كثيرة العمارة آهلة
وبها أسواق دائمة وجبايات قائمة وتجارات وأموال ظاهرة وغزنة فرضة للهند.
ويتاخم مدينة غزنة مدينة كابل وبينهما تسع مراحل وكابل مدينة كبيرة في نحو الهند
لها أسوار ومنعة ولها في داخلها قصبة حصينة ولها ربض خارج المدينة وملوك الشاهية
لا تتم لهم الولاية إلا لمن عدت له بالملك في كابل وإن كان منها على بعد فلا بد له
من المسير إليها حتى تعقد له الشاهية بالملك وكابل ولجرا وسكاوند كلها جروم حارة
غير أنها لا نخيل بها ويقع في بعضها الثلوج وهي في حيز الصرود.
ومدينة سكاوند مدينة عامرة بأهلها وبها أسواق وتجارات وأموال حاضرة وبينها وبين
مدينة كابل سبعة أيام وكذلك من سكاوند إلى مدينه لجرا سبع مراحل.
فالطريق من بلاد الغور إلى هراة تخرج من حدود الغور إلى مدينة جشت مرحلة خفيفة
ومنها إلى مدينة اوفة مرحلتان واوفة مدينة حسنة لها سور تراب ومنها إلى ماراباذ
مرحلة وهي مدينة جليلة قليلة البساتين صغيرة المقدار أصغر من مالن ولهم زروع ومن
ماراباذ إلى استربيان مرحلة خفيفة وهي مدينة صغيرة خصبة وهي فيما بين جبال وهي
أصغر من مالن ولها مياه كثيرة وبساتينها قليلة والزروع عندهم كثيرة وفيها جمل كروم
على البعل ومن استربيان إلى مدينة خيسار مرحلة وخيسار مدينة كبيرة القطر كثيرة
الخير ومنها إلى باشان مرحلة وباشان مدينة صغيرة حسنة بها أسواق وصناعات ومنها إلى
هراة يوم.
وهراة
مدينة عامرة لها ربض وفي مدينتها قصبة ولها أبواب كثيرة كلها خشب مصفحة بالحديد
إلا باب سراي فإنه كله حديد والمسجد الجامع في المدينة والأسواق محيطة به والسجن
في قبلته وهذا المسجد كبير الفناء حسن البناء به من فقهاء المسلمين وعلمائهم خلق
كثير وهي فرضة لخراسان وسجستان وفارس والجبل من هراة على ستة أميال على طريق بلخ
ومحتطبهم من مفازة بينها وبين اسفزار وليس لهذا الجبل محتطب ولا مرعى وإنما
يرتفقون منه بالحجارة للأرحاء وفرش قيعان الديار وغير ذلك والبساتين متصلة على
طريق سجستان مقدار مرحلة بضفة النهر ووالي هراة كان ينزل قبل هذا بمكان يسمى
خراسان اباذ بينه وبين المدينة نحو من تسعة أميال على طريق بوشنج في غربي هراة
وأبنيتها من طين وبها قصر ومسجد جامع وطول خراسان أباذ ميل ونصف في مثله.
ونهر هراة يخرج من جبال الغور من قرب رباط كروان فإذا خرج عن حد الغور خرجت منه
أودية كثيرة يسقى بها ويزرع عليها فمنها نهر يعرف بوخوى يسقي رستاق سنداسنك ونهر
آخر يسمى بارست ويسقى به رستاق سوسان ونهر آخر يسمى سكوسكان يسقي رستاق شغلة ونهر
آخر يسمى كراغ يسقى به رستاق كوكان ونهر آخر يعرف بغوسجان يسقي رستاق كوك ونهر آخر
يعرف كبك يسقي رستاق غوتان وكربكرد ونهر آخر يعرف بسبغر يسقي رستاق سرخس في حد
بوشنج ونهر المدينة يسمى انجير.
ويلي مدينة هراة مدينة كروخ وبينهما ثلاثة أيام وهي مدينة متحضرة عليها سور حصين
من تراب وبنيان المدينة بالطين وهي في شعب بين جبال كثيرة وبساتينها كثيرة عامرة
كثيرة المياه والكروم والأشجار ويرتفع من كروخ الكشمش المجلوب إلى الآفاق وهو
الزبيب العجيب المنظر الحسن الطعم الذي يحمل إلى العراق وغيرها لكثرته وطيبه وكذلك
أكثر الزبيب العجيب المحمول إلى هذه الجهات يكون من مالن هراة.
ومالن هراة مدينة حسنة كثيرة البساتين والجنات والكروم التي تعد كثرة وبين مالن
وهراة مرحلة وكذلك مدينة باشان مدينة كبيرة كثيرة الأسواق والصنائع وأهلها مياسير
ولهم همم في ملابسهم وزيهم وهي قليلة الأشجار والمياه وقدرها أصغر من مالن وأهلها
أهل جماعة وبينها وبين هراة مرحلة وكذلك من مدن هراة مدينة اوفة وهي أصغر قدراً من
مدينة هراة ولها أسواق عامرة وتجارات كثيرة ولها بساتين وجنات وكروم ومنها إلى
خيسار ثلاث مراحمل ومما يجاور هراة على طريق سجتان مدن اسفزار وهي أربعة منها
كواسان وهي أكبرها وهي مدينة أصغر من كروخ ولها مياه وبساتين كثيرة ومنها مدينة
كواران وهي مدينة متحضرة صغيرة وبها متاجر وصناعات ومنها كوشك وهي أيضاً مدينة
حسنة تشبه كواسان في القدر والمباني ومنها اذرسكن وهي مدينة صغيرة حسنة لها بساتين
وزراعات ومياه كثيرة عذبة وهذه المدن الأربع عامرة متقاربة الأقدار وهي كلها في
أقل من مرحلة.
وبين اسفزار وهراة ثلاث مراحل ومن هراة إلى قاين من قوهستان ثمانى مراحل ومن هراة
إلى مرو الروذ ست مراحل ومن هراة إلى سرخس خمس مراحل.
ومن مدن هراة أيضاً مدينة بوشنج وهي في القدر نحو نصف هراة وهي وهراة في مستو من
الأرض ومن بوشنج إلى الجبل ستة أميال ولها سور وخندق وثلاثة أبواب وبناؤها بالآجر
والجص ولهم في مبانيهم همة وهم أصحاب تجارات وأموال صامتة ولها مياه وأشجار كثيرة
ولهم بهذا الجبل شجر عرعر كثير يفوق كل خشب جودة وكثرة ومنها يتجهز به إلى سائر
الآفاق وشرب أهلها من النهر وهذا النهر الذي يصل إلى سرخس عليه القناطر المعقودة
في وسط البلد ومن بوشنج في جهة المغرب خركرد وفركرد وبين بوشنج وفركرد مرحلتان
وفركرد مدينة صغيرة متحضرة أصغر من كوسرى وبها مياه وزروع كثيرة ومن فركرد إلى
مدينة خركرد يومان ومن خركرد إلى الزوزن يوم وخركرد مدينة صغيرة المقدار آهلة كثيرة
الأهل وبها أسواق وعمارات وماؤها قليل الجري وأهلها أصحاب سوائم.
ومن
مدينة بوشنج وأنت خارج إلى فركرد مدينة كرة وبينهم اثنا عشر ميلاً عن يسار الذاهب
إلى نيسابور ومدينة كرة كثيرة المياه كثيرة المساكن لها بساتين وجنات وبين كرة
وطريق الجادة نحو ثلاثة أميال وأكبر المدن بعد مدينة بوشنج كوسرى وهي حصينة لها
سور حصين ومقدارها نحو الثلث من مدينة بوشنج وبناءها بالطين ولها مياه جارية
وبساتين كثيره وبالشرق من بوشنج باذغيس ومدنها جبل الفضة وكوه وغناباذ وبست وجاذوا
وكابرون وكالوون ودهستان ومدينة دهستان كبيرة طولها نحو من ميل ونصف ميل وبناؤها
باللبن والطين وهي على ظهر جبل لا بساتين لأهلها ولا كروم ولهم أسراب كثيرة في
الأرض ولهم ماء جار في حضيض الجبل قليل الجري وجبل الفضة على طريق سرخس من هراة
وأما كوه فهو أكبر من جبل الفضة ويسمي بجبل الفضة لأنه كان في أعلى الجبل معدن
عظيم الفائدة فانقطع لبعد غووه ولانقطاع الحطب الذي يسبك به وأما مدينة كوه فإنها
في صحراء وهي صغيرة فيها سوق وعمارة وكذلك غناباذ وبست وجاذوا كلها تتقارب قدودها
وأشكال أهلها ومتاجرها وبناؤها ولهم مياه وبساتين وأكثر زروعهم على المطر وكذلك
كابرون وكالوون وهما متجاورتان في نحو ثلثة أميال وليس بينهما مياه جارية ولا
بساتين عامرة وإنما مياههم من الآبار والأمطار وهم أصحاب زروع وأغنام وأبقار
كثيرة.
وفي ناحية الشرق وإلى ناحية بلخ رستاق كنج وبه ثلاث مدن منها ببن وكيف وبغشور
ومدينة ببن ينزلها سلطان تلك الناحية وهي أكبر من بوشنج وهي عامرة كثيرة التجارات
وأهلها مياسير ولهم مياه وبساتين وبناؤها باللبن والطين وكذلك مدينة كيف مدينة
حسنة عامرة بالوارد والصادر ولأهلها أحوال صالحة وأموال مدارة في أنواع التجارات
وبناؤها بالطين ولها مياه جاريه كثيرة وبساتين وغلات وكروم وأما مدينة بغشور فمدينة
حسنة عامرة كبيرة يكون مقدارها مثل بوشنج ونحو كيف وبها جنات وبساتين ومتنزهات
ولأهلها أحوال صالحة وتجارات رابحة وتربتها صحيحة وهواؤها معتدل وأكثر زروعها على
المطر ومياهها من الآبار والمطر.
ومن مدينة هراة إلى ببن مرحلة ومن ببن إلي كيف مرحلة ومن كيف إلى بغشور مرحلة.
وتتصل هذه البلاد بغربي بلاد مرو الروذ ولمرو الروذ بلاد كثيرة عامرة ومدينة مرو
الروذ أكبرها وهي أكبر من بوشنج وهي على غلوة سهم من النهر.
ومرو
مدينة قديمة في مستو من الأرض بعيدة عن الجبال أرضها سبخة كثيرة الرمل وأبنيته من
الطين وفيها ثلاثة مساجد للجماعات ولها قصبة في نشز مرتفع وماء المدينة يجلب إليها
في قنوات كثيرة وللمدينة أربعة أبواب ولمرو نهر عظيم تتشعب منه أنهار يسقى بها
الرساتيق ومبدؤه من شمال جبل الباميان واسم هذا النهر نهر مرغاب ويجري هذا النهر
على مرو الروذ وعليه ضياعهم وفي هذه الضياع مبان متقنة ومتنزهات حسنة ومساكن
متحصنة ومدينة مرو معتدلة الهواء حسنة الثرى حكى الحوقلي أن البطيخ بها يقدد ويحمل
إلى سائر الآفاق ويرفع من مرو الإبريسم والقز الكثير ويتجهز منها بالقطن العجيب
الذي ينسب في سائر الأقطار إليها وهو الغاية في اللين ويعمل بها منه ثياب تحمل إلى
كل الآفاق ولها منابر مضافة إليها ومعدودة منها مثل كشميهن وهي على مرحلة منها
ولها منبر ويجري عليها نهر كبير ولها بساتين وأشجار وأسواق قائمة عامرة وبها فنادق
وحمامات ومنها هرمزفرة على مقدار فرسخ من كشمين عن يسارها وعليها طريق مفازة
سيفاية التي تؤدي إلى خوارزم وهي مدينة متوسطة ذات عمارات وأسواق ودخل وخرج ولها
منبر ومنها سنج وهي مدينة مثل هرمزفرة وهي على مرحلة من مرو غرباً وبها منبر ولها
بساتين وزروع ومن مدنها أيضاً جيرنج وهي مدينة صغيرة لها أسواق وتجار مياسير وبها
منبر وهي على تسعة أميال من مرو قبل زرق بثلاثة أميال وهي على ضفة النهر وكذلك
الدندقان على مرحلتين من مرو على طريق سرخس وهي مدينة حسنة لها سور وحصن وأسواق
وحمامات وفنادق وبها مسجد جامع ومنبر ومن مدنها القرينين وهي مدينة حسنة حصينة
خصبة بها سوق ومسجد جامع وخطبة قائمة ولها مياه جارية وبساتين ومنها إلى مرو أربع
مراحل ومن مدنها باشان وهي مدينة عامرة حسنة المباني فرجة الأرجاء متقنة الأسواق
وبها فنادق وحمامات ومسجد جامع ومنبر يمشى إليه وهي من هرمزفره على ثلاثة أميال
ومن مدنها السوسقان وهي مدينة كبيرة عامرة رحبة المساكن فرجة كثيرة النزه لها مياه
جارية وبساتين كثيرة وبها مسجد ومنبر ومدينة السوسقان يسرة زرق غير أنها أبعد منها
بثلاثة أميال وزرق على نهر مرو وبينها وبين مرو اثنا عشر ميلاً بين طريق سرخس
وأبيورد.
ومن مدن مرو الروذ قصر أحنف وهو على مرحلة من مرو الروذ في طريق بلخ وهي من
الأميال خمسة عشر ميلاً وهي مدينة صغيرة بها سوق عامرة وعليها سور تراب ولها مياه
جارية وبساتين وفواكه كثيرة ومن مدنها مدينة دزة وهي على اثني عشر ميلاً من قصر
أحنف وهي مدينة صغيرة بها فواكه وبساتين وكروم وعمارات ونهر مرو يشقها نصفين
وبينهما قنطرة يعبر عليها.
والطالقان مدينة كبيرة نحو من مرو الروذ في الكبر ولها مياه جارية وعمارات متصلة
وبساتين قليلة وبناؤها بالطين وهي أصح هواء من مرو الروذ ومن مرو الروذ إليها
اثنان وسبعون ميلاً والطالقان في جبل يتصل بجبال الجوزجان ولها رساتيق في الجبل
ويعمل في طرزها اللبود المنسوبة إليها ويتجهز بها منها إلى كل الجهات وليس يصنع في
بلد من البلاد مثلها إتقاناً وحصافة والطالقان على رصيف الطريق من مرو إلى بلخ ومن
الطالقان إلى مدينة الفارياب ستون ميلاً.
والفارياب مدينة من الجوزجان أصغر من الطالقان قطراً وهي أكثر خلقاً وأوفر عمارةً
وبساتين ومياهها جارية عذبة وفيها طرز وصنائع وتجار مياسير وبناؤها من طين ولها
مسجد جامع وليس مع مسجدها منارة وبينها وبين الطالقان في جهة الغرب مرحلتان
كبيرتان.
ومنها إلى اشبورقان شرقاً أربعة وخمسون ميلاً واشبورقان من مدن الجوزجان والجوزجان
اسم الناحية وليس بمدينة واشبورقان مدينة عامرة بها مياه جارية قليلة وعليها زروع
أهلها وبساتينها قليلة وفواكهها عديمة وإنما تجلب إليها مما جاورها من البلاد ومن
اشبورقان إلى بلخ أربعة وخمسون ميلاً.
ومن مدن الجوزجان أنبار وبينها وبين اشبورقان مرحلة في ناحية بين الغرب والجنوب
وهي مدينة كبيرة أكبر قطراً من مرو الروذ ولها مياه وخصب وكروم وبساتين وعمارتها
متصلة وبها طرز ومصانع لجمل من الثياب يتجهز بها منها إلى كل الأقطار وبناؤها
بالطين وهي مدينة جليلة وبها يقيم السلطان في الشتاء ومقامه في الصيف بالجرزوان
ومن اشبورقان إلى اليهودية طريق مرحلتان وكسر ومن الفارياب إلى اليهودية مرحلة.
واليهودية
مدينة مقتدرة جامعة ولها سور وأسواق وعمارة وصناعات وبها مسجد جامع ولجامعها
منارتان ومن اليهودية إلى مدينة سان مرحلة وهي صغيرة لها مياه وبساتين وجنات وهي
من مدن الجبل وكندرم أيضاً مدينة جليلة متحضرة كثيرة الكروم والفواكه المختلفة
الأجناس وهي في ذاتها جامعة للخيرات وهي من مدن الجبل ومن اشبورقان إلى كندرم أربع
مراحل ومن اليهودية إليها مرحلة بين شرق وجنوب ومدينة نريان مدينة عامرة موضعها
بين اليهودية والفارياب.
وأما الجرزوان فهي مدينة بين جبلين أشبه بلد بمكة وشعابها كشعابها ومزارعها قليلة
وبساتينها مثل ذلك وبها مياه جارية وعيون مطردة ومن اشبورقان إليها ثلاث مراحل
خفاف ومن اشبورقان إلى اندخذ مرحلتان بين جنوب وشرق.
ويجلب من مدن الجوزجان الجلود المدبوغة التي يتجهز بها إلى سائر بلاد خراصان
وبلادها بلاد خصب ودعة وفواكه كثيرة عامة وبها تجارات وتختلف إليها الرفق مارة
وقادمة بضروب من التجارات والمجالب.
ويتصل بمرو من جهة المغرب بلاد الغرج وهما مدينتان إحداهما تعرف ببشين والأخرى
شورمين وهما متقاربتان في الكبر وليس مقام سلطانهما في شيء منهما وإنما يقيم في
الجبل المسمى بلكيان وبهما مياه جارية ومزارع ممتدة وغلات وفوائد ويرتفع من بشين
أرز كثير يحمل إلى بلخ وسائر الجهات لكثرته وطيبه ويرتفع من شورمين زبيب كثير طيب
جيد الطعم قليل النوى يتجهز به إلى كثير من الأقطار لكثرته وطيبه وبين بشين ودزة
مرو الروذ مرحلة في المطلع وهي من نهر مرو الروذ على غلوة من شرقيه ودزة بمقربة من
النهر ومن بشين إلى شورمين مرحلة مما يلي الجنوب وهي في الجبل المعروف ببلكيان.
وفي الشمال من مدينة مرو إلى مدينة أبيورد ست مراحل ومن مرو الروذ إلى مرو
الشاهجان ست مراحل فذلك من مرو الشاهجان إلى هراة اثنتا عشرة مرحلة ومن هراة إلى
مرو الروذ ست مراحل وكذلك من مرو الروذ إلى بلخ ست مراحل ومن مرو الروذ إلى سرخس
خمس مراحل ومن مرو إلى آمل على شط نهر جيحون ست مراحل خفاف وهي من الأميال مائة
وأربعة وعشرون ميلاً وآمل بينها وبين النهر المسمى جيحون ثلاثه أميال وآمل هذه
مدينة حسنة متوسطة القدر ولها بساتين وعمارة وبها ناس وتجارة ومنافع وجبايات كافية
وهي على شفير مفازة.
ومن آمل إلى مدينة خوارزم المسماة الجرجانية اثنتا عشرة مرحلة ومن الجرجاية إلى
بحيرتها ست مراحل وكذلك من آمل إلى زم طالعاً مع النهر أربع مراحل ومن زم إلى
الترمذ في النهر خمس مراحل ومن الترمذ مع النهر إلى بذخشان ثلاث عشرة مرحلة وهذا
طول خراسان وخوارزم مع جرية النهر وجميع ذلك يكون أربعين مرحلة.
وأما مدينة زم فمدينة تقارب آمل في الكبر ولها ماء جار وبساتين وعمارات وزروع
وتجارات وصنائع مكتفية بذاتها وهي وآمل يجتمع بها مسافرو خراسان وآمل أكثر معبراً
إلى ما وراء النهر ويحيط بهما جميعاً مفاوز تتصل من حدود بلخ إلى بحيرة خوارزم
والغالب على هذه المفازة الرمال ومن مدينة زم إلى الترمذ وهي في الضفة الشرقية من
النهر المسمى بجيحون أربع مراحل في نفس جيحون.
وهذا النهر مخرجه من بلاد وخان في حدود بذخشان ويسمى هناك نهر جرياب ثم تجتمع إليه
أنهار خمسة كبار في حدود الختل والوخش فيصير منها نهر عظيم لا نظير له في أنهار
الأرض كثرة ماء وسعة مجرى وعمق قعر فأما نهر جرياب فيليه نهر يسمى باخشوا وهو نهر
هلبك ويلي هذا النهر نهر ثان ويسمى نهر بلبان ويلي هذا النهر نهر فارغر ثم يليه
نهر انديجاراغ ويليه أيضاً نهر وخشاب وقد يقع إلى هذا النهر أنهار كثيرة صغار تخرج
من جبل البتم وغيره ومنها أنهار الصغانيان وأنهار القواذيان فتجتمع كلها قبل
القواذيان وتقع في نهر جيحون ونهر وخشاب يخرج من بلاد الترك حتى يظهر في أرض الوخش
ويسير تحت جبل كبير ويغور تحته ويعبر الجبل كالقنطرة ولا يعلم مقدار جريه تحت هذا
الجبل ثم يخرج عن الجبل ويجري في حدود بلخ إلى أن يصل الترمذ وهذه القنطرة الحد
بين الختل وواشجرد ثم يجري هذا النهر من الترمذ إلى كيلف إلى زم إلى آمل إلى أن
ينتهي إلى بحيرة خوارزم وليس ينتفع أحد من الناس بماء هذا النهر من حيث خروجه من
منبعه إلى أن يصل زم وآمل فينتفعون به قليلاً ثم يمنع خيره إلى أن يصل إلى بلاد
الغزية فيسقى به هناك وينتفع بمائه.
والترمذ
مدينة في نفس جيحون والنهر يضرب سورها ومدينتها على حجز طريق الصغانيان ولها ربض
كبير ويحيط بها وربضها سور ودار الإمارة في قصرها ولها أسواق وعمارات وأسواقها في
مدينتها وأبنيتها من طين وهي مدينة حسنة عامرة آهلة مفروشة الأزقة والشوارع بالآجر
وهي فرضة لتلك النواحي التي على جيحون وشرب أهلها من جيحون ومن نهر كرى الجائي من
الصغانيان فيمر تحتها ويقع هناك في نهر جيحون ومن مدنها صرمنجي وهاشم جرد ومن
الترمذ إلى بلخ مرحلتان كبيرتان.
ومدينة بلخ في مستو من الأرض وأقرب الجبال إليها على اثني عشر ميلاً وهي دار مملكة
الأتراك والملك بها لازم وبها العساكر والأجناد والملوك والقواد والعمال والأسواق
العامرة والمتاجر المكسبة والأموال الواسعة والأحوال الصالحة وبناؤها بالطين
واللبن ولها سبعة أبواب في محيط سورها وسورها من تراب ولها ربض عامر كثير الساكن
وبه أسواق وصناعات ومسجد جامعها في المدينة في وسطها والأسواق دائرة به وهي على
ضفة نهر متوسط مقدار ما يدير ماؤه عشر أرحاء وهو جار على باب النوبهار ويسقي
رساتيقها وقد أحاط بجميع جوانبها الكروم والجنات والبساتين والمباني والمتنزهات
وبها مدارس للعلوم ومقامات للطلاب والأرزاق جارية على من شاء شيئاً من ذلك وبهذه
المدينة أموال وملوك مياسير وتجار وأحوال صالحة ومدينة بلخ يتصل بها من جهة جنوبها
بلاد طخارستان وبذخشان وأعمال الباميان ومن جهة غربها ومع شمالها بلاد مرو وبلاد
الجوزجان وهي قطب ومدار لما جاورها والطريق منها إلى طخارستان وبذخشان.
ومدن طخارستان هي خلم وصمنجان وبغلان وسكلند وورواليز وآرهن وراون والطايقان
وسكيمشت وروا وسراي وخسب اندراب واندرابة ومذر وكه.
فمن بلخ إلى ورواليز يومان وورواليز أيضاً مدينة حسنة ذات أسوار وأسواق ومنافع
ولها ربض عامر وبها تجارات ولها قرى وعمارات ومنها إلى مدينة الطايقان مرحلتان
ومدينة الطايقان مدينة عامرة آهلة قدرها ربع بلخ ولها سور طين ومبانيها بالطين
والجيار وهي في مستو من الأرض ولها نهر كبير وكروم وعمارات ولها أسواق وتجارات
نافقة وكثير من الصناعات.
ومن شاء أخذ من بلخ إلى خلم يومان وخلم في غربي ورواليز وبينهما يومان وهي مدينة
حسنة كثيرة الخيرات مشتملة على بركات ولها مزارع ومياه جارية ومنافع جمة ومن خلم
إلى سمنجان يومان وسمنجان في غربي الطايقان وبينهما مرحلتان وهي في ذاتها مدينة
حسنة آهلة عامرة بالتجار والناس والجلة ولها سور تراب ومن سمنجان إلى أندرابة خمسة
أيام وهي مدينة في سفح جبل ومنها تجمع الفضة التي من جارباية وبنجهير ولمدينة
أندرابة نهران أحدهما يسمى أندراب والآخر يسمى نهر كاسان ولها بساتين وحدائق
ومتنزهات وأشجار كثيرة وكروم ومن الطايقان أيضاً إلى مدينة بذخشان سبع مراحل وكذلك
من أندرابة إلى بذخشان شرقاً أربع مراحل ومن أندرابة إلى جارباية جنوباً ثلاث
مراحل.
ومدينة جارباية مدينة صغيرة وهي في أسفل جبل على نهر يأتي إليها عن بنجهير فيشق
المدينة ولا ينتفع بشيء من ماء النهر فيها وينتهي إلى أن يمر بفروان ويتصل بأرض
الهند فيصب في نهر نهروارة وليس لأهل جارباية شيء من الشجر ولا بساتين إلا قليل
مباقل وإنما يسكنونها على استخراج المعادن التي فيها ولا شيء أفضل من معدنها
ومعادن بنجهير أيضاً مثلها وكلاهما على جبل وعر ومن جارباية إلى بنجهير يوم
وبنجهير مدينة صغيرة على جبل وأهلها أشرار أسلاط فساد ولهم نهر يأتي من جبلهم ويصل
إلى جارباية كما وصافناه قبل وكلا هاتين المدينتين أهلهما أصحاب طلب ومعرفة
باستخراج المعادن وسبكها واستخراجها من أرضها وما لصق بها ومن بنجهير إلى فروان
مرحلتان جنوباً ومدينة فروان مديمة صغيرة حسنة الجهات متحضرة الأسواق وبها تجارات
وناس مياسير وبناؤها بالطين واللبن وهي على نهر بنجهير الواصل إلى الهند وفروان
فرضة لدخول الهند.
ومن
أندرابة السابق ذكرها إلى بغلان مرحلتان ومن بغلان إلى سمنجان مرحلتان ومن بغلان
إلى بلخ ست مراحل ومدينة بغلان مدينة عامرة حسنة متحضرة ذات أنهار وأشجار وعمارات
وقرى كثيرة ومتاجر وخيرات واسعة ومن بغلان إلى الباميان ثلاث مراحل غرباً ومدينة
الباميان تكون على مقدار ثلث بلخ وهي على رأس جبل الباميان وليس بنواحي الباميان
مدينة على جبل سواها وتنحدر من جبلها أنهار ومياه كثيرة تتصل بنهر أندراب ولها سور
وقصبة ومسجد جامع وربض كبير لاصق بها ومن مدن الباميان بشغورقند وسكاوند وكابل
ولجرا وفروان وغزنة وبشغورقند وسكاوند متقاربتان في الكبر والصفة وبهما عمارات
وأصواق وتجارات وخيرات عامة وأما كابل وغزنة والفروان فقد تقدم ذكرها في غير هذا
الموضع.
والطريق من بلخ إلى الباميان تخرج من بلخ إلى مذر ست مراحل وهي مدينة صغيرة عامرة
في مستو من الأرض والجبل يبعد عنها يسيراً ومنها إلى مدينة كه مرحلة وهي مدينة
صغيرة متحضرة لها سوق وعمارة ومنبر ومنها إلى الباميان ثلاث مراحل وكذلك من مدينة
بلخ إلى بذخشان ثلاث عشرة مرحلة ومن بلخ إلى الطايقان أربع مراحل ومن الطايقان إلى
بذخشان سبع مراحل وذكر الحوقلي في كتابه أن من بلخ إلى اشبورقان ثلاث مراحل ومن
اشبورقان إلى الفارياب ثلاث مراحل ومن الفارياب إلى الطالقان ثلاث مراحل ومن
الطالقان إلى مرو الروذ ثلاث مراحل وهذه المراحل مراحل صغار وقد ذكرنا فيما تقدم
أن لهذه المراحل من الأميال التي بين مرو وبلخ ثلثمائة وثمانية وأربعين ميلاً.
ولنرجع الآن إلى ذكر مدينة بذخشان فنقول إن مدينة بذخشان مدينة صغيرة ولها رساتيق
كثيرة خصبة ولها كروم وأشجار وعيون جارية وعليها سور تراب حصين وبها أسواق وفنادق
وحمامات وتجار وأموال متصرفة وهي على نهر جرياب وفي غربيه ونهر جرياب هو معظم نهر
جيحون الأعظم وبجبالها دواب كثيرة ونتاج كثير ويجلب منها الخيل والبغال والرماك
المنتخبة وترفع منها الحجارة ذوات الجواهر النفيسة التي تشاكل الياقوت الأحمر
والرماني وسائر أنواع الحجارة ويجلب منها اللازورد ويستخرج بها منه الشيء الكثير
ويحمل إلى سائر أقطار الأرض فيعمها كثرة ولا شيء يفوقه ويقع إليها المسك من طريق
وخان من أرض التبت ومدينة بذخشان هذه تتصل ببلاد القنوج من الهند.
وأول كورة على جيحون مما وراء النهر الختل والوخش وهما كورتان غير أنهما مجموعتان
في عمل واحد ومكانهما هو بين نهر جرياب ونهر وخشاب وتتصل بالشرق من نهر جرياب بلاد
الختل ثم الوخش المتقدم ذكرها فمدن الوخش هلاورد ولاوكند ومدن الختل كاربنك وتمليات
وهلبك وسكندرة ومنك وانديجاراغ وفارغر ورستاق بيك والختل أكثره جبال إلا ناحية وخش
وأكبر مدينة في الختل منك.
ومدينه هلاورد مدينة عامرة حسنة فيها أسواق وتجارات وداخل وخارج وكذلك مدينة
لاوكند مثلها في الكبر والأسواق والتجارات وأما مدينة هلبك فهي مدينة حسنة البقعة
رائعة الرقعة كثيرة البساتين والمتنزهات وبناؤها بالطين والجيار وبها أسواق كثيرة
وقوم مياسير والسلطان ينزل بها وبين هلبك ومدينة منك مرحلتان ومدينة منك وسطة في
الكبر ولها سور من حجارة وجص ولها عمارة وأسواق وبشر كثير وهلبك أصغر من منك ومنك
تليها في الكبر وخان وكران وبهما أسواق وصناعات وعمارة كثيرة وكذلك من معبر آرهن
وهي مدينة صغيرة إلى هلاورد مرحلتان ومن المعبر إلى هلبك مرحلتان وكاربنج أيضاً
مدينة فوق معبر آرهن على نهر جرياب بنحو ثلاثة أميال ومدينة تمليات هي من قنطرة
الحجر على اثني عشر ميلاً في طريق منك ومن معبر بذخشان إلى طريق منك مرحلتان ومن
رستاق بيك تعبر نهر انديجاراغ ثم تدخلها وبين رستاق بيك وانديجاراغ مرحلة
وانديجاراغ مدينة كبيرة حسنة الأسواق والمباني كثيرة الخيرات والمنافع ومن
انديجاراغ تعبر نهر فارغر وبينهما يوم ثم تعبر نهر بلبان إلى منك وقد تقدم وصفها
ومن الترمذ إلى القواذيان مرحلتان.
والقواذيان مدينة أصغر من الترمذ وعليها سور تراب وبها أسواق وتجار مياسير وضياع
وفعلة ولها أكوار وقرى عامرة ومنافع وغلات ولها من المدن نودز وهي مدينة أصغر من
القواذيان لكنها متحضرة ذات سوق عامر وتجارات وبضائع وبينهما مرحلة ومن القواذيان
إلى الصغانيان ثلاث مراحل.
والصغانيان
مدينة أكبر من الترمذ ولها ربض وعليه سور حصين ومساكنها وشوارعها فساح وأهلها
قليلون والترمذ أكثر بشراً وأعظم أموالاً وأكثر تصرفاً وتجولاً وللصغانيان قهندز
حصين حسن ولها مسجد جامع وخطبة وفقهاء وطلاب للعلم ولها رستاق وقرى وعمارات متصلة
وبها مياه جارية وأنهار تتصل بجريها مع أنهار القواذيان وتجتمع بقرب القواذيان حتى
تصل أسفل الترمذ.
والطريق من الترمذ إلى الصغانيان أربع مراحل ومن الترمذ إلى جرمنقان مرحلة
وجرمنقان مدينة صغيرة ولها رستاق وقرى متصلة ومبان حسنة ولها سوق ومياه جارية ومن
جرمنقان إلى صرمنجي مرحلة وهي مدينة صالحة القدر عامرة بالناس والتجار والأسواق
والتجارات والصادر والوارد ولها منافع ومنها إلى دارزنجي مرحلة وهي من الأميال أحد
وعشرون ميلاً وهي مدينة حسنة كاملة المنافع متقنة الأسواق والشوارع ولها رباطات
عامرة ومساكن متقنة ولأهلها أموال وتجارات ومن دارزنجي إلى الصغانيان مرحلتان.
ومن الصغانيان إلى واشجرد تخرج من الصغانيان إلى نوندك تسعة أميال ثم إلى همواران
أحد وعشرون ميلاً وبينهما وادي وخشاب وعرضه هناك يكون ثلاثة أميال وأقل من ذلك
وأكثر وهمواران مدينة عامرة في غربي النهر متحضرة كثيرة الأهل غزيرة التجار
والصنائع والأموال صالحة الأحوال ولها عمارة متصلة وبساتين ومتنزهات ومنها إلى
ابات كسوان أربعة وعشرون ميلاً وهي قرية كبيرة عامرة ثم منها إلى شومان خمسة عشر
ميلاً ومدينة شومان متوسطة المقدار كثيرة الساكنين والتجار وبها أسواق قائمة
وخيرات دائمة وبناؤها بالطين ولها سور منيع ومن مدينة شومان إلى مدينة افديان يوم
وهي مدينة صغيرة عامرة ومنها إلى واشجرد يوم خفيف وفي خمسة عشر ميلاً ومدينة
واشجرد جيدة المقدار كثيرة العمارات واسعة التجارات بها مياسير وجلة ومسافرون وفي
نساء أهلها جمال وبها صناعات وأحوال صالحة ويرتفع من شومان وواشجرد زعفران كثير
يحمل إلى كثير من الآفاق والبلاد البعيدة وهو أجل غلة بواشجرد ويرتفع من القواذيان
الكمون والقطن والفوة التي يصنع بها الخمرة ويجتمع بها منها الشيء الكثير ومنها
تحمل إلى بلاد الهند وللسلطان فيها سهم ومن واشجرد إلى الجبل الذي يدخل نهر وخشاب
تحته ويخرج في ناحيتها مرحلة خفيفة.
فمن أراد بلاد الراشت انحرف مع الشرق قليلاً وسار من مدينة واشجرد إلى مدينة دربند
مرحلة وهي مدينة صغيرة متحضرة بأسواق وعمارات وناس مياسير ومنها إلى مدينة جاركان
مرحلة وهي أيضاً مدينة تقارب دربند في الكبر وبها ما فيها من الصناع والفعلة
والتجارات سواء ومن مدينة جاركان إلى مدينة القلعة مرحلة وهي مدينة عامرة منيعة في
آخر الراشت مما يلي جبل الأتراك على جبل عال وهم من الأتراك متحذرون والراشت أقصى
خراسان من ذلك الوجه وهي مدينة بين جبلين كان منها مدخل للترك إلى القارة فأغلق
الفضل بن يحيى بن خالد بن برمك هناك باباً وجعل عليه من يحرسه ثم تداولت الملوك
حراسته إلى الآن.
ومما يلي الوخش والختل وخان والشقينة في بلاد الترك وبين وخان والتبت ثمانية عشر
يوماً وبوخان معادن الفضة التي لا نظير لها في الكثرة والطيب وفي أوديتها ذهب تبر
يسيل مع الماء في وقت جري السيول فيجمعونه هناك ويخرجرنه إلى البلاد ويقع منا
المسك والرقيق والشقينة مدينة من مدائن الأتراك الخرلخية وبينها وبين وخان خمسة
أيام وهي تتاخم الوخش.
وبجوار مدينة الصغانيان بلاد كثيرة عامرة فمنها مدينة باسند وبينهما مرحلتان وهي
مدينة عامرة أقطارها زاهرة وعمارتها متصلة وخيراتها ومرافقها كثيرة ومن الصغانيان
إلى بوراب مرحلة بين مشرق وجنوب وهي مدينة حسنة كثيرة التجارات والعمارات وأهلها
مياسير وبها طرز وصناعات وبين بوراب وباسند مرحلة ومن الصغانيان أيضاً إلى ريكدشت
ثلاثة أميال وهي مدينة صغيرة ومنها إلى زينور مرحلة شرقاً.
ومن
الترمذ أيضاً الطريق إلى بخارا وهي إحدى عشرة مرحلة وذلك أنك تخرج من الترمذ إلى
هاشم جرد وهي مدينة صغيرة مرحلة ومنها إلى رباط دارنك ومنها إلى باب الحديد وهي
مدينة صغيرة متحضرة ومن باب الحديد إلى كندك مرحلة وكندك مدينة صغيرة متحضرة شبيهة
بباب الحديد في الصنائع والأعمال والمتصرفات ومنها إلى الديذكي مرحلة ومنها إلى
سوبخ مرحلة وسوبخ أيضاً مدينة حسنة نبيلة المباني والأسواق محتوية على منافع ومن
سوبخ إلى نسف مرحلة.
ومدينة نسف كبيرة في مستو من الأرض لها سور وربض كبير عامر يحيط به السور ولها
أربعة أبواب وفي المدينة قهندز ليس بالحصين ولها بالربض مسجد جامع وأسواقها في
الربض مجتمعة متصلة بين دار الإمارة والمسجد الجامع وليس لها كثير قرى ونواح
والجبال منها على نحو مرحلتين شرقاً مما يلي كش ومنها في الجانب الغربي مفازة
متصلة بنهر جيحون لا جبل فيها ولها نهر واحد يجري في وسط المدينة ودار الإمارة
عليه ويتصل هذا النهر بها من كش فإذا خرج عن المدينة سقى الزارع منها وليس بنسف
ورساتيقها ماء جار إلا هذا النهر وينقطع جريه في السنين المحيلة ولهم مياه نابعة
جارية تسقي الكثير من بساتينهم ومباقلهم والغالب على مدينة نسف الخصب والسعة
والخفض والدعة وبها يجتمع طريق سمرقند بهذه الطريق ولها منبران سوى المدينة ويسمى
أحدهما بزدة والثاني كسبة وهما مدينتان صغيرتان عامرتان فيهما مساجد ومنابر
وجماعات ومن مدينة نسف إلى مايمرغ مرحلة ومنه إلى ميانكال مرحلة ومنه إلى فراجون
مرحلة وهي قرية عامرة ومنها إلى بخارا مرحلة.
والطريق أيضاً من آمل إلى النهر ثلاثة أميال فتعبر في المراكب إلى مدينة فربر في
الضفة الشرقية من النهر وهي مدينة عامره حسنة المباني ظريفة الشوارع والمسالك ولها
زراعات وبساتين وهي في نفسها حصينة ومن فربر إلى مدينة بيكند مرحلة وهو متوسط
الطريق إلى بخارا وهي مدينة متوسطة لها عمارات وسوق قائمة ومزارع وغلات ولها سور
حصين ومسجد جامع مزخرف بنيانه وقبلته في تزخرفها وحسنها لا يعلم بناء مثلها وهي
مدينة منفردة بذاتها ومن بيكند إلى بخارا مرحلة.
وبخارا مدينة تشف على المدن كبراً وتزهي على المحاسن نظراً فرجة الأرجاء والجهات كثيرة الأشجار والثمرات وهي مدينة في مستو من الأرض وبناؤها خشب مشبك ويحيط بهذا البناء المشبك من القصور والبساتين والمحال والسكك المفترشة والقرى المتصلة ما يكون طوله ستة وثلاثين ميلاً في مثلها ويحيط بها كلها سور يجمع هذه القصور والمساكن والمحال التي تعد من القصبة ويسكنها من يكون من أهل القصبة شتاءً وصيفاً وداخل هذا السور سور آخر يكون عرضه نحو ثلاثة أميال في مثلها وداخل هذا السور مدينة حسنة نحو ثلاثة أميال في مثلها وداخل هذا السور مدينة حسنة متقنة لها سور مجصص ولها قهندز خارج المدينة متصل بها ومقدار هذا القهندز يكون كالمدينة الصغيرة وفيه قلعة ومسكن حسن وقصور يروق الأبصار إطلاعها ويريع الألباب اختراعها وينزلها الولاة من ولد سامان لحسن مصانعها وغرائب اتقانها ووثاقة بنيانها ولمدينة بخارا ربض طويل عريض عامر الديار فسيح المجالات وأكثر أسواقها في هذا الربض وفيها مسجد جامع عديم المثال كثير الاحتفال وموضعه على باب القصبة في المدينة وببخارا من الخلائق ما لا يحصى لهم عدد ولا يحيط بهم خبر وجلة أهلها أملياء أغنياء مياسير أولو أموال طائلة وأحوال صالحة وتجارات واسمة ويشق ربضها نهر الصغد ويخترق أكثر أزقتها وشوارعها وأسواقها وهذا النهر هو فاضل نهر الصغد الجائي إليها من سمرقند ولأهل بخارا عليه طواحين أرحاء عدة وبضفتيه المنازه والبساتين والجنات والحدائق الملتفة الأشجار والمزارع الممتدة ويسقط فاضله في بركة كبيرة في ناحية بيكند وعلى قرب من فربر وتسمى هذه البركة بسامجن وللمدينة سبعة أبواب حديد ولبخارا رساتيق كثيرة وأعمال مشهورة وقرى جليلة وضياع وأكثرها بل كلها تحت الحائط الذي قدمنا ذكره وليس فيما يحيط به هذا الحائط من داخله جبل ولا مفازة ولا أرض غير عامرة وأقرب الجبال إليها جبل وركة وهو حجارة مصفحة ومنه يجلب إلى بخارا الحجر الكثير تفرش به سطوح الدور والشوارع وقد يجلب منه طين الأواني وأحجار الجص وقد يحرق ما صغر من حجره فيتخذ منه الجيار للبنيان والسطوح وفي بخارا بساتين وجنات يأتي منها ألوان الفواكه التي لا يعدلها شيء من الفواكه.
ولبخارا
عدة مدن في داخل حائطها وفي خارجه فأما المدن التي في داخل الحائط فالطواويس وهي
أكبر منبراً في هذه الناحية وبمجكث وزندنة ومغكان وخجادة وهذه كلها من داخل الحائط
وأما المدن التي هي خارج الحائط فمنها بيكند وفربر وكرمينية وخديمنكن وخرغانكث
ومذيامجكث وأكبر هذه المدن المذكورة الطواويس وهي مدينة عامرة لها سوق في وقت من
السنة معلوم ويقصد إليه الناس والتجار من جميع أرض خراسان للبيع والشراء ويجلب
إليه كثير من الأمتعة ويحمل منه الثياب المتخذة من القطن إلى سائر أرض العراق لكثرتها
وبها صناعات وطرز لاتخاذ هذه الثياب وبها فواكه مختلفة الأجناس وبساتينها كثيرة
ومرافقها موجودة والمياه تخترق طرقها وهي حصينة وفيها قهندز وسور يدور بها ومسجدها
الجامع في المدينة ومنها إلى بخارا مرحلة وهي سبعة وعشرون ميلاً وبمجكث مدينة أصغر
من الطواويس وهي عامرة متحضرة ولها سور تراب وصناعات كثيرة ولها بساتين وجنات
وعمارة متصلة وبمجكث في شمال بخارا وبينهما أربعة وعشرون ميلاً وزندنة أيضاً تشبه
مدينة بمجكث في حالها وعمارة قطرها ولها مياه جارية وبساتين وفواكه وهي على شمال
المدينة على اثني عشر ميلاً وبينها وبين الطريق نحو ميل ونصف ومغكان أيضاً كذلك
مدينة صغيرة فيها أسواق وتجارات قائمة بذاتها ولها بساتين وعمارتها متصلة وهي على
يمين طريق بيكند وتنحرف عن الطريق نحو تسعة أميال وخجادة أيضاً مثل هذه المدينة
قدراً وكبراً ولها أسواق وعمارات متصلة وهي عن يمين الذاهب من بخارا إلى بيكند على
تسعة أميال وبينها وبين الطريق نحو ثلاثة أميال ومن الطواويس إلى كرمينية مرحلة في
طريق سمرقند وكرمينية مدينة أكبر من الطواويس وأعمر وأكثر خلقاً وأخصب أرضاً وأكثر
فواكه وألطف هواءً ولها مسجد جامع ومنبر ولها قرى كثيرة ومن كرمينية إلى خديمنكن ثلاثة
أميال مما يلي بلاد الصغد وبين خديمنكن وطريق سمرقند غلوة سهم على يسار الذاهب إلى
سمرقند ومدينة مذيامجكث خلف وادي الصغد أعلى من خديمنكن بمقدار ثلاثة أميال وهذه
البلاد تتقارب أقدارها كبراً ويتوازى عمارها بشراً وفي كل واحدة منها مسجد ومنبر
وخطبة قائمة وخرغانكث بحذاء كرمينية وعلى ثلاثة أميال من وراء الوادي.
ويتصل ببخارا من شرقيها مع الجنوب أرض الصغد وأولها إذا جزت كرمينية سرت إلى
الدبوسية مشرقاً مرحلة وهي من الأميال أربعة وعشرون ميلاً والدبوسية مدينة حسنة
كثيرة البساتين والثمار ولها قرى ومزارع وعمارات حسنة ولها سور تراب وبها مياه
جارية ومن الدبوسية إلى أربنجن مرحلة خفيفة وهي من الأميال خمسة عشر ميلاً وأربنجن
مدينة متوسطة المقدار فيها أسواق وعمارات وتجارات وصنائع وأحوال حسنة ولها مزارع
متصلة وبساتين ومنها إلى زرمان ثمانية عشر ميلاً ومن زرمان إلى قصر علقمة خمسة عشر
ميلاً ومنها إلى سمرقند ستة أميال.
ومدينة سمرقند مدينة حسنة كبيرة على جنوبي وادي الصغد وقصبة الصغد سمرقند وهي
مدينة لها شوارع ومجالات متسعة ومبان وقصور سامية وفنادق وحمامات وخانات وعليها
سور تراب منيع يطيف بها خندق وهي كثيرة الخصب والنعم والفواكه ولها أربعة أبواب
ويدخل المدينة ماء جلب إليها على جهة الجنوب على باب كش وهو نهر قد بني له قنطرة
عالية على الأرض في بعض المواضع إلى أن يدخل المدينة ويشق أسواقها ويعم أكثر قصور
المدينة ولهذا النهر حفظة وحراس ونظر بالغ لئلا يصل إليه شيء من الفساد ولها قهندز
حسن حصين والمسجد الجامع منها في المدينة أسفل القهندز وبينهما عرض المحجة الشارعة
وفي المدينة ديار كثيرة غامرة وقصور شامخة وقليلاً ما يكون منها قصر ولا دار كبيرة
إلا ويكون فيها بستان وأشجار ومياه متدفقة والولاة كانت تنزل قبل هذا بسمرقند إلى
أن تحولت الولاة إلى بخارا وسمرقند في وقتنا هذا أكثرها خراب وقد صارت عمارتها
منتقلة إلى بخارا بسبب الرياسة التي فيها وفيما حكاه أهل الخبر أن مدينة سمرقند
ابتدأ بناءها تبع الأكبر واستتم ذلك ذو القرنين وسمرقند مجتمع رقيق ما وراء النهر.
ونهر
الصغد الذي يصل إلى سمرقند وينفذ منها إلى بخارا أصل منبعه من جبل البتم على ظهر
الصغانيان وينزل في أول من أعين تطرد من جبل البتم وتجتمع في منقع يسمى بورغسر
ومنه تتشعب أنهار سمرقند كلها ومعظم الوادي يصل سمرقند ومن هذه الأنهار في جهةه
المشرق عند مفارقة ورغسر نهر برش ثم من أسفله يخرج نهر بارمش ثم نهر بشمين فأما
نهر برش فإنه يمر ويمتد على ظهر سمرقند ومنه أنهار المدينة والحائط والقرى التي
تتصل بها من مبدئه إلى منتهاه وأما نهر بارمش فإنه يحاذي هذا النهر من جهة الجنوب
ومقدار جريه يوم وعليه عمارات متصلة وقرى عامرة من أوله إلى آخره وأما نهر بشمين
فإنه يلي نهر بارمش مما يلي الجنوب وعليه من القرى والعمارات نحو ما على نهر بارمش
وأكبر هذه الأنهار نهر برش ونهر بارمش لأن السفن تجري فيهما وتتشعب من هذين
النهرين أنهار عدة ويتصل بمنقع ورغسر إلى آخره حيث يخرج نهر بارمش رستاق يسمى
رستاق الدرغم وطوله يكون ثلاثين ميلاً وعرضه في أوسع موضع اثنا عشر ميلاً وفي أضيق
موضع ثلاثة أميال ويخرج من هذا النهر الوارد إلى سمرقند على مقربة منها وبأعلاها
ثلاثة أنهار منها نهر بوزماجن يخرج عن النهر في جهة المشرق فيسقي رساتيق تلك
الناحية إلى أن يتصل برستاق ويذار ومنها نهر اشتيخن ولا ينتفع بشيء منه عند خروجه
إلى أن يمر له من مبدئه نحو اثني عشر ميلاً ثم يتشعب منه خليجان فيسقي مقدار سبعة
وعشرين ميلاً حتى ينتهي إلى اشتيخن فيسقيها ويعم رساتيقها وهو أعظم هذه الأنهار
ويتشعب أسفل هذا النهر نهر كينجكث فيمر هناك بقرى ودساكر فيسقي رستاق كينجكث
ورستاق المرزبان وغير ذلك إلى أن ينتهي إلى الكشانية ويجاوزها إلى حدود حائط بخارا
ومع ما يخرج من هذه الأنهار من نهر الصغد تصل فضلته بل أكثره إلى سمرقند فيجتاز
منه تحت قنطرة جيرد على باب سمرقند الماء الكثير العمق الواسع العرض ويزيد ماؤه
عند نزول الثلوج بجبال البتم وأشروسنة.
ولمدينة سمرقند عدة رساتيق ومن مدنها المنسوبة إليها الدبوسية واربنجن وكش ونسف
واباركث وويار واشتيخن والكشانية وبنجيكث وخرغانكث وفرنكث وكبوذنجكث.
والطريق من سمرقند على طريق بلخ من مدينة سمرقند إلى مدية كش مرحلتان وكش مدينة
جليلة كثيرة الأهل عامرة بالناس والتجار ولها ربضان وعليها سور ولها مسجد جامع
وقهندز غير حصين وطولها نحو من تسعة أميال في مثلها وبناؤها بالطين والخشب ولها
فواكه كثيرة يحمل فاضلها إلى سمرقند وبخارا وهي وبيئة وللمدينة الداخلية أربعة
أبواب خشب مصفحة بالحديد ولها نهران كبيران أحدهما يعرف بنهر القصارين ويخرج من
جبال سيام ويجري في جنوبي ا!لينة والثاني نهر أسروذ يخرج من رستاق كشك وجريه على
شمال المدينة وتمده أنهار صغار فتجتمع فضول هذه المياه كلها حتى تصل إلى نسف
ويرتفع من مدينة كش من الملح الذراني المعدني ما يحمل إلى سائر الآفاق ويقع
بجبالها الترنجبين كثيراً.
ولمدينة كش أيضاً مدن كثرة منها نوقد قريش وسوبخ من رستاق خزار واسكيفغن ونوقد
قريش مدينة صغيرة متحضرة ذات سور وعمارة كافية ومنها إلى كش مرحلة خفيفة ومن نوقد
قريش إلى سوبخ مرحلة وهي مدينة متحضرة قائمة بما فيها وعليها سور تراب ولها عمارات
متصلة ومن سوبخ إلى شف مرحلة ونوقد قريش على يسار الطريق من كش إلى نسف واسكيفغن
على ثلاثة أميال من سوبخ وسوبخ أقرب إلى اسكيفغن من نسف ومن نسف إلى مدينة بزدة
ثمانية عشر ميلاً وكذلك من نسف إلى كسبة وهي مدينة صغيرة اثنا عشر ميلاً وهما من
بلاد نسف وقد ذكرنا نسف وما هي في ذاتها قبل هذا بحيث لا يجب لنا إعادة ذلك ومن كش
إلى نسف ثلاث مراحل ومن كش إلى الصغانيان ست مراحل وكذلك الذي بين بخارا وسمرقند
مائة ميل وأحد عشر ميلاً.
ومن
سمرقند في جهة المشرق إلى اباركث مرحلة وهي أحد وعشرون ميلاً واباركث مدينة متاخمة
لأشروسنة صغيرة لا منبر بها ومنها إلى مدينة ويذار مرحلة خفيفة ومدينة ويذار مدينة
حسنة جليلة متحضرة متوسطة القدر ويعمل بها الثياب الويذارية المنسوبة إليها وهي
قطن حسن الصنعة غريبة المثال تلبس خاماً غير مقصورة وليس بخراسان أمير ولا وزير
ولا قاض إلا وهو يلبسها ظاهرة على ملابسه في الشتاء وجمالهم بها ظاهر وزينتهم بها
فاشية لأنها ثياب يميل لونها إلى صفرة الزعفران لينة اللمس صفاق جداً ترفة ويعمر
الثوب منها كثيراً ويستخدم المدة الطويلة ويبلغ ثمن الثوب منها من ثلاثة دنانير
إلى عشرين ديناراً على قدر جودته أو رداءته وهي ثياب تفوق الثياب في جودتها وصحة
عملها وحسن صنعتها ولها رساتيق وأعمال متصلة ويتصل ببعض رساتيقها رستاق المرزبان
وبين مدينة ويذار ومدينة سمرقند ستة أميال ومن رساتيق سمرقند بنجيكث وبها منبر وهي
مدينة عامرة حسنة البقعة ولها رستاق كبير ينسب إليها وهو في نهاية من الخصب وبينها
وبين سمرقند سبعة وعشرون ميلاً وفيما بين بنجيكث وسمرقند مدينة ورغسر وهي مدينة
صغيرة كثيرة المتنزهات غزيرة الفواكه ولها رستاق يخرج إليه خليج من نهر سمرقند
فيسقي جميع مزارعه وغلاته وبينه وبين سمرقند اثنا عشر ميلاً ويلي بنجيكث جبال
الشاوذار وهي فجاج ذات أنهار جارية تسقي ضياعاً ومزارع وبقفارها صيود عدة أجناس
وبين الشاوذار وورغسر فيما يلي سمرقند رستاق مايمرغ ورستاق سنجرفغن وهذه كلها
رساتيق مشتبكة الأشجار كثيرة القرى عذبة المياه ومن سمرقند أيضاً إلى كبوذنجكث ستة
أميال وكبوذنجكث مدينة حسنة البقعة كثيرة الخصب طيبة المزارع.
ومن سمرقند إلى اشتيخن أحد وعشرون ميلاً على شمال سمرقند ومن اشتيخن إلى الكشانية
مرحلة ومن الكشانية إلى اربنجن مرحلة واربنجن في شمال نهر الصغد على طريق سمرقند
أسفل من بخارا والكشانية أيضاً في شمال النهر.
ومدينة اشتيخن مدينة مفردة على غاية النزهة وكثرة البساتين ولها قرى وزررع
ومتنزهات وفرج وسعة أرجاء وحسن مبان ولها قهندز حسن وشرب أهلها من مياه الأنهار
والعيون المطردة ولها ربض كبير عامر آهل ومنها إلى الكشانية سبعة وعشرون ميلاً وهي
أيضاً من مدن الصغد وهي واشتيخن متقاربتان في الكبر غير أن قصبة الكشانية أكبرهما
وأوفرهما جباية وأعمهما خلقاً واشتيخن أكثر رساتيق أيضاً وأعمر أرضاً لأن حد
اشتيخن من ظهر جبل ساغرج إلى حد الكشانية وذلك مقداره مرحلتان وكلاهما من شمال
وادي الصغد والدبوسية واربنجن فإنهما من جنوب الوادي على جادة طريق خراسان وفي
الغرب من مدينة الكشانية مدينة خرغانكث على مرحلة وهي تتاخم حائط بخارا من جهة
الشمال وهي مدينة صغيرة طيبة الثرى معتدلة الهواء حسنة البناء كثيرة الفواكه غزيرة
العمارة والزروع.
ومن مدينة سمرقند إلى مدينة بونجكث مرحلة وهي من بلاد أشروسنة وأشروسنة اسم لأرض
كما أن العراق اسم أرض والشام مثله وكذلك الصغد وفرغانة والشاش كهذه كلها أسماء
أرضين ولكل أرض منها عدة بلاد وليس بإقليم أشروسنة مدينة اسمها أشروسنة وإنما هي
اسم الأرض والذي يطوف بها من إقليم ما وراء النهر فمن شرقها بعض فرغانة وفامر ومن
غربيها حدود خراسان وشمالها بلاد الشاش وبعض فرغانة وجنوبها شومان وواشجرد والراشت
وأعظم مدنها بونجكث وهي مدينة كبيرة لها ربض كبير وعليها سور وعلى ربضها أيضاً مثل
ذلك وبها مسجد جامع وحلقات علم وبناؤها بالطين وسقوفهم خشب ولها قهندز ولها
بالمدينة أسواق عامرة وتجارات قائمة ومكاسب دائرة وصنائع منصرفة ولها بساتين وكروم
وزروع كثيرة ويجري فيها نهر عليه رحى يطحن بها ولها مدن كثيرة منها خرقانة
وأرسيانيكث وهي على حدود فرغانة وعلى سبعة وعشرين ميلاً من بونجكث ومن مدنها فغكث
وهي على اثني عشر ميلاً من المدينة في طريق خجندة وغزق وبين خجندة وغزق ثمانية عشر
ميلاً وبين غزق وفغكث ستة أميال وديزك ومرسمندة وخرقانة وزامين وكل هذه البلاد
مشهورة.
فأما
مدينة خرقانة فإنها مدينة جليلة صغيرة متحضرة ولها سوق وعمارة وافرة ومنها إلى
سمرقند سبعة وعشرون ميلاً وكذلك من خرقانة أيضاً إلى زامين سبعة وعشرون ميلاً
وزامين في طريق فرغانة من سمرقند وهي مدينة عامرة القطر كثيرة البشر حصينة لها سور
وخندق وأرزاق كثيرة ومنها غرباً إلى اباركث تسعة وثلاثون ميلاً ومن اباركث إلى
سمرقند اثنا عشر ميلاً وهي مرحلة خفيفة ومن خرقانة إلى ديزك خمسة عشر ميلاً وديزك
مدينة في السهل ولها رستاق ويعرف بفكنان وهي في شمال أشروسنة وبها يرابط أهل
سمرقند ولها برك ماء جار وبساتين وعمارات ومن زامين إلى خجندة مشرقاً على طريق
خاوس وكركث في زامين إلى كركث تسعة وثلاثون ميلاً عن يسار الذاهب إلى فرغانة ومن
خرقانة إلى أرسيانيكث على حدود فرغانة سبعة وعشرون ميلاً وأرسيانكث مدينة جليلة
المقدار صغيرة حسنة البنيان والأسواق والديار ولها بساتين وعمارة وهي من بونجكث
على سبعة وعشرين ميلاً ومن بونجكث إلى فغكث تسعة أميال وهي مدينة صغيرة لها سوق
ولا منبر لها ومن فغكث إلى غزق وهي قرية عامرة تجارية ستة أميال ومن غزق إلى خجندة
ثمانية عشر ميلاً.
ومدينة خجندة متاخمة لفرغانة وهي مدينة حسنة عامرة كثيرة الخيرات قائمة الأسواق
فيها صنائع وجمل بضائع وأهلها مياسير وهي على غربي نهر الشاش لكنها منفردة في
أعمالها وبها مزارع مشتبكة وخيرات وافرة ويلي مدينة بونجكث المتقدم ذكرها مدينة
مرسمندة وهي حسنة البقعة جليلة المساكن كثيرة الخيرات وليس لها بساتين ولا كروم
والأشجار بها قليلة لكثرة البرد ولها سوق في رأس كل شهر مرة مشهود يأتي إليه أهل
تلك النواحي للبيع والشراء وهي سوق مشهورة وبين مرسمندة ونوجكث يومان وبين مرسمندة
وحصن مينك مرحلة كبيرة وخرقانة وزامان وساباط هي كلها على طريق فرغانة إلى الشاش.
ويتصل بجنوب هذه البلاد أرض البتم وهي جبال شاهقة منيعة وطرقها متعذرة وفي هذه
الجبال حصون منيعة وقرى عامرة وأغنام وأبقار وخيل وفيها معادن الذهب والفضة والزاج
والنشاذر وفي جوانب هذا الجبل قرى كثيرة متفرقة يخرج منها بخار يشبه بالنهار
الدخان وبالليل كالنار فيكون منه النشاذر الذي لا يعدله نشاذر والبتم ثلاث جهات
أول ووسط وطرف ومياه الصغد كلها تجري من الجهة الوسطى من البتم بمكان ي