9 مصاحف

9 و 12 مصحف

 

Translate

الأربعاء، 12 أبريل 2023

تابع اســــماء الله الحسني /من اسمه تعـــالى الحفيـــظ الي اسمه تعالي "الله"

تابع اســــماء الله الحسني /من اسمه  تعـــالى الحفيـــظ الي اسمه تعالي "الله"

 

أولا/اســــم الله تعـــالى الحفيـــظ

ورد هذا الاسم ثلاث مرات في القرآن:

في قول الله تعالى { إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ} [هود,(57)]

وقوله تعالى {وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ}[سبأ,(21)]

وقوله تعالى {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ } [الشورى,(6)]

معنى الاسم لغةً؟

الحفيظ في اللغة هو صيغة مبالغة من اسم الفاعل الحافظ، وفعله هو حفظ يحفظ حفظًا، والحفظ هو الصيانة من التلف والضياع..

فعندما يفسد قلبك بالدنيا، ويفسد بالمعاصي، ويفسد بالمخالفة، نلوذ بالله الحفيظ أن يصونه ويغمرنا بالرحمات وينقي قلبونا من التلف.

وتستخدم كلمة حفظ في العلم، مثلما نقول هذا الطالب حافظ أي: يحفظ الشيء ويضبطه ولا ينساه. فهنا نقول بحق الله: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا }[ مريم, (64)]

والحفيظ يطلق علي الموكل بالشيء، وتأتي معنا في اسم الله الوكيل أي هو الموكل بهذا الشيء حفظا وصيانة.

ومن ذلك أيضا الحفظة من الملائكة {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ } [الرعد, (11)]أي تحفظ الأنفس بأمر الله حتى يأتي أجل الله. كذلك هناك معنى آخر للحفظة في هذه الآية أي الحفظ والرعاية و كتابة الأعمال التي يقوم بها بنو آدم ومن ذلك قول الله تعالى:{وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ(10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12)} [الانفطار 10 : 12]

إذن المعاني تدور حول:

- المعنى الأول: الصيانة من التلف والضياع.

- المعنى الثاني: الضبط وعدم النسيان.

- المعني الثالث: تعهد الشيء وقله الغفلة عنه.

- رابعًا: معنى الموكل بالشيء

بهذا يكون اسمه تعالى الحفيظ يعني العليم لأنه يرعاه ويدبر أمره فيجب أن يكون عليم بأحواله. وهو المهيمن سبحانه وتعالى والرقيب على خلقه لا يخفى عنه مثقال ذرة في ملكة.

معنى الاسم في حق الله تعالى:

فهو الحفيظ الذي يحفظ أعمال الموكلين والذي شرّف بحفظها الكرام الكاتبين، يدونون على العباد الأعمال والقول والخطرات والحركات والسكنات ويضعون له الأجر كما حدد لهم بالحسنات والسيئات, وهو الحفيظ الذي يحفظ عليهم أسماعهم وأبصارهم وجلودهم لتشهد عليهم يوم اللقاء فالحفيظ حفيظ لمن يشاء من الشر والأذي والإبتلاء.

الحفيظ يحفظ قلوب عباده المؤمنين ومافيها من الإخلاص والتوحيد والإيمان فيعصمهم عن الهوى ويعصمهم عن شبهات الشيطان..فهو يغار على قلوب عباده لذا يحفظها من الفتن ومن الزلل.

ومن القصص في ذلك أن رجلا قبل أن يموت كان مدعوا إلى لقاء عمل في مكان راقي، فبعدما تجهز للذهاب تذكر أن المكان قد يج بالمنكرات من خمر وخلافه وقد يعجز عن الإنكار، وظل حائرا بين عمله الهام ومقابلة الشخصيات الهامة وبين المنكرات المتوقعة.

فقدر الله في هذا اليوم أن تمطر السماء مطرا شديدا وكان سيذهب مع أحد أصدقائه فتراجعا عن الذهاب فكأن هذا المطر جاء له نعمة من الله. فاعتذر عن الذهاب وفي اليوم الثاني مات ساجدا.!!

فسبحان الله حينما يحفظ الله العبد انظر كيف يعصمه..؟

فالحفيظ هو: الذي يهيئ الأسباب لتوفيق العبد للإيمان, ألا ترى إذا أراد الله شيء هيئ أسبابه؟ يشهد لمثل هذه المعاني ما ثبت من حديث ابن مسعود رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم اللهمَّ احفظني بالإسلامِ قائمًا، واحفظنِي بالإسلامِ قاعدًا، واحفظنِي بالإسلامِ راقدًا، ولا تشمتْ بي عدوًّا ولا حاسدًا، اللهمَّ إنِّي أسألُك منْ كلِّ خيرٍ خزائنُهُ بيدِكَ، وأعوذٌ بكَ منْ كلِّ شرٍّ خزائنُهُ بيدِكُ" [صحيح, السيوطي, الجامع الصغير,(1486)]

الحفيظ هو الذي حفظ السماوات والأرض بقدرته{وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ } [البقرة, ( 255)]فلا يتعبه سبحانه وتعالى حفظ السماوات والأرض على عظمتمهم. فالله حفيظ لمخلوقاته يبقيها على حالها لمخلوقاتها وينظم ترابط العلل بمعلولاتها وهو سبحانه يحفظ الأشياء بصفاتها وذواتها.

إذن اسم الله الحفيظ يحتاجه المريض سواء مرض الأبدان أو مرض القلوب لأن الذي سيحفظه ويصونه (هو الله) فالوقاية خير من العلاج.

فنحتاج أن نقول للمريض الآن لُذ باسم الله الحفيظ حتى يحفظ عليك صحتك, والمريض مرض القلوب أيضًا يحتاج هذا اغسل قلبك وطهره وعالجه بأدوية الإيمان.

وقال العلماء أن الحفيظ هو الذي: يحفظ على العباد أعمالهم ويحصي عليهم أقوالهم يعلم نياتهم وما تكن صدورهم ولا تغيب عنه غائبة ولا تخفي عليه خافية, حفظ أوليائه فعصمهم عن مواقعة الذنوب, وحرسهم عن مكايدة الشيطان ليسلموا من شره وفتنته.

ذكر الإمام الغزالي رحمه الله: أن الحفظ على وجهين...

المعنى الأول:إدامة وجود الموجودات وهذا يأتي بمعنى مضاد للإعدام وأن الكون يسير بهذا الشكل من حفظ الله. أي أن الله أبقاه على هذا الحال ولو شاء أن يهلكه لكان فهذا الكون لا يسير ولا يتدبر أمره إلا بحفظ الحفيظ....

فالله هو الحافظ للسماوات والأرض والملائكة والموجودات طالت في البقاء أو قصرت.

المعني الثاني: أنّ الحفظ صيانة المتقابلات المتضادات بعضها عن بعض, كالتقابل بين الماء والنار فهما متعاديان بطباعهما فإما أن تطفئ الماء النار وإما أن تحيل النار الماء بخار, وقد جمع الله سبحانه وتعالى بين هذه المتضادات المتنازعة في سائر العناصر والمركبات. فبين فرث ودم لبنا خالصا فاللبن أبيض والدم أحمر والفرث قذر فيخرج لبن سائغ جميل لذة للشاربين... فكيف كان هذا ؟

بحفظ الله الحفيظ سبحانه ولولا ذلك لتنازعت هذه الأشياء

هل هذا الاسم من أوصاف الذات ولا الفعل؟

وقد علمنا من قبل أن صفة الذات لا تتخلف وصفة الفعل تتخلف, يقول القرطبي: أن هذا الاسم يكون من أوصاف الذاتومن أوصاف الفعل .

فهو من أوصاف الذات يرجع إلى (( اسم الله العليم )) لأنه يحفظ بعلمه جميع المعلومات فلا يغيب عنه شيء.

وأن من جملة معنى الحفظ: الضبط و الإحصاء وعلى هذا خرج قوله تعالى :{وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا }

وقوله تعالى {قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى} [طه 52] وفي مجادلة إبراهيم للنمرود قال {رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ }[ البقرة, (258)] وهنا يقول سيدنا موسى { عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى }

وإذا كانت من صفات الفعل يرجع إلى حفظه للوجود, وهو عكس الإهمال, فقال تعالى:{ فاللهُ خَيْرٌ حَافِظًا} [يوسف,(64)]

أثر الإيمان بأن الله هو الحفيظ

الله هو الحفيظ لكل شيء في الكون والحفيظ لهذه السماوات السبع والأرض وما بينهما. فقد حفظ السماوات أن تقع على الأرض {وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آَيَاتِهَا مُعْرِضُونَ } [(الأنبياء, (32 ]

كأن الآية تقول أن هذا الشيء يجب أن يحركك { إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا } [فاطر, (41)]

فمن المفترض أن ينطبق هذا الكون على بعضه ولكن الله حفيظ

فيجب علينا أن نحافظ على أوامر الله حتى تنتظم دنيانا كما نظم الله أمور الكون من حولنا. فلو راعيت الله وحفظته دبر لك أمرك وحفظك وأبعدك عن كل هلكة..

ف كن محفوظا بحفظ الله, بحفظك لأوامر الله واجتنب نواهيه،

¨ فعليك حفظ كتابه بمداومة دراسته وعدم هجره..

كما يقول ابن القيم في الفوائد: **والهجر خمسة أنواع**

1- هجر التلاوة

2- هجر التدبر

3- هجر التحاكم

4- هجر الإستشفاء

5- هجر العمل به

((والإستشفاء نوعان))

1 - إستشفاء الجسد: أي أنه يرقي نفسه بالقرآن..

وقال ابن القيم "لقد ابتليت بمرض في مكة استعصي علي الأطباء فكنت أعالج نفسي بالفاتحة فبرأت بإذن الله"

2- إستشفاء القلب " وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة ،

¨واحفظ أيضا سنة رسول الله.. لأن هذا أيضًا من حفظ الله، وذلك عن طريق أن نستقيها من منبع صافي لا دخن فيه لكي نعرف الحديث القوي من الضعيف.

¨ومن أعظم ما يجب على المسلم حفظه من حقوق الله

التوحيد بأن يعبد الله ولا يشرك به شيء..

كما جاء في حديث معاذ ابن جبل رضي الله عنه قال له رسول الله "يا معاذَ بنَ جبلٍ ! قلت : لبيكَ رسولَ اللهِ وسعديكَ . ثم سار ساعةً . ثم قال : يا معاذَ بنَ جبلٍ ! قلت : لبيكَ رسولَ اللهِ وسعدَيك . ثم سار ساعةً . ثم قال : يا معاذَ بنَ جبلٍ ! قلت : لبيكَ رسولَ اللهِ وسعديكَ . قال : هل تدرِي ما حقُّ اللهِ على العبادِ ؟ قال قلت : اللهُ ورسولُه أعلمُ . قال : فإن حقَّ اللهِ على العبادِ أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا . ثم سار ساعةً . ثم قال : يا معاذَ بنَ جبلٍ ! قلت : لبيكَ رسولَ اللهِ وسعديكَ . قال : هل تدرِي ما حقُّ العبادِ على اللهِ إذا فعلوا ذلك ؟ قال : قلت : اللهُ ورسولُه أعلمُ . قال : أن لا يعذِّبَهم" [صحيح, مسلم, (30)]

إذن الحق العظيم الذي أمر الله سبحانه وتعالى عباده أن يحفظوه ويراعوه هو الذي من أجل حفظه أرسل الله الرسل وأنزل الكتب فمن حفظه في الدنيا حفظه الله من عذابه يوم القيامة.

¨ومن أعظم ما أمرت بحفظه كذلك الصلاة، قال الله تعالى {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ } [(البقرة, 238] ، ويقول في وصف المؤمنين {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ } [المعارج, (34)]

وحفظ هذه الصلوات هي أن يحافظ على أركانها ويحافظ على شروطها وأهم من ذلك كله أن يحافظ على الخشوع فيها

- يقول ابن القيم "فالصلاة مجلبه للرزق، حافظة للصحة، دافعة للأذى، مطردة للأدواء، مقوية للقلب، مبيضة للوجه، مفرحة للنفس، مذهبه للكسل، منشطة للجوارح، ممدة للقوي، شارحة للصدر، مغذية للروح، منورة للقلب، حافظة للنعمة، دافعة للنقمة، جالبة للبركة، مبعدة من الشيطان، مقربة من الرحمن "

والرسول عليه الصلاة والسلام قال " عليكم بقيام الليلِ ، فإنه دَأَبُ الصالحين قبلَكم" [صحيح, الألباني,صحيح الجامع,(4079)]

فالصلاة لها تأثير عجيب في حفظ البدن والقلب وتقوية هذين الأمرين وقواهما، وكذلك دفع المواد الرديئة عنهما وما ابتلي رجلين بعاهة أو داء أو محنة أو بلية إلا كان حظ المصلي منها أقل وعاقبته أسلم.

وللصلاة تأثير عجيب في دفع أمور الدنيا لا سيما إذا أعطيت حقها من التكميل ظاهراً وباطنا..

فما استدفعت شرور الدنيا والآخرة ولا استجلبت مصالحها بمثل الصلاة.!

ومما جاء في أن الصلاة تحفظ صاحبها ما جاء في شأن صلاة الضحى

"قال رسولُ اللهِ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم -، عنِ اللهِ – تبارك وتعالى -، أنه قال : يا ابنَ آدمَ ! ارْكَعْ لي أَرْبَعَ رَكَعاتٍ من أولِ النهارِ ؛ أَكْفِكَ آخِرُة" [صحيح,الألباني,تخريج مشكاة المصابيح 1265 (]

ومن ذلك قيل أن الصلاة تحفظ صاحبها الحفظ الذي نبه الله عز وجل عليه بقوله

{ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت, (45)]

إذن فالصلاة حفظ ومن حافظ عليها حُفظ ومن لم يحافظ عليها ابتلى ولا شك، قال الله تعالى {َفخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم, (59)]

¨مما أمر الله بحفظه كذلك (السمع والبصر والفؤاد) احفظ بصرك فلا يقع على حرام، فالله غيور والله لا يحب الخائنين. واحفظ سمعك فلا تلقه على شيء لا يحبه الله فلا تستمع إلى الغيبة والنميمة ولا تجلس في مجلس يعصى الله عز وجل فيه {إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ}[لناساء, (140)]

فــ غِرْ لغيرة الله سبحانه وتعالى واحفظ قلبك وعقلك أن يتعلق بما يغضبه ويسخطه وينشغل بغيره.

¨مما أمر الله سبحانه وتعالى بحفظه (الفرج) {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ } [المؤمنون, (5)]، {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [ النور, (30)]

وقال صلى الله عليه وسلم "من يضمَنْ لي ما بين لَحيَيْه وما بين رِجلَيْه أضمنُ له الجنَّةَ " [صحيح ,البخاري,الترغيب,(6474)] فاحفظ نفسك عن الفواحش ولا تضع فرجك إلا فيما يحل لك

كذلك، فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم خطورة تأثير اللسان على الإيمان "لا يَسْتَقِيمُ إِيمانُ عبدٍ حتى يَسْتَقِيمَ قلبُهُ ، ولا يَسْتَقِيمُ قلبُهُ حتى يَسْتَقِيمَ لسانُهُ" [حسن,الألباني, صحيح الترغيب,(2554)]

فإذا رأيت قلبك زائغ خذ يوم لنفسك لا تتكلم فيه إلا بذكر الله ..إلاّ في حال الإضطرار.

¨من جملة الأمور التي أمرنا بحفظها أن نحفظ الأيّمان قال الله تعالى {واحفظوا أيمانكم} لأن حفظ المرء ليمينه يدل علي إيمانه وورعه. فكثير من الناس يتكاثر بالحلف خاصا في البيع والشراء وهذا قد يقع في اليمين الغموس واليعاذ بالله..

والله عز وجل حين وصف الوليد ابن المغيرة في مقام الذم صدر هذه الصفات بقوله

{ وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ منَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيم} [ القلم,(8),(9),(10),(11),(12),(13)]

¨كذلك أمرنا بحفظ حدود الله وشرائعه "{وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} [ البقرة,(40)]

فالله تعالى حفظ يوسف لما قام له بالإخلاص، لذا فالاخلاص سبيلك إلى كل هذا. {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [ يوسف, (24)]

ثم بعد ذلك ثق بأن الله سيحفظك ويكون لك على خير مما تتوقع شريطة أن تحقق لله هذه المعاني التي ذكرناها.

فنسأل الله تعالى أن يحفظنا بحفظه الذي لا يُرام وأن يكلأنا بعينه التي لا تنام,ويردّ عنا كيد الكائدين ويرد عنّا ظلم الظالمين وحسد الحاسدين وحقد الحاقدين ويشملنا بحفظه إنه جواد كريم...

======

اســـم الله الأعـــــــلى

ورد هذا الاسم الشريف في الكتاب والسنة في قوله تعالى:{ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى:1]

وقوله تعالى: {وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى{19} إِلَّا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى{20}[الليل]

وثبت ذلك فى السنة كما فى حديث حذيفة بن اليمان: قال حذيفة_رضى الله عنه_ : <صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ ،فَقُلْتُ : يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ ، ثُمَّ مَضَى ، فَقُلْتُ : يُصَلِّي بِهَا فِي رَكْعَةٍ ، فَمَضَى ، فَقُلْتُ : يَرْكَعُ بِهَا ، ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ، فَقَرَأَهَا ، ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا ، يَقْرَأُ مُتَرَسِّلا، إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ ، وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ، وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ ، ثُمَّ رَكَعَ ، فَجَعَلَ يَقُولُ :سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ ، فَكَانَ رُكُوعُهُ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ ، ثُمَّ قَالَ : سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ، رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ ، ثُمَّ قَامَ طَوِيلا قَرِيبًا مِمَّا رَكَعَ ، ثُمَّ سَجَدَ فَقَالَ : سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى ، فَكَانَ سُجُودُهُ قَرِيبًا مِنْ قِيَامِهِ" .]صحيح,مسلم ( 772 )[.

وحديث ابن عباس رضي الله عنهما "أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ كانَ إذا قرأَ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى قالَ سبحانَ ربِّيَ الأعلى"]صحيح,الألباني,صحيح أبي داود,(883)[

معنى الاسم في اللغة:

الأعلى: أفعل التفضيل في اللغة أعلى على وزن (أفعل)، فعله علا، يعلو، علواً. فالأعلى هو الذي ارتفع عن غيره وفاقه في وصفه.

وهى مفاضلة بين اثنين أو الجميع لأن التفاضل إما أن يكون بين اثنين أو بين الشيء وغيره فإذا فاضلت بين اثنين قلت هذا أفضل من ذاك, وإذا أردت أن تفاضل الجميع قلت هذا أفضلُ دون بيان للمفضل عنه.

فالأعلى سبحانه أعلى مِن مَن؟ أعلى من كل شيء، أعلى من الجميع. فهي مفاضلة بين اثنين أو الجميع في عظمة وصف أو فعل أو مفاضلة بين صاحب العلو والأعلى منه.

كل من علا مهما كان فالله أعلى منه والله أعظم منه والله أجل منه، مهما كان له العلو في الأرض ومهما كان متصفا بالمنزلة والمكانة. فالله سبحانه وتعالى ذو العُلُّو وذو العُلا وذو العلاء والمعالي.

فالله سبحانه الأعلى بهذا المعنى، قال تعالى{وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [النحل60]. {وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الروم27]

يقول الألوسي رحمه الله في روح المعاني: "" وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ" أي وله الصفة العجيبة الشأن التي هي مَثْلٌ في العُلّو مطلقاً، وهو الوجوب الذاتي والغنى المطلق والجود الواسع والنزاهة عن صفات المخلوقين ويدخل فيه علوه تعالى عما يقولون علوا كبيرا"

فإن كان الله سبحانه وتعالى وحده هو المتصف بذلك فله المثل الأعلى والغنى المطلق، فكل ما سواه فقير وكل ما سواه يحتاج أما هو سبحانه فغني غنى مطلق، لا تنفعه عبادات أحد ولا تضره معاصيهم، لا تنفعه قرباتهم ولا يضره ابتعادهم، لا يحتاج إلى شيء ولم يتخذ صاحبة ولا ولدا.

يقول ابن القيم رحمه الله: (من أعظم الأدلة على وجود الله الغنى المطلق لله والفقر الذاتي لكل أحد)

الفرق بين اسمه تعالى العلي والأعلى:

العلي تعطى صفة العلو بكل المعاني، أما الأعلى ففيه معنى المفاضلة، بمعنى أن له العلو ولا أحد يعلوه، هو الأعلى من كل أحد ومن كل شيء وينبغي أن يكون في قلبك هكذا.

فاسم الله تعالى الأعلى دل على علو الشأن عن جميع النقائص والعيوب المنافية للألوهية والربوبية. تعالى الله في الوحدانية عن الشريك وعن النظير والظهير والولي والنصير. تعالى سبحانه وتعالى عن كل ذلك فلا شريك له ولا نصير له ولا ولي له ولا ظهير له.

تعالى سبحانه في عظمته وشأنه وقدره، فتعالى أن يشفع أحد عنده دون إذنه، له صفة القهر والغلبة والكبرياء.

وتعالى في صمديته عن الصاحبة والولد وأن يكون له كفوا أحد، تعالى في كمال حياته وقيوميته عن السِنة والنوم. تعالى في قدرته وحكمته عن العبث والظلم "يا عبادي إنِّي حرَّمتُ الظلمَ على نفسيِ وجعلتُهُ بينَكُمُ محرمًا "]صحيح,بن تيمية,مجموع الفتاوى,(11/261)[. تعالى في صفات كماله ونعوت جلاله عن التعطيل والتمثيل سبحانه وتعالى.

هذا كله داخل في علو شأن ربنا سبحانه وتعالى ولذا قال الله: {وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}[الأنعام:91] أي ما عظموه وما أعلوه وما أعطوه أقل حقه سبحانه، بل عظموا ما حقر وحقروا ما عظم.

وهنا مسألة سنتوقف عندها للفائدة:

وهي أنالله سبحانه وتعالى يجوز في حقه قياس الأولى، بدليل قوله {وَلِلّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَىوَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }[النحل:60]

أننا أحيانًا نريد تقريب المعنى في حق الله تعالى فنقول مثال قياسا عليه، وهذا لا شيء فيه بدليل الآية ولكن تقول بعدها ولله المثل الأعلى.

فإذا قال قائل ولكن الله قال {فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ }]النحل,(74)[ نقول: المقصود لا توازيه ولا تشبهه ولا تمثل حاله بحال أحد، وإلا فكيف تفهم أنت المعنى؟

فأنت لن تفهم رحمة الله عز وجل إلا إذا قربت المعنى بضرب مثال لرحمة الأم بابنها مثلا، فإذا فهمت ذلك عرفت أن لله المثل الأعلى وأن رحمته لا تماثل شيئا من هذا..ولكن المعنى اقترب لك..

قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله: (وبهذا كانت ألطريقه النبوية السلفية أن يستعمل في العلوم الإلهية قياس الأولى كما قال الله تعالى (ولله المثل الأعلى) إذ لا يدخل الخالق والمخلوق تحت قضية كلية تستوي أفرادها)

فقياس الأولى جائز في حق الله وأسمائه وصفاته وأفعاله أما المحرم الممنوعهو قياس التمثيل والشمولكأن تقول أن رحمة الله مثل رحمة الناس لكن رحمة الله أكثر، فكأنك شبهت الرحمتين ببعضهما, فهذا قياس التمثيل.

وقياس الشمول أن نشبه الله سبحانه وتعالى بصفات البشر، مثل أن تقول يد الله مثل يدي_معاذ الله_ .

اسم الله تعالى الأعلى يدل على ذاته المتصفة بعلو الشأن بدلالة المطابقة, يدل على الذات وحدها بالتضمن وعلى الصفة وحدها بالتضمن كذلك.

ويلزم من إثبات اسمه تعالى الأعلى أن يكون سبحانه وتعالى له صفة الحياة والقيومية والصمدية وانتفاء الشبيه والمثلية ، إلى غير ذلك من هذه الصفات.

الله جل في علاه قال{ تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ{78}[الرحمن]

فاسم الله تعالى الأعلى دل على مطلق الجلال في الذات والصفات والأفعال وليس ذلك إلا لرب العزة والجلال، طالما أنه الأعلى. فهو أعلى بذاته وأعلى بصفاته وأعلى بأفعاله، وهذه صفة جلال.

فكل ما خطر ببالك فالله أعلى منه، فالأعلى سبحانه له علو الذات والفوقية وله علو الشأن في كماله وجماله، ففي رحمته علي ّ أعلى، وفي عفوه عليّ أعلى، وفي كل شيء.

فمثلا إذا تأملت تودد الله لك وشعرت بأنه سبحانه ودود وشعرت بقوله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً}[مريم: 96] ففرحت واستبشرت فكل ما خطر ببالك من هذا الله أعلى منه ! أرأيت جمال أسمائه وصفاته سبحانه !

وإذا تأملت عفوه، وتدبرت قوله { وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ}[الشورى:30] وتخيلت جبال من الحسنات يغفرها يوم القيامة، فكل ما خطر ببالك بشأنه الله أعلى منه ! فتأمل!!!

الدعاء باسمه تعالى الأعلى:

ورد دعاء الله بصفة العلو أما الدعاء باسمه سبحانه الأعلى فقد ورد بمعناه ومقتضاه .

كما في الحديث لابن عباس رضي الله عنهما _أنه قال "كان النبي_صلى الله عليه وسلم _يعلمنا دعاء ندعو به في القنوت من صلاة اللهمَّ اهدِنا فيمَن هدَيت ، وعافِنا فيمَن عافيت وتولَّنا فيمَن تولَّيت ، وباركْ لنا فيما أعطيت ، وقِنا شرَّ ما قضيت ، إنك تَقضي ولا يُقضى عليكَ ، إنه لا يَذِلُّ مَن والَيت ، ولا يَعزُّ مَن عاديت ، تباركت ربَّنا وتعالَيت"]صحيح,الألباني,إرواء الغليل,(429)[

هنا دعاء الثناء في ضمن دعاء المسألة (تباركت ربنا وتعاليت)

ومن الدعاء بالمقتضى سؤال الأعلى من الخير والفضل, بمعنى أنك تسأل ربنا سبحانه وتعالى الفردوس الأعلى، وتسأله الرفيق الأعلى. كما تقول عائشة رضي الله عنها في مرض موت النبي صلى الله عليه وسلم سَمِعْتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو مُسْتَنِدٌ إليَّ يقول: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي وارْحَمْني وألْحِقْني بالرَّفيقِ "]صحيح,البخاري,(5674)[وفى لفظ أنه صلى الله عليه وسلم: كان يشير هكذا فعرفت أنه يخير لأن النبي أخبرها أنه ما من نبي إلا وخُيِّر"

وفي الحديث عن أبى زهير الأنماري" أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، كان إذا أخذ مضجعَه من الليلِ قال: بسم اللهِ وضعتُ جنبي، اللهم اغفر لي ذنبي، وأخْسئْ شيطاني، وفكَّ رِهاني، واجعلني في النديِّ الأعلى" ]صحيح,الألباني,صحيح أبي داوود,(5054)[ وهي ألفاظ مهجورة رغم ثبوتها عند الألباني رحمه الله.

حظ المؤمن من اسم الله الأعلى

الأول: الخضوع والذل والانكسار للرب الأعلى. فإذا كان سبحانه أعلى من كل شيء فينبغي أن يكون كذلك عندك وفي قلبك. فتنكسر وتخضع وتذل له سبحانه.

ولذلك كان السجود من أقرب القربات التي يتقرب بها العبد لله سبحانه وتعالى لأن فيه اعتراف عملي من الموحد بأنه عبد، وفيه توحيد واقعي للإله الرب.

الثانى: أن يكون سلوك العبد فى الحياة مبني على الإخلاص وابتغاء وجه ربه الأعلى، قال تعالى: {وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى{19} إِلَّا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى{20}[الليل]

أي ليس لأحد عنده من نعمة تجزى إلا من يبتغي وجه ربه الأعلى، فلا يعطي أحد لمصلحة أو لغرض، لا يعطي من يحصل مدحًا أو يرائي الناس، لا يعطي إلا من قصد وجه ربه الأعلى.

زيل الآية باسمه تعالى (الأعلى) من دون غيره من أسمائه جل وعلا، لأن في بذل العبد لماله لله دليل على أنه يتخلص من الأثر الدنيوي ، فهو مجبول على الشح، قال تعالى{ وَكَانَ الإنسَانُ قَتُوراً}[الإسراء:100] فطرته تأمره بالبخل وهو يجاهدها ويتصدق ليتخلص من شحها، فلما علا على شهواته وعلا على نفسه قابله ربه الأعلى.

وهنا لفتة مهمة جدا في هذا التذييل للآية، فكأن المعنى الآخر فيه: أنه مهما علا العبد على نفسه وتنزه سيظل الله سبحانه من فوقه أعلى. مهما تزكى وكثرت خيراته ستظل النقائص به، وسيظل الدنو صفته فالله الأعلى والأكمل و الأجل سبحانه.

الله عز وجل يقول عن صفة هي من جبلة ابن آدم: { وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ }]التغابن,(16)[ وجاء (يوق) لتدل على أن الشح موجود وسيظل موجود فالغريزة لن تمحى منك لن تغير وإنما مقامها التوجيه والتهذيب.

فالإنسان الشحيح لن يصبح كريم وإنما سيتصف بصفة الكرم جزاءاً على تزكيته لنفسه واتقاءه لشحه. لكن الشُحّ موجود بداخله وسيظل وقد يعود إليه من حين لآخر إلا أن يزكي نفسه باستمرار, أما إن ركن لكرمه العارض وظن أنه تخلص من شُحّه فهو مخطئ ومخدوع، بل إن لم يتابع نفسه ويداوم على الترقي والتزكية فسيعود كما كان وكأنه لم يبذل شيئا.

فالتخلص من الآفات والعيوب يكون بالعلو عليها لا بقلعها منك لأن كثيرها من الفطرة والجبلة، وبالمداومة على هذا العلو وإلا إن توقفت لحظة ستجذبك الشهوة من جديد إليها.

وكذلك ظروفك وأحزانك وهمومك، ليس لها حل إلا أن تعلو عليها ولك في نبيك أسوة حسنة, إذ كانت تطلق بناته صلى الله عليه وسلم ويسعى في الدعوة وكأن شيئًا لم يكن، وماتت له زينب فيحزن ولكن لم يقعده حزنه, ومزق عمه تمزيقًا فحزن عليه حزنًا شديداً ولكن لم ييأس ولم يقعده حزنه, بل كان صلى الله عليه وسلم يعلو على كل أمور الدنيا : همومها وأحزانها.

{{{{

اسم الله المتعال

ورد هذا الاسم في الكتاب والسنة، ففي الكتاب في قوله تعالى: {عَالِمُ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الكَبيِرُ المُتَعَالْ} ]الرعد,(9)[

وفى السنة ثبت الحديث في مسند الإمام أحمد بسند صحيح من حديث عبد الله ابن عمر أنه قال: قرأ رسول اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ هذهِ الآيةَ وهو على المنبرِ { وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } قال : يقولُ اللهُ أنا الجبارُ أنا المتكبرُ أنا الملكُ أنا المتعالُ يمجِّدُ نفسَه قال فجعل رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ يُردِّدُها حتى رجف به المنبرُ حتى ظننا أنه سيَخِرُّ به"]إسناده صحيح,,أحمد شاكر,الإمام أحمد,(8/15)[

معنى الاسم في اللغة:

المتعال من تعالى، يتعالى فهو مُتَعالي، صيغة مُتَفاعل. وهو أبلغ من الفعل علا لأن زيادة المبنى دليل على زيادة المعنى.

التعالي هو الارتفاع، تقول العرب في النداء للرجل تعالَ بفتح اللام، والاثنين تعالا، والرجال تعالَوْا، وللمرأة تعالِي وللنساء تعالِين. ولا يبالون أين يكون المدعو في مكان أعلى من مكان الداعي أو مكان دونه.

المُتَعال سبحانه هو القاهر لخلقه بقدرته التامة. وأغلب المفسرين جعلوا هذا الاسم دالاً على علو القهر وهو أحد معاني العلوّ، أي أن المُتعال هو المُستعلي على كل شيء بقدرته.

بهذا التفسير يكون هناك تخصيص مع مبالغة، فالفرق بين العلىّ والمتعال أن العلي فيها معنى علو القهر لكن المتعال فيها علو القهر وزيادة، أي بلغ منزلة عظيمة جدا في قهره وكبريائه سبحانه وتعالى لعباده. قال ابن كثير رحمه الله: "المتعال على كل شيء قد أحاط بكل شيء علما وقهر كل شيء فخضعت له الرقاب ودان له العباد طوعا وكرها وهو الكبير المتعال فكل شيء تحت قهره وسلطانه وعظمته لا إله إلا هو ولا رب سواه لأنه العظيم الذي لا أعظم منه"

فالمتعال لا شيء فوق قهره وقوته، لا غالب له ولا منازع، بل كل شيء تحت قهره وسلطانه {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ}]الأنعام,(18)[فاجتماع علو القهر مع علو الفوقية يعني أنه الملك من فوق عرشه الذي علا بذاته فوق كل شيء والذي قهر كل شيء وخضع له كل شيء وذل لعظمته وكبريائه كل شيء.

دلالة الاسم فى حق الله تعالى:

قال تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ }]المؤمنون,(91)[ فالله سبحانه وتعالى باسمه المتعال دل على ذات الله المتصفة بعلو القهر بدلالة المطابقة.

وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في هذه الآية: "أن الإله الحق لابد أن يكون خالقًا فاعلاً له القدرة، يوصل إلى عباده النفع ويدفع عنهم الضر، فلو كان معه سبحانه وتعالى إله لكان له خلق وفعل، وحينئذ لا يرضى بشركه الإله الآخر بل إن قدر على قهره وتفرد بالألوهية دونه فعل، وإن لم يقدر انفرد بخلقه، وذهب به كما ينفرد ملوك الدنيا عن بعضهم بعضًا بممالكهم إذا لم يقدر المُنفرد على قهر الآخر والعلو عليه".

واسم الله تعالى المُتَعال يلزم منه أن الله حي قيّوم أحدٌ صمد عزيز ذو الكبرياء والهيمنة والجبروت.

الدعاء بهذا الاسم العظيم:

لم يرد دليل في الدعاء بهذا الاسم ويمكن الدعاء بالمعنى فقد دعا موسى,{وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ}]غافر,(27)[" اللهم

إنا نعوذ بك من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب

و من حديث ابن مسعود " أنَّ النَّبيَّ - صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ - كانَ إذا خافَ قومًا قالَ : اللَّهمَّ ! إنَّا نجعلُكَ في نحورِهِم ونَعوذُ بِكَ من شرورِهِم ." ]صحيح,الألباني,تخريج مشكاة المصابيح(2375)[

وعند ابن ماجه فى أذكار الصباح والمساء قول العبد "اللهم إني أسألُك العافيةَ في الدنيا والآخرةِ" ]صحيح,الألباني,صحيح أبي داوود,(5067)[وآخره وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي

فالمسلم يذكر هذا الاسم في دعائه بما يناسب حاجته، يدعو به لطلب العزة إن كان ذليلا.

فما أحوجنا لهذا الاسم في هذا الزمان، اللهم أنت المتعال فأعزنا وأعز أهل الإسلام

حظ المؤمن من اسمه المتعال:

1_أن يُظهر لله ذله وخضوعه فهو في جناب عز الله مسكين متواضع لعلمه أن المتعال لا يدفعه عن مراده دافع.

2_ أن يعلم أن المُفسدات خمس:

1_تعلق القلب بغير الله وهذا لا شك يحدث لمن يقع في مسألة العلو في الأرض.

2_ركوب بحر التمني وهذا أيضا حاله .

3_فُضول المُخالطة يفسد عليه قلبه.

4_فضول الطعام.

5_فُضول المنام.

خمسٌ إذا دخلت قلبك أفسدته لا محالة.

نسأل الله تعالى أن يأخذ بأيدينا إليه أخذ الكرام عليه.

======

اسم الله الحليـم

ورد هذا الاسم في القرآن الكريم إحدى عشرة مرة، من ذلك :

قوله تعالى: {وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [البقرة : 235]

وقول الله تعالى: {قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ} [البقرة : 263]

ومن ذلك قوله في سورة الأحزاب:{وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً } [الأحزاب : 51]

وقوله في سورة فاطر: {إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً} [فاطر : 41]

معنى الاسم في اللغة:

*الحليممنالحِلم،والحِلم _بالكسر _ معناهفياللغة : الأناةوالعقل. ويُجمععلىأحلاموحُلُوم.وأحلامالقوم: أي حُلماءهم. والحِلمُنقيضالسفه، أماالحُلمْوالحُلُمْ : فهوالرؤيا، والجمعأحلام، يُقال:حلميحْلُمإذارأىفيالمنام.

*الحِلمُ ..معناهالأناةوالعقل.قالالراغبالأصفهاني:"الحِلْمُضبطالنفسوالطبعِعنهيجانالغضب"

قالتعالى: {أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُم بِهَذَا} [الطور : 32] :أي ..عقولهم، فجاءتمنهناحَلُمَ : أي ضبطنفسهوسيطرعليها ..وهذاهوالمعنىاللغوي.

أماهذاالمعنىفيحقاللهسبحانهوتعالى .. فيقولالعلماء:

­الحليمُ ..أيالذيلايعجُلعلىعبادهعقوباتهمبذنوبهم .. حليماعمنأشركوكفربهمنخلقهفيتركتعذيبهأوتعجيلعذابهله ..

حليماًفهوذاصفحٍوأناةلايستفزهغضبولايستفزهجهلجاهلولاعصيانعاصٍ ..فلايستحقالصافحمعالعجزاسمالحِلمْ ..إنماالحليمالذييصفحمعالقدرةوالمُتأنيالذيلايعجلبالعقوبة ..

: وقدأنعمبعضالشعراءبيانهذاالمعنىفقالوا :

لاُيدركُالمجدأقوامٍوإنكَرَموا ...... حتىيذلواوإنعزُّوالأقـــــوام

ويُشتموافترىالألوانمُسفرة ..... لا صفحذلٍولكنصفحأحلام

­يقولالغزالي رحمه الله:"الحليمهوالذييُشاهدمعصيةالعصاةويرىمُخالفةُالأمرولايستفزُهغضبولايعتريهغيظولايحملهعلىالمُسارعةعلىالانتقاممعغايةالاقتدارولايحملهعجلةوطيش" ألاترىقولاللهتعالى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ }[النحل : 61]لكناللهسبحانهحليـم .. فلوكانغيرهذالعجَّلبعقوبتهعلىالعصاةوالمذنبين ..

واسمعإلىقولاللهتعالى: {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } [يونس : 11]

وقوله: {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلاً} [الكهف : 58]

وقوله: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً} [فاطر : 45]

كُلهذهالآياتتُشيرإلىهذاالمعنىوهوحلمُاللهتعالىعلىعباده .

­قِيل : "حلمالله .. تأخيرهالعقوبةعنالمُستحِقلها ..فيؤخرالعقوبةعنبعضالمستحقينثمقديُعذبهموقديتجاوزعنهم" .

­وقالبعضهم : حليـمسُبحانهلأنهيعفوعنكثيــــــر , فهويعفوعنكثيرمنسيئاتهمويُمهلهمبعدالمعصيةولايُعاجلهم بالعقوبةوالانتقامبليقبلتوبتهمبعدذلك ..

­يُقال : الحلمُقرينللحكمةفلايكونالحليمُإلاحكيماَلأنهيضعالأمورفيمواضعها , فيلزممنكونه أنهحليماَأنهحكيماعليماقادرا..لأنهإنلميكنقادراكانحلمهمُتلبِّسابالعجزوالوهنوالضعف .

وقالواكذلك : الحليـمعز وجلهوالصبور ..

فالحِلمُمعالقدرةعلىالفعلولايُشترطذلكفيالصبر .. فالحليملايتأثربالمرارةولايشعربوجودهاوقديشتركمعهفيذلكالصبرولكنلا يُشترطوجودهفيه .

فالحليمالصبورالمُتصفُبالحلميتمهلولايتعجَّلبليتجاوزعنالزلاتويعفوعنالسيئاتفهوسُبحانهوتعالىيُمهلُعبادهالطائعينليزدادوامنالطاعةوالثوابويُمهلالعاصينلعلهميرجعونللطاعةوالصوابولوعجَّللعبادهالجزاءما نجىأحدامنالعقابولكناللههوالحليمذوالصفحوالأناةاستخلفالإنسانفيأرضهواسترعاهفيمُلكهواستبقاهإلىيومِموعودوأجلٌمحدودفأجَّلبحِلمهعقابالكافرين وعجٍّلبفضلهثوابالمؤمنين .

وخُلاصةالمعانيفيتفسيرالحليـم , أنهالذيلايتعجٍّلُبالعقوبةوالانتقامولايحبسُعنعبادهبذنوبهمالفضلوالإنعام , بليرزقُالعاصيكمايرزُقالمطيعوإنكانبينهماتفـاضُلعلىمُقتضىالحكمة , لكنهسبحانهوتعالىذوالصفحمعالقدرةعلىالعقاب .

فلاشكأنهذااسمجميـل ..وسيحتاجمنَّاإلىنظروتأملوتمعنوتدبر ..ونُريدأننتخلَّقبهذاالخُلقالعظيـــم ..هذاالخُلقخُلقالحلم ..., فقدقالالرسولصلىاللهعليهوسلمللأشجعبدالقيس ..قال : <إنَّفيكَلَخَصْلَتينِيحبُّهُمااللَّهُالحِلمُ والأناةُ> (رواه مسلم)

فالحِلمُشرفهأنهسببلمحبةاللهسبحانهوتعالىوكفىبهامنمنقبةلهذاالخُلقُالعظيم , فهوصفةتُكسِبُالمرءمحبةاللهورضوانهوهودليلٌعلىكمالالعقلوسعةالصدروامتلاكالنفس .. فالذييتخلَّقبهذاالخُلقسيكونفيمنزلةعُليافيتهذيبهوتربيتهلنفسه ..

لذلكإذاأردتأنترىأحداأينوصلمعنفسهفيحدودالتربيةانظرإلىحلمه .. أيضبطالنفس .. فالأصلفيالإنسانأنيتشفَّىلنفسهوأنيُعاجلبالعقوبةأو يردعنهأويجدفي نفسهشيئا ..إنماالحليملايُباليبمثلذلك،فنفسهليستأسيرةبهولايهمهمثلهذهالجهالاتولايلتفتإليها ..فهولايلتفتإلىسفاسفالأموروهذا دليلعلىالوصولإلى منزلةعليامنالإيمانومنتهذيبهلنفسه ..

واللهسبحانهوتعالىيؤيد الحليموكذلكيُلقيقدْرهفيقلوبالعباد , لكنمنالبدايةينبغيفهمأمرامهماوهوأنالحِلمُلايُستخدممطلقا ..فقدنحتاجلأننخرجعنهأحيانالردعالسفيه ..

فالأصلفيالتعاملعند تربيةالنفسأنتحلُم .. لكنهناكبعضالمواقفتحتاجالردعوتحتاجالقوةفيالتعامل مع السفيه لاسيماإذااستشرى،فلوتُركهكذاستكونمفسدتهأعظموقديُساءفهمالحليمفيهذاالموقف .

, ومنالأمورالمتعلقةبالحلمأيضاأنهلا يكونإلامعالقدرةعلىإنزالالعقوبةوإلاسُميذلكخَوَروضعفوذُل .. فالحليممنيقدرعلىالردولكنهيتركالسفيهلجهله , وذلكشرطعلىالحليم .. أنيقدرعلىإنزالالعقوبة.

ومنفضلالحلمكذلكأنقليلمنالخلقمنيتصفُبه .. فالذييتصفبهذاالخُلقصار بمنزلهمميزةوصارفيالنادرالقليل , وقديكتسبهالإنسانبالتعودوبالرغبةفيماعنداللهبالثوابالجزيلفإذاتحلَّمالعبدوتكلفهشيئافشيئايعتاده<إنماالحلمُ بالتحلم>(صححه الألباني) وذلكإذاكاندائماأبداينظرإلىما عنداللهولايلتفتُإلىالناس ..فسيكونذلكدافعٌلهللتخلُّقبهذاالخُلُقالعظيـــــــم .

الحلمُيعملعلىتآلفالقلوبوينشُرالمحبةبينالناسويُزيلالبغضويمنعُالحسدويُميلالقلوبويستحقصاحبهالدرجاتالعلاوالجزاءالأوفر .

ولذلكفهوخُلقعظيمنحتاجلأننفقهعنهالكثيرمنالأمورحتىنستطيعأننتخلَّقبهذاالخُلق , فأولاًنعرفهفيحقربنافنزدادمحبةٌلهسُبحانه , فالمتأمل في أحوال الناس يقول: ..فالغنيغيرراضعنحاله، تجده يقول:"لوأنذاكالمالليسعنديبتلكالكيفية , يقصدإنحصلعليهمنوالده ! ..ويقول : كُنتأريدأنأتعبفيالحصولعليهليكونالإحساسبمتعةالحصولعلىالمالموجود ! " .. وأماالفقيرفيتسخطلعدموجوده !! ..

فسُبحاناللهالعظيم .. لايرضىعنهأحد !! .. لاالغنيراضٍولاالفقيرراضٍولاالصحيحراضٍولاالسقيموالمريضراضٍ ! .. الكُللا يرضىعنالله ..فماأحلمهعنامعأنهيستحقلهالغضبعلينا .. فهويُغدقعلىهذابالنعمليُحبهبهافيطغىبها ! ..وهذايبتليهليرجعإليه فيتسخطويغضب .. فماأحلماللهسبحانهوتعالى !!

كيفيةالتخلقبهذاالخُلُق؟

قالواالأسبابالدافعةللحلمكثيرة , خصٍّهاالماورديفيأدبالدُنياوالدينبعشرةِأمور, فقال

:الحلمُمنأشرفالأخلاقوأحقهابذويالألبابلمافيهمنسلامةالعرضوراحةالجسدواجتلابالحمد.والأسبابالباعثةعليهعشرة :

1- الرحمةللجُهَّال:

فينظُرإليهمبعينالرحمةلعدمعلمهوعدمفهمهفيرحمهويتجاوزعنه ويحلُمعليه .. وذلكمنخيرٍيُوافقُرقه , وقدقيلفيمنثورالحكممن: " أوكد أسبابالحلمرحمةالجُهَّال"

2- القدرةعلىالانتصار:

وذلكمنسعةالصدروحُسنالثقة , فيبعثُهعلىحلمهمعرفتهالتامةبأنهيستطيعأنينتصر ..ولكن يتسعصدرهبحُسنثقتهفيربهوما عندهمنجزيلالثواب .. وأناللهسينتصرُللمظلومولوبعدحين , وأناللهسيكُفعنهذلكويدفععنه , وذلكشيءيعرفهالمؤمنمننفسهوحالهمعربه ... فيتركهويقوللوأراداللهأنيُردُعنىذلكالظلمسيكون ..فذاكقدرهولارادله ! .. فيمنعهذلكمنأنيتشفَّىلنفسهويقول : يا ربكُفعنيأذىالمؤذينفيالقدرةعلىالانتصار .

3- أنهمنالأصلمُهذَّبٌمؤدبفيترفَّععنالسباب

.. فيستشعرمننفسهومنلسانهالعفةعلىأنينطقبمثلالسبابالموجهإليه !! ويكون كماكانالرسولصلىاللهعليهوسلم<لم يكنفاحشًاولامُتَفَحِّشًاولاصَخَّابًا في الأسواقِ،ولايَجْزِي بالسيئةِ السيئةَ، ولكن يَعْفُو ويَصْفَحُ> (رواه الترمذي), فيترُكهويترفَّععنسبابه ..قالوا : وذلكمنشرفالنفسوعُلوالهمة , ومنالجميلههناأنهمقالوااللهسُبحانهوتعالىسمَّىيحيى _ عليهوعلىنبيناالصلاةوالسلام _ بسيداّوذلكلحِلمه .. لأنهكانحليمافصارسيدا .

4- الاستهانةبالمُسيء:

وذلكفيهنظرلأنهقديؤديإلىنوعمنالكِبر ! .. لكن الضابط هناالعِزَّة , فإنكانعزيزافإنهيحلُمعلىالجُهَّال .. فمثلذلك _ ذُكرسابقافياسماللهالعزيز _ عندماأتىسُفيانأحدُهمفقالله : إنكمُتكبر , فقال : لا , إنماعزيـز ! ... أيلاأحبأنيجلبلنفسهالاستصغاربأنيُنزلهالمستوىمنيجهلُعليهبالقولأوالفعل ... وذلكعزةنفسوليسكبرا .. فالكبربطرُالحقوغمطالناسأماعندمايعزُّبنفسهعلىأمرربهفهوكِبر !! ..

إنماالاستهانةبالمُسيءقريبةمنمعنىالقدرةعلىالانتصار ..

فأحذرمنأنتكونالعزةلديكبأنلا تخضعلأمراللهأوتستمعالنصيحةمنأحدأوأنتذلللهأوتذلللمؤمنين .. بلفقطتكونعزيزاعلىالكافرينوالمجرمين , فهنالاتلينلهم .. أماإذاكُنتهينالينامعالناسمُتقبلالأمرربكفقدنفيتعننفسكالكبر .. ثمكُنتصعبفيالتعاملمعأعداءاللهحتىلايُستباحعرضك ..فهذهعزة .

يقولون : رُويأنمُصعبابنالزبيرلماوُليالعراق , جلسيومالعطاءالجُندوأمرمناديه , ونادى : أينعمرابنجرموز , وهوالذيقتلأباهالزبيرابنالعوامرضياللهعنه , فقيلله : قدتباعدفيالأرض , فقال: أويظنالجاهلأنيأقيدهبأبيعبدا لله ! , فليظهرآمناليأخذعطاءهموفرا .... فقالوااستهانةبصنيعة .. فتركالعقابلله !

5- الاستحياءمنجزاءالجواب:

والباعثُعليه صيانةالنفسوكمالالمروءة , ولذلكقيل : ماأفحشحليمولاأوحشكريم .

أي : لايُعقلأنيقعالحليمفيمثلهذاالفُحشفيالكلام .. فيجبأنيصونلسانهويترفعأنيرُدعنه , وكذلكيستحيمنجزاءالجوابوهوأنيزيدالفاحش , فيكُفعننفسهبسكوتههذاالأذى !

6- الكرموالتفضُّلوحُبالتآلف:

فقدحُكيعنالأحنفابنقيسأنهقال : ما عادانيأحدٌقطإلاأخذتفيأمريبإحدىثلاثخصال : إنكانأعلىمني عرفتُلهقدره،وإنكاندونيرفعتقدْريعنه،وإنكاننظيريتفضَّلتُعليه .

أي: لوأعلىمنيأوقرهامتثالالأمرالرسولصلىاللهعليهوسلمبأنهليسمنامنلميوقركبيرنا , وإنكانأدنىمنىيمثلبقولهليسمنامنلميرحمصغيرنا , وإنكانمثلىفأتميزعليهبالكرموأتفضلعليهفأكونذوالشأن .

7- الحزم:

, فيقولونإنالحليميستنكِفُالسبابوفينفسالوقتيُريدأنيقطعأسبابمثُلذلكفيبعثُهالحزمعلىالتحلُّم.

قالالشعبي : ماأدركتُأميفأبرهاولكنلاأسبُأحدافيسُبها ...فقالوا : فيإعراضكصونُأعراضك !

وقالالشاعر : وفيالحِلمُردعٌللسفيهعنالأذى ......وفيالخُرقإغراءٌفلاتكُأخرقا !

فلوسفَهتستُستباحوليسكمايُزيِّنلكالشيطانأنكلوصمتفذلكسيجعلهميتكالبوا عليكوتزدادفيالأذى , بالعكسفلوكانينبح فلاعليكبه .. دعالقافلةُتسيروالكلابتنبح !!!

8- الخوفمنالعقوبةعلىالجواب:

بمعنى .. الخوفمنالعقوبةمناللهسبحانهوتعالىإذاوقعفيالسفهفقدقالوا : الحلمُحجابالآفات .

9- الوفاءُوحسنالعهد:

إذاكانمنوقعفيحقكتعرفلهمكرُمةعليكفترعىلههذهاليدالسالفةوتكونلهعليكحُرمةلازمة .. أيتفتكرلهالخيروتتغاضىلهعنخطأهفيلحظةالغضب .

10- بعضالناسيحلمونويكونالباعثُعليهالمكروالدهاء _ وذلكمذموم وليسمنمكارمالأخلاق _ فقالبعضُالعقلاء : غضبالجاهلفيقولهوغضبالعاقلفيفعله .

قالإيـــــــــاس : تُعاقبُأيديناويحلُمرأينا .. ونشتُمُبالأفعاللابالتكلم

ومثلُذلك : أنتتركأحدهميشتمكويُسيءلكأمامالناس ..فتحلُمعليهحتىيُثنيعلىصنيعكالناسوتظهرأنتالمظلومأمامهم ! .. فيكونالباعثُعلىذلكالدهاءوليسطلبِرضاالله .

الفرقُبينالحِلمُوكظمالغيظ؟

يقولالغزاليفيالإحياءوالجاحظفيتهذيبالأخلاق: "الحلمأفضلمنكظمالغيظ , لأنكظمُالغيظعبارةعنالتحلُّمولايحتاجفيالحلمإلىمثلذلك.." ففيكظمالغيظتكلُّفأمافيالحلمهو سجيَّة , فلايحتاجإلىكظمالغيظإلامنهاجغيظهويحتاجفيهإلىمجاهدةشديدةعندمايلحقبهالأذى , لكنإذاأعتادذلكصارذلكإعتيادافلايُهيِّجهالغيظ

.وهذاالأمريحتاجُلأنيدرس المرءشخصيةعمررضياللهعنه منبدايةإسلامهإلىأنصارأميراللمؤمنين .. ويدُلعلىذلكمواقفمنها :

موقفلهقبلالإسلام عندماضربأختهفاطمةعداءاًلله ..ثم فيصُلحالحديبية بعد إسلامهعندمادخلعلىالرسولوهوغاضبوهويقول" : لمانعطىالدنيِّةفيديننا , ألسناعلىالحقوهمعلىالباطل؟" وكانتتلكغضبهلله.

وبذلكنرىأثرالدينالعظيمعلىشخصيةعمرابنالخطابرضياللهعنهكيفانتقلغضبهلنفسهإلىالغضبللهوحدهوذلكبمُدارسةالقرآنومُجالستهللرسولالكريمصلىاللهعليهوسلم ... فسبحاناللهجلفيعلاه

ومنهنايجب أن تنتبه إلى درس مهم وهو: يجب أن يضيف لكالدين خُلقجديد، ومن ليس كذلك ففي التزامه مشكلة, لأنالإيمانيزيدوينقصفإنلميكنيزيدفإنهينقص .. فتبحثدائماعنأثرالإيمانعليك .. لأناللهشكور , فإذالمتجدللعبادةبعدهاسعادةوانشراحفأعلمأنهذاالعملمدخول.

الحلمُفيالسنة:

وردذكرذلكالخُلقالعظيمعلىلساننبينامحمدصلىاللهعليهوسلمفيأحاديثكُثُرومنها :

أنالنبيصلىاللهعليهوسلمقال: <التَّأَنِّيمِنَاللهِ،والعَجَلَةُمِنَالشيطانِ، وما أحدٌ أكثرُ مَعَاذِيرَمِنَاللهِ، وما [ من ] شيءٍ أحبَّ إلىاللهِمِنَالحَمْدِ> (حسنه الألباني) وهنانرىحلمالله .. إنهمليدعونلهالولد _ سُبحانه _ ويعذرهمويدعوهمإلىالتوبة !

انظرإلىحلمهوهويقول:{إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} [البروج : 10]فقدآذواأولياءهويظهرهذاإنوضعتنفسكفينفسالموقف , إنآذىأحدهمأقاربكأوعائلتكوأصبحتالمسألةثأر ! لوعاقبتهمفلكالحقولالومعليكحتىلوعاقبتهمبمثلماعاقبوكبه ! ... أمااللهفيُؤذونأولياءهويدعوهمللتوبة , فإذالميتوبوايستحقونحينذاكالعقابالشديدمنهسبحانه ... فماأحلمسبحانهفماأحدأكثرمعاذيرامنالله.

والنبيصلىاللهعليهوسلمضربلناأعظمالمثلفيسيرتهفيهذاالخلق, ففيالحديث: <أنَّ رجلًا أَتَى النبيَّ صلَّى اللهُعليهِ وسلَّمَ يتقاضاهُ فأَغْلَظَ ، فهَمَّ بهِ أصحابُهُ ، فقال رسولُاللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : ( دَعُوهُ،فإنَّلصاحِبِالحقِّمقالًا ) . ثمقال : ( أعطوهُسِنًّامثلَسِنِّهِ ) . قالواْ : يا رسولَ اللهِ لا نجدُ إلا أمثلَ منسِنِّهِ، فقال : ( أعطوهُ ،فإنَّمن خيرِكُمْ أحسنُكُمْ قضاءً .>(رواه البخاري)

شرحالحديث : فقدجاءذلكالرجلللرسولصلىاللهعليهوسلميختصمإليهوينالمنعدلهفأغلظلهقائلاماأعطيتنيحقي ! , فإذابالنبيصلىاللهعليهوسلملماهمَّالصحابةأنيُنكلوابهذاالرجلفقال : دعوه , فإنلصاحبالحقمقالهوخيركمأحسنكمقضاءًصلىاللهعلىسيدنامحمدصلىاللهعليهوسلم .

وعنابنمسعودرضياللهعنهيقول : <كأني أنظرإلىالنبيصلىاللهعليهوسلميحكينبياًمنالأنبياءضربهقومهفأدمَوهُ وهويمسحالدمعنوجههويقولربياغفرلقوميفإنهملايعلمون> (رواه البخاري) .

وكأنهذاحدثبعدأُحد .. فكأنهيحكيهذاعننبيمنالأنبياءضربهقومهفأدموهفقالرباغفرلقوميفإنهملا يعلمون .

وعنأنسأنهقال : <كُنتأمشيمعرسولاللهصلىاللهعليهوسلموعليهبُردٌنجرانيغليظالحاشيه , فأدركهأعرابيفجبذهبرداءهجبذهشديدةحتىنظرتإلىصفحةعاتقرسولاللهصلىاللهعليهوسلمقدأثرتبهاحاشيةالبُردفقال : يامحمدمُرليمنمالاللهالذيعندك , فالتفتلهرسولاللهصلىاللهعليهوسلمثمضحكثمأمرلهبعطاءه .> (رواه مسلم)

وهذامنشدةحلمهصلىاللهعليهوسلم .. فتخيلنفسكمكانهوأنتتمشيثمشدكأحدهممنقميصكوقاللكدونماأيمقدمهأنت ! .. فكيفستتصرفمعه ! ... أماالنبيصلىاللهعليهوسلمفإذابهيضحكللأعرابي ..فلميسكُنحتى .. إنمانظرإليهثمضحكثمأمرلهبأنيعطوهعطاءه .

وكذلكحديثعائشةرضياللهعنها:<أنهاستأذنرهطمناليهودفقالوا : السـامعليكفقلتُ : بلعليكمالسامواللعنة , فقاللهاالرسولصلىاللهعليهوسلم : يا عائشةإناللهرفيقيُحبالرفقفيالأمركُله . فقلت : أولمتسمعما قالوا؟! فقال : قُلتوعليكم> ! (رواه البخاري) صلىاللهعلىسيدنامحمدصلىاللهعليهوسلم .

ومنهاما حدثفيأحدأيضاحينماقالتعائشةرضياللهعنهاللرسولصلىاللهعليهوسلم : <هلأتىعليكيومأشدمنيومأحد؟فقـــــال : لقدلقيتُمنقومكمالقيتوكانأشدُمالقيتُمنهميومالعقبةإذعرضتُنفسيعلىابنعبدياليلابنعبدكلالفلميُجبنيإلىماأردتُفانطلقتوأنامهمومعلىوجهيفلمأستفقإلاوأنابقرنالثعالب , فرفعترأسيفإذاأنابسحابةقدأظلتنيفنظرتفيهافإذافيهاجبريلعليهالسلام فنادانيوقال : إناللهقدسمعقولقومكلكوما ردواعليكوقدبعثاللهلكملكالجباللتأمرهما شئتفيهم , فنادانيملكالجبالفسلمعليثمقال :يامحمدفقالذلكفيماشئت , إنشئتأنأطبقعليهمالأخشبين؟ , فقالالنبيصلىاللهعليهوسلم : بلأرجوأنيُخرجاللهمنأصلابهممنيعبُداللهوحدهولايُشركبهشيئا > (رواه البخاري) .

التعليقعلىالحديث . يُقال : أنهصلىاللهعليهوسلمعرضنفسهعلىالقبائل , منيأويني؟منينصرني؟!!!, وفيأحدالأحداثوهويعرضنفسهصلىاللهعليهوسلمفأتاهسيدُالقبيلةالتييكلمها , وبعدأنركبالنبيصلىاللهعليهوسلمعلىناقته, فجذبهفوقعصلىاللهعليهوسلمعلىالأرضوكانقدبلغ أكثرمنخمسينعاما !! ويقالأنالارتفاعمنالناقةإلىالأرضحواليخمسةأمتار .. فأنظرإلىما لقيالنبيالشريفالكريمعظيمالخُلقصلىاللهعليهوسلم .. وأنظرإلىردهعندماقاللهملكالجبالمُرنيما شئت .. ولكنذلكهونبيناالحليممحمدصلىاللهعليهوسلم .

إذاالحلمخُلقعظيـموالنبيصلىاللهعليهوسلميقول:<ليسالشديدبالصرعةوإنماالشديدُالذييملكنفسهعندالغضب> (رواه البخاري)

وأوصانابأنلا نغضبثلاثا , وقال: < طوبىلمنملكلسانهووسعهبيتهوبكىعلىخطيئته> (حسنه الألباني)

وقالأيضاصلىاللهعليهوسلم: <السمتُالحسنوالتُؤدةوالاقتصادجزءمنأربعةوعشرينجزءامنالنبوة> (رواه الترمذي)

وكأنهيقولللدعاةوكلمنيسيرفيدربها .. أنهذهشروطلازمةلأيداعيةلأنهاجزءمنأربعةوعشرينجزءامنالنبوةوالمفترضأنالعلماءوالدعاةإلىاللههمورثةالأنبياءفينبغيأنيكونذلكالأساسعندهم :

أولاً :هوالسمْتالحسن ..بمعنىالسمْتالظاهري،بأنيكونمظهرهحسنوذلكليسلشخصهولاتلكقضيتهبللأنهيحملرايةالإسلام .وسمتهأيضاالسلوكيوالخُلُقي .. فلاينبغيلطالبعلمأو داعيةأومنبلغمنزلةعظيمةفيالعلمأنلا يتوافقسمْتهالخُلقيوالظاهريمثلأنيلبسالملابسالمُشجرةوغيرها !.. أماالأخلاقفهوأولشيءيُعلَّمللدعاة .

ثانياً : التٌؤدة ..فلايصلُحالعجلة .. فتجدمنيدخلفيسلكالدعوةمنالشبابتجدهمتهور .. وهذالا يصح ! الأمريحتاجللصبروالأخذمنخبرةالسابقينليعرفكيفيسيرفيهذاالأمرفلاتُصبحلديهالقضيةقضيةحماسسرعانماينجلي .. فلابُدمنالتُؤدةوالحكمة .

ثالثاً : الاقتصادمابينالأمرين .. فلايغلوولاعندهتفريط .. فلايتعبدالناسبالرُخصولابالعزائمطيلةالأمر .. فلابدأنيعرفمنيقوللههذاومنيقوللهالأمرالآخر ..فلابُدأنيقتصد ..

فلمَّايخرجأحدهمويكونلديهشيءمنالغلو , يتسببفيخروججيلفيهشيءمنالشدة .. ويظُنفينفسهأنهأكثرالناسالتزاما ..والأمرليسكذلك.فالأمرليسبالغلووليسبأنيأخذالناسبشديدوغليظالأقوال .. وحتىفيخاصةنفسكفقديؤديذلكلنتائجعكسية , فالقلبإناء يوجدفيهجزءمُضيءوآخرمُظلم .. والجزءالمضيءهوالجزءالذييدفعكوهوالذييمدكبقوةفيالنفس , فإذاأخذتتلكالطاقةوأخرجتهامرةواحدةكمايفعلالذينيغلونفيالدين .. فإذاأردتفعلالمزيدمنالطاعاتستجدأنالطاقةالإيمانيةقداستُنفذت .. فيجبعلىالإنسانالملتزمالمتزنأنيُخرجطاقتهشيئافشيامثلمايفعلالرياضيينمنتمارينالإحماءقبلالقيامبأيرياضة .. فيتدرجفيالطاعاتشيئافشيئاإلىأنيعلوالإيمانفيقلبهشيئافشيئافيُحققبذلكالاقتصاد

بعضتطبيقاتالسلففيالحلم :

قالوا : أنمفتاحالحلمالعلم ,قالعمررضياللهعنه : تعلمواالعلموتعلمواللعلمالسكينةوالحلم .

كانمعاويةرضياللهعنهيقول : لا يبلُغُالعبدمبلغالرأيحتىيبلُغُحلمُهجهله , وصبرهشهوتهولا يبلُغذلكإلابقوةالعلم .

وقالابنعباسرضياللهعنهلرجلسبَّه : يا عكرمةهلللرجلحاجهفنقضيها , فنكَّسالرجلرأسهواستحىمنحلمابنعباسبه .

ومنالمواقفالتينختمبها , أنعليابنالحُسينسبَّهرجل , فأتاهعليٌبخميصةكانتعليهوأمرلهبألفدرهم , فقالبعضهم : جمعفيذلكالموقفخمسًخصالمحموده ,

أولا : الحلم

ثانيا : إسقاطالأذى .

ثالثا : تخليصالرجلممايُبعدهعنالله .

رابعا : حملهعلىالندموالتوبة .

خامسا : رجوعهإلىمدحبعدالذم , فاشترىبجميعذلكبشيءيسيرمنالدنيا .

فينبغيعليناأننلاحظمثلهذهالأمورجيدا ... فصفةعبادالرحمنأنهمرُحمـاء , إذاخاطبهمالجاهلونقالواسلاما .

وتذكردائماأناللهسُبحانهوتعالىيُعاملالحليمبالحلم , فكلماازددتحلماازدادحلماللهبك , وكلنايحتاجلمثلذلكفكلناأصحابذنوبومعاصيونخشىمنعاجلالعقوبةوذلكحلاًفيكبيرةالعقوقوالبغيفيُقاللهعليكأنتتعودالحلملأنالحديثيقول , قالصلىاللهعليهوسلم : (( مامنذنبأعجلعقوبةمنالبغيوالعقوق )) .. فحلهاحتىيدفعالعقوبةعنهأنيحلُمعلىبعضالناسليُعاملهاللهبذلكحتىلايُعجِّلاللهلهالعقوبة .

========

اســم الله الجـــواد

هذا الاسم لم يرد ذكره في القرآن الكريم إنما جاء ذلك في السنة المطهرة ففي الحديث <إن الله جواد يحب الجود ويحب معالي الأمور ويكره سفسافها > (صححه الألباني)

وورد في حديث الترمذي الذي رواه أبو ذر رضي الله تعالى عنه أن النبي صلَّ الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين لما أخبر عن رب العزة قوله: <يا عبادي ! إنيحرمتالظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما . فلا تظالموا > (صحيح مسلم)

هذه الزيادة حسنها الترمذي لكن ضعفها الشيخ الألباني من باب الأمانة العلمية لكن الحديث الذي يستدل به على ثبوت هذا الاسم هو حديث بن عباس الذي ذكرناه.

فالله سبحانه وتعالى جواد يحب الجود..

فما معنى الجود ؟وما الفرق بينه وبين الكرم؟

أهل اللغة يقولون إن الجود هو التسمح بالشيء وكثرة العطاء، يقال: رجل جواد أي سخي، وجاد عليك بالمال أي تكرم.

ويقال يجود بنفسه أي يخرجها ويدفعها كما يدفع الإنسان ماله، وهذا في شأن الذي يبذل نفسه لله تبارك وتعالى،

وقال أهل العلم الجود اصطلاحا: إفادة ما ينبغي لا لعوض ولا لغرض. فلو أعطيت أحدهم شيئا لن ينتفع به فهذا ليس بجود؛ كمن يطلب منك طعاما فتعطيه كتابا فهذا ليس جودا لذلك قالوا: إفادة ما ينبغي.

إذًا الجود يكون من غير سؤال الشيء، أما لو سألك أحدهم شيئا فأعطيته فهذا يسمى كرم. وهذا هو الفرق بين الكرم والجود.

والله عز وجل هو الكريم الأكرم.. يعطى السائلين أفضل و أكثر مما يطلبون أو يأملون، وهو الجواد سبحانه يعطيهم من غير سؤال ولا يريد في ذلك عوض منهم. لا تنفعه طاعتنا ولا تضره معاصينا سبحانه وتعالى ولا لغرض وليس ثمة مصلحة ولا منفعة لله تبارك وتعالى في ذلك .

والجود يكون من غير سؤال ولا استحقاق:

أي من تجود عليه أصلا لا يستحق عطيتك ولا جودك ولا كرمك. وهذا شأن الله الجواد الذي يعطى بلا استحقاق، يعطينا من غير ما نستحق ويعطينا من غير أن نسأل سبحانه وتعالى، وإذا ما نظرنا في الحديث الذي في صحيح مسلممن حديث أبى ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّ الله عليه وسلم فيما يرويه عن الله تبارك وتعالى إنه قال: " يا عبادي ! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما . فلا تظالموا . يا عبادي ! كلكم ضال إلا من هديته . فاستهدوني ــ أطلبوا منى الهدايه ــ أهدكم . يا عبادي ! كلكم جائع إلا من أطعمته . فاستطعموني أطعمكم . يا عبادي ! كلكم عار إلا من كسوته . فاستكسوني أكسكم . يا عبادي ! إنكم تخطئون بالليل والنهار ، وأنا أغفر الذنوب جميعا . فاستغفروني أغفر لكم . يا عبادي ! إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني . ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني . يا عبادي ! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم . كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم . ما زاد ذلك في ملكي شيئا . يا عبادي ! لو أن أولكم وآخركم . وإنسكم وجنكم . كانوا على أفجر قلب رجل واحد . ما نقص ذلك من ملكي شيئا . يا عبادي ! لو أن أولكم وآخركم . وإنسكم وجنكم . قاموا في صعيد واحد فسألوني . فأعطيت كل إنسان مسألته . ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر . يا عبادي ! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم . ثم أوفيكم إياها . فمن وجد خيرا فليحمد الله . ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه " . وفي رواية : " إني حرمت على نفسي الظلم وعلى عبادي . فلا تظالموا " .

فالله سبحانه وتعالى هو الجواد، يقول ابن القيم رحمه الله:

وهو الجواد فجوده عم الوجود جميعه بالفضل و الإحسان

وهو الجواد فلا يخيب سأله ولو أنه من أمة الكفران.

وتحدث ابن القيم رحمه الله عن آثار جود الله تبارك وتعالى فقال:

"إن الرب هو القادر الخالق، البارئ، المصور، الحي، القيوم، العليم، السميع، البصير، المحسن، الجواد، المعطى، المقدم، الذي يهدى من يشاء، ويضل من يشاء، ويسعد من يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء إلى غير هذا من معاني ربوبيته التي له منها ما يستحقه سبحانه وتعالى"

فانظروا إلى جود الله تبارك وتعالى، فالله جواد يحب الإحسان ويحب العطاء ويحب أن يتفضل على عبده، فالفضل كله بيده، والخير كله منه، والجود كله له، وأحب ما إليه أن يجود على عباده ويوسع عليهم فضله، ويغمرهم بالإحسان وبالجود سبحانه وتعالى، ويتم عليهم النعمة، ويضاعف لديهم المنة، ويتعرف إليهم بأوصافه وأسمائه، ويتحبب إليهم بنعمه وآلائه، فهو الجواد لذاته، وجود كل جواد خلقه الله أبدا، فليس الجود على الإطلاق إلا له، وجود كل جواد فمن جوده، ومحبته للجود والإعطاء والإحسان والبر والأنعام والأفضال فوق ما يخطر ببالك.

فالله عز وجل يحب أن يعطيك ولو لم تستحق لا لعوض ولا لغرض و يعطيك من غير أن تسأل. فهو سبحانه وتعالى الجواد لذاته فإذا تعرض عبده ومحبوبه الذي خلقه لنفسه وعد له أنواع كراماته وفضّله على غيره وجعله محل معرفته وأنزل إليه كتبه وأنزل عليه رسله واعتنى بأمره ولم يكمله ولم يتركه سُدى إذا تعرض لغضبه وأرتكب مساخطه وما يكره وأبق منه ووالى عدوه وظاهره عليه وتحيز إليه وقطع طريق نعمه وإحسانه إليه وفتح طريق العقوبة والغضب والانتقام فقد استدعى من الجواد الكريم خلاف ما هو موصوف به من الجود والإحسان والبر وتعرض لإغضابه وإسخاطه وانتقامه، وأن يصير غضبه وسخطه في موضع رضاه، و انتقامه وعقوبته في موضع كرمه وبره وعطائه، فاستدعى بمعصيته من أفعاله ما سواه أحب إليه، وخلاف ما هو من لوازم ذاته من الجود والإحسان.

فتدبر وافهم أنك تمنع نفسك جود الجواد سبحانه وتعالى إذا تعرضت إلى شيء مما يسخطه عليك، الجواد الذي عم جوده جميع الكائنات وملأها من فضله وكرمه ونعمه وخص بجوده السائلين بلسان المقال وبلسان الحال من بر وفاجر ومسلم وكافر.

حظ المؤمن من اسم الله الجواد

نحن قلنا في اسم الله الكريم و اسم الله الأكرم واسم الله المنان أنه ينبغي على العبد أن يتحلى بشيء من ذلك. أن يكون جوادا كريما فيعطي من غير سؤال، وأيضا يعطي من يستحق ومن لا يستحق.

ولنا في النبي صلَّّ الله عليه وسلم وأصحابه أسوة:

يقول أنس رضي الله عنه والحديثفي الصحيحين واللفظ لمسلم: <كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس ، وأجود الناس>

وفى الصحيحين واللفظ للبخاري لحديث ابن عباس رضي الله: <كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس ، وأجود الناس ، وأشجع الناس ، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة ، فانطلق الناس قبل الصوت ، فاستقبلهم النبي صلى الله عليه وسلم قد سبق الناس إلى الصوت ، وهو يقول : ( لم تراعوا لم تراعوا ) . وهو على فرس لأبي طلحة عري ما عليه سرج ، في عنقه سيف ، فقال : ( لقد وجدته بحرا . أو : إنه لبحر > . 

وفى الصحيحين واللفظ لمسلم من حديث جابر رضي الله عنه قال : <ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط فقال : لا> .

وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه: <أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم غنما بين جبلين . فأعطاه إياه . فأتى قومه فقال : أي قوم ! أسلموا . فوالله ! أن محمدا ليعطي عطاء ما يخاف الفقر . فقال أنس : إن كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا . فما يسلم حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها >.

وأيضا في صحيح البخاري عن جبير بن مطعم رضي الله عنه: < أنه بينما يسير هو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه الناس ، مقفله من حنين ، فعلقه الناس يسألونه ، حتى اضطروه إلى سمرة فخطفت رداءه ، فوقف النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( أعطوني ردائي ، لو كان لي عدد هذه العضاه نعما لقسمته بينكم ، ثم لا تجدوني بخيلا ، ولا كذوبا ، ولا جبانا ) .

وفى الصحيحن واللفظ لمسلم من حديث أبى هريرة رضي الله عنه قال: < جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني مجهود- يعنى أنا جائع وألم بى شيئا من سوء العيش-فأرسل إلى بعض نسائه . فقالت : والذي بعثك بالحق ! ما عندي إلا ماء . ثم أرسل إلى أخرى . فقالت مثل ذلك . حتى قلن كلهن مثل ذلك : لا . والذي بعثك بالحق ! ما عندي إلا ماء . فقال ( من يضيف هذا ، الليلة ، رحمه الله ) فقام رجل من الأنصار فقال : أنا . يا رسول الله ! فانطلق به إلى رحله . فقال لامرأته : هل عندك شيء ؟ قالت : لا . إلا قوت صبياني . قال : فعلليهم بشيء . فإذا دخل ضيفنا فأطفئي السراج وأريه أنا نأكل . فإذا أهوى ليأكل فقومي إلى السراج حتى تطفئيه . قال : فقعدوا وأكل الضيف . فلما أصبح غدا على النبي صلى الله عليه وسلم . فقال ( قد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة ) .

وفى صحيح مسلم من حديث المقداد رضي الله تعالى عنه قال: < أقبلت أنا وصاحبان لي . وقد ذهبت أسماعنا وأبصارنا من الجهد . فجعلنا نعرض أنفسنا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . فليس أحد منهم يقبلنا . –كانوا يلقون السلام عليهم لعل أحدهم يضيفهم فلم يفعل أحد- فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم فانطلق بنا إلى أهله . –لم يفته أمرهم صلى الله عليه وسلم - فإذا ثلاثة أعنز . فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( احتلبوا هذا اللبن بيننا ) . قال : فكنا نحتلب فيشرب كل إنسان منا نصيبه . ونرفع للنبي صلى الله عليه وسلم نصيبه . قال : فيجيء من الليل فيسلم تسليما لا يوقظ نائما . ويسمع اليقظان . قال ثم يأتي المسجد فيصلي . ثم يأتي شرابه فيشرب . فأتاني الشيطان ذات ليلة ، وقد شربت نصيبي . فقال : محمد يأتي الأنصار فيتحفونه ، ويصيب عندهم . ما به حاجة إلى هذه الجرعة . فأتيتها فشربتها . فلما أن وغلت في بطني ، وعلمت أنه ليس إليها سبيل . قال ندمني الشيطان . فقال : ويحك ! ما صنعت ؟ أشربت شراب محمد ؟ فيجيء فلا يجده فيدعو عليك فتهلك . فتذهب دنياك وآخرتك . وعلي شملة – غطاء -. إذا وضعتها على قدمي خرج رأسي ، وإذا وضعتها على رأسي خرج قدماي . وجعل لا يجيئني النوم . وأما صاحباي فناما ولم يصنعا ما صنعت . قال فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فسلم كما كان يسلم . ثم أتى المسجد فصلى . ثم أتى شرابه فكشف عنه فلم يجد فيه شيئا . فرفع رأسه إلى السماء . فقلت : الآن يدعو علي فأهلك . فقال ( اللهم ! أطعم من أطعمني . وأسق من أسقاني ) قال فعمدت إلى الشملة فشددتها علي . وأخذت الشفرة –السكين- فانطلقت إلى الأعنز أيها أسمن فأذبحها لرسول الله صلى الله عليه وسلم . فإذا هي حافلة . وإذا هن حفل كلهن . فعمدت إلى إناء لآل محمد صلى الله عليه وسلم ما كانوا يطعمون أن يحتلبوا فيه - لم يكونوا يستعملونه فأخذت إناء منهم -. قال فحلبت فيه حتى علته رغوة . فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ( أشربتم شرابكم الليلة ؟ ) قال قلت : يا رسول الله ! اشرب . فشرب ثم ناولني . فقلت : يا رسول الله ! اشرب . فشرب ثم ناولني . فلما عرفت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد روى ، وأصبت دعوته ، ضحكت حتى ألقيت إلى الأرض . قال فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( إحدى سوآتك يا مقداد ) – يبدو أنك صنعت أمرك - فقلت : يا رسول الله ! كان من أمري كذا وكذا . وفعلت كذا . فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( ما هذه إلا رحمة من الله . أفلا كنت آذنتني – نبهتني -، فنوقظ صاحبينا فيصيبان منها ) قال فقلت : والذي بعثك بالحق ! ما أبالي إذا أصبتها وأصبتها معك ، من أصابها من الناس .

تأمل موقف النبي صلى الله عليه وسلم من مقداد بعد أن علم فعلته، لم يعاتبه ولم يؤنبه أو يؤدبه بل تغاضى عن الأمر برمته. صلى الله عليه وسلم.

>صور من جود أهل الجود?

üجود أبى بكر رضي الله عنه:

أنظر إلى أبى بكر الجواد، ففي صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّ الله عليه وسلملجابر: <لوقدجاءنامالُالبحرَينِلقدأعطيتُكَهَكذاوَهكذاوَهكذاوقالَ بيديْهِ جميعًا – كناية عن الكثرة - فقُبضَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ قبلَ أن يجيءَمالُالبحرينِ فقدمَ على أبي بَكرٍ بعدَهُ فأمرَ مناديًا فنادى من كانت لَهُعلى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ عِدَةٌ أو دينٌ فليأتِ. فقمتُفقلتُ إنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ قالَلوقَدجاءنامالُالبحرينِأعطيتُكَهَكذاوَهكذاوَهكَذافحثى أبو بَكرٍ مرَّةً ثمَّ قالَ لي عدَّها فعددتُها فإذا هيَ خمسمائةٍ فقالَ خُذْ مثليْها>

ü وكان جعفر ابن أبى طالب رضي الله تعالى عنه مضرب المثل في الجود، يقول أبو هريرة رضي الله عنه في الحديث عند البخاري رحمه الله في "كتاب فضائل الصحابة"في مناقب جعفر، وذكره في باب الأطعمة في باب الحلوى والعسل:

عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: <أن الناسَ كانوا يقولونَ : أكثرَأبوهُرَيْرَةَ، وإني كنتُ ألزمُ رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بشِبَعِ بطْني، حينلا آكلُ الخميرَ ولا ألبَسُ الحَبيرَ، ولا يَخْدُمُني فُلانٌ ولا فُلانةُ،وكنتُ أُلْصِقُ بطني بالحَصْباءِ مِن الجوعِ، وإنْ كنتُ لأسْتَقْرئُ الرجلَالآيةَ، هي معي، كيْ يَنْقَلِبَ بي فيُطْعِمَني، وكان أخيرَ الناسِللمسكينِ جَعْفَرُ بنُ أبي طالِبٍ، كان يَنْقَلِبُ بنا فيُطْعِمُنا ما كانفي بيتهِ، حتى إنْ كان لَيُخْرِجُ إلينا العُكَّةَ التي ليس فيها شيءٌ،فَنَشُقُّها فَنَلْعَقُ ما فيها.> فكان أحب شيء إليه أن يفيض ويجود على المساكين.

ü وهذا الحسن ربيب بيت النبوة سيد شباب أهل الجنة؛ رفع رجل إليه رقعه فقال قبل أن يفتحها: حاجتك مقضيه. فقيل له: يا ابن رسول الله صلَّ الله عليه وسلم لو نظرت في رقعته ثم رددت الجواب على قدر ذاك. فقال: ويسألني الله عز وجل عن ذل مقامه بين يدي حتى أقرأ رقعته؟!

ü أما الحُسين رضي الله عنه فقد ذكر ابن أبى الدنيا في مكارم الأخلاق: قال بعضهم: قدمت بأباعر _جمع بعير_عشرين أو ثلاثين بعيرا أريد الميرة – أي تمرا- ؛ فقيل لي: إن عمرو بن عثمان في ماله والحسين بن على في ماله لو تريد أن تأخذ.- يعنى الرجل أتى يريد أن يجود عليه أحد - ، قال: فجئت عمرو بن عثمان فأمر لي ببعيرين أن يحمل لي عليهما. فقال لي قائل: ويلك إإت الحُسين بن على قال: فجئته ولم أكن أعرفه فإذا رجل جالس بالأرض حوله عبيده بين يديه جفنه_ وعاء _ فيها خبز غليظ ولحم وهو يأكل وهم يأكلون. فسلمت فقلت والله ما أرى أن يعطيني هذا شيئا. فقال: هلم. فأكلت معهم. ثم قام إلى ربيع ماء مجراه فجعل يشرب بيديه ثم غسلهما وقال ما حاجتك؟. فقلت: أمتع الله بك قدمت بأباعر أريد الميرة من القرية فذكرت لي فأتيتك لتعطيني مما أعطاك الله. قال: أذهب فأتني بأباعرك. فجئت بها، فقال: دونك هذا المربد فأوقرها من هذا التمر. قال: فأوقرتها والله ما حملت، ثم انطلقت. قلت: بأبي وأمي هذا والله الكرم.

فالأول أعطاه على بعيرين فقط أما الحسن فأعطى له كل الأباعر من دون حتى أن ينظر في شأنه.

üوهذا ابن عباس أجتمع إليه قراء البصرة وهو عامل عليها، فقالوا: لنا جار صوام قوام يتمنى كل أحد منا أن يكون مثله يريد أن يزوج ابنته من بن أخيه وهو فقير وليس عنده مال يجهزها به. فقام عبد الله بن عباس فأخذ بأيدهم وأدخلهم داره وفتح صندوقه وأخرج منه ست بدر _ والبدر حقيبة بها مال من ألف إلى عشرة آلاف _ فقال: احملوا. فحملوا، فقال بن عباس: ما أنصفناه..أعطيناه ما يشغله عن قيامه وصيامه. ارجعوا بنا نكن أعوانه على تجهيزها، فليس من الدنيا من القدر ما يشغل مؤمن عن عبادة ربه وما بنا من الكبر أن لا نخدم أولياء الله.. ففعل.

فعل وهو ابن عباس ..فعل وهو والي على البصرة ، أشفق على الرجل أن يلهيه المال عن صيامه وقيامه فأراد معاونته فكان مضرب المثل رضي الله عنه في الجود والكرم ومكارم الخلق.

ü وكان رجل يدعى عبد الحميد بن سعد، كان أميرا من الأمراء، لما أجدب الناس بمصر قال: والله لأعلمن الشيطان أنى عدوه. فعال محاويجهم – تكفل بالمحتاجين منهم - إلى أن رخصت الأسعار فأتى بالفقراء قال لهم خذوا حتى استدان لهم. ثم عزل عنهم فرحل وللتجار عليه ألف ألف درهم، فرهن بها حُلى نساءه فكان قيمتها خمسمائة ألف ألف _ خمسمائة مليون _ فلما تعذر عليه ارتجاعها كتب إليهم فقال لهم ببيعها ودفع الفاضل منها إلى من لم تنله صلته .

انظر..هذا والي يستدين من أجل أن يطعم الفقراء..!!!

ü وكان معن ابن زائدة من ولاة البصرة، فحضر بابه شاعر فأقام مده وأراد الدخول عليه فلم يفلح، فقال لبعض خدامه: إذا دخل الأمير البستان فعرفني. فلما دخل الأمير البستان أعلمه. فكتب الشاعر بيتا على خشبه وألقاها في الماء، فلما بصر معن بالخشبة أخذها وقرأها فإذا بها مكتوب عليها:

أيا جود معن، ناجِ معنا بحاجتي فما لي إلى معنٍ سواك شفيع

فقال معن: من صاحب هذه؟ فدعي، فقال له: كيف قلت؟ فقال: قلت

أيا جود معن، ناجِ معنا بحاجتي فما لي إلى معنٍ سواك شفيع

فأمر له بعشر بدر. فأخذ الأمير الخشبة ووضعها تحت بساطه فلما كان من اليوم الثاني أخرجها من تحت البساط وقرأها، فدعي بالرجل فدفع له مائة ألف درهم فلما أخذها الرجل تفكر وخاف أن يأخذ منه ما أعطاه فخرج. فلما كان اليوم الثالث قرأ ما فيها ودعي بالرجل فطُلب فلم يوجد، أخذ المال وهرب.

قال معن: حقا عليَّ أن أعطيه حتى لا يبقى في بيتي مال ولا دينار.

ü وذكر بن فلكان في كتاب وفيات الأعيان أن مروان ابن أبى حفصة الشاعر أخبر عن معن ابن زائدة وهو يومئذ تولى بلاد اليمن، أن المنصور جد في طلبه – وكان أبو جعفر المنصوري من ولاة الظلم- قال: فجعل لمن يحملني إليه مال. فاضطررت لشدة الطلب إلى أن تعرضت للشمس حتى لوحت وجهي وخففت عارضي ولبست جبة صوف وركبت جملا. قال وخرجت متوجها إلى البادية فلما خرجت من بابي حر _ باب من أبواب بغداد - تبعني أسود متقلد سيفه حتى إذا غبت عن الحرس قبض على خطام الجمل فأناخه فقبض علي فقلت له: ما بك ؟ ماذا تريد؟ قال: أنت طلبت من أمير المؤمنين. قلت: ومن أنا حتى أطلب؟! قال: أنت معن بن زائدة. قلت: يا هذا أتقى الله وأين أنا من معن؟! _ وكان شكله قد تغير من الشمس والنحول وسمت الفقراء عليه- فقال الرجل: دع هذا فوالله لأني أعرف بك منك. قال: فلما رأيت منه الجد قلت له: هذا جوهر قد حملته بأضعاف ما جعله المنصور لمن يجيئه أبى فخذه ولا تكن سببا في سفك دمى. قال: هاته. فأخرجته إليه فنظر فيه ساعة، فقال: صدقت في قيمته ولست قابله حتى أسألك عن شيء فإن صدقتني أطلقتك. فقلت: قل. قال: إن الناس قد وصفوك بالجود فأخبرني هل وهبت مالك كله قط ؟ قلت: لا، قال: فنصفه؟ قلت:لا. قال: فثلثه؟ قلت: لا. حتى بلغ العشر فاستحييت فقلت أظن أنى فعلت. قال الرجل: ما ذاك بعظيم وأنا والله رجل ورزقي من أبى جعفر المنصور كل شهر عشرون درهما وهذا الجوهر قيمته ألوف الدنانير وقد وهبته لك ووهبتك لنفسك ولجودك المأثور بين الناس ولتعلم أن في هذه الدنيا من هو أجود منك. فلا تعجبك نفسك...

يقول: ثم رمى العقد في حجري وترك خطام الجبل وولى منصرفا. فقلت: يا هذا قد والله فضحتنى ولسفك دمى أهون عليا فخذ ما دفعته لك فإني غنيا عنه. فضحك وقال: أردت أن تكذبني في مقالي هذا؟ّ والله لا أأخذه ولا أخذ لمعروف ثمنا أبدا ومضى لسبيله. قال معن: فوالله فقد طلبنه بعد أن أمنت ومات المنصور فما عرفت له خبرا و كأن الأرض أبتلعته.

وهنا لفتة..كيف ربى الله معن بأن ساق إليه من ينفي عنه العجب ويكون أعلى منه حتى لا تغتر نفسه..إنها وسيلة من وسائل التربية أن تنظر دوما لمن هو أنشط منك وأكثر بذلا فتنكسر عندك نفسك وتستصغرها وتحتقر عملك.

>عاقبة الجود?

Pالجود هو مفتاح الأرزاق وليس العكس كما يظن الناس، ففي صحيح مسلم من حديث أبى هريرة رضي الله عنه أن النبي صلَّ الله عليه وسلمقال: < بينما رجل بفلاة إذ سمع رعدا في سحاب ، فسمع فيه كلاما: اسق حديقة فلان – رجل كان يسير في صحراء فسمع صوت يتكلم ويأمر السحاب بأني يسقي حديقة فلان - فجاء ذلك السحاب إلى حرة –أرض مليئة بالأحجار- فأفرغ ما فيه من الماء ، ثم جاء إلى أذناب شرج –مكان سيل الماء وسيره- فانتهى إلى شرجة ، فاستوعبت الماء ، و مشى الرجل مع السحابة حتى انتهى إلى رجل قائم في حديقة له يسقيها فقال : يا عبد الله ما اسمك ؟ قال : و لم تسأل ؟ قال : إني سمعت في سحاب هذا ماؤه : اسق حديقة فلان ، باسمك ، فما تصنع فيها إذا صرمتها ؟ قال : أما إن قلت ذلك فإني أجعلها على ثلاثة أثلاث ، أجمل ثلثا لي و لأهلي ، و أرد ثلثا فيها ، و أجعل ثلثا للمساكين و السائلين و ابن السبيل >

P الجود يؤلف القلوب ويزيل الكراهية والبغضاء

ففى صحيح مسلم من رواية طارق بن شهاب رضي الله عنه قال: < غزارسولُاللهِصلَّىاللهُعليهوسلَّمَغزوةَ الفتحِ ، فتحَ مكةَ . ثم خرجرسولُاللهِصلَّىاللهُعليهوسلَّمَبمن معه من المسلمين . فاقتتلوا بحُنَينٍ . فنصراللهُدينَه و المسلمين . وأعطىرسولُاللهِصلَّىاللهُعليهوسلَّميومئذٍصفوانَبنَ أُميَّةَ مائةً من النّعَمِ . ثم مائةً . ثم مائةً . قالابنُ شهابٍ : حدَّثني سعيدُ بنُ المُسيَّبِ ؛أنَّصفوانَقال : واللهِ ! لقدأعطانيرسولُاللهِصلَّىاللهُعليهوسلَّمَماأعطاني،وإنهلأبغضُالناسِإليَّ . فما برح يعطيني حتىإنهلأحبُّالناسِإليَّ . >

وكان صفوان بن أميه أحد رؤوس قريش الذين كانوا يظاهروا العداء للنبي صلَّ الله عليه وسلم، فلما كانت الغلبة للمسلمين؛ أسلم مع من أسلم على غضاضة، فأراد النبي أن يتألفه بجوده.

فالإحسان يزيل البغضاء والكراهية، لذلك دائما تألف الذي بينك وبينه عداوة بمثل ذلك.

قال الماوردي في أدب الدين والدنيا: "جود الرجل يحببه إلى أضاده وبخله يبغضه إلى أولاده فكونوا من أهل الجود لتكونوا من أهل الإيمان فهذه صفة المؤمنين".

وقال مالك بن دينار رحمه الله: "المؤمن كريم في كل حال لا يحب أن يؤذى جاره ولا يفتقر أحد من أقربائه". ثم كان يبكى ويقول: "وهو مع ذلك غنى القلب لا يملك من الدنيا شيئا، إن أذلته عن دينه لم يزل وإن خدعته عن ماله انخدع" .

وكان ابن عمر رضي الله عنه يقول: من خدعنا بالله انخدعنا له. وكان إذا وجد أحد عبيده يجتهد في العباده يعتقه، فكان العبيد يتحرون دخوله المسجد. فجاءه أحد أولاده يقول: إنهم يخدعونك. فقال من خدعنا بالله انخدعنا له.

وقال جعفر الصادق: "لا مال أعظم من العقل ولا مصيبة أعظم من الجهل ألا وإن الله عز وجل يقول: إني جواد كريم لا يجاورني لئيم" فاللؤم من الكفر وأهل الكفر في النار، والجود والكرم من الإيمان وأهل الإيمان في الجنة.

و قال الحسن البصري: "بذل المجهود في بذل الموجود منتهى الجود"

ù أنواع الجود ù

ذكر ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين عشرة مراتب للجود، قال:

"الجود عشر مراتب جود بالنفس، جود بالرياسة، جود بالراحة، جود بالعلم، جود بالجاه، جود بنفع البدن، وجود بالعرض، وجود بالصبر، وجود بالخلق، والجود بترك ما في أيدي الناس دوما".

ß جود بالنفس: أن تكون دوما نفسك رخيصة عليك تبذلها بذلا لله . قالوا: أقصى غاية الجود نفسك.

ßجود بالرئاسة: كما صنع الحسن بن علي رضي الله عنه حين جاد بالرياسة وأعطاها للأمويين.

ß جود بالراحة: أي يبذل راحته ورفاهيته وإجمام نفسه في مصلحة غيره، كأن يجود بنومه له فيقف له قائما، أو يمشي مع أخ له في حاجة وقت راحة له..وهكذا.

ß جود بالعلم: وهذا لأهل العلم وطلبته. لأن العلم أشرف من المال. فإذا كان هذا يجود بالمال فعلى طالب العلم أن يجود بعلمه. والناس في هذا الجود على مراتب متفاوتة وقد اقتضت حكمة الله أن لا ينتفع بالعلم به بخيلا أبدا. فجد بعلمك وابذله لمن يسألك عنه واطرحه عليه.

ß جود بالجاه: إن كنت من أهل الوجاهات فأبذل جاهك شافعا أو ماشيا مع رجل إلى ذي سلطان حتى تدفع عنه مضره أو تقضي له حاجة ملحة .

ß الجود بنفع البدن: وهذا ينطبق عليه حديث النبي صلَّ الله عليه وسلم: <يصبح على كل سلامي من أحدكم صدقة . فكل تسبيحة صدقة . وكل تحميدة صدقة . وكل تهليلة صدقة . وكل تكبيرة صدقة . وأمر بالمعروف صدقة . ونهي عن المنكر صدقة . ويجزئ ، من ذلك ، ركعتان يركعهما من الضحى > (صحيح مسلم)

ßجود بالعرض: وهذا كما يؤثر عن أبى ضمضم من الصحابة أنه كان يقول: "اللهم إنى لا مال لي أتصدق به على الناس وقد تصدقت عليهم بعرضي فمن شتمني أو قذفني فهو في حل". فكان يتصدق بعرضه. وهذا الجود يحمل على سلامة الصدر وراحة القلب والتخلص من المعاداة.

ßالجود بالصبر والاحتمال والإغضاء: وهذه مرتبه شريفة أنفع لصاحبها من الجود بالمال وأعز له .

ß الجود بالخص والبِشر والبسط: أن تستقبل الناس بالتبسم والبشر حتى وإن كانوا لا يستحقونه منك.

ß الجود بترك ما في أيدي الناس: فلا يلتفت إليه ولا يستشرف لهم. فهو يجود بترك الدنيا لأهل الدنيا ولا يتمنى ما عندهم.

* الفرق بين الجود والإسراف :

الرجل الجواد حكيم، يضع المال في نصابه، ويضعه فيما يحب اللع عز وجل من مصالح المسلمين وما يعم نفعه عليهم وما سوى ذلك من الإنفاق هنا وهناك وبدون داعي أو حاجة فهذا الذي يسمى إسراف وتبذير والله عز وجل لا يحب المبذرين {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} [الإسراء : 27].

فنسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا من أهل الجود، وأن يجعلنا من أهل الكرم، وأن يتفضل علينا بمنه وجوده إنه سبحانه وتعالى الجواد الكريم الأكرم.

=========

اسم الله تعالى الشكور والشاكر

ورد اسم الله تعالى الشكور في أربع مواضع:

1-قوله تعالى: { لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ }]فاطر,(30)[

2-وقوله تعالى: { إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ } ]فاطر,(34)[

3-وقوله تعالى: { وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ } ]الشورى,(23)[

ولاحظ اقتران اسم الله تعالى الشكور باسمه الغفور في هذه المواضع ، فلهذا أسراره لا شك.

4- ورد اسمه تعالى الشكور مقترناً باسمه الحليم في قوله تعالى: { إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ }]التغابن,(17)[

وقفة مع الآيات:

قبل الشروع في مدارسة اسم الله الشكور، نتوقف مع هذه الآيات وقفة تدبر.

فورود التزييل بهذه الأسماء لابد أن يكون موظفاً في خدمة الهدف الذي أتت السورة لإيضاحه، وهذا ما سنقف عنده. فكل سورة في القرآن لها مقصد عام تتوافق آياتها معه ؛ ودائما خواتيم الآيات تخدم هذا المقصد وتغذيه.

فمثلا إذا توقفنا مع الآية الأولى: { لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ }]فاطر,(30)[

نجد تناسب اسم الله تعالى الشكور مع الآية. فالله سبحانه وتعالى من نعمة على عباده أنهم إذا أحسنوا بحسنة وفّاهم أجرهم وأعطاهم ثوابهم بل زادهم من فضله.

ولكن السؤال هنا..لم قرن اسم الله الشكور باسمه الغفور؟!

لم لم يقل إنه شكور حميد مثلا؟!

فإذا تدبرت ستجد أنه ما من عمل إلا وفيه وجه نقصان فيجبر ذلك مغفرة الله للعبد وتجاوزه عن هذا النقص وشكره للقليل. فكأن الآية تلفت النظر إلى نقصان العمل مهما تم وكمل في ظاهره ونعمة الله بالمغفرة ومقابلة الإحسان على نقصانه بالشكر !

الآية الثانية: { وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ }] الشورى,(23)[

وهنا نتوقف مع لفظ (يقترف)..فلمَ لمْ يقل (ومن يأت بحسنة)؟

لأن لفظ يقترف على وزن يفتعل..فتشعرك بالكلفة والمعاناة في إتيان الفعل..دلالة على المجاهدة في فعل الحسنة

لذا قال (إن الله غفور شكور)

يغفر للعبد تقصيره الذي صعب عليه دفع نفسه للطاعة، ويشكر له مجاهدته تلك النفس في فعل الطاعة.

الآية الثالثة: {إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ }

[التغابن,(17) ]

(إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم) هذا الرجل سيتصدق بصدقة عن طيب نفس، فيجزيه الله أن يضاعف له الأجرويجعل صدقته كفارة لذنبه فيغفر له ذنوبه القديمة.

يقول: {وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ }

ما الذي جاء بحليم هنا ؟

لأنه مهما أتى العبد من عمل يجب أن يستحقره في جنب عظمة الله.

" لو إن رجلا يخر على وجهه من يوم ولد إلى يوم يموت هرما فى مرضاه الله عز وجل لحقره يوم القيامة "

[صحيح لغيره, الألباني,صحيح الترغيب,(3596)]

فالأصل أن العبد بتقصيره مستحق للعقوبة لأنه أسر نفسه في أسر الشهوات والملذات والمخالفات والمنكرات. فيستحق وهو يقوم بهذه الأمور أن يُعجل له العقاب، لكن الله يحلم عليه ولا يعاجله بالعقوبة, ثم هو بعد ذلك يأتي بصدقة ربما تكون لا تتوازى أبداً مع جرمه فيحلم عليه ويتقبلها على ما فيه من عيب ونقصان بل ويشكرها له.

فهو سبحانه تعالى يحلم ويغفر ويشكر

معنى الشكر

* يقول ابن القيم رحمه الله في المدارج:

" الشكر أصله في وضع اللسان ظهور أثر الغذاء في أبدان الحيوان ظهوراً بيناً"

فالعرب كانت تقول: شكرت الدابة؛ إذا ظهر عليها أثر العلف..

فهذا هو أصل الكلمة؛ أن يظهر أثر الغذاء في أبدان الحيوانات ظهوراً بيناً، فإذا ظهر عليها أثر العلف سُميت دابة شكور.

وقالوا الشكر في الإصطلاح: هو ظهور أثر نعمة الله على لسان العبد ثناءاً وإعترافا، وعلى قلبه شهوداً ومحبة، وعلى جوارحه إنقياداً وطاعة.

1-أولا: على لسانه إعترافاً وثناءاً, أنه يعترف بها ويثني على الله تعالى, ويتحدث بها في خاصة أمره بينه وبين نفسه وبينه وبين الناس {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}

[الضحى,(11)]

2-ثانيا: وعلى قلبه شهوداً, عندما تستشعر أن هذه العطايا من ربك هي منن تنزل عليك { وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً }

[لقمان,(20)]

يبعثك هذا إلى أن تحبه لأنه يسدي إليك هذا المعروف. فيشهد القلب النعمة ويقر بها ويراها ويلاحظها طوال الوقت.

3-ثالثا: وعلى جوارحه انقيادًا وطاعة، فلو أن القلب اقر وشهد وأحب ومال، مالت الجوارح وتنقاد . فتجد الإنسان الشكور دوما مخبت منكسر عليه معاني الذل والافتقار. ودوما قلبه منشرح

لإحساسه بفضل ربه عليه.

(( الشكر علم وحال وعمل))

و قال الغزالي رحمه الله في الإحياء: "واعلم أن الشكر من جملة مقامات السالكين وهو ينظم من علم وحال وعمل".

قال:

فالعلم هو الأصل, وهو يُورث الحال, والحال يُورث العمل

أما العلم فمعرفة النعمة من المنعم وأما الحال فهو الفرح الحاصل بإنعامه وأما العمل فالقيام بما هو مقصود المنعم ومحبوبه.

ودعونا نفصل هذا الكلام الماتع :

العلم: "معرفة النعمة من المنعم". معرفة أن هذه النعمة ليست من أحد سوى الله.

ولا تلتفت للأسباب مطلقا بل ترى نجاحك وتوفيقك في شتى أمورك محض فضل من ربك.

و الحقيقة أننا ننسب الحسنة لأنفسنا وننسب السيئة إلى الله عياذاً بالله.

إذا وفقت في شيء تجد نفسك تقول : لولا أني فعلت كذا ما فلحت، ولأني قمت بكذا نجحت.

أما لو لمناك على شر وقلنا لك: لمَ فعلت ذلك؟ تقول والله لم أكن أريد لكن الشيطان شاطر, لكن قدر الله، لكن..لكن...

فانتبه لهذا وانسب النعمة لصاحبها.

2_ الحال: "هو الفرح الحاصل بإنعامه" وإن لم تجد هذا الفرح فاعلم أنك لم تعرف نعمة الله من الأساس.

لذا دائما أقول اكتبوا نعم الله ، تفكروا فيها ، وانظروا لمن حرمها.

انظر لمن فقد بصره حتى تفرح ببصرك، وانظر لمن حرم الأولاد وينفق الآلاف لكي يرزق بطفل واحد وأنت عندك ثلاثة وأربعة ، انظر له لتفرح بنعمة ربك.

إذا فقدت إحساسك بالنعمة فابحث عن من فقدها.

فإذا استشرعتها وشعر قلبك بالفضل والفرح والانشراح بها فهنا يتولد عن هذا الحال العمل.

تجدك تريد أن تبذل لله..تصلي أو تتصدق أو تكشف كربة أو تعين أحدا..تفعل أي شيء يرضي الله

فتفعل "ما هو مقصود المنعم ومحبوبه"

لذلك الشكر بالقلب والجوارح واللسان, فلا يكون شاكر إلا إذا كان قلبه مخبت, ولسانه ذاكر, وكذلك جوارحه منقاده بالطاعة لله سبحانه وتعالى.

يقول الأصفهانيفي المفردات: "الشكر تصور النعمة وإظهارها وهو ثلاثة أدرب:

-شكر القلب: وهذا بتصور النعمة ودوام رؤيتها.

-وشكر اللسان: بالثناء على المنعم

-وشكر سائر الجوارح: وهو مكافأة النعمة بقدر إستحقاقها.

وهو أن كل شيء بك يذعن لله سبحانه وتعالى

{{{

الفرق بين الشكر والحمد

قالوا الشكر مثل الحمد إلا أن الشكر أخص

فإنك تحمد الإنسان على صفاته الجميلة وعلى معروفه ولا تشكره إلا على معروفه دون صفاته.

فمثلا الرجل الخلوق المهذب، أنت تحمد له أدبه بالثناء عليه وإنما تشكر له فعل الأدب نفسه إن وقع

فالحمد يكون على الصفات وعلى المعروف, أما الشكر فيكون على المعروف دون الصفات

قال ثعلب وهو أحد أئمة اللغة: "الشكر لا يكون إلا عن يد

أما الحمد فيكون عن يد أو عن غير يد." سواء أعطاك أو لم يعطك

قال القرطبي: "وتكلم الناس في الحمد والشكر هل هو بمعنى واحد أم بمعنيين فذهب الطبري والمبرد إلى أنهما في معنى واحد وهذا غير مرضي.!

والصحيح أن الحمد ثناء على الممدوح بصفاته من غير سابق إحسان، والشكر ثناء على المشكور بما أولى من الإحسان"

لذا قال الله تعالى {الحمد لله} ابتداءَ سواء أسدى إليك أم لم يسد فهو محمود سبحانه وتعالى لذاته بجميل صفاته بجميل أفعاله.

يقول ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين:

" الفرق بين الشكر والحمد أن الشكر أعم من جهة أنواعه وأسبابه وأخص من جهة متعلقاته. فالشكر يكون بالقلب خضوعاً وإستكانة، وباللسان ثناءاً و إعترافا، وبالجوارح طاعة وإنقيادا"

قلبك ينكسر بشهود النعمة. فشهود النعم أحد مرققات القلوب ومن أعظم أسباب علاج قسوة القلب.

تقول: قلبي قاسي جدا لا يشعر بشيء؟ اجلس اذا وعدد النعم.

اذكر كيف من الله عليك بالتوبة، حلم عليك وأعطاك ما لم تكن تعلم وما لم تكن تأمل و أصبغ عليك نعمه الظاهرة والباطنة. منّ عليك بالإسلام إبتداءاً وبالإلتزام بعد ذلك وأذن لك بذكره وأذن لك بمعرفته. فكل نعمة منها تكسر القلب، هذا غير النعم الخاصة لكل شخص، كمحنة نجاه الله منها أو كرب كشفه عنه أو ستر اسدله عليه.

عدد النعم ينكسر قلبك.

من حيث المتعلقات: أي أن الشكرمتعلق بالنعم دون الأوصاف. فأنت تشكر على النعم ولا تشكر على الصفة، يعني لا تشكر الله أنه تواب وإنما تحمده أنه تواب وتشكره أنه تاب عليك. لذلك لا يُقال شكرنا الله على حياته وسمعه وبصره وعلمه إنما يقال حمدنا الله فهو المحمود عليها كما هو محمود على إحسانه وعدله.

معني اسمه تعالى الشكور في حقه سبحانه وتعالى

ماذا يعني أن ربنا شكور؟

قالوا: شكور للحسنات يضاعفها، شكور على يسير الطاعات فيثيب عليها جزيل الحسنات. ú

كما يقول النبي صل الله عليه وسلم""

ما تصدَّقَ أحدٌ بصدَقَةٍ منْ طيِّبٍ ، ولا يقبَلُ اللهُ إلَّا الطيبَ ، إلَّا أخذَها الرحمنُ بيمينِهِ ، وإِنْ كانتْ تَمْرَةً ، فتربُو في كفِّ الرَّحمنِ حتى تَكونَ أعظمَ مِنَ الجبلِ ، كما يُرَبِّي أحدُكم فَلُوَّهُ أوْ فَصيلَهُ

[صحيح,الألباني,صحيح الجامع,(5600)]

قالوا ومن معني الشكور أنه سبحانه يرغب الخلق في الطاعة قلّت أو كثرت لئلا يستقلوا القليل منú العمل.

لذا كانت عائشة رضي الله عنها عندما تقرأ { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ }

[الزلزلة,(7,8)]

تأتي بشطر تمرة وتتصدق به وتتأول الآية وتقول مثقال ذرة إذا تمرة خيرا يره

قالوا وإذا أثنى الرب على عبده فقد شكرهú

و الثناء يكون في الملأ الأعلى كما ورد في حديث ثناء الله على عبده وهو يقرأ الفاتحة.

<فإذا قالَ العبدُ : { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } ، قالَ اللهُ تعالى : حمدني عبدي . وإذا قالَ : { الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } . قالَ اللهُ تعالى : أثنى عليَّ عبدي . وإذا قالَ { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } . قالَ : مجَّدني عبدي > (رواه مسلم)

فيثني عليه في الملأ الأعلى ربنا سبحانه وتعالى بذلك

وحين تصلي على النبي صل الله عليه وسلم يثني عليك في الملأ الأعلى.

"من صلَّى عليَّ واحدةً ، صلَّى اللهُ عليه عشرَ صلواتٍ ، و حطَّ عنه عشرَ خطيئاتٍ ، و رفعَ له عشرَ درجاتٍ"

[صحيح ,الألباني,صحيح الجامع,(6359)]

وثناء الله غير ذكره لعبده {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُم}

[البقرة,(152)]

جميل أن يذكرك, لكن هذه يثني عليك

قال الغزالي في المقصد: الرب تعالى إذا أثنى على أعمال عباده فقد أثنى على فعل نفسه لأن أعمالهم من خلقه فإن كان الذي أعطى فأثنى شكور, فالذي أعطى وأثنى على المعطى هو أحق بأن يكون الشكور.

مر أحد الصالحين على قاريء يقرأ قول الله تعالى {نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ}

[[ص,(30

قال: سبحان الله يعطي ويثني !!

فالغزالي رحمه الله يشير إلى هذا المعنى أن الأعمال أصلا منه.

قال موسي عليه السلام: يا رب إن أنا بلغت رسالاتك فمن عندك وإن أنا صليت فمن عندك وإن أنا فعلت كذا وكذا من أفعال الطاعات فمن عندك ومن قبلك فكيف أشكرك؟

قال الآن شكرتني

فالعجز عن الشكر تمام الشكر .

{{{

أثر الإيمان بهذا الاسم الشريف

أولا: إذا كان الله سبحانه وتعالى الشكور الشاكر على الإطلاق يقبل القليل من العمل ويعطي الكثير من الثواب مقابل هذا العمل القليل، فإن حظ المؤمن من هذا ألا يستصغر شيء من أعمال البر ولا يحقر من المعروف شيئا.

كما قال النبي صل الله عليه وسلم" لا تحْقِرَنَّ من المعرُوفِ شيْئًا ، ولوْ أنْ تلْقَى أخاكَ بوجْهٍ طلْقٍ"

[ صحيح, الألباني, صحيح الجامع,(7245)]

حتى تبسمك في وجه أخيك قربى، وصدقتك ولو بشق تمرة قربى، والكلمة الطيبة منك قربى

« اتّقُوا النّارَ ولَو بشِقّ تَمرَة فمَن لم يجِدْ شِقّ تَمرَة فبكَلِمةٍ طيّبَة ».

فلا تحتقر من العمل شيئا مهما صغر.

ثانيا: مما يجب معرفته أن ما يقدمه المسلم في تقربه إلى الله تعالى من صلاة أو صيام أو حج لا يخلو من التقصير والسهو و النسيان، فلا يظن أنها الثمن المطلوب للجنة، ولا ينظر لها من الأساس بل ينظر ويتعلق برحمة الله وفقط.

لأن هذه الأعمال في الأساس لن تدخلك الجنة، فالجنة هي سلعة الله الغالية، ولكن لأن الله شكور عظم من شأنها وأعطاك بها على صغرها وعيبها هذه المنة العظيمة.. سلعة الله الغالية.

ثالثا: وهو الأهم: هو تحقيق الشكر، وهو واجب على كل مكلف. فكيف نشكر الله تعالى.

*يقول ابن القيم رحمه الله:

الشكر مبني على خمس قواعد

سأذكرها لك وأذكر حظك منها فانتبه:

1 -خضوع الشاكر للمشكور.

وحظها منك الذل والإنكسار لله تعالى.

2- حبه له

أن يزداد المؤمن في حبه لله تعالى

3- إعترافه بنعمته

فيكثر من قوله أبوء لك بنعمتك على ويكثر من التحدث بنعم الله تعالى. يتحدث بالنعمة لذكر المنعم وبيان فضله لا لبيان النعمة والزهو بها.

4-ثنائه عليه بها

5- وألا يستعملها فيما يكره

لا يعصي الله ويبارزه بها.

كيف يتحقق الشكر؟

أولا: يتحقق الشكر بمراعاة آثاره. بأن تحرص على حفظ النعمة وزيادتها، ربنا قال: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ }

[ إبراهيم,(7)]

فإذا عرفت ثمرة الشكر، الزيادة، جاهدت على تحقيقه. فمثلا حينما يمن الله عليك بمال وتعلم أن أعظم وسيلة لتنميته واستثماره أن تنفق منه لا أن تدخره،حينها ستفعل.

فأول وسيلة لتحقيق الشكر أن تعرف الثمرة لتكون باعث لك عليه.

المعنى الثاني : أن يضع العبد نصب عينيه الجزاء العظيم الأخروي الذي سوف يمن الله عليه به إذا شكر النعمة. قال الله عز وجل: { وسيجزي الله الشاكرين }، وقال: { وسنجزي الشاكريين}

ومنه:

ما جاء في بعض الآثار أن من ابتلى فصبر و،أعطي فشكر، وظُلم فغفر، أن أولائك الذين لهم الأمنl وهو مهتدون.

فالشاكرون يأمنون من فزع يوم القيامة ويكونون من المهتدين في الدنيا والأخرة.

ذكر الخرائطي صاحب كتاب فضيلة الشكر : عن ابن عباس أنه قال: " أول من يدخل الجنة يوم القيامة الذين يحمدون الله في السراء والضراء"

وقد قال صل الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري تعليقاً قال " الطَّاعِمُ الشَّاكرُ لَهُ مثلُ أجرِ الصَّائمِ الصَّابرِ "

[صحيح, الألباني, صحيح بن ماجة, (1440)]

إذاً معرفة الأجر الذي سوف يمن الله عليه به باعث للشكر

كذلك من ثمار الشكر الدافعة له على العمل وشكر نعمة الله تعالى عليه؛ رفع العذاب في الآخرة.l

ألا تري قول الله تعالى{ وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ }

[إبراهيم,(34)]

ففيه إشارة إلى أن الخروج من ظلم الإنسان وكفرانه بنعم الله تعالى أن يضعها نصب عينيه، فيكون هذا سبب إن شاء الله تعالى في أن يُرفع عنه هذا الظلم للنفس الذي يقع الإنسان به.

منها كذلك أن ينجو من عذاب الدنيا، يقول الله تعالى:l

{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ }

[النحل,(112)]

والسياق مؤداه أن العكس صحيح أنها إذا شكرت أنعم الله أمنت من عذاب الله تعالى العاجل في الدنيا.

وقد بين القرآن أن الشاكرين ينجون من عذاب الله تعالى كما حصل هذا لنبي الله تعالى لوط { كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بالنّذر إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آَلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ }

[القمر(33),(34),(35) ]

إذا الشكر هو عنوان النجاة من العذاب إلى غير هذا من الآيات التي تشير إلى هذا المعنى.

أيضا أن يعلم العبد أن من أعظم ثمرات الشكر حب الله تعالى لهl

كما ورد في الحديث" أحِبوا اللهَ لما يغْذوكم من نعَمِه ، وأحِبُّوني بحُبِّ اللهِ ، وأَحِبُّوا أهلَ بيتي بحُبِّي"

[غريب حسن, الترمذي, (3789)]

إن محبة الله تعالى أثر فطري عن الشعور بنعمة الله فإذا علم العبد أنه لو شكر سيحبه الله وأن الله لو أحبه نجا فهذا باعث له على الشكر. وكذا يتنزل عليك برضوانه, قال عزوجل

{ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ}

[الزمر,(7)]

ولكي أزيدك في تحقيق الشكر من الناحية العملية، فأنصحك بالآتي:

أول شيء

وكواجب تطبيقي لهذا الاسم الشريف العظيم ان تكتب نعم الله عليك التي جائتك بفرحة وسعادة.

بعدها تذهب في زيارة لمريض وتتخيل نفسك مكانه ، لو ان الله كان قدر عليك تتألم بهذا الألم وكيف أن الله عافاك.

الأمر الثاني كثرة ذكر المحمود باللسان، فتكثر من الحمد لله . وستجد لها طعم وأثر على القلب جميل.

الأمر الثالث التحدث بالنعم أو بجميل منن الله على عباده.

كما كان يقول سيدنا عبد الرحمن بن عوف عندما قالت له السيدة عائشة أنت آخر من يدخل الجنة من العشرة تدخلها زحفاً قال ولمَ يا أم؟ قالت أما ترى هذه الأموال كلها أين ستذهب بها ,قال وما أصنع إن كنت أنفقه في الليل فيأتيني في النهار فأنفقه في النهار فيأتيني بالليل ؟

ألا تعلمون أثر سيدنا داود أن الله قال له يا داود وأحب أحبائي وحببني إلى خلقي قال يارب أحبك وأحب أوليائك و لكن كيف أحببك إلى خلقك ؟ قال تذكرني ولا تذكر مني إلا حسنا.

ربنا أوزعنا أن نشكر نعمتك التي أنعمت علينا وعلى والدينا واجعلنا من عبادك الشاكرين

========

اسـم الله الشـاكـر

ورد اسم الله تعالى الشاكر في القرآن في موضعين:

الأول: في سورة البقرة في قوله تعالى: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ) [البقرة : 158]

الثاني: في سورة النساء في قوله تعالى: (مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِراً عَلِيماً) [النساء : 147]

معنى الاسم في اللغة:

قالوا: الشاكر اسم فاعل للموصوف بالشكر، فعله: شكر- يشكر- شكرا. و قد تقدم أن الشكر هو الثناء على الفعل الجليل و مجازاة الإحسان بالإحسان.

روى الإمام أحمد و صححه الألباني من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب دخل على النبي صلى الله عليه و سلم و قال: <يا رسولَ اللهِ رأَيْتُ فلانًا يشكُرُ، ذكَر أنَّك أعطَيْتَه دينارينِ فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ( لكنَّ فلانًا قد أعطَيْتُه ما بينَ العشَرةِ إلى المئةِ فما يشكُرُه ولا يقولُهُ، إنَّ أحدَكم ليخرُجُ مِن عندي بحاجتِه مُتأبِّطَها وما هي إلَّا النَّارُ ) قال: قُلْتُ يا رسولَ اللهِ لم تعطهم ؟ قال: ( يأبَوْنَ إلَّا أنْ يسأَلوني ويأبى اللهُ لي البخلَ>

ومحل الشاهد هنا: هو قول عمر للنبي ( رأيت فلانا يشكر) يعني أنه يثني على النبي وعلى فعله الجميل.

وهذا حديث عظيم يتناول قضية اجتماعية صارت تمثل مشكلة حقيقية للمجتمع؛ وهي قضية المتسولين. فانظروا إلى فعل النبي صلى الله عليه و سلم و انظروا إلى الحكم الفقهي الذي أشار به إلينا رسول الله صلى الله عليه و سلم في هذا الحديث.

(إن أحدهم لأعطيه المسألة و ليس له حاجة فيخرج متأبطها و ما هي له إلا نار) دليل على أن من يسأل و ليس له حاجة فكأنه أخذ جذوة من النار. لأنه بذلك يحرم من له حاجة حقيقة، فالناس يأخذون هذا بذنب ذاك ويمتنعون عن العطاء بسببهم. ولكن وجود هذه الفئة من المتسولين كذبا لا ينبغي أن يمنعك عن التصدق عليهم حتى تنفي عن نفسك الشح. ففي الحديث المذكور قال عمر: (يا رسول الله فلم تعطيهم) فكانت الإجابة إنهم يأبون إلا أن يسألوني و يأبى الله لي البخل. فالنبي يعطيهم حتى لا يقع في البخل. إلا إذا كان شخصا معروفا بتسوله الكاذب

فإذا سألك سائل فأعطيه إلا أن يتبين لك كذبه ، وإن لم تفعل فلا تغلظ معه في القول امتثالا لقوله تعالى ( وأما السائل فلا تنهر )

الفرق بين الشاكر والشكور:

قالوا الشكور أبلغ من الشاكر، لأن الشكور صيغة مبالغة يعني كثير الشكر، فهو المبالغ في الشكر بالقلب و اللسان و الجوارح.

قال المناوي في التوقيف: ( الشكور هو الباذل وسعه في أداء الشكر بقلبه و لسانه و جوارحه اعتقادا و اعترافا)

و قيل الشاكر من يشكر على الرخاء والشكور من يشكر على البلاء.

و قيل الشاكر من يشكر على العطاء و الشكور من يشكر على المنع.

و كان رسول الله إذا سره أمر حمد الله جلا و علا فإذا أصابه بلاء حمد و قال : فليقل الحمد لله على كل حال. فنحمد في البلاء لأن البلاء في طياته رحمة لأنه و لا شك أن الله سبحانه و تعالى ابتلاه لكي يوقظه من غفلته فيقول: اللهم لك الحمد.

ونأتي لهذا المعنى في حق الله جل و علا:

قالوا فالله شاكر عباده على أعمالهم فيزيدهم من فضله في الأجر فيزيد أجورهم و يقابل شكرهم بزيادة النعم و هذا يعني أن الله من أطاعه حال الرخاء كان الله له شاكرا و من أطاعه و لم يتعد حدوده حال البلاء و لم يتسخط على قدر ربه كان الله له شكورا.

ولنتأمل هذا المعنى في ضوء الأيات:

*الموضع الأول : يقول الله جل وعلا:

(مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِراً عَلِيماً) [النساء : 147]

أي إن شكرتم حال الرخاء وحال العطاء وآمنتم و استشعرتم بمدى فضل الله فلم يعذبكم؟!!

فالجزء الأول من هذه الآيةيقطع على كل صاحب شبهة شبهته: فالذي لا يعجبه قضاء الله عليه وتدبيره له ويتسخط على حاله وبيئته ورزقه، وإن وفق نسب التوفيق والنجاح لإمكانياته ومهاراته.

فكأنها تقول له: يا أيها المتسخط يا أيها الجاحد الظلوم لنفسك الكافر بأنعم ربك ما يفعل الله بعذابكم؟ خلقك من أجل أن يعذبك ؟ ماذا سيفعل بعذابك ؟

سبحانه مُنــــزّه عن مثل ذلك..!

لكن الذي يترك نفسه لوساوس الشياطين, وتسويل النفس الأمارة يقع في مثل هذا ويتصور أن ربنا لا يريده ويريد له الشر وأنه كتب عليه هذه الأمور ويرى الأمر بسوء الظن بالله, فيقول الله لهم : ما يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ ؟

ليس المطلوب منك أكثر من ذلك, فقط اشعر بالنعمة واشكرها ليكون هذا الشكر هو مفتاح قربك من الله.

(وَكَانَ اللّهُ شَاكِراً عَلِيماً) وكان الله شاكرا لمن يشكره على نعمائه له، عليما بالطائع من العاصي.

وذكره سبحانه لاسمه العليم يشير إلى أمرين: (الباطن والظاهر)

فإذا كان الباطن خرب فهذا يعني أنه لا يستقبل النعمة بشكل صحيح فتنزل عليه ولا تؤثر فيه فلا يشكرها.. و لهذا في هذه الآية لافتة لأهمية القلوب.. لأن الشكر بالقلب واللسان والجوارح ولكن أهم ما في الأمر الاعتراف والتصديق الباطن. أهم ما في ذلك القلب لأن به سوف ينتج عنه أن اللسان يثني والجوارح تشرع في تصريف النعم في مرضاة الله عز وجل.

قال البيضاوي رحمه الله: (مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ) أيتشفى به غيظا أو يدفع به ضررا أو يستجلب به نفعا !!. فهو الغني المتعالي عن النفع والضر و إنما يعاقب المصر بكفره.

(وَكَانَ اللّهُ شَاكِراً) مثيبا يقبل اليسير ويعطي الجزيل. (عَلِيماً)بحق شكركم وإيمانكم.

الموضع الثاني: يقول الله عز وجل:

(إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ) [البقرة : 158]

و أيضا قرن في هذا الموضع بين اسمه تعالى الشاكر واسمه العليم.

فأولا: على نفس القول بالفرق بين اسمه الشكور واسمه الشاكر فالموضع هنا يتناسب مع اسمه الشاكر. لأن هذا المقام في حال العطاء والرخاء. ومعنى أنه ذيل الآية باسمه الشاكر فهذا دليل على خصوصية الاصطفاء لمن حج البيت أو اعتمر؛ أن يصطفي لك بيته و يمن عليك بأداء هذا النسك فإنها لمنة عظيمة.

فالله يقول في هذه الآية: (وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً ) أي من يتابع بين الحج والحج والعمرة والعمرة ويكثر من الطواف (فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ).

وهنا (فإن) على التوكيد، وقد ذهب أهل البلاغة أن التوكيد يكون على ثلاثة أنواع:

P إما أن يكون تأكيدا خفيفا .

P أو يزيد في التوكيد بـ (بإن) و (اللام) مثلا: (فإن الله لشاكر عليم)

P أو يأتي بنون التوكيد (لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ )

وهذا مناسب للمخاطب عندما يكون هناك معنى يحتاج إلى مزيد من التوكيد حتى لا يكون هناك أدنى شك. فمثلا: إذا اهتز القلب وشك في أن الله شاكر فالتوكيد هنا يلغي هذه الشبهة ويؤكد شكر الله لعباده على شكرهم له. و هنا في هذه الآية لأنه مقام عطاء ناسبت هذه الآية أن تختم باسم الله الشاكر مع توكيده .

كيف نتعبد الله تعالى باسمه الشكور؟

لم يرد الدعاء باسم الله الشكور، لكن ورد الدعاء بمقتضاه كما في قوله تعالى: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ) [البقرة : 152] فأمرنا الله عز وجل بالشكر .

و منه قول إبراهيم عليه وعلى نبينا السلام:(رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) [إبراهيم : 37]

وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه و سلم أرشدنا إلى طريقة جميلة في الاجتهاد في الدعاء يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم في الحديث الذي رواه الامام أحمد و الحاكم و صححه الألباني: <أتحبون أن تجتهدوا في الدعاء قولوا اللهم أعنا على ذكرك شكرك و حسن عبادتك>و الدعاء هو العبادة فالاجتهاد في الدعاء اجتهاد في العبادة

حظ المؤمن من هذا الاسم

î قالوا توحيد المؤمن لربه في اسمه الشاكر يوجب عليه شكر الله تعالى على نعمه السابغة. إذ قلنا أن الشكور هو من يحمد الله في الضراء ويطيعه أيضا في السراء. وهذا يتوافق مع قول رسول الله صلى الله عليه و سلم ( تعرف إلى الله في الرخاء ) (خرجه ابن رجب في جامع العلوم والحكم وقال: حسن جيد)لأن هذا من مقتضى الشاكر. فالله الذي أنعم عليك بالنعم و أسداها إليك يوجب بهذا محبته.

î ومن شكر الله شكر الناس، فقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( من لم يشكر الناس لم يشكر الله) (حسنه الترمذي)

فإذا أسدى أحد إليك معروفا إليك فكافئه، كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم <ومن أتى إليكم معروفًا فكافِئوه فإن لم تجدوا فادعوا لهُحتى تعلموا أن قد كافأتموهُ> و ليس أقل من أن تدعو لمن أعطاك أي شيء .

وروى أبو داود و صححه الألباني من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال( لم يشكر الله من لم يشكر الناس)

وعند الامام أحمد و صححه الألباني من حديث عبد الرحمن بن شبل أن الرسول صلى الله عليه و سلم قال(إن الفساق هم أهل النار قيل يا رسول الله و من الفساق قال النساء ) وهذا الحديث في المسند و في السلسلة الصحيحة قال الرجل يارسول الله: أو لسن أمهاتنا و أخواتنا و أزواجنا قال بلى و لكنهن إن أعطين لم يشكرن و أن ابتلين لم يصبرن)

و الشاهد في الحديث أن الرسول فسر لنا معنى الفسق وهو التجاوز في العصيان والتمادي في المخالفة. ودرجة الفسوق هذه تقترب من درجة الزندقة وهي بريد الكفر والعياذ بالله. فهنا فسر رسول الله معني الفسق أنه عدم الشكر عند العطاء وعدم الصبر عند البلاء.

وفي الحديث زجر النبي النساء زجرا شديدا لكفرانهن العشير. وكثير من الناس رجالا وتساءا يستحقون هذا الزجر أيضا.. إذ يحسن الله إليهم الدهر كله ولا تجد منهم شاكرا لأنعم الله .

îالشكر خير من الذهب والفضة

ففي سنن الترمذي و صححه الألباني من حديث ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لما نَزَلَتْ : وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ . قال : كنا مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في بَعْضِ أسفارِه ، فقال بعضُ أصحابِه : أُنْزِلَت في الذهبِ والفِضَّةِ لو عَلِمْنا أَيُّ المالِ خيرٌ فنتخذَه . فقال : أَفْضَلُه لسانٌ ذاكِرٌ ، وقلبٌ شاكرٌ ، وزوجةٌ مؤمنةٌ تُعِينُه على إيمانِه) .

فانظر ماذا يسألونه وبماذا يجيب؟ !

اســـــم الله الحمـــــيد

ورد في القرءان في أكثر من موضع من ذلك

1. قوله تعالى (وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ ) [الحج 24]

2. ومنه قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ) فاطر (15)

3. ومنه قوله تعالى (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ) [الشورى : 28]

و اقترن باسمه المجيد كما في "سورة هود" : (قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ) [هود : 73]

واقترن باسمه تعالى الحكيم كما في قوله تعالى:(لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) [فصلت : 42]

و في الحديث الذي رواه البخاري من حديث كعب بن عجرة أنه قال: < سألنا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقلنا : يا رسولَ اللهِ كيف الصلاةُ عليكم أهلَ البيتِ ، فإنَّ اللهَ قد علَّمناكيف نُسلِّمُ عليكم ؟ قال : ( قولوا : اللهمَّ صلِّ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ ، كما صلَّيتَ على إبراهيمَ ، وعلى آلِ إبراهيمَ ، إنكَ حميدٌ مجيدٌ ، اللهمَّ بارِكْ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ ، كما باركتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ ، إنكَ حميدٌ مجيدٌ)

معنى الاسم في حق الله تعالى:

الحميد سبحانه هو المستحق للحمد، سمى نفسه الحميد علا شأنه وارتفع، حمد نفسه وحمده الموحدون فله الحمد كله. وهو سبحانه المحمود على ما أعطي ومنع وضر ونفع ووهب ونزع.

قال ابن القيم رحمه الله: " (الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الفاتحة : 2] أنه المحمود على ما خلقه وأمر به و نهى عنه، فهو المحمود على طاعات العباد ومعاصيهم ومحمود على خلق الأبرار والفجار "

و هي مسألة تشكل على الناس ولا يدرك عدل الله وحكمته فيها إلا المؤمنون حقا الذين يعرفونه سبحانه، أما من سواهم فيرون هذا ظلما والعياذ بالله ولا يدركون رحمة الله فيه.

­ وهو المحمود على عدله في أعدائه كما هو المحمود على فضله في إنعامه على أوليائه، فكل ذرة في الكون شاهدة بحمده لهذا سبح بحمده السموات السبع والأرض ومن فيهن.

­كذلك فإن الله عز وجل هو الحميد الذي يحمده عباده الموحدون لأنهم يعلمون أنه خلق الدنيا للابتلاء وخلق الآخرة للجزاء، فهم يحمدونه في السراء والضراء و يوحدونه في العبادة والاستعانة والدعاء حتى يكرمهم بجنته عند اللقاء؛ فإن ابتلاهم صبروا وإن أنعم عليهم شكروا.

لذلك قال الله في وصفهم: (وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ ) [الأعراف : 43]

و قال أيضا سبحانه: (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ) [فاطر : 34]

قالوا " أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ " وهذا يعني أن الدنيا دار شقاء وعناء ومن ابتغى فيها السعادة فهو خاسر، وأن أعظم البلاء حرمان القلوب من علام الغيوب، وحرمان الجنان من الرحيم الرحمن .

وذكر"غفور شكور" في هذا الموضع وقدم الغفور لأنه هو الذي يستر العيوب والذنوب العظام. فكأن أهل الجنة عندما أمسكوا صحائفهم ورأوا أعمالهم وذنوبهم وعاينوا أهوال الحشر، ثم يرون هذه القبائح العظام قد محيت وضوعفت حسناتهم على ما فيها من تقصير وشوائب، عرفوا وشعروا بمعني الله الغفور الشكور حقا.

ونحن نحتاج في الدنيا إلى الشعور بهذا المعنى، حسناتك تكثرها وتشكره عليه، وذنوبك تستغفر منها و تشكره و تحمده تعالى على فضله وغفرانه.

­الحميد سبحانه وتعالى دال على ذاته الموصوفة بصفة الحمد، واسمه الحميد يلزم منه أن يكون الله حي، قيوم، سميع، بصير، غني، كريم، حليم، عزيز، عظيم، إلى غير هذا من أوصاف الجمال و الجلال.

وفي قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ) [الشورى : 28]

وهنا وقفة..لماذا ذكر في هذه الآية اسمه تعالى الوليّ؟

في هذه الآية أخبرنا الله عز وجل أنه يفرج و ينزل الغيث عندما يشعر الانسان القنوط و اليأس، فمثلا متزوج له سنوات و لم يرزق بأولاد فيرزقه الله حينما يقنط وينقطع أمله في الانجاب. حتى تتفرح بفضل الله وتتعلم أنه لا قنوط مع قدرته سبحانه..

و أيضا قال تعالى في الآية ( وينشر رحمته):

قال ينشر لأن هذه الرحمة لا تنفع من تنزل عليه فقط بل هي تعم، فالله عز وجل ينشر للمستحق ابتداءا ثم من لا يستحق كما قال النبي صلى الله عليه وسلم عمّن يجالس أهل الذكر (هم القوم لا يشقى بهم جليسهم) فيغفر له الله كما يغفر لهم فبذلك ينتفع بمجالسته؛ و قس على هذا أي شئ .

( وهو الولي الحميد) ذكره للوليّ هنا لأن منعه ولاية و عطاؤه ولاية، لأنه لا يمنع بخلا سبحانه وإنما يمنع تربية ومحبة وحماية، فهو الذي يدبر الأمر ففوض أمرك إلى الله و اجعله وليك وارضى عن أفعاله.

حظ العبد من اسم الله الحميد:

أولا : أن نكثر من حمد الله سبحانه وتعالى على سائر الأحوال ونسبح بحمده كما يسبح كل شئ في الكون بحمده سبحانه: (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) [الإسراء : 44] وكلمة "شيء" أي: الموجود، تطلق على سائر الموجودات، أي ما من مخلوق موجود إلا و يسبح بحمد الله.

w و اعلم أن حمد الله سبحانه و تعالى يستوجب رضاه فالرسول صلى الله عليه و سلم يقول: <إنَّ اللهَ تعالى لَيرضى عن العبدِ أنْ يأكلَ الأكلةَ ، أو يشربَ الشربةَ ، فيحمدُاللهَ عليها >(صححه الألباني)

wوالحمد مستوجب لغفران الذنوب وعلو المكانة عند الله وبلوغ مقام الرضا. و لا أفضل من مقام الرضا فلنحمد الله بالقلب و باللسان و بالجوارح بالتعبد و الخضوع لله .

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: < الطَّهورُ شطرُ الإيمانِ . والحمدُ للهِ تملأُ الميزانَ . وسبحان اللهِ والحمدُ للهِ تملآنِ ( أو تملأُ ) ما بين السماواتِ والأرضِ> (رواه مسلم) .

wوالحمد لله من أحب الكلم إلى الله، كما جاء في الحديث(أحبُّ الكلامِ إلى اللهِ أربعٌ : سبحانَ اللهِ ، والحمدُ للهِ ، ولا إله إلا اللهُ ، واللهُ أكبرُ . لا يضرُّك بأيِّهنَّ بدأتَ) (رواه مسلم)

و قال سليمان عليه السلام: (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ) [النمل : 19] يطلب من الله عمل صالح يرضيه لأنه ليس كل عمل صالح يرضيه. فالغني الذي يتصدق بخمس جنيهات ليس كالفقير الذي يتصدق بتلك الخمس ولا يقارن هذا بذاك. فإذا ليس كل عمل صالح يرضيه.

و قال الله عز وجل: (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) [سبأ : 13]

وفي الحديث الذي رواه الامام أحمد وصححه الألباني من حديث مطرح رضي الله عنه قال : قال لي عمران: (أنه قال إني لَأُحدِّثُكَ بالحديثِ اليومَ ، لِينفعَك اللهُ عزَّ وجلَّ به بعدَ اليومِ ، اعلمْ أنَّ خيرَ عبادِ اللهِ تبارك وتعالى يومَ القيامةِ الحمَّادونَ)

وقال صلى الله عليه وسلم: <إنَّ للهِ ملائكةً سيَّاحين في الأرض فُضْلًا عن كُتَّابِ الناسِ ، يطوفون في الطُّرُقِ ، يلتمسون أهلَ الذِّكرِ ، فإذا وجدوا قومًا يذكرون اللهَ تنادوا : هَلُمُّوا إلى حاجاتِكم ، فيَحفُّونهم بأجنحتِهم إلى السماءِ الدنيا ، فيسألهم ربُّهم ، وهو أعلمُ منهم : ما يقول عبادي ؟ فيقولون : يُسبِّحونك ، ويُكبِّرونك ، ويحمَدونك ، ويمجِّدونك ، فيقول هل رأوني ؟ فيقولون : لا واللهِ ما رأوك ، فيقول : كيف لو رأوني ؟ فيقولون : لو رأوك كانوا أشدَّ لك عبادةً ، وأشدَّ لك تمجيدًا ، وأكثرَ لك تسبيحًا ، فيقول : فما يسألوني ؟ فيقولون : يسألونك الجنَّةَ ، فيقول : وهل رأوها ؟ فيقولون : لا واللهِ يا ربِّ ما رأوها ، فيقول : فكيف لو أنهم رَأوها ؟ فيقولون : لو أنهم رأوها كانوا أشدَّ عليها حِرصًا ، وأشدَّ لها طلبًا ، وأعظمَ فيها رغبةً ، قال : فمم يتعوَّذون ؟ فيقولون : من النَّارِ ، فيقولُ اللهُ : هل رأوها ؟ فيقولون : لا واللهِ يا ربِّ ما رَأوها ، فيقول : فكيف لو رأَوها ؟ فيقولون : لو رأوها كانوا أشدّ منها فرارًا ، وأشدَّ لها مخافةً ، فيقول : فأُشهدِكُم أني قد غفرتُ لهم ، فيقولُ ملكٌ من الملائكةِ : فيهم فلانٌ ليس منهم ، إنما جاء لحاجةٍ ! فيقول : هم القومُ لا يَشْقى بهم جليسُهم ) (صححه الألباني)

فأول معنى في اسمه تعالى الحميد أن تشكر ربك على كل أحوالك في الرخاء والبلاء.

الأمر الثاني:اسمه تعالى الحميد مستوجب لمحبته لا محالة فيزداد لله حبا بهذه اللطائف والمنن.

و الأمر الثالث:هو الحياء.. أن يستحي من ربه فالله سبحانه فهو وحميد وشاكر ومحمود من كل الخلق فهذا يستوجب الحياء ولا شك.

و الحياء يبعث على مقام رابع وهو الذل والانكسار و هذا هو المعنى الرابع ( الذل و الانكسار لله الحميد) فالكل يقوم بمقام العبودية و انت مقصر فتذل و هذا يبعث على الانس بالله و الشوق اليه.///

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فهذا موضوع عظيم وجيه، يدرك أهمّيته كلّ سنيّ نبيه، ولا يجهل شأنه إلاّ كلّ جافٍ سفيه، فربّ منكر للحقّ لعجزه عن إدراك مغزاه، وقديما قيل: " من جهل شيئا عاداه ". فإنّنا سمعنا ولا نزال نسمع من يُنكر على أهل السنّة تعظيمهم لباب الأسماء والصّفات، ويستقبح كثرة ما جاء فيه من المصنّفات، ويرون أهل السنّة في الحضيض وهم في قمّة الجوزاء، ولسان قالهم: هذا الميّت لا يستحقّ هذا العزاء ..

فاعلم – رحمني الله وإيّاك – أنّ ثمرات إثبات أسماء الباري سبحانه كثيرة، نورد بعضها على وجه الاختصار، فمن ذلك:

1- أنّ ذلك حقّ من حقوق الله تعالى.

فما من صفة كمال إلاّ والله أولى بالاتّصاف بها، وما من صفة نقص إلاّ والله أولى بالتنزّه عنها، وما قولك فيمن نفى الكلام عنك ؟! وما قولك فيمن نفى القدرة عنك ؟! أما يكون قد وصفك بنقص، وعاملك ببخس..؟! كذلك صفات الكمال يجب أن تُثبت للحقّ تبارك وتعالى. والنبيّ صلّى الله عليه وسلّم أمرنا بأن نُعطِي كلّ ذي حقّ حقّه، وأعظم الحقوق على الإطلاق: حقوق الواحد الخلاّق.

2- أن الله خلق الخلق ليعرفوه ويعبدوه.

وهذه هي الغاية المطلوبة منهم، لأنّه – كما يقول ابن القيم رحمه الله في " الصّواعق المرسلة " –:

" مفتاح دعوة الرّسل، وزبدة رسالتهم، معرفة المعبود بأسمائه وصفاته وأفعاله؛ إذ على هذه المعرفة تُبْنَى مطالب الرّسالة كلّها من أوّلها إلى آخرها " [" الصّواعق المرسلة " (1/150-151)].

فالاشتغال بمعرفة الله، اشتغال بما خلق له العبد، وتركه وتضييعه إهمال لما خلق له، وليس معنى الإيمان هو التلفظ به فقط دون معرفة الله، لأنّ حقيقة الإيمان بالله أن يَعْرِف العبد ربّه الّذي يؤمن به، ويبذل جهده في معرفة الله بأسمائه وصفاته، وبحسب معرفته بربه يزداد إيمانه.

3- أن العلم بأسماء الله الحسنى أصل كل العلوم.

يقول ابن القيم رحمه الله في "بدائع الفوائد": ( إنّ العلم بأسماء الله الحسنى أصل للعلم بكلّ معلوم، فإنّ هذه المعلومات سواه إمّا أن تكون خلقاً له تعالى أو أمراً، إمّا علم بما كوَّنه، أو علم بما شرعه، ومصدر الخلق والأمر عن أسمائه الحسنى، وهما مرتبطان بها ارتباط المقتضى بمقتضيه...) ["بدائع الفوائد" (1/163)].

4- أن معرفة الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى من أعظم أسباب زيادة الإيمان.

قال الشّيخ عبد الرّحمن بن ناصر السّعدي رحمه الله:

" إنّ الإيمان بأسماء الله الحسنى ومعرفتها يتضمّن أنواع التّوحيد الثّلاثة: توحيد الرّبوبية، وتوحيد الإلهيّة، وتوحيد الأسماء والصفات، وهذه الأنواع هي رُوح الإيمان ورَوحه [الروح: هو الفرح، والاستراحة من غمّ القلب]، وأصله وغايته، فكلّما زاد العبد معرفة بأسماء الله وصفاته ازداد إيمانه وقوي يقينه " [" التّوضيح والبيان لشجرة الإيمان " للسّعدي ص (41)"].

5- لولا إثبات الصّفات لتعطّلت العبادة.

فإنّ معرفة الله تعالى تدعو إلى محبّته وخشيته، وخوفه ورجائه، وإخلاص العمل له، وهذا هو عين سعادة العبد، ولا سبيل إلى معرفة الله، إلاّ بمعرفة أسمائه الحسنى، والتفقّه في فهم معانيها:

- فإذا آمن العبد بصفات ربّه الدالّة على سعة علمة وإحاطته كصفات العلم والسّمع والبصر والمعيّة وغيرها أورثه ذلك كلّه الخوف منه تعالى وتعظيمه.

- وإذا آمن بصفة السّمع علم أنّ الله يسمعه فلا يقول إلاّ خيرا، وإذا آمن بصفة البصر والنّظر والعين والرّؤية علم أنّ الله يراه فلا يفعل إلاّ خيرا.. فما بالك بعبد يعلم أنّ الله يسمعه ويراه، وأنّه مطّلع على سرّه ونجواه ؟!

- وإذا آمن العبد بصفات الله كاللّطف، والرّحمة، والعفو، والمغفرة، والتّوب، والسّتر فإنّه لا ييأس من روح الله، كما أنّه إذا آمن بصفة الغضب والمقت والأسف واللّعن والسّخط والكره لم يأمن مكر الله تعالى، وحينئذ يعبد العبد ربّه على جناحي الخوف والرّجاء، وهما جناحا طائر السّلامة.

- وإذا آمن العبد بصفات الله الدالّة على قهره وقدرته وجبروته وهيمنته وسلطانه علم أنّ الله ما كان ليُعجزه شيء أبدا، فيحسن الظنّ به، ويعلم أنّه ما من شيء إلاّ ومن ورائه حكمة، لذلك يحسن بنا أن نتذكّر هذه الصّفات في أيّام محنتنا، وساعات كربتنا، حتى نحسِن الظنّ بربّنا، وأنّه تعالى عند وعده ولكنّ العبد ليس عند شرطه.

- وإذا آمن العبد بصفات الله تعالى وأسمائه استصغر نفسه واحتقرها أمام كلّ صفة، فلا ينازع الله تعالى في صفات الهيمنة والتكبّر والجبروت، وإذا تأمّل صفة الغِنى وتمام الملك والعطاء استصغر نفسه أمامها فيظلّ مفتقرا إلى مولاه، لا معبود بحقّ سواه.

- وإذا آمن العبد بصفة العزّة والغلبة والقوّة علم أنّ عزّته من عزّة الله فلا يخضع لأحد ولا يخنع لمخلوق.

6- تعبّد الله بها.

قال الله تعالى:{ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }.. والدّعاء هنا هو دعاء المسألة، ودعاء العبادة، أي: اسألوه بها، واعبدوه بها.

فعلى العبد أن يسعى إلى الاقتباس من نور صفات الله على ما يليق به، ويعبّر عن ذلك الإمام ابن القيّم رحمه الله بـ ( تعبّد الله بها )، لا كما يقول بعضهم: يتخلّق بها.. ومن المعلوم لدى أرباب الفطر السّليمة والقلوب القويمة، أنّ المحبّ يحبّ أن يتّصف بصفات محبوبه، كما أنّ المحبوب يحبّ أن يتصف محِبّه بصفاته .. لذلك كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يحثّ على الأحسن والأفضل ويذكّر النّاس أنّ الله يحبّها بقوله: (( إِنَّ اللهَ عَفُوٌّ يُحِبُّ العَفْوَ )).. (( جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمَالَ )) .. (( طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّباً ))..

7- التّسليم والانقياد.

فإنّ صفات الله تعالى الخبريّة كـ( الوجه، واليدين، والأصابع، والسّاق، وغيرها ) تكون كالاختبار للعباد، فمن آمن بها على ما يليق بالله تعالى – دون تكييف أو تمثيل – وقال كما علمه ربّه:{ كُلٌٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا }، فقد فاز فوزا عظيما، ومن قدّم عليها ذوقا أو عقلا، ولم يتّبع وحيا ولا نقلا، فقد خسر خسرانا مبينا .. فالإيمان بالأسماء والصّفات تمام التّسليم والتّوحيد ..

8- أنّ إحصاءها سبب من أسباب دخول الجنّة.

روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ )).

ولنا مع هذا الحديث وقفتان:

الوقفة الأولى: في بيان معنى الإحصاء: وقد اختلفوا في المراد بإحصائها:

فقال البخاري وغيره من المحقّقين: معناه: حفظها، وهذا هو الأظهر; لأنّه جاء مفسرا في رواية أخرى عند مسلم: ( من حفظها ).

وقيل: أحصاها: عدّها في الدّعاء بها.

وقيل: أطاقها أي: أحسن المراعاة لها، والمحافظة على ما تقتضيه، وصدق بمعانيها، ويأتي الإحصاء بمعنى الإطاقة، كما في قوله صلّى الله عليه وسلّم: (( اِسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا ))، ومنه قوله صلّى الله عليه وسلّم: (( لاَ أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ )).

والصّواب ما ذكره ابن القيّم رحمه الله في "بدائع الفوائد" أنّ الإحصاء مراتب:

"- المرتبة الأولى إحصاء ألفاظها وعددها.

-المرتبة الثانية فهم معانيها ومدلولها.

-المرتبة الثالثة دعاؤه بها كما قال تعالى:{ وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا } [الأعراف من:180]، وهو مرتبتان:

إحداهما: دعاء ثناء وعبادة.

والثّاني: دعاء طلب ومسألة "اهـ ["بدائع الفوائد" (1/172)].

الوقفة الثّانية: هل أسماؤه تعالى محصورة ؟

قال الحافظ وهو يتكلّم عن حديث التّسعة والتّسعين اسما:" واتّفق العلماء على أنّ هذا الحديث ليس فيه حصر لأسمائه سبحانه وتعالى، فليس معناه: أنّه ليس له أسماء غير هذه التّسعة والتّسعين، وإنّما مقصود الحديث أنّ هذه التّسعة والتّسعين من أحصاها دخل الجنّة، فالمراد الإخبار عن دخول الجنّة بإحصائها لا الإخبار بحصر الأسماء، ولهذا جاء في الحديث الآخر:" أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الغَيْبِ عِنْدَكَ ".

وأمّا تعيين هذه الأسماء فقد جاء في الترمذي، وهو ضعيف، وفي بعض أسمائه خلاف.

هذه بعض ثمرات إثبات أسماء الله وصفاته القلبيّة والسّلوكيّة، وهناك ثمرة عظيمة قلّ من يُنبّه عليها، ألا وهي:

9- إغلاق باب التّأويل والتّحريف على الباطنيّة والفلاسفة والملاحدة.

فقد ظهر الفلاسفة والطبعيّون، فأنكروا نصوص المعاد واليوم الآخر، وأوّلوها على غير وجهها، حتّى قالوا إفكا عظيما، وأنّ المقصود بها خلاف ظاهرها، كما ترى في " الرّسالة الأضحويّة " لابن سينا (ص 99)، فلمّا ردّ الأشاعرة عليهم، قال الفلاسفة: ما جئنا بجديد، إنّما اتّبعنا آثاركم في تأويا الصّفات، فأوّلنا نصوص المعاد.

وقام الباطنيّة المتصوّفة فأنكروا نصوص الشّريعة، وقالوا نحن علماء الحقيقة، ولا يحرم علينا ما حرُم على غيرنا، ولا يجب علينا ما يجب على غيرنا، والمقصود بالصّلاة خلاف ظاهرها، وبالزّكاة خلاف ظاهرها، وقالوا: إنّما أوّلنا كما أوّلتم نصوص الصّفات..

فأُلزم الأشاعرة بقولهم، ووقعوا في حبلهم، حتّى قال ابن رشد – رحمه الله وعفا عنه – في " فصل المقال " (ص 49):

" يشبه أن يكون المخطئ في هذه المسألة – أي: المعاد – من العلماء معذورا، والمصيب مشكورا مأجورا "!!

وأُفحم الغزالي حتّى قال:" إنّما نستدلّ على المعاد بالكشف !! [الإحياء: (1/104)].

أمّا الّذين تشبّثوا بما كان عليه سلف الأمّة، وأثبتوا لله تعالى ما أثبته لنفسه، لم يُلزِمهم الفلاسفة ولا الدّهريّون ولا الباطنيّون بشيء، لأنّهم من أوّل يوم أغلقوا باب التّأويل، وما على المحسنين من سبيل ..

يقول ابن تيمية رحمه الله في " درء التّعارض " (5/10):

" ونُلزِم كلّ من سلك سبيل التّأويل بلازم لا ينفكّ عنه إلاّ مكابرةً، وهو أنّ ما يسلكه المتكلّمون من الأشاعرة وغيرهم في تأويل الصّفات، هو بعينه ما يسلكه الملاحدة الدّهريّة في إنكار ما أخبر الله به عباده من أمور اليوم الآخر والمعاد كابن سينا في " الرّسالة الأضحويّة "، وينتج عن هذا أحد ثلاثة أمور:

- إمّا الاعتراف بمنهج السّلف، والرّجوع إليه.

- وإمّا الاعتراف بتأويل الدّهريّة ومنكري المعاد.

- وإمّا الحيرة والشكّ كما وقع لكثير منهم " اهـ.

وسوف نرى إن شاء الله أنّه ما من صفة من صفات الله تعالى إلاّ وللإيمان بها ثمرات عظيمة، وآثار كبيرة، { فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا } والحمد لله أوّلا وآخرا، باطنا وظاهرا، وصلّ اللهمّ على محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم. ==

شرح : ( لفظ الجلالة: الله عزّ وجلّ )

فأوّل الأسماء التي نشرع في شرحها هو لفظ الجلالة ( الله عزّ وجلّ )، فهو: ( عَلَمٌ على ربّنا الإله المستحقّ للعبادة سبحانه وتعالى ).

ونتطرّق إلى هذا الاسم الكريم في مسائل:

المسألة الأولى: معنى لفظ الجلالة وأصل اشتقاقه:

اختلف العلماء في كون لفظ الجلالة مشتقّا أو جامدا على قولين:

الأوّل: أنّه مشتقّ من الألوهيّة والإلهيّة، وهي العبوديّة، تقول العرب: أله الشّيءَ أي: عبده وذلّ له. فأصل كلمة ( الله ) كما قال الكسائي والفرّاء وأبو الهيثم: الإله، حذفوا الهمزة وأدخلوا الألف واللاّم، ثمّ أدغمت اللاّم في الأخرى.

ونظيره كلمة ( الأُناس ): حذفوا الهمزة فقالوا: "النّاس".

فالله من إله بمعنى مألوه أي: معبود، ككتاب بمعنى مكتوب، وفراش بمعنى مفروش، وبساط بمعنى مبسوط، وإمام بمعنى مأموم يقصده النّاس.

وروى الطّبريّ عن ابن عبّاس رضي الله عنه قال:" هو الّذي يألهُه كلّ شيءٍ، ويعبده كلّ خلق "، وعن الضحّاك عن ابن عبّاس رضي الله عنه قال:" الله ذو الألوهيّة والعبوديّة على خلقه أجمعين ".

فإن قال قائل: وما الّذي يدلّ على أنّ الألوهية هي العبادة، وأنّ الإله هو المعبود ؟

فالجواب هو: أنّ العرب نطقت بذلك في كلامها:

قال ابن سيده: والإلاهة والألوهة والألوهية: العبادة، وقد قرأ ابن عبّاس: ( وَيَذَرَكَ وَإَلاَهَتَكَ ) – بكسر الهمزة – أي: وعبادتك.

القول الثّاني: أنّ لفظ الجلالة جامد، ويُنقل القول بعدم اشتقاقه عن الخليل – كما في " لسان العرب " – وسيبويه – كما في " أوضح البرهان في تفسير أمّ القرآن " للمعصومي – وكثير من الأصوليّين، ولكنْ في نسبة ذلك إلى سيبويه نظر[1].

وقال ابن القيّم في " بدائع الفوائد " (1/26):" زعم أبو القاسم السّهيلي وشيخه ابن العربي أنّ اسم الله غيرُ مشتقّ ".

وأدلّتهم على ذلك:

1-أنّ الاشتقاق يستلزم مادّةً يُشتقّ منها، واسمه تعالى قديم والقديم لا مادّة له فيستحيل الاشتقاق.

2-لو كان مشتقّا لاشترك في معناه كثيرون ممّن يُعبد، وذلك لم يقع، حتّى إنّ فرعون قال:{أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى} ولم يقل: أنا الله ! بل عندما ادّعى الألوهيّة قال:{وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص: من الآية38].

3-بقيّة أسماء الله تعالى، تقع صفات، كالرّحمن الرّحيم، وغيرها، وهو لم يقع صفة أبدا.

4-كلّ أسمائه تعالى يمكن ترجمتها إلاّ لفظ الجلالة "الله".

والجواب عن هذه الأدلّة ما يلي:

- أمّا قولهم: إنّ الاشتقاق يستلزم مادّةً يُشتقّ منها، واسمه تعالى قديم والقديم لا مادّة له. فهذا مردود بأنّ سائر أسمائه الحسنى كالعليم والقدير والغفور والرّحيم والسّميع والبصير أسماء مشتقّة من مصادرها بلا ريب، وهي قديمة، والقديم لا مادّة له، فما كان جوابكم عن هذه الأسماء فهو جواب القائلين باشتقاق اسم الله.

- وقولهم: لو كان مشتقّا لأُطلِق على كثير من المعبودات، وأنّه لا يقع صفةً، وأنّه لا يمكن ترجمته، فهذا لا يدلّ على ذلك، فإنّ لفظ الجلالة اختصّ به سبحانه، كما اختصّ القرآن بأن أُطلِق على كتاب الله المنزّل على محمّد صلّى الله عليه وسلّم دون غيره من الكتب، مع كونها مقروءة، ولم يمكن ترجمته كما تُرجمت الأسماء الأخرى. والله أعلم.

المسألة الثّانية: مكانة هذا الاسم.

اسم " الله " جلّ جلاله هو الاسم الجامع، وعلم الأعلام، ولهذا كان له خصائص كثيرة، منها:

1- أنّه علم اختصّ به، وحتّى أعتى الجبابرة لم يتسمّ به، كما مرّ معنا.

2- تُضاف الأسماء إليه، ولا يُضاف إليها، فيقال: الرّحمن الرّحيم من أسماء الله، ولا يقال: الله من أسماء الرّحمن الرّحيم، حتّى إنّه قال:{ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا } [الأعراف:180] وقال:{ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23)} [الحشر].

3- أنّه لا يصحّ إسلام أحد من النّاس إلاّ بالنّطق به، فلو قال: لا إله إلاّ الرّحمن، لم يصحّ إسلامه عند جماهير العلماء.

4- ولا تنعقد صلاة أحد من النّاس إلاّ بالتلفّظ به، فلو قال: الرّحمن أكبر ! لم تنعقد صلاته.

5- وهل هو اسم الله الأعظم ؟.

مسألة اسم الله الأعظم.

قبل البحث في ذلك، فإنّه لا بدّ أن نعلم أنّ المقصود بالاسم هنا ليس بالضّرورة أن يكون كلمة واحدة أو لفظا واحدا، فإنّ ذلك من اصطلاح النّحويّين، وإنّما المقصود شيء تسمّى به، فقد يكون صفة مركّبة من اسمين فأكثر.

وقد دلّت السنّة على أنّ لله تعالى اسما خصّه بما لو دُعِيَ به أجاب، وقد أنكره طائفة من أهل العلم، كأبي جعفر الطّبري وأبي الحسن الأشعري، وجماعة بعدهما كأبي حاتم ابن حبّان، والقاضي أبي بكر الباقلاني، فقالوا: لا يجوز تفضيل بعض الأسماء على بعض. وأوّلوا أحاديث الباب بأنّ المراد زيادة ثواب الدّاعي بها.

والقول الرّاجح قول من أثبته، وأحاديث الباب حجّة على المنكرين.

نعم، هناك أحاديث كثيرة في هذا الباب، فمنها الموضوع، ومنها الضّعيف، ولذلك كثُرت الأقوال فيها، وما صحّ منها فهو قليل.

ويلحق بذلك في الضّعف من قال: استأثر الله تعالى بعلم الاسم الأعظم، ولم يُطلِع عليه أحدا من خلقه.

وأثبته آخرون معيّنا واضطربوا في ذلك، قال الحافظ ابن حجر:

" وجملة ما وقفت عليه في ذلك أربعة عشر قولا "، وقال الشّوكانيّ رحمه الله في "تحفة الذّاكرين": " قد اختُلِف في تعيين الاسم الأعظم على نحو أربعين قولا، قد أفردها السّيوطي بالتّصنيف".

فذكرها، ومنها:

1-( الله ) لأنّه اسم لم يُطلَق على غيره، ولأنّه الأصل في الأسماء الحسنى، ومن ثَمَّ أُضيفت إليه.

2-ومنها ( الرّحمن الرّحيم، الحيّ القيّوم ) بدليل ما رواه التّرمذي وابن ماجه والدّارميّ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ أَنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ:{وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} وَفَاتِحَةِ آلِ عِمْرَانَ:{اَلَم اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}.

وهو الّذي رجّحه ابن القيّم رحمه الله في "زاد المعاد".

3-ومنها "الحيّ" و"القيّوم"، بدليل ما أخرجه ابن ماجه عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ فِي سُوَرٍ ثَلَاثٍ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ وَطه )).

وهذا القول لا يُخالف القول الذي قبله، وقد انتصر ابن القيّم لهذا كثيرا.

4-ومنها: المنّان، بديع السّماوات والأرض، ذو الجلال والإكرام، الحيّ القيّوم، ودليله ما رواه النّسائي وابن ماجه وأحمد عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم الْمَسْجِدَ وَرَجُلٌ قَدْ صَلَّى وَهُوَ يَدْعُو وَيَقُولُ فِي دُعَائِهِ " اللَّهُمَّ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، الْمَنَّانُ، بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، ياَ حيُّ ياَ قَيُّومُ !" فَقَالَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم:

(( أَتَدْرُونَ بِمَ دَعَا اللَّهَ ؟ دَعَا اللَّهَ بِاسْمِهِ الْأَعْظَمِ، الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ، وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى )).

وهذا في الحقيقة لا يعارض ما سبق، لأنّ لفظ الحي القيّوم ذُكِر.

5- ومنها: الأحد الصّمد الّذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، دليل ذلك ما أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان والحاكم من حديث بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ: سَمِعَ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم رَجُلًا يَدْعُو وَهُوَ يَقُولُ:" اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ " قَالَ: فَقَالَ: (( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ سَأَلَ اللَّهَ بِاسْمِهِ الْأَعْظَمِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى )).

قال الحافظ رحمه الله: وهو أرجح من حيث السند من جميع ما ورد في ذلك انتهى.

6- منها: أنّه " اللّهمّ "، بدليل أنّه تكرّر في الأحاديث.

وهذا ضعيف، لأنّه لم يتكرّر في حديث أسماء بنت يزيد، ثمّ إنّ هناك كثيرا من الأدعية – بل جلّ الأدعية – مبدوءة باللهمّ، ومع ذلك لم يقل عنها النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّها حوت الاسم الأعظم.

ثمّ إنّ الدّعاء باللّهمّ كان معروفا قبل الإسلام، فيبعُدُ أن يكون هو الاسم الأعظم.

الحاصل: أن يقال: إنّ اسم الله الأعظم جنس يشمل عدّة أسماء هي: الرّحمن الرّحيم، والحيّ القيّوم، والأحد الصّمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد.

والله أعلم وأعزّ وأكرم

========

( تابع: شرح لفظ الجلالة الله عزّ وجلّ )

المسألة الثّانية: ثمرات العلم بهذا الاسم.

الثّمرة الأولى:

من علم معنى لفظ الجلالة، وأنّه المستحقّ للعبادة دون من سواه، حقّق التّوحيد الذي جاءت به الرّسل، وأُنزلت لأجله الكتب، وهو توحيد العبادة، قال عزّ وجلّ:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النّحل: من الآية36]، وقال:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:25]، وما افتتح الله قصّة نبيّ من الأنبياء إلاّ ذكر نداءه لقومه:{ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ }.

وغير ذلك من الآيات.

وفي الصّحيحين عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَا أَنَا رَدِيفُ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلَّا أَخِرَةُ الرَّحْلِ فَقَالَ:

(( يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ ))، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ ! ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ:

(( يَا مُعَاذُ ))، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ ! ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ:

(( يَا مُعَاذُ ))، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ ! قَالَ:

(( هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ ؟ ))، قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ:

(( حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ))، ثُمَّ سَارَ سَاعَة،ً ثُمَّ قَالَ:

(( يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ ))، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ ! فَقَالَ:

(( هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوهُ ؟)) قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ! قَالَ:

(( حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ )).

فعلى المؤمن أن يحذر الوقوع في شيء ينقض صرح كلمة التّوحيد، والمعنى الّذي يدلّ عليه هذا الاسم المجيد، لأنّه:

- أوّلاً: كثيرا ما حذّر الله تعالى من الإشراك به فقال:{إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً} [النساء:48].

- ثانيا: أنّ من أوقع الآيات على القلوب المنفّرة من الشّرك بالله تعالى قوله تعالى بعد مدح أنبيائه وصفوة خلقه – وهم ثمانية عشر رسولا –: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: من الآية88]، وقال لسيّد الموحّدين محمّد صلّى الله عليه وسلّم:{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر:65].

- ثالثا: كان إبراهيم عليهم السلام يدعو ربّه متضرّعا قائلا:{رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} [إبراهيم: من الآية35]، قال بعض السّلف: ومن يأمن على نفسه الشّرك بعد إبراهيم ؟!

- رابعا: وما من آية تنهى عن الشّرك إلاّ ويتوعّد الله صاحبه بما لا يتوعّد به غيره، كقوله تعالى:{وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج: من الآية31]، وقوله تعالى:{إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: من الآية13]، وكقوله تعالى:{إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة: من الآية72].

لذلك روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( يَلْقَى إِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ آزَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَعَلَى وَجْهِ آزَرَ قَتَرَةٌ وَغَبَرَةٌ[1]، فَيَقُولُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ: " أَلَمْ أَقُلْ لَكَ لَا تَعْصِنِي[2] ؟ فَيَقُولُ أَبُوهُ: فَالْيَوْمَ لَا أَعْصِيكَ. فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ: يَا رَبِّ ! إِنَّكَ وَعَدْتَنِي أَنْ لَا تُخْزِيَنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ، فَأَيُّ خِزْيٍ أَخْزَى مِنْ أَبِي الْأَبْعَدِ ؟ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: (( إِنِّي حَرَّمْتُ الْجَنَّةَ عَلَى الْكَافِرِينَ )) ثُمَّ يُقَالُ: يَا إِبْرَاهِيمُ ! مَا تَحْتَ رِجْلَيْكَ ؟ فَيَنْظُرُ، فَإِذَا هُوَ بِذِيخٍ[3] مُلْتَطِخٍ فَيُؤْخَذُ بِقَوَائِمِهِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ )).

وفي الصّحيحين عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه يَرْفَعُهُ: (( إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ لِأَهْوَنِ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا: ( لَوْ أَنَّ لَكَ مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ كُنْتَ تَفْتَدِي بِهِ ؟) قَالَ: نَعَمْ ! قَالَ: ( فَقَدْ سَأَلْتُكَ مَا هُوَ أَهْوَنُ مِنْ هَذَا وَأَنْتَ فِي صُلْبِ آدَمَ أَنْ لَا تُشْرِكَ بِي فَأَبَيْتَ إِلَّا الشِّرْكَ ).

- خامسا: أنّ الشّرك يبقى مهيمنا على نفوس بعض هذه الأمّة، وفي ذلك كثير من الأحاديث، منها:

ما رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه وأحمد عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَلْحَقَ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِي بِالْمُشْرِكِينَ وَحَتَّى يَعْبُدُوا الْأَوْثَانَ وَإِنَّهُ سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي ثَلَاثُونَ كَذَّابُونَ كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ وَأَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ لَا نَبِيَّ بَعْدِي )).

وفي البخاري عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ:[ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَضْطَرِبَ أَلَيَاتُ نِسَاءِ دَوْسٍ عَلَى ذِي الْخَلَصَةِ – وَذُو الْخَلَصَةِ طَاغِيَةُ دَوْسٍ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ]

وغيرها من الأحاديث.

الثّمرة الثّانية:

إذا علمنا معنى الإله، تحقّقت المحبّة، وهو غاية الإسلام، فكيف ذلك ؟

ذلك لأنّ الله من الإله، بمعنى المعبود، والعبادة هي التذلّل، فإنّ الحبّ يملك على العبد قلبه حتّى يُذلّه له تعالى، قال ابن القيّم في "مدارج السّالكين" (3/26): " فإنّ الإله هو الّذي يأله العبادَ حبًّا وذلاًّ وخوفا ورجاءً وتعظيما وطاعة له، بمعنى مألوه، وهو الّذي تألهه القلوب أي: تحبّه وتذلّ له.

وأصل التألّه التعبّد، والتعبّد آخر مراتب الحبّ، يقال عبَّدَه الحبّ وتيّمه، إذا ملكه وأذلّه لمحبوبه، فالمحبّة حقيقة العبوديّة، وهل تمكن الإنابة دون المحبّة والرّضى والحمد والشّكر والخوف والرّجاء ؟ وهل الصّبر في الحقيقة إلاّ صبر المحبّين ؟

وكذلك الزّهد في الحقيقة هو زهد المحبّين، فإنّهم يزهدون في محبّة ما سوى محبوبهم لمحبّته.

وكذلك الحياء في الحقيقة، إنّما هو حياء المحبّين، فإنّه يتولّد من بين الحبّ والتّعظيم، وأمّا مالا يكون عن محبة فذلك خوف محض.

وكذلك مقام الفقر، فإنّه في الحقيقة فقر الأرواح إلى محبوبها، وهو أعلى أنواع الفقر، فإنّه لا فقر أتمّ من فقر القلب إلى من يحبّه.

وكذلك الغنى هو غنى القلب بحصول محبوبه وكذلك الشوق إلى الله تعالى ولقائه فإنه لب المحبة وسرّها.

فمنكر هذه المسألة ومعطلها من القلوب معطل لذلك كلّه، وحجابه أكثف الحجب، وقلبه أقسى القلوب وأبعدها عن الله وهو منكر لخلّة إبراهيم u فإنّ الخلّة كمال المحبّة ".

أروح وقد ختــمــت عـلـى فــؤادي بحُبِّـك أن يحـلّ به سـواكــــا

فلو أنّي استطعت غضضت طرفي فلـم أنظر بـــه حــتّـى أراكـــا

أحـبّـك لا بـبـعـضـي بـل بكلّـــــي وإن لم يُـبقِ حبُّـك لي حـراكا

لذلك روى التّرمذي وأحمد عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ في حديث اختصام الملأ الأعلى، وفيه: قَالَ الله له: قُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ وَأَنْ تَغْفِرَ لِي وَتَرْحَمَنِي وَإِذَا أَرَدْتَ فِتْنَةَ قَوْمٍ فَتَوَفَّنِي غَيْرَ مَفْتُونٍ أَسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُ إِلَى حُبِّكَ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( إِنَّهَا حَقٌّ فَادْرُسُوهَا ثُمَّ تَعَلَّمُوهَا )).

وكان ابن عمر يدعو في حجّه: " اللهمّ اجعلني ممّن يُحبّك، ويحبّ ملائكتك، ويحبّ رسلك، ويحبّ عبادك الصّالحين 

وكان حكيم بن حزام يطوف بالبيت ويقول:" لا إله إلاّ الله، نِعْم الربّ والإله، أحبّه وأخشاه ".

وهذا العبّاس بن عبد المطّلب وقد حضرته الوفاة يوصي ابنه عبد الله:" إنّي موصيك بحبّ الله وحبّ طاعته، وخوف الله وخوف معصيته، وإنّك إذا كنت كذلك لم تكره الموت متى أتاك ".

وجعل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم علامة الإيمان الكامل حبّ الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، ففي الصّحيحن عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ )).

والله الموفّق لما يحبّه ويرضاه، لا معبود بحقّ سواه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق