9 مصاحف

9 و 12 مصحف

 

Translate

الجمعة، 14 أبريل 2023

ج4.تابع خصائص وصفات النبي صلي الله عليه وسلم



 

ج4.تابع خصائص وصفات النبي صلي الله

 عليه وسلم 

- اختصاصُهُ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ - بأنه أولُ مَن تنشقُّ عنه الأرضُ، وبإعطائِهِ لواءَ الحَمدِ، وأنَّهُ أولُ مَنْ يدخلُ الجَنَّةَ يومَ القيامةِ:

عن أنس بن مالك - رَضيَ اللهُ عنهُ - قال: سمعتُ رسولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ - يقول: ( إني لأول مَن تنشق الأرضُ عن جمجمتي يوم القيامة ولا فخر، وأعطى لواء الحمد ولا فخرَ، وأنا سيدُ النَّاس يومَ القيامة ولا فخرَ، وأنا أول مَن يدخل الجَنَّة ولا فخرَ، وإني آتي باب الجَنَّة فآخذ بحلقها فيقولون: مَن هذا؟ فأقول: أنا مُحمَّد!! فيفتحوا لي، فأدخل, فإذا الجبارُ متقبلي، فأسجد له فيقول: ارفع رأسك يا مُحمَّد، وتكلَّم يُسمع منك...) الحديثَ في مسند أحمد (3/144), وأورده الألبانيُّ في"السلسلة الصحيحة" (4/100) وقال: سنده جيد, ورجاله رجالُ الشيخين.

2 - اختصاصُهُ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ - بأنَّ الله يبعثُهُ يومَ القيامةِ مَقَاماً محمُوداً:

قال المولى - عَزَّ وجَلَّ -: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً}(79) سورة الإسراء، وعن ابنِ عُمَرَ - رَضيَ اللهُ عنهُما - قالَ: ( إنَّ النَّاسَ يصيرون يوم القيامة جُثاً، كلُّ أمةٍ تتبعُ نبيَّها، يقولون: يا فلان اشفعْ، حَتَّى تنتهي الشفاعةُ إلى النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -، فذلك يومَ يبعثُهُ اللهُ المقامَ المحمودَ) البُخاريُّ - الفتح - كتاب التفسير في قوله - تعالى-: (عسى ربك...) 8/251, رقم الحديث (4718).

وعن ابن عمرَ - رَضيَ اللهُ عنهُما - قالَ: قالَ رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -: ( إنَّ الشمسَ تدنو يوم القيامة حَتَّى يبلغ العرقُ نصف الأذن، فبينا هم كذلك استغاثوا بآدم، ثم بموسى، ثم بمُحمَّد - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ - ), وزاد عبدُ الله: حدثني الليث حدثني ابنُ أبي جعفر (فيشفع ليُقضى بين الخلقِ، فيمشي حَتَّى يأخذَ بحلقةِ الباب، فيومئذٍ يبعثه الله مقاماً محموداً يحمده أهلُ الجمعِ كلُّهم) البُخاريُّ - الفتح - كتاب الزكاة - باب من سأل النَّاس تكثيراً (3/396) رقم الحديث (1474) والرواية الأخرى (1475).

3 - اختصاصُهُ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ - بأنَّهُ أولُ شفيعٍ في الجَنَّةِ, وأولُ مَنْ يقرعُ بابَها:

عن أنسِ بن مالكٍ - رَضيَ اللهُ عنهُ - قالَ: قالَ رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -: (أنا أولُ النَّاسِ يشفعُ في الجَنَّة، وأنا أكثرُ الأنبياءِ تابِعاً) صحيح مسلم كتاب الإيمان (1/188) رقم الحديث (196)، وفي لفظٍ آخر: (أنا أكثرُ الأنبياءِ تابِعاً يومَ القيامة، وأول مَن يَقرعُ بابَ الجَنَّة) صحيح مسلم رقم (196) باب قول النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -: ( أنا أول النَّاسِ يشفع في الجَنَّة، وأنا أكثر الأنبياء تابعاً).

وعنه - أيضاً - قالَ: قالَ رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -: ( آتي بابَ الجَنَّةِ يوم القيامة, فأستفتح، فيقول الخازنُ: من أنت؟ فأقول: مُحمَّد, فيقول: بك أمرت أن لا أفتح لأحدٍ قبلك) صحيح مسلم رقم (197) كتاب الإيمان - باب قول النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -: أنا أول النَّاسِ يشفع في الجَنَّةِ, وأنا أكثرُ الأنبياءِ تابِعاً.

4 - اختصاصُهُ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ - بأنَّ أمتَهُ ستشهدُ على الأُممِ يومَ القيامةِ:

وعن أبي سعيد الخُدريِّ - رَضيَ اللهُ عنهُ - قالَ: قالَ رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -: (يُجاء بنوح يومَ القيامة فيُقال له: هل بلّغت الرِّسالة؟ فيقول: نعم!! فتُسأل أمته: هل بلَّغكم؟ فيقولون: ما جاءنا من نذيرٍ!! فيقول: مَن شهودك؟ فيقول: مُحمَّد وأمته، فيُجاء بكم فتشهدون، ثم قرأ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً - قال: عدولاً - لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاس وَيَكُونَ الرَّسُول عَلَيْكُمْ شَهِيداً}(143) سورة البقرة. البُخاريّ - الفتح (13/328) رقم (7349) كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة - باب: وكذلك جعلناكم أمة وسطاً، قال العز بن عبد السلام - رَحِمهُ اللهُ -: (نزّل الله - تعالى- أمته منزلَ العُدُولِ من الحُكَّامِ، فإن الله - تعالى- إذا حكم بين العباد فجحدت الأممُ بتبليغ الرِّسالة أحضرت أمة مُحمَّد - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ - فيشهدون على النَّاس بأنَّ رسلهم أبلغتهم، وهذه الخصيصة لم تثبت لأحدٍ من الأنبياء) "بداية السول" ص69.

5 - اختصاصُهُ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ - بأنَّهُ أولُ مَنْ يجوزُ الصِّراطَ مِنَ الرُّسلِ بأمتِهِ:

عن سعيد بن المسيب وعطاء بن يزيد الليثيّ أنّ أبا هُرَيْرة - رضي الله عنه - أخبرهما: ( أنّ النَّاس قالوا: يا رسولَ الله هل نرى ربَّنا يومَ القيامة؟ قال: هل تُمارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحابٌ؟ قالوا: لا يا رسولَ الله!! قال: فهل تمارون في الشمسِ ليس دونها سحابٌ؟ قالوا: لا!! قال: فإنكم ترونه كذلك، يحشر النَّاس يوم القيامة فيقول: مَن كان يعبد شيئاً فليتَّبعه، فمنهم مَن يتبع الشمسَ، ومنهم مَن يتبع القمرَ، ومنهم مَن يتبع الطواغيت، وتبقى هذه الأمةُ فيها منافقوها، فيأتيهم الله فيقول: أنا ربُّكم، فيقولون: أنت ربنا، فيدعوهم بضرب الصراط بين ظهراني جهنم، فأكون أول مَن يجوز مِن الرسل بأمته، ولا يتكلمُ يومئذٍ أحدٌ إلا الرسل، وكلامُ الرسلِ يومئذٍ: اللهم سلِّم سلِّم...) الحديث في البُخاريّ - الفتح كتاب الإذن - باب فضل السجود - (2/341) رقم الحديث (806).

6 - اختصاصه - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ - بالكوثر:

قالَ اللهُ - تعالى-: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}(1) سورة الكوثر.

عن أبي عبيدة عن عائشة - رَضيَ اللهُ عنهُا - قال: سألتها عن قوله - تعالى-: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} قالت: "هو نهرٌ أُعطيه نبيكم - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -، شاطِئاه عليه درٌّ مجوَّفٌ، آنيتُهُ كعَدَدِ النجومِ".

7 - اختصاصُهُ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ - بمنزلةِ الوسيلةِ:

عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رَضيَ اللهُ عنهُما - أنه سمع النَّبيَّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ - يقول: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلَ ما يقول، ثم صلُّوا عليَّ، فإنه مَن صلَّى عليَّ صلاة صلَّى الله عليه بها عشراً، ثم سلُوا الله لي الوسيلةَ فإنها منزلةٌ في الجَنَّة لا تنبغي إلا لعبدٍ من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمَن سأل لي الوسيلةَ حلَّت له الشفاعةُ) صحيح مسلم (1/288) كتاب الصلاة - باب استحباب القول مثل قول المؤذن. رقم الحديث (384).

8 - اختصاصه - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ - بأنه أكثرُ الأنبياءِ تابعاً يومَ القيامة, ويدخلُ من أمته الجَنَّة سبعون ألفاً بغير حسابٍ ولا عذابٍ:

عن أبي هُرَيْرة - رَضيَ اللهُ عنهُ - قال: قال النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -: (ما مِن الأنبياءِ نبيٌّ إلا أُعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أُوتيته وحياً أوحاه الله إليّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة) البُخاريّ - الفتح (8/619) رقم الحديث (4981) كتاب فضائل القرآن - باب كيف نزل الوحي أول ما نزل.

وعن عمران بن حُصين - رَضيَ اللهُ عنهُ - قال: قالَ رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -: (عُرضت عليَّ الأممُ، فجعلَ النَّبيّ والنَّبيّان يمرون معهم الرهط، والنَّبيّ ليس معه أحدٌ، حَتَّى رُفع لي سوادٌ عظيم، قلتُ: ما هذا؟ أمتي هذه؟ قيل: بل هذا موسى وقومه، قيل: انظرْ إلى الأفق!! فإذا سوادٌ يملأ الأفقَ، ثم قيل لي: انظر هاهنا وهاهنا - في آفاق السماء - فإذا سوادٌ قد ملأ الأفقَ، قيل: هذه أمُّتُك، ويدخُلُ الجَنَّة من هؤلاء سبعون ألفاً بغير حسابٍ) البُخاريّ - الفتح (10/163 - 164) رقم الحديث (5705) كتاب الطب - باب من اكتوى أو كوى غيره وفضل من لم يكتو.

وعن أبي هُرَيْرة - رَضيَ اللهُ عنهُ - قال: (يدخل من أمتي الجَنَّة سبعون ألفاً بغير حسابٍ) فقال رجل: يا رسول الله! ادعُ الله أن يجعلني منهم!! قال: (اللهمّ! اجعلْه منهم) ثم قام آخرُ، فقال: يا رسولَ الله ادعُ الله أن يجعلْني منهم!! قال: (سبقك بها عكَّاشةُ) صحيح مسلم (1/197) رقم الحديث (216) كتاب الإيمان - باب دخول طوائف من المسلمين الجَنَّة بغير حساب ولا عذاب.

9 - اختصاصُهُ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ - بأنه سيِّدُ ولدِ آدمَ، وأنَّهُ صاحبُ الشَّفاعةِ العُظمى يومَ القيامةِ:

عن أبي هُرَيْرة - رَضيَ اللهُ عنهُ - قال: أُتي رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ - بلحمٍ، فرُفع إليه الذراع - وكانت تعجبه - فنهَسَ منها نهسة، ثم قال: (أنا سيُّدُ النَّاس يومَ القيامةِ، وهل تدرونَ ممَّ ذلك؟ يجمع الله النَّاس - الأولين والآخرين - في صعيدٍ واحدٍ، يُسمعهُم الداعي، وينفذهم البصر، وتدنو الشمسُ فيبلغ النَّاس من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون، فيقول النَّاس: ألا تَرون ما قد بلغكم؟ ألا تنظرون مَن يشفع لكم إلى ربكم؟ فيقول بعضُ النَّاس لبعضٍ: عليكم بآدم!!, فيأتون آدم - عليه السلام - فيقولون له: أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، فاشفعْ لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحنُ فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول آدم: إن ربي قد غضبَ اليومَ غضباً لم يغضب قبله مثلَه، ولن يغضب بعده مثلَه، وإنه نهاني عن الشجرةِ فعصيته، نفسي نفسي نفسي اذهبُوا إلى غيري، اذهبُوا إلى نوح!! فيأتون نوحاً فيقولون: يا نوحُ، إنك أنتَ أوّل الرَّسلِ إلى أهل الأرضِ، وقد سمَّاك الله عبداً شكوراً، فاشفعْ لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحنُ فيه؟ فيقول: إن ربي - عَزَّ وجَلَّ - قد غضبَ اليوم غضباً لم يغضب قبله مثلَه, ولن يغضب بعده مثلَه، وإنه قد كانت لي دعوةٌ دعوتها على قومي نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى إبراهيم!! فيأتون إبراهيم فيقولون: يا إبراهيمُ أنت نبيُّ الله وخليلُه من أهل الأرض، فاشفعْ لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحنُ فيه؟ فيقولُ لهم: إنَّ ربي قد غضبَ اليومَ غضباً لم يغضب قبله مثلَه، ولن يغضبَ بعدَهُ مثلَهُ، وإني قد كنت كذبت ثلاث كذبات - فذكرهن أبو حيان في الحديث(أي أحد رواة الحديث) - نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى موسى!! فيأتون موسى فيقولون: يا موسى أنتَ رسولُ الله، فضَّلك الله برسالته وبكلامه على النَّاس، اشفعْ لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحنُ فيه؟ فيقول: إنَّ ربي قد غضبَ اليومَ غضباً لم يغضبْ قبله مثله، ولن يغضبَ بعده مثله، وإني قد قتلتُ نفساً لم أُومر بقتلها نفسي نفسي نفسي، اذهبُوا إلى غيري، اذهبُوا إلى عيسى!! فيأتون عيسى فيقولون: يا عيسى أنتَ رسولُ الله، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه، وكلمتَ النَّاس في المهد صبياً، فاشفعْ لنا، ألا ترى ما نحنُ فيه؟ فيقول عيسى: إنَّ ربي قد غضبَ اليومَ غضباً لم يغضبْ قبله مثله، ولن يغضبَ بعده مثله - ولم يذكر ذنباً - نفسي نفسي نفسي، اذهبُوا إلى غيري، اذهبوا إلى مُحمَّد - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -!!، فيأتون مُحمَّداً - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ - فيقولون: يا مُحمَّد، أنتَ رسولُ الله، وخاتمُ الأنبياءِ، وقد غفر الله لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر، فاشفعْ لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحنُ فيه؟ فأنطلق، فآتي تحت العرش فأقعُ ساجداً لربي - عَزَّ وجَلَّ -، ثمّ يفتح الله عليَّ من محامده وحُسن الثناءِ عليه شيئاً لم يفتحه على أحدٍ قبلي، ثم يقال: يا مُحمَّد، ارفعْ رأسك، وسلْ تُعطه، واشفعْ تشفَّع، فأرفع رأسي فأقول: أمتي يا ربّ، أمتي يا رب!!، فيقال: يا مُحمَّد، أدخل من أمتك من لا حسابَ عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجَنَّة، وهم شركاءُ النَّاس فيما سوى ذلك من الأبواب، ثم قال: والذي نفسي بيده إنَّ ما بين المِصراعين من مصاريع الجَنَّة كما بين مكةَ وحِميَر، أو كما بين مكة وبُصرى) البُخاريّ - الفتح (8/348 - 348) رقم الحديث (4712) كتاب التفسير باب (ذرية من حملنا مع نوح).

10 - اختصاصُهُ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ - بالشَّفاعةِ لتخفيفِ العذابِ عنْ عمِّه أبي طالبٍ:

فعن العَبَّاسٍ بن عبد المطلب - رَضيَ اللهُ عنهُ - أنه قال: يا رسولَ الله هل نفعتَ أبا طالبٍ بشيءٍ، فإنه كان يحوطُك ويغضبُ لك؟ قال: ( نعم، هو في ضَحْضَاحٍ من نارٍ، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفلِ من النار) صحيح مسلم (1/194) رقم (209) كتاب الإيمان, باب شفاعة النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -، قال الحافظُ ابنُ حَجَرٍ ما معناه: "الشفاعة لأبي طالب معدودةٌ في خصائصِ النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ - ". فتح الباري (11/439).

==============

إن الله - عَزَّ وجَلَّ - خصَّ هذه الأمة المسلمةَ بخصائصَ عظيمةٍ وجليلةٍ عن سائرِ الأُمم، وإنَّ الله أفردَها وميزَّها عن بقيةِ الأُممِ، فالمتأمِّلُ لهذه الأمةِ, وما خَصَّها اللهُ - عَزَّ وجَلَّ - به من الخصائصِ يجد العَجَبَ العُجَابَ؛ لما حباه اللهُ لهذه الأمة عن غيرِها فكانت من أفضلِ الأُممِ، وكان رسولهُا أفضلَ الرُّسلِ, ودينُها أحسنَ الأديانِ، فهي أمةٌ مخصوصةٌ ومصطفاه، وإننا في هذا السياق سنذكر ما تيسَّر ذكرُهُ من الخصائص التي خصَّها الله - عَزَّ وجَلَّ - لهذه الأمة عن غيرِها من الأُممِ السَّابقةِ، وإليك هذه الخصائصَ:

1 - اختصاصها بالخيرية:

قالَ اللهُ - عَزَّ وجَلَّ -: {كنتم خير أمةٍ أخرجت للناس} آل عمران 110.

وعن بَهْزِ بنِ حَكِيمٍ عن أبيه عن جَدِّه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -: (نُكمل يوم القيامة سبعين أمة نحن آخرها وخيرُها) رواه ابن ماجه (4288), وصححه الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه" (2/2426/1433) رقم 4287.

2 - اختصاصها بأنها لا تجُمع على ضلالة:

وعن ابن عَبَّاسٍ - رَضيَ اللهُ عنهُ - مرفوعاً: أنَّ رسولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ - قال: (لا يجمع الله أمتي على ضلالة أبداً, ويدُ اللهِ على الجماعةِ) الحاكم في المستدرك (1/116).

وعن ابن عمر مرفوعاً: (لا يجمعُ اللهُ هذه الأمةَ على ضلالةٍ، ويدُ اللهِ مع الجماعةِ، وعليكم بالسَّوادِ الأعظمِ, ومَنْ شَذَّ شَذَّ في النَّارِ) أخرجه الحاكم (1/115).

وقد ثبت عن أبي مسعود أنه قال: ( عليكم بالجماعة فإنه الله لا يجمع أمةَ مُحمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ - على ضلالة) أخرجه ابن أبي عاصم في كتاب السنة (1/41 - 42) بسندٍ جيدٍ قاله الألبانيُّ.

3 - اختصاصها أنها أول الأمم دخولاً الجَنَّة:

عن أبي هُرَيْرة - رَضيَ اللهُ عنهُ - قال: قالَ رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -: (أول زمرة تلج الجَنَّة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر، لا يبصقون فيها، ولا يتمخطون، ولا يتغوطون، آنيتهم فيها الذّهب، أمشاطهم من الذهب والفضة، ومجامرهم الألوة، ورشحهم المسك، ولكل واحدٍ منهم زوجتان يُرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الحسن، لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم قلب واحدٌ، يسبحون الله بكرةً وعشياً) البُخاريُّ - الفتح (6/367) رقم الحديث (3245) كتاب بدء الخلق, باب ما جاء في صفة الجَنَّة وأنها مخلوقة.

وعن أبي هُرَيْرة - رَضيَ اللهُ عنهُ - قال: قالَ رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -: (نحن الآخرون الأولون يوم القيامة، ونحن أول من يدخل الجَنَّة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم، فاختلفوا فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق، فهذا يومهم الذي اختلفوا فيه هدانا الله له (قال يوم الجمعة) فاليوم لنا، وغداً لليهود، وبعد غدٍ للنّصارى) صحيح مسلم (2/585 - 586) رقم (855), كتاب الجمعة, باب هداية هذه الأمة ليوم الجمعة.

4 - اختصاصها بالوسطية والشهادة على النَّاس:

قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاس} (143) سورة البقرة.

وعن أبي سعيدٍ - رضي الله عنه - قال: قالَ رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -: (يجيء نوحُ وأمته، فيقول الله - تعالى-: هل بلغت؟ فيقول: نعم، أي ربِّ!! فيقول لأمته: هل بلّغكم؟ فيقولون: لا، ما جاءنا من نبيّ!! فيقولُ لنوح: من شهد لك؟ فيقول: مُحمَّد - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ - وأمته، فنشهد أنه قد بلغ، وهو قوله - جَلَّ ذكره -: (وكذلك جعلناكم أمةً وسطاً لتكونوا شهداء على النَّاس)(143: البقرة)،البُخاريُّ – الفتح (6/427) رقم (3339) كتاب الأنبياء قول الله : (ولقد أرسلنا نوحاً...) الآية.

5 - اختصاصها بأنها أكثر الأمم دخولاً الجَنَّة:

عن عبد الله بن مسعود - رَضيَ اللهُ عنهُ - قال: (كنا مع النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ - في قبة فقال: أترضون أن تكونوا رُبع أهل الجَنَّة؟ قلنا: نعم، قال: أترضون أن تكونوا شطر أهل الجَنَّة؟ قلنا: نعم، قال: والذي نفس مُحمَّد بيده إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجَنَّة، وذلك أن الجَنَّة لا يدخُلها إلا نفسٌ مسلمة، وما أنتم في أهل الشرك إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر) البُخاريّ – الفتح (11/385) رقم (6528) كتاب الرقاق باب الحشر.

وعن سليمان بن بريدة عن أبيه عن النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ - قال: (أهل الجَنَّة عشرون ومئة صف؛ ثمانون منها من هذه الأمة، وأربعون من سائر الأمم) رواه ابن ماجه (2/1433 - 1434) و تحفة الأحوذي ( 7/254 - 255 ) وهو صحيح لطرقه.

6 - اختصاصها أن مرض الطاعون شهادة لها:

عن عائشة - رَضيَ اللهُ عنهُا - زوجِ النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ - قالت: سألتُ رسولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ - عن الطاعون، فأخبرني أنه عذابٌ يبعثه اللهُ على من يشاء، وأن الله جعله رحمة للمؤمنين، ليس من أحدٍ يقع الطاعون فيمكث في بلده صابراً محتسباً يعلم أنه لا يُصيبه إلا ما كتب اللهُ له إلا كان له مثل أجر شهيد. البُخاريُّ - الفتح (6/593) رقم (3474) كتاب الأنبياء.

وعن أنس بن مالك - رَضيَ اللهُ عنهُ - عن النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ - قال: (الطاعون شهادة لكل مسلم) البُخاريّ مع الفتح رقم (2830) كتاب الأنبياء، باب الشهادة سبع سوى القتل.

وعن أبي هُرَيْرة - رَضيَ اللهُ عنهُ - قال: (بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوكٍ على الطريق فأخَّره، فشكر الله له، فغفر له) ثم قال: (الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغريق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله) البُخاريُّ – الفتح (652 - 653) كتاب الأذان ( 2/ 163) باب فضل التهجير إلى الظهر.

7 - اختصاصها بأن صفوفها كصفوف الملائكة:

عن حذيفة - رَضيَ اللهُ عنهُ - عن النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ - قال: (فُضِّلنا على النَّاس بثلاث: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وجعلت لنا الأرض مسجداً وتربتها طهوراً، وأعطيت آخر سورة البقرة فهن من كنز تحت العرش) صحيح مسلم (1/371) رقم (522) كتاب المساجد.

8 - اختصاصها بأن سبعين ألفاً منها يدخلون الجَنَّة بغير حساب:

عن عمران بن حصين - رَضيَ اللهُ عنه - قال: (لا رقية إلا من عين أو حُمةٍ) فذكرته لسعيد بن جبير فقال: حدثنا ابن عَبَّاسٍ قالَ رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ - : (عُرضت عليّ الأمم، فجعل النَّبيّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ والأنبياء يمرون معهم الرهط، والنَّبيّ ليس معه أحد، حَتَّى رُفع لي سواد عظيم، قلت: ما هذا؟ أمتي هذه؟ قيل: بل هذا موسى وقومه، قيل: انظر إلى الأفق، فإذا سواد يملأ الأفق!! ثم قيل لي: انظر هاهنا وهاهنا - في آفاق السماء - فإذا سواد قد ملأ الأفق قيل: هذه أمتك، ويدخل الجَنَّة من هؤلاء سبعون ألفاً بغير حساب...) الحديث. البُخاريُّ – الفتح (10/164) رقم (5705) كتاب الطب باب من اكتوى أو كوى غيره , وفضل من لم يكتو.

وعن سهل بن سعد - رَضيَ اللهُ عنهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ - قال: (ليدخُلنَّ الجَنَّة من أمتي سبعون ألفاً، أو سبعمائة ألفٍ - لا يدري أبو حازم أيهما قال - متماسكون، آخذُ بعضهم بعضاً، لا يدخل أولهم حَتَّى يدخل آخرهم، ووجوههم على صورة القمر ليلة البدر) صحيح مسلم :(1/198 - 199) رقم (219) كتاب الأيمان, باب موالاة المؤمنين, ومقاطعة غيرهم, والبراء منهم.

9 - اختصاصها بأنها كالغيث لا يدري أوله خير أم آخره:

عن أنس - رَضيَ اللهُ عنهُ - قال: قالَ رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -: (مثل أمتي مثل المطر لا يُدرى أوله خير أم آخره) أخرجه التِّرمذيُّ، وقال: حسن (2869)، وقال الشيخ الألباني - في المشكاة -: صحيح لطرقه (المشكاة 6277).

10 - اختصاصها بصلاة العشاء:

عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال: أبقينا النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ - في صلاة العَتَمَة فأخرى حَتَّى ظنَّ الظان أنه ليس بخارج والقائل منّا يقول: صلّى، فإنّا لكذلك حَتَّى خرج النَّبيُّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ - ، فقالوا له كما قالوا، فقال: (أَعتِموا بهذه الصلاة، فإنكم قد فُضِّلتُم بها على سائر الأمم، ولم تُصلِّها أمةٌ قبلكم) صححه الشيخ الألباني في "صحيح أبي داود" (1/85) رقم (421).

11 - اختصاصها بأن الله جعل لها الأرض مسجداً وطهوراً:

عن جابر بن عبد الله - رَضيَ اللهُ عنهما - قال: (أُعطيتُ خمساً لم يُعطهن أحدٌ قبلي: نُصرتُ بالرعب مسيرة شهر، وجُعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجلٍ من أمتي أدركته الصلاة فليصلِّ..) الحديث, البُخاريُّ - الفتح (11/519) رقم (335) كتاب التيمم.

وفي رواية أخرى عن ابن عمر - رضي الله عنهما -: أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ - عام غزوة تبوك قام يصلي، فاجتمع وراءه رجال من أصحابه يحرسونه، حَتَّى إذا صلى انصرف إليهم فقال لهم: (لقد أعطيت خمساً ما أعْطيهنّ أحد قبلي - وذكر منها -: وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً...) الحديث. مسند أحمد مع شرح أحمد شاكر (12/25 - 26) رقم (7068) وقال: إسناده صحيح.

12 - اختصاصها أن الله جعل لها التيمم عند عدم الماء:

خصَّ اللهِ - عَزَّ وجَلَّ - هذه الأمة بهذا الأمر، وإنْ دل فإنما يدل على تفضيل الله لهذه الأمة على من سبقها؛ لأنه لم يُشرع في حقهم التيمم، وهذا يدل على سعة رحمة الله بهذه الأمة، وأنه ما شرع لهم إلا الخير والبركة واليُسر، ولم يشدد عليهم كما شدد على بني إسرائيل وغيرهم من الأمم السابقة المتمردة كما قال - سبحانه -: {يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} الآية. راجع القول الأحمد في خصائص أمة مُحمَّد.

وعن أبي ذر - رَضيَ اللهُ عنهُ - مرفوعاً فيه ذكر طهور المسلم: (إن الصَّعيد الطيب وضوء المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليَمسَّه بشرته فإن ذلك خير) رواه أبو داود رقم (332)، وقال حسن صحيح كتاب الطهارة، وقال الشيخ الألباني في صحيح أبي دواود (صحيح) والله أعلم.

13 - اختصاصُها بأنها تأتي يوم القيامة وهُمْ غرٌّ من السجود مُحجَّلُون من الوضوء:

عن أبي هُرَيْرة - رَضيَ اللهُ عنهُ - قال: قالَ رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -: (ترد عليّ أمتي الحوض، وأنا أذود النَّاس عنه كما يذود الرّجل إبل الرّجل عن إبله) قالوا: يا نبي الله! أتعرفنا؟ قال: ( نعم، لكم سيما ليست لأحدٍ غيركم، تردون عليّ غرّاً محجَّلين من آثار الوضوء...) الحديث. صحيح مسلم (1/217) رقم (247) كتاب الطهارة باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء.

وكذلك حديث: (ما من أحدٍ مِنْ أُمَّتي إلا وأنا أعرفه يومَ القيامة)، قالوا: كيف تعرفهم يا رسول الله في كثرة الخلائق؟ قال: (أرأيت لو دخلت صبرة فيها خيل دُهم بُهم، وفيها فرس أغر مجمل، أما كنت تعرفه منها؟ قال: بلى، قال: فإن أمتي يومئذٍ غر من السجود مُحجَّلُون من الوضوء) أخرجه أحمد بسند صحيح, والتِّرمذيُّ, وهو مخرَّجٌ في "السلسلة الصحيحة", وراجع: "صفة صلاة النَّبيِّ" للألباني ص149.

14 - اختصاصها بأنَّ عيسى - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ - يُصلِّي وراء ولي من هذه الأمة:

عن جابر بن عبد الله - رَضيَ اللهُ عنهُ - قال: سمعتُ رسولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ - يقولُ: (لا تزال طائفةٌ من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة، قال فينزل عيسى ابن مريم - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ - فيقول أميرهم: تعال صَلِّ لنا!! فيقولُ: لا إن بعضكم على بعضٍ أمراءٌ تكرمة الله هذه الأمة) صحيح مسلم ( 3/ 1524) رقم 1037 كتاب الإمارة باب قوله - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّم - لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم.

15 - اختصاصها بيوم الجمعة:

عن حذيفة - رضي الله عنه - قال: قالَ رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -: (أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا فهدانا الله ليوم الجمعة، فجعل الجمعة والسبت والأحد، وكذلك هم تبعٌ لنا يوم القيامة، ونحن الآخرون من أهل الدُّنيا والأولون يوم القيامة، المقضيُّ لهم قبل الخلائق) راجع : كتاب"صحيح الترغيب والترهيب" (ص701) للشيخ الألباني.

وعن أبي هُرَيْرة - رَضيَ اللهُ عنهُ - أنه سمَع رسولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ - يقول: (نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، ثمَّ هذا يومهم الذي فرض عليهم فاختلفوا فيه فهدانا الله، فالنَّاس لنا فيه تبعُ: اليهود غداً، والنصارى بعدَ غدٍ) البُخاريُّ - الفتح (2/412) رقم (876) كتاب الجمعة باب فرض الجمعة.

16 - اختصاصها بأن الله أحلَّ لها الغنائم:

عن جابر - رَضيَ اللهُ عنهُ - قال: قالَ رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -: (أُعطيت خمساً لم يُعطهن أحد من الأنبياء: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصلِّ، وأحلت لي الغنائم ولم تحلّ لأحد قبلي، وأُعطيت الشفاعة، وكان النَّبيّ يبُعث إلى قومه خاصَّة وبُعثت إلى النَّاس عامة) البُخاريُّ - الفتح (1/519), رقم الحديث 335 كتاب التيمم.

وعن أبي هُرَيْرة - رَضيَ اللهُ عنهُ - قال: قال النَّبيُّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -: (غزا نبيٌّ من الأنبياء فقال لقومه: لا يتبعني رجل ملك بضع امرأةً وهو يريد أن يبني بها ولمّا يبنِ بها، ولا أحد بنى بيوتاً ولم يرفع سقوفها، ولا آخر اشترى غنماً أو خلفات وهو ينتظر ولدها، فغزا فدنا من القرية صلاة العصر أو قريباً من ذلك فقال للشمس: إنَّك مأمورة وأنا مأمور، اللهم احبسها علينا، فحُبست حَتَّى فتح الله عليهم، فجمع الغنائم، فجاءت يعني النار لتأكلها فلم تطعمها، فقال: إن فيكم غلولاً فليبايعني من كل قبيلة رجل، فلزقت يد رجل بيده، فقال: فيكم الغلول، فجاءُوا برأس بقرة من الذهب فوضعها، فجاءت النار فأكلتها، ثم أحل الله لنا الغنائم، رأى ضعفنا وعجزنا فأحلَّها لنا) البُخاريُّ - الفتح (6/254) رقم (3124) كتاب الخمس, باب قول النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -: أحلت لكم الغنائم.

17 - اختصاصها بأن الله أحلَّ لها بعضَ الأطعمة:

فعن ابن عمر - رَضيَ اللهُ عنهما - قال: قالَ رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -: (أُحلت لنا ميتتان ودمان: فأما الميتتان فالحوت والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال) رواه أحمدُ (2/92) وابن ماجه (3314) وأورده الألباني في السلسلة الصحيحة رقم (1118).

18 - اختصاصها بأن قُبض رسولها - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ - قبلها:

عن أبي موسى - رضي الله عنه - عن النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ - قال: (إن الله - عَزَّ وجَلَّ - إذا أراد رحمة أمةٍ من عباده قبض نبيها قبلها، فجعله لها فرطاً (أي المتقدم إلى الماء ليهيء السقى)، وسلفاً بين يديها، وإذا أراد هلكة أمةٍ عذَّبها ونبيها حيّ، فأهلكها وهو ينظرْ، فأقرَّ عينهُ بهلكتها حين كذبوه وعصوا أمره) صحيح مسلم رقم (2288) (4/1792) كتاب الفضائل باب إذا أراد الله رحمة أمة قبض نبيها قبلها.

وهذا من خصائص أمة مُحمَّد - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -، فإنه ما من نبي من الأنبياء إلا رأى عذاب قومه بعينه، أو حصل لهم عذاب وهو حي بين ظهرانيهم ابتداء من نوح - عليه السلام - وقد دعا على قومه، فاستجاب الله له فأهلكهم جميعاً حَتَّى ابنه، وكذلك قوم لوط حَتَّى امرأته كانت من الغابرين، وقوم شعيب أخذتهم الرجفة، وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة عن النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ - أن كل نبي تعجل دعوته على قومه في الدُّنيا إلا النَّبيّ مُحمَّد - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ - قد خبأ دعوته لأمته إلى يوم القيامة، وغيرها من الأحاديث التي تدل على هذه الخصيصة من خصائص أمة مُحمَّد. أ.هـ. نقلاً من "القول الأحمد في خصائص أمة مُحمَّد" بتصرف (85 - 87).

19 - اختصاصها بكثرة أنواع الشهادة:

امتن الله على هذه الأمة بأن جعل أنواع الشهداء فيها كثير بعد أن كان الشهيد في الأمم السابقة هو الذي استشهد في المعركة فقط، ويدل على ذلك ما رواه مسلم عن أبي هُرَيْرة - رَضيَ اللهُ عنه - قال: قالَ رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -: (ما تعدون الشهيد فيكم؟) قالوا: يا رسول الله! من قتل في سبيل الله فهو شهيد!! قال: (إنَّ شهداء أمتي إذاً لقليل)!! قالوا: فمن هم يا رسول الله؟! قال: (من قُتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في الطاعون فهو شهيد، ومن مات في البطن فهو شهيد، وفي لفظ (والغريق شهيد) صحيح مسلم (3/1521) رقم (1915) كتاب الإمارة باب بيان الشهداء.

وفي هذا الحديث قرينه تدل على أن الأمم السابقة لم يعطهم الله - جل وعلا - أنواع الشهادة التي مرت خلا القتل في سبيل الله، والقرينة هي كلمة (أمتي) فهي مشعرة باختصاص هذه الأمة بهذه الأنواع من الشهادات. القول الأحمد ص95.

20 - اختصاصها بأنها أمة أقل عملاً وأكثر أجراً:

عن ابن عمر - رَضيَ اللهُ عنهُما - عن النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ - قال: (مثلكم ومثلُ أهل الكتابين كمثل رجل استأجر أُجراءَ فقال: مَن يعمل لي من غدوة إلى نصف النَّهار على قيراطٍ؟ فعملت اليهود، ثم قال: من يعمل لي من نصف النّهار إلى صلاة العصر على قيراطٍ؟ فعملت النصارى، ثم قال من يعمل لي من العصر إلى أن تغيب الشمسُ على قيراطين؟ فأنتم هم، فغضبت اليهود والنصارى فقالوا: ما لنا أكثر عملاً وأقل عطاءً؟ قال: هل نقصتكم من حقكم؟ قالوا: لا، قال: فذلك فضلى أوتيه من أشاء) البُخاريُّ – الفتح ( 4/ 521) (2268) كتاب الإجارة باب الإجارة إلى نصف النهار.

ومن ذلك حديث البراء - رَضيَ اللهُ عنهُ - قال: ( أتى النَّبيُّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ - رجلٌ مقنَّع بالحديد فقال: يا رسول الله أقاتل أو أسلم؟ قال: أسلم، ثم قاتل!! فأسلم ثمّ قاتل فقُتل، فقالَ رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -: عمل قليلاً وأجر كثيراً) البُخاريُّ مع الفتح رقم (2808) كتاب الجهاد والسير ( 6/ 30 ) باب عمل صالح قبل القتال.

21 - اختصاصها بأنهم شهداء الله في الأرض:

وهذه خاصية عظيمة انفردت بها أمة مُحمَّد - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ - من دون الأمم بفضل ربها - سبحانه وتعالى -. القول الأحمد (ص127).

ويوضح هذه الخاصية حديث عبد العزيز بن صهيب قال: سمعتُ أنس بن مالك - رَضيَ اللهُ عنهُ - يقول: (مرُّوا بجنازة فأثنوا عليها خيراً فقال النَّبيُّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -: وجبتْ!!، ثم مرُّوا بجنازة فأثنوا عليها شراً فقال: وجبتْ!! فقال عمر بن الخطاب - رَضيَ اللهُ عنه -: ما وجبت؟، قال: هذا أثنيتم عليه خيراً فوجبتْ له الجَنَّة، وهذا أثنيتم عليه شراً فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض) البُخاريُّ - الفتح (1367)، كتاب الجنائز ( 3 : 270 ) باب ثناء النَّاس على الميت.

22 - اختصاصها بالعذر بالإكراه:

العذر بالإكراه من خصائص أمة مُحمَّد - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -، فقد وضع الله - سبحانه وتعالى - عن هذه الأمة ما أُكرهت وأُجبرت على فعله، وأسقط عنها - جلَّ وعلا - الإثمَ والحرج بذلك، فلم يؤاخذها على الفعل. القول الأحمد (ص133).

يشهد لهذا حديث ابن عَبَّاسٍ - رَضيَ اللهُ عنهُما - عن النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ - قال: (إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه) صحيح ابن ماجه رقم (2045) (1/348) وقال الألباني: صحيح.

وعن أبي هُرَيْرة - رَضيَ اللهُ عنهُ - قال: قالَ رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -: (إنَّ الله تجاوز لأمتي عمّا توسوس به صدورُها ما لم تعمل به، أو تتكلم به، وما استُكرهوا عليه) صحيح ابن ماجه رقم (2044) المصدر السابق.

23 - اختصاصها بأنها أول الأمم إجازة على الصراط:

وقد أكرم الله هذه الأمة بأن تمر على الصراط قبل الأمم جميعاً، وفي الحديث الطويل عن أبي هُرَيْرة - رضي الله عنه -: (... ويضرب الصراط بين ظهري جهنم فأكون أنا وأمتي أوّل من يجيز، ولا يتكلم يومئذٍ إلا الرسل... الحديث) صحيح مسلم رقم (182) (1/163 - 164) كتاب الإيمان.

24 - اختصاصها بأنها أول من تحاسب:

ومما خصَّ اللهُ - سبحانه وتعالى - أُمَّةَ مُحمَّد - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ - وفضَّلها به على غيرِها من الأُممِ أنَّ الله - جَلَّ وعَلا - جعلها أول مَن يُحاسبُها ويُقدِّمها على غيرِها على الرغمِ مِن أنها آخرُ الأُممِ التي أخرجَها اللهُ للنَّاسِ. القول الأحمد ص185.

ويدلُّ على ذلكَ حديثُ ابنِ عَبَّاسٍ - رَضيَ اللهُ عنهُما - قال: قالَ رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -: (نحن آخرُ الأمم، وأول مَن يُحاسب، يُقال: أين الأمة الأميةُ ونبيها؟ فنحن الآخرون الأولون) صحيح ابن ماجه للألباني رقم (4290) وقال: صحيح، وانظر:" السلسلة الصحيحة" (2374).

25 - اختصاصها بأن الكافر فداء للمسلم يوم القيامة:

ومما أكرم اللهُ - جَلَّ وعَلَا - به هذه الأمةَ وخصَّها يومَ القيامةَ أنْ جعلَ كلَّ كافرٍ فداءً لكلِّ مُسلمٍ من النَّارِ. القول الأحمد (209).

فعن أنسِ بن مالكٍ - رضي الله عنه - قالَ: قالَ رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -: (إنَّ هذه الأمة مرحومةٌ، عذابها بأيديها، فإذا كان يوم القيامةِ دُفِعَ إلى كلِّ رجلٍ من المسلمين رجلٌ من المشركين فيُقالُ: هذا فِداؤك من النَّارِ) صحيح ابن ماجه رقم (4292) وقال الألباني :صحيح. انظر السلسلة الصحيحة رقم (959 و 1381).

26 - اختصاصها بالسلام والتأمين:

ومن خصائص هذه الأمة أنْ خصّها اللهُ - جَلَّ وعَلَا - بخصيصتين: السلام, والتأمين؛ من دون الأمم. القول الأحمد (ص35).

فعن عائشة - رَضيَ اللهُ عنهُا - عن النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ - قال: (ما حسدتكم اليهودُ على شيءٍ ما حسدتكم على السَّلامِ والتأمين) صحيح ابن ماجه رقم (856)، والسلسلة الصحيحة رقم (691).

27 - اختصاصها بأنها أمةٌ محفوظةٌ من الهلاكِ والاستئصالِ:

فعن ثوبان - رَضيَ اللهُ عنهُ - قال: قالَ رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -: (إنَّ الله زَوَى لي الأرضَ فرأيتُ مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكُها ما زُوي لي منها، وأُعطيت الكنزين الأحمر والأبيض, وإني سألت ربي لأمتي أن لا يُهلكها بسنةٍ عامةٍ، وأن لا يُسلِّط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، وإنَّ ربي قال: يا مُحمَّدُ إني إذا قضيتُ قضاءً فإنَّهُ لا يُردُّ، وإني أعطيتُك لأمتك أنْ لا أهلكهم بسنةٍ عامةٍ, وأنْ لا أسلطَ عليهم عدواً مِن سوى أنفسِهم يستبيحُ بيضتَهم ولو اجتمعَ عليهم مَن بأقطارِها حَتَّى يكونَ بعضُهم يُهلك بعضاً، ويسبي بعضُهم بعضاً) رواه مسلم رقم (2889).

والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ ==============

اختصَّ رسولُ الله -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -بكثيرٍ من الخصائصِ والأحكامِ دُونَ أمتِهِ؛ تكريماً له وتبجيلاً،وقد شاركه في بعضِها الأنبياءُ -عليهم الصلاةُ والسلامُ-، وإننا في هذا السياقِ سنذكرُ جُملةً من خصائصِهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- التي اختصَّ بها دُونَ سائرِ أُمَّتِهِ، فمنها:

1- اختصاصُهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-بجوازِ الوِصالِ في الصَّومِ:

فعن أنس-رَضيَ اللهُ عنهُ- عن النَّبيِّ- صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-, قال:" لا تواصلوا. قالوا: إنّك تُواصل. قال: لستُ كأحدٍ منكم، إني أُطعم وأُسقى. أو إني أبيت أُطعم وأُسقى".

البُخاريّ- الفتح (4/238) رقم (1961) كتاب الصوم باب الوصال.

قال الحافظ ابن حجر-رَحِمهُ اللهُ-: "واستُدل بمجموع هذه الأحاديث على أن الوصال من خصائصه- صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- وعلى أن غيره ممنوعٌ منه إلا ما وقع فيه الترخيص من الأذن فيه إلى السَحر". فتح الباري (4/240).

2- اختصاصُهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-بالجمعِ بين أكثرِ من أربعِ نِسوةٍ:

فعن أنس بن مالك قال: كان النَّبيّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- يَدورُ على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار، وهُنَّ إحدى عشرة. قال: قلت لأنس: أو كان يُطيقه؟ قال: كنّا نتحدث أنه أُعطي قوة ثلاثين. وقال سعيدٌ عن قتادة إنّ أنساً حدّثهم: تسعُ نسوة).

البُخاريّ – الفتح (1/449) رقم (268) كتاب الغسل – باب إذا جامع ثم عاد ومن دار على نسائه في غسل واحدٍ.

قال الشافعي -رَحِمهُ اللهُ-: "وقد دلَّت سنةُ رسولِ الله-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-المبينة عن الله أنَّه لا يجوزُ لأحدٍ غير رسولِ الله- صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- أن يجمعَ بين أكثر من أربع نسوة". قال ابن كثير-رَحِمهُ اللهُ- : "وهذا الذي قاله الشافعيُّ مجمعٌ عليه بين العلماءِ". تفسير ابن كثير (1/460).

3- اختصاصُهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -بأنَّ عينَهُ تنامُ ولا ينامُ قَلبُهُ:

عن أبي سَلَمة بن عبد الرحمن أنه سأل عائشةَ-رَضيَ اللهُ عنهُا-: كيف كانت صلاة رسول الله -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- في رمضان؟ قالت: ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة، يُصلِّي أربعَ ركعات فلا تسألْ عن حُسنهن وطولهن. ثم يُصلِّي ثلاثاً. فقلتُ: يا رسولَ الله تنامُ قبل أن تُوتر؟ قال:" تنامُ عيني ولا ينام قلبي".

البُخاريّ – الفتح (6/670) رقم (3569) كتاب المناقب. باب كان النَّبيّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-تنام عينه ولا ينام قلبه.

وفي رواية أنس بن مالك: (والنَّبيُّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-نائمةٌ عيناه ولا ينام قلبه، وكذلك الأنبياءُ تنام أعينُهم ولا تنام قلوبُهم) البُخاريّ – الفتح (6/670) رقم (3570) كتاب الغسل – باب إذا جامع ثم عاد, ومَن دار على نسائه في غسلٍ واحدٍ.

4- اختصاصُهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-بأنَّ الكذبَ عليه ليسَ كالكذبِ على غيرِهِ:

عن أنس-رَضيَ اللهُ عنهُ- قال: (إنه ليمنعني أن أُحدِّثكم حديثاً كثيراً أن النَّبيَّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ --قال:"مَن تعمَّد عليَّ كذباً فليتبوأ مقعده من النار".

البُخاريُّ- الفتح (1/243) رقم (108) كتاب العلم, باب إثم من كذب على النَّبيّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- .

وعن عليٍّ,قال:قال النَّبيُّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-:(لا تكذبُوا عليَّ، فإنّه مَنْ كَذَبَ عَليَّ فليلجِ النَّارَ) البُخاريُّ- الفتح (1/241) رقم الحديث (106) كتاب العلم – ,باب إثم مَنْ كَذَبَ على النَّبيِّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ - .

وقال- صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-:"إنَّ كَذِباً عليَّ ليس ككذبٍ على أحدٍ، فمَنْ كَذَبَ عليَّ مُتعمِّداً فليتبوأ مقعدَهُ من النَّارِ".

رواه البُخاريُّ –الفتح ( 3/ 191) رقم ( 1291. كتاب الجنائز – باب ما يُكره من النِّياحةِ على الميِّتِ.

5- اختصاصُهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -بوجوبِ محبتِهِ:

قالَ اللهُ–تعالى-: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}(24) سورة التوبة.

قال القرطبي-رَحِمهُ اللهُ تعالى-:( وفي الآية دليل على وجوب حبِّ الله ورسوله، ولا خلافَ في ذلك بين الأمة وأنَّ ذلك مقدَّمٌ على كل محبوب) الجامع لأحكام القرآن (8/95).

وعن أبي هُرَيْرة-رَضيَ اللهُ عنهُ-: أن رسولَ الله -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- قال: (فوالذي نفسي بيده لا يُؤمنُ أحدُكم حَتَّى أكونَ أحبَّ إليه من والدِهِ وولدِهِ)) البُخاريُّ – الفتح (1/74-75) رقم (14) كتاب الإيمان – باب: حُبُّ الرَّسُول-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -من الإيمان.

وعن أنسٍ-رَضيَ اللهُ عنهُ-,قالَ: قالَ النَّبيُّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-:" لا يُؤمنُ أحدُكم حَتَّى أكونَ أحبَّ إليه من والدِهِ وولدِهِ والنَّاسِ أجمعينَ". المصدر السابق رقم (15).

6- اختصاصُهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -بإسلامِ قرينِهِ:

عن عبد الله بن مسعود-رَضيَ اللهُ عنهُ- قال: قالَ رسولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (ما منكم من أحدٍ إلا وقد وُكِّلَ به قرينُهُ من الجِنِّ) قالوا: وإيَّاكَ يا رسولَ اللهِ؟, قال:( وإيَّاي إلا أنَّ الله قد أعانني عليه فأسلمَُ، فلا يأمرني إلا بخيرٍ)

صحيح مسلم (4/2168) رقم الحديث (2814).

7- اختصاصُهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-بأنَّ الشَّيطانَ لا يتمثَّلُ به،وأنَّ مَنْ رآهُ في المنامِ فقدْ رآهُ حَقَّاً:

عن أنسٍ-رَضيَ اللهُ عنهُ-,قال: قال النَّبيُّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (مَنْ رآني في المنامِ فقد رآني، فإنَّ الشَّيطانَ لا يتمثَّلُ بي، ورُؤيا المؤمنِ جُزءٌ من ستةٍ وأربعينَ جُزءاً من النُّبوَّةِ). البُخاريُّ– الفتح (12/399-400) رقم (6994) كتاب التعبير – باب مَنْ رَأَى النَّبيَّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-في المنامِ.

8- اختصاصُهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- بأنَّهُ يَرَى مِنْ وراءِ ظَهْرِهِ كما يَرَى مِنْ أَمَامِهِ:

عن أنسٍ-رَضيَ اللهُ عنهُ-,قالَ: (أُقيمتِ الصَّلاةُ,فأقبلَ علينا رسولُ اللهِ بوجهِهِ,فقالَ:"أقيمُوا صفوفَكم وتراصوا، فإنِّي أراكُمْ مِنْ وراءِ ظهري".

البُخاريُّ– الفتح (2/243) رقم الحديث (719) كتاب الأذان- باب إقبال الإمام على النَّاس.

وعن أبي هُرَيْرة-رَضيَ اللهُ عنهُ-,قال: (صلَّى بنا رسولُ الله-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-يوماً ثمّ انصرفَ، فقالَ: "يا فلانُ, ألا تُحسن صلاتك؟ ألا ينظر المصلِّي إذا صلَّى كيفَ يُصلِّي، فإنما يُصلِّي لنفسه، إني والله لأبصرُ مِن ورائي, كما أبصر من بين يديَّ".

صحيح مسلم (1/319), رقم الحديث (423), كتاب الصلاة- باب الأمر بتحسين الصلاة وإتمامها والخشوع فيها.

وعن أبي هُرَيْرة-رَضيَ اللهُ عنهُ- أنَّ رسولَ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-,قالَ:"هل ترون قبلتي هاهنا؟ فو الله! ما يخفى عليَّ رُكوعُكم ولا سجودُكم؛ إني لأراكم مِنْ وراءِ ظهري". المصدر السابق رقم (424).

9- اختصاصُهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- بأنَّهُ يسمعُ ما لا يسمعُهُ النَّاسُ:

عن أبي ذرٍّ-رَضيَ اللهُ عنهُ-,قالَ: قالَ رسولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-:"إني أرى ما لا ترون ,وأسمعُ ما لا تسمعون. إنَّ السَّماءَ أطَّت وحقَّ لها أنْ تئطَّ؛ ما فيها موضعُ أربع أصابع إلا ومَلَكٌ واضعٌ جبهتَهُ ساجِداً لله. والله لو تعلمون ما أعلمُ لضحكتُمْ قليلاً, ولبكيتُم كثيراً. وما تلذذتم بالنِّساءِ على الفُرُشات, ولخرجتُم إلى الصعدات تجأرون إلى اللهِ".

الحديث رواه أحمد في مسنده، والتِّرمذيُّ، وابن ماجه واللفظُ له.وقال الشيخُ الألبانيُّ-رَحِمهُ اللهُ- في" صحيح ابن ماجه" :الحديث حسن.راجع: (صحيح ابن ماجه) (2/407-408) (3387).

10- اختصاصُهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -بتخييرِهِ قبلَ قبضِهِ بينَ الدُّنيا والآخرةِ:

عن عائشة -رَضيَ اللهُ عنهُا- قالت: (سمعتُ رسولَ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-,يقولُ: " ما من نبيٍّ يمرضُ إلا خُيِّر بين الدُّنيا والآخرة"، وكان في شكواه الذي قُبض فيه أخذته بُحَّةٌ شديدةٌ، فسمعتُهُ يقول: "مع الذين أنعم الله عليهم؛ من النَّبيّين والصدِّيقين والشهداء والصالحين"، فعلمتُ أنه خُيِّر) البُخاريُّ – الفتح (8/103) رقم الحديث (4586). كتاب التفسير باب (فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النَّبيِّين).

11- اختصاصُهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- بأنَّ الأرضَ لا تأكلُ جسدَهُ الشَّريفَ، وعرضُ صلاةِ أمتِهِ عليه في قبرِهِ:

عن أوس بن أوس عن النَّبيِّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-,قالَ: "إنّ أفضلَ أيامكم يوم الجمعة؛ فيه خُلِقَ آدمُ-عليه السلام-, وفيه قُبِضَ، وفيه النَّفخةُ، وفيه الصَّعقةُ، فأكثِروا عليَّ من الصَّلاةِ، فإنَّ صلاتَكُم معروضةٌ عليَّ". قالوا :يا رسولَ الله! وكيف تُعرَضُ صلاتُنا عليكَ، وقد أَرِمتَ؟ أي يقولون قد بَلِيتَ. قال: "إنَّ الله-عَزَّ وجَلَّ- قد حرَّم على الأرضِ أنْ تأكلَ أجسادَ الأنبياءِ- عليهم السلام-".

النَّسائيُّ :باب: إكثار الصَّلاةِ على الرَّسُولِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- يوم الجمعة (3/75),وقالَ الإمامُ ابنُ كثير-رَحِمهُ اللهُ-:"وقد صححه بعضُ الأئمةِ"( الفصول في سيرة الرَّسُول)( ص315).

12- اختصاصُهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- بطيبِ عَرَقِهِ, ولِيْنِ مَسِّهِ:

عن أنس بن مالك-رَضيَ اللهُ عنهُ-,قالَ: (دخل علينا النَّبيُّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- فقالَ(أي:نام القيلولة) عندنا، فعرقَ، وجاءت أُمِّي بقارورةٍ, فجعلتْ تسلتُ العَرَقَ فيها, فاستيقظَ النَّبيُّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-,فقالَ: "يا أُمَّ سُليم, ما هذا الذي تصنعينَ؟!" قالت: هذا عَرقُك نجعلُهُ في طيبنا, وهو أطيبُ الطِّيبِ) صحيح مسلم (4/1814) رقم الحديث (2331) كتاب الفضائل- باب طيب عرق النَّبيِّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-.

وعن أنسٍ, قال: "كان رسولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-أزهرَ اللَّونِ,كأنَّ عَرَقَهُ اللؤلؤ, إذا مشى تكفَّأَ ولا مسستُ ديباجةً ولا حريرةً ألينَ مِن كفِّ رسولِ اللهِ- صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-,ولا شممتُ مِسْكةً ولا عَنْبرةً أطيبَ من رائحةِ رسولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-).صحيح مسلم (4/1814), رقم (2330) كتاب الفضائل– باب طيب رائحة الرَّسُول-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ.

13- اختصاصُهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- بأنَّهُ يُدْفنُ في المكانِ الذي قُبِضَ فيهِ:

عن عائشةَ-رَضيَ اللهُ عنهُا-,قالت: (لمَّا قُبِضَ رسولُ اللهِ- صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- اختلفُوا في دفنِهِ، فقال أبو بكر: سمعتُ من رسولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-شيئاً ما نَسيتُهُ, قال: "ما قَبَضَ اللهُ نبيَّاً إلا في الموضعِ الذي يُحِبُّ أنْ يُدفَنَ فيه" فدفنُوه في موضعِ فراشِهِ). صحيح التِّرمذيِّ للألباني (1/298), وانظر:" أحكام الجنائز" للألباني (ص137 -138).

14- اختصاصُهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-بأنَّ الله –تعالى-عَصَمَهُ من النَّاسِ:

قالَ اللهُ-تعالى-:{يَا أَيُّهَا الرَّسُول بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاس} (67) سورة المائدة. قال القرطبيُّ-رَحِمهُ اللهُ-: "معناه ما أظهِر التبليغ، لأنه كان في أوَّلِ الإسلام يخفيه خوفاً من المشركين، ثم أُمر بإظهاره في هذه الآية، وأعلمه الله أنه يعصمه من النَّاس".الجامع لأحكام القرآن (6/242). وعن جابرِ بن عبدِ اللهِ-رَضيَ اللهُ عنهُما-,قال: (غزونا مع رسولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- غزوةً قبل نجد، فأدركنا رسولَ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- في وادٍ كثيرِ العِضاة، فنزل رسولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- تحتَ شجرةٍ, فعلَّق سيفَهُ بغُصنٍ من أغصانِها، وتفرَّقَ النَّاسُ في الوادي يستظلون بالشَّجرِ، قال: فقالَ رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: "إنَّ رجلاً أتاني-وأنا نائم- فأخذَ السَّيفَ، فاستيقظتُ وهو قائمٌ على رأسي, فلم أشعر إلا والسيف صلتاً في يده, فقال لي: مَنْ يمنعُكَ منِّي؟ قلتُ: الله. قال: فشام السَّيفَ, فها هو ذا جالسٌ," ثم لم يعرضْ له رسولُ الله -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-). صحيح مسلم (4/1786) رقم الحديث (843) كتاب الفضائل: باب توكله على الله –تعالى-، وعصمة الله له من النَّاس. قال ابنُ حجر في "الفتح": ((ويُؤخَذُ من مُراجعةِ الأعرابيِّ له في الكلام أنَّ الله -سبحانه وتعالى- مَنَعَ نبيَّهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-منه، وإلا فما أحوجه إلى مراجعتِهِ مع احتياجِهِ إلى الحظوة عند قومِهِ بقتلِهِ،وفي قول النَّبيِّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -في جوابِهِ ((الله)),أي يمنعني منك, إشارةٌ إلى ذلك) فتح الباري (7/492).

15- اختصاصُهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-بالزَّواجِ مِنْ غيرِ وليٍّ ولا شُهُودٍ:

عن عائشةَ-رَضيَ اللهُ عنهُا-,قالتْ: قالَ- صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (لا نِكاحَ إلا بوليٍّ وشاهدينِ). قال الألباني: صحيح (إرواء الغليل) (6/258).

وقد انفرد رسولُ الله-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- عن أمتِهِ في هذينِ الحُكمينِ، فأباح اللهُ–تعالى- له الزَّواجَ بغيرِ وليٍّ ,ولا شهودٍ تشريفاً وتكريماً له, لعدمِ الحاجةِ إلى ذلكَ في حقِّه-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-.

قال العلماءُ: ((إنما اعتُبِرَ الوليُّ في نكاحِ الأُمَّةِ للمحافظةِ على الكفاءةِ،وهو-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- فوقَ الأَكْفَاءِ، وإنّما اعتُبِرَ الشُّهودُ لأمنِ الجُحُودِ,وهو-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- لا يجحدُ)). نضرة النعيم (1/508).

وبُرهانُ هذا الحكمِ في حَقِّهِ في حديثِ زينب بنت جحش-رَضيَ اللهُ عنهُا- أنها كانت تفخرُ على أزواجِ النَّبيِّ- صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وتقولُ:(زوجكن أهليكن, وزوَّجني اللهُ- تعالى- مِن فوق سبع سماوات) البُخاريُّ مع الفتح, رقم الحديث (7420) ( 13/ 415),كتاب التوحيد – باب وكان عرشه على الماء – وهو رب العرش العظيم .

16- اختصاصُهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- بأنَّ مَنِ استهانَ بهِ كَفَرَ:

تضافرتِ الأدلةُ من الكتابِ والسُّنَّةِ وإجماع الأمة مُوضِّحة، ومجلية ما يجبُ لرسول الله-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- من الحقوقِ وما يتعيَّنُ له مِنْ برٍّ وتوقيرٍ وإكرامٍ وتعظيمٍ, ومن أجلِ هذا حَرَّم اللهُ-تبارك وتعالى- أذاه في كتابِهِ وأجمعتِ الأُمَّةُ على قتلِ منتقصِهِ وسابِّه.قالَ اللهُ-تعالى-:{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا}(57) سورة الأحزاب.

وقال–تعالى-:{وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (61) سورة التوبة.

فكلُّ مَنِ استهانَ برسولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- أو سبَّهُ أو عابَهُ أو ألحق به نقصاً في نفسه أو نسبه أو دينه أو خصلة من خصاله أوعرَّضَ به أو شبَّهه بشيءٍ على طريق السَّبِّ له, أو الإزراءِ عليه, أو التصغير لشأنه, أو الغضِّ منه والعيب له, فإنه يُقتلُ كُفراً(1)، والدَّليلُ على ذلك:

%ما روى أبو داود والنَّسائيّ عن ابن عَبَّاسٍ-رَضيَ اللهُ عنهُما- أنَّ أعْمَى كانت له أمُّ ولدٍ، تشتم النَّبيَّ- صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- وتقع فيه، فينهاها فلا تنتهي، ويزجرها فلا تنزجر. قال: فلمَّا كانتْ ذات ليلةٍ جعلت تقعُ في النَّبيِّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وتشتمُهُ, فأخذ المِغْوَلَ (وهو السَّيفُ القصير) فوضعه في بطنِها، واتَّكأ عليها فقتلها، فوقع بين رجليها طِفلٌ، فلطخت ما هنالك بالدَّمِ، فلمَّا أصبح ذُكِرَ ذلك لرسولِ اللهِ- صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- فجمع النَّاسَ, فقال: "أنشدُ الله رجلاً فعلَ ما فعلَ، لي عليه حقٌّ، إلا قام فقام" الأعمى يتخطَّى النَّاسَ،- وهو يتزلزلُ- حَتَّى قعدَ بين يديِّ النَّبيّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-, فقال: يا رسولَ اللهِ, أنا صاحبُها، كانت تشتمك وتقعُ فيك, فأنهاها فلا تنتهي، وأزجرها فلا تنزجر، ولي منها ابنانِ مثلُ اللؤلؤتين، وكانت بي رفيقةً، فلمَّا كانت البارحة جعلت تشتمك وتقعُ فيك، فأخذتُ المِغْوَلَ فوضعتُهُ في بطنِها، واتكأت عليها حَتَّى قتلتها، فقال النَّبيُّ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (ألا اشهدوا أنَّ دَمَهَا هَدَرٌ) سنن أبي داود (4361) والنَّسائيُّ (7/107-108), وصححه الألبانيُّ في" صحيح أبي داود" رقم (3666).

وقد وردَ عن أبي برزة الأسلميِّ، قال: أغلظَ رجلٌ لأبي بكرٍ الصِّدِّيقِ، قالَ: فقال: أبُو بَرَزة: ألا أضربُ عُنقَهُ؟ قال: فانتهرَهُ أبو بكر، وقال: ما هي لأحدٍ بعدَ رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-.

رواه أحمد,وصححه أحمد شاكر, المسند (1/55).

وراجع تفاصيل ذلك في الكتابِ القيِّمِ "الصارم المسلول على شاتم الرسول" لشيخِ الإسلامِ ابن تيميَّة-رحمه الله-.

17- اختصاصُهُ- صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- بأنَّهُ لا يُوْرَثُ ,وما تركَهُ صدقةٌ:

الأنبياء –عليهم الصلاة والسلام-سفراءُ الله إلى عبادِهِ، وحَمَلةُ وحيه، مهمتهم إبلاغُ رسالاتِ اللهِ إلى عبادِهِ, والدَّعوة إلى اللهِ وإصلاحِ النفوس وتزكيتها، وتقويم الفكر المنحرفِ والعقائد الزائفة، وإقامة الحجة وسياسة الأمَّة ,فلم تكن وظيفتُهم اختزانَ الأموالِ ولا توريث التُّراثِ، وإنما ورَّثوا عِلْماً وشرعاً، وبلاغاً للنَّاسِ, فذلك ميراثُهم, وهو خيرُ ميراثٍ(2).ودليل ذلك قولُ الرَّسُول-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (لا نُورثُ , ما تركناه صدقة) البُخاريُّ مع الفتح, برقم (6730) ( 12/ 8 ) كتاب الفرائض – باب قول النَّبيِّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ - لا نورث ,ما تركنا صدقة.

وهذا مهم من خصائصه -صلوات الله وسلامه عليه-، وكذلك الأنبياء -عليهم السلام- , وهذا اختصَّ به دُونَ أمتِهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-من أنه لا يُورث, وأنَّ ما تركه صدقةٌ.نضرة النعيم (1/516).

18- اختصاصُهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-بإخراجِ حظِّ الشَّيطانِ منه:

عن أنس بن مالك" أنَّ رسولَ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -أتاه جبريلُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- وهو يلعبُ مع الغِلمان، فأخذه فصرعه فشقَّ عن قلبِهِ، فاستخرج القلبَ فاستخرج منه علقةً. فقال: هذا حظُّ الشَّيطانِ منك. ثم غسله في طستٍ من ذهب بماءِ زمزم، ثم لأَمَهُ (أي جمع وضمَّ بعضَه إلى بعضٍ) ثم أعاده في مكانِهِ, وجاء الغلمانُ يسعون إلى أمِّهِ (يعني ظئره) وهي المرضعة, فقالوا: إنَّ مُحمَّداً قد قُتِلَ. فاستقبلوه وهو مُنتقع اللون – قال أنس: وقد كنتُ أرى أثرَ ذلك المخيطِ في صدرِهِ". صحيح مسلم، كتاب الإيمان, باب الإسراء برسولِ اللهِ- صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-, رقم الحديث (162) ( 1/ 145) .

19- اختصاصُهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -بأنه لا ينبغي أنْ تكون له خائنةُ أعينٍ:

وعن أنس بن مالك في حديث طويل قال: يا أبا حمزة، غزوت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ؟ قال: نعم، غزوت معه حنيناً، فخرج المشركون فحملوا علينا حَتَّى رأينا خيلنا وراء ظهورها وفي القوم رجلٌ يحمل علينا فيدقمنا ويحطمنا، فهزمهم الله، وجعل يجاء بهم فيُبايعونه على الإسلام، فقال رجل من أصحاب النَّبيّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: (إن عليَّ نذراً إن جاء الله بالرجل الذي كان منذ اليوم يحطمنا لأضربن عنقه، فسكت رسول الله -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -وجيء بالرجل، فلما رأى رسول الله صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، قال: يا رسول الله، تبت إلى الله، فأمسك رسول الله -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -لا يُبايعه ليفي الآخر بنذره قال: فجعل الرجل يتصدَّى لرسول الله -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -ليأمره بقتله، وجعل يهاب رسول الله -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -أن يقتله، فلما رأى رسول الله -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -أنه لا يصنع شيئاً بايعه، فقال الرجل: يا رسول الله نذري، فقال: "إني لم أُمسك عنه منذ اليوم إلا لتُوفي بنذرك" فقال: يا رسول الله ألا أومضتَ إليَّ؟ فقال النَّبيّ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -: "إنه ليس لنبي أن يُومض" – أي الرمز بالعين والإيماء بها-. رواه أبو داود في سننه كتاب الجنائز. باب أن يقوم الإمام من الميت إذا صلّى عليه. رقم (3194) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (4/301).

20- اختصاصُهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- بأنَّهُ مَنْ سَبَّهُ رسولُ اللهِ؛ فإنَّ ذلكَ يكونُ قُربةً له:

فعن أبي هُرَيْرة -رَضيَ اللهُ عنهُ- أنه سمع النَّبيَّ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-, يقولُ:"اللهم فأيما مؤمن سببته, فاجعلْ ذلك له قُربةً إليكَ يومَ القيامةِ" البُخاريُّ– الفتح (11/175) رقم (6361) كتاب الدعوات –باب قول النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ –من آذيته,فاجعله له زكاةً ورحمةً .

21- اختصاصُهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-بأنَّ الصَّدقةَ مُحرَّمةٌ عليهِ وعلى آلِهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-.

عن أبي هُرَيْرة-رَضيَ اللهُ عنهُ-, قال: (أخذ الحسنُ بن علي -رَضيَ اللهُ عنهُما-تمرةً من تمرِ الصَّدَقةِ فجعلها في فيهِ، فقالَ النَّبيُّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: "كِخْ، كخ"، ليَطرحها, ثم قال:" أَمَا شَعرتَ أنّا لا نأكلُ الصَّدقةَ؟" البُخاريُّ مع الفتح (3/414), رقم الحديث (1491), كتاب الزكاة, باب ما يُذكر في الصَّدقةِ.

22- اختصاصُهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- بأنه لا يأكلُ البصلَ أو الثَّومَ أو البُقُولَ التي تُثيرُ رائحةً مكروهة:

قال البُخاريّ حدثنا سعيد بن عفير قال حدثنا ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب زعم عطاءُ أن جابر بن عبد الله زعم أن النَّبيّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- قال: ( "من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزلنا." أو قال: "فليعتزل مسجدنا وليقعد في بيته"، وأن النَّبيّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- أتي بقدر فيه خضرات من بقول فوجد لها ريحاً، فسأل فأخبر بما فيها من البقول، فقال: قرِّبوها – إلى بعض أصحابه كان معه- فلما رآه كره أكلها قال: "كل، فإني أُناجي من لا تناجي". البُخاريّ- الفتح (2/395) رقم (855) كتاب الأذان. باب ما جاء في الثوم والبصل..

23- اختصاصُهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- بأنَّهُ لا يجوزُ التزوجُ بنسائِهِ بعدَ موتِهِ.

قالَ اللهُ–تعالى-:{وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ, وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً, إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا} (53) سورة الأحزاب.

ولقوله-تعالى-: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } (6) سورة الأحزاب. فلا يجوزُ لرجلٍ أنْ ينكحَ أُمَّهُ, والعلم عند الله. راجع:كتاب "كشف الغمة ببيان خصائص رسول الله والأمة": تأليف/أبي الحسن المأربي, ص318..

24- اختصاصُهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-بجوازِ التبركِ بشعرِهِ وريقِهِ الشَّريفِ.

فعن أنس -رَضيَ اللهُ عنهُ- قال: لما رمى رسولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- الجمرةَ، ونَحَرَ نُسكَهُ ,وحَلَقَ, ناول الحالق شقَّهُ الأيمن فحلقه، ثم دعى أبا طلحة الأنصاري، فأعطاه إيَّاهُ, ثم ناوله الشقَّ الأيسرَ، فقالَ: (احلقْ) فحلقَهُ، فأعطاه أبا طلحة، فقالَ: "اقسمْهُ بين النَّاسِ" البُخاريُّ( 1/ 328)كتاب الوضوء–باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان . (170-171),ومسلم (1305) ( 2/ 947 ) كتاب الحج – باب بيان أنَّ السنة يوم النحر أن يرمي ثم ينحر ثم يحلق ولا يبدأ في الحلق بالجانب الأيمن من رأس المحلوق.

1 - راجع: . نضرة النعيم (1/512).

2 - راجع : نضرة النعيم (1/516) . ================

- اختصاصُهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-بأنَّ آيتَهُ العُظمى في كتابِهِ:

عن أبي هُرَيْرة-رَضيَ اللهُ عنهُ- قالَ: قال النَّبيُّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (ما من الأنبياءِ إلا أُعطيَ من الآياتِ ما مثله آمنَ عليه من البشرُ، وإنما كانَ الذي أُوتيتُهُ وحياً أوحاه اللهُ إليَّ، فأرجو أنْ أكونَ أكثرَهُم تابِعاً يومَ القيامةِ) البُخاريُّ- الفتح (8/619),رقم الحديث 4981كتاب فضائل القرآن – باب كيف نزل الوحي أول ما نزل.

قال ابنُ حَجَرٍ: "إنه المعجزة العظمى التي اختصَّ بها دُونَ غيرِهِ ". الفتح (8/623)

لذا فالقرآن الكريم أخصُّ معجزات النَّبيِّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-.

قالَ الإمامُ الماورديُّ -رَحِمهُ اللهُ-:(والقرآنُ أوّلُ مُعْجزٍ دعا به مُحمَّدٌ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-إلى نبوتِهِ فصدعَ فيه برسالتِهِ،وخُصَّ بإعجازِهِ من جميعِ رُسُلِهِ). أعلام النُّبوَّة ص57-58.

2- اختصاصُهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- بختمِ النُّبوَّة:

قالَ اللهُ–تعالى-: {ما كان مُحمَّدٌ أبا أحدٍ من رجالكم , ولكن رسول الله وخاتم النَّبيّين} الآية 40 الأحزاب.

قال ابن كثير -رَحِمهُ اللهُ-عند الكلام على هذه الآية الكريمة:" فهذه الآيةُ نصٌّ في أنه لا نبيَّ بعده، وإذا كان لا نبيَّ بعده فلا رسولَ بعده بالطريق الأولى والأحرى؛لأنَّ مقامَ الرِّسالة أخصُّ من مقامِ النُّبوَّة، فإنَّ كلَّ رسولٍ نبيٌّ, ولا ينعكس ". تفسير ابن كثير (3/542) دار الفيحاء/ مكتبة دار السلام.

وعن أبي هُرَيْرة-رَضيَ اللهُ عنهُ-أنَّ رسولَ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-قال:(مَثَلي ومَثَل الأنبياء من قبلي، كمثل رجلٍ بنى بيتاً فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل النَّاس يطوفون به ويعجبون له ويقولون: هلاّ وضعت هذه اللبنة؟! قال: فأنا اللبنةُ وأنا خاتمُ النَّبيّين) البُخاريُّ– الفتح (6/645) رقم الحديث 3534 كتاب المناقب- باب خاتم النَّبيِّين -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -.

3- اختصاصُهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-بالنصر بالرُّعبِ مسيرةَ شهرٍ،وجُعلتْ له الأرضُ مسجداًً وطهوراً،وأُحِلَّتْ له الغنائمُ:

عن جابرِ بن عبدِ اللهِ-رَضيَ اللهُ عنهُ-أنَّ النَّبيَّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-,قالَ: (أُعطيتُ خمساً لم يُعطهنَّ أحدٌ قبلي، نُصرتُ بالرُّعب مسيرةَ شهرٍ، وجُعلتْ لي الأرضُ مسجداً وطهوراً, فأيما رجلٍ مِن أُمَّتي أدركتْهُ الصَّلاةُ فليُصلِّ، وأُحلتْ لي الغنائمُ، ولم تحلَّ لأحدٍ قبلي، وأُعطيتُ الشفاعةَ، وكان النَّبيُّ يُبعثُ إلى قومِهِ خاصَّة, وبُعثتُ إلى النَّاسِ عامَّة) البُخاريُّ– الفتح (1/519), رقم الحديث335, كتاب التيمم.

4- اختصاصُهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-بإرسالِهِ إلى الثَّقلينِ:

كان الأنبياءُ من قبله-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- يُرسَلُ كلُّ نبيٍّ إلى قومِهِ خاصَّة،وأُرسِلَ رسولُنا مُحمَّد-عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- إلى الثَّقلينِ (الجنِّ والإنس)،وهذه من خصائصِهِ التي اختصَّه اللهُ-عَزَّ وجَلَّ-بها.

قالَ اللهُ–تعالى-لنبينا مُحمَّدٍ-عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-:{قل يا أيها النَّاس إني رسولُ الله إليكم جميعاً} الأعراف: 158. وفي حديث جابرٍ-رَضيَ اللهُ عنهُ-:قال-عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-:(أُعطيتُ خمساً لم يُعطهنَّ أحدٌ من النَّاس– وذكر منها-وكان النَّبيُّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-يُرسَلُ إلى قومِهِ خاصَّة, وبُعثتُ إلى النَّاس عامَّة). انظر تخريجه في الحديث السابق ’في الخاصية الثالثة. وقالَ اللهُ-عَزَّ وجَلَّ-مُبيِّناً أنَّ الرَّسُولَ مُحمَّداً-عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-قد أُرسِلَ إلى العالمين،وهم الجِنُّ والإنسُ,فقالَ –تعالى-:{تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً}. الفرقان: 1. قالَ الإمامُ القرطبيُّ-رَحِمهُ اللهُ-عن هذه الآيةِ:(والمراد بالعالمين هنا الإنسُ والجنُّ؛لأن النَّبيَّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ --كانَ رَسُولاً إليهما ونذيراً ,وأنَّهُ خاتمُ الأنبياءِ،ولم يكنْ غيرُهُ عامَّ الرِّسالة إلا نوح فإنه عمَّ برسالته جميعَ الإنس بعد الطوفان؛ لأنه بدأ به الخلق). راجع:" الجامع لأحكام القرآن"( 13/2).

5- اختصاصُهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-بإمامةِ الأنبياءِ في بيتِ المقدسِ:

عن أبي هُرَيْرة-رَضيَ اللهُ عنهُ-,قالَ: قالَ رسولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-:(لقد رأيتني في الحِجْر وقريش تسألني عن مسراي، فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أُثبتها فكربت كربةً ما كربت مثلها قط، قال: فرفعه الله لي أنظر إليه ما يسألوني عن شيء إلا أنبأتهم به، وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء، فإذا موسى قائمٌ يصلي ,وإذا رجل ضرب جعد كأنه من رجال شنوءة، وإذا عيسى ابن مريم- عليه السلام- قائم يصلي, أقرب النَّاس به شبهاً عُروة بن مسعود الثقفي، وإذا إبراهيم- عليه السلام- يصلي أشبه النَّاس به صاحبكم، يعني نفسه، فحانت الصلاة فأممتهم، فلما فرغت من الصلاة قال قائل: يا مُحمَّد! هذا مالك صاحب النار فسلِّم عليه فالتفتُّ إليه فبدأني بالسلام) صحيح مسلم. كتاب الإيمان باب ذكر المسيح بن مريم والمسيح الدجال (1/156-157) رقم الحديث (172). دار الكُتُب العلمية.

6- اختصاصُهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -بكونه أمياً لا يقرأ ولا يكتب:

لقد أُرسل نبينا مُحمَّد-عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ -أُمياً لا يقرأُ ولا يكتبُ،قالَ اللهُ-عَزَّ وجَلَّ-: {الذين يتبعون الرَّسُول النَّبيّ الأمي} الأعراف: 157. وقالَ اللهُ-عَزَّ وجَلَّ-: {وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذاً لارتاب المبطلون}. العنكبوت:48. وعن ابنِ عمرَ-رَضيَ اللهُ عنهُما- أنه-عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-,قال: (إنَّا أمة أميَّة لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا يعني مرة تسعةً وعشرين ومرةً ثلاثين).البُخاريّ– الفتح 4/151. رقم الحديث 1913. كتاب الصوم، باب: قول النَّبيِّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-لا نكتب ولانحسب.

7- اختصاصُهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-بأنه أُوتي مفاتيحَ خزائنِ الأرضِ:

عن أبي هُرَيْرة-رَضيَ اللهُ عنهُ- قال: قالَ رسولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-:(بُعثتُ بجوامعِ الكَلِمِ ونُصرتُ بالرُّعبِ, وبينا أنا نائمٌ أُوتيت بمفاتيح خزائن الأرض، فوُضعت في يدي) قال أبو هُرَيْرة: فذهب رسولُ الله-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- وأنتم تنتثلونها).صحيح مسلم (1/371), رقم الحديث (523), كتاب المساجد ومواضع الصلاة.

قالَ النَّوويُّ:" (تنتثلونها) يعني تستخرجون ما فيها، يعني خزائن الأرض، وما فتح الله على المسلمين من الدُّنيا". شرح النووي لمسلم( 5/5).

وعن أبي هُرَيْرة-رَضيَ اللهُ عنهُ-عنْ رسولِ اللهِ- صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- أنه قال: (نُصرتُ بالرُّعب على العدوّ وأُوتيت جوامع الكلم، وبينما أنا نائم أُتيتُ بمفاتيح خزائن الأرض، فوُضعت في يديَّ) تخريجه:انظر الحديث السابق.

8- اختصاصُهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-بأنَّ ما بين بيتِهِ ومِنْبرِهِ رَوضةٌ من رِياضِ الجَنَّةِ:

عن عبد الله بن زيد المازني-رَضيَ اللهُ عنهُ- أن رسول الله-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- قال: (ما بين بيتي ومنبري رَوضةٌ من رِياض الجَنَّة) البُخاريّ- الفتح (3/84) رقم الحديث (1195), كتاب فضائل الصلاة في مسجد مكة والمدينة- باب فضل مابين القبر والمنبر.

وعن أبي هُرَيْرة -رَضيَ اللهُ عنهُ- عن النَّبيِّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-,قال:(ما بين بيتي ومنبري رَوضةٌ من رياض الجَنَّة، ومنبري على حوضي) البُخاريّ – الفتح (3/84) رقم الحديث (1196) كتاب فضائل الصلاة في مسجد مكة والمدينة – باب فضل مابين القبر والمنبر.

فائدة: ورد هذا الحديث بلفظ : (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجَنَّة), وبلفظ : (ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجَنَّة)

قال الشيخ الألباني -رَحِمهُ اللهُ- في كتابه (تحذير الساجد): هذا اللفظ الصحيح (بيتي) وأما اللفظ المشهور على الألسنة (قبري) فهو خطأ من بعض الرواة ,كما جزم به القرطبيُّ وابنُ تيمية والعسقلانيُّ، وغيرُهم ,ولذلك لم يُخرَّج في شيءٍ من الصِّحاحِ، و ورودُه في بعض الرِّوايات لا يُصيِّره صحيحاً؛ لأنه روايةٌ بالمعنى , قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية في "القاعدة الجليلة" (ص74)- بعد أن ذكر الحديث-: "هذا هو الثابت الصحيح، ولكن بعضهم رواه بالمعنى, فقال (قبري), وهو-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -حين قال هذا القول لم يكن قد قُبِرَ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-،ولهذا لم يحتجَّ بهذا أحدٌ من الصحابة، حينما تنازعُوا في موضعِ دفنِهِ، ولو كان هذا عندهم لكان نصَّاً في محلِّ النِّزاعِ، ولكن دُفِنَ في حُجْرةِ عائشةَ، في الموضعِ الذي ماتَ فيه-بأبي هو وأمي-صلوات الله وسلامه عليه".

تنبيه: ومن أوهام العلماء أنَّ الإمامَ النَّوويَّ -رَحِمهُ اللهُ- في (المجموع) عزا الحديثَ للشيخينِ بلفظ (قبري), ولا أصلَ له عندهما بهذا اللفظِ ,فاقتضى التنبيه. راجع: " تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد"للشيخ المحدث مُحمَّد ناصر الدين الألباني/ نقلاً من حاشية الكتاب (ص135-136).

9- اختصاصُهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -بأنه ذُكِرَ في الكُتُبِ السَّابقةِ:

بشَّرت الكُتُبُ السابقةُ التي أُنزلت على الأنبياء من قبل رسولنا مُحمَّد بأنه في آخر الزَّمان سيظهر نبي اسمه أحمد، وكان أهل الكتاب يعرفونه من خلال ما وصفته الكُتُب المنزلة من عند الله، كما يعرفون أبناءهم قالَ اللهُ-تعالى-: {الذين يتبعون الرَّسُول النَّبيّ الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل} الأعراف: 157. وقالَ اللهُ–تعالى-: {وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقاً لما بين يدي من التوراة ومبشراً برسولٍ يأتي من بعدي اسمه أحمد فلّما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحرٌ مبين} الصف: 6.10

10- اختصاصُهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -بأنَّ الطَّاعونَ لا يدخلُ مدينتَهُ الشَّريفةَ :

عن أبي هُرَيْرة -رَضيَ اللهُ عنهُ- قال: قالَ رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (على المدينة ملائكة لا يدخلها الطاعونُ ولا الدجالُ) البُخاريّ مع الفتح (13/109) رقم 7133 كتاب الفتن – باب لا يدخل الدجال المدينة .

وعن أنس بن مالك عن النَّبيِّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- قال: (المدينة يأتيها الدجال فَيجِدُ الملائكة يحرُسونها فلا يقربها الدجالُ، ولا الطاعونُ إن شاء الله). البُخاريّ- الفتح (13/109) رقم (7134) كتاب الفتن – باب لا يدخل الدجال المدينة.

فائدة: لا يُقال لمدينة الرَّسُول (يثرب): روى مسلمٌ في صحيحِهِ عن أبي هُرَيْرة-رَضيَ اللهُ عنهُ- ,قال: قالَ رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-:" أُمرتُ بقريةٍ تأكل القرى يقولون يثرب وهي المدينة تنفي النَّاس كما ينفي الكير الحديد". صحيح مسلم مع الشرح. المجلد الثالث- الجزء الثاني ص154.

قالَ النَّوويُّ -رَحِمهُ اللهُ-" قوله -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (يقولون يثرب وهي المدينة), يعني أنَّ بعضَ النَّاس من المنافقين وغيرهم يُسمُّونها( يثرب)، وإنما اسمها (طابة) و(طيبة)، ففي هذا كراهةُ تسميتِها (يثرب)، وقد جاء في مسند أحمد حديثٌ عن النَّبيِّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-في كراهة تسميتها (يثرب)، وحُكيَ عن عيسى بن دينار أنه قال: مَن سمَّاها (يثرب) كُتبتْ عليه خطيئةٌ، قالوا: وسببُ كراهةِ تسميتها (يثرب), لفظُ التَّثريبِ الذي هو التَّوبيخ، والملامة. وسُمِّيتْ (طيبة) و(طابة)؛ لحسن لفظِها،وكان-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -يُحبُّ الاسمَ الحسَنَ، ويكره الاسَمَ القبيحَ.وأمَّا تسميتُها في القرآنِ (يثرب)، إنَّما هو حكايةٌ عن قولِ المنافقين الذين في قلوبِهم مرضٌ. شرح النووي على مسلم, المجلد الثالث, الجزء الثاني (154-155), وكذلك أشار إلى هذا الحافظُ ابن حجر في فتح الباري (4/106), فليُراجع.

11- اختصاصُهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -بأنَّ الصَّلاةَ في مَسْجدِهِ بألفِ صلاةٍ فيما سِواهُ:

عن ابن عَبَّاسٍ-رَضيَ اللهُ عنهُما- أنه قال: (إنَّ امرأة اشتكت شكوى فقالت: إنْ شفاني الله لأخرجنَّ فلأصلينَّ في بيت المقدس، فبرأت ثم تجهزت تريد الخروج، فجاءت ميمونة زوج النَّبيّ- صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- تسلِّم عليها، فأخبرتها ذلك، فقالت: اجلسي فكلي ما صنعت ,وصلِّ في مسجد الرَّسُول -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -فإني سمعتُ رسولَ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- يقول:" صلاة فيه أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد ,إلا مسجد الكعبة". صحيح مسلم (1/1014) رقم الحديث (1396) كتاب الحج- باب فضل الصلاة بمسجد مكة والمدينة.

وعن أبي هُرَيْرة-رَضيَ اللهُ عنهُ- قالَ: قالَ رسولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (صلاةٌ في مسجدي هذا، خير من ألف صلاةٍ فيما سواه، إلاّ المسجد الحرام) صحيح مسلم (2/1012) رقم الحديث (1394) كتاب الحج – باب فضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة، والموطأ (1/196).

وعن ابن عمر عن النَّبيِّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- قال: (صلاةٌ في مسجدي هذا، خيرٌ من ألف صلاةٍ فيما سواه، إلا المسجد الحرام) صحيح مسلم (2/1013) رقم الحديث (1395) كتاب الحج – باب فضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة.

12- اختصاصُهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- بتعهدِ اللهِ–تعالى- بحفظِ الكتابِ المنزَّلِ عليهِ:

قالَ اللهُ -عَزَّ وجَلَّ-: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} الحجر: 9., وقال- تعالى-: {إنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه} فصلت: 41-42.

وقال- عزَّ مِن قائل-: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} (88) سورة الإسراء.

13-اختصاصُهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-بيومِ الجُمُعةِ:

وعن أبي هُرَيْرة-رَضيَ اللهُ عنهُ- أنه سمع رسولَ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-يقول: (نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بَيْدَ أنهم أُوتوا الكتاب من قبلنا، ثمَّ هذا يومُهمُ الذي فُرِض عليهم فاختلفوا فيه، فهدانا الله، فالنَّاس لنا فيه تَبعٌ: اليهود غداً، والنصارى بعد غد). البُخاريُّ – الفتح (2/412) (876) كتاب الجمعة – باب فرض الجمعة. ومسلم (2/585) (855) كتاب الجمعة, باب هداية هذه الأمة ليوم الجمعة.

وعن حُذيفة-رَضيَ اللهُ عنهُ- قال: قالَ رسولُ اللهِ- صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (هُدينا إلى الجمعة ,وأضل الله عنها من كان قبلنا...), وذكر الحديث صحيح مسلم (2/586) (856) كتاب الجمعة- باب هداية هذه الأمة ليوم الجمعة.

14-اختصاصُهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -بأنَّ كتابَهُ فُضِّلَ بالمُفصَّلِ:

عن واثلة بن الأسقع-رَضيَ اللهُ عنهُ- أنَّ النَّبيَّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-,قال: (أُعطيت مكان التوراة السبع (أي السبع الطوال من البقرة – التوبة) ,وأُعطيت مكان الزبور المئين (وهي السور التي بلغ عدد آياتها المائة أو قاربها), وأُعطيت مكان الإنجيل المثاني (أي السور التي بعد المئين إلى المفصل), وفُضِّلت بالمفصل (وهي من سورة (ق) إلى (النَّاس} أخرجه أحمد (4/107), وقال الألباني: (صحيح بمجموع طرقه) السلسلة الصحيحة (3/469).

وعن مَعْقِل بن يَسَار مرفُوعاً: (أُعطيت فاتحة الكتاب من تحت العرش, والمفصل نافلة). أخرجه الحاكم (1/559) وصححه ,وتعقبه الذهبيُّ بقوله: قلت: عبد الله-أي أحد رواة الحديث-, قال أحمدُ: تركوا حديثه. اهـ.

15-اختصاصُهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -بأنَّ الله أرسلَهُ رحمةً للعالمينَ:

قالَ اللهُ -عَزَّ وجَلَّ-: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} الأنبياء: 107.

وعن أبي هُرَيْرة-رَضيَ اللهُ عنهُ-,قال: (قيل: ادعُ على المشركين, قال: إني لم أُبعثْ لعَّاناً وإنما بُعثتُ رحمةً) صحيح مسلم (4/2007) رقم الحديث (2599) كتاب البر والصلة: باب النهي عن لعن الدواب وغيرها.

وقال-عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-:(إنَّما أنا رَحْمةٌ مُهْدَاةٌ) صححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (490).

16- اختصاصُهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-بتسليمِ الحَجَرِ عليهِ قبلَ البِعْثةِ:

عن جابرِ بن سمُرة قالَ: قالَ رسولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-:(إني لأعرفُ حَجَراً بمكةَ كان يُسلِّمُ عليَّ قبلَ أنْ أُبعثَ,إنِّي لأعرفُهُ الآنَ) صحيح مسلم (4/1782), رقم الحديث (2277), كتاب الفضائل: باب فضل نسب الرَّسُول, وتسليم الحجر عليه قبل النُّبوَّة. قال العزُّ بن عبد السَّلامِ في كتابِهِ "بداية السول": (ولم يثبتْ لواحدٍ من الأنبياءِ مثلُ ذلكَ)بداية السول ص39-40.نقلاً من كتاب " خصائص المصطفى بين الغلو والجفاء" تأليف : الصادق بن مُحمَّد إبراهيم ( رسالة جامعية)

17. اختصاصُهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -بأواخرِ سُورةِ البقرةِ:

عن أبي ذر-رَضيَ اللهُ عنهُ- قال:قالَ رسولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (إني أُوتيتهما (يعني الآيتين من أواخر سورة البقرة) من كنز من بيت تحت العرش، ولم يُؤتهما نبيٌّ قبلي( يعني الآيتين من أواخر سورة البقرة) أخرجه أحمدُ (5/15),وصححه الألبانيُّ في" السلسة الصحيحة " (3/471), وقال :صحيحٌ على شرطِ مُسلمٍ.

18- اختصاصُهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- بنداءِ ربِّه لَهُ بأعزِّ أوصافِهِ :

قالَ اللهُ- تعالى-:{يَا أَيُّهَا الرَّسُول بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاس إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} (67) سورة المائدة.

وقال- تعالى-:{يَا أَيُّهَا الرَّسُول } (41) سورة المائدة.

قال العزُّ بن عبد السَّلامِ في كتابه"بداية السول": (وهذه الخصيصةُ لم تثبتْ لغيرِهِ, بلْ إنَّ كلاً منهم نُوديَ باسمِهِ،فقالَ –تعالى-:{وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّة وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ}(35) سورة البقرة .

وقال-تعالى-:{إِذْ قالَ اللهُ يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ }(110) سورة المائدة . وقال: {وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}(104-105) سورة الصافات.وقال: {أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (30) سورة القصص. وقال- تعالى-: {قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} (48) سورة هود.راجع:" بداية السول" ص38.

19- اختصاصُهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-بأنَّ الله –تعالى-نهى النَّاسَ أنْ يُنادوه باسمِهِ العَلَمِ(مُحمَّد):

فقال تعالى:{لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُول بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضًا, قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}(63) سورة النــور.

قال أبو نُعيم الأصبهاني: (فخصَّه الله –تعالى- بهذه الفضيلة من بين رسله وأنبيائه، وأخبر –سبحانه- عن سائر الأمم أنهم كانوا يخاطبون رسلهم وأنبياءهم بأسمائهم، كقول قوم موسى له:{قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} (138) سورة الأعراف. وقول قوم عيسى له:{يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء قَالَ اتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (112) سورة المائدة. وقول قوم هود{يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} (53) سورة هود. راجع "دلائل النُّبوَّة" لأبي نُعيم الأصبهاني ص12.

20- اختصاصُهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-بأنَّ الله–تعالى-أَقسَمَ بحياتِهِ:

قالَ اللهُ–تعالى-:{لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} (72) سورة الحجر.

وعن ابنِ عَبَّاسٍ-رَضيَ اللهُ عنهُما-قال:ما خلق اللهُ-عَزَّ وجَلَّ-وما ذرأ نفساً أكرمَعليه مِن مُحمَّد-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-،وما سمعتُ الله-عَزَّ وجَلَّ-أقسمَ بحياةِ أحدٍ إلا بحياتِهِ،فقالَ:" لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون". دلائل النُّبوَّة ص12.

وقال ابنُ كثير-رَحِمهُ اللهُ-:(أقسمَ–تعالى-بحياةِ نبيِّهِ-صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه-،وفي هذا تشريفٌ عظيمٌ ومقامٌ رفيعٌ وجاه عريضٌ) تفسير ابن كثير (2/575).وقال العزُّ بن عبدِ السَّلامِ-رَحِمهُ اللهُ-:(و الإقسام بحياة المُقْسَم يدلُّ على شرفِ حياتِهِ، وعزتها عند المُقْسِم بها،ولم يثبتْ هذا لغيرِهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-)"بداية السول" ص37.

21- اختصاصُهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-بانشقاقِ القَمَرِ آيةً لَهُ:

قال–تعالى-:{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ} (1) سورة القمر.

عن ابن مسعود-رَضيَ اللهُ عنهُ-قال:(انشق القمرُ على عهد رسول الله -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-فرقتين فرقة فوق الجبل،وفرقة دونه، فقالَ رسولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-:(اشهدُوا). البُخاريُّ–الفتح (8/483) رقم الحديث (4864) كتاب التفسير–باب وانشق القمر,وإنْ يروا آيةً يُعرضوا .

وعنه –أيضاً- قال:(انشق القمرُ مع النَّبيِّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-فصار فِرْقتين،فقال لنا: اشهدُوا،اشهدُوا). البُخاريُّ – الفتح (8/484) رقم الحديث (4865) كتاب التفسير– باب وانشق القمر ,وإن يروا آية يعرضوا.

22- اختصاصُهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-بحنينِ الجِذْعِ إليهِ:

عن ابنِ عمرَ-رَضيَ اللهُ عنهُما-،قال: "كان النَّبيُّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- يخطب إلى جذعٍ، فلمَّا اتخذَ المنبرَ (تحوَّل إليه) فَحَنَّ الجذعُ، فأتاه فمسحَ يدَهُ عليهِ". البُخاريُّ – الفتح كتاب المناقب (6/696) رقم الحديث (3583) كتاب المناقب – باب علامات النُّبوَّة في الإسلام .

وقالَ العِزُّ بن عبد السَّلامِ-رَحِمهُ اللهُ-:(ولم يثبتْ لواحدٍ من الأنبياءِ مثلُ ذلكَ)" بداية السول" ص39-40.

23- اختصاصُهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-ببيانِ أمرِ الدَّجَّالِ بَيَاناً لم يُبيِّنُهُ نبيٌّ قبلَهُ لأمتِهِ:

عن ابن عمر- في حديث طويل -قال: (ثم قام النَّبيُّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- في النَّاس فأثنى على الله بما هو أهله، ثم ذكر الدجالَ، فقال: إني أُنذركموه, وما من نبيٍّ إلا قدْ أنذره قومَهُ: لقد أنذرهُ نوحٌ قومَهُ، ولكن سأقولُ لكم فيه قولاً لم يقلْهُ نبيٌّ لقومِهِ: تعلمون أنَّهُ أعورُ، وأنَّ الله ليسَ بأعور). البُخاريُّ –الفتح – (6/199) رقم الحديث (3057)كتاب الجهاد والسير- باب كيف يُعرض الإسلامُ على الصَّبيِّ,ومسلم :كتاب الفتن، وأشراط الساعة – باب ذكر ابن صياد (4/2244) رقم الحديث (2931).

24- اختصاصُهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -بأنَّ الله أخذَ العهدَ والميثاقَ على الأنبياءِ أنْ يُؤمنُوا بِهِ:

قالَ اللهُ-تعالى-:{وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبيّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَالِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ} (81) سورة آل عمران . قال ابن كثير -رَحِمهُ اللهُ-: " يقول الله- تعالى-: مهما آتيتكم من كتابٍ وحكمة ثم جاءكم رسولٌ بعد هذا كله، فعليكم الإيمانُ به ونصرتُهُ. وإذا كان هذا الميثاقُ شاملاً لكلٍ منهم تضمن أخذه لمُحمَّد- صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- من جميعهم، وهذه خُصوصيةٌ ليست لأحدٍ منهم سواه)" الفصول في سيرة الرَّسُول -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-"( ص143-144) دار الكُتُب العلمية. ط/ الأولى 1405هـ.

25- اختصاصُهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- بأنَّ الله-عَزَّ وجَلَّ- أحلَّ له مكةَ ساعةً مِنْ نهارٍ:

عن ابن عَبَّاسٍ -رَضيَ اللهُ عنهُما- قال: قالَ رسولُ اللهِ- صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- يوم الفتح فتح مكة: (لا هجرة بعد الفتح, ولكن جهاد ونية، وإذا استُنفرتم فانفروا، وقال يوم الفتح فتح مكة: إنَّ هذا البلد حرَّمه الله يومَ خلق السماوات والأرض, فهو حرامٌ بحرمة الله إلى يوم القيامة، وإنه لم يحل القتال فيه لأحدٍ قبلي، ولم يحل لي إلا ساعة من نهار) صحيح مسلم – كتاب الحج. باب تحريم مكة (2/986) رقم الحديث (1353).

===============

إن الله-عَزَّ وجَلَّ- لمَّا أرسل مُحَمَّداً- صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -إلى البشرية بشيراً ونذيراً أيَّدُهُ بالمعجزاتِ الباهراتِ والحُجَجِ القَاهِرَاتِ, وفي مُقَدِّمةِ هذه المعجزاتِ القُرآنُ العَظِيمُ والذِّكرُ الحَكِيمُ, ونذكر هنا بعضَ هذه المعجزاتِ, وإنَّ العلم بهذه المعجزات مما يُقوِّي إيمانَ المسلمِ، ويزيده محبةً لنبيِّهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-لما يَرَى من كرامتِهِ عندَ اللهِ وقدره، وقد ألَّف العُلَماءُ الأثباتُ في ذلكَ المؤلَّفاتِ1 لعلمِهم بما في ذلك من الفوائدِ الجمَّةِ التي تعودُ على المؤمنينَ بمطالعتِهم في معجزاتِ نبيِّهم وآياتِهِ الباهراتِ، وفي هذا الموضوع سنذكرُ ما تيسَّر ذِكْرُهُ مِنْ دلائلِ نُبوتِهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-قبلَ وبعدَ البعثةِ, مُستفيدين من هذه المؤلَّفاتِ وغيرِها, والله نسأل أنْ يُعينَ، وأن يُوفِّقَنا لكلِّ عملٍ صالحٍ؛ إنَّهُ على كُلِّ شيءٍ قديرٌ.

(1) من دلائل نبوة المصطفى-صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-إعجاز القرآن العظيم:

عن أبي هُرَيْرةَ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ- قال: قال رسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - : (ما من الأنبياء نبيٌّ إلا أُعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إليَّ؛ فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة).2

فالقرآن هو المعجزة العظمى، وليس المراد به نفي ما سواه من المعجزات النَّبَويَّة الثابتة بالكتاب والسنة، فبعض الماديين ومن لَفَّ لَفَّهم لا يُثبت للنبيِّ الكريم معجزةً إلا القرآن، وقد أَلَّفَ بعضُهم كتباً كبيرةً في السيرةِ النَّبَويَّة، ولم يذكرْ فيها شيئاً من معجزاتِ الرَّسُول الحسيةِ المادية, إرضاءً منهم للمستشرقين والغربيين.

وقد تحدى الله فصحاء العرب، وأذكياءهم أن يأتوا بقرآن مثله فقال: قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا(88) سورة الإسراء

وقال-تعالى- : أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لَّا يُؤْمِنُونَ فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ(33) (34)سورة الطور.وتحداهم أن يأتوا بعشر سور فقال: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ* فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللّهِ وَأَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ(13) (14) سورة هود. وتحداهم أن يأتوا بسورة مثله فقال: وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللّهِ وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ*أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ(37) (38) سورة يونس .

قال تعالى: وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ *فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّار الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ(23) (24) سورة البقرة

فتحداهم وعجزوا عن المعارضة ولجؤوا إلى العناد، فقال قائلهم: لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26) سورة فصلت.وكقولهم: وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ(5) سورة فصلت.

وأما ما حكاه الله عن بعضهم بقوله: وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ(31) سورة الأنفال. وكذا قولهم: أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا(5) سورة الفرقان. فعناد، ومكابرة، وتلبيس على ضعفاء العقول من أتباعهم.

إرهاصات ومقدمات بعثته -صلى الله عليه وسلم-:

عن عائشة رَضيَ اللهُ عَنْهُا- قالت: (كان يوم بُعاث يوماً قدَّمه الله لرسوله-صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- فقدم رسُول اللهِ- صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- وقد افترق (ملؤهم) وقتلت سرواتهم وجرحوا، قدَّمه الله لرسوله - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- في (دخولهم) الإسلام)3.

ومن تلك الإرهاصات: شق صدره -صلى الله عليه وسلم-، فعن أنس بن مالك- رَضيَ اللهُ عَنْهُ-: (أن رسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- أتاه جبريل -عليه السلام- وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه فشق عن قلبه، فاستخرج القلب فاستخرج منه علقة فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم أعاده إلى مكانه، وجاء الغلمان يسعون يعني ظئره فقالوا: إن مُحَمَّداً قد قتل فاستقبلوه وهو منتقع اللون).قال أنس: وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره)4.

ومن دلائل النُّبوُّة إخبار المتقدِّمين وغيرِهم بنبوته:

عن عائشة أم المؤمنين-رَضيَ اللهُ عَنْهُا-أنها قالت: (أول ما بُدئ به رسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، فكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه –وهو التعبد- الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها حَتَّى جاءه الحق وهو في غار حراء (فجاءه) الملك فقال: اقرأ، قال: "ما أنا بقارئ". قال: "فأخذني فغطني حَتَّى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة، ثم أرسلني فقال: (اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم). فرجع بها رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - يرجف فؤاده فدخل على خديجة بنت خويلد - رَضيَ اللهُ عَنْهُا- فقال: "زَمِّلُوني، زَمِّلُوني"، حَتَّى ذهب عنه الرَّوعُ، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: "لقد خشيتُ عَلَى نفسي"، فقالتْ خديجةُ: كلا والله ما يخزيك اللهُ أبداً، إنك لتصلُ الرَّحِمَ، وتَحْمِلُ الكَلَّ، وتُكْسِبُ المعدومَ، وتُقْرِي الضَّيفَ، وتُعِيْنُ على نوائبِ الحقِّ. فانطلقت به خديجة حَتَّى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العُزَّى ابن عم خديجة، وكان امرأاً تنصَّر في الجاهليةِ، وكان يكتب الكتاب بالعبراني, فكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخاً كبيراً قد عمي، فقالت له خديجة: يا ابن عم, اسمع من ابنِ أخيك. فقال له ورقة: يا ابنَ أخي, ماذا ترى؟ فأخبره رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- خيرَ مَا رَأَى, فَقَالَ له ورقةُ: هذا النَّامُوسُ الذي أُنزِلَ على مُوسى, يا ليتني فيها جَذَعاً, ليتني أكونُ حَيَّاً إذْ يُخرِجُك قَوْمُكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: "أومخرجي هم؟" قال: نعم, لم يأتِ رَجُلٌ قَطُّ بمثلِ ما جِئْتَ بِهِ إلا عُودِيَ، وإنْ يدركْني يومُك, أنصرْك نصراً مُؤزَّراً، ثم لم ينشبْ ورقةُ أنْ تُوفِّيَ, وفَتَرَ الوحي)5.

ومن دلائل النُّبوُّة ما جاء عن الكهان، والجن، وأهل الكتاب في شأنه-صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-:

عن عبد الله بن عمر–رَضيَ اللهُ عَنْهُما-, قال: (ما سمعت عمر لشيء قط يقول: إني لأظنه كذا، إلا كان كما يظن. بينما عمر جالس إذ مر به رجل جميل فقال عمر: أخطأ ظني أو أن هذا على دينه في الجاهلية، أو لقد كان كاهنهم، عليَّ الرجل، فدعي له. فقال له ذلك. فقال: ما رأيت كاليوم استقبل به رجل مسلم. قال: فإني عزمت عليك إلا ما أخبرتني. قال: كنت كاهنهم في الجاهلية قال: فما أعجب ما جاءتك به جنِّيَّتُك. قال: بينا أنا يوماً في السوق جاءتني أعرف فيها الفزع. فقالت: ألم تر الجن وإبلاسها من أنكاسها ولحوقها بالقلاص وأحلاسها؟ قال عمر: صدق، بينما أنا نائم عند آلهتهم إذ جاء رجل بعجل فذبحه فصرخ به صارخ لم أسمع صارخاً قط أشد صوتاً منه يقول: يا جليح، أمر نجيح، رجل فصيح، يقول لا إله إلا أنت. فوثب القوم، قلت: لا أبرح حَتَّى أعلم ما وراء هذا. ثم نادى يا جليح، أمر نجيح، رجل فصيح، يقول: لا إله إلا أنت، فقمت، فما نشبنا أن قيل: هذا نبي)6.

ومن دلائل النُّبوُّة ما جاء من خطاب الأشجار والأحجار له-صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-:

عن معن بن عبد الرحمن قال: سمعت أبي قال: (سألت مسروقاً: من آذن النَّبيَّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-بالجن ليلة استمعوا القرآن؟ فقال: حدثني أبوك يعني عبد الله أنه آذنت بهم شجرة)7.

عن جابر بن سَمُرةَ, قال: قالَ رسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: (إني لأعرفُ حَجَرَاً بمكَّةَ كان يُسلِّمُ عليَّ قبل أنْ أُبعثَ, إنِّي لأعرِفُهُ الآنَ)8.

ومِنْ دَلَائِلِ النُّبوُّة أدبُ الحيوانِ وتفاعله مَعَ رسول الله وشكواه إليه-صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-:

عن جابر بن عبد الله-رَضيَ اللهُ عَنْهُما-, قال: (كنت مع النَّبيِّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-في غزاة فأبطأني جملي وأعيا فأتى على النَّبيِّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-, فَقَالَ: "جابرُ!" فقلت: نعم. قال: "ما شأنك؟" قلت: أبطأ علي جملي وأعيا فتخلفت، فنزل يحجنه بمحجنه. ثم قال: "اركب". فركبته فلقد رأيته أكفه عن رسُول اللهِ- صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -. قال: "تزوجت؟" قلت: نعم. قال: "بكر أم ثيباً؟" قلت: بل ثيباً. قال: "أفلا جارية تلاعبها وتلاعبك؟" قلت: إن لي أخوات فأحببت أن أتزوج امرأة تجمعهن، وتمشطهن، وتقوم عليهن. قال: "أما أنك قادم فإذا قدمت فالكَيس الكيس"، ثم قال: "أتبيع جملك؟" قلت: نعم. فاشتراه مني بأوقية، ثم قدم رسُول اللهِ- صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- قبلي وقدمت بالغداة، فجئنا إلى المسجد فوجدته على باب المسجد. قال: "الآن قدمت؟" قلت: نعم. قال: "فدع جملك فادخل فصل ركعتين" فصليت، فأمر بلالاً أن يزن له أوقية، فوزن له بلال فأرجح في الميزان. فانطلقت حَتَّى وليت فقال: "ادعوا لي جابراً". قلت: الآن يرد علي الجمل، ولم يكن شيء أبغض إلي منه. قال: "خذ جملك ولك ثمنه")9.

وعن أبي سعيد الخدري – رَضيَ اللهُ عَنْهُ - قال: (بينما راع يرعى بالحرة إذ عرض ذئب لشاة من شياهه، فجاءه الراعي يسعى فانتزعها منه فقال للراعي: ألا تتقي الله تحول بيني وبين رزق ساقه إلي، قال الراعي: العجب لذئب يتكلم. والذئب مُقعٍ على ذنبِهِ يكلمني بكلام الإنس. فقال الذئب للراعي: ألا أحدثك بأعجب من هذا؟ هذا رسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-بين الحرتين يحدث الناس بأنباء ما قد سبق، فساق الراعي شاءه إلى المدينة فزواها من زواياها، ثم دخل على رسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- فقال له ما قاله الذئب، فخرج رسُول اللهِ- صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- فقال للراعي: أخبر الناس ما قاله الذئب، فقال رسُول اللهِ- صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: "صدق الراعي ألا إن من أشراط الساعة كلام السباع الإنس، والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حَتَّى تكلم السباع الإنس، ويكلم الرجل نعله وعذبة سوطه، ويخبره فخذه بحدث أهله بعده")10.

وعن عبد الله بن جعفر قال: (أردفني رسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-ذات يوم خلفه فأسرَّ إليَّ حديثاً لا أخبر به أحداً، وكانَ رسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-أحب ما استتر به في حاجته هدف أو حائش نخل، فدخل يوماً حائط من حيطان الأنصار، فإذا جمل قد أتاه يجرجر وذرفت عيناه. (قال بهز وعفان): فلما رأى النَّبيَّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-حَنَّ وذرفت عيناه, فمسح رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-سراته وذِفْراهُ فسكن.فَقَالَ: "مَنْ صَاحِبُ الجملِ؟" فجاء فتى من الأنصارِ, فقال: هُو لي يا رسُولَ اللهِ. فقال: "أما تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله؟ إنه شكى لي أنك تجيعه وتُدئبه)11.12.

فهذا بعض ما ذكر من دلائل نبوة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، وهي قليل من كثير، فدلائل النبوة كتبت فيها الكتب وألفت فيها المؤلفات، وما ذكر هنا من باب الإشارة إلى بعضها.. وكلها تدل دلالة صريحة على أنه رسول من عند الله. ومن تأمل تلك الدلائل وأمعن النظر فيها أيقن أن هذا النبي الأكرم -صلى الله عليه وسلم- قد أتى بالنور المبين والحجج القوية الدامغة التي لا يردها راد ولا يصدها صاد.

1 - مثل: " دلائل النُّبوُّة " للبيهقي , وهو أوسعها, و" دلائل النُّبوُّة" لأبي نُعيم الأصبهاني , و" الصحيح المسند من دلائل النُّبوُّة" للشيخ مقبل الوادعي, وغيرها , هذا بالإضافة إلى أن كتب السنة كالصحيحين والسنن والمسانيد وغيرها لا تخلو من باب أو فصل في ذلك , لما ذكرنا من الفوائد.

2 - البخاري– الفتح (8/619) رقم الحديث (4981)- كتاب فضائل القرآن- باب كيف نزل الوحي أو ل ما نزل.

3 - البخاري – الفتح -(2/510) رقم (949) كتاب العيدين - باب الحراب والدرق يوم العيد.

4 -صحيح مسلم(1/145). رقم الحديث (162) -كتاب الإيمان- باب الإسراء برسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-.

5 - صحيح مسلم (1/139) رقم (160-161) – كتاب الإيمان – باب بدء الوحي إلى رسُول اللهِ.

6 - صحيح البخاري (7/215) رقم (3866) – كتاب المناقب – باب إسلام عمر بن الخطاب -رَضيَ اللهُ عَنْهُ–.

7 - صحيح البخاري (7/208) رقم (3859)- كتاب المناقب- باب ذكر الجن.

8 - صحيح مسلم (4/1782) رقم (2277) كتاب الفضائل-باب فضل نسب الرَّسُول وتسليم الحجر عليه قبل النُّبوُّة.

9 - صحيح البخاري (4/375) رقم(2097)–كتاب البيوع – باب شراء الدواب والحمر وإذا اشترى دابة أو جملاً.

10 - أخرجه أحمد، وابن سعد، والبزَّارُ، والحاكمُ (4/467)، والبيهقيُّ, وصححاه مِنْ طُرُقٍ عن أبي سعيدٍ – الخصائص 2/267 )، وقال في -"مجمع الزَّوائد"(8/291)-: روى أحمدُ، والبزَّارُ نحوه باختصارٍ, ورجالُ أحدِ إسنادي أحمد رجالُ الصَّحيحِ.وأخرجه ابنُ حِبَّان في صحيحِهِ– زوائد ابن حبان رقم (2109).. وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (122).

11 - (تُدئِبه بضم التاء، ودال مهملة ساكنة، بعدها همزة مكسورة وباء موحدة، أي: تُتعبه بكثرةِ العملِ. قاله المنذري في الترغيب والترهيب (3/146).

12 - أخرجه أحمد (1/204)، وأبو داود في الجهاد (2549)، وصححه الحاكم (2/109)، ووافقه الذهبي، وصححه الضياء في المختارة (9/158)، وهو مخرج في السلسلة الصحيحة (20).

==============

إخباره صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- بتطاول الرعاة الفقراء في البنيان:

عن أبي هُرَيْرةَ – رَضيَ اللهُ عَنْهُ – قال: (كان النَّبيّ – صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ– بارزاً يوماً للناس فأتاه رجل فقال: ما الإيمان؟ قال: الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وبلقائه ورسله وتؤمن بالبعث. قال: ما الإسلام؟ قال: الإسلام أن تعبد الله، ولا تشرك به، وتقيم الصلاة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان. قال: ما الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك. قال: متى الساعة؟ قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل. وسأخبرك عن أشراطها: إذا ولدت الأمة ربها، وإذا تطاول رعاة الإبل البهم في البنيان في خمس لا يعلمهن إلا الله، ثم تلا النَّبيّ – صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -: (إن الله عنده علم الساعة) الآية ثم أدبر فقال: ردوه فلم يروا شيئاً. فقال: هذا جبريل جاء يعلم الناس دينهم). البخاري- الفتح (8/373) رقم (4777) – كتاب التفسير القرآن – باب قوله إن الله عنده علم الساعة.

إخباره – صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ –بخروج الخوارج:

عن أبي سعيد الخدري قال: (بعث علي بن أبي طالب - رَضيَ اللهُ عَنْهُ - إلى رسُول اللهِ من اليمن بذهبية في أديم مقروظ لم تحصل من ترابها. قال: فقسمها بين أربعة نفر بين عيينة بن بدر، وأقرع بن حابس، وزيد الخيل، والرابع إما علقمة وإما عامر بن الطفيل. فقال رجل من أصحابه: كنا أحق بهذا من هؤلاء، فبلغ ذلك النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - فقال: ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء، يأتيني خبر السماء صباحاً ومساءً، قال: فقام رجل غائر العينين، مشرف الوجنتين، ناشز الجبهة،كث اللحية، محلوق الرأس، يشمر الإزار، فقال: يا رسُولَ اللهِ اتق الله! قال: ويلك أولست أحق أهل الأرض أن يتقي الله؟ قال: ثم ولى الرجل قال خالد بن الوليد: يا رسُولَ اللهِ ألا أضرب عنقه؟ قال: لا لعله أن يكون يصلي. فقال خالد: وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه. قال رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -: إني لم أومر أن أنقب قلوب الناس ولا أشق بطونهم قال: ثم نظر إليه وهو مقف فقال: إنه يخرج من ضئضئ هذا قوم يتلون كتاب الله رطباً لا يجاوزه حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، وأظنه قال: لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل ثمود). البخاري – الفتح (7/665) رقم (4351) كتاب المغازي – باب بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن قبل حجة الوداع.

انقياد الشجر لنبينا مُحَمَّد - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - وما جمع الخبر المنقول فيه من ذكر خروج الماء من بين أصابعه وغير ذلك من علامات النُّبوُّة:

عن عبادة بن الصامت قال: (خرجت أنا وأبي نطلب العلم في هذا الحي من الأنصار قبل أن يهلكوا، فكان أول من لقينا: أبو اليسر صاحب رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - ومعه غلام له، فذكر ما سمع منه ثم قال: حَتَّى أتينا جابر بن عبد الله في مسجده، فذكر ما سمع منه إلى أن قال عن جابر بن عبد الله، قال: سرنا مع رسُول اللهِ حَتَّى نزلنا وادياً أفيح فذهب رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - يقضي حاجته وأتبعته بأداة من ماءٍ، فنظر رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - فلم ير شيئاً يستتر به، وإذا بشجرتان بشاطئ الوادي، فانطلق رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - إلى إحداهما فأخذ بغصنٍ من أغصانها، فقال: انقادي عليَّ بإذن الله –تعالى-، فانقادت معه كالبعير المخشوش الذي يصانع قائده حَتَّى أتى الشجرة الأخرى، فأخذ بغصن من أغصانها، فقال: "انقادي عليَّ بإذن الله" فانقادت معه كذلك، حَتَّى إذا كان بالمنصف فيما بينهما لأم بينهما يعني جمعهما، فقال: " التئما عليَّ بإذن الله" فالتأما.

قال جابر: فخرجت أحضر مخافة أن يحس رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - بقربي يعني فيبتعد فجلست أحدث نفسي فحانت مني لفتةٌ فإذا أنا برسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - مقبل، وإذا الشجرتان قد افترقتا فقامت كل واحدةٍ منهما على ساق، فرأيتُ رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - وقف وقفةً فقال برأسه هكذا، قال هارون بن معروف: وأشار أبو إسماعيل برأسه يميناً وشمالاً، ثم أقبل فلما انتهى إليَّ، قال: يا جابر هل رأيت مقامي؟ قلت: نعم يا رسُولَ اللهِ، قال: فانطلق إلى الشجرتين فاقطع من كل واحدة منهما غصناً، فأقبل بهما حَتَّى إذا قمت مقامي فأرسل غصناً عن يمينك، وغصناً من يسارك.

قال جابر: فقمت فأخذت حجراً فكسرته وحسرته فانذلق لي فأتيت الشجرتين، فقطعت من كل واحدة منهما غصناً، ثم أقبلت أجرُّهما حَتَّى إذا قمت مقام رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - أرسلت غصناً عن يميني، وغصناً عن يساري، ثم لحقته فقلت: قد فعلت يا رسُولَ اللهِ! فعمَّ ذاك؟ قال: (إني مررت بقبرين يعذبان، فأحببت بشفاعتي أن يرفه عنهما ما دام الغصنان رطبين).

قال: فأتينا العسكر فقال رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -: يا جابر! نادٍ بوضوءٍ، فقلت: ألا وضوء ألا وضوء، قال قلت: يا رسُولَ اللهِ ما وجدت في الركب من قطرة، قال: وكان رجل من الأنصار يبردُ لرسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - الماء في أشجاب له على حمارةٍ من جريد، فقال لي: انطلق إلى فلان الأنصاري، فانظر هل في أشجابه من شيء؟ قال: فانطلقت إليه فنظرت فيها فلم أجد فيها إلا قطرة في عزلاء شجب منها، لو أني أفرغه لشربه يابسه فأتيت رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -، فقلت: يا رسُولَ اللهِ! لم أجد فيها إلا قطرة في عزلاء شجب منها، لو أني أفرغه لشربه يابسه، قال: (ذاهب فأتني به) فأتيته به، فأخذه بيده فجعل يتكلم بشيء لا أدري ما هو ويغمزه بيده، ثم أعطانيه فقال: (يا جابر! نادِ بحفنة)، قال: فقلت: يا جفنة الركب قال فأتيت بها تحمل فوضعت بين يديه، فقال رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - بيده هكذا، فبسطها في الجفنة، وفرق بين أصابعه، ثم وضعها في قعر الجفنة، وقال: (خذ يا جابر، فصبَّ عليَّ وقل بسم الله). فصبيت عليه وقلت: بسم الله، فرأيت الماء يفور من بين (أصابع رسُول اللهِ) - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - ثم فارت الجفنة ودارت حَتَّى امتلأت، فقال: (يا جابر ناد من كان له حاجة بماءٍ) قال: فأتى الناس فاستقوا حَتَّى رووا، قال: فقلت هل بقي أحدٌ له حاجة، فرفع رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - يده من الجفنة وهي ملأى. وشكى الناس إلى رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - الجوع، فقال عسى الله أن يطعمكم، فأتينا سِيف البحر فألقى البحر دابةً فأورينا على شقها النَّار، فاشتوينا وطبخنا، وأكلنا وشبعنا. قال جابر: فدخلت أنا وفلان وفلان حَتَّى عدَّ خمسة في حجاج عينها ما يرانا أحدٌ حَتَّى خرجنا فأخذنا ضلعاً من أضلاعها فقوسناه، ثم دعونا بأعظم رجلٍ في الركب، وأعظم جملٍ في الركب، وأعظم كفلٍ في الركب، فدخل تحته ما يطأطئ رأسه. صحيح مسلم (4/23019) رقم (3006- 3014) – كتاب الزهد والرقائق- باب حديث جابر الطويل وقصة أبي البسر.

عن ابن عباس قال: (جاء أعرابي إلى النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - فقال: بم أعرف أنك رسُول اللهِ؟ قال: أرأيت لو دعوت هذا العذق من هذه النخلة أتشهد أني رسُول اللهِ؟ قال: نعم، قال: فدعا العذق فجعل العذق ينزل من النخلة حَتَّى سقط في الأرض فجعل ينقز حَتَّى أتى النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -، قال: ثم قال له: ارجع، فرجع حَتَّى عاد إلى مكانه، فقال: أشهد أنك رسُول اللهِ وآمن) سنن الترمذي (5/554) رقم (3628) – كتاب المناقب عن رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ – باب في آيات إثبات نبوة النَّبيّ وما قد خصه الله عزوجل.

ذكر الوحش الذي كان يقبل ويدبر فإذا أحسَّ برسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - ربض فلم يترمرم(1):

عن عائشة قالت: (كان لأهل رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - وحش، فإذا خرج رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - أقبل وأدبر، فإذا أحس برسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - ربض فلم يترمرم). أخرجه الإمام أحمد في مسنده (6/113) باقي مسند الأنصار – حديث السيدة عائشة.

وعن عائشة أيضاً قالت: (كان لآل رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - وحش، فإذا خرج رسُول اللهِ لعب وذهب وجاء، فإذا جاء رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - ربض فلم يترمرم ما دام رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - في البيت). مُسند أحمدَ – باقي مسند الأنصار – حديث السيدة عائشة.

ما جاء في تسخير الله -عَزَّ وجَلَّ- الأسد لسفينة مولى رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - كرامة لرسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - وما روي في معناه:

عن سفينة مولى رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - قال: ركبت سفينة في البحر فانكسرت فركبت لوحاً منها فأخرجني إلى جمة فيها أسدٌ، إذ أقبل الأسدُ فلما رأيته قلت: يا أبا الحارث! أنا سفينة مولى رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - فأقبل نحوي حَتَّى ضربني بمنكبه، ثم مشى معي حَتَّى أقامني على الطَّريق، قال: ثم همهم ساعة وضربني بذنبه، فرأيت أنه يودعني.

وعن مُحَمَّد بن المنكدر: أن سفينة مولى رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - قال: ركبت البحر فانكسرت بي سفينتي التي كنت فيها فركبت لوحاً من ألواحها، فطرحني اللوح إلى أجمة فيها الأسدُ، فدخلت فخرج إليَّ الأسد، فأقبل إليّ فقلت: يا أبا الحارث! أنا مولى رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -، فطأطأ رأسه وأقبل إلي يدفعني بمنكبه، فأخرجني من الأجمةٍ، ووقفني على الطَّريق ثم همهم، فظننت أنه يودعني فكان هذا آخر عهدي به.

وعن مُحَمَّد ابن المنكدر: أن سفينة مولى رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - أخطأ الجيش بأرض الروم أو أسر في أرض الروم، فانطلق هارباً يلتمس الجيش، فإذا هو بالأسد، فقال له: يا أبا الحارث! إني مولى رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -، كان من أمري كيت وكيت، فأقبل الأسد يبصبصه، حَتَّى قام إلى جنبه كلما سمع صوتاً أهوى إليه، ثم أقبل يمشي إلى جنبه، فلم يزل كذلك حَتَّى بلغ الجيش ثم رجع الأسدُ،) (والله تعالى هو أعلم). قصة الأسد نقلها الحافظ ابن كثير في التاريخ (6/147) عن دلائل النُّبوُّة، وذكرها السيوطي في " الخصائص الكبرى" (2:65) عن ابن سعد، وأبي يعلى والبزار وابن منده والحاكم، وصححه. والبيهقي، وأبي نعيم كلهم عن سفينة مولى رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - نقلاً من كتاب دلائل النُّبوُّة للبيهقي (6/46).

ما جاء في تسبيح الطعام الذي كانوا يأكلونه مع نبينا مُحَمَّد - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - وما في ذلك من آثار النُّبوُّة:

عن عبد الله قال: (إنكم تعدون الآيات عذابا، وكنا نعدها بركة على عهد رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -، كنا نأكل مع النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - الطعام ونحن نسمع تسبيح الطعام، وأتي النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - بإناءٍ فجعل الماء ينبع من بين أصابعه، فقال النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -: (حي على الطهور المبارك والبركة من السماء)، حَتَّى توضأنا كلنا) رواه البخاري- الفتح (6: 587) رقم الحديث (3579). كتاب المناقب، باب علامات النُّبوُّة في الإسلام.

ما جاء في رؤية النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - أصحابه وراء ظهره:

عن أبي هُرَيْرةَ قال: أن رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - قال: (هل ترون قبلتي هاهنا، فوالله ما يخفى علي ركوعكم ولا سجودكم إني لأراكم من وراء ظهري) البخاري – الفتح- (1/612) رقم (418) – كتاب الصلاة، باب عظمة إمام الناس.

ما جاء في إضاءة عصى الرجلين من أصحاب النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-:

عن أنس بن مالك: (أن رجلين من أصحاب النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - خرجا من عند رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - ذات ليلة مظلمة، ومعهما مثل المصباحين يضيئان بين أيديهما، فلما افترقا صار مع كل واحد منهما حَتَّى أتى أهله). البخاري – الفتح(6/ 632) رقم الحديث (3639) -كتاب المناقب - باب بقية أحاديث علامة النُّبوُّة في الإسلام.

ما جاء في القصعة التي كانت تمد من السماء وما ظهر فيها من آثار النُّبوُّة:

عن سمرة بن جندب: (أن رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - أتى بقصعة فيها طعام فتعاقبوها إلى الظهر منذ غدوة، يقوم قوم ويقعدون آخرون، فقال رجل لسمرة: هل كانت تمد، قال: فمن أيش تعجب ما كانت تمد إلا من ها هنا وأشار إلى السماء). وأشار يزيد بن هارون إلى السماء). مُسند أحمدَ (5/ 18) أول مسند البصريين- من حديث سمرة بن جندب عن النَّبيّ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ.

ما ظَهرَ في النخل التي غرسها النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - لسلمان الفارسي - رَضيَ اللهُ عَنْهُ - وأطعمت من سنته من آثار النُّبوُّة، واستبرائه عند قدومه عليه، وما وصف له من حاله:

عن بريدة عن أبيه: (أن سلمان لما قدم المدينة أتى رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - بهدية على طبق، فوضعها بين يديه، فقال: ما هذا يا سلمان؟ قال: صدقة عليك وعلى أصحابك! قال: إني لا آكل الصدقة، فرفعها، ثم جاءه من الغد بمثلها، فوضعها بين يديه، فقال: ما هذا؟ قال: هدية لك، قال: فقال رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - لأصحابه: كلوا. قال: لمن أنت؟ قال: لقومٍ، قال: فاطلب إليهم أن يكاتبوك، قال: فكاتبوني على كذا وكذا نخلة اغرسها لهم ويقوم عليها سلمان حَتَّى تطعم، قال: فجاء النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - فغرس النخل كله إلا نخلة واحدةً غرسها عمر، فأطعم نخله من سنته إلا تلك النخلة، فقال رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -: من غرسها؟ قالوا: عمر، فغرسها رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - بيده فحملت من عامها). ذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" (9/336-337) وعزاه للبزار وقال: (ورجاله رجال الصحيح).

ما جاء في إشارته على أبي هُرَيْرةَ الدوسي - رَضيَ اللهُ عَنْهُ - وغيره بما يكون سبباً للحفظ وإجابة أبي هُرَيْرةَ - رَضيَ اللهُ عَنْهُ - إليه، وتحقيق الله - سبحانه- قول رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - وما ظهر فيه من آثار النُّبوُّة:

عن الزهري عن الأعرج في قوله- عَزَّ وجَلَّ-: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} (159) سورة البقرة. قال: قال أبو هُرَيْرةَ إنكم تقولون: أكثر أبو هُرَيْرةَ عن النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -، والله الموعد، وإنكم تقولون: ما بال المهاجرين لا يحدثون عن رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - بهذه الأحاديث؟ وما بال الأنصار لا يحدثون بهذه الأحاديث؟ وإنَّ أصحابي من المهاجرين كانت تشغلهم صفقاتهم في الأسواق، وإن أصحابي من الأنصار كانت تشغلهم أرضوهم والقيام عليها، وإني كنت امرءاً مسكيناً، وكنت أكثر مجالسة رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - أحضر إذا غابوا، وأحفظ إذا نسوا، وإن النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - حدثنا يوماً فقال: (من يبسط ثوبه حَتَّى أفرغ من حديثي، ثم يقبضه إليه، فإنه لن ينسى يوماً شيئاً سمعه مني أبداً) قال: فبسطت ثوبي أو قال نمرتي، ثم حدثنا فقبضته إليَّ، فوالله ما نسيت شيئاً سمعته منه، وأيم الله لولا أنه في كتاب الله ما حدثتكم بشيء أبداً، ثم تلا: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ...) الآية .أحمد في المسند (2/274) ونحوه في صحيح مسلم (4/1938) رقم (2491- 2493) – كتاب فضائل الصحابة – باب من فضائل أبي هُرَيْرةَ الدوسي.

ما جاء في شأن أبي زيد عمرو بن أخطب الأنصاري ودعائه له وما ظهر في ذلك من آثار النُّبوُّة:

عن أبو زيد الأنصاري قال: قال لي رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -: أدن مني) قال: فمسح بيده على رأسي ولحيتي، ثم قال: (اللهم جمِّلهُ وأدم جماله) قال: فبلغ بضعاً ومائة سنةٍ، وما في لحيته بياض إلا نبذ يسير ولقد كان منبسط الوجه، ولم يتقبض وجهه حَتَّى مات). مُسند أحمدَ – أول مسند البصريين –حديث أبي زيد الأنصاري). قال البيهقي! وهذا إسناد صحيح موصول، وقد رواه أيضاً الحسين بن واقد, انظر الدلائل (6/211).

ما جاء في دعائه - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - على من أكل بشماله:

عن سلمة بن الأكوع قال: أن أباه حدثه أن رجلاً أكل عند رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - بشماله، فقال: كل بيمينك، قال: لا أستطيع، قال: لا استطعت ما منعه إلا الكبر، قال: فما رفعها إلى فيه). صحيح مسلم (3/1597) (2017- 2023) - كتاب الأشربة- باب آداب الطعام والشراب.

1- أي: سكن ولم يتحرك. الدلائل 6/31. =============

إن من المعجزات الخالدة التي سطرتها السيرة النبوية،والدلائل النبوية التي ذاع صيتها واشتهر أمرها،وانتشرت في أرجاء الأرض بحرها وجوها وبرها،ما أظهر الله على يد رسوله -صلى الله عليه وسلم- من العلامات الواضحة على صدق نبوته،وعظيم منزلته،ورفعة رسالته،والتي نقلها عنه العدو والصديق والقريب والبعيد،ومن ذلك: بركة الطعام والشراب بين يديه -صلى الله عليه وسلم- .

وسننقل من النصوص والأحداث والوقائع ما يظهر تلك العظمة وتلك المنزلة الرفيعة التي أوتيها رسول الإسلام بأبي هو وأمي -صلى الله عليه وسلم-:

عن جابر-رَضيَ اللهُ عَنْهُ-قال: (تُوفِّيَ عبد الله بن عمرو بن حرام وعليه دين, فاستعنت النَّبيَّ -صلى اللهُ عليهِ وسلم- على غُرمائِهِ أنْ يضعُوا مِنْ دَيْنِهِ، فطلب -صلى اللهُ عليهِ وسلم- فلم يفعلوا، فقال النَّبيُّ -صلى اللهُ عليهِ وسلم-: "اذهب فصنف تمرك أصنافاً، العجوة على حدة، وعذق بن زيد على حدة، ثم أرسل إليَّ"، ففعلت ثم أرسلت إلى رَسُولِ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلم- فجاء فجلس أعلى أعلاه, أو في وسطِهِ, ثم قال: "كِلْ للقومِ", فكلتهم حَتَّى أوفيت الذي لهم, وبقي تمري كأنه لم ينقصْ منه شيءٌ)1.

وعن عبد الرحمن بن أبي بكرٍ-رَضيَ اللهُ عَنْهُما-, قال: (كنا مع النَّبيِّ -صلى اللهُ عليهِ وسلم- ثلاثين ومائة، فقال النَّبيُّ -صلى اللهُ عليهِ وسلم-: "هل مع أحد منكم طعام؟" فإذا مع رجل صاع من طعام أو نحوه فعجن، ثم جاء رجل مشرك مشعان طويل بغنم يسوقها, فقالَ النَّبيُّ -صلى اللهُ عليهِ وسلم-: "بيعاً أم عطية؟"-أو قال أم هبة- قال: بل بيع، فاشترى منه شاة فصنعت، وأمر النَّبيُّ -صلى اللهُ عليهِ وسلم- بسواد البطن أن يشوى، وأيم الله ما في الثلاثين والمائة إلا وقد حز النَّبيّ -صلى اللهُ عليهِ وسلم- له حزة من سواد بطنها، إنْ كان شاهِداً أعطاه إيَّاها، وإن كان غائباً خبأ له، فجعل منها قصعتين فأكلوا أجمعون وشبعنا، ففضلت القصعتان، فحملناه على البعير–أو كما قال)2.

وعن عبد الله بن أبي طلحة, أنه سمع أنس بن مالك -رضي الله عنه-, يقول: (قال أبو طلحة لأُمِّ سليم: لقد سمعت صوت رسُول اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلم- ضعيفاً أعرف فيه الجوع، فهل عندك شيء؟ قالت: نعم. فأخرجت أقراصاً من شعير،ثم أخرجت خماراً لها فلفت الخبز ببعضه،ثم دسته تحت يدي ولاثتني (أي: لفَّتني) ببعضه، ثم أرسلت إلى رسُولِ اللهِ- صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -قال: فذهبت به فوجدت رسُولَ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلم- في المسجد ومعه الناسُ فقمت عليهم. فقال لي رسُول اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: "أرسلك أبو طلحة؟" فقلت: نعم. قال: "بطعام؟" قلت: نعم. فقال رسُول اللهِ- صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -لمن معه: "قوموا" فانطلق وانطلقت بين أيديهم حَتَّى جئت أبا طلحة فأخبرته. فقال أبو طلحة: يا أم سليم قد جاء رسُول اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - بالناس وليس عندنا ما نُطعمهم! فقالت: الله ورسوله أعلم. فانطلق أبو طلحة حَتَّى لقي رسُولَ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلم- فأقبلَ رَسُولُ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلم- وأبو طلحة معه, فقال رَسُولُ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: "هلمي يا أُمَّ سليم, ما عندك؟" فأتت بذلك الخبز فأمر به رسُول اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلم- فَفُتَّ وعصرت أم سليم عُكَّة فأدمته، ثم قالَ رسُول اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلم- فيه ما شاء أنْ يقولَ، ثم قال: "ائذن لعشرة" فأذن لهم فأكلوا حَتَّى شبعوا ثم خرجوا، ثم قال: "ائذن لعشرة"؛ فأذِنَ لهم فأكلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثم خرجوا، ثم قال: "ائذنْ لعشرةٍ"؛ فأذن لهم فأكلُوا حَتَّى شبعوا ثم خرجُوا، ثم قال: "ائذن لعشرة" فأكل القومُ كُلُّهم حَتَّى شَبِعُوا, والقومُ سبعون أو ثمانون رَجُلاً!).3

وعن عبد الواحدِ بن أيمن عن أبيهِ, قَالَ: أتيتُ جَابِراً-رَضيَ اللهُ عَنْهُ-, فقال: (إنا يوم الخندق نحفر فعرضت كُدية شديدة, فجاؤا النَّبيَّ -صلى اللهُ عليهِ وسلم-, فقالُوا: هذه كُدية عَرَضتْ في الخندقِ. فقال: "أنا نَازِلٌ"، ثم قام وبطنُهُ معصوبٌ بِحَجَرٍ! ولبثنا ثلاثةَ أيَّامٍ لا نذوقُ ذُواقاً، فأخذ النَّبيُّ -صلى اللهُ عليهِ وسلم- المِعْولَ فضربَ في الكُدية, فعادَ كَثِيباً أهيل أو أهيم، فقلتُ: يا رسُولَ اللهِ, ائذنْ لي إلى البيتِ، فقلتُ لامرأتي: رأيت بالنَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسلم- شيئاً ما كان في ذلك صبرٌ, فعندكِ شيءٌ؟ فقالتْ: عندي شعيرٌ وعَنَاقٌ، فذبحتِ العَنَاقَ، وطحنتِ الشَّعيرَ حَتَّى جعلنا اللَّحمَ بالبُرمةِ، ثم جئتُ النَّبيَّ -صلى اللهُ عليهِ وسلم-, والعجين قد انكسر, والبُرمة بين الأثافي قد كادت أن تنضج, فقلتُ: طعيم لي, فقم أنتَ يا رسُولَ اللهِ ورجلٌ أو رجلانِ, قال: "كم هو؟" فذكرتُ له, فَقَالَ: "كثيرٌ طَيِّبٌ", قَالَ: "قُلْ لها لا تنزع البُرمةَ ولا الخبز من التنور حَتَّى آتي". فقال: "قُومُوا" فقام المهاجرون والأنصار فلما دخل على امرأته قال: ويحك, جاء النَّبيُّ -صلى اللهُ عليهِ وسلم- بالمهاجرين والأنصار ومن معهم. قالت: هل سألك؟ قلت: نعم. فقال: "ادخلوا ولا تضاغطوا"، فجعل يكسر الخبز ويجعل عليه اللحم، ويُخمِّرُ البُرمةَ والتَّنورَ إذا أخذ منه ويقرب أصحابه ثم ينزع، فلم يزل يكسر الخبز ويغرف حَتَّى شبعوا وبقي بقية قال: "كلي هذا أو اهدي, فإن النَّاسَ أصابتهم مجاعةٌ)!.4

وعن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري، حَدَّثني أبي, قَالَ: (كنا مع رَسُولِ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلم- في غزوةٍ، فأصاب النَّاسَ مخمصةٌ، فاستأذن النَّاسُ رَسُولَ اللهِ في نحرِ بعضِ ظُهُورِهِم، وقالُوا: يبلغنا الله به. فما رأى عمر أنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلم- قد هَمَّ أنْ يأذنَ لهم في نحرِ بعضِ ظُهُورِهِم، قَالَ: يا رَسُولَ اللهِ, كيف بنا إذا نحن لقينا القومَ غداً جياعاً أو رجالاً؟ ولكن إنْ رأيتَ يا رَسُولَ اللهِ أنْ تدعوَ لنا ببقايا أزوادِهم فنجمعُها، ثم تدعو الله فيها بالبركة فإن الله-تبارك وتعالى-سيبلغنا بدعوتك، أو قال: سيُبارك لنا في دعوتك. فدعا النَّبيُّ -صلى اللهُ عليهِ وسلم- ببقايا أزوادِهم، فجعل النَّاسُ يجيئون بالحثيةِ من الطَّعامِ وفوق ذلك، وكان أعلاهم مَنْ جاء بصاعٍ من تمرٍ، فجمعها رَسُولُ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلم- ثُمَّ قَامَ, فَدَعَا ما شاء اللهُ أنْ يدعوَ، ثم دعا الجيشَ بأوعيتِهم فأمرهم أنْ يحتثوا فما بقي في الجيش وعاء إلا ملأه، فضحكَ رَسُولُ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلم- حَتَّى بدتْ نَوَاجِذُهُ، فقال: "أشهد أن لا إله إلا الله، وأني رَسُولُ اللهِ لا يلقى الله عبدٌ مؤمنٌ بهما إلا حُجبتْ عنه النَّارُ يومَ القيامةِ")5.

وعن دكين بن سعيد الخثعمي قال: أتينا رَسُولَ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلم-, ونحن أربعون وأربعمائة نسألُهُ الطَّعامَ. فَقَالَ النَّبيُّ -صلى اللهُ عليهِ وسلم- لعُمَرَ: "قُمْ فأعطهم". قَالَ: يا رسُولَ اللهِ, ما عندي إلا ما يقيظني والصبية! (قال وكيع: القيظ: في كلام العرب أربعة أشهر) قال: "قُم فأعطهم". قال عمر: يا رسُولَ اللهِ, سَمْعَاً وطَاعةً. قال: فقام عمر وقمنا معه فصعد بنا إلى غُرْفةٍ له, فأخرج المفتاحَ من حِجْزتِهِ, ففتحَ البابَ. قال دُكينٌ: فإذا بالغرفة شبيه بالفصيل الرابض. قال: شأنكم، قال: فأخذ كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا حاجتَهُ ما شاء. قال: ثم التفتُّ, وإني لمن آخرِهم, وكأنا لم نُرزأ منه تمرة!)6.

عن مجاهد -رحمه الله- أن أبا هُرَيْرةَ -رضي الله عنه- كان يقول: (واللهِ الذي لا إله إلا هو, إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، وإن كنت لأشدُّ الحجرَ على بطني من الجوعِ، ولقد قعدتُ يوماً على طريقِهم الذي يخرجُون منه، فمرَّ أبو بكرٍ فسألتُهُ عن آية من كتاب الله ما سألته إلا ليشبعني, فمرَّ فلم يفعل، ثم مَرَّ أبو القاسم -صلى اللهُ عليهِ وسلم- فتبسَّمَ حين رآني، وعرف ما في نفسي وما في وجهي، ثم قال: "يا أبا هِرٍّ", قلتُ: لبيك يا رَسُولَ اللهِ. قال: "الحقْ"، ومضى فتبعته، فدخل فاستأذن فأذن لي، فدخل فوجد لبناً في قَدَحٍ فقال: "من أين هذا اللبن؟" قالوا: أهداه لك فلانٌ أو فلانةٌ. قال: "أبا هِر!" قلت: لبيك يا رسُولَ اللهِ. قال: "الحقْ إلى أهل الصُّفَّةِ, فادعُهم لي"!، قال: وأهل الصُّفَّةِ أضيافُ الإسلامِ لا يأوون على أهل ولا مال، ولا على أحد إذا أتته (صدقة) أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها، فساءني ذلك، فقلت: وما هذا اللبن في أهل الصُّفَّةِ؟! كنتُ أحقَّ أنْ أُصيبَ مِنْ هذا اللَّبنِ شَرْبةً أتقوَّى بها. فإذا جاءوا أمرني فكنت أُعطيهم، وما عسى أنْ يبلغني من هذا اللبن، ولم يكن من طاعةِ اللهِ وطاعةِ رسولهِ بُدٌّ، فأتيتُهم، فدعوتُهم، فأقبلُوا فاستأذنُوا فأذنَ لهم، وأخذُوا مجالسَهُم من البيتِ. قال: "يا أبا هِر" قلت: لبيك يا رسُولَ اللهِ. قال: "خُذْ فأعطيهم"، فأخذت القدح فجعلت أعطيه الرجل فيشرب حَتَّى يروى، ثم يرد عليَّ القدح، فأعطيه الرجل فيشرب حَتَّى يروى، ثم يرد القدح، حَتَّى انتهيت إلى النَّبيِّ -صلى اللهُ عليهِ وسلم-, وقد رَوَى القومُ كُلُّهم، فأخذ القدح ثم وضعه على يدِهِ، فنظر إليَّ فتبسم. فقال: "أبا هر!". قلت: لبيك يا رسُولَ اللهِ. قال: "بقيت أنا وأنت". قلت: صدقت يا رسول الله، قال: "اقْعُدْ فاشرب"، فقعدتُ فشربتُ، فقال: "اشربْ" فشربتُ، فما زال يقول: "اشربْ" حَتَّى قلتُ: لا والذي بعثَكَ بالحقِّ ما أجدُ له مَسْلَكَاً، قال: "فأرني" فأعطيته القدحَ, فحمد الله, وسَمَّى, وشَرِبَ الفضلةَ)!.7

وعن عبيد الله بن إياد بن لقيط بن قيس بن النعمان, قالَ: (لمَّا انطلقَ النَّبيُّ -صلى اللهُ عليهِ وسلم- وأبو بكر مُستخفينَ مَرَّا (بعبد) يرعى غَنَماً فاستسقياه من اللَّبنِ, فَقَالَ: ما عندي شاةٌ تحلبُ, غير أن هاهنا عَنَاقَاً حملت أول الشتاء، وقد (أخرجت) وما بقي لها لبنٌ. فقال: "ادعُ بها"، فدعا بها فاعتقلها النَّبيُّ -صلى اللهُ عليهِ وسلم- ومَسَحَ ضَرْعَها، ودعا حَتَّى أنزلت. قال: وجاء أبو بكر-رَضيَ اللهُ عَنْهُ- بمحجن فحلب، فسقى أبا بكر، ثم حَلَبَ فسقى الرَّاعي، ثم حلب فشرب، فقال الرَّاعي: بالله من أنت! فوالله ما رأيت مثلك قط؟ قال: "أو تراك تكتم عليَّ حَتَّى أخبرك؟" قال: نعم. قال: "فإني مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ". فَقَالَ: أنت الذي تزعمُ قُريشٌ أنَّهُ صابئٌ؟ قال: "إنهم ليقولون ذلك". قال: فأشهد أنك نبيٌّ، وأشهد أنَّ ما جئتَ به حقٌّ، وأنه لا يفعل ما فعلت إلا نبيٌّ, وأنا متبعك. قال: "إنك لا تستطيعُ ذلك يومك، فإذا بلغك أني قد ظهرت فأتنا")8.

وعن أبي هُرَيْرةَ-رَضيَ اللهُ عَنْهُ-, قال: (أتيتُ النَّبيَّ -صلى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -يوماً بتمرات، فقلت: ادعُ الله لي فيهن بالبركة. قال: فصفهن بين يديه. قال: ثم دعا فقال لي: "اجعلهن في مزود وأدخل يدك ولا تنثره". قال: فحملت منه كذا وكذا وسقاً في سبيل الله، ونأكل ونطعم، وكان لا يفارق حقوي، فلما قُتِلَ عثمانُ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ- انقطعَ عن حقوي فسقط)9.

ومن دلائل النُّبوُّة: البركةُ في الماءِ القليلِ:

عن أنس بن مالك-رَضيَ اللهُ عَنْهُ-, قال: (خرج النَّبيُّ -صلى اللهُ عليهِ وسلم- في بعض مخارجِهِ, ومعه ناس من أصحابه، فانطلقوا يسيرون, فحضرتِ الصَّلاةُ فلم يجدُوا ماءً يتوضأون، فانطلق رجلٌ من القوم, فجاء بِقَدَحٍ من ماءٍ يسيرٍ، فأخذه النَّبيُّ -صلى اللهُ عليهِ وسلم- فتوضَّأَ، ثم مَدَّ أصابعَهُ الأربعَ على القَدَحِ، ثم قال: "قُومُوا فتوضَّأوا"، فتوضَّأ القومُ حَتَّى بلغُوا فيما يُريدون من الوضوءِ, وكانُوا سبعينَ أو نحوه)10.

وعن أبي رجاء عن عمران, قال: (كنا في سَفَرٍ مع النَّبيِّ -صلى اللهُ عليهِ وسلم-, وإنا أسرينا حَتَّى إذا كنا في آخرِ اللَّيلِ, وقعنا وقعةً ولا وقعة أحلى عند المسافر منها، فما أيقظنا إلا حَرُّ الشَّمسِ، وكان أول مَنِ استيقظَ فُلانٌ، ثم فُلانٌ، ثم فُلانٌ، -يُسمِّيهم رجاء، فنسي عوف- ثم عمر بن الخطاب الرابع، وكان النَّبيُّ -صلى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -إذا نامَ لم يُوقظْ حَتَّى يكون هو يستيقظُ؛ لأَنَّا لا ندري ما يحدثُ له في نومِهِ. فلمَّا استيقظَ عُمَرَ ورأى ما أصابَ النَّاسَ, وكانَ رَجُلاً جَلِيداً، فكبَّر ورفع صوتَهُ بالتَّكبيرِ, فما زالَ يُكبِّرُ ويرفع صوتَهُ بالتَّكبيرِ, حَتَّى استيقظَ بصوتِهِ النَّبيُّ -صلى اللهُ عليهِ وسلم-, فلمَّا استيقظَ شكوا إليه الذي أصابَهم، قَالَ: "لا ضَيْرَ" أو "لا يَضِيرُ، ارتحلوا". فارتحل فسار غير بعيد، ثم نزل فدعا بالوضوء فتوضأ، ونُودي بالصلاة فصلى بالناس، فلما انفتل من صلاته إذا هو برجل معتزل لم يصلِّ مع القوم، قال: "ما منعك يا فلان أن تصليَ مع القوم؟" قال: أصابتني جنابةٌ ولا ماء. قال: "عليكَ بالصَّعيد فإنه يكفيك". ثم سار النَّبيُّ -صلى اللهُ عليهِ وسلم- فاشتكى إليهِ النَّاسُ مِنَ العطشِ، فنزل فدعا فلاناً -كان يسميه أبو رجاء نسيه عوف-، ودعا علياً، فقال: "اذهبا فابتغيا الماء"، فانطلقا فتلقيا امرأة بين مزادتين أو سطيحتين من ماء على بعيرٍ لها. فقالا لها: أين الماء؟ قالت: عهدي بالماء أمس هذه الساعة ونفرنا خلوفاً، قالا لها: انطلقي إذاً. قالت: إلى أين؟ قالا: إلى رَسُولِ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلم-. قالت: الذي يُقال له الصَّابئ؟ قالا: هو الذي تعنين. فانطلقي، فجاءا بها إلى النَّبيِّ -صلى اللهُ عليهِ وسلم- (وحدثنا الحديث). قال: فاستنزلوها عن بعيرها ودعا النَّبيُّ -صلى اللهُ عليهِ وسلم- بإناء ففرغ فيه من أفواه المزادتين أو السطيحتين، وأوكأ أفواههما، وأطلق العزالي ونُودي في الناس اسقُوا واستقوا، فسقي مَن شَاءَ واستقى مَنْ شَاءَ، وكان آخر ذاك أنْ أعطي الذي أصابته الجنابة إناء من ماء قال: اذهب فأفرغه عليك، وهي قائمة تنظر إلى ما يُفعل بمائها. وأيم الله لقد أقلعَ عنها، وإنه ليُخيَّلُ إلينا أنَّها أشد ملاءة منها حين ابتدأ فيها، فقال النَّبيُّ -صلى اللهُ عليهِ وسلم-: "اجمعُوا لها من بين عجوة، ودقيقة، وسويقة" حَتَّى جمعُوا لها طعاماً، فجعلوها في ثوبٍ، وحملوها على بعيرِها، ووضعُوا الثَّوبَ بين يديها. قال لها: "تعلمين ما رزئنا من مائك شيئاً، ولكن الله هو الذي أسقانا"، فأتت أهلَها وقد احتبستْ عنهم، قالوا: ما حبسكِ يا فلانة؟ قالت: العجب لقيني رجلانِ, فذهبا بي إلى هذا الذي يُقال له الصابئ، ففعل كذا وكذا، فوالله إنه لأسحرُ الناس من بين هذه وهذه، وقالت: بإصبعيها الوسطى والسبابة، فرفعتهما إلى السَّماءِ، تعني السماء والأرض, أو إنه لرسُولُ اللهِ حَقَّاً. فكان المسلمون بعد ذلك يُغيرون على مَن حولها من المشركين ولا يُصيبون الصرم الذي هي منه، فقالت يوماً لقومها: ما أرى أنَّ هؤلاء القوم يدعونكم عَمْداً، فهل لكم في الإسلام؟ فأطاعُوا فدخلوا في الإسلام)11.

وعن علقمة, عن عبد الله -رضي الله عنه- قال: (كنا نعدُّ الآيات بركةً، وأنتم تعدُّونها تَخِويفاً، كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلم- في سَفَرٍ فقلَّ الماءُ, فقالُوا: اطلبوا فَضْلةً من ماء فجاءوا بإناءٍ فيه ماءٌ قليلٌ، فأدخل يدَهُ في الإناء, ثم قال: "حي على الطهور المبارك، والبركة من الله"، فلقد رأيت الماء ينبعُ من بين أصابعِ رَسُولِ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلم-، ولقد كُنَّا نسمعُ تسبيحَ الطَّعامِ, وهُو يُؤكَلُ)12.

هذه القصص المذكورة والأحاديث المنشورة تبين لنا عظمة هذا الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-، وأنه رسول رب العالمين حقاً، فتلك الأمور لا يمكن لغيره أن يفعلها، ولم ينقل عن أحد من غير الأنبياء فعل ذلك. وتلك الأحداث والمواقف تزيد المرء إيماناً إلى إيمانه، وحباً لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتقديراً له وقوة في التمسك بشرعه.

نسأل الله أن يهدينا إلى الحق وأن يثبتنا عليه ويميتنا عليه، ونعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن..

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

1 - البخاري-الفتح (4/403) رقم (1217) كتاب البيوع – باب الكيل على البائع والمعطي.

2 -البخاري- (5/272) رقم (2618) كتاب الهبة-باب قبول الهدية من المشركين.

3 - البخاري– مع الفتح (6/678) رقم (3578)– كتاب المناقب – باب علامات النُّبوُّة في الإسلام.

4 - البخاري- الفتح (7/456) رقم (4101)- كتاب المغازي – غزوة الخندق وهي الأحزاب.

5 - حديث صحيح ورجاله ثقات, مُسند أحمدَ (ج3 ص417): - كتاب مسند المكيين- باب حديث أبي عمرة الأنصاري. وأصل الحديث في صحيح مسلم برقم (27).

6 - مُسند أحمدَ(ج4 ص174): – كتاب الشاميين- باب حديث دكين بن سعيد الخثعمي عن النَّبيِّ.

7 - البخاري – الفتح (11/286) رقم (6452)كتاب الرقاق- باب كيف كان عيشُ النَّبيِّ -صلى اللهُ عليهِ وسلم- وأصحابه وتخلِّيهم من الدُّنيا.

8 - أخرجه الطبراني في المعجم الكبير برقم (874)، والحاكم في المستدرك برقم (4273). وقال الذهبي في التلخيص: (صحيح).

9 - رواه الإمام أحمد في مسنده برقم (8613)، واللفظ له، ورواه الترمذي في سننه برقم (3839)، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي برقم (3015).

10 - البخاري- الفتح(6/672)رقم (3574)- كتاب المناقب – باب علامات النُّبوُّة في الإسلام.

11 - البخاري – الفتح(1/533) رقم (344) . كتاب التيمم – باب الصعيد الطيب وضوء المسلم يكفيه من الماء.

12 - البخاري- الفتح(6/679) رقم (3579) .كتاب المناقب- باب علامات النُّبوُّة في الإسلام. =========

قد تظافرت الأدلة الشرعية والعقلية والكونية والفطرية على أن محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم- رسول من عند الله، ولا يشك في ذلك مسلم بحمد الله، كيف لا، ولا يمكن أن يثبت قدم الإسلام لأحد إلا بعد أن يشهد إلا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله! ولكن ما نذكره في هذا الموضوع ما هو إلا ذكرى لمن يتذكر، وعبر لمن أراد الهداية والرشاد إلى الطريق القويم، وإضاءة يستضيء بها المؤمنون، ويتزودوا بها من الإيمان ما يوصلهم إلى الغاية التي أراد الله لهم سبحانه وتعالى. فإلى ذكر شيء قليل بما يسمح به المقال القصير من دلائل صدق الرسالة المحمدية على صحابها أفضل الصلاة والسلام.

فيمن شفاه الله ببركة النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- أو بارك الله فيه وجمَّله:

عن البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: (بعث رسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- إلى أبي رافعٍ اليهوديِّ رِجَالاً من الأنصارِ، فأمَّرَ عليهم عبدَ اللهِ بن عَتِيك، وكان أبو رافع يُؤْذِي رَسُولَ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- ويُعِينُ عَلَيْهِ، وكان في حصنٍ له بأرضِ الحجازِ، فلمَّا دَنَوا منه –وقد غربتِ الشَّمسُ, ورَاحَ النَّاسُ بسرحِهم-, فقال عبدُ الله لأصحابِهِ: اجلسوا مكانكم، فإني منطلقٌ ومتلطف للبواب لعلي أن أدخل. فأقبل حَتَّى دَنَا من البابِ، ثم تقنَّعَ بثوبِهِ كأنه يقضي حاجةً، وقد دخل النَّاسُ فهتفَ به البوابُ: يا عبدَ اللهِ, إنْ كنتَ تريدُ أنْ تدخلَ فادخل، فإني أريد أنْ أُغلق الباب. فدخلت فكمنت، فلما دخل الناس أغلق الباب، ثم علق الأغاليق على وتد. قال: فقمت إلى الأقاليد فأخذتها ففتحت الباب، وكان أبو رافع يُسمر عنده – وكان في علالي له- فلما ذهب عنه أهل سمره صعدت إليه، فجعلت كلما فتحت باباً أغلقت على من داخل، قلت: إنِ القوم نذروا بي لم يخلصوا إلي حَتَّى أقتله. فانتهيت إليه فإذا هو في بيت مظلم وسط عياله، لا أدري أين هو من البيت، فقلت: أبا رافع. قال: من هذا؟ فأهويت نحو الصوت فأضربه ضربة بالسيف وأنا دَهِشٌ، فما أغنيتُ شيئاً وصاح، فخرجت من البيت فأمكث غير بعيد، ثم دخلت إليه فقلت: ما هذا الصوت يا أبا رافع؟ فقال: لأُمِّك الويلُ، إنَّ رجلاً في البيت ضربني قبل بالسيف. قال: فأضربه ضربة أثخنته ولم أقتله، ثم وضعت ضبيب السيف في بطنه حَتَّى أخذ في ظهره فعرفت أني قتلته، وجعلت أفتح الأبواب باباً باباً حَتَّى انتهيت إلى درجة له، فوضعت رجلي وأنا أرى أني قد انتهيت إلى الأرض، فوقعت في ليلة مقمرة فانكسرت ساقي فعصبتها بعمامة، ثم انطلقت حَتَّى جلست على الباب، فقلت: لا أخرج الليلة حَتَّى أعلم أقتلته. فلما صاح الديك قام النَّاعي على السور، فقال: أنعى أبا رافع تاجرَ أهلِ الحجازِ، فانطلقت إلى أصحابي، فقلت: النجاء, فقد قتل اللهُ أبا رافع، فانتهيتُ إلى النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- فحدَّثتُهُ, فَقَالَ لي: "ابسطْ رِجْلَكَ"، فبسطتُ رِجْلي فَمَسَحَها فكأنها لم أشتكها قَطُّ)1.

وقال البخاري: حدثنا المكي بن إبراهيم، حدثنا يزيد بن أبي عبيد قال: (رأيتُ أثر ضربةٍ في ساق سلمة، فقلت: يا أبا مسلم ما هذه الضربة؟! فقال: هذه ضربة أصابتني يوم خيبر، فقال الناس: أُصيب سلمة؟ فأتيت النَّبيَّ- صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-فنفث فيه ثلاثَ نفثاتٍ, فما اشتكيتها حَتَّى الساعة)2.

وعن سعدِ بن أبي وقاص -رضي الله عنه- قال: (أمر معاويةُ بن أبي سفيان سَعْداً, فقال: ما منعك أنْ تسبَّ أبا تراب؟! فقال: أما ذكرت ثلاثاً قالهن رسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- فلن أسبه؛ لأنْ تكونَ لي وَاحِدةٌ منهن أحبُّ إليَّ مِنْ حُمر النعم؛ سمعت رسُولَ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - يقول له خلفه في بعض مغازيه، فقال علي: يا رسُولَ اللهِ, أخلفتني مع النِّساءِ والصِّبيان؟, فقالَ له رسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ إلا أنه لا نبوةَ بعدي"). وسمعته يقول يوم خيبر: "لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، قال: فتطاولنا لها فقال: ادعوا علياً، فأتى به أرمد فبصق في عينيه ودفع الراية إليه، ففتح الله عليه)3.

والشاهد في هذا: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بصق في عيني علي -رضي الله عنه- فشفي وقاتل الأعداء، وقد جاء في رواية: (فبصق في عينيه ودعا له، فبرأ كأن لم يكن به وجع)4.

ومن دلائل النُّبوُّة إخباره - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - عن أمور مغيبة فوقعت كما أخبر:

عن أبي هُرَيْرةَ-رَضيَ اللهُ عَنْهُ- قال: (إن رسُول اللهِ- صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه، خرج إلى المصلى فصف بهم وكبر أربعاً)5.

والشاهد في هذا: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخبر بموت النجاشي في نفس اليوم الذي مات فيه، فدل على أن الخبر جاءه من عند الله الذي يعلم ما يجري في الكون؛ فيكون ذلك دلالة عظيمة على نبوته -صلى الله عليه وسلم-، ولو أخبره أحد لاستغرق وصول الخبر إليه أياماً كثيرة؛ لبعد المسافة بين المدينة والحبشة؛ ولبطء وسائل النقل والسفر في ذلك الحين.

وعن علي- رَضيَ اللهُ عَنْهُ -قال: (بعثني رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- أنا والزبير، والمقداد بن الأسود، وقال: "انطلقوا حَتَّى تأتوا روضة خاخ، فإن بها ظعينة ومعها كتاب فخذوه منها"، فانطلقنا تعادى بنا خيلنا حَتَّى انتهينا إلى الروضة، فإذا نحن بالظعينة، فقلنا: أخرجي الكتاب. فقالت: ما معي من كتاب، فقلنا: لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب، فأخرجته من عقاصها فأتينا به رسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسُول اللهِ- صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- فقال رسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: "يا حاطب ما هذا؟" قال: يا رسُولَ اللهِ لا تعجل عليَّ، إني كنت امرأ ملصقاً في قريش، ولم أكن من أنفسها، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة يحمون بها أهليهم وأموالهم، فأحببت إذا فاتني ذلك من النسب فيه أن أتخذ عندهم يداً يحمون بها قرابتي، وما فعلت كفراً، ولا ارتداداً، ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام. فقال رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: "قد صدقكم". فقال عمر: يا رسُولَ اللهِ دعني أضرب عنق هذا المنافق. قال: "إنه قد شهد بدراً، وما يدريك لعل الله أن يكون قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم")6.

فأخبر الله رسوله -صلى الله عليه وسلم- بإرسال الكتاب، ومكان وجود المرأة.

وعن أنس -رضي الله عنه-: (أن رسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان قال: فتكلم أبو بكر فأعرض عنه، ثم تكلم عمر فأعرض عنه، فقام سعد بن عبادة فقال: إيانا تريد يا رسُولَ اللهِ. والذي نفسي بيده لو أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها، ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد لفعلنا. قال: فندب رسُول اللهِ- صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- فانطلقوا حَتَّى نزلوا بدراً. ووردت عليهم روايا قريش وفيهم غلام أسود لبني الحجاج فأخذوه، فكان أصحاب رسُول اللهِ- صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- يسألونه عن أبي سفيان، وأصحابه فيقول: ما لي علم بأبي سفيان، ولكن هذا أبو جهل، وعتبة، وشيبة، وأمية بن خلف. فإذا قال ذلك ضربوه، فقال: نعم. أنا أخبركم، هذا أبو سفيان، فإذا تركوه فسألوه فقال: ما لي بأبي سفيان علم، ولكن هذا أبو جهل، وعتبة، وشيبة، وأمية بن خلف في الناس، فإذا قال هذا أيضاً ضربوه ورسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- قائم يصلي، فلما رأى ذلك انصرف، وقال: "والذي نفسي بيده لتضربوه إذا صدقكم وتتركوه إذا كذبكم". قال: فقال رسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: "هذا مصرع فلان". قال: ويضع يده على الأرض ههنا وههنا. قال: فما ماط أحدهم عن موضع يد رسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-)7.

فأخبر -صلى الله عليه وسلم- بمواضع قتل المشركين، فكان كما أخبر، فلم يمل أحدهم عن المكان الذي أشار إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهذه علامة من علامات نبوته ورسالته -صلى الله عليه وسلم-.

في إجابته عن أسئلة أهل الكتاب وغيرهم بما يُسكتهم:

عن علقمة بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: (بينا أنا أمشي مع النَّبيّ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- في خراب المدينة، وهو يتوكأ على عسيب معه، فمر بنفر من اليهود، فقال بعضهم لبعض: سلوه عن الروح، وقال بعضهم: لا تسألوه لا يجيء فيه بشيء تكرهونه، فقال بعضهم: لنسألنه. فقام رجل منهم فقال: يا أبا القاسم ما الروح؟ فسكت: فقلت: إنه يوحى إليه، فقمت فلما انجلى عنه قال: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} (85) سورة الإسراء. قال الأعمش هكذا في قراءتنا.8

وعن ابن عباس -رَضيَ اللهُ عَنْهُما- قال: (قالت قريش لليهود: أعطونا شيئاً، نسأل عنه هذا الرجل، فقالوا: سلوه عن الروح {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} قالوا: أوتينا علماً كثيراً، وأوتينا التوراة، ومن أوتي التوراة فقد أوتي خيراً كثيراً. قال فأنزل الله - عَزَّ وجَلَّ -: {قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} (109) سورة الكهف.9

وعن أنس بن مالك -رَضيَ اللهُ عَنْهُ-: (أن النَّبيَّ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- خرج حين زاغت الشمس، فصلى الظهر، فلما سلم قام على المنبر فذكر الساعة وذكر أن بين يديها أموراً عظاماً، ثم قال: "من أحب أن يسأل عن شيء فليسأل عنه فوالله لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم به ما دمت في مقامي هذا"، قال أنس: فأكثر الناس البكاء، وأكثر أن يقول رسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: "سلوني". فقال أنس: فقام إليه رجل فقال: أين مدخلي يا رسُولَ اللهِ؟ قال: "النَّار"!، فقام عبد الله بن حُذافة، فقال: من أبي يا رسُولَ اللهِ؟ فقال: "أبوك حُذافة". قال: ثم أكثر أن يقول: "سلوني سلوني"، فبرك عمر على ركبتيه، فقال: رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، ومُحَمَّد-صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-رسولاً. قال: فسكت رسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -حين قال عُمَرُ ذلك، ثم قال رسُولُ اللهِ: "والذي نفسي بيده لقد عُرضت عليَّ الجَنَّة والنَّار آنفاً في عرض هذا الحائط، وأنا أصلي، فلم أرَ كاليوم في الخيرِ والشَّرِّ)10.

عن ثوبانَ مولى رسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -قال: (كنتُ قائماً عند رسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- فجاء حَبْرٌ من أحبارِ اليهودِ, فقال: السَّلامُ عليكَ يا مُحَمَّدُ، فدفعتُهُ دفعةً كاد يُصرعُ منها، فقال: لم تدفعني؟ فقلت: ألا تقول يا رسُولَ اللهِ؟ فقال اليهودي: إنما ندعوه باسمه الذي سمَّاهُ به أهلُهُ، فقال رسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: "إن اسمي مُحَمَّد الذي سماني به أهلي". فقال اليهودي: جئت أسألك. فقال رسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: "أينفعك شيء إن حدثتك"؟ قال: أسمع بأذني، فنكت رسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- بعود معه، فقال: "سل!". فقال اليهودي: أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات؟ فقال رسُول اللهِ- صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: "هم في الظلمة دون الجسر"، قال: فمن أول الناس إجازة؟ قال: "فقراء المهاجرين". قال اليهودي: فما تحفتهم حين يدخلون الجَنَّة؟ قال: "زيادة كبد النون"، قال: فما غذاؤهم على أثرها؟ قال: "ينحر لهم ثور الجَنَّة الذي كان يأكل من أطرافها"، قال: فما شرابهم عليه؟ قال: "من عين فيها تسمى سلسبيلاً". قال: صدقتَ. قال: وجئتُ أسألك عن شيء لا يعلمه أحد من أهل الأرض إلا نبي أو رجل أو رجلان. قال: "ينفعك إن حدثتك؟" قال: اسمع بأذني. قال: جئت أسألك عن الولد. قال: "ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر، فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة أذكرا بإذن الله، وإذا علا مني المرأة مني الرجل أنثا بإذن الله". قال اليهودي: لقد صدقت وإنك لنبي. ثم انصرف فذهب، فقال رسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: "لقد سألني هذا عن الذي سألني عنه، ومالي علم بشيء منه حَتَّى أتاني الله به")11.

وفي هذا الحديث من الدلالات ما لا يخفى إلا على عديم العقل أو معتوه، وما أخس طبع اليهود من عهد موسى -عليه السلام- إلى اليوم!، فهذا اليهودي يسأل عن أشياء فيجيبه عليها الرسول -صلى الله عليه وسلم- كأنها رأي العين، ومع هذا يكون الرد على تلك الأجوبة بارداً: صدقت وإنك لنبي!، ولم يقل حينما رأى الحق ينطق: أشهد أنك رسول الله جئت بالحق الذي وافق ما عندنا من التوراة. ثم إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أفحم هذا اليهودي بتلك الإجابات التي علمه الله إياها، وكان قصد اليهود من ذلك إعجازه وإضعافه أمام أصحابه، وأنى لهم ذلك!!.

وعن أبي هُرَيْرةَ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ- قال: (لما فتحت خيبر أهديت لرسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- شاة فيها سم، فقال رسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: "اجمعوا لي من كان هاهنا من اليهود"، فجمعوا له فقال لهم رسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: "إني سائلكم عن شيء فهل أنتم صادقوني عنه؟" فقالوا: نعم يا أبا القاسم، فقال لهم رسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: "من أبوكم؟" قالوا: أبونا فلان، فقال رسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: "كذبتم بل أبوكم فلان"، فقالوا: صدقت وبررت. فقال لهم: "هل أنتم صادقوني عن شيء إن سألتكم عنه"، فقالوا: نعم يا أبا القاسم! وإن كذبنا عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا. قال لهم رسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: "من أهل النَّار؟" فقالوا: نكون فيها يسيراً ثم تخلفوننا فيها!! فقال لهم رسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: "اخسئوا فيها، والله لا نخلفكم فيها أبداً". ثم قال لهم: "هل أنتم صادقوني عن شيء إن سألتكم عنه؟" قالوا: نعم. فقال: "هل جعلتم في هذه الشاة سماً؟" فقالوا: نعم. فقال: "ما حملكم على ذلك؟" فقالوا: أردنا إن كنت كاذباً نستريح منك، وإن كنت صادقاً لم يضرك)12.

وهذا يدل أيضاً على لؤم اليهود وبهتهم، فقد سألهم عن أمور لا يعلمها إلى نبي، وأخبرهم بأن الشاة مسمومة، ومع كل ما ظهر لهم من الآيات الدالة على صدق نبوته، لم تزل قلوبهم قاسية، نعوذ بالله من ذلك، ويدل على ذلك قولهم: "وإن كنت صادقاً لم يضرك!"، فلم يشهدوا برسالته مع رؤيتهم ما تيقن في قلوبهم من أنه رسول الله!.

وعن البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: (مرَّ على النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- يهوديٌّ مُحمَّماً مجلوداً فدعاهم -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-, فقال: "هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟" فقالوا: نعم. فدعا رجلاً من علمائهم فقال: "أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟" قال: لا. ولو أنك نشدتني بهذا لم أخبرك، نجده الرجم، ولكنه كثر في أشرافنا فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه، وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد!. قلنا: تعالوا فلنجتمع على شيء نقيمه على الشريف، فجعلنا التحميم والجلد مكان الرجم!!، فقال رسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: "اللهم إني أول من أحيا أمرك إذا أماتوه")، فأمر به فرجم فأنزل الله: {يَا أَيُّهَا الرَّسُول لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}. يقول: ائتوا مُحَمَّداً -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- فإن أمركم بالتحميم والجلد فخذوه، وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا، فأنزل الله -تعالى-: {ومن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}، {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}، {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} في الكفار كلها)13.

نسأل الله أن يرزقنا الثبات على الإسلام، وأن يتوفانا عليه، وأن يهدي الضالين عنه، {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلَتْ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} (53) سورة آل عمران.

1 - البخاري -الفتح (6/180) رقم (3023/3022) كتاب الجهاد والسير- باب قتل النائم المشرك.

2 - البخاري – الفتح (7/542) رقم(4206) -كتاب المغازي- باب غزوة خيبر.

3 - صحيح مسلم (4/1870) رقم (2404) -كتاب فضائل الصحابة- من فضائل علي بن أبي طالب. واللفظ لمسلم.

4 - في البخاري برقم (2847)، ومسلم برقم (2406).

5 - البخاري- الفتح (3/139) رقم (1245) – كتاب الجنائز – باب الرجل ينعي إلى أهل الميت بنفسه.

6 - البخاري - الفتح (12/317) رقم (6939) -كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم - باب ما جاء في المتأولين.

7 - صحيح مسلم (3/1453) رقم (1779) . كتاب الجهاد والسير- باب غزوة بدر.

8 - البخاري- الفتح (1/270 ) رقم(125) كتاب العلم – باب قول الله ((وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً)).

9 - رواه الإمام أحمد في مسنده (ج1/ص255) كتاب مسند بن هاشم – باب بداية مسند عبد الله بن العباس. قال الشيخ مقبل الوادعي: هذا حديث صحيح الإسناد ورجاله ثقات مشهورون. فقد أخرج الشيخان لقتيبة، ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة، وأخرج مسلم لداود بن أبي هند، وأخرج البخاري لعكرمة.

10 - البخاري- الفتح (2/27) رقم (540) كتاب مواقيت الصلاة – باب وقت الظهر عند الزوال.

11 - صحيح مسلم (1/252) رقم (315) – كتاب الحيض– باب صفة مني الرجل والمرأة.

12 - البخاري- الفتح (10/255) رقم (4249) كتاب الطب – باب ما يذكر في سمَّ النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-.

13 - صحيح مسلم (3/1326) رقم الحديث (1699)- كتاب الحدود– باب رجم اليهود أهل الذمة في الزنا. =========

ما جاء في مسائل اليهوديين ومعرفتهما بصدق النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - في نبوته:

عن صفوان بن عسال قال: (قال يهودي لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا النَّبيّ فنسأله. فقال الآخر: لا تقل نبي فإنه إن سمعك تقول نبي كانت له أربعة أعين فانطلقا إلى النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - فسألاه عن قول الله - عَزَّ وجَلَّ - : {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} (101) سورة الإسراء قال: لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا تزنوا، ولا تسرقوا، ولا تسحروا، ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان فيقتله، ولا تأكلوا الربا، ولا تفروا من الزحف، ولا تقذفوا محصنة – شك شعبة: وعليك خاصة – اليهود - أن لا تعدوا في السبت. فقبلا يديه ورجليه وقالا: نشهد أنك نبي. قال: فما يمنعكما أن تسلما، فقالا: إن داود سأله ربه ألا يزال في ذريته نبي ونحن نخاف إن تبعناك أن تقتلنا اليهود). أخرجه الترمذي (5/ 77) و رقم الحديث (2733) كتاب الاستئذان (باب) ما جاء في قبلة اليد والرجل. نقلاً من دلائل (6/268).

ما جاء في إخبار النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - بأنَّ خيرَ التابعين أُويس القرني:

عن أُسير بن جابر قال: (لما أقبل أهل اليمن جعل عمر - رَضيَ اللهُ عَنْهُ - يستقرئ الرفاق فيقول: هل فيكم أحد من قرنٍ حَتَّى أتى على قرنٍ، فقال: من أنتم؟ قالوا: قرن فوقع زمام عمر أو زمام أويس، فناوله عمر فعرفه بالنعت فقال له عمر: ما اسمك؟ قال: أويس، قال: هل كانت لك والدة؟ قال: نعم! قال: هل بك من البياض شيء؟ قال: نعم! دعوت الله فأذهبه عني إلا موضع الدرهم من سرتي لأذكر به ربي. فقال له عمر: استغفر لي. قال: أنت أحق أن ستستغفر لي، أنت صاحب رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -، فقال عمر: إني سمعت رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - يقول: إن خير التابعين رجل يقال له أويس القرني، وله والدة وكان به بياض فدعا ربه فأذهبه عنه إلا موضع الدرهم في سرته. قال: فاستغفر له وذكر الحديث). مُسند أحمدَ – مسند العشرة المبشرين بالجَنَّة - أول مسند عمر ابن الخطاب.

ما جاء في إخباره بخروج الخوارج وسيماهم والمخدَّج:

عن أبي سعيد الخدري - رَضيَ اللهُ عَنْهُ - قال: (بينا رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - يقسم ذات يوم قَسْماً، فقال ذو الخويصرة – رجل من بني تميم: يا رسُولَ اللهِ أعدل قال: (ويحك) ومن يعدل إذا لم أعدل فقام عمر بن الخطاب فقال: يا رسُولَ اللهِ ائذن لي فأضرب عنقه، فقال: لا.. ألا إن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيءٌ، ثم ينظر إلى قذذِه فلا يوجد فيه شيء، سبق الفرث والدم يخرجون على حين فرقةٍ من الناس آيتهم رجل أدعج إحدى يديه مثل ثدي المرأة، أو مثل البضعة تدردر).

قال أبو سعيد: أشهد لسمعت هذا من رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - وأشهد أني كنت مع علي - رَضيَ اللهُ عَنْهُ - حيث قتلهم فالتُمس في القتلى، وأُتي به على النعت الذي نعت رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - ). البخاري - الفتح (6/714) رقم (3610) - كتاب المناقب – باب علامات النُّبوُّة في الإسلام.

ذكر رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - من قُتل ببدر من المشركين وما في ذلك من دلائل النُّبوُّة:

عن عبد الله بن مسعود قال : (انطلق سعد بن معاذ معتمراً، فنزل على أمية بن خلف بن صفوان، وكان أمية بن خلف إذا انطلق إلى الشام فمر بالمدينة نزل على سعد، فقال أمية لسعد: انتظر حَتَّى إذا انتصف النهار، وغفل الناس انطلقت فطفنا، قال: فبينما سعد يطوف إذا أتاه أبو جهل، فقال من هذا الذي يطوف بالكعبة ؟ فقال سعد: أنا سعد، فقال أبو جهل: أتطوف بالكعبة آمنا، وقد آويتم مُحَمَّداً وأصحابه؟ (قال: نعم) قال: فتلاحيا (بينهما) قال: فقال أمية لسعد: لا ترفع صوتك على أبي الحكم فإنه سيد أهل الوادي قال: فقال له سعد: والله لئن منعتني أن أطوف بالبيت لأقطعنَّ عليك متجرك بالشام، قال : فجعل أمية يقول لسعد: لا ترفع صوتك، وجعل يسكته فغضب سعد، فقال: دعنا منك فإني سمعت مُحَمَّداً - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - يزعم أنه قاتلك قال: إياي ؟ قال: نعم، قال: والله ما يكذب مُحَمَّد. فكاد أن يحدث، فرجع إلى امرأته، فقال: ما تعلمين ما قال أخي اليثربي، قالت: وما قال؟ قال: زعم أنه سمع مُحَمَّداً يزعم أنه قاتلي، قالت: فوا الله ما يكذب مُحَمَّد(1).

إسلام ثعلبة وأسيد ابني سعية، وأسد بن عبيد، وما في ذلك من آثار النُّبوُّة :

· عن عاصم بن عمر، عن شيخ من بني قريظة قال: قدم علينا من الشام رجل يهودي يقال له ابن الهيَّبان، والله ما رأينا رجلاً قط، خيراً منه، فأقام بين أظهرنا فكنا نقول له إذا احتبس المطر: استسق لنا، فيقول: لا والله حَتَّى تخرجوا أمام مخرجكم صدقة، فيقولون: ما ذا ؟ فيقول: صاع من تمر. أو مد من شعير، فنفعل، فيخرج بنا إلى ظاهر حرَّتنا، فوالله ما يبرح مجلسه، حَتَّى تمر بنا الشعاب، تسيل. قد فعل ذلك غير مرة، ولا مرتين، فلما حضرته الوفاة. قال: يا معشر يهود! أما ترونه أخرجني من أرض الخمر والخمير، إلى أرض البؤس والجوع! فقلنا أنت أعلم، قال: أخرجني نبي أتوقعه يبعث الآن في هذه البلدة مهاجرة وأنه يبعث بسفك الدماء، وسبي الذرية فلا يمنعنكم ذلك منه ولا تسبقنَّ إليه ثم مات)(2).

قتل ابن نُبَيْح الهذليَّ، وما ظهر في ذلك من آثار النُّبوُّة بوجود الصدق في خبره:

عن موسى ابن عقبة قال: (بعث رسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - عبد الله بن أنيس السلمي، إلى سفيان ابن نبيح الهذلي، ثم الحياني وهو بعرنة من وراء مكة أو بعرفة، قد اجتمع إليه الناس ليغزو رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - بهم وأمره أن يقتله).

قال عبد الله لرسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - ما نحوه يا رسُولَ اللهِ (انعته لي) قال: إذا رأيته هبته وفرقت منه. قال عبد الله: فما فرقت من شيءٍ قط.

فانطلق عبد الله يتوصل بالناس، ويعترى إلى خزاعة، ويخبر من لقي إنما يريد سفيان ليكون معه، فلقي سفيان وهو يمشي ببطن عُرَنة ووراءه الأحابيش من حاضرة مكة. قال عبد الله فلما رأيته، هبته وفرقت منه فقلت: صدق الله ورسوله ثم كمنت له، حَتَّى إذا هدأ النَّاسُ، اعتررته فقتلته)(3).

ومن دلائل النُّبوُّة ما حدث في غزوة المريسيع من رؤية المشركين للمسلمين من حيث الكثرة وذلك ما جاء في هذا الخبر عن جويرية زوج النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - :

قال الواقدي: حدثنا سعيد بن عبد الله بن أبي الأبيض، عن أبيه، عن جدته، وهي مولاة جويرية، قالت: سمعت جُويرية بنت الحارث، تقول: أتانا رسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - ونحن على المريسيع، فأسمع أبي يقول: أتانا ما لا قِبَلَ لنا به قلت: وكنت أرى من الناس والخيل، والسلاح، ما لا أصف من الكثرة.

فلما أن أسلمت وتزوَّجني رسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ– ورجعنا، جعلت أنظر إلى المسلمين فليسوا كما كنت أرى، فعرفت أنه رعبٌ من اللهِ - عَزَّ وجَلَّ - يلقيه في قلوب المشركين، وكان رجل منهم قد أسلم فحسن إسلامه، يقول: لقد كنا نرى رجالاً بيضاً، على خيولٍ بلق، ما كنا نراهم قبل ولا بعد(4).

من دلائل النُّبوُّة إخبار رسُول اللهِ - عليه الصلاة و سلم أن هبوب الريح إنما كانت لموت عظيم من عظماء الكفر:

عن ابن إسحاق: عن شيوخه الذين روى عنهم قصة بني المصطلق، قالوا: (انصرف رسُول اللهِ حَتَّى إذا كان ببقعاء من أرض الحجاز دون البقيع هبت ريح شديدة، فخافها الناس، فقال رسُول اللهِ: لا تخافوها فإنها هبت لموت عظيم من عظماء الكفر، فوجدوا رفاعة بن زيد بن التابوت، مات في ذلك اليوم، وكان من بني قَيْنُقاع، وكان قد أظهر الإسلام، وكان كهفاً للمنافقين)(5).

ما جاء في نومهم عن الصلاة حَتَّى انصرفوا من خيبر، وما ظهر في ذلك الطَّريق من آثار النُّبوُّة:

عن زيد بن أسلم أنه قال: (عرَّس رسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - ليلة بطريق مكة، ووكَّلَ بلالاً أنْ يُوقظَهم للصلاة, فرقد بلالٌ ورقدوا..... ثم التفت رسُول اللهِ إلى أبي بكر الصديق، فقال: إن الشيطان أتى بلالاً وهو قائم يُصلِّي فلم يزل يهدئه كما يهدي الصبي حَتَّى نام، ثم دعا رسُول اللهِ بلالاً فأخبر بلال رسُول اللهِ مثل الذي أخبر رسُول اللهِ أبا بكر الصديق، فقال أبو بكر: أشهد أنك رسُول اللهِ).(6)

ذكر الرجل الذي قتل رجلاً بعد ما شهد بالحق ثم مات فلم تقبله الأرض وما ظهر في ذلك من آثار النُّبوُّة :

عن البراء بن عبد الله الغنوي، عن الحسن، قال: بلغنا أنَّ رجلاً كان على عهد رسُولِ اللهِ في قتل المشركين...قال: فأنزل الله فيه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} (94) سورة النساء.

فبلغنا أنَّ الرجل مات فقيل يا رسُولَ اللهِ, مات فلانٌ فدفناه فأصبحت الأرض قد لفظته، ثم دفناه فلفظته، فقال: أما إنها تقبل من هو شر منه ولكن الله - عَزَّ وجَلَّ - أراد أن يجعله موعظة لكم ليكلا يقدم رجل منكم على قتل من يشهد أن لا إله إلا الله، أو يقول: إني مسلم. اذهبوا به إلى شِعْبِ بني فلانٍ فادفنُوه، فإنَّ الأرض ستقبله فدفنُوه في ذلك الشِّعبِ).(7)

من دلائل النُّبوُّة ما جاء في إخبار الرَّسُول خالداً بأنه لم يقتل العزى، و لم يكن الرَّسُول يعرفها من قبل :

عن أبي الطُّفيل: قال: (لما فتح رسُول اللهِ مكة بعث خالد بن الوليد إلى نخلة وكانت بها العزى، فأتاها خالد بن الوليد. وكانت على ثلاث سمرات فقطع السمرات، وهدم البيت الذي كان عليها، ثم أتى النَّبيّ فأخبره، فقال: ارجع فإنك لم تصنع شيئاً، فرجع خالد فلما نظرت إليه السدنة وهم حجابها أمعنوا في الجبل وهم يقولون: يا عزة خبليه، يا عزة عوريه، وإلا فموتي برغم، قال: فأتاها خالد فإذا امرأة عريانة ناشرة شعرها تحثو التراب على رأسها، فعممها بالسيف حَتَّى قتلها، ثم رجع إلى النَّبيّ فأخبره فقال: تلك العزى).(8)

من دلائل النُّبوُّة إخبار الرَّسُول بالفرقة المارقة:

عن أبي سعيد عن النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -، قال: (تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين يقتلها أولى الطائفتين بالحق)(9).

وفي هذا والذي قتله أخبر رسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - عن خروجهم قوم فيهم رجل مُخدَّجِ اليدِ عند فرقة من المسلمين، وأنه يقتلهم أولى الطائفتين بالحق، فكان كما قال. خرجوا حين وقعت الفرقةُ بين أهل العراق والشام، وقتلهم أولى الطائفتين بالحقِّ أميرُ المؤمنين على بن أبي طالب - رَضيَ اللهُ عَنْهُ - ووجدوا المُخدَّجَ كما وصف النَّبيُّ, فكان ذلك علامةً من علاماتِ نُبوته التي ظهرتْ بعدَ وفاةِ صاحبِ الرِّسالةِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -.(10)

من دلائل النُّبوُّة إخبار الرَّسُول بأن أبا ذر يمشي وحده، ويموت وحده، ويُبعث وحده، وقد كان كما قال الرَّسُول:

عن عبد الله بن مسعود - رَضيَ اللهُ عَنْهُ - قال: (لما سارَ رسُول اللهِ–صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - إلى تبوك جعل لا يزال يتخلف الرجل، فيقولون: يا رسُولَ اللهِ تخلف فلان، فيقول: دعوه إن يكن فيه خير فسيلحقه الله–تعالى - بكم، وإن يكن غير ذلك فقد أراحكم الله–تعالى - منه حَتَّى قيل : يا رسُولَ اللهِ تخلف أبو ذر، وأبطأ به بعيرُهُ, فقال: ((دعوه إن يكن فيه خير فسيلحقه الله بكم، وإن كان غير ذلك فقد أراحكم الله منه) فيلزم أبو ذر بعيره فلما أبطأ عليه أخذ متاعه فجعله على ظهره، ثم خرج يتبع رسُول اللهِ ما شياً، ونزل رسُول اللهِ في بعض منازله، ونظر ناظر من المسلمين، فقال: يا رسُولَ اللهِ إن هذا الرجل يمشي على الطَّريق، فقال رسُول اللهِ :كن أبا ذر فلما تأمله القوم. قالوا: يا رسُولَ اللهِ هو والله أبو ذر، فقال رسُولُ اللهِ: يرحم اللهُ أبا ذر؛ يَمشي وحده، ويموتُ وحده، ويُبعث وحده).

فضرب الدهر من ضربه، وسير أبو ذر إلى الرَّبَذَة، فلما حضره الموتُ أوصى امرأته وغلامه: إذا مت فاغسلاني وكفناني, ثم احملاني فضعاني على قارعة الطَّريق, فأول ركب يمرون بكم فقولوا: هذا أبو ذر. فلما ماتَ فعلُوا به كذلك, فاطلع ركبٌ فما علموا به حَتَّى كادت ركائبهم توطأ سريرة، فإذا ابن مسعود في رهطٍ من أهل الكوفة، فقال: ما هذا: فقيل: جنازة أبي ذر، فاستهل ابنُ مسعودٍ يبكي، فقال: صدق رسُولُ اللهِ يرحم الله أبا ذر يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده، فنزل فوليه بنفسه حَتَّى أجَنَّهُ)(11).

من الدلائل إخبار النَّبيّ عن وقت إتيانهم عين تبوك وفيما قال لمعاذ فكان كما قال وما في ذلك من آثار النُّبوُّة:

عن عامر بن وائلة أن معاذ بن جبل أخبره أنهم خرجوا مع رسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - عام تبوك فكان رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - يجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، قال: فأخر الصلاة يوماً، ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعاً، ثم دخل، ثم خرج وصلى المغرب والعشاء جميعاً، ثم قال: إنكم ستأتون غداً - إنْ شَاءَ اللهُ - عين تبوك، وإنكم لن تأتوها حَتَّى يضحي النهار فمن جاءها فلا يمس من مائها شيئاً حَتَّى أتي.

قال فجئنا وقد سبق إليها رجلان والعين مثل الشراك تبض بشيء من ماء، فسألهما رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - هل مسستما من مائها شيئاً؟ قالا: نعم، فسبهما وقال لهما ما شاء الله أن يقول، ثم غرفوا من العين قليلاً قليلاً حَتَّى اجتمعَ في شيء، ثم غسل رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - فيه وجهه، ثم أعاده فيها فجرت العين بماء كثير، فاستقى الناس ثم قال رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - : يوشك يا معاذ إنْ طالتْ بك حياةٌ أنْ ترى ماءها هنا قد مُلئ جناناً (أي بساتين وعمراناً).(12)

من دلائل النُّبوُّة قدوم وفد نجران على رسُول اللهِ:

قدم وفدُ نجران على رسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - فلما وجهوا إلى رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - من نجران جلس أبو حارثة على بغلة له موجهاً إلى رسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -، وإلى جنبه أخ له يقال له: كوز بن علقمة يسايره، إذ عثرت بغلة أبي حارثة، فقال له كوز: تعس الأبعد، يريد رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - فقال له أبو حارثة: بل أنت تعست، فقال له: ولم يا أخ؟ فقال: والله إنه للنبي الذي كنا ننتظر، قال له كوز: فما يمنعك وأنت تعلم هذا؟ قال: ما صنع بنا هؤلاء القوم شرفونا، ومولونا، وأكرمونا، وقد أبوا إلا خلافه ولو فعلت نزعوا منا كل ما ترى، فأخمر عليها منه أخوه كوز بن علقمة حَتَّى أسلم بعد ذلك)13.

1 - البخاري – الفتح(6/629) رقم الحديث(3632) - كتاب المناقب - باب علامات النُّبوُّة في الإسلام.

2 - دلائل النُّبوُّة للبيهقي(4/31)

3 - المرجع السابق/4/41/40).

4 - المرجع السابق (4/47)

5 المرجع السابق (4/47)

6 - مالك في الموطأ في كتاب الصلاة (26) باب النوم عن الصلاة. نقلاً من كتاب الدلائل (4/274).

7 - رواه ابن هشام في السيرة(4/237). نقلاً من كتاب الدلائل(4/310).

8 - ذكر هذه السرية ابن سعد (2/145) وابن إسحاق, نقلاً عن الدلائل(5/77).

9 - صحيح مسلم - (2/745) رقم (1064) كتاب الزكاة - باب ذكر الخوارج وصفاتهم.

10 - صحيح مسلم(2/745) رقم 1064) – كتاب الزكاة – باب التحريض على قتل الخوارج.

11 - رواه ابن هشام في السيرة (4/136_ 137) ونقله ابن كثر في التاريخ (5/8) نقلاً من الدلائل (5/221 - 222).

12 - صحيح مسلم 43 كتاب فضائل النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَ سَلَّمَ - 3 باب في معجزات النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَ سَلَّمَ - الحديث (10) , ص(1784) من وجه آخر عن مالك بن أنس, وروي زيادة ماء تلك العين بمضمضته فيها, عن عروة بن الزبير, وقال : هي كذلك حَتَّى الساعة. المرجع /دلائل النُّبوُّة (5/236 - 237)

13 - رواه ابن هشام في السيرة (2/204) ونقله ابن كثير في التاريخ : (5: 56) من الدلائل (5/383). =============

من دلائل النُّبوُّة: إخباره - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - عن جماعة أنهم من أهل الجَنَّة فما نُقل عنهم أنهم غيروا أو بدلوا:

عن أنس بن مالك-رَضيَ اللهُ عَنْهُ-: (أن النَّبيّ- صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- افتقد ثابت بن قيس فقال رجل: يا رسُولَ اللهِ أنا أعلم لك علمه. فأتاه فوجده جالساً في بيته منكساً رأسه فقال له: ما شأنك؟ فقال: شر، كان يرفع صوته فوق صوت النَّبيّ- صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- فقد حبط عمله، وهو من أهل النَّار، فأتى الرجل النَّبيّ- صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- فأخبروه أنه قال: كذا وكذا فقال موسى: فرجع إليه المرة الآخرة ببشارة عظيمة فقال: اذهب إليه فقل له: إنك لست من أهل النَّار، ولكنك من أهل الجَنَّة) البخاري – الفتح- (6/717) رقم (3613) – كتاب المناقب – علامات النُّبوُّة في الإسلام.

عن أبي موسى الأشعري - رَضيَ اللهُ عَنْهُ -: (أنه توضأ في بيته، ثم خرج، فقلت: لألزمن رسُول اللهِ- صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -ولأكونن معه يومي هذا. قال: فجاء المسجد فسأل عن النَّبيّ- صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- فقالوا: خرج ووجه ههنا، فخرجت على أثره أسأل عنه حَتَّى دخل بئر أريس، فجلست عند الباب وبابها من جريد، حَتَّى قضى رسُول اللهِ- صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -حاجته، فتوضأ فقمت إليه، فإذا هو جالس على بئر أريس وتوسط قفها، وكشف عن ساقيه ودلاهما في البئر فسلمت عليه ثم انصرفت، فجلست عند الباب فقلت: أكونن بواب رسُول اللهِ- صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -. فجاء أبو بكر فدفع الباب فقلت: من هذا؟ فقال: أبو بكر. فقلت: على رسلك، ثم ذهبت فقلت: يا رسُولَ اللهِ هذا أبو بكر يستأذن فقال: ائذن له وبشره بالجَنَّة. فأقبلت حَتَّى قلت لأبي بكر: ادخل ورسُول اللهِ- صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -يبشرك بالجَنَّة. فدخل أبوبكر فجلس عن يمين رسُول اللهِ- صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- معه في القف، ودلى رجليه في البئر كما صنع النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -وكشف عن ساقيه، ثم رجعت وجلست، وقد تركت أخي يتوضأ ويلحقني فقلت: إن يرد الله بفلان خيراً -يريد أخاه- يأت به، فإذا إنسان يحرك الباب فقلت: من هذا؟ فقال: عمر بن الخطاب. فقلت: على رسلك. ثم جئت إلى رسُول اللهِ- صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- فسلمت عليه فقلت: هذا عمر بن الخطاب يستأذن. فقال: ائذن له وبشره بالجَنَّة. فجئت فقلت: ادخل وبشرك رسُول اللهِ- صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -بالجَنَّة. فدخل فجلس مع رسُول اللهِ- صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- في القف عن يساره، ودلى رجليه في البئر، ثم رجعت فجلست. فقلت: إن يرد الله بفلان خيراً يأت به، فجاء إنسان يحرك الباب فقلت: من هذا؟ فقال: عثمان بن عفان. فقلت: على رسلك. فجئت إلى رسُول اللهِ- صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- فأخبرته فقال: ائذن له وبشره بالجَنَّة على بلوى تصيبه، فجئت فقلت له: ادخل وبشرك رسُول اللهِ- صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- بالجَنَّة على بلوى تصيبك، فدخل فوجد القف قد ملئ فجلس وجاهه من الشق الآخر. قال شرك بن عبد الله قال سعيد بن المسيب: فأولتها قبورهم). البخاري– الفتح (7/25) رقم (3674) كتاب المناقب– باب قول النَّبيّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ– لو كنت متخذاً خليلاً.

وعن جابر بن عبد الله أن رسُول اللهِ- صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -قال: (رأيت الجَنَّة، فرأيت امرأة أبي طلحة سمعت خشخشة أمامي فإذا بلال). صحيح مسلم (4/908) رقم الحديث (2455- 2457) .كتاب فضائل الصحابة – باب من فضائل أم سليم أم أنس بن مالك وبلال.

عن أبي بريدة قال: (أصبح رسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- فدعا بلالاً، فقال: يا بلال بم سبقتني إلى الجَنَّة، ما دخلت الجَنَّة قط إلا سمعت خشخشتكم أمامي. دخلت البارحة الجَنَّة فسمعت خشخشتك أمامي فأتيت على قصر مربع مشرف من ذهب، فقلت: لمن هذا القصر؟ قالوا: لرجل من العرب. فقلت: أنا عربي، لمن هذا القصر؟ قالوا: لرجل من قريش. فقلت: أنا قرشي لمن هذا القصر؟ قالوا: لرجل من أمة مُحَمَّد- صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -. فقلت: أنا مُحَمَّد لمن هذا القصر؟ قالوا: لعمر بن الخطاب. فقال بلال: يا رسُولَ اللهِ ما أذنت قط إلا صليت ركعتين، وما أصابني حدث قط إلا توضأت عندها ورأيت أن لله علي ركعتين. فقال رسُول اللهِ- صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -: بهما) إلى أن قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب، ومعنى هذا الحديث أني دخلت الجَنَّة البارحة يعني رأيت في المنام كأني دخلت الجَنَّة هكذا روي في بعض الأحاديث. الترمذي (5/579) رقم (3689). كتاب المناقب عن رسُول اللهِ - باب مناقب عمر ابن الخطاب.

ويروى عن ابن عباس أنه قال: رؤيا الأنبياء وحي. أ.هـ.

عن قتادة حدثهم: (أن النَّبيّ- صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -صعد أحداً، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، فرجف بهم، فقال: أثبت أحد. فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان). البخاري (7/26) رقم(3675) كتاب فضائل الصحابة – باب قول النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - لو كنت متخذاً خليلاً.

وعن ابن عبد الرحمن أن عثمان - رَضيَ اللهُ عَنْهُ-حيث حوصر أشرف عليهم وقال: (أنشدكم الله ولا أنشد إلا أصحاب النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -: ألستم تعلمون أن رسُول اللهِ- صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -قال: من حفر رومة فله الجَنَّة فحرفتها؟ ألستم تعلمون أنه قال: من جهز جيش العسرة فله الجَنَّة فجهزته؟ قال: فصدقوه بما قال).البخاري- الفتح(5/477) رقم (2778) – كتاب الوصايا – باب إذا وقف أرضاً أو بئر واشترط لنفسه... .

وعن سعد بن أبي وقاص قال: (ما سمعت النَّبيّ- صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- يقول لأحد يمشي على الأرض أنه من أهل الجَنَّة إلا لعبد الله بن سلام). البخاري- الفتح (7/160) رقم (3812) – كتاب المناقب- باب مناقب عبد الله بن سلام.

قال: وفيه نزلت هذه الآية:{وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ} (10) سورة الأحقاف.البخاري (7/160) رقم (3812) – كتاب مناقب الأنصار– باب مناقب عبد الله بن سلام - رَضيَ اللهُ عَنْهُ -.

عن قيس بن عبادة قال: (كنت جالساً في مسجد المدينة، فدخل رجل على وجهه أثر الخشوع، فقالوا: هذا رجل من أهل الجَنَّة، فصلى ركعتين تجوز فيهما، ثم خرج وتبعته، فقلت: إنك حين دخلت المسجد قالوا: هذا رجل من أهل الجَنَّة. قال: والله ما ينبغي لأحد أن يقول ما لا يعلم، وسأحدثك لما ذاك. رأيت رؤيا على عهد النَّبيّ- صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -فقصصتها عليه، ورأيت كأني في روضة، ذكر من سمعتها، وخضرتها، وسطها عمود من حديث أسفله في الأرض، وأعلاه في السماء، في أعلاه عروة فقيل له: ارقه. قلت: لا أستطيع، فأتاني منصف فرفع ثيابي من خلفي فرقيت حَتَّى كنت في أعلاه، فأخذت في العروة فقيل لي: استمسك. فاستيقظت وإنها لفي يدي، فقصصتها في النَّبيّ- صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -فقال: تلك الروضة الإسلام، وذلك العمود عمود الإسلام، وتلك العروة الوثقى. فأنت على الإسلام حَتَّى تموت، وذلك الرجل عبد الله بن سلام). البخاري – الفتح (7/161) رقم (3813) – كتاب المناقب- باب مناقب عبد الله بن سلام.

وعن عبد الرحمن بن الأخنس أنه كان في المسجد، فذكر رجل علياً، فقام سعد بن زيد فقال: (أشهد على رسول- صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - أني سمعته وهو يقول: عشرة في الجَنَّة، النَّبيّ- صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- في الجَنَّة، وأبو بكر في الجَنَّة، وعمر في الجَنَّة، وعثمان في الجَنَّة، وعلي في الجَنَّة، وطلحة في الجَنَّة، والزبير بن العوام في الجَنَّة، وسعد بن مالك في الجَنَّة، وعبد الرحمن بن عوف في الجَنَّة، ولو شئت لسميت العاشر. قال: فقالوا: من هو؟ قال: هو سعيد بن زيد). سنن الترمذي (5/605) رقم (3747) – كتاب مناقب الرَّسُول - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -، باب مناقب عبد الرحمن بن عوف الزهري.

عبد الرحمن بن الأخنس مستور الحال، لكنه قد تابعه رباح بن الحارث، وهو مستور الحال. فالحديث حسن، بل قد رواه جماعة عن سعيد بن زيد، كما ذكره الحافظ الذهبي في الميزان في ترجمة عبد الله بن ظالم.

عن أبي سعيد الخدري عن النَّبيِّ- صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -قال: (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجَنَّة). الترمذي (5/614) رقم (3768) – كتاب المناقب عن الرَّسُول – مناقب الحسن والحسين.

ومن دلائل النُّبوُّة خاتم النُّبوُّة:

وعن الجعد قال: سمعت السائب بن يزيد يقول: (ذهبت بي خالتي إلى النَّبيّ- صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- فقالت: يا رسُولَ اللهِ إن ابن أختي وقع، فمسح رأسي ودعا لي بالبركة، ثم توضأ فشربت من وضوئه، ثم قمت خلف ظهره، فنظرت إلى خاتم النُّبوُّة بين كتفيه مثل زر الحجلة). البخاري (1/355) رقم (190) كتاب الوضوء – باب حدثنا عبد الرحمن بن يونس ... قال سمعت السائب بن يزيد يقول وذكر الحديث.

وعن أم خالد بنت خالد بن سعيد قالت: (أتيت رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - مع أبي وعلي قميص أصفر، قال رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -: سنه سنه. قال عبد الله: وهي بالحبشية: حسنة. قالت: فذهبت ألعب بخاتم النُّبوُّة فزبرني أبي، قال رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -: دعها. ثم قال رسُول اللهِ- صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -ابلي وأخلقي، ثم أبلي وأخلقي، ثم أبلي وأخلقي).قال عبد الله: فبقيب حَتَّى ذكر). البخاري – الفتح(6/212) رقم (3071) – كتاب الجهاد والسير- باب من تكلم بالفارسية والرطانة.

ومن دلائل النُّبوُّة انشقاق القمر:

عن عبد الله بن مسعود- رَضيَ اللهُ عَنْهُ -قال: (انشق القمر على عهد النَّبيّ- صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- شقتين، فقال النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -: اشهدوا). أخرجه والبخاري (6/730) رقم (3636) كتاب المناقب – باب سؤال المشركين أن يريهم النَّبيّ- صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- آية فأراهم انشقاق القمر.

في عصمة الله له وقول الله - عَزَّ وجَلَّ - {وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}:

عن عائشة- رَضيَ اللهُ عَنْهُا- قالت: (سَحَرَ رسُولَ اللهِ- صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -رجلٌ من بني زُريق،يُقَالُ له: لَبِيد بن الأعصم،حَتَّى كانَ رسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-يُخيَّلُ إليه أنه يفعلُ الشيءَ وما فعله، حَتَّى إذا كان ذات يوم، أو ذات ليلة وهو عندي لكنه دعا ودعا ثم قال: يا عائشة أشعرت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيهن، أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي. فقال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرجل، فقال: مطبوب. قال: ومن طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم. قال: في أي شيء؟ قال: في مشط ومشاطة، وجف طلح نخلة ذكر. قال: وأين هو؟ قال: في بئر ذروان، فأتاها رسُول اللهِ- صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- في ناس من أصحابه، فجاء فقال: يا عائشة كأن ماءها نقاعة الحناء، وكأن رؤوس نخلها رؤوس الشياطين. قلت: يا رسُولَ اللهِ أفلا استخرجته؟ قال: قد عافني الله، فكرهت أن أثير على الناس فيه شراً، فأمر بها فدفنت).يُقال: المُشاطة:ما يخرج من الشَّعرِ إذا مُشِّطَ،والمُشاطة من مُشاطةِ الكتابِ.

البخاري (10/232) رقم (5763) كتاب الطب – باب السحر.

عن أبي هُرَيْرةَ-رَضيَ اللهُ عَنْهُ-,قال:(قال أبو جهل: هل يعفر مُحَمَّدٌ وجهه بين أظهركم؟ قال: فقيل: نعم. فقال: واللات والعزى لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته، أو لأعفرن وجهه في التراب. قال: فأتى رسُول اللهِ وهو يصلي، زعم ليطأ على رقبته. قال: فما فجئتهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه، ويتقي بيديه. قال: فقيل له: مالك؟ قال: بيني وبينه لخندقاً من نار، وهولاً وأجنحة.فقال رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -: (لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضواً عضواً).

صحيح مسلم (4/2154) رقم (2797) –كتاب صفة القيامة والجَنَّة والنَّار – باب إن الإنسان ليطغى أن رأه استغنى).

ومن دلائل النُّبوُّة حنين الجذع:

عن جابر بن عبد الله-رَضيَ اللهُ عَنْهُما-:(أنَّ النَّبيَّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ – كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرة أو نخلة، فقالت امرأة من الأنصار- أو رجل-: يا رسُولَ اللهِ ألا نجعل لك منبراً؟ قال : إن شئتم . فجعلوا له منبراً . فلما كان يوم الجمعة دفع إلى المنبر، فصاحت النخلة صياح الصبي، ثم نزل النَّبيُّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-فضمَّهُ إليه، يئن أنين الصبي الذي يسكن. قال كانت تبكي على ما كانت تسمع من الذكر عندها). البخاري – الفتح (6/697) رقم (3584) كتاب المناقب- باب علامات النُّبوُّة في الإسلام.

في رميه- صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -بكف من حصى في وجوه الكفار:

عن عباس قال: (شهدت مع رسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -يوم حنين، فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب رسُولَ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-فلم نفارقْهُ، ورسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- على بغلةٍ بيضاء أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي، فلما التقى المسلمون والكفار ولى المسلمون مدبرين، فطفق رسُول اللهِ- صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -يركض بغلته قبل الكفار، قال عباس: وأنا آخذ بلجام بغلة رسُول اللهِ أكفها إرادة ألا تسرع، وأبو سفيان آخذ بركاب رسُول اللهِ: أي عباس ناد أصحاب السمرة، فقال عباس وكان رجل صيتاً فقلت بأعلى صوتي: أين أصحاب السمرة؟ قال: فوالله لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها. فقالوا: يا لبيك يا لبيك. قال: فاقتتلوا والكفار والدعوة في الأنصار يقولون: يا معشر الأنصار يا معشر الأنصار. قال: ثم قصرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج فقالوا: يا بني الحارث بن الخزرج! يا بني الحارث بن الخزرج! فنظر رسُول اللهِ- صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- وهو على بغلته كالمتطاول عليها إلى قتالهم. فقال رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -: (هذا حين حمي الوطيس). قال: ثم أخذ رسُول اللهِ- صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -حصيات فرمى بهن وجوه الكفار، ثم قال: انهزموا ورب مُحَمَّد. قال: فذهبت أنظر فإذا القتال على هيئته فيما أرى. قال: فوالله ما هو إلا أن رماهم بحصياته فما زلت أرى حدهم كليلاً وأمرهم مدبراً).صحيح مسلم (3/1398) رقم (1775)-كتاب الجهاد والسير – باب غزوة حنين.

وعن إياس بن سلمة حدثني أبي قال: (غزونا مع رسُول اللهِ- صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - حنيناً فلما واجهنا العدو تقدمت فأعلوا ثنية، فاستقبلني رجل من العدو فأرميه بسهم، فتوارى عني ما دريت ما صنع، ونظرت إلى القوم فإذا هم قد طعلوا من ثنية أخرى، فالتقوا هم وصحابة النَّبيّ- صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- فولى صحابة النَّبيّ- صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - وأرجع منهزماً، وعلي بردتان متزراً بإحداهما مرتدياً بالأخرى، فاستطلق إزاري فجمعتها جميعاً، ومررت على رسُول اللهِ منهزماً، وهو على بغلته الشهباء، فقال رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: لقد رأى ابن الأكوع فزعاً، فما غشوا رسُول اللهِ- صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - نزل عن بغلته، ثم قبض قبضة من تراب من الأرض، ثم استقبل به وجوههم، فقال: شاهت الوجوه، فما خلق الله منهم إنساناً إلا ملأ عينيه بتلك القبضة فولوا مدبرين، فهزمهم الله- عَزَّ وجَلَّ - وقسم رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- غنائمهم بين المسلمين). صحيح مسلم _(3/1402) رقم (1777) كتاب الجهاد والسير- باب غزوة حنين. ==========

إخباره - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -بفتح فارس:

عن جبير بن حية قال: بعث عمر الناس في أفناء الأنصار يقاتلون المشركين، فأسلم الهرمزان، فقال: إني مستشيرك في مغازي هذه، قال: نعم مثلها ومثل من فيها من الناس من عدو المسلمين مثل طائر له رأس، وله جناحان، وله رجلان، فإن كسر أحد الجناحين نهضت الرجلان بجناح والرأس، فإن كسر الجناح الآخر نهضت الرجلان والرأس، وإن شدخ الرأس ذهبت الرجلان والرأس، فالرأس كسرى، والجناح قيصر، والجناح الآخر فارس، فمر المسلمين فلينفروا إلى كسرى. صحيح البخاري (6/298) رقم (3159) – كتاب الجزية – باب الجزية والمواعدة مع أهل الحرب.

إخباره - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -بفتح الحيرة:

عن عدي بن حاتم قال: بينا أنا عند النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة، ثم أتاه آخر فشكا إليه قطع السبيل، فقال: (يا عدي هل رأيت الحيرة؟) قلت: لم أرها وقد أنبئت عنها. قال: (فإن طالت بك حياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حَتَّى تطوف بالكعبة لا تخاف أحداً إلا الله). قلت فيما بيني وبين نفسي: فأين دعار طيء الذين قد سعروا البلاد، (ولئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى). قلت: كسرى بن هرمز؟ قال: (كسرى بن هرمز، ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يخرج ملء كفه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله منه لا يجد أحداً يقبله منه، وليلقين الله أحدكم يوم يلقاه وليس بينه وبينه ترجمان يترجم له فيقولن: ألم أبعث إليك رسولاً فيبلغك؟ فيقول: بلى. فيقول: ألم أعطك مالاً وأفضل عليك؟ فيقول: بلى. فينظر عن يمينه فلا يرى إلا جهنم، وينظر عن يساره فلا يرى إلا جهنم)، قال عدي: سمعت النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- يقول: (اتقوا النَّار ولو بشق تمرة فمن لم يجد شق تمرة فبكلمة طيبة). قال عدي: فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حَتَّى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله، وكنت فيمن أفتح كنوز كسرى بن هرمز، ولئن طالت بكم حياة لترون ما قال النَّبيّ أبو القاسم - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -تخرج ملئ كفه. صحيح البخاري (6/706) رقم الحديث (3601)– كتاب المناقب – باب علامات النُّبوُّة في الإسلام.

إخباره بهلاك كسرى وقيصر وتسلط المؤمنين على مملكتيهما:

عن أبي هُرَيْرةَ - رَضيَ اللهُ عَنْهُ - أن رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -قال: (إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله). صحيح البخاري(6/723) رقم (3618) (3619) – كتاب فرض الخمس – باب قول النَّبيّ أحلت لكم الغنائم.

إخباره - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -ببعض الفتن التي وقعت في المدينة:

عن أسامة - رَضيَ اللهُ عَنْهُ - قال: أشرف النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -على أطم من الآطام فقال: (هل ترون ما أرى؟ إني أرى الفتن تقع خلال بيوتكم مواقع القطر)البخاري- الفتح (6/707) رقم (3597) – كتاب المناقب – باب علامات النُّبوُّة في الإسلام.

وعن أبي ذر قال: قال رسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: (كيف أنت يا أبا ذر وموتا يصيب الناس حَتَّى يقوم البيت بالوصيف (يعني القبر) قلت ما خار الله لي ورسوله أو قال الله ورسوله أعلم، قال تصبر، قال كيف أنت وجوعا يصيب الناس حَتَّى تأتي مسجدك فلا تستطيع أن ترجع إلى فراشك ولا تستطيع أن تقوم من فراشك إلى مسجدك، قال قلت الله ورسوله أعلم أو ما خار الله لي ورسوله، قال عليك بالعفة، ثم قال كيف أنت وقتلا يصيب الناس حَتَّى تغرق حجارة الزيت بالدم، قلت ما خار الله لي ورسوله،قال الحق بمن أنت منه قال، قلت يا رسُولَ اللهِ أفلا آخذ بسيفي فأضرب به من فعل ذلك؟ قال شاركت القوم إذا ولكن ادخل بيتك، قلت يا رسُولَ اللهِ فإن دخل بيتي قال إن خشيت أن يبهرك شعاع السيف فألق طرف ردائك على وجهك فيبوء بإثمه وإثمك فيكون من أصحاب النَّار). رواه ابن ماجه، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (2/355) رقم الحديث (3197)، كتاب الفتن وأشراط الساعة والبعث.الناشر مكتب التربية العربي لدول الخليجالرياض -الطبعة الثالثة -تاريخ الطبعة1408 هـ - 1988 م

إخباره - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -بالطائفة المنصورة وبقائها إلى آخر الزمن:

عن معاوية قال: سمعت رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -يقول: (لا يزال أناس من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم حَتَّى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك). صحيح مسلم (3/1523) رقم (1920- 1925) – كتاب الإمارة – باب قوله لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق.

إخباره - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -ببعض الدجالين الذين يدعون النُّبوُّة:

حديث ثوبان وزاد فيه: (وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين، وإذا وضع السيف في أمتي لم يرفع عنها إلى يوم القيامة، ولا تقوم الساعة حَتَّى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحَتَّى تعبد قبائل من أمتي الأوثان، وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النَّبيّين لا نبي بعدي، ولا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم، من خالفهم حَتَّى يأتي أمر الله تعالى). سنن الترمذي (4/2215) رقم (2889- 2890) – كتاب الفتن – باب ما جاء لا تقوم الساعة حَتَّى يخرج كذابون ...

إخباره - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -بأن أناساً يشككون في أولية الله:

عن أنس بن مالك قال: قال رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -: (لن يبرح الناس يتساءلون حَتَّى يقولوا: هذا الله خالق كل شيء فمن خلق الله؟!). البخاري- الفتح (13/279) رقم (7296) – كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة- باب ما يكره من كثر ة السؤال وتكلف مالا يعنيه.

وعن أبي هُرَيْرةَ قال: قال لي رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -: (لا يزالون يسألونكم يا أبا هُرَيْرةَ حَتَّى يقولوا: هذا الله فمن خلق الله؟) قال: فبينا أنا في المسجد إذ جاءني الأعراب فقالوا: هذا الله فمن خلق الله؟ قال: فأخذ حصى بكفه فرماهم، ثم قال: قوموا قوموا صدق خليلي. صحيح مسلم (1/119) رقم (132- 136) – كتاب الإيمان – باب الوسوسة في الإيمان وما يقول من وجدها.

إخباره - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -ببعض الفتن التي حدثت بعده:

عن أبي هُرَيْرةَ - رَضيَ اللهُ عَنْهُ - قال: قال رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -: (ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، ومن تشرف لها تستشرفه، ومن وجد ملجأ أو معاذاً فليعذ به).البخاري- الفتح (6/708) رقم الحديث (3601) – كتاب المناقب – باب علامات النُّبوُّة في الإسلام.

عن أبي هُرَيْرةَ أن رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -قال: (لا تقوم الساعة حَتَّى تقتتل فئتان عظيمتان تكون بينهما مقتلة عظيمة دعوتهما واحدة، وحَتَّى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسُول اللهِ، وحَتَّى يقبض العلم وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج وهو القتل، وحَتَّى يكثر فيكم المال ويفيض حَتَّى يهم رب المال من يقبل صدقته، وحَتَّى يعرضه فيقول الذي يعرضه عليه: لا أرَب لي به، وحَتَّى يتطاول الناس في البنيان، وحَتَّى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول يا ليتني مكانه). البخاري – الفتح (6/712) رقم (3609) كتاب المناقب – باب علامات النُّبوُّة في الإسلام.

الإخبار بتدهور حال المسلمين إذا وقعوا في الربا وآثروا الدنيا على الآخرة:

عن ابن عمر قال: سمعت رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -يقول: (إذا ظن الناس بالدينار، والدرهم، وتبايعوا بالعينة، واتبعوا أذناب البقر، وتركوا الجهاد في سبيل الله، أنزل الله بهم بلاء فلم يرفعه عنهم حَتَّى يراجعوا دينهم). أحمد (2/28).كتاب مسند المكثرين من الصحابة – باب مسند عبد الله بن عمر بن الخطاب.

إخباره - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -بالأمراء الظلمة:

عن عبد الله قال: قال لنا رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -: (إنكم سترون بعدي أثرة وأموراً تنكرونها. قالوا: فما تأمرنا يا رسُولَ اللهِ؟ قال: أدوا إليهم حقهم وسلوا الله حقكم). البخاري- الفتح (13/7) رقم (7052)- كتاب الفتن – باب قوله سترون بعدي أمورا تنكرونها.

عن عبد الله قال: قال رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -: (إنه سيلى أمركم من بعدي رجال يطفئون السنة ويحدثون بدعة، ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها. قال ابن مسعود: يا رسُولَ اللهِ كيف بي إذا أدركتهم؟ قال: ليس يا ابن أم عبد طاعة لمن عصي الله، قالها ثلاث مرات).

إخباره - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -بأن الطاعون لا يدخل المدينة:

عن أبي هُرَيْرةَ - رَضيَ اللهُ عَنْهُ - قال: قال رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -: (لا يدخل المدينة المسيح ولا الطاعون). البخاري – الفتح (10/290) رقم (5731) كتاب الطب – باب ما يذكر في الطاعون.

قال الحافظ كلاماً حاصله: أن الطاعون لم يدخل المدينة إلى زمنه، وأما دخول الوباء لها فالوباء لا يصدق عليه أنه الطاعون. إذ الطاعون وخز الجن. وقال الحافظ أيضاً: وقال آخر هذا من المعجزات المُحَمَّدية؛ لأن الأطباء من أولهم إلى آخرهم عجزوا أن يدفعوا الطاعون عن بلد بل عن قرية، وقد امتنع الطاعون عن المدينة هذه الدهور الطويلة). الفتح (10/290).

إخباره بأن أناساً من أمته سيكذبون بالقدر، وهم المعتزلة ومن نحا نحوهم:

عن نافع قال: كان لابن عمر صديق من أهل الشام يكاتبه، فكتب إليه مرة عبد الله بن عمر أنه بلغني أنك تكلمت في شيء من القدر فإياك أن تكتب إلي، فإني سمعت رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -يقول: (سيكون في أمتي أقوام يكذبون بالقدر). سنن أبي داود (3/873) رقم (3857) – كتاب السنة – باب لزوم السنة.

إخباره - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -بتفرق أمته:

عن أبي هُرَيْرةَ قال: قال رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -: (افترقت اليهود على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة). أبو داود كتاب السنة – باب شرح السنة، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود رقم (3842).

الإخبار برفع العلم وظهور الجهل:

عن أنس قال: قال رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -: (إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويثبت الجهل، ويشرب الخمر، ويظهر الزنا). البخاري – الفتح (1/213) رقم (80) كتاب العلم – باب رفع العلم وظهور الجهل.

إخباره - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -بقتال المسلمين الترك:

عن عمرو بن تغلب قال: قال النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -: (إن من أشراط الساعة أن تقاتلوا قوماً ينتعلون نعال الشعر، وإن من أشراط الساعة أن تقاتلوا قوماً عراض الوجوه كأن وجوههم المجان المطرقة). البخاري- الفتح (6/699) رقم (3590) –كتاب الجهاد والسير – باب قتال الترك.

إخباره - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -بتنافس أمته في الدنيا:

عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -: (إن أكثر ما أخاف عليكم ما يخرج الله لكم من بركات الأرض، قيل: وما بركات الأرض؟ قال: زهرة الدنيا. فقال رجل: هل يأتي الخير بالشر؟ فصمت النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -حَتَّى ظننت أنه ينزل عليه، ثم جعل يمسح عن جبينه فقال: أين السائل؟ قال: أنا. قال أبو سعيد: لقد حمدناه حين طلع لذلك قال: لا يأتي الخير إلا بالخير. إن هذا المال خضرة حلوة، وإن كان ما أنبت الربيع يقتل حبطاً أو يلم، إلا أكلة الخضرة أكلت حَتَّى إذا أمتدت خاصرتها، استقبلت الشمس فاجترت، وثلطت، وبالت، ثم عادت فأكلت، وإن هذا المال حلوة من أخذه بحقه ووضعه في حقه فنعم المعونة هو، وإن أخذه بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع). صحيح البخاري – مع الفتح – كتاب الرقائق – باب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها.

إخباره - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -بأناس من القراء يتأكلون بالقرآن:

عن جابر بن عبد الله قال: خرج علينا رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -ونحن نقرأ القرآن وفينا الأعرابي والعجمي، فقال: (اقرأوا فكل حسن، وسيجيء أقوام يقيمونه كما يقام القدح يتعجلونه ولا يتأجلونه). صحيح سنن أبي داود للألباني (1/156) رقم (740) – كتاب الصلاة – باب ما يجزئ الأمي والأعجمي من القراءة.

إخباره - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -بالعداوة الواقعة بين الزعماء وبين العلماء وبين الجماعات الإسلامية:

عن عامر بن سعيد عن أبيه: (أن رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -أقبل ذات يوم من العالية حَتَّى إذا كان بمسجد بني معاوية دخل فركع فيه ركعتين. وصلينا معه ودعا ربه طويلاً ثم انصرف إلينا، فقال - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -: (سألت ربي ثلاثاً فأعطاني ثنتين ومنعني واحدة. سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها. وسألته ألا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها. وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم شديد فمنعنيها). صحيح مسلم (4/2215) رقم (2889- 2890) – كتاب الفتن وأشراط الساعة – باب هلاك هذه الأمة بعضهم ببعض.

إخباره - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- بتقليد أمته أعداء الإسلام:

عن أبي هُرَيْرةَ - رَضيَ اللهُ عَنْهُ - عن النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- قال: (لا تقوم الساعة حَتَّى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها شبراً بشبر، وذراعاً بذراع) فقيل: يا رسُولَ اللهِ! كفارس والروم؟ فقال: (ومن الناس إلا أولئك). البخاري- الفتح (13/312) رقم (7320) كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة- باب لتتبعن سنن من كان قبلكم.

وعن أبي سعيد الخدري عن النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -قال: (لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً شبراً، وذراعاً ذراعاً حَتَّى لو دخلت جحر ضب تبعتموهم. قلنا: يا رسُولَ اللهِ اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟). البخاري- الفتح(13/312) رقم (7320) – كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة – باب قول النَّبيّ لتتبعن سنن من كان قبلكم.

إخباره - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -بعدم مبالاة بعض أمته بالكسب أمن الحلال أو الحرام:

عن أبي هُرَيْرةَ - رَضيَ اللهُ عَنْهُ - عن النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -قال: (يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء ما أخذ منه أمن الحلال أم من الحرام). البخاري – الفتح (4/347) رقم (2059) كتاب البيوع- باب من لم يُبال من حيث كسب المال.

إخباره - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -بالفرقة القرآنية الضالة:

عن المقداد بن معد يكرب عن رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -أنه قال: (ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه لا يُوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي، ولا كل ذي ناب من السبع، ولا لقطة معاهد، إلا أن يستغني صاحبها، ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه عنها. فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قراه). سنن أبي داود(3/870 ) رقم (3848) – كتاب لزوم السنة – باب في لزوم السنة ==========

عن أنس بن مالك - رَضيَ اللهُ عَنْهُ -: أن النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - افتقد ثابت بن قيس فقال رجل: يا رسُولَ اللهِ أنا أعلم لك علمه. فأتاه فوجده جالساً في بيته منكساً رأسه فقال له: ما شأنك؟ فقال: شر، كان يرفع صوته فوق صوت النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - فقد حبط عمله، وهو من أهل النَّار، فأتى الرجل النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - فأخبروه أنه قال: كذا وكذا فقال موسى: فرجع إليه المرة الآخرة ببشارة عظيمة فقال: (اذهب إليه فقل له: إنك لست من أهل النَّار، ولكنك من أهل الجَنَّة) البخاري – الفتح - (6/717) رقم (3613) – كتاب المناقب – علامات النُّبوُّة في الإسلام.

عن أبي موسى الأشعري - رَضيَ اللهُ عَنْهُ -: أنه توضأ في بيته، ثم خرج، فقلت: لألزمن رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - ولأكونن معه يومي هذا. قال: فجاء المسجد فسأل عن النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - فقالوا: خرج ووجه ههنا، فخرجت على أثره أسأل عنه حَتَّى دخل بئر أريس، فجلست عند الباب وبابها من جريد، حَتَّى قضى رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - حاجته، فتوضأ فقمت إليه، فإذا هو جالس على بئر أريس وتوسط قفها، وكشف عن ساقيه ودلاهما في البئر فسلمت عليه ثم انصرفت، فجلست عند الباب فقلت: أكونن بواب رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -. فجاء أبو بكر فدفع الباب فقلت: من هذا؟ فقال: أبو بكر. فقلت: على رسلك، ثم ذهبت فقلت: يا رسُولَ اللهِ هذا أبو بكر يستأذن فقال: (ائذن له وبشره بالجَنَّة). فأقبلت حَتَّى قلت لأبي بكر: ادخل ورسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - يبشرك بالجَنَّة. فدخل أبوبكر فجلس عن يمين رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - معه في القف، ودلى رجليه في البئر كما صنع النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - وكشف عن ساقيه، ثم رجعت وجلست، وقد تركت أخي يتوضأ ويلحقني فقلت: إن يرد الله بفلان خيراً - يريد أخاه - يأت به، فإذا إنسان يحرك الباب فقلت: من هذا؟ فقال: عمر بن الخطاب. فقلت: على رسلك. ثم جئت إلى رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - فسلمت عليه فقلت: هذا عمر بن الخطاب يستأذن. فقال: (ائذن له وبشره بالجَنَّة). فجئت فقلت: ادخل وبشرك رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - بالجَنَّة. فدخل فجلس مع رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - في القف عن يساره، ودلى رجليه في البئر، ثم رجعت فجلست. فقلت: إن يرد الله بفلان خيراً يأت به، فجاء إنسان يحرك الباب فقلت: من هذا؟ فقال: عثمان بن عفان. فقلت: على رسلك. فجئت إلى رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - فأخبرته فقال: (ائذن له وبشره بالجَنَّة على بلوى تصيبه)، فجئت فقلت له: ادخل وبشرك رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - بالجَنَّة على بلوى تصيبك، فدخل فوجد القف قد ملئ فجلس وجاهه من الشق الآخر. قال شرك بن عبد الله قال سعيد بن المسيب: فأولتها قبورهم. البخاري– الفتح (7/25) رقم (3674) كتاب المناقب– باب قول النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ– لو كنت متخذاً خليلاً.

وعن جابر بن عبد الله أن رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - قال: (رأيت الجَنَّة، فرأيت امرأة أبي طلحة سمعت خشخشة أمامي فإذا بلال). صحيح مسلم (4/908) رقم الحديث (2455 - 2457).كتاب فضائل الصحابة – باب من فضائل أم سليم أم أنس بن مالك وبلال.

عن أبي بريدة قال: أصبح رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - فدعا بلالاً، فقال: (يا بلال بم سبقتني إلى الجَنَّة، ما دخلت الجَنَّة قط إلا سمعت خشخشتكم أمامي. دخلت البارحة الجَنَّة فسمعت خشخشتك أمامي فأتيت على قصر مربع مشرف من ذهب، فقلت: لمن هذا القصر؟ قالوا: لرجل من العرب. فقلت: أنا عربي، لمن هذا القصر؟ قالوا: لرجل من قريش. فقلت: أنا قرشي لمن هذا القصر؟ قالوا: لرجل من أمة مُحَمَّد - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -. فقلت: أنا مُحَمَّد لمن هذا القصر؟ قالوا: لعمر بن الخطاب). فقال بلال: يا رسُولَ اللهِ ما أذنت قط إلا صليت ركعتين، وما أصابني حدث قط إلا توضأت عندها ورأيت أن لله علي ركعتين. فقال رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -: (بهما) إلى أن قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب، ومعنى هذا الحديث أني دخلت الجَنَّة البارحة يعني رأيت في المنام كأني دخلت الجَنَّة هكذا روي في بعض الأحاديث. الترمذي (5/579) رقم (3689). كتاب المناقب عن رسُول اللهِ - باب مناقب عمر ابن الخطاب.

ويروى عن ابن عباس أنه قال: رؤيا الأنبياء وحي..هـ.

عن قتادة حدثهم: أن النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - صعد أحداً، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، فرجف بهم، فقال: (أثبت أحد. فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان). البخاري(7/26) رقم(3675) كتاب فضائل الصحابة – باب قول النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - لو كنت متخذاً خليلاً.

وعن ابن عبد الرحمن أن عثمان - رَضيَ اللهُ عَنْهُ - حيث حوصر أشرف عليهم وقال: أنشدكم الله ولا أنشد إلا أصحاب النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -: ألستم تعلمون أن رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - قال: (من حفر رومة فله الجَنَّة فحرفتها؟) ألستمتعلمون أنه قال: (من جهز جيش العسرة فله الجَنَّة فجهزته؟) قال: فصدقوه بما قال.البخاري - الفتح(5/477) رقم (2778) – كتاب الوصايا – باب إذا وقف أرضاً أو بئر واشترط لنفسه....

وعن سعد بن أبي وقاص قال: ما سمعت النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - يقول لأحد يمشي على الأرض أنه من أهل الجَنَّة إلا لعبد الله بن سلام. البخاري - الفتح (7/160) رقم (3812) – كتاب المناقب - باب مناقب عبد الله بن سلام.

قال: وفيه نزلت هذه الآية:{وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ} (10) سورةالأحقاف.البخاري (7/160) رقم (3812) – كتاب مناقب الأنصار– باب مناقب عبد الله بن سلام - رَضيَ اللهُ عَنْهُ -.

عن قيس بن عبادة قال: كنت جالساً في مسجد المدينة، فدخل رجل على وجهه أثر الخشوع، فقالوا: هذا رجل من أهل الجَنَّة، فصلى ركعتين تجوز فيهما، ثم خرج وتبعته، فقلت: إنك حين دخلت المسجد قالوا: هذا رجل من أهل الجَنَّة. قال: والله ما ينبغي لأحد أن يقول ما لا يعلم، وسأحدثك لما ذاك. رأيت رؤيا على عهد النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - فقصصتها عليه، ورأيت كأني في روضة، ذكر من سمعتها، وخضرتها، وسطها عمود من حديث أسفله في الأرض، وأعلاه في السماء، في أعلاه عروة فقيل له: ارقه.قلت: لا أستطيع، فأتاني منصف فرفع ثيابي من خلفي فرقيت حَتَّى كنت في أعلاه، فأخذت في العروة فقيل لي: استمسك. فاستيقظت وإنها لفي يدي، فقصصتها في النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - فقال: (تلك الروضة الإسلام، وذلك العمود عمود الإسلام، وتلك العروة الوثقى. فأنت على الإسلام حَتَّى تموت، وذلك الرجل عبد الله بن سلام). البخاري – الفتح (7/161) رقم (3813) – كتاب المناقب - باب مناقب عبد الله بن سلام.

وعن عبد الرحمن بن الأخنس أنه كان في المسجد، فذكر رجل علياً، فقام سعد بن زيد فقال: أشهد على رسول - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - أني سمعته وهو يقول: (عشرة في الجَنَّة، النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - في الجَنَّة، وأبو بكر في الجَنَّة، وعمر في الجَنَّة، وعثمان في الجَنَّة، وعلي في الجَنَّة، وطلحة في الجَنَّة، والزبير بن العوام في الجَنَّة، وسعد بن مالك في الجَنَّة، وعبد الرحمن بن عوف في الجَنَّة، ولو شئت لسميت العاشر. قال: فقالوا: من هو؟ قال: هو سعيد بن زيد). سنن الترمذي (5/605) رقم (3747) – كتاب مناقب الرَّسُول - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - ، باب مناقب عبد الرحمن بن عوف الزهري.

عبد الرحمن بن الأخنس مستور الحال، لكنه قد تابعه رباح بن الحارث، وهو مستور الحال. فالحديث حسن، بل قد رواه جماعة عن سعيد بن زيد، كما ذكره الحافظ الذهبي في الميزان في ترجمة عبد الله بن ظالم.

عن أبي سعيد الخدري عن النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - قال: (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجَنَّة). الترمذي (5/614) رقم (3768) – كتاب المناقب عن الرَّسُول – مناقب الحسن والحسين.

ومن دلائل النُّبوُّة خاتم النُّبوُّة:

وعن الجعد قال: سمعت السائب بن يزيد يقول: ذهبت بي خالتي إلى النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - فقالت: يا رسُولَ اللهِ إن ابن أختي وقع، فمسح رأسي ودعا لي بالبركة، ثم توضأ فشربت من وضوئه، ثم قمت خلف ظهره، فنظرت إلى خاتم النُّبوُّة بين كتفيه مثل زر الحجلة. البخاري (1/355) رقم (190) كتاب الوضوء – باب حدثنا عبد الرحمن بن يونس... قال سمعت السائب بن يزيد يقول وذكر الحديث.

وعن أم خالد بنت خالد بن سعيد قالت: أتيت رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - مع أبي وعلي قميص أصفر، قال رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -: (سنه سنه). قال عبد الله: وهي بالحبشية: حسنة. قالت: فذهبت ألعب بخاتم النُّبوُّة فزبرني أبي، قال رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -: (دعها). ثم قال رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -: (ابلي وأخلقي، ثم أبلي وأخلقي، ثم أبلي وأخلقي). قال عبد الله: فبقيب حَتَّى ذكر). البخاري – الفتح(6/212) رقم (3071) – كتاب الجهاد والسير - باب من تكلم بالفارسية والرطانة.

ومن دلائل النُّبوُّة انشقاق القمر:

عن عبد الله بن مسعود - رَضيَ اللهُ عَنْهُ - قال: انشق القمر على عهد النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - شقتين، فقال النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -: (اشهدوا). أخرجه والبخاري (6/730) رقم (3636) كتاب المناقب – باب سؤال المشركين أن يريهم النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - آية فأراهم انشقاق القمر.

في عصمة الله له وقول الله - عَزَّ وجَلَّ - {وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}:

عن عائشة - رَضيَ اللهُ عَنْهُ - قالت: سَحَرَ رسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - رجلٌ من بني زُريق، يُقَالُ له: لَبِيد بن الأعصم، حَتَّى كانَ رسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - يُخيَّلُ إليه أنه يفعلُ الشيءَ وما فعله، حَتَّى إذا كان ذات يوم، أو ذات ليلة وهو عندي لكنه دعا ودعا ثم قال: (يا عائشة أشعرت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيهن، أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي. فقال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرجل، فقال: مطبوب. قال: ومن طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم. قال: في أي شيء؟ قال: في مشطومشاطة، وجف طلح نخلة ذكر. قال: وأين هو؟ قال: في بئر ذروان)، فأتاها رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - في ناس من أصحابه، فجاء فقال: (يا عائشة كأن ماءها نقاعةالحناء، وكأن رؤوس نخلها رؤوس الشياطين). قلت: يا رسُولَ اللهِ أفلا استخرجته؟ قال: (قد عافني الله، فكرهت أن أثير على الناس فيه شراً، فأمر بها فدفنت).يُقال: المُشاطة:ما يخرج من الشَّعرِ إذا مُشِّطَ،والمُشاطة من مُشاطةِ الكتابِ. البخاري (10/232) رقم (5763) كتاب الطب – باب السحر.

عن أبي هُرَيْرةَ - رَضيَ اللهُ عَنْهُ - قال: قال أبو جهل: هل يعفر مُحَمَّدٌ وجهه بين أظهركم؟ قال: فقيل: نعم. فقال: واللات والعزى لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته، أولأعفرن وجهه في التراب. قال: فأتى رسُول اللهِ وهو يصلي، زعم ليطأ على رقبته. قال: فما فجئتهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه، ويتقي بيديه. قال: فقيل له: مالك؟ قال: بيني وبينه لخندقاً من نار، وهولاً وأجنحة.فقال رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -: (لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضواً عضواً). صحيح مسلم (4/2154) رقم (2797) –كتاب صفة القيامة والجَنَّة والنَّار – باب إن الإنسان ليطغى أن رأه استغنى).

ومن دلائل النُّبوُّة حنين الجذع:

عن جابر بن عبد الله - رَضيَ اللهُ عَنْهُم -: أنَّ النَّبيَّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ – كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرة أو نخلة، فقالت امرأة من الأنصار - أو رجل -: يا رسُولَ اللهِ ألا نجعل لك منبراً؟ قال: (إن شئتم). فجعلوا له منبراً. فلما كان يوم الجمعة دفع إلى المنبر، فصاحت النخلة صياح الصبي، ثم نزل النَّبيُّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - فضمَّهُ إليه، يئن أنين الصبي الذي يسكن. قال: (كانت تبكي على ما كانت تسمع من الذكر عندها). البخاري – الفتح (6/697) رقم (3584) كتاب المناقب - باب علامات النُّبوُّة في الإسلام.

في رميه - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - بكف من حصى في وجوه الكفار:

عن عباس قال: شهدت مع رسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - يوم حنين، فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب رسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - فلم نفارقْهُ، ورسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - على بغلةٍ بيضاء أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي، فلما التقى المسلمون والكفار ولى المسلمون مدبرين، فطفق رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - يركض بغلته قبل الكفار، قال عباس: وأنا آخذ بلجام بغلة رسُول اللهِ أكفها إرادة ألا تسرع، وأبو سفيان آخذ بركاب رسُول اللهِ: (أي عباس ناد أصحاب السمرة)، فقال عباس وكان رجل صيتاً فقلت بأعلى صوتي: أين أصحاب السمرة؟ قال:فوالله لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها. فقالوا: يا لبيك يا لبيك. قال: فاقتتلوا والكفار والدعوة في الأنصار يقولون: يا معشر الأنصار يا معشر الأنصار.قال: ثم قصرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج فقالوا: يا بني الحارث بن الخزرج! يا بني الحارث بن الخزرج! فنظر رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - وهو على بغلته كالمتطاول عليها إلى قتالهم. فقال رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -: (هذا حين حمي الوطيس). قال: ثم أخذ رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - حصيات فرمى بهنوجوه الكفار، ثم قال: (انهزموا ورب مُحَمَّد). قال: فذهبت أنظر فإذا القتال على هيئته فيما أرى. قال: فوالله ما هو إلا أن رماهم بحصياته فما زلت أرى حدهم كليلاً وأمرهم مدبراً. صحيح مسلم (3/1398) رقم (1775) - كتاب الجهاد والسير – باب غزوة حنين.

وعن إياس بن سلمة حدثني أبي قال: غزونا مع رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - حنيناً فلما واجهنا العدو تقدمت فأعلوا ثنية، فاستقبلني رجل من العدو فأرميه بسهم، فتوارى عني ما دريت ما صنع، ونظرت إلى القوم فإذا هم قد طعلوا من ثنية أخرى، فالتقوا هم وصحابة النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - فولى صحابة النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - وأرجع منهزماً، وعلي بردتان متزراً بإحداهما مرتدياً بالأخرى، فاستطلقإزاري فجمعتها جميعاً، ومررت على رسُول اللهِ منهزماً، وهو على بغلته الشهباء، فقال رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -: (لقد رأى ابن الأكوع فزعاً)، فما غشوا رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - نزل عن بغلته، ثم قبض قبضة من تراب من الأرض، ثم استقبل به وجوههم، فقال: (شاهت الوجوه)، فما خلق الله منهم إنساناً إلا ملأ عينيه بتلك القبضة فولوا مدبرين، فهزمهم الله - عَزَّ وجَلَّ - وقسم رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - غنائمهم بين المسلمين. صحيح مسلم _(3/1402) رقم (1777) كتاب الجهاد والسير - باب غزوة حنين. ==========

عقوبة من خادع النَّبيِّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-:

عن أنس - رَضيَ اللهُ عَنْهُ - قال: كان رجل نصرانياً فأسلم، وقرأ البقرة، وآل عمران، فكان يكتب للنبي - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - فعاد نصرانياً فكان يقول: ما يدري مُحَمَّد إلا ما كتبت له، فأماته الله، فدفنوه فأصبح، وقد لفظته الأرض، فقالوا: هذا فعل مُحَمَّد وأصحابُه لما هرب منهم نبشوا عن صاحبنا فألقوه. فحفروا له فأعمقوا فأصبح وقد لفظته الأرض. قالوا: هذا فعل مُحَمَّد وأصحابه نبشوا عن صاحبنا لما هرب منهم، فألقوه خارج القبر. فحفروا له وأعمقوا له في الأرض ما استطاعوا فأصبح قد لفظته الأرض فعلموا أنه ليس من الناس فألقوه. أخرجه مسلم. والبخاري (6/723) رقم(3617) كتاب المناقب - باب علامات النُّبوُّة في الإسلام.

في انكشاف كذب من ادعى النُّبوُّة في عصره-صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -وبعد عصره،وهذا دليل على أن نبينا مُحَمَّداً-صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-مرسل من عند الله لتأييد الله له وإقراره إياه على دعوى النُّبوُّة:

عن ابن عمر- رَضيَ اللهُ عَنْهُما-: أن عمر انطلق مع النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - في رهط قبل ابن صياد، حَتَّى وجدوه يلعب مع الصبيان عن بني مغالة، وقد قارب ابن صياد الحلم، فلم يشعر حَتَّى ضرب النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - يده، ثم قال لابن صياد: (تشهد أني رسُول اللهِ؟) فنظر إليه ابن صياد فقال: (أشهد أنك رسول الأميين). فقال ابن صياد للنبي - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -: أتشهد أني رسُول اللهِ؟ فرفضه، وقال: (آمنت بالله وبرسله). فقال له: (ماذا ترى؟) قال ابن صياد: يأتيني صادق وكاذب، فقال النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -: (خلط عليك الأمر)، ثم قال له النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -: (إني قد خبأت لك خبيئاً). فقال ابن صياد: هو الدخ؟ فقال: (اخسأ فلن تعدو قدرك). فقال عمر - رَضيَ اللهُ عَنْهُ -: دعني يا رسُولَ اللهِ أضرب عنقه. فقال النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -: (إن يكنه فلن تسلط عليه، وإن لم يكنه فلا خير لك في قتله). أخرجه البخاري - مع الفتح (6/185) رقم (3033) كتاب الجهاد والسير- باب ما يجوز من الاحتيال والحذر مع من يخشى معرته.

وعن ابن عباس - رَضيَ اللهُ عَنْهُما - قال: قدم مسيلمة الكذاب على عهد النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - فجعل يقول: إن جعل لي مُحَمَّد الأمر من بعده تبعته، وقدمها في بشر كثير من قومه، فأقبل إليه رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - ومعه ثابت بن قيس بن شماس، وفي يد رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - قطعة من جريد. حَتَّى وقف على مسيلمة في أصحابه فقال: (لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها، ولن تعدو أمر الله فيك، ولئن أدبرت ليعقرنك الله، وإني لأراك الذي أريت فيك ما رأيت). البخاري - الفتح (6/725) رقم (3620) كتاب المناقب - باب علامات النُّبوُّة في الإسلام.

وعن أبو هُرَيْرةَ أن رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - قال: (بينما أنا نائم رأيت في يدي سوارين من ذهب فأهمني شأنهما، فأوحى الله إلى في المنام أن أنفخهما فنفختهما فطارا، فأولتها كذابين يخرجان بعدي)، فكان أحدهما العنسي، والآخر مسيلمة الكاذب صاحب اليمامة. البخاري - الفتح (6/725) رقم (3622) كتاب المناقب - باب علامات النُّبوُّة في الإسلام.

ومن دلائل النُّبوُّة استجابة دعائه-صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-:

عن ابن عباس - رَضيَ اللهُ عَنْهُ -قال: ضمني رسُول اللهِ- صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - وقال: (اللهم علمه الكتاب). وقد استجاب الله الدعوة النَّبَويَّة فصار ابن عباس أكثر الصحابة تفسيراً للقرآن. رواه البخاري - الفتح 7/126) رقم 3756) كتاب فضائل الصحابة-باب ذكر ابن عباس-رَضيَ اللهُ عَنْهُما- .

وعن ابن عباس - رَضيَ اللهُ عَنْهُ -: (أن النَّبيَّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- دخل الخلاء فوضعت له وضوءاً. قال: (من وضع هذا؟) فأخبر. فقال:(اللهم فقه في الدين). البخاري - الفتح (1/294) رقم(143) كتاب الوضوء - باب وضع باب وضع الماء عند الخلاء.

وعن ابن عباس-رَضيَ اللهُ عَنْهُ - قال: كنت في بيت ميمونة بنت الحارث فوضعت لرسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - طهوره، فقال: (من وضع هذا؟) فقالت ميمونة عبد الله. فقال: (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل) مُسند أحمدَ رقم (2274)-كتاب مسند بني هاشم- باب بداية مسند عبد الله العباس رَضيَ اللهُ عَنْهُ، قال الشيخ مقبل: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، انظر الصحيح المسند.

وعن عبد الله مسعود - رَضيَ اللهُ عَنْه ُ-: أن النَّبيَّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - كان يصلي عند البيت وأبو جهل وأصحاب له جلوس، إذ قال بعضهم لبضع: أيكم يجيء بسلى جزور فلان فيضعه على ظهر مُحَمَّد إذا سجد، فانبعث أشقى القوم فجاء به فنظر حَتَّى إذا سجد النَّبيّ- صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - وضعه على ظهره بين كتفيه، وأنا أنظر لا أغني شيئاً لو كانت لي منعة. قال: فجعلوا يضحكون ويحيل بعضهم على بعض ورسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - ساجد لا يرفع رأسه، حَتَّى جاءته فاطمة وطرحت عن ظهره، فرفع رأسه، ثم قال: (اللهم عليك بقريش ثلاث مرات)، فشق عليهم إذ دعا عليهم. قال: وكانوا لا يرون أن الدعوة في ذلك البلد مستجابة ثم سمى: (اللهم عليك بأبي جهل، وعليك بعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط)، وعد السابع فلم أحفظه.

قال: فوالذي نفسي بيده لقد رأيت الذين عد رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - صرعى في القليب قليب بدر. والبخاري- الفتح (1/416) رقم (240) كتاب الوضوء - باب إذا ألقي على ظهر المصلي قذر أو جيفة لم تفسد عليه صلاته.

علامات متفرقة:

عن جابر بن عبد الله - رَضيَ اللهُ عَنْهُما-أنه سمع رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - يقول: (لما كذبني قريش قمت في الحِجْر، فجلى الله لي بيت المقدس فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه). البخاري - الفتح (7/236) رقم (3886) كتاب مناقب الأنصار باب حديث الإسراء.

وعن أبي هُرَيْرةَ - رَضيَ اللهُ عَنْهُ - قال: قال رسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -: (لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني عن مسراي، فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها، فكربت كربة ما كربت مثله قط. قال: فرفعه الله لي أنظر إليه، ما يسألوني عن شيء إلا أنبأتهم به. وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء فإذا موسى قائم يصلي أقرب به شبهاً عروة بن مسعود الثقفي، وإذا إبراهيم - عليه السلام- قائم يصلي أشبه الناس به صاحبكم - يعني نفسه - فحانت الصلاة فأممتهم، فلما فرغت من الصلاة قال قائل: يا مُحَمَّد! هذا مالك صاحب النَّار، فسلم عليه. فالتفت إليه فبدأني بالسلام) صحيح مسلم (1/156) رقم (287) كتاب الإيمان - باب ذكر المسيح ابن مريم والمسيخ الدجال.

وعن عائشة - رَضيَ اللهُ عَنْهُ - قالت: لما رجع النَّبيُّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - من الخندق ووضع السلاح واغتسل، أتاه جبريل - عليه السلام - فقال: قد وضعت السلاح؟ والله ما وضعناه، فاخرج إليهم. قال: (إلى أين؟) قال: هاهنا - وأشار إلى قريظة- فخرج النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - إليهم. البخاري - الفتح (7/470) رقم (4117) كتاب المغازي - باب مرجع النَّبيِّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-من الأحزاب ومخرجه إلى بني قريظة ومحاصرته إياهم.

ومن دلائل نبوته كراماتُ بعضِ أتباع النَّبيِّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -:

عن أبي هُرَيْرةَ-رَضيَ اللهُ عَنْهُ-,قال: بعث رسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - رهط سرية عيناً، وأمر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاري جد عاصم بن عمر بن الخطاب، فانطلقوا حَتَّى إذا كانوا بالهدأة - وهو بين عسفان ومكة - ذكروا لحي من هذيل يقال لهم بنو لحيان، فنفروا لهم قريباً من مائتي رجل كلهم رام، فاقتصوا آثارهم حَتَّى وجدوا مأكلهم تمر تزودوه من المدينة، فقالوا: هذا تمر يثرب. فاقتصوا آثارهم فلما رآهم عاصم وأصحابه لجأوا إلى فدفد، وأحاط بهم القوم فقالوا لهم: انزلوا وأعطونا بأيديكم ولكم العهد والميثاق، ولا نقتل منكم أحداً. فقال عاصم بن ثابت أمير السرية: أما أنا فوالله لا أنزل اليوم في ذمة كافر، اللهم أخبر عنا نبيك، فرموهم بالنبل، فقتلوا عاصماً في سبعة، فنزل إليهم ثلاثة رهط بالعهد والميثاق، منهم خبيب الأنصاري، وابن الدثنة، ورجل آخر، فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم فأوثقوهم، فقال الرجل الثالث: هذا أول الغدر. والله لا أصحبكم إن لي في هؤلاء لأسوة يريد القتل، وجروه وعالجوه على أن يصحبهم فأبى فقتلوه، فانطلقوا بخبيب، وابن الدثنة حَتَّى باعوهما بمكة بعد وقيعة بدر. فابتاع خبيباً بني الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف - وكان خبيب هو قتل الحارث بن عامر يوم بدر- فلبث خبيب عندهم أسيراً، فأخبرني عبيد الله بن عياض أن بنت الحارث أخبرته أنهم حين اجتمعوا استعار منها موسى يستحد بها فأعارته، فأخذ ابناً لي وأنا غافلة حَتَّى أتاه. فوجدته مجلسه على فخذيه والموسى بيده ففزعت فزعة عرفها خبيب في وجهي. فقال: تخشين أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذلك. والله ما رأيت أسيراً قط خيراً من خبيب. والله لقد وجدته يوماً يأكل من قطف عنب في يديه وإنه لموثق في الحديد وما بمكة من ثمر، وكانت تقول: إنه لرزق من الله رزقه خبيباً. فلما خرجوا من الحرم ليقتلوه في الحل قال لهم خبيب: ذروني أركع ركعتين، ثم قال: لولا أن تظنوا أن ما بي جزع لطولتها. اللهم أحصهم عدداً.

على أي جنب كان في الله مصرعـي *** ولست أبالي حين أقتل مسلماً

يبارك على أوصال شـلـو مـمزع *** وذلك في ذات الإله وإن يشأ

فقتله ابن الحارث، فكان خبيب هو الذي سن الركعتين لكل امرئ مسلم قتل صبراً. فاستجاب الله لعاصم بن ثابت يوم أصيب فأخبر النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - أصحابه خبرهم وما أصيبوا، وبعث ناس من كفار قريش إلى عاصم حين حدثوا أنه قتل ليؤتوا بشيء منه يعرف، وكان قد قتل رجلاً من عظمائهم يوم بدر، فبعث على عاصم مثل الظلة من الدبر فحمته من رسولهم، فلم يقدروا على أن يقطعوا من لحمه شيئا.البخاري - الفتح (7/438) رقم (4086) كتاب المغازي - باب غزوة الرجيع، ورعل، وذكوان، وبئر معونة، وحديث عضل، والقارة، وعاصم بن ثابت، وخبيب وأصحابه.

عن عائشة -رَضيَ اللهُ عَنْهُا- قالت: أصيب سعد يوم الخندق رماه رجل من قريش يقال له حبان بن العرقة، رماه في الأكحل، فضرب النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - خيمة في المسجد ليعوده من قريب فلما رجع رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - من الخندق، وضع السلاح واغتسل فأتاه جبريل - عليه السلام - وهو ينفض رأسه من الغبار. فقال: قد وضعت السلاح، والله ما وضعته. أخرج إليهم. قال النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -:(فأين؟) فأشار إلى بني قريظة. فأتاهم رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - فنزلوا على حكمه فرد الحكم إلى سعد. قال: فإني أحكم فيهم أن تقتل المقاتلة، وأن تسبى النساء والذرية، وأن تقسم أموالهم. قال هشام: فأخبرني أبي عن عائشة أن سعداً قال: اللهم إنك تعلم أنه ليس أحد أحب إلي أن أجاهدهم فيك من قوم كذبوا رسولك وأخرجوه، اللهم فإني أظن أنك قد وضعت الحرب بيننا وبينهم فإن كان بقي من حرب قريش شيء فأبقني له حَتَّى أجاهدهم فيك، وإن كنت وضعت الحرب فأفجرها واجعل موتتي فيها. فانفجرت من لبته فلم يرعهم - وفي المسجد خيمة من بني غفار- إلا الدم يسيل إليهم. فقالوا: يا أهل الخيمة ما هذا الذي يأتينا من قبلكم؟ فإذا سعد يغذوا جرحه دماً، فمات منها - رَضيَ اللهُ عَنْهُ -. البخاري - الفتح(7/475) رقم (4122) - باب المغازي - باب مرجع النَّبيّ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ من الأحزاب ومخرجه إلى بني قريظة.

الإخبار عن استقامة القرون الثلاثة:

عن عمران بن حصين - رَضيَ اللهُ عَنْهُما -قال: قال النَّبيُّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -: (خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم). قال عمران: لا أدري أذكر النَّبيُّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-بعد قرنين أو ثلاثة. قال النَّبيُّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -: (إن بعدكم قوماً يخونون ولا يؤتمنون، ويشهدون ولا يستشهدون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السمن). البخاري - الفتح (5/306) رقم (2651) كتاب الشهادات - باب لا يشهد على شهادة جور إذا اشهد.

إخباره- صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-بفتح بعض الأمصار وخروج بعض أصحابها إليها:

عن سفيان بن أبي زهير -رَضيَ اللهُ عَنْهُ- أنه قال: سمعت رسُول اللهِ- صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- يقول: (تفتح اليمن فيأتي قوم يبسون، فيتحلمون بأهلهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون. وتفتح العراق فيأتي قوم (يبسون) فيتحلمون بأهلهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون). البخاري - الفتح (4/107) رقم (1875) كتاب فضائل المدينة - باب من رغب عن المدينة.

إخباره-صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -بقتل عمر بن الخطاب-رَضيَ اللهُ عَنْهُ-:

عن حذيفة قال:قال عمر-رَضيَ اللهُ عَنْهُ -:من يحفظ حديثاً عن النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - في الفتنة؟ قال حذيفة: أنا سمعته يقول: (فتنة الرجل في أهله وماله وجاره، تكفرها الصلاة، والصيام، والصدقة). قال: ليس أسأل عن هذه، إنما أسأل عن التي تموج كما يموج البحر. قال: وإن دون ذلك باباً مغلقاً، قال: فيفتح أو يكسر، قال: يكسر قال: ذاك أجدر ألا يغلق إلى يوم القيامة. فقلنا لمسروق: سله أكان عمر يعلم من الباب؟ فسأله، فقال: نعم. كما يعلم أن دون غد الليلة. البخاري - الفتح (4/132) رقم (1895) كتاب الصوم - باب الصوم كفارة.

إخباره-صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -بقتل عثمان -رَضيَ اللهُ عَنْهُ-مظلوماً:

عن النعمان بن بشير عن عائشة- رَضيَ اللهُ عَنْهُا - قالت: أرسل رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - إلى عثمان بن عفان فأقبل عليه رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - فلما رأينا رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - أقبلت إحدانا على الأخرى، فكان من آخر كلام كلمه أن ضرب منكبه، وقال: (يا عثمان إن الله - عَزَّ وجَلَّ - عسى أن يلبسك قميصاً فإن أرادك المنافقون على خلعه فلا تخلعه حَتَّى تلقاني، يا عثمان إن الله - عَزَّ وجَلَّ - عسى أن يلبسك قميصاً فإن أرادك المنافقون على خلعه فلا تخلعه حَتَّى تلقاني، يا عثمان إن الله عسى أن يلبسك قميصاً إن أرادك المنافقون على خلعه فلا تخعله حَتَّى تلقاني ثلاثاً). فقلت لها: يا أم المؤمنين فأين كان هذا عنك؟ قالت: نسيته والله فما ذكرته. قال: فأخبرته معاوية بن أبي سفيان فلم (يرض) بالذي أخبرته حَتَّى كتب إلى أم المؤمنين أن اكتبي إلي به، فكتبت إليه به كتاباً). مُسند أحمدَ رقم (23427) - كتاب باقي مسند الأنصار - باب حديث عائشة رَضيَ اللهُ عَنْهُا، وقال الشيخ مقبل: وهذا حديث صحيح على شرط مسلم، انظر الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين.

إخباره-صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -أن أم المؤمنين عائشة-رَضيَ اللهُ عَنْهُا-ستشهد يوم الجمل:

عن قيس بن أبي حازم أن عائشة - رَضيَ اللهُ عَنْهُ - قالت: لما أتيت على الحوأب سمعت نباح الكلاب، فقالت: ما أظني إلا راجعة، إن رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -قال لنا: أيتكن تنبح عليها كلاب الحوأب.

فقال لها الزبير: ترجعين عسى الله - عَزَّ وجَلَّ - أن يصلح بك بين الناس. مُسند أحمدَ رقم (23513)- كتاب باقي مسند الأنصار - باب حديث عائشة، قال الشيخ/هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.

ومنها:إخباره أن فاطمة - رَضيَ اللهُ عَنْهُا - أول أهل بيته لحاقاً:

عن عائشة - رَضيَ اللهُ عَنْهُا - قالت: أقبلت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشي النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - فقال النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -: (مرحباً يا ابنتي)، ثم أجسلها عن يمينه أو عن شماله، ثم أسر إليها حديثاً فبكت، فقلت لها: لم تبكين؟ ثم أسر إليها حديثاً فضحكت، فقلت: ما رأيت كاليوم فرحاً أقرب من حزن، فسألتها عما قال فقالت: ما كنت لأفشي سر رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى قبض النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - فسألتها، فقالت: أسر إلي (أن جبريل كان يعارضني القرآن كل سنة مرة وإنه عارضني العام مرتين ولا أراه إلا حضر أجلي، وإنك أول أهل بيتي لحاقاً بي) فبكيت، فقال: (أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجَنَّة أو نساء المؤمنين؟) فضحكت لذلك. البخاري - الفتح (6/726) رقم (3623)- كتاب المناقب- باب علامات النُّبوُّة في الإسلام، ورواه مسلم. =========

إخباره بالفتوحات الإسلامية في القرون الثلاثة المفضلة:

عن أبي سعيد الخدري - رَضيَ اللهُ عَنْهُ - عن النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - قال: (يأتي زمان يغزو فئام من الناس فيقال: فيكم من صحب النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -؟ فيقال: نعم. فيفتح عليه، ثم يأتي زمان، فيقال: فيكم من صحب أصحاب النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -؟ فيقال: نعم، فيتفتح، ثم يأتي زمان، فيقال: فيكم من صحب أصحاب أصحاب النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - فيقال: نعم فيفتح). البخاري- الفتح (6/104) رقم (2897) - كتاب الجهاد والسير - باب من استعان بالضعفاء والصالحين في الحرب.

إخباره - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - أن زينب أسرع زوجاته لحاقاً به:

عن عائشة أم المؤمنين - رَضيَ اللهُ عَنْهُا - قالت: قال رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -: (أسرعكن لحاقاً بي أطولكن يداً) قالت: فكن يتطاولن أيتهن أطول يداً، قالت: فكانت أطولنا يداً زينب؛ لأنها كانت تعمل بيدها وتتصدق. صحيح مسلم (4/1907) رقم (2452) - كتاب من فضائل الصحابة - باب فضائل زينب أم المؤمنين.

إخباره - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- بصلح الحسن مع معاوية - رَضيَ اللهُ عَنْهُما-:

عن أبي موسى قال سمعت الحسن يقول: (استقبل الحسن بن علي معاوية بكتائب أمثال الجبال فقال عمرو بن العاص: إني لأرى كتائب لا تولى حَتَّى تقتل أقرانها، فقال له معاوية، وكان والله خير الرجلين - أي عمرو، إن قتل هؤلاء هؤلاء وهؤلاء هؤلاء من لي بأمور الناس، من لي بنسائهم، من لي بضيعتهم؟ فبعث إليه رجلين من قريش من بني عبد شمس - عبد الرحمن بن سمرة، وعبد الله بن عامر بن كريز- فقال: اذهبا إلى هذا الرجل فأعرضا عليه وقولا له واطلبا إليه فأتياه، فدخلا عليه فتكلما وقالا له وطلبا إليه، فقال لهما الحسن بن علي: إنا بنوا عبد المطلب قد أصبنا من هذا المال، وإن هذه الأمة قد عاثت في دمائها. قالا: فإنه يعرض عليك كذا وكذا، ويطلب إليك ويسألك قال: فمن لي بهذا؟ قالا: نحن لك به فصالحه، فما سألهما شيئاً إلا قالا نحن لك به، فقال الحسن: ولقد سمعت أبا بكرة يقول: رأيت رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- على المنبر والحسن بن علي إلى جنبه، وهو يقبل على الناس مرة، وعليه أخرى ويقول: إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين). قال أبو عبد الله: قال لي علي بن عبد الله: إنما ثبت لنا سماع الحسن من أبي بكرة بهذا الحديث. البخاري - الفتح (5/361) رقم (2704) كتاب الصلح - باب قول النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - للحسن بن علي : (ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين) . وقوله :{فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} (9) سورة الحجرات.

إخباره - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- بقتل عمار بن ياسر - رَضيَ اللهُ عَنْهُ -:

عن عكرمة- رَضيَ اللهُ عَنْهُ-قال: قال لي ابن عباس ولابنه علي انطلقا إلى أبي سعيد فاسمعا من حديثه، فانطلقنا فإذا هو في حائط يصلحه، فأخذ رداءه فاحتبى، ثم أنشأ يحدثنا حَتَّى أتى على ذكر بناء المسجد، فقال: كنا نحمل لبنة لبنة، وعمار لبنتين فرآه النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - فينفض التراب عنه ويقول: (ويح عمار تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجَنَّة ويدعونه إلى النَّار). قال يقول عمار أعوذ بالله من الفتن. البخاري - الفتح (1/644) رقم (447) كتاب الصلاة - باب التعاون في بناء المسجد.

إخباره - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -بإخراج اليهود من خيبر:

عن ابن عمر- رَضيَ اللهُ عَنْهُما- قال: لما فدع أهل خيبر عبد الله بن عمر قام عمر خطيباً فقال: إن رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - عامل يهود خيبر على أموالهم، وقال: (نقركم ما أقركم الله) وإن عبد الله بن عمر خرج إلى ماله هناك فعدي عليه من الليل ففدعت يداه ورجلاه، وليس لنا هناك عدو غيرهم، هم عدونا وتهمتنا، وقد رأيت إجلاءهم.

فلما أجمع عمر على ذلك أتاه أحد بني أبي الحقيق فقال: يا أمير المؤمنين! أتخرجنا وقد أقرنا مُحَمَّد - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - وعاملنا على الأموال وشرط ذلك لنا؟ فقال عمر: ظننت أني نسيت قول رسُول اللهِ: كيف بك إذا أخرجت من خيبر تعدو بك قلوصك ليلة بعد ليلة؟ فقال: كان ذلك هزيلة من أبي القاسم. فقال: كذبت يا عدو الله، فأجلاهم عمر وأعطاهم قيمة ما كان لهم من الثمر مالاً، وإبلاً، وعروضاً، من أقتاب، وحبال وغير ذلك. رواه حماد عن سلمة عن عبيد الله أحسبه عن نافع عن ابن عمر عن عمر عن النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -. البخاري - الفتح (5/385) رقم (2730) كتاب الشروط- باب إذا اشترط في المزارعة إذا شئت أخرجتك.

إخباره - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -عن رجل ممن كان يقاتل معه أنه من أهل النَّار:

عن سهل بن سعد الساعدي - رَضيَ اللهُ عَنْهُ -: أن رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -التقى هو والمشركون فاقتتلوا، فلما مال رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - إلى عسكره ومال الآخرون إلى عسكرهم، وفي أصحاب رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - رجل لا يدع لهم شاذة ولا فاذة إلا اتبعها يضربها بسيفه، فقالوا: ما أجزأتنا اليوم أحد كما أجزأ فلان. فقال رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -: (أما إنه من أهل النَّار)، فقال رجل من القوم أنا صاحبه قال: فخرج معه كلما وقف معه، وإذا أسرع أسرع معه، قال: فجرح الرجل جرحاً شديداً فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه في الأرض وذباً به بين ثدييه، ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه. فخرج الرجل إلى رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - فقال: أشهد أنك رسُول اللهِ. قال: (وما ذاك؟) قال: الرجل الذي ذكرت آنفاً أنه من أهل النَّار فأعظم الناس ذلك، فقلت: أنا لكم به فخرجت في طلبه، ثم جرح جرحاً شديداً فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه في الأرض وذبا به بين ثديه، ثم تحامل عليه فقتل نفسه، فقال رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - عن ذلك: (إن الرجل ليعمل عمل أهل الجَنَّة فيما يبدو للناس وهو من أهل النَّار، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النَّار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجَنَّة). صحيح البخاري (7/538) رقم (4202) - كتاب المغازي - باب غزوة خيبر. وصحيح مسلم - كتاب الإيمان - باب غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه وأن من قتل نفسه....

إخباره - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - بركوب بعض أمته البحر في الغزو:

عن أنس بن مالك - رَضيَ اللهُ عَنْهُ - قال: كان رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه، وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت، فدخل عليها رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - فأطعمته وجعلت تفلي رأسه فنام رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -، ثم استيقظ وهو يضحك قالت فقلت: وما يضحكك يا رسُولَ اللهِ؟ قال: (ناس من أمتي عرضوا علىَّ غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر ملوكاً على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة - شك إسحاق-) قالت فقلت: يا رسُولَ اللهِ ادع الله أن يجعلني منهم. فدعا لها رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -، ثم وضع رأسه، ثم استيقظ وهو يضحك، فقلت: وما يضحكك يا رسُولَ اللهِ؟ قال: (ناس من أمتي عرضوا على غزاة في سبيل الله)؛ كما قال في الأول قالت: فقلت: يا رسُولَ اللهِ! ادع الله أن يجعلني منهم. قال: (أنت من الأولين)، فركبت البحر في زمن معاوية بن أبي سفيان فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت. صحيح البخاري - الفتح (6/13) رقم (2789) -كتاب الجهاد والسير - باب الدعاء بالشهادة والجهاد للرجال والنساء.

قال ابن حجر- رحمه الله- : وقد أشكل هذا على جماعة فقال ابن عبد البر: أظن أن أم حرام أرضعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو أختها أم سليم فصارت كل منهما أمه أو خالته من الرضاعة فلذلك كان ينام عندها وتنال منه ما يجوز للمحرم أن يناله من محارمه، ثم ساق بسنده إلى يحيى بن إبراهيم بن مزين قال : إنما استجاز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تفلي أم حرام رأسه لأنها كانت منه ذات محرم من قبل خالاته، لأن أم عبد المطلب جده كانت من بنى النجار. ومن طريق يونس بن عبد الأعلى قال : قال لنا ابن وهب أم حرام إحدى خالات النبي - صلى الله عليه وسلم - من الرضاعة فلذلك كان يقيل عندها وينام في حجرها وتفلي رأسه. قال ابن عبد البر وأيهما كان فهي محرم له. وجزم أبو القاسم بن الجوهري والداودي والمهلب فيما حكاه ابن بطال عنه بما قال ابن وهب قال : وقال غيره إنما كانت خالة لأبيه أو جده عبد المطلب، وقال ابن الجوزي: سمعت بعض الحفاظ يقول: كانت أم سليم أخت آمنة بنت وهب أم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الرضاعة.وحكى ابن العربي ما قال ابن وهب ثم قال : وقال غيره بل كان النبي - صلى الله عليه وسلم - معصوما يملك أربه عن زوجته فكيف عن غيرها مما هو المنزه عنه، وهو المبرأ عن كل فعل قبيح وقول رفث، فيكون ذلك من خصائصه. ثم قال: ويحتمل أن يكون ذلك قبل الحجاب، ورد بأن ذلك كان بعد الحجاب جزما، وقد قدمت في أول الكلام على شرحه أن ذلك كان بعد حجة الوداع ورد عياض الأول بأن الخصائص لا تثبت بالاحتمال، وثبوت العصمة مسلم لكن الأصل عدم الخصوصية، وجواز الإقتداء به في أفعاله حتى يقوم على الخصوصية دليل. وبالغ الدمياطي في الرد على من ادعى المحرمية فقال: ذهل كل من زعم أن أم حرام إحدى خالات النبي - صلى الله عليه وسلم - من الرضاعة أو من النسب وكل من أثبت لها خؤلة تقتضي محرمية, لأن أمهاته من النسب واللاتي أرضعنه معلومات ليس فيهن أحد من الأنصار البتة، سوى أم عبد المطلب وهي سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن خراش بن عامر بن غنم بن عدى بن النجار، وأم حرام هي بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر المذكور، فلا تجتمع أم حرام وسلمى إلا في عامر بن غنم جدهما الأعلى ، وهذه خؤلة لا تثبت بها محرمية لأنها خؤلة مجازية، وهي كقوله - صلى الله عليه وسلم - لسعد بن أبي وقاص ((هذا خالي)) لكونه من بني زهرة وهم أقارب أمه آمنة، وليس سعد أخا لآمنة لا من النسب ولا من الرضاعة. ثم قال وإذا تقرر هذا فقد ثبت في الصحيح أنه - صلى الله عليه وسلم - كان لا يدخل على أحد من النساء إلا على أزواجه، إلا على أم سليم فقيل له فقال : أرحمها قتل أخوها معي، يعني حرام بن ملحان، وكان قد قتل يوم بئر معونة.

قلت : وقد تقدمت قصته في الجهاد في (باب فضل من جهز غازيا) وأوضحت هناك وجه الجمع بين ما أفهمه هذا الحصر وبين ما دل عليه حديث الباب في أم حرام بما حاصله أنهما أختان كانتا في دار واحدة كل واحدة منهما في بيت من تلك الدار، وحرام بن ملحان أخوهما معا فالعلة مشتركة فيهما. وإن ثبت قصة أم عبد الله بنت ملحان التي أشرت إليها قريبا فالقول فيها كالقول في أم حرام ، وقد انضاف إلى العلة المذكورة كون أنس خادم النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد جرت العادة بمخالطة المخدوم خادمه وأهل خادمه ورفع الحشمة التي تقع بين الأجانب عنهم ، ثم قال الدمياطي : على أنه ليس في الحديث ما يدل على الخلوة بأم حرام، ولعل ذلك كان مع ولد أو خادم أو زوج أو تابع . قلت : وهو احتمال قوى، لكنه لا يدفع الإشكال من أصله لبقاء الملامسة في تفلية الرأس، وكذا النوم في الحجر، وأحسن الأجوبة دعوى الخصوصية ولا يردها كونها لا تثبت إلا بدليل، لأن الدليل على ذلك واضح، والله أعلم. المرجع فتح الباري (11/80- 81).

إخباره - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -بفتح مصر:

عن أبي ذر - رَضيَ اللهُ عَنْهُ - قال: قال رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -: (إنكم ستفتحون أرضاً يذكر فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيراً فإن لهم ذمة ورحماً، فإذا رأيتم رجلين يقتتلان في موضع لبنة فاخرج منها). صحيح مسلم - كتاب فضائل الصحابة - باب وصية النَّبيّ بأهل مصر. قال: فمر بربيعة وعبد الرحمن ابني شرحبيل بن حسنه يتنازعان في موضع لبنة فخرج منها.

وعن أبي ذر - رَضيَ اللهُ عَنْهُ - قال: قال رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: (إنكم ستفتحون مصر وهي أرض يسمى فيها القيراط، فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها، فإن لهم ذمة ورحماً، أو قال: ذمة وصهراً، فإذا رأيت رجلين يختصمان فيها في موضع لبنة فاخرج منها). صحيح مسلم (4/1970) رقم (2543) - كتاب فضائل الصحابة - باب وصية النَّبيّ بأهل مصر. قال: فرأيت عبد الرحمن بن شرحبيل بن حسنة وأخاه ربيعة يختصمان في موضع لبنة فخرجت منها.

إخباره - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -بالأثرة التي ستحصل على الأنصار:

عن عبد الله بن زيد بن عاصم قال: لما أفاء الله على رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - يوم حنين قسم في الناس في المؤلفة قلوبهم، ولم يعط الأنصار شيئاً، فكأنهم وجدوا إذ لم يصيبهم ما أصاب الناس فخطبهم فقال: (يا معشر الأنصار! ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي؟ وكنتم متفرقين فألفكم الله بي؟ وعالة فأغناكم الله بي؟) قال: كلما قال شيئاً، قالوا: الله ورسوله أمن. قال: (ما يمنعكم أن تجيبوا رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -؟) قال: كلما قال شيئاً قالوا: الله ورسوله أمن. قال: (لو شئتم قلتم جئتنا كذا وكذا. ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون بالنَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - إلى رحالكم. لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، ولو سلك الناس وادياً وشعباً لسلكت وادي الأنصار وشعبها. الأنصار شعار والناس دثار، إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حَتَّى تلقوني على الحوض). البخاري - الفتح (7/650) رقم (4333) كتاب الغازي - باب غزاة أوطاس.

إخباره - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - بقلِّ الأنصار

عن ابن عباس - رَضيَ اللهُ عَنْهُما- قال: خرج رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - في مرضه الذي مات فيه بملحفة قد عصب بعصابة دسماء حَتَّى جلس على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: (أما بعد فإن الناس يكثرون يقِلّ الأنصار حَتَّى يكونوا في الناس بمنزلة الملح من الطعام، فمن ولي منكم شيئاً يضر فيه قوماً وينفع فيه آخرين فليقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم). فكان آخر مجلس جلس فيه النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -. البخاري - الفتح (6/ 726) رقم 3628) كتاب المناقب - باب علامات النُّبوُّة في الإسلام.

إخباره - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -بفساد الحجاج، وكذب المختار ابن أبي عبيد الثقفي:

عن أبي نوفل قال: رأيت عبد الله بن الزبير على عقبة المدينة قال: فجعلت قريش تمر عليه والناس حَتَّى مر عليه عبد الله بن عمر فوقف عليه فقال: السلام عليك أبا خبيب، السلام عليك أبا خبيب، السلام عليك أبا خبيب، أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا، أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا، أما والله إن كنت ما عملت صواماً قواماً وصولاً للرحم، أما والله لأمة أنت شرها لأمة خير، ثم نفد عبد الله بن عمر فبلغ الحجاج موقف عبد الله وقوله، فأرسل إليه فأنزل عن جذعة، فألقي في قبور اليهود، ثم أرسل إلى أمه أسماء بنت أبي بكر فأبت أن تأتيه، فأعاد عليها الرَّسُول لتأتين أو لأبعثن إليك من يسحبك بقرونك، قال: فأبت وقالت: والله لا آتيك حَتَّى تبعث إلي من يسحبني بقروني. قال فقال: أروني سبتي، فأخذ نعليه ثم انطلق يتوذف حَتَّى دخل عليها فقال: كيف رأيتيني صنعت بعدو الله، قالت: رأيتك أفسدت عليه دنياه، وأفسد عليك آخرتك، بلغني أنك تقول له: يا ابن ذات النطاقين. أنا والله ذات النطاقين، أما أحدهما فكنت أرفع به طعام رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - وطعام أبي بكر من الدواب، وأما الآخر فنطاق المرأة التي لا تستغني عنه، أما إن رسُول اللهِ حدثنا: أن في ثقيف كذاباً ومبيراً. فأما الكذاب فرأيناه، وأما المبير فلا أخالك إلا إياه. فقال: فقام عنها ولم يراجعها. صحيح مسلم (4/1971) رقم (2545) - كتاب فضائل الصحابة - باب ذكر كذاب ثقيف ومبيرها.

إخباره - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -بفتح خيبر على يدي علي - رَضيَ اللهُ عَنْهُ -:

عن مسلمة بن الأكوع - رَضيَ اللهُ عَنْهُ - قال: كان علي - رَضيَ اللهُ عَنْهُ - تخلف عن رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - في خيبر وكان به رمَدْ، فقال: أنا أتخلف عن رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -! فخرج علي فلحق بالنَّبيّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - فلما كان مساء الليلة التي فتحها في صباحها فقال رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -: (لأعطين الراية - أو قال: ليأخذن الرأية غداً رجل يحبه الله ورسوله، أو قال: يحب الله ورسوله يفتح الله عليه)، فإذا نحن بعلي وما نرجوه، فقالوا: هذا علي، فأعطاه رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -ففتح الله عليه. صحيح مسلم(4/1817)رقم (2405) - كتاب فضائل الصحابة - باب من فضائل علي بن أبي طالب. ==========

الحوار الذي دار بين هرقل وأبي سفيان

روى البخاري في الصحيح عن ابن عباس أن أبا سفيان بن حرب أخبره : أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش وكانوا تجارا بالشام في المدة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ماد فيها أبا سفيان وكفار قريش، فأتوه وهم بإيلياء فدعاهم في مجلسه وحوله عظماء الروم، ثم دعاهم ودعا بترجمانه

فقال هرقل : أيكم أقرب نسبا بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟

فقال أبو سفيان: فقلت: أنا أقربهم نسبا

فقال هرقل : أدنوه مني وقربوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره، ثم قال لترجمانه: قل لهم: إني سائل هذا عن هذا الرجل فإن كذبني فكذبوه،

قال ابو سفيان : فوالله لولا الحياء من أن يأثروا علي كذبا لكذبت عنه،

قال هرقل: كيف نسبه فيكم؟

قال ابو سفيان: هو فينا ذو نسب،

قال هرقل: فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله؟

قال ابو سفيان : لا،

قال هرقل: فهل كان من آبائه من ملك؟

قال ابو سفيان: لا،

قال هرقل: فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟

قال ابو سفيان: بل ضعفاؤهم،

قال هرقل: أيزيدون أم ينقصون؟

قال ابو سفيان: بل يزيدون،

قال هرقل: فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل؟ فيه

قال ابو سفيان: لا،

قال هرقل: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟

قال ابو سفيان : لا،

قال هرقل: فهل يغدر؟

قال ابو سفيان : لا، ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها

قال أبو سفيان : ولم تمكني كلمة أدخل فيها شيئا غير هذه الكلمة،

قال هرقل: فهل قاتلتموه؟

قال ابو سفيان : نعم،

قال هرقل: فكيف كان قتالكم إياه؟

قال ابو سفيان : الحرب بيننا وبينه سجال ينال منا وننال منه،

قال هرقل : ماذا يأمركم؟

قال ابو سفيان : يقول: اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا واتركوا ما يقول آباؤكم ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة

فقال هرقل للترجمان: قل له: سألتك عن نسبه فذكرت أنه فيكم ذو نسب فكذلك الرسل تبعث في نسب قومها،

وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول فذكرت أن لا فقلت: لو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت رجل يأتسي بقول قيل قبله،

وسألتك هل كان من آبائه من ملك فذكرت أن لا قلت: فلو كان من آبائه من ملك قلت رجل يطلب ملك أبيه،

وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال فذكرت أن لا فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله،

وسألتك أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه وهم أتباع الرسل،

وسألتك أيزيدون أم ينقصون فذكرت أنهم يزيدون وكذلك أمر الإيمان حتى يتم،

وسألتك أيرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه فذكرت أن لا وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب،

وسألتك هل يغدر فذكرت أن لا وكذلك الرسل لا تغدر،

وسألتك بما يأمركم فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وينهاكم عن عبادة الأوثان ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف فإن كان ما تقول حقا فسيملك موضع قدمي هاتين،

وقد كنت أعلم أنه خارج لم أكن أظن أنه منكم، فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه

ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بعث به دحية إلى عظيم بصرى فدفعه إلى هرقل فقرأه فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين ويَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ

قال أبو سفيان، فلما قال ما قال وفرغ من قراءة الكتاب كثر عنده الصخب وارتفعت الأصوات وأخرجنا فقلت لأصحابي حين أخرجنا لقد أمر أمر ابن أبي كبشة إنه يخافه ملك بني الأصفر، فما زلت موقنا أنه سيظهر حتى أدخل الله علي الإسلام وكان ابن الناظور صاحب إيلياء وهرقل أسقفا على نصارى الشام يحدث أن هرقل حين قدم إيلياء أصبح يوما خبيث النفس فقال بعض بطارقته: قد استنكرنا هيئتك قال ابن الناظور وكان هرقل حزاء ينظر في النجوم، فقال لهم حين سألوه: إني رأيت الليلة حين نظرت في النجوم ملك الختان قد ظهر فمن يختتن من هذه الأمة؟ قالوا: ليس يختتن إلا اليهود فلا يهمنك شأنهم واكتب إلى مداين ملكك فيقتلوا من فيهم من اليهود فبينما هم على أمرهم أتي هرقل برجل أرسل به ملك غسان يخبر عن خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما استخبره هرقل قال: اذهبوا فانظروا أمختتن هو أم لا؟ فنظروا إليه فحدثوه أنه مختتن وسأله عن العرب فقال: هم يختتنون فقال هرقل: هذا ملك هذه الأمة قد ظهر ثم كتب هرقل إلى صاحب له برومية وكان نظيره في العلم وسار هرقل إلى حمص فلم يرم حمص حتى أتاه كتاب من صاحبه يوافق رأي هرقل على خروج النبي صلى الله عليه وسلم وأنه نبي فأذن هرقل لعظماء الروم في دسكرة له بحمص ثم أمر بأبوابها فغلقت، ثم اطلع فقال: يا معشر الروم هل لكم في الفلاح والرشد وأن يثبت ملككم فتبايعوا هذا النبي فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب فوجدوها قد غلقت، فلما رأى هرقل نفرتهم وأيس من الإيمان قال ردوهم علي وقال: إني قلت مقالتي آنفا أختبر بها شدتكم على دينكم فقد رأيت، فسجدوا له ورضوا عنه فكان ذلك آخر شأن هرقل .

=======

إنجيل برنابا.. الشاهد والشهيد

الحمد لله الذي منَّ علينا بأعظم نعمة ألا وهي نعمة الإسلام ...

فكم يشعر المرء بالفخر والاعتزاز عندما ينتسب لهذا الدين العظيم ويكون تابعاً لأشرف الخلق أجمعين " محمد صلى الله عليه وسلم " وعندها تكون من خير أمة أخرجت للناس، تلك الأمة وهذا النبي الذي بشّر به الأنبياء أقوامهم، وكانوا يأخذون عليهم العهود ويتناقلون فيما بينهم لئن خرج الحبيب المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه لتنصرنّه، فلا غرابة إذن من أن نجد بين نصوص الكتاب المقدس ما يشير إلى ذلك مهما حاولت يد الغدر والخيانة أن تحرف النصوص أو أن تنال من الحقيقة الدامغة :

فالذّهب وإن خالطته الشوائب لكنها تعجز عن إذهاب بريقه ولمعانه!!!

فكما تعلمون أحبتي في الله أنّ الباطل مهما على واستعلى فان مصيره إلى الزوال

وأنّ الحق لا بد وأن يظهره الله حتى يكون حجّة على القاصي والداني، فمن هنا كانت البداية ...

من هو برنابا

هو أحد التلاميذ (الحواريين) الملازمين لسيدنا عيسى عليه السلام ، وصاحب الإنجيل الشاهد على الحق والشهيد من أجل كلمة الحق فكان جزاء هذا الإنجيل الطرد من الكتاب المقدس وذلك بقرار البابا جلاسيوس عام 492م ؛ لأنه يعارض الكتاب المقدس فيما يدّعونه بألوهية المسيح ، إلى أن جاء فيما بعد الراهب اللاتيني "فرامرينو" الذي حصل عليه من مكتبة البابوية وأعلن إسلامه بعد قراءته له كما ذكر ذلك الدكتور النصراني خليل سعادة في مقدمة ترجمته لإنجيل برنابا...

وأمّا برنابا فكما ذكرته كتب العهد الجديد ، يتضح من خلالها أنّه رجل صادق ومن أكثر التلاميذ (الحواريين) ورعاً وحفظا للوصايا والتعاليم إذ ورد في سفر أعمال الرسل الإصحاح الحادي عشر الفقرة رقم ( 22-24):

((فسمع الخبر عنهم في آذان الكنيسة التي في أورشليم فأرسلوا برنابا لكي يجتاز إلى إنطاكية الذي لمّا أتى ورأى نعمة الله فرح ووعظ الجميع أن يثبتوا في الرب بعزم القلب لأنه كان رجلاً صالحاً وممتلئاً من الروح القدس والإيمان ، فأنضمّ إلى الربّ جمع غفير)).

وأسألكم بالله لو لم تكن لدعوته التي كانت قائمة على التوحيد وعلى دين رسول الله إبراهيم والنبيين من بعده إلى محمد صلى الله عليه وسلم - دين الفطرة والعقل والعاطفة- أينضم إلى الربّ جمع غفير؟!

والله لو كانت عقيدة برنابا كعقيدة النصارى اليوم التي ليس للعقل والعاطفة فيها ناقة ولا جمل، لما أنضم إلى الرب هذا الجمع ، بل زد على هذا لأحتاج إلى مئات السنين حتى يشرح لهم" الثالوث"- على سبيل المثال لا على سبيل الحصر، وغيره من الأمور التي لا يقبلها عاقل... ولكنه خاطب فطرتهم ودعاهم إلى الدين الحق الذي نزل على موسى وعيسى ومحمّد وعلى الأنبياء صلوات ربّي وسلامه عليهم أجمعين...

إنجيل برنابا:

وفيما يلي نورد بعض ما تضمنته صفحات هذا الكتاب المضطهد:

ورد في الفصل السادس والتسعون الفقرات من 1-15 صفحة 146 :

(( (1) ولما انتهت الصلاة قال الكاهن بصوت عال : " قف يا يسوع لأنه يجب علينا أن نعرف من أنت تسكيناً لامتنا "

(2) أجاب يسوع : " أنا يسوع بن مريم من نسل داود ، بشر مائت ويخاف الله وأطلب أن لا يعطى الإكرام والمجد إلا لله "

(3) أجاب الكاهن : " انه مكتوب في كتاب موسى أن الهنا سيرسل لنا مسيّا الذي سيأتي ليخبرنا بما يريد الله وسيأتي للعالم برحمة الله (4) لذلك أرجوك أن تقول لنا الحق هل أنت مسيّا الله [تعني رسول الله] الذي ننتظره ؟ "

(5) أجاب يسوع : " حقاً أن الله وعد هكذا ولكني لست هو لأنه خلق قبلي وسيأتي بعدي "

(6) أجاب الكاهن إننا نعتقد من كلامك وآياتك على كل حال أنك نبي وقدوس الله

(7) لذلك أرجوك بإسم اليهودية كلها وإسرائيل أن تفيدنا حباً في الله بأية كيفيه سيأتي مسيّا "

(8) أجاب يسوع " لعمر الله الذي تقف بحضرته نفسي أنّي لست مسيّا الذي تنتظره كل قبائل الأرض كما وعد الله أبانا إبراهيم قائلاّ : بنسلك أبارك كل قبائل الأرض

(9) ولكن عندما يأخذني الله من العالم سيثير الشيطان مرة أخرى هذه الفتنة الملعونة بأن يحمل عادم التقوى على الاعتقاد بأني الله وابن الله (10) فيتنجّس بسبب هذا كلامي وتعليمي حتى لا يكاد يبقى ثلاثون مؤمناً (11) حينئذٍ يرحم الله العالم ويرسل رسوله الذي خلق كل الأشياء لأجله (12) الذي سيأتي من الجنوب بقوّة وسيبيد الأصنام وعبدة الأصنام (13) وسينتزع من الشيطان سلطته على البشر (14) وسيأتي برحمة الله لخلاص الذين يؤمنون به (15) وسيكون من يؤمن بكلامه مباركاً

وأما فيما يتعلّق بالبشارة فقد ورد اسم محمد صلى الله عليه وسلّم في هذا الإنجيل صريحاّ اسماً وصفةً :

فقد ورد أيضاً في الفصل السابع والتسعون الفقرات من 4-10 :

(( فقال حينئذٍ يسوع : " إن كلامكم لا يعزيني لأنه يأتي ظلام حيث ترجون النور ولكن تعزيتي هي في مجيء الرسول الذي سيبيد كل رأي كاذب فيّ وسيمتدّ دينه ويعمّ العالم بأسره لأنه هكذا وعد الله أبانا إبراهيم وأن ما يعزيني هو أن لا نهاية لدينه لأن الله سيحفظه صحيحاً " أجاب الكاهن : " أيأتي رسل آخرون بعد مجيء رسول الله ؟"

فأجاب يسوع : "لا يأتي بعده أنبياء صادقون مرسلون من الله، ولكن يأتي عدد غفير من الأنبياء الكذبة وهو ما يحزنني لأن الشيطان سيثيرهم بحكم الله العادل فيتسترون بدعوى إنجيلي"

وأمّا عن ذكر اسم محمد (صلى الله عليه وسلم) فقد ورد في الفقرات من 13-18:

(( فقال حينئذٍ الكاهن : " ماذا يسمّى مسيّا وما هي العلامة التي تعلن مجيئه؟"

أجاب يسوع " إن اسم مسيّا عجيب لأن الله نفسه سماه لما خلق نفسه ووضعها في بهاء سماوي قال الله : " اصبر يا محمد لأنّي لأجلك أريد أن اخلق الجنّه ، العالم وجماً غفيراً من الخلائق التي أهبها لك حتى أن من يباركك يكون مباركاً ومن يلعنك يكون ملعوناً ومتى أرسلتك إلى العالم أجعلك رسولي للخلاص وتكون كلمتك صادقة حتّى أن السماء والأرض تهنان ولكن إيمانك لا يهن أبداً إن اسمه المبارك محمّد"

حينئذٍ رفع الجمهور أصواتهم قائلين{يا الله أرسل لنا رسولك ، يا محمد تعال سريعاً لخلاص العالم !}

وأخيراً لا نملك إلا أن نقرأ قول الله تعالى :

" قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ "

========

الدلائل العقلية على نبوءة محمد -صلى الله عليه وسلم-

النبوة هي شيء عظيم و مكانة عالية ، إما يدعيها أحد إثنين لا ثالث لهما، فقد يدعيها أصدق الصادقين أو أكذب الكاذبين، ولايلتبس هذا بهذا على من كان له أقل حظ من النظر وهو ما سيتوضح في الأدلة التي سأذكرها

الدليل العقلي الأول:

قرائن أحوال محمد صلى الله عليه وسلم التي عايشها الصحابة رضي الله عنهم.

فقرائن أحواله تعرب عنه وتعرف به هل هو صادق أم كاذب؟

وهذه القرائن عايشها الصحابة رضي الله عنهم فهم ليسوا بأغبياء ولا سفهاء حتى يصدقوا نبوته دون أن يركزوا على هذه القرائن بل هي ستفضح كذب محمد إذا كان غير صادق بدون أن يصدر منهم ذلك التركيز الدقيق.

فلو كان كاذباً لظهر عليه الجهل والكذب والفجور والخداع والمراوغة إلى أخر أنواع الكذب والخداع لكن الذي ظهر من محمد صلى الله عليه وسلم عكس ذلك حيث ظهر عليه العلم والصدق والبر والوضوح والصراحة والسلامة من التناقض والعدل والإنصاف وجميع الأمور التي تدل على صدقه، فالنبوة ليس ادعائها أمراً سهلاً فهي مشتملة على علوم وأعمال لابد أن يتصف الرسول بها وهي أشرف العلوم وأشرف الأعمال، فكيف يشتبه الصادق فيها بالكاذب؟!

فمن عرف الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وصدقه ووفاءه ومطابقة قوله لعمله علم علماً يقينياً أنه نبي صادق،

كيف لا؟!

وقد دل على صدقه ما اقترن به من القرائن منذ إدعائه النبوة إلى أن مات.

الدليل العقلي الثاني:

النظر في ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.

فالرسول لابد أن يخبر الناس بأمور، وأن يأمرهم بأمور وأن ينهاهم عن أمور، ولا بد أن يفعل أيضاً أموراً، فيعمل كل ذلك لكي يبين للناس أنه نبي صادق مبلغ عن الله تعالى وليؤكد أنه شرع الله سبحانه الجديد، فلو كان كاذباً لظهر في نفس ما يخبر عنه وفي نفس ما يأمر به وينهى عنه وفي نفس ما يفعله على وجه التشريع ما يتبين به كذبه من وجوه كثيرة،

لكن من عرف ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من الشرائع وتفاصيلها يتبين له صدقه، وأنه نبي مرسل لا كذاب مخادع، فهي شاملة لكافة أوجه التشريع سواء ما يتعلق منها بالفرد أو المجتمع، وسواء أكان في العقيدة أو العبادة أو المبادئ والأخلاق، أو الإجتماع أو الإقتصاد أو السياسة في السلم أو الحرب، في السفر أو الحضر، في

الليل أو النهار، وليس فيه نقص أو قصور ولا عيب أو خلل،

ويشتمل على الهدى والرحمة والمصلحة والخير وعلى صيانة الفرد والمجتمع من الرذيلة والشر.

فمن نظر فيها بتمعن يتأكد أن هذه الشرائع لايمكن أن تصدر من بشر بل من نبي مرسل يبلغ عن الله تعالى.

الدليل العقلي الثالث:

التمييز بين الصادق من الكاذب فيم دون دعوى النبوة فكيف بدعوى النبوة؟!

لاشك أن التميز بين الصادق من الكاذب له طرق كثيرة في غير دعوى النبوة، فلو أن شخصين ادّعيا أمراً وأحدهما صادق والآخر كاذب، فلا بد أن يظهر صدق هذا وكذب هذا ولو بعد مدة، ثم إن الناس يميزون هل الإنسان صادق أم كاذب فيم يدعيه بأنواع من الأمور، فمن يدعي مثلاً أنه طبيب لابد أن ينكشف أمره بأنواع من الأمور ينجلي بها كذبه

ويظهر بها زيف إدعائه، فإذا كان ذلك فيم هو دون دعوى النبوة، فكيف بدعوى النبوة؟! )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق