9 مصاحف

9 و 12 مصحف

 

Translate

الأربعاء، 12 أبريل 2023

تابع أسماء الله الحسني {دراسة بحثية}

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فإنّ من الأسماء الّتي تطرّقنا إليها الحكيم، والحكَم، ورأينا أنّ ثمّة أسماءً كثيرة لله عزّ وجلّ له سبحانه لأنّها من لوازم حكمته وحكمه، منها: المقدّم والمؤخّر، ومنها أيضا:

24- الفتّـاح عزّ وجلّ.

ونتطرّق إلى هذا الاسم الكريم في مباحث خمسة إن شاء الله:

1- المبحث الأوّل: أدلّة ثبوت هذا الاسم.

قال الله تعالى:{قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ} [سـبأ:26].

وقد عدّه جمهور العلماء من الأسماء الحسنى، كابن منده، والحليميّ، والبيهقيّ، وابن حزم، وابن العربيّ، والقرطبيّ، وابن القيّم، وابن الوزير، وابن حجر، والشّيخ السّعدي، والشّيخ ابن عثيمين رحمهم الله أجمعين.

وممّن لم يذكره الخطّابي، والأصبهانيّ.

ومنه ثبتت صفة الفتح في الكتاب والسنّة، أمّا الكتاب فكما في قوله تعالى:{قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ} [سـبأ:26]، وقوله:{مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ} [فاطر: من الآية2]، وقوله:{رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ} [الأعراف: من الآية89].

وأمّا في السنّة، فالأحاديث كثيرة جدّا، يذكر فيها فتح الله على نبيّه صلّى الله عليه وسلّم.

2- المبحث الثّاني: المعنى اللّغوي.

ملخّص ما جاء في "لسان العرب"، و"النّهاية" (3/406-407)، و"تفسير الأسماء" للزجّاج (ص 39) أنّ الفتح له معان ثلاث:

أ) نقيض الإغلاق والإمساك: وهو أعرف معانيه وأشهرها، كقوله تعالى:{مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [فاطر:2]، وقوله تعالى:{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْض} [الأعراف: من الآية96].

ب) بمعنى النّصر، كقوله تعالى:{إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ} [الأنفال: من الآية19]. أي: إن تستنصروا فقد جاءكم النّصر.

ج) القضاء والحكم، قال الأزهريّ رحمه الله:" الفتح: أن تحكم بين قوم يختصمون إليك، كما قال سبحانه مخبِرا عن شعيب:{رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ} [الأعراف: من الآية89] أي: اقضِ بيننا "اهـ.

ويمكن أن يقال إنّ المعاني متقاربة قد تجتمع في أغلب الأحيان:

- فالفتح هو النّصر مع فتح البلدان، فيرجع إلى المعنى الأوّل.

- وعليه جرى استعمال هذه اللّفظة، كما في الحديث الّذي رواه البخاري ومسلم عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم يَقُولُ يَوْمَ خَيْبَرَ: (( لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلًا يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ )).

ومثله ما رواه البخاري ومسلم أيضا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم في قصّة يوشع عليه السّلام: ((..اللَّهُمَّ احْبِسْهَا عَلَيْنَا - يعني الشّمس - فَحُبِسَتْ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ )).

- وقد يكون النّصر دون فتح، لذلك غاير الله بينهما في قوله:{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر:1].

- والنّصر هو حكم الله تعالى لأوليائه، فيرجع إلى المعنى الثّالث.

( تنبيه ): من النّصوص السّابقة نرى أنّ فتح يتعدّى بحرف الجرّ (على) في مقام الخير، فلا وجه لمن زعم أنّه في مقام الخير يتعدّى بـ"إلى"، وفي مقام الشرّ بـ"على".

ومن خصّ هذا بالأسلوب الإنشائي - وهو الدّعاء - دون الأسلوب الخبري فقد غلط أيضا، وذلك أنّ الخبر يأتي موافقا للدّعاء، فقوله تعالى:{فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ} استجابة لمن دعا بالفتح، والله أعلم.

3- المبحث الثّالث: معنى ( الفتح ) اسما وصفةً لله عزّ وجلّ.

(الفتّاح): صيغة مبالغة من الفتح، وهو في حقّ الله يوافق المعاني اللّغويّة السّابق بيانها:

1- فهو بمعنى: الحاكم القاضي بين العباد في الدّنيا والآخرة، روى ابن جرير عن قتادة بسند صحيح في تفسير قوله تعالى:{رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ} [الأعراف: من الآية89] قال:" اقضِ بيننا وبين قومنا بالحقّ ".

وقال ابن جرير:" وأنت خير الفاتحين: يعني خير الحاكمين ".

وقال في آية "سبأ":"{وَهُوَ الفَتَّاحُ العَلِيمُ}: القاضي العليم بالقضاء بين خلقه، لأنّه لا تخفى عنه خافية، ولا يحتاج إلى شهود تُعرِّفه المحقّ من المبطل "اهـ.

2- وهو بمعنى الفتّاح بمعنى الفتح الّذي هو ضدّ الإغلاق، قال الخطّابي رحمه الله في "شأن الدّعاء" (ص56):

" الفتّاح هو الحاكم بين عباده، وقد يكون معنى "الفتّاح" أيضا الّذي يفتح أبوب الرّزق والرّحمة لعباده، وينفتح المنغلِق عليهم من أمورهم وأسبابهم، ويفتح قلوبهم، وعيون بصائرهم، ليبصروا الحقّ "اهـ.

3-ويكون بمعنى النّاصر، قال الخطّابي في المرجع السّابق ذكره:

" ويكون الفاتح أيضا بمعنى النّاصر كقوله سبحانه:{إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمْ الفَتْحُ} ". وبمثل هذا قال البيهقيّ في "الاعتقاد" (ص57)، والحليميّ في "المنهاج" (1/202).

4- المبحث الرّابع: أنـواع الفتـح.

الفتح نوعان: فتح شرعيّ، وفتح قدري.

أ) أمّا الشّرعيّ: فهو حكمه الدّينيّ والجزائيّ.

ففتحه الدّينيّ هو: شرعه، وفتحه الجزائيّ: هو فتحه على أوليائه بإكرامهم وإعزازهم، وفتحه على أعدائه بإهانتهم وإذلالهم، ومن أمثلة هذا ما جاء في دعاء شعيب عليه السّلام.

ب) وأمّا فتحه القدريّ: فهو ما يقدّره سبحانه على عباده من خير أو شرّ، ونفع أو ضرّ، وهذا المراد في قوله تعالى:{مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [فاطر:2].

وفي كلا النّوعين يتّصف المولى تبارك وتعالى بالحكمة البالغة، والعدل التامّ، والفضل الكامل.

قال ابن القيّم رحمه الله في "النّونية" (2/100):

وكذلك الفـتّـاح من أسـمـائـه *** والفتـح فـي أوصـافـه أمـران

فتـحٌ بحكـم وهـو شـرع إلَاهِـنا *** والفـتـح بالأقـدار فـتـحٌ ثـان

والربّ فـتّـاح بـذيـن كليـهـما *** عـدلا وإحـسـانا مـن الرّحـمن

( يتبع إن شاء الله )

===============

- المبحث الخامس: ثمرات معرفة معنى هذا الاسم.

أ) إفراد الله بالحاكميّة:

فلمّا كان هذا الاسم بمعنى ( الحَكَم )، فينبغي للمؤمن أن لا يتحاكم لغير الله عزّ وجلّ، ولا يرضى بحكم غير الله، وأن ينقاد الانقياد الكامل لحكم الله، وأن يعلم أنّ ما من حكم شرعيّ أو قدريّ إلاّ وفيه الحكمة البالغة والعدل التامّ.

ب) اليقين في حفظ الله عزّ وجلّ:

قال القرطبي رحمه الله:" ويتضمّن من الصّفات كلّ ما لا يتمّ الحكم إلاّ به، فيدلّ صريحا على إقامة الخلق وحفظهم في الجملة، لئلاّ يستأصل المقتدرون المستضعفين في الحال "اهـ.

ج) سؤال الله النّصر:

على المؤمن أن يتوجّه إلى ربّه بهذا الاسم لينصر ويعزّ أولياءه، ويخذل ويذلّ أعداءه، في الدّنيا والآخرة، كما دعا به المرسلون، قال تعالى عن نوح عليه السّلام:{قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (117) فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (118)} [الشّعراء]، وقال على لسان شعيب عليه السّلام:{عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ} [الأعراف: من الآية89]، وقال عن جميع رسله:{وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} [إبراهيم:15].

فنصرهم الله في الدّنيا واستجاب لهم، وفتح بينهم وبين أقوامهم بالحقّ.

وأمّا في الآخرة فقد وعد عزّ وجلّ أنّه سيحكم بين عباده:{قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ} [سـبأ:26]،

حتّى إنّ الله تعالى سمّى يوم القيامة بيوم الفتح، فقال:{قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ} [السجدة:29].

د) الافتقار إلى الله عزّ وجلّ في العلوم:

فإنّ الله بيده مفاتيح كلّ شيء، فمنها ما يرسله على العباد من العلوم، ومنها ما استأثر بعلمه كعلم الغيب، كما قال:{وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} [الأنعام: من الآية59]:

فمن ادّعى معرفة شيء ممّا استأثر الله بامتلاك مفاتيحه فقد نازع الله تعالى في هذه الصّفة العظيمة.

أمّا ما أذن الله في معرفته فعلى العبد أن يتمسّح عند عتبة أبواب رحمة الله وفضله وعلمه، وأن يسأل الله تعالى الفهم لكتابه، وسنّة نبيّه صلّى الله عليه وسلّم، وأن يفتقر إليه، سائلا إيّاه أن يفتح عليه كما فتح على أوليائه، فإنّ حقيقة العلم هو الفهم، وهو قدر زائد على مجرّد العلم، لذلك قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ )).

قال مالك بن يخامر رحمه الله: لمّا حضرت معاذَ رضي الله عنه الوفاةُ بكيت، فقال: ما يبكيك ؟ قلت: والله ما أبكي على دنيا كنت أصيبها منك، ولكن أبكي على العلم والإيمان اللّذين كنت أتعلّمهما منك. فقال: إنّ العلم والإيمان مكانهما من ابتغاهما وجدهما، اطلب العلمَ عند أربعة فذكر:عويمر بن أبي الدرداء وسلمان الفارسيّ، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن سلام رضي الله عنهم، ثمّ قال: فإن عجز عنه هؤلاء فسائر أهل الأرض عنه أعجز، فعليك بمعلّم إبراهيم عليه السّلام! قال: فما نزلت بي مسألة عجزت عنها إلاّ قلت يا معلّم إبراهيم !

قال ابن القيّم رحمه الله في "مدارج السّالكين" (1/41):" قال الله تعالى:{وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً (79)} [الأنبياء].

فذكر هذين النبيّين الكريمين، وأثنى عليهما بالعلم والحكم، وخصّ سليمان بالفهم في هذه الواقعة المعيّنة[1].

وقال عليّ ابن أبي طالب رضي الله عنه وقد سئل: هل خصّكم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بشيء دون النّاس ؟ فقال: لا والّذي فلق الحبّة وبرأ النّسمة، إلاّ فهما يؤتيه الله عبدا في كتابه، وما في هذه الصّحيفة - وكان فيها العقل وهو الدّيات وفكاك الأسير وأن لا يقتل مسلم بكافر -.

وفي كتاب عمر بن الخطّاب رضي الله عنه لأبي موسى الأشعريّ رضي الله عنه: ( وَالفَهْمَ الفَهْمَ فِيمَا أُدْلِي إِلَيْكَ ).

فالفهم نعمة من الله على عبده، ونور يقذفه الله في قلبه، يعرف به ويدرك ما لا يدركه غيره ولا يعرفه، فيفهم من النصّ ما لا يفهمه غيره مع استوائهما في حفظه وفهم أصل معناه.

فانظر إلى فهم ابن عبّاس رضي الله عنه - وقد سأله عمر رضي الله عنه ومن حضر من أهل بدر وغيرهم عن سورة{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالفَتْحُ}، وما خصّ به ابن عبّاس من فهمه منها أنّها نعي الله سبحانه نبيَّه إلى نفسه، وإعلامه بحضور أجله، وموافقة عمر له على ذلك، وخفائه عن غيرهما من الصّحابة، وابن عباس إذ ذاك أحدثُهم سنّا، وأين تجد في هذه السّورة الإعلام بأجله لولا الفهم الخاصّ.."اهـ.

هـ) الرّزق بيد الله وحده:

وكذلك بيده مفاتيح الرّزق، لا رازق إلاّ هو، كما قال تعالى:{لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الشورى:12]، وهذا سيأتي تفصيله عند شرح اسم " الرزّاق " إن شاء الله.

فحريّ بالمسلم أن يستحضر معاني الفتح عند دخوله المسجد، فقد روى مسلم عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ )).

و) النّصر بيد الله وحده:

أنّ الفتح والنّصر من عند الله تعالى، كما قال:{إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [آل عمران:160].

ولكنّ الله علّمنا أن لا نقول: متى نصر الله ؟ حتّى نجيب عن سؤال مهمّ: أين نصركم لله ؟! قال عزّ وجلّ:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7]، ونصره سبحانه وتعالى إنّما هو بإقامة شرعه، وإحياء أمره، واجتناب نهيه، وهذا ما سنعود إليه إن شاء المولى عند شرح اسم "النّصير".

ز) الحذر من الاستدراج.

إنّ فتحه تعالى كما يكون نعمة، فقد يكون نقمة، وهو ما يُعرف بالاستدراج، قال تعالى:{فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (45)} [الأنعام]، وقال تعالى:{وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (182) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183)} [الأعراف].

روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ )) ثُمَّ قَرَأَ:{وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ})).

وقال عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ رضي الله عنه: ( إِذَا رَأَيْتَ اللَّهَ يُعْطِي الْعَبْدَ مِنْ الدُّنْيَا عَلَى مَعَاصِيهِ مَا يُحِبُّ فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاجٌ )، ثُمَّ تَلَا:{فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ}.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

================

لحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فإنّ من الأسماء الحُسنى الّتي تطرّقنا إليها ( الفتّاح )، ورأينا من معانيه أنّه نقيض الإغلاق والإمساك، فيفتح الله عزّ وجلّ لعباده أبواب النّصر، وأبواب الرّزق، من أجل ذلك ناسب أن نتحدّث عن الاسمين الكريمين:

25- الرزّاق عزّ وجلّ 26- الرّازق عزّ وجل

1- المبحث الأوّل: أدلّة ثبوت هذا الاسمين.

فقد اتّفق العلماء على إثبات الاسم الكريم (الرزّاق) لله سبحانه وتعالى لقوله:{إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذّاريات:58].

ولكنّهم اختلفوا في إثبات اسم (الرّازق) ؟

فقد ذكره الحافظ ابن منده، والحليميّ، والبيهقيّ، والقرطبيّ، وابن الوزير رحمهم الله.

وهناك من لم يذكره ضمن الأسماء، ولكنّهم عدُّوه من الصّفات، كالخطّابي، وابن حزم، وابن العربيّ، وابن القيّم، وابن حجر، والسّعديّ.

والصّواب إثباته، وقد استدلّ بعضهم على إثباته بقوله تعالى:{وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [الجمعة: من الآية11]، وفي ذلك نظر.

وإنّما يُستدلّ لذلك بما رواه التّرمذي وأبو داود وابن ماجه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ! غَلَا السِّعْرُ، فَسَعِّرْ لَنَا ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم:

(( إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّازِقُ، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللَّهَ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يُطَالِبُنِي بِمَظْلَمَةٍ فِي دَمٍ وَلَا مَالٍ )) ولفظ التّرمذي: ( الرزّاق ).

ومن ثمّ ثبتت له سبحانه صفة الرّزق، وذلك معلوم بالضّرورة.

2- المبحث الثّاني: شرح الاسمين الكريمين.

- المعنى اللّغويّ: الرّزق مصدر، وهو كلّ ما يُنتفع به، لذلك يُطلق على المال، والولد، والمطر، وغير ذلك. والرزّاق أبلغ من الرّازق؛ لأنّه من صيغ المبالغة.

- معناه في حقّ الله عزّ وجلّ:

قال ابن جرير في " تفسيره " لسورة الذّاريات (27/8):" هو الرزّاق خلقَه، المتكفِّل بأقواتهم ".

وقال الخطّابي في " شأن الدّعاء " (ص54) ومثله البيهقيّ في " الاعتقاد " (ص57):" هو المتكفّل بالرّزق، والقائم على كلّ نفس بما يُقيمها من قوتها، وسع الخلقَ كلَّهم رزقُه ورحمتُه، فلم يختصّ بذلك مؤمنا دون كافر، ولا وليّا دون عدوّ، يسوقه إلى الضّعيف الّذي لا حيْل له ولا متكسّب فيه، كما يسوقه إلى الجَلد القويّ، ذي المرّة السويّ، قال سبحانه:{وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ} [العنكبوت: من الآية60]، وقال:{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: من الآية6] "اهـ.

وقال الحليميّ رحمه الله في "المنهاج" (1/203):" وهو الرزّاق رزقا بعد رزق، والمكثر الموسع له ".

وقال الهرّاس في شرح "نونية ابن القيّم"(2/101):" والرّزق كالخلق .. صفة من صفات الفعل، وهو شأن من شؤون ربوبيّته عزّ وجلّ، لا يصحّ أن ينسب إلى غيره، فلا يسمّى غيره رازقا كما لا يسمّى خالقا "اهـ.

3- أنـواع الرّزق.

رزق الله نوعان: عامّ وخاصّ.

أ‌) أمّا الرّزق العامّ: فهو ما يوصِله تعالى إلى جميع خلقه ممّا تحتاجه في معاشها وقيامها، فيسهّل لها أرزاقها، ويدبّر لها أقواتها.

وسمّي عامّا؛ لأنّه يشمل البرّ والفاجر، والمؤمن والكافر، ولأنّه أيضا يشمل الرّزق الّذي يُحصّله العبد من طريق مأذون، وما يحصل عليه من طريق غير مأذون فيه.

فإن حصّل عليه من الأوّل كان رزقا حلالا، وإلاّ كان حراما، ويسمّى رِزقا بهذا الاعتبار أي: إنّ الله هو الّذي أنعم به ابتداءً، وهذا هو الصّحيح، خلافا للمعتزلة الّذين قالوا: إنّ الرّزق الحلال ليس من الله تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.

ولكنّ من يعلم أنّ الرّزق كالخلق يسهل عليه فهم ذلك، لأنّ الّذي يأتي بولد من حرام لا يمكن أن يقال إنّ الله لم يخلقه، فكذلك الرّزق من موضع حرام لا يمكن أن يقال لأجل ذلك إنّ الله لم يرزقه إيّاه.

ب) أمّا الرّزق الخاصّ: فهو الرّزق النّافع المستمرّ نفعه في الدّنيا والآخرة، وهو نوعان أيضا:

- رزق الأبدان: وذلك بالرّزق الحلال الّذي لا تَبِعة ولا إثم فيه، وربّما كان شاقّا، ولكن من ورائه راحة البال وسكون الحال، لا أن يكون متعةً تجرّ من ورائها العذاب والوبال. وهذا لا يوفّق إليه إلاّ خاصّة عباده.

- رزق القلوب: ووسيلته النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، بأن يرزق الله عباده العلم والإيمان، فإنّ القلوب مفتقرةٌ غايةَ الافتقار إلى أن تكون عالِمةً بالحقّ مريدةً له، وبذلك يحصل غِناها ويزول فقرُها، قال تعالى:{يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [البقرة:269]..

وقد روى البخاري ومسلم عَنْ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم يَقُولُ: (( مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ، وَاللَّهُ يُعْطِي، وَلَنْ تَزَالَ هَذِهِ الْأُمَّةُ قَائِمَةً عَلَى أَمْرِ اللَّهِ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ )).

قال ابن القيّم رحمه الله في " النّونية ":

وكـذلك الرزّاق مـن أسمـائـه *** والرّزق مـن أفعـاله نوعــان

رزق على يـد عبـده ورسـوله *** نوعان أيضـا ذان معـروفــان

رزق القلوب العلم والإيمان والـ *** رّزق المـعـدّ لهـذه الأبــدان

هذا هـو الرّزق الحـلال وربّـنا *** رزّاقـه والفـضــل للمـنّـان

والثّاني سوق القوت للأعضـاء في *** تلك المجــاري سوقـه بِـوزَان

هذا يكون مـن الحلال كما يكـ *** ـون من الحـرام كلاهـما رزقان

والله رازقـه بـهـذا الاعـتـبا *** ـر وليس بالإطـلاق دون بيـان

4- ثمرات وآثار هذا الاسم.

- الثّمرة الأولى: اليقين بأنّ الرّزق كالخلق:

فكما أنّ العبد لا يشكّ أنّ الله خلقه، فينبغي له أن لا يشك أنّ الله يرزقه، لذلك قرن الله صفة الرّزق بالخلق في كثير من المواضع لتقرير هذه الحقيقة، قال تعالى:{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الروم:40]، وقال:{خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} [الزمر: من الآية6]، وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22)}.[البقرة]..

بل دعا الله تعالى إلى الاستدلال بخلقه على رزقه، فقال:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فاطر:3] أي: كيف تصرفون عن ذلك ؟!..

واستدلّ على بطلان عبادة من دونه بنفي الرّزق عنهم، فقال:{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ} [النّحل:73]..

ولكنّ أكثر النّاس سلّموا بخلقه لهم، وشكّوا في رزقه عزّ وجلّ لهم.. مع أنّ الرّزق من الأمور الّتي كُتبت قبل النّفخ في الرّوح.

روى البخاري ومسلم عن عَبْد اللَّهِ قال: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ:

(( إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ وَيُقَالُ لَهُ: اكْتُبْ عَمَلَهُ، وَرِزْقَهُ، وَأَجَلَهُ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ ...)).

بل يدلّ اسم الرزّاق زيادة على كثرة العطاء أنّ ذلك بلا ثقل ولا مشقّة ولا كلفة، قال الطّحاوي رحمه الله:" رازق بلا مؤنة ".

بل لو سألوه جميعا فأعطاهم لم ينقص من ملكه شيئا، وسيأتي تفصيله عن شاء الله في شرح اسم الملك.

- الثّمرة الثّانية: المسارعة إلى طلب العلم:

فإذا علمت أنّه لا رازق إلاّ الله، وأنّه لا مانع لما أعطى، ولا معطِي لما منع، فأيّ البابين نقرع ؟ وإلى أيّ النّوعين من الرّزق نهرع ؟

أنطلب الرّزق العامّ الّذي يستوي فيه المخلوفات كلّهم، أو الرّزق الخاصّ الّذي يعدّ حقّا الرّزق الحسن ؟

فغذاء الأرواح، وقوت القلوب هو العلم النّافع الّذي يُثمر العمل الصّالح، وإذا ما أطلق العلم فالمراد به العلم بالله عزّ وجلّ، وبأوامر الله، وبرسول الله، وسنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.. فهذا الرّزق لا يعدله رزق .. ولا الأموال الطّائلة، والكنوز الهائلة:

النّاس من جهة التّمثال أكفــاء *** أبوهم آدم وأمّــهـم حـوّاء

فإن يكن لهم في أصلهم نسـب *** يُفاخـرون به : فالطّـين والماء

ما الفضل إلاّ لأهل العلم إنّـهم *** على الهُدى لمن استهـدى أدِلاّء

وقدر كلّ امرئ ما كان يُحسنه *** النّاس موتى وأهل العلـم أحياء

وصدق من قال:

وفي الجهل قبل الموت مـوت لأهله *** وأجسـامهم قبـل القبور قبور

وأرواحهم في وحشة من جسومهم *** وليس لهم حتّى النّشـور نشور

وتوضيح ذلك من وجوه كثيرة جدّا، قد بلغت أكثر من مائة وثلاثين وجها ذكرها ابن القيّم رحمه الله في "مفتاح دار السّعادة".

لذلك بيّن الله تعالى حقيقة الرّزق الّذي يفرح له العبد، وهو ما كان من مشكاة النبوّة، فقال:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58)} [يونس]، وروى مسلم عَنْ مُطَرِّفٍ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الشِّخِّيرِ رضي الله عنه قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم وَهُوَ يَقْرَأُ: {أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ} قَالَ: (( يَقُولُ ابْنُ آدَمَ: مَالِي مَالِي ! قَالَ: وَهَلْ لَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مِنْ مَالِكَ إِلَّا مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ، أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ )).

- الثّمرة الثّالثة: الرّزق ليس دليلا على صلاح المرء، ولا على رجاحة عقله:

أمّا أنّه ليس دليلا على صلاح الرّجل: فقد بيّناه من خلال حديثنا عن الاستدراج في شرح اسم الفتّاح.

ولو كان دليلا على صلاح المرء ما سقى من هذه الدّنيا كافرا شربة ماء، روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ:

(( لَيْسَ أَحَدٌ أَصْبَرَ عَلَى أَذًى سَمِعَهُ مِنْ اللَّهِ، إِنَّهُمْ لَيَدْعُونَ لَهُ وَلَدًا وَإِنَّهُ لَيُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ )).

ومن ظنّ أنّ سعة الرّزق دالّة على محبّة الله له فهو قد شابه الكفّار في معتقدهم، ألا ترى قول الله تعالى فيهم:{وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (35) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (36) وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ (37)} [سبأ]..

فظنّ الكفّار والمترفون أنّ كثرة الأموال والأولاد دليل على محبّة الله لهم، وأنّه ما كان يُعطيهم هذا في الدّنيا ثمّ يعذّبهم في الآخرة، وقد ردّ الله عليهم ذلك قائلا:{أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (55) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ (56)} [المؤمنون].

أمّا أنّه ليس دليلا على عقله فلو كان دليلا على عقل الرّجل ما رزق بهيمة ولا دابّة، لكنّه جلّ جلاله:{اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ} [الرعد:26].

- الثّمرة الرّابعة: أنّ الرّزق متمّم للعبد رسالته.

قال تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57)} [الذّاريات]. لذلك روى الإمام أحمد عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا نَأْتِي النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ فَيُحَدِّثُنَا فَقَالَ لَنَا ذَاتَ يَوْمٍ:

(( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: إِنَّا أَنْزَلْنَا الْمَالَ لِإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَلَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادٍ لَأَحَبَّ أَنْ يَكُونَ إِلَيْهِ ثَانٍ، وَلَوْ كَانَ لَهُ وَادِيَانِ لَأَحَبَّ أَنْ يَكُونَ إِلَيْهِمَا ثَالِثٌ، وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ، ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ )).

ومن أهمّ الثّمرات للإيمان بهذين الاسمين الكريمين: معرفة مفاتيح الرّزق الحلال.

( يتبع إن شاء الله ).

===================

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فقد رأينا في شرح الاسمين الكريمين (الرزّاق، والرّازق)، أنّ الرّزق نوعان:

أ‌) رزق القلوب، وهو العلم النّافع الّذي يُثْمِر العمل الصّالح، وذكرنا أنّه ينبغي للمسلم أن يُسارع إلى كسبه، ويسابق إلى طلبه.

ب‌) ورزق الأبدان، فعلى الإنسان أن يُحْسِن طلب الحلال الّذي لا تَبِعَة فيه، وليعلم أنّ أبواب الرّزق الحلال كثيرة، وكيف لا وقد قال صلّى الله عليه وسلّم: (( لَوْ فَرَّ أَحَدُكُمْ مِنْ رِزْقِهِ، لأَدْرَكَهُ كَمَا يُدْرِكُهُ المَوْتُ ))[1].

فالأرزاق لها أبواب، لا بدّ من طرقها، والاستئذان لأخذها، وهو الطّريق الحلال، وما أجمل ما رواه الطّبراني في "المعجم الكبير"، والبزّار في "مسنده" عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ:

(( إِنَّ رُوحَ القُدُسِ نَفَثَ فِي رُوعِي: أَنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ رِزْقَهَا، فَاتَّقُوا اللهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ )).

فالّذي نهاك عن الاقتراب من باب الحرام، هو الّذي ضمن لك الرّزق مدى الأيّام.

وانظر إلى قول الله تبارك وتعالى:{وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22) فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} [الذّاريات:23] أكّده بقوله:{مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} قال بعض الحكماء: كما أنّ كلّ إنسان ينطق بنفسه، ولا يمكنه أن ينطق بلسان غيره، فكذلك كلّ إنسان يأكل رزقه ولا يمكنه أن يأكل رزق غيره، وقال الحسن: قاتل الله أقواما أقسم لهم ربّهم بنفسه ولم يصدّقوه.

وقال الأصمعيّ رحمه الله: أقبلت ذات مرّة من مسجد البصرة، إذ طلع أعرابيّ جلف جاف على قَعُودٍ له متقلّدا سيفَه، وبيده قوسُه، فدنا وسلّم، وقال: ممّن الرّجل ؟ قلت: من بني أصمع. قال: أنت الأصمعيّ ؟ قلت: نعم. قال: ومن أين أقبلت ؟ قلت: من موضع يُتلَى فيه كلام الرّحمن. قال: فَاتْلُ عليّ منه شيئا. فقرأت:{وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا} إلى قوله:{وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ} فقال: يا أصمعيّ ! حسبك.

ثمّ قام إلى ناقته، فنحرها، وقطعها بجلدها، وقال: أعنّي على توزيعها. ففرّقناها على من أقبل وأدبر، ثمّ عمد إلى سيفه وقوسه فكسرهما ووضعهما تحت الرَّحل وولّى نحو البادية، وهو يقول:{وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} فمقتُّ نفسي، ولمتُها.

ثمّ حججت مع الرّشيد، فبينما أنا أطوف، إذا أنا بصوت رقيقٍ، فالتفتّ، فإذا أنا بالأعرابيّ وهو ناحل مصفرّ، فسلّم عليّ، وأخذ بيدي، وقال: اتل عليّ كلامَ الرّحمن. وأجلسني من وراء المقام، فقرأت:{وَالذَّارِيَاتِ} حتّى وصلت إلى قوله تعالى:{وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} فقال الأعرابيّ: لقد وجدنا ما وعدنا الرّحمن حقّا. وقال: وهل غيرُ هذا ؟ قلت: نعم يقول الله تبارك وتعالى:{فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} [الذّاريات:23]، قال: فصاح الأعرابيّ، وقال: يا سبحان الله ! من الّذي أغضب الجليل حتّى حلف ؟! ألم يصدّقوه في قوله حتىّ ألجئوه إلى اليمين ؟! فقالها ثلاثا، وخرجت بها نفسه ".

يقول الله تعالى:{وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [العنكبوت:60]، قال ابن كثير: أي لا تطيق جمعه ولا تحصيله، ولا تدّخر شيئا لغد {اللهُ يَرْزُقُهَا}: أي يقيّض لها رزقها على ضعفها وييسّره عليها، فيبعث إلى كلّ مخلوق من الرّزق ما يُصلحه حتّى الذرّ في قرار الأرض، والطّير في الهواء، والحيتان في الماء.

مفاتيح الرّزق الحلال:

1) تقوى الله تبارك وتعالى، قال تعالى:{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأعراف:96]، وقال:{وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} [المائدة: من الآية66]، وقال:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِب (3)} [الطّلاق]، وقال:{وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً} [الجـنّ:16].

ثمّ تأذّن الله بالمزيد لمن شكر فقال:{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: من الآية7]..

2) الإكثار من الدّعاء وسؤال الله تعالى من فضله:

وذلك في كلّ وقت، وخاصّة في مواطن الطّاعات وأوقات مظانّ الإجابة، وهو سبحانه القائل:{وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِه} [النساء: من الآية32]..

فمن سؤاله من فضله في كلّ وقت، ما رواه الترمذي وأحمد عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّ مُكَاتَبًا جَاءَهُ فَقَالَ: إِنِّي قَدْ عَجَزْتُ عَنْ كِتَابَتِي، فَأَعِنِّي ! قَالَ: " أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ عَلَّمَنِيهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم لَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ جَبَلِ صِيرٍ دَيْنًا أَدَّاهُ اللَّهُ عَنْكَ ؟ قَالَ:

(( قُلْ اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِحَلَالِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ )).[جبل صِير: جبل في طَيْء].

ومن الأمثلة في مواطن الطّاعات ومظانّ الإجابة:

- الحرص على الاستخارة، وهو يعقد عقد صناعة أو تجارة:

فقد روى البخاري عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا، كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ، يَقُولُ: (( إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالْأَمْرِ، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ، ثُمَّ لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ ...)) الحديث.

- وعند الخروج من المسجد: روى مسلم عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَإِذَا خَرَجَ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ )).

- وعند سماع الدّيك، فقد روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( إِذَا سَمِعْتُمْ صِيَاحَ الدِّيَكَةِ فَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ، فَإِنَّهَا رَأَتْ مَلَكًا، وَإِذَا سَمِعْتُمْ نَهِيقَ الْحِمَارِ فَتَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ رَأَى شَيْطَانًا )).

قال الحافظ رحمه الله:" قوله: ( فَإِنَّهَا رَأَتْ مَلَكاً ) كان السّبب فيه رجاءَ تأمين الملائكة على دعائه واستغفارهم له، وشهادتهم له بالإخلاص، ويؤخذ منه استحباب الدّعاء عند حضور الصّالحين تبرّكا بتأمينهم.

3) الحرص على الأذكار: روى الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم فَقَالَ:

(( إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ نُوحًا عليه السّلام لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ لِابْنِهِ: إِنِّي قَاصٌّ عَلَيْكَ الْوَصِيَّةَ، آمُرُكَ بِاثْنَتَيْنِ، وَأَنْهَاكَ عَنْ اثْنَتَيْنِ، آمُرُكَ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَإِنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ وَالْأَرْضِينَ السَّبْعَ لَوْ وُضِعَتْ فِي كِفَّةٍ وَوُضِعَتْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فِي كِفَّةٍ رَجَحَتْ بِهِنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَلَوْ أَنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ وَالْأَرْضِينَ السَّبْعَ كُنَّ حَلْقَةً مُبْهَمَةً قَصَمَتْهُنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ.

وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، فَإِنَّهَا صَلَاةُ كُلِّ شَيْءٍ، وَبِهَا يُرْزَقُ الْخَلْقُ.

وَأَنْهَاكَ عَنْ الشِّرْكِ وَالْكِبْرِ ...)) الحديث.

وصدق صلّى الله عليه وسلّم، فإنّ الله تعالى يقول:{الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً} [الكهف:46]، وجاء تفسير هذه الباقيات الصّالحات في مسند الإمام أحمد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( اسْتَكْثِرُوا مِنْ الْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ !)) قِيلَ: وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ !؟ قَالَ: (( التَّكْبِيرُ وَالتَّهْلِيلُ وَالتَّسْبِيحُ وَالتَّحْمِيدُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ )).

4) ومن أسباب الرّزق الحلال الحرص على الصّلاة:

قال عزّ وجلّ مبيّنا سبب انصراف النّاس عن الصّلاة:{وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طـه:131].. ثمّ قال:{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طـه:132]، فانظر كيف بيّن أنّ الرّزق الحلال لا طريق إليه إلاّ بإقام الصّلاة والصّبر عليها، وأمر الأهل بها..

ومن أعجب الآيات الّتي ينبغي لنا الوقوف أمامها آيات من سورة مريم، وآيات من سورة هود، وآية من سورة البقرة:

- أمّا سورة مريم: فقوله تعالى:{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً} [مريم:59]، فهذا ذمّ ووعيد شديدان لمن أضاع الصّلاة، ثمّ قال:{إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً} [مريم:60]، أي: إلاّ من انتهى عن إضاعة الصّلاة فأولئك يدخلون الجنّة {جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً}..ولكن..ما ثواب من أقام صلاته فيها ؟ قال تعالى:{لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلَّا سَلاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً} [مريم:62].

فقد ذكر عزّ وجلّ الرّزق الرّغِد لأنّه علم سبحانه أنّ طلب الرّزق هو أعظم ما يصرف النّاس عن عبادته..قال العلماء:" ليس في الجنّة بكرة وعشيّة، ولكنّ ذلك كناية على دوام الرّزق فيها وأنّه لا ينقطع "..

- أمّا في سورة هود، فتأمّل قول أنبياء الله تعالى نوح، وصالح، وشعيب، وضع يدك على الفرق بين كلامهم، وكلام أعدائهم..

أمّا نوح عليه السّلام فقال:{قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ} [هود:28].

وقال نبيّ الله صالح عليه السّلام:{يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ} [هود:63]..

وقال نبيّ الله شعيب عليه السّلام:{يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً} [هود: من الآية88].. فذكر الرّزق، ولنا أن نتساءل عن سبب ذلك ؟

الجواب: لأنّ المعركة كانت بينه وبين قومه قائمة على الرّزق، فهم كانوا ينقصون المكيال والميزان طلبا للغنى، وكأنّه كان أغنى منهم، وسبب ذلك تأخذه على لسان أعدائه:{قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} [هود:87]..فهم يتعجّبون من نهيه لهم عن التّطفيف في الميزان والمكيال، وكثرة رزقه، فلم يجدوا تفسيرا لذلك إلاّ حرصه على الصّلاة..

ولكنّ أكثر النّاس لا يفقهون أنّ الصّلاة من أعظم أسباب الرّزق، حالهم حال قوم شعيب إذ قالوا:{قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ} [هود: من الآية91]..

- أمّا في سورة البقرة: فتأمّل كلام الله تعالى عن الطّلاق، وذلك في سبعة عشر آية، من الآية 225 إلى الآية 242، والطّلاق يحيط به دفع مال أو تنازل عنه، فتجب النّفقة على المطلّقة طيلة عدّتها، وتجب لها المتعة، هذا في المدخول بها، أمّا غير المدخول بها فإنّه يتنازل عن نصف المهر، وأمّا لو كانت الفرقة خلعا فإنّ المرأة تردّ له مهره كلّه، ولا يدلّ على حرص كلّ من الطّرفين على المال في ذلك مثل قوله تعالى:{وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحّ} [النساء: من الآية128]..

فتأمّل دواء الله تعالى لهذه المسألة.

ابتدأ الكلام حول الطّلاق في الآية 225، وقطع الكلام عنه في الآية 237، ثمّ استأنف الكلام عنه في الآية 239..فماذا قال الله تعالى بين ذلك ؟!

إنّه قال:{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (239)} !

ولو استعمل أحدٌ من البشر هذا الأسلوب لعُدّ من الخارجين عن الموضوع لا شكّ في ذلك ..

لكن إذا علمنا أنّ هذا كلامُ الله تعالى أدركنا أنّ فيه علاجا لقضيّة الشحّ، فحتّى لا يجحد الرّجل حقّ المرأة، ولا تتعسّف المرأة في حقّ الرّجل، ذكّر الله تعالى بما يبسط الله به الرّزق على عباده، وهو الصّلاة..

- وتأمّل حال مريم عليها السّلام، قال الله في حقّها:{كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران: من الآية37].. فكان يأتيها رزقُها وهي في محرابها موضعِ صلاتها.

ولفظة (كلّما) تفيد التّكرار، فأدرك نبيّ الله زكريّا عليه السّلام ذلك، فقال تعالى:{هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ} [آل عمران:38]، فأين استجاب الله له ؟ وأين رزقه الله تعالى الولد ؟

قال تعالى:{فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِنَ الصَّالِحِينَ} [آل عمران:39].

- وتأمّل أيضا حال إبراهيم عليه السّلام وهو منصرف عن أهله قائلا:{رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم:37]، فما طلب الرّزق لأهله حتّى ذكر الشّرط، وهو إقام الصّلاة، فسخّر الله تعالى لأهله عينا ماؤها طعام طعم وشفاء سقم..

إذا تأمّلت ذلك كلّه، فانظر حواليك إلى من صاروا يُضيّعون صلواتهم بحجّة العمل والسّعي وراء القوت ! فانقلبت الموازين، وضاعت المفاهيم، واندثرت عقيدة محمّد صلّى الله عليه وسلّم وإبراهيم، وشعيب، وزكريّا، ومريم في عقر ديارهم ! فلا جرم أنّه صدق عليهم ما رواه البخاري ومسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( الَّذِي تَفُوتُهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ )) قَالَ البخاري: وترت الرّجلَ: إذا قتلتَ له قتيلا أو أخذْت له مالا.

( يتبع إن شاء الله ) =================

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فقد رأينا من مفاتيح الرّزق الحلال: تقوى الله ذي الجلال، والإكثار من دعائه في كلّ حال، والحرص على الذّكر والمناجاة، والثّبات على إقام الصّلاة، وإنّ من مفاتيح الرّزق:

5)صلة الأرحام:

فقدروى البخاري ومسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم يَقُولُ:

(( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ )).

6)طلب العلم، فقد قال تعالى:{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} [الرعد: من الآية41]، قال ابن عبّاس رضيالله عنه:" تنقص خيرات الأرض بموت علمائها ".

ويؤيّد ما قاله رضي الله عنه: ما رواه التّرمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ:

كَانَ أَخَوَانِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم، فَكَانَ أَحَدُهُمَا يَأْتِي النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم وَالْآخَرُ يَحْتَرِفُ، فَشَكَا الْمُحْتَرِفُ أَخَاهُ إِلَى النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم، فَقَالَ صلّى الله عليه وسلّم: (( لَعَلَّكَ تُرْزَقُ بِهِ )).

وروى التّرمذي وأبو داود والنّسائي عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم يَقُولُ: (( ابْغُونِي ضُعَفَاءَكُمْ، فَإِنَّمَا تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ )) زاد النّسائي في رواية سعد رضي الله عنه: (( بِدَعْوَتِهِمْ، وَصَلَاتِهِمْ، وَإِخْلَاصِهِمْ )).

7)الحجّ والعمرة: فقد روى التّرمذي عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال:

(( تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَوَالذُّنُوبَ، كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ الْمَبْرُورَةِثَوَابٌ إِلَّا الْجَنَّةُ )).

8)الجهاد في سبيل الله: ففي مسند الإمام أحمد بسند صحيح عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى اللهعليه وسلّم:

(( بُعِثْتُ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي، وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي، وَمَنْ تَشَبَّهَبِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ )).

وقال الله عزّ وجلّ:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة:28].

9) ومن أبواب الرّزق ما يسخّره الله لك على يد إخوانك:

فقد روى أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مِنْ هَذَا الْمَالِ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْأَلَهُ، فَلْيَقْبَلْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ سَاقَهُ اللَّهُعَزَّ وَجَلَّإِلَيْهِ )).

وروى الإمام مالك عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم أَرْسَلَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه بِعَطَاءٍ، فَرَدَّهُ عُمَرُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( لِمَ رَدَدْتَهُ ؟))

فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ! أَلَيْسَ أَخْبَرْتَنَا أَنَّ خَيْرًا لِأَحَدِنَا أَنْ لَا يَأْخُذَ مِنْ أَحَدٍ شَيْئًا ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم:

(( إِنَّمَا ذَلِكَ عَنْ الْمَسْأَلَةِ، فَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ يَرْزُقُكَهُ اللَّهُ )). فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا أَسْأَلُ أَحَدًا شَيْئًا وَلَا يَأْتِينِي شَيْءٌ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ إِلَّا أَخَذْتُهُ[1].

ومن آثار معرفة اسمي ( الرزّاق، والرّازق):

-الثّمرة الخامسة:أن لا يسأل العبد إلاّ ربّه.

ولا يسأل النّاس شيئا، فقد روى التّرمذي وغيره عن ابن عبّاس رضي الله عنه قال: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم يَوْمًا، فَقَالَ:

(( يَا غُلَامُ ! إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ، وَإِذَااسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْيَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ )).

والأحاديث كثيرة في ذمّ المسألة، ومن أوقعها على القلب ما رواه أبو داود والترمذي عن ابنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أنّ النَّبِيَّ صلّى اللهعليه وسلّم قَالَ:

(( مَنْ نَزَلَتْ بِهِ فَاقَةٌ فَأَنْزَلَهَا بِالنَّاسِ لَمْ تُسَدَّ فَاقَتُهُ، وَمَنْ نَزَلَتْ بِهِ فَاقَةٌ فَأَنْزَلَهَا بِاللَّهِ فَيُوشِكُ اللَّهُ لَهُ بِرِزْقٍ عَاجِلٍ أَوْ آجِلٍ )).

وما رواه الشّيخان عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( لَا تَزَالُ الْمَسْأَلَةُ بِأَحَدِكُمْ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَلَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ )).

6- الثّمرة السّادسة: لا شكّ انّ معرفة هذين الاسمين الكريمين ( الرزّاق والرّازق ) تدلّك على اسم آخر من أسمائه عزّ وجلّ، ألا وهو: الوهّاب.

وهذا ما سوف نتطرّق إليه لاحقا إن شاء الله.

==========

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فقد وقفنا مليّا مع اسمين عظيمين من أسماء الله عزّ وجلّ، وهما ( الرزّاق، والرّازق )، ورأينا الثّمرات الّتي يجنيها المسلم من معرفتها، والإيمان بها.

ومن أسماء الله عزّ وجلّ القريبة من معناهما اسم:

27- الوهّــاب عزّ وجلّ.

المبحث الأوّل: أدلّة ثبوت هذا الاسم والصّفة.

هذا الاسم ورد ذكره ثلاث مرّات في القرآن الكريم، منها قوله تعالى:{إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: من الآية8].

ولم يأت في السنّة إلاّ حديث واحد فيه مقال، وهو ما رواه أبو داود عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم كَانَ إِذَا اسْتَيْقَظَ مِنْ اللَّيْلِ قَالَ: (( لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ، اللَّهُمَّ أَسْتَغْفِرُكَ لِذَنْبِي، وَأَسْأَلُكَ رَحْمَتَكَ، اللَّهُمَّ زِدْنِي عِلْمًا، وَلَا تُزِغْ قَلْبِي بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنِي، وَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ )).

ولمجيئه في القرآن الكريم لم يختلف العلماء في أنّه اسم من أسمائه عزّ وجلّ، فكلّ من تكلّم في أسمائه عزّ وجلّ ذكره.

المبحث الثّاني: المعنى اللّغوي لهذا الاسم.

ملخّص ما جاء في "النّهاية" (5/231)، و"اللّسان" (6/4929): أنّ الوهّاب بمعنى كثير العطاء، فهو صيغة مبالغة من " وهب الشّيء إذا أعطاه، ومصدره: الوهْب والوهَب والهبة.

وفي أصل اشتقاق الهبة قولان:

الأوّل: أنّه من هبّ الشّيء إذا مرّ، ومنه هبوب الرّيح، فالعطيّة تمرّ من يد إلى أخرى.

الثّاني: من هبّ بمعنى تيقّظ، لأنّ فاعلها تيقّظ لفعل الخير.

ويقال في المبالغة: وَهُوب ووهّابة أيضا، وهو متصرّف له ماضٍ ومضارع وأمر فيقال: وهب يهبُ وهبْ.

أمّا ( هَبْ ) الدالّة على الاعتقاد والظنّ، فإنّه فعل جامد لا مصدر له ولا مضارع ولا ماضٍ.

والهـبـة: في اللّغة هي العطيّة الخالية عن العوض، فتدخل فيها الصّدقة والهديّة والوصيّة[1].

فإن قيل: كيف يمكننا التّفريق بين الهديّة والهبة ؟

فالجواب: أنّ كلّ هديّة هبة، وليس كلّ هبة هديّة، فقد تطلق الهبة على الصّدقة، والنبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يوهب أشياء على سبيل الهديّة لا الصّدقة.

المبحث الثالث: معنى الاسم في حقّ الله سبحانه وتعالى:

قال الطّبري رحمه الله: " الوهاب لمن يشاء من خلقه، ما يشاء من ملك وسلطان ونبوّة ".

وقال الخطّابي رحمه الله في "شأن الدّعاء" (ص 53)، ونقله البيهقيّ في "الاعتقاد" (ص 57): " هو الّذي يجود بالعطاء من غير استثابة " أي: من غير طلب للثّواب من أحد.

وقال الحليمي رحمه الله في "المنهاج" (1/206): " هو المتفضّل بالعطايا المنعم بها لا عن استحقاق عليه ".

قال ابن القيّم رحمه الله تعالى في "النّونيّة" (2/234):

وكذلك الوهّـاب من أسمـائـه *** فانظـر مواهـبـه مدى الأزمـان

أهل السّموات العلى والأرض عن *** تلك المـواهـبِ ليـس ينـفكّـان

وبهذا يظهر الفرق الدّقيق بين الرزّاق والوهّاب، وهو:

أنّ الرزّاق من الرّزق وهو أعمّ من الهبة، لأنّ من يرزق قد يرقب ثوابا وعوضا كما قال تعالى:{وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ} [النّساء: من الآية5]، وقال:{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ} [البقرة: من الآية233]، بخلاف الهبة.

المبحث الرّابع: آثار الإيمان بهذا الاسم

1- لا شكّ أنّه لمّا كان الوهّاب بمعنى الرزّاق فآثار الإيمان به هي نفسها، وكما سبق ذكره أنّ هذا الاسم ورد ذكره ثلاث مرّات في القرآن الكريم:

مرّة بمعنى الرزّق العامّ الّذي يعمّ جميع الخلق، قال تعالى:{أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ} [ص:9].

ومرّة بمعنى الرّزق الخاصّ بالأبدان والأعيان، كقوله تعالى:{قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [ص:35].

ومرّة بمعنى الرّزق الخاصّ بالقلوب وهو الهداية:{رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران:8].

لذلك قال الطّبري رحمه الله في تفسيره لهذه الآية:" يعني إنّك أنت المعطي عبادك التّوفيق والسّداد للثّبات على دينك وتصديق كتابك ورسلك ".

2- أعظم هبة وهبها الله العبد هي الاستقامة على دينه، لذلك وصف الدّاعين بهذا الدّعاء بأنّهم أولو الألباب، فقال:{وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7) رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8)} [آل عران].

ولذلك كانت النبوّة أعظم هبة، قال تعالى عن موسى عليه السّلام:{فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء: من الآية21]، وكذا العلم الّذي هو ميراث النبوّة.

3-الفرق بين هبة الخالق والمخلوق: وذلك من أوجه:

- الوجه الأوّل: من حيث الدّوام والاتّصال، ذكره الخطّابي رحمه الله تعالى في "شأن الدّعاء" (ص53) فقال:

" فكلّ من وهب شيئا من عرض الدّنيا لصاحبه فهو واهب، ولا يستحقّ أن يسمّى وهّابا إلاّ من تصرّفت مواهبه في أنواع العطايا، فكثرت نوافله ودامت.

والمخلوقون إنّما يملكون أن يهبوا مالا أو نوالا في حال دون حال، ولا يملكون أن يهبوا شفاءً لسقيم، ولا ولدا لعقيم، ولا هُدىً لضالّ، وعافية لذي بلاء، والله الوهّاب سبحانه يملك جميع ذلك، وسع الخلقَ جودُه، فدامت مواهبه، واتّصلت مننُه وعوائده "اهـ.

- الوجه الثّاني: من حيث العوض، ذكره الرّازي في "شرح الأسماء"، وهو يُفهم مّما مضى بيانه، فأكثر الخلق إنّما يهبون من أجل عوض ينالونه، كمقابل لذلك، أو ثناء بين النّاس، وأحسنهم من يهب طمعا في الأجر من الله تعالى.

- الوجه الثّالث: أنّ هبة الله تعالى لا حصر لها، ولا عجز فيها، فهو كما مضى في شرح اسم "الرزّاق" أنّه المعطي بلا كلفة الرّازق بلا مؤنة.

- الوجه الرّابع: أنّ هبة الله تعالى ليست عن ضعف أو ذلّ، ولكنّها عن مشيئة وقدرة وعزّة، لذلك قال تعالى:{لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ} [الشّورى:49]، بخلاف عطيّة العبد، فتكون أحيانا ناتجة عن ضعف.

- الوجه الخامس: أنّ هبة الله تعالى عن حكمة بالغة، لذلك ختم آية الهبة بقوله:{أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} [الشورى:50].

فهبته إمّا شكر لعمل العبد، أو استدراج له، فكلّ عطاء منه أصاب موضعه، بخلاف عطيّة العبد فإنّها ربّما لم تُصِب موضعها.

من ذلك حديث البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ:

(( قَالَ رَجُلٌ لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدِ سَارِقٍ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ عَلَى سَارِقٍ ! فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ.

فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدَيْ زَانِيَةٍ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى زَانِيَةٍ ! فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى زَانِيَةٍ، لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ.

فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدَيْ غَنِيٍّ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ عَلَى غَنِيٍّ ! فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى سَارِقٍ وَعَلَى زَانِيَةٍ وَعَلَى غَنِيٍّ.

فَأُتِيَ، فَقِيلَ لَهُ: أَمَّا صَدَقَتُكَ عَلَى سَارِقٍ فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعِفَّ عَنْ سَرِقَتِهِ، وَأَمَّا الزَّانِيَةُ فَلَعَلَّهَا أَنْ تَسْتَعِفَّ عَنْ زِنَاهَا، وَأَمَّا الْغَنِيُّ فَلَعَلَّهُ يَعْتَبِرُ فَيُنْفِقُ مِمَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ )).

ومن ثمرات الإيمان بهذا السم الكريم:

4- إذا علم العبد أنّ الهبة من الله تابعة لحكمته ومشيئته، فينبغي له الرّضا بما قسم الله له:

- فالذرّية هبة من الله تعالى، وقد ذكر الله أنبياء بذرّية ذكور كنوح، ويعقوب عليهم السّلام، وذكر أنبياء لهم ذرّية إناث كنبيّ الله لوط عليه السّلام، وذكر أنبياء وليس لهم ذرّية كعيسى ويحيى ويوسف عليه السّلام، وذكر أنبياء وهبهم الله ذرّية بعد كبر في السنّ ووهن في العظم كنبي الله إبراهيم وخليله القائل:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ} [إبراهيم:39]، ونبيّ الله زكريّا عليه السّلام القائل:{رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ} [آل عمران: من الآية38].

بل ذكر أنّ نبيّا آتاه الله ملكا لا ينبغي لأحد بعده، ووهب له الرّياح تجري بأمره رخاء حيث أصاب، أي حيث شاء، وسخّر له الشّياطين تعمل له ما يشاء من تماثيل ومحاريب وقصور وقدور وجفان، ويغوصون في البحر يستخرجون منه اللّآلئ، وقال الله له:{هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [ص:39].

ومع ذلك لم يهب له إلاّ شقّ ولد، روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ:

(( قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ عليهما السلام: " لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى مِائَةِ امْرَأَةٍ أَوْ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ كُلُّهُنَّ يَأْتِي بِفَارِسٍ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَمْ يَقُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَمْ يَحْمِلْ مِنْهُنَّ إِلَّا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ جَاءَتْ بِشِقِّ رَجُلٍ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فُرْسَانًا أَجْمَعُونَ )).

- وليعلم أنّ الله سمّى الولد هبة، فينبغي له أن يرضى بهبة الله تعالى له، سواء أكان ذكرا أو أنثى، سواء أكان صحيحا أم سقيما، وما أقبح أن لا يرضى العبد بعطيّة الله له.

5- وممّا ينبغي لنا معرفته: أنّ هناك اسمين يُذكران عادة بهذا المعنى، وهما: ( المعطي والمانع ).

نراهما إن شاء الله لاحقا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق