9 مصاحف

9 و 12 مصحف

 

Translate

الأربعاء، 12 أبريل 2023

تابع أسماء الله الحسني اسم الله تعالى {المحسن الي إسم الله المصور.}

تابع أسماء الله الحسني   اسم الله تعالى

 {المحسن الي إسم الله المصور.}

اسم الله تعالى المحسن

المُحْسِن سبحانه هو الذي له كمال الحُسن في أسمائه وصفاته وأفعاله ، كما قال تعالى في كتابه : " اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى " [طه:8] فلا شيء أكمل ولا أجمل من الله ، فكل كمال وجمال في المخلوق من آثار صنعته ، وهو الذي لا يُحَد كماله ولا يوصَف جلاله ، ولا يحصي أحدٌ من خلقه ثناءً عليه ، بل هو كما أثنى على نفسه .. ليس في أفعاله عبث ولا في أوامره سفه ، بل أفعاله كلها لا تخرج عن الحكمة والمصلحة والعدل والفضل والرحمة .. إن أعطى فبفضله ورحمته ، وإن منع أو عاقب فبعدله وحكمته ، وهو الذي أحسن كل شيء خلقه فأتقن صنعه وأبدع كونه وهداه لغايته وأحسن إلى خلقه بعموم نعمه وشمول كرمه وسعة رزقه على الرغم من مخالفة أكثرهم لأمره ونهيه .. وأحسن إلي المؤمنين فوعدهم الحسني وعاملهم بفضله ، وأحسن إلى من أساء فأمهله ثم حاسبه بعدله 

الدليل على ثبوت الاسم في السُّنَّة النبويـة 

اسم الله المحسن لم يرد في القرآن الكريم ولكنه ورد في السنة النبوية مطلقًا يفيد المدح والثناء على الله بنفسه ، فقد ورد عند الطبراني وصححه الألباني من حديث أنس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا حكمتم فاعدلوا وإذا قتلتم فأحسنوا؛ فإن الله محسنٌ يحب المحسنين " [السلسلة الصحيحة] .

وكذلك ورد من حديث شداد بن أوس أنه قال : حفظت من رسول الله اثنتين قال : " إن الله محسنٌ يحب الإحسان ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ ثمَّ لْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ " [رواه الطبراني وصححه الألباني، صحيح الجامع] .

معنى الإحســان في اللغة والاصطلاح :

الحُسْنُ نقيض القُبْح ، وحَسَّنتُ الشيء تحسِينًا ، أي : زيَّنْتُه وأحْسنتُ إليه وبه .

والإحسان يدورحول ثلاثة معاني :

1) التزيين . 2) الإنعام على الغيــر : كما يُقال : أحْسَنَ إلى فلان .

3) الإحســان في الفعل : وذلك إذا عَلِمَ عِلْمًا حَسنًا ، أو عَمِلَ عملاَ حسنًا .

وعلى هذا قول أمير المؤمنين علي رضي الله عنه : " الناسُ أبناء ما يحسنون " أي : مَنسوبون إلى ما يَعْلمون ويَعْملون من الأفعال الحسنة .

والإحسانُ : أن يُعطي أكثر مما عليه ، ويأخذ أقلَّ مما له .

قال المناوي : " الإحسان : إسلامٌ ظاهِر ، يقيمه إيمانٌ باطن ، يكمله إحسانٌ شهوديِ/[التوقيف على مهمات التعاريف

فمنزلة الإحسان أعلى من منزلة الإسلام والإيمان .. وتتحقق بأن يستشعر المرء وجود الله سبحانه وتعالى وقُربه منه في جميع أعماله ، أو أن يستشعر رؤية الله له وهي منزلة المراقبة .

قال أبو البقاء الكفوي في كتابه (الكليات) : " الإحسان : هو فعل ( الإنسان ) ما ينفع غيره بحيث يصير الغير حسنًا به كإطعام الجائع ، أو يصير الفاعل به حسنًا بنفسه " [الكليات] .

ويقول الفيروزآبادي : " الإِحسان من أَفضل منازل العبوديّة ؛ لأَنه لبّ الإِيمان ورُوحُه وكمالُه ، وجميع المنازل منطويةٌ فيها .. قال تعالى : " هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ " [الرحمن:60] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم : " الإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ الله كَأَنَّك تَرَاهُ " [ مسلم] " [بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز] .

درجـــات الإحســان :

وقد لخَّص الإمام ابن القيم الإحسان في ثلاث درجات :

1) الإحسان في القصد .

  2) والإحسان في الأحوال .

 3) والإحسان في الوقت ..

الدرجة الأولى : الإحسان في القصد .. بتهذيبه علمًا ، وإبرامه عزمًا ، وتصفيته حالاً .. أي : الإحسان في النية ، بتنقيتها من الشوائب بألا يكون هناك للنفس أي حظ من عمله .. ويجعل قصده رضــا ربِّه فقط .

ولن تتمكَّن من إصلاح نيتك إلا بالعلم ، الذي يكون من خلال :

1) علمٌ بالله سبحانه وتعالى .. 2) علمٌ بصحة الطريـــق .. 3) علمٌ بالجزاء عند ربِّ العالمين ..

وبعد أن تتعلَّم تلك الأمور ، التي تُمَثِل الدافع لك للسير على الدرب والإحسان فيه 

يصدق في العزم على القيـــام بالأعمال الصالحة .. لينال ثوابها ، ويهدد نفسه لأن لم تفعل المطلوب ليكونن لها بالمرصــاد ..

وعلامة العزيمة الصادقة : النشاط في العمل .أما الفتور فهو دليل على عدم الصدق

وتصفيــة الحــال .. بتنقية القلب من شوائبه وآفـاته عن طريــق الإكثــار من الاستغفــار 

فإذا أردت أن تصل إلى هذه المنزلة العظمى عند الله تعالى وتصير من المحسنين : عليك أن تراعي تصفيـــة حالك ونيتك .. وإذا وجدت الأمور تتعثر ، فاتهم نيتك .. فإنما يتعثر من لم يُخْلِص .

الدرجة الثانية : الإحسان في الأحوال .. وهو أن تراعيها غيرةً ، وتسترها تظرفًا، وتصححها تحقيقًا .. يريد بمراعاتها : حفظها وصونها غيرةً عليها أن تحول ، فإنها تمرُّ مرَّ السحاب ، فإن لم يرع حقوقها حالت .. فتغــار على قلبك أن يتلف أو يفسد بعد أن وصل إليه الإيمان ؛ لأنه لو تقلَّب بعدما ذاق ربما ينتكس إنتكاسة لا يعود بعدها أبدًا .. وتستر أحوالك الإيمانية عن الناس ، ولا تريد أن يطلِّع عليها أحدًا سوى الله سبحانه وتعالى .

ويصحح أحواله بحيث يتحقق بأنه على الدرب الصحيح ؛ لأن الأحوال مواهب وقد تكون من تلبيس إبليس على النفس في بعض الأحيان .. كالذي يبكي في الصلاة ويظن أن بكاءه كان من خشية الله ، ثمَّ فور إنتهاءه من الصلاة يعود لمعاصيه ولا يراعي نظر الله تعالى إليه .. فحينها يعلم أنه كان حال مغرور ، أما الحــال الصادق فسيورث صاحبه الخشية .

الدرجة الثالثة : الإحسان في الوقت .. وهو أن لا تزايل المشاهدة أبدًا ولا تخلط بهمتك أحدًا ، وتجعل هجرتك إلى الحق سرمدًا .

المعنى : أن تعلق همتك بالحق وحده ولا تعلق همتك بأحدٍ غيره .. أي تحافظ على وقتك ؛ لأن وقتك هو رأس مالك وستُسأل عنه .. فتَغيِر أن يضيع هذا الوقت دون الوصول .

معنى الاسم في حق الله تعالى :

قال القرطبي عن اسم الله المُحْسِن أن : " معناه راجعٌ إلى معنى المُفْضِل وذي الفَضل والمنَّان والوهَّاب " [الكتاب الأسنى] .

وقال المُناوي في قوله : " إن الله محسنٌ .. " أي "الإحسان له وصفٌ لازمٌ ، لا يخلو موجودٌ عن إحسانه طَرْفةَ عين ، فلابدَّ لكل مُكوَّن من إحسانه إليه بنعمة الإيجاد ونعمة الإمداد " [فيض القدير] .

فالله سبحانه وتعالى أحسنَ إلى جميع الخلق بنعمة الإيجـاد والإمداد ، وأنعم على المؤمنين بنعمة أخرى وهي نعمة الهدايـــة .

والمؤمن يستشعر إحسان الله سبحانه وتعالى به عندما يخرجه من سجن الشهوات إلى عز الطاعة ومن سجن الخطايا إلى فرج التوبة مصداقًا لقوله على لسان نبيه يوسف : " .. وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ .. "[يوسف:100] .

أنـواع فضل الله تعالى وإحسانه على الخلق 

وللأقليشي توسعٌ جميل في بيان الجود والفضل والإحسان وأنواعه على الخلق ، إذ يقول : وذلك ينحصر في ثلاثة أقسام :

1) قاعدة .. 2) وواسطة .. 3) ومُتممة .

أما القاعدة : فتشتمل من الإحسان والمن على ثلاث شعب :

1) إخراجه من عدمٍ إلى وجود .. بمقتضى صفة الكرم والجــود .. قال : " هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا " [الإنسان:1] .

2) بعد خلقه تصويره في صورة آدم عليه السلام .. وهي أحسن الصور .. قال تعالى : " .. وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ .. " [غافر:64] .

3) جَعْلُه إيـاه عاقلاً ، لا معتوهًا ولا سفيهًا .. حتى يمتاز عن سائر الحيوانات .. قال تعالى : " إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا " [الإنسان:3] .

أما الواسطة فهي للقسمين رابطة ، ويشتمل من الإحسان والإنعام والمنِّ على ستِ شُعَب 

1) هدايته إيـــاه للإسلام .. وهذا أعظم الإحسان والإنعام ، وهو المراد بما ذُكِرَ في القرآن من الهدى والنور ، والشَّرح للصدور ، وغير ذلك من هذا النوع .

2) جَعَله من أمة محمد..خير الأنبياء وخير الأمم ،قال تعالى/" كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ " [آل عمران:110] أي : كنتم في الغيب حتى خرجتم إلى الوجود على وفاق العلم .

3) إحسانه إليه بأن حفظ كتابه العظيم حتى يكون مُعبِّرًا عن كلام ربِّه بلسانه ، وراغبًا إليه بجنابه .. وهذا من أعظم إحسانه ، كما قال ابن عباس في تفسير قول الله : " قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ "[يونس:58] إنه القرآن .

4) عَلَّمه بعد حفظه من معانيه ، ومن شريعة نبيه ، ومن حقائق علمه أثرًا ونظرًا .. وقد قال تعالى : " .. يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ .. " [المجادلة:11] وأعظم العلم ؛ العلم بالقرآن ، فكل ما شغلك عن القرآن فهو مشغلة .

5) ما أحسنَ به إليه ، وأنعم عليه من : العمل بما عَلِم .. وهذا هو ثمرة العلم ، وقد قال تعالى : " .. إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ .. " [فاطر:28] .

6) إحسانه إليه وتوفيقه حتى يَنْشرَ ما علم في عباده .. ويكون نور بلاده ، يُستضاءُ بسراجه ، ويُقْتفَى واضحَ منهاجه .

وأما المتممة : فهو ما أنعمَ به عليه ، وأحسنَ إليه ، من إظهار عوارف وإدرار لطائف ، شرفَ بها نوعه ، وأكمل بها وصفه ، ويشتمل على أربع شُعَب :

1) ما أنعم به عليه من : كمال الصورة ، واعتدال الخِلقة ، وفصاحة اللسان ، وسلامة الهيئة من تشوهٍ أو نقص عضوٍ .. وهذه نعمة من الله عليه ومن لطفه به .

2) ما أنعم به عليه : من انتظام الحال واتساع المال .. حتى لا يحتاج إلى أحدٍ من الخلق في اكتساب الرزق ، ويحتاج إليه غيره، فيعُمهم خيره .. وهذه نعمةٌ يجب شكرها ، إذ ليس كل أحدٍ يُعطاها .

3) ما أنعم به عليه : من عُصبة وعشيرة .. وهي الرفقة الصالحة التي تأخذ بيده وتحوطه من وراءه وهي مرآة لنفسه ؛ فتبصره بعيوبه وتكن عونًا له على الطريق .

4) ما يُنعم به عليه من المرأة الصالحة الموافقة ، فتسكن إليها نفسه وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنما الدنيا متاع ، وليس من متاع الدنيا شيء أفضل من المرأة الصالحة " [رواه ابن ماجه وصححه الألباني] .

5) ما أنعم عليه من صحة الجسم وفراغ البـال : عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : " نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ ؛ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ " [البخاري] .

حظ المؤمن من اسم الله تعالى المُحْسِن :

المنزلة الأولى : الإحســان مع الله تعالى :

يقول الله تعالى : " وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ .. "  [القصص:77] راقب ربَّك الوهاب المنَّان المُنْعِم عليك في كل وقتك ، ولا تنس ذلك

والطريق لأن تكون محسنًا مع ربِّكَ .. يبدأ بـــ :

1) الإخلاص : وذلك بأن تضع الآخرة نُصب عينيك ، تذكَّر دائمًا أبدًا أن هناك جنَّة ونــار وأن الموت آتيـــك لا محالة .

2) التوازن بين متطلبات الحيــاة والسير إلى الآخرة : فاعطِ كل ذي حقٍ حقه .. فعليك أن تُحْسِنَ في طلب الحلال ، كما أحسنَ إليكَ في الإحلال .. وعليك أن تعمل في الدنيا للآخرة ؛ حتى تبلغ هذا المقام .

3) إتقــان العبـــادة : عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال : " أوصاني خليلي أنْ أخشى الله كأنِّي أراهُ ، فإنْ لم أكن أراه ، فإنَّهُ يراني" [جامع العلوم والحكم] فتحتاج أن تتعلم الفقه ؛ لكي تكون عبادتك على هدي النبي صلى الله عليه وسلم .. وغيرها من العلوم التي تعينك على الإحسان في عبادتك لله تعالى .

4) المراقبـــة : لذلك حينما سُئِل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإحسان ، قال : " أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك " [مسلم] .

5) الشكر لله تعالى : فهل جزاء كل تلك النِعَم التي أحسن الله تعالى عليك بها إلا الشكر له سبحانه ؟ .

6) مواجهة المُلِمات بالصبـــر عليها : قال تعالى : " وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ " [هود:115] .

7) مجـــاهدة النفس : بكظم الغيظ ومحاربة الشُح وكبح شهوة الانتقـــام ، يقول الله تعالى : " الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ " [آل عمران:134] فمجاهدة النفس لتحقيق تلك الأمور ، من علامات إحســان العبــد .

8) الجهــاد في سبيل الله : كما في قول الله : " وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ " [العنكبوت:69] .

المنزلة الثانيـــة : الإحســان إلى الخلق :

1) بتعليمهم ما ينفعهم في دينهم ، ويكون سببًا في نجاتهم في الدنيــا والآخرة .. من علوم الكتاب والسُّنَّة وفقه السلف ، وإرشادهم إلى طرق الخيرات والقربات ، وتحذيرهم مسالك الشر والهلكات .. يقول الله سبحانه وتعالى : " لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ " [آل عمران:164] .

2) حُسن معاملة الضعفاء منهم : كالإحسان إلى اليتيم ، يقول الله تعالى : " وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ .. " [الأنعام:152] .

3) دفع الخصومـة والخلافـــات : يقول الله : " وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ " [فصلت:34] .

فأحْسِن تعاملك مع الخلق ، بداية من رد السلام إلى آخر ما جاء به الإسلام .

ولا تعامل الناس بمعاملاتهم ، وإنما عاملهم بما تحب أن يعاملوك به وبما تحب أن يراك الله عليه .

اسم الله تعالى الوكيل

الله سبحانه وتعالى هو الوكيـــل الذي توكل بالعالمين خلقًا وتدبيرًا ، وهداية وتقديرًا .. فهو المتوكل بخلقه إيجادًا وإمدادًا ، كما قال تبارك وتعالى : " اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ/[الزمر:62] .

والوكيل الكفيل بأرزاق عباده ومصالحهم ، وهو سبحانه وكيل المؤمنين الذين جعلوا اعتقادهم في حوله وقوته ،

وخرجوا من حولهم وطولهم وآمنوا بكمال قدرته ، وأيقنوا أنه لا حول ولا قوة إلا بالله ، فركنوا إليه في جميع أمورهم ، وجعلوا اعتمادهم عليه في سائر حياتهم ، وفوضوا إليه الأمر قبل سعيهم واستعانوا به حال كسبهم ،

وحمدوه بالشكر بعد توفيقهم ، والرضا بالمقسوم بعد ابتلائهم .. قال تعالى : " إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ " [الأنفال:2] .

المعنى اللغوي للاسم :

وَكِلَ بالله وتوكَّل عليه واتكل ، أي : استسلم له ، ويقــال : توكَّل بالأمر إذا ضَمِنَ القيــام به ، ووكَلْت أمري إلى فلان ، أي : ألجأته إليه واعتمدت فيه عليه .

ووكل فلانٌ فلانًا : إذا اسْتَكفاه أَمْرَه ، إما ثقةً بِكفايَتِه أو عَجزًا عن القيام بأمر نفسه .. ووَكَلَ إليه الأمر ، أي : سَلَّمهُ ، وَوَكَلَهُ إلى رأيه ، أي : تركه .

قال الجوهري : " والتوكُّل : إظهار العجز والاعتماد على غيرك،والاسم التُّكلان

وقـال الزجـاجي : " الوكيــل فعيــل ، من قـولك : وكلت أمـري إلى فلان وتوكَّـل به ، أي جعلته يليـه دوني وينظـر فيـه " .

والوكيــل : الكفيــل .. كما في قول الله : ".. قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ " [يوسف:66] ..

والكافل ، أي : العائــل ، كما في قوله تعالى : ".. وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا .. " [آل عمران:37] أي : قام على أمورها وكان عائلاً لها .

فمعنى الاسم يدور حول الاستسلام لأمر الله سبحانه وتعالى والركون إليــه وصدق اللُجأ عليه وإليه ، والاعتماد على الله سبحــانه وتعالى والاعتصــام بهِ .

فلابد للمتوكل أن يستشعر افتقاره وضعفه لله تبـــارك وتعالى .. ولا يرى لنفسه شيئًا، وبذلك يُحفَظ من العُجب .

ورود الاسم في القرآن الكريـم والسُّنَّة النبويــة :

ورد الاسم مُطلقًا مُعرفًا في قول الله تعالى : " الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ " [آل عمران:173] وورد في عدة مواضع أخرى مقرونًا بمعاني العلو ، والعلو يزيد الإطلاق كمالاً على كمال كما ورد في قوله تعالى : "ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ " [الأنعام:102] .

أما وروده في السُّنَّة النبويــة .. عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ : " حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ " قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَام حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ حِينَ قَالُوا : " إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ " " [البخاري] .

معنى الاسم في حق الله تعالى :

قال الفراء في قوله تعالى : " .. فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا " [المزمل:9] أي : كفيلاً بما وعدك .

وقـال في قولـه تعـالى : " .. أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا " [الإسراء:2] أي : كافيًا وربًّا .

وقال ابن جرير في قوله تعالى : " .. حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ " [آل عمران:173] أي : يكفينا الله وهو نعم المولى لمن وليه وكفله ، وإنما وصف الله تعالى نفسه بذلك ؛ لأن الوكيل في كلام العرب هو : المُسْنَد إليه القيـام بأمر من أسند إليه القيام بأمره ، فلما كان القوم الذين وصفهم الله تعالى في هذه الآيــات كانوا قد فَوَّضُوا أمرهم إلى الله ووثقوا به وأسندوا ذلك إليه ، وصف نفسه بقيامه لهم بذلك ، وتفويضهم أمرهم إليه بالوكالة ، فقال : ونعم الوكيل الله تعالى لهم .

فمن ذا الذي لجأ إليه وأدبَر عنه ؟! .. فهو سبحانه لا يخذل من لجأ إليه بصدقٍ أبدًا .

وقال في قوله تعالى : " وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا " [الأحزاب:3] أي : توكَّل يا محمد على الله ، وفوِّض أمرك إليه ، وثق به في أمورك ، وولِّها إيـــاه .. " وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا " فالله تعالى كافيك وهو حَسْبُكً وناصُرك ووليًا لك ودافعًا عنك .

وقال في قوله تعالى : " .. وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ " [الأنعام:102] أي : الله على كل ما خلق من شيء رقيبٌ وحفيــظ ، يقوم بأرزاق جميعه وأقواته وسياسته وتدبيره وتصريفه بقدرته .

فيتلخَّص في الوكيــل ثلاثة معان :

1) الكفيــل .. 2) الكافي .. 3) الحفيـــظ .

قال الحليمي : الوكيــل هو الموكَّل والمفوَّض إليه علمًا بأن الخلق والأمر له ، لا يملك أحد من دونه شيئًا .

وهذا ما ينبغي أن يترسخ في القلوب تجــاه ربِّكَ الوكيــل جلَّ جلاله .

آثار الإيمان باسم الله تعالى الوكيل :

1) أن الله سبحانه وتعالى هو القائم بأمر الخلائق أجمعين والمتكفِّل برزقهم وإيصاله لهم ، والرعاية لمصالحهم ، وما ينفعهم في دنيــاهم وأخراهم .. ويلزم من كونه سبحانه وتعالى وكيلاً ، أن يكون حيًا ، قويًا ، عليمًا ، قديرًا ، رحيمًا ، حكيمًا ، جوادًا ، كريمًا ، يفي بعهده ويصدق خلقه وعده .. إلى غير ذلك من الأوصاف الجليلة اللائقة بكماله وعظمته جلَّ جلاله .

قال القرطبي : فيجبُ على كل مؤمن أن يعلم أن كلَّ ما لا بدَّ له منه ، فالله سبحــانه هو الوكيـل والكفيــل المتوكِّل بإيصاله إلى العبد ، إما بنفسه فيخلقُ له الشَّبع والرِّي كما يخلق له الهداية في القلوب ، أو بواسطة سبب كمَلَك أو غيره يوكَّل به .

فالله سبحانه وتعالى يرى عبدهُ ضالاً فيهديهُ ، حين يركن بقلبه عليه .. لذا فوِّض أمرك له ، ثمَّ بعد ذلك تنعَّم بفضله عليه .

2) الفرق بين وكالة الخالق ووكالة المخلوق :

فالعبد قد يشترك مع الخالق سبحانه وتعالى في بعض دلالات الأسماء الحسنى ؛ كالسمع والبصر والحياة وغيرها من الصفات .. وهذا لا يعني التشابه في الصفات لمجرد الاشتراك في الأسماء ؛ فأين سمع الإنسان من سمع الرحمن ، وأين بصره من بصرهِ سبحانه وتعالى ، وأين علمهُ من علمهِ ..

وأين التراب من ربِّ الأربــاب سبحانه وتعالى؟!

وإذا كان بعض الخلق قد يتوكَّل بغيره من الضعفاء واليتامى والمساكين والأرامل ، فلا يعني هذا أنه قد شابه الله تعالى في صفته ، فإن هذا المتوكل بأمر غيره هو نفسه محتاجٌ إلى رزق الله ومَعُونته ورحمته وفضله .

قال ابن العربي : فإذا علمتم معنى الوكيل ، فلله في ذلك منزلته العليا بأحكامٍ تختص به أربعة :

الأول : انفراده بحفظ الخلق ..

الثاني : انفراده بكفايتهم ..

الثالث : قدرته وحده على ذلك ..

الرابع : أن جميع الأمر من خيرٍ وشر، ونفعٍ وضُرٍّ ، كل ذلك حادثٌ بيده .

أما العبد فالمنزلة السفلى له وفي ذلك ثلاثةُ أحكــام :

الأول : أن يتبرأ من الأمور إليه ؛ لتحصل له حقيقة التوحيــد ويرفع عن نفسه شغب مشقة الوجـوب .. كالرجل الذي يتولى أمر أهله وينفق عليهم ؛ فإن الرزق ليس بيده بل الله سبحانه وتعالى هو الرزَّاق ، فينبغي أن لا يمنَّ على أهله بإنفاقه عليهم وإذا سألوه شيئًا عليه أن يطلب منهم أن يسألوا الله تعالى أن يرزقه حتى ينفق عليهم مما رزقه الله .

الثاني : أن لا يستكثر ما يسأل ؛ فإن الوكيــل غني .. ولهذا قيل : " من علامة التوحيد كثرة العيـــال على بساط التوكُّل " .

الثالث : أنك إذا علمت أن وكيلك غنيٌّ وفيٌّ قادرٌ مَلِيٌّ .. فأعْرِض عن دنيـــاك وأقبِل على عبادة من يتولاَّك .

حظ المؤمن من اسم الله تعالى الوكيل :

1) الزهد في الدنيـــا وما فيها :

فلا يركن على أحدٍ سوى الله ، ويعلم أنه وحده سبحانه وتعالى الذي يكشف عنه الضُرَّ .. وأنت عندما تُبتلى ، هل تهرع إلى الله وتركن بقلبك عليه ؟ أم تعتمد على منصبك ومعارفك ؟ فإذا ركنت إلى أيٍ من تلك الأمور الدنيوية ،

اعلم أن هناك قدحٌ في إيمانك بهذا الاسم .

2) تحقيــق معنى التوكُّل :

يقول تعالى : " وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا " [الأحزاب:3] .

ويقول : " وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا " [الفرقان:58] لِمَ تتوكَّل على عبادٍ يموتون ويفنون ولا يقدرون على نفعك أو ضرك ؟! توكَّل على الحي الذي لا يموت ، وقال سبحانه وتعالى : " وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَـاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَـعُ الْأَمْرُ كُلُّـهُ فَاعْبُـدْهُ وَتَوَكَّـلْ عَلَيْهِ وَمَـا رَبُّكَ بِغَافِـلٍ عَمَّـا تَعْمَلُونَ " [هود:123] فلو كُشِفَ الحجــاب ورأينا مآلات الأمور ، لرضيَّ كل واحدٍ منا بقدر الله سبحانه وتعالى .. فوكِّل له أمرك ؛ فإنه يعلم ما لا تعلمه وهو سبحانه وتعالى يُقدِّر لك الخيــر .

إذًا ، كيف نُحقق التوكُّل على الله؟

فوائـد التوكُّل وكيفيـة تحقيقه :

معنى التوكُّل : صدق اعتماد القلب على الله في استجلاب المصالح ودفع المضـــار من أمور الدنيــا والآخرة .. وهو الثقة فيما عند الله واليأس مما في أيدي الناس .

فلا يعطي ولا يمنع ولا ينفع ولا يضر سوى الله جلَّ وعلا .

ولا يستقيم التوكل بدون الأخذ بالأسبــاب .. يقول ابن القيم : " فالتوكل من أعظم الأسباب التي يحصل بها المطلوب ويندفع بها المكروه ، فمن أنكر الأسباب لم يستقم منه التوكل .

ولكن من تمام التوكل : 1) عدم الركون إلى الأسباب  2) وقطع علاقة القلب بها .. فيكون حال قلبه قيامه بالله لا  بها ، وحال بدنه قيامه بها " [مدارج السالكين ] .

الفرق بين التوكُّل والاتكـــال :

التوكل المأمور به هو : الأخذ بالأسباب مع تفويض أمر النجاح لله والثقة بأنه لا يُضيع أجر من أحسن عملا .. أما إن قعد عن الأسباب ولم يسع في إتخاذها ، فليس هذا من التوكُّل في شيء وإنما هو اتكالٌ وتواكل حذرنا منه النبي صلى الله عليه وسلم .

عَنْ مُعَاذٍ قَالَ : كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ فَقَالَ : " يَا مُعَاذُ ، هَلْ تَدْرِي حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ ؟ " قُلْتُ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قَالَ : " فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا " فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا أُبَشِّرُ بِهِ النَّاسَ ، قَالَ : " لَا تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا " [متفق عليه] .

فهنا يضع الرسول قاعدة جليلة ، هي : إن كل ما يؤدي إلى ترك العمل أو يكون مظنة للاتكال والتواكل فليس من التوكُّل في شيء .

فالاتكــال يعني : ترك العمل وعدم الأخذ بالأسبــاب .

الفرق بين التوكُّل والتفويــض :

والتفويض أعمُّ من التوكٌّلِ .. يقول صاحب المنازل : " التفويض ألطف إشارة وأوسع معنى من التوكل ؛ فإن التوكل بعد وقوع السبب والتفويض قبل وقوعه وبعده وهو عين الاستسلام والتوكل شعبة منه " .

يقول اين القيم : " يعني أن المفوِّض يتبرأ من الحول والقوة ويفوض الأمر إلى صاحبه من غير أن يقيمه مقام نفسه في مصالحه ، بخلاف التوكل فإن الوكالة تقتضي أن يقوم الوكيل مقام الموكل " [مدارج السالكين] .

التوكل والثقة بالله :

يقول ابن القيم : " قال صاحب المنازل : الثقة : سواد عين التوكل ونقطة دائرة التفويض وسويداء قلب التسليم ، وصدَّر الباب بقوله تعالى لأم موسى : " .. فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ " [القصص:7] فإن فعلها هذا هو عين ثقتها بالله تعالى ؛ إذ لولا كمال ثقتها بربِّها لما ألقت بولدها وفلذة كبدها في تيار الماء تتلاعب به أمواجه وجرياته إلى حيث ينتهى أو يقف .

ومراده : أن الثقة خلاصة التوكل ولبه ، كما أن سواد العين : أشرف ما في العين ، وأشار بأنه نقطة دائرة التفويض إلى أن مدار التوكل عليه وهو في وسطه كحال النقطة من الدائرة فإن النقطة هي المركز الذي عليه استدارة المحيط ونسبة جهات المحيط إليها نسبة واحدة وكل جزء من أجزاء المحيط مقابل لها كذلك الثقة هي النقطة التي يدور عليها التفويض " [مدارج السالكين] .

فإذا وثقت في الله تعالى ، سينبع التفويض والتوكُّل .

مواطن التوكُّل :

فالتوكُّل مطلوب في كل لحظةٍ من حيــاتك .. لكن هناك مواطن معينة جاء الشرع بالحضِّ عليها وهي 15 موطن :

1) إن طلبت النصر والفرج ، فتوكَّل على الله : قال تعالى : " إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ " [آل عمران:160] .

2) إذا أعرضت عن أعدائك ورفقاء السوء ، فليكن رفيقك التوكُّل : قال تعالى : " .. فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا " [النساء:81] .

3) إذا أعْرَض عنك الخلق ، فتوكَّل : قال تعالى : " فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ " [التوبة:129] فلا تضعُف وتتذبذب إذا أعرض الناس عن دعوتك إياهم للخير ، بل ثق في الله وتوكَّل عليه .

4) إذا تلوت القرآن أو تُليَّ عليك ، فاستَنِدْ على التوكُّل : ثق في إن هذا البيــان هو الحق من ربُّك واخضع لحكمه ، قال تعالى : " إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ " [الأنفال:2] .

5) إذا طلبت الصُلح والإصلاح بين قومٍ ، لا تتوسل إلى ذلك إلا بالتوكُّل : يقول الله تعالى : " وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ " [الأنفال:61] .

6) إِذا وصلت قوافل القضاءِ ، استقبِلْها بالتَّوكُّل : " قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ " [التوبة:51] .

7) إِذا نَصبتِ الأَعداءُ حِبالات المكر ، ادخُلْ أَنت فى أَرض التوكُّل : " وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللّهِ فَعَلَى اللّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ " [يونس:71] .

8) وإِذا عرفت أَنَّ مرجع الكلّ إِلى الله وتقدير الكلّ منه سبحانه ، وطِّنْ نفسك على فَرْش التوكُّل : " وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ " [هود:123] .

9) إِذا علمت أنَّ الله هو الواحدُ على الحقيقة ، فلا يكن اتِّكالك إِلاَّ عليه : " .. قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ " [الرعد:30] .

10) إِذا عرفت أَنَّ هذه الهداية من عند الله تعالى ، فاستقْبِلها بالشُّكر والتَّوكُّل : " وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ " [إبراهيم:12] .

11) إِذا خشِيت بأْس أَعداءِ الله ، والشيطان الغدّار ، لا تلتجئ إِلاَّ ببــاب العزيـز الغفــار : " إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ " [النحل:99] .

12) إِن أَردتَ أَن يكون الله وكيلك فى كلّ حال فتمسَّك بالتَّوكُّل فى كلِّ حالٍ: " وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا " [الأحزاب:3] .

13) إِن أَردتَ أَن يكون الفردوس الأَعلى منزلك انزل فى مقام التوكُّل: " الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ " [العنكبوت:59] .

14) إِن شئت النزول محلَّ المحبَّة ، اقصد أَولاً طريق التوكُّل : " .. فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ " [آل عمران:159] .

15) إِن أَردتَ أَن يكونَ الله تعالى لكَ ، وتكون خـــالصًا لله ، فاستقرَّ على تَخْت التوكُّل : " .. وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ .." [الطلاق:3] ، " فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ " [النمل:79] .

الدعـــاء باسم الله الوكيــل :

عن أبي سعيد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن واستمع الإذن متى يؤمر بالنفخ فينفخ " فكأن ذلك ثَقُل على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهم : " قولوا : حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكلنا " [رواه الترمذي وصححه الألباني] .

وهو من الأذكــار المهجورة التي ينبغي على كل من يؤمن باليــوم الآخر ويخشى أهواله أن يُكثِر من ترديده .

ومما ورد من الدعاء بالوصف .. قول الرسول صلى الله عليه وسلم : " دعوات المكروب : اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت " [رواه أبو داوود وحسنه الألباني، صحيح الجامع] .

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا حقيقة التوكُّل عليه .. وأن يكون لنا نِعْمَ المولى وَنِعْمَ الوكيـــل .

==========

اسم الله تعالى الودود

لوْ لمْ يَكُنْ مِنْ تَحَبُّبِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ إلى عبادِهِ وإحسانِهِ إليهم وَبِرِّهِ بهم إلاَّ أنَّهُ سُبْحَانَهُ خَلَقَ لهم ما في السَّمَاواتِ والأرضِ وما في الدنيا والآخرةِ ، ثُمَّ أَهَّلَهُم وَكَرَّمَهم ، وَأَرْسَلَ إليهمْ رُسُلَهُ وأَنْزَلَ عليهمْ كُتُبَهُ ، وَشَرَعَ لهم شَرَائِعَهُ ، وَأَذِنَ لهم في مُنَاجَاتِهِ كلَّ وقتٍ أَرَادُوا ، وَكَتَبَ لهم بكُلِّ حسنةٍ يَعْمَلُونَهَا عَشْرَ أَمْثَالِهَا إلى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إلى أضعافٍ كثيرةٍ ، وكَتَبَ لهم بالسيِّئَةِ واحدةً ، فإنْ تَابُوا منها مَحَاهَا وأَثْبَتَ مكانَهَا حسنةً ..

وإذا بَلَغَتْ ذُنُوبُ أحدِهِم عَنانَ السماءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرَهُ غَفَرَ لهُ ، ولوْ لَقِيَهُ بِقُرَابِ الأرضِ خَطَايَا ، ثُمَّ لَقِيَهُ بالتوحيدِ لا يُشْرِكُ بهِ شيئاً لأَتَاهُ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً ، وَشَرَعَ لهم التوبةَ الهادمةَ للذنوبِ ؛ فَوَفَّقَهُم لِفِعْلِهَا ثُمَّ قَبِلَهَا مِنْهُم .. فَإنَّما الفضلُ كُلُّهُ والنعمةُ كُلُّهَا والإحسانُ كلُّهُ منهُ أَوَّلاً وآخِراً .. أَعْطَى عَبْدَهُ مالَهُ ، وقالَ : تَقَرَّبْ بهذا إِلَيَّ أَقْبَلْهُ منكَ .. فالعبدُ لهُ ، والمالُ لهُ ، والثوابُ منهُ فهوَ المُعْطِي أوَّلاً وآخِراً ، فكيفَ لا يُحَبُّ مَنْ هذا شأنُهُ ؟ !! وكيفَ لا يَسْتَحِي العبدُ أنْ يَصْرِفَ شَيْئاً منْ مَحَبَّتِهِ إلى غَيْرِهِ ؟!! ومَنْ أَوْلَى بالحمدِ والثناءِ والمَحَبَّةِ منهُ سبحانَهُ ؟!! ومَنْ أَوْلَى بالكَرَمِ والجُودِ والإحسانِ منهُ ؟!! [طريق الهجرتين] .

وروده في القرآن الكريم :

ورد اسم الله تعالى الودود مرتين في القرآن الكريم :

في قوله تعالى : " وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ " [هود:90] وقوله جلَّ وعلا : " إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ " [البروج:13-14] .

المعنى اللغوي :

الوُدُّ مصدر المودَّة .. والودُّ هو الحبُّ يكون في جميع مداخل الخير .

وَوَدِدْتُ الشيء أوَدُّ ، وهو من الأمنية وشدة التعلُّق بحدوث الشيء .. كما في قوله تعالى : " .. يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ .. " [البقرة:96] أي : يتمنى أن يعيش ألف سنة .. وكقوله تعالى : " .. يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ " [المعارج:11] .

قال ابن العربي : " اتفق أهل اللغة على أن المودَّة هي المحبة " قال تعالى : " .. وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً .. " [الروم:21] .

ويأتي أيضًا بمعنى الملازمة مع التعلُّق .. فالودد معناه الوتد ؛ لثبوته ولشدة ملازمته وتعلقه بالشيء .

ويأتي على معنى المعية والمرافقة والمصاحبة كلازم من لوازم المحبة .. كما ورد عَنْ ابنِ عُمَرَ أنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " إِنَّ أَبَرَّ الْبِرِّ صِلَةُ الْوَلَدِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ " [مسلم] .

أما الحبُّ .. فهو نوعٌ من الصفاء والنقاء والطهُّر والخضوع .. والحُبُّ من القِرط ، الذي من شأنه أنه دائم التقلقل .. كما قال الجنيد : " الصادق يتقلَّبُ في اليوم أربعين مرة ، والمرائي يثبت على حالة واحدة أربعين سنة " [مدارج السالكين] فالمُحبُّ يتقلَّب قلبه بين الخوف والرجاء ، والسكينة والقلق ، والسرور والحزن .. أما من مات قلبه ، تسكن أحواله .. وهذا من علامات النفاق والعياذ بالله تعالى .

والفرق بين الحُبُّ والودُّ .. أن الحب ما استقر في القلب ، والودُّ ما ظهر على السلوك .. فكل ودود مُحب، وليس كل مُحب ودود .. وكل ودود أساسه مشاعر الحب في قلبه .

معنى الاسم في حق الله تعالى :

قال ابن عباس : " الودود هو الرحيم " وقال البخاري : " الودود هو الحبيب " .

وقال الزجاج : الودود : فعول بمعنى فاعل ، كقولك : غفورٌ بمعنى غافر ، وشكور بمعنى شاكر .. فيكون الودود في صفات الله بمعنى : الذي يودُّ عباده الصالحين ويحبهم .

والمعنى الثاني : أنه مودود بمعنى مفعول ، أي : الذي يوده عباده ويحبونه .

قال الخطابي : " وقد يكون معناه أن يُوَدِّدَهم إلى خلقه ، كقوله : " إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا " [مريم:96] " .

يقول السعدي : " الودود : الذي يحب أنبياءه ورسله وأتباعهم ، ويحبونه ، فهو أحب إليهم من كل شيء ، قد امتلأت قلوبهم من محبته ، ولهجت ألسنتهم بالثناء عليه ، وانجذبت أفئدتهم إليه ودًا وإخلاصًا وإنابةً من جميع الوجوه " [تيسير الكريم الرحمن] .

ويقول ابن القيم في النونية :

وهوَ الودودُ يُحِبُّهُم وَيُحِبُّهُ ... أحبابُهُ والفضلُ لِلْمَنَّانِ

وهوَ الذي جَعَلَ المَحَبَّةَ في قُلُو ... بِهِمُ وَجَازَاهُم بِحُبٍّ ثَانِ

هذا هوَ الإحسانُ حَقًّا لا مُعَا ... وَضَةً ولا لِتَوَقُّعِ الشُّكْرَانِ

لكنْ يُحِبُّ شُكُورَهُم وَشَكُورَهُم ... لا لاحْتِيَاجٍ منهُ للشُّكْرَانِ   [القصيدة النونية] .

عجـــائب ودُّ الله :

يقول ابن القيم : " ليس العجب من مملوك يتذلل لله ويتعبد له ولا يمل من خدمته مع حاجته وفقره إليه ، إنما العجب من مالك يتحبب إلى مملوك بصنوف إنعامه ويتودد إليه بأنواع إحسانه مع غناه عنه .

كفى بك عزًّا أنك له عبد * * * وكفى بك فخراً أنه لك رب  [الفوائد] .

من أنت أيها العبد الفقير حتى يتقرَّب إليك أغنى الأغنياء ؟! .. وماذا تساوي أنت أيها الذليل حتى يتودد إليك العزيز جلَّ في علاه ؟! .

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " إِذَا مَضَى شَطْرُ اللَّيْلِ أَوْ ثُلُثَاهُ يَنْزِلُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا ، فَيَقُولُ : هَلْ مِنْ سَائِلٍ يُعْطَى؟ هَلْ مِنْ دَاعٍ يُسْتَجَابُ لَهُ ؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ يُغْفَرُ لَهُ ؟ حَتَّى يَنْفَجِرَ الصُّبْحُ " [مسلم] .

ألا تشكو من قسوة القلب ؟! ألا تعاني هجر القرآن؟! ألا يسوؤك حالك مع الله تعالى ؟! ألا يواجههك ضيق العيش ؟! ألا تبتلى ؟! .

إذًا ، هلم ارفع شكواك وقَدِم نجواك في الثلث الأخير من الليل ، فاتحة الأحزان وفاتحة الرضوان ، وجنات النعيم والكرم الإلهي .

عجبًا لك أيها العبد ! ترفع حوائجك إلى من أغلق دونك بابه وجعل دونها الحراس والحُجَّاب ، وتنسى من بابهُ مفتوحٌ إلى يوم القيامة !! .

ومن عجائب ودَّهُ : أن تسبق محبته للعباد محبتهم له .. فالله هو الذي يبتديء عباده بالمحبة .. قال تعالى : " .. فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ .. " [المائدة:54] .

يقول ابن الجوزي : " سبحان من سبقت محبته لأحبابه ؛ فمدحهم على ما وهب لهم ، واشترى منهم ما أعطاهم ، وقدم المتأخر من أوصافهم لموضع إيثارهم ، فباهى بهم في صومهم ، وأحب خلوف أفواههم ، يا لها من حالةٍ مصونةٍ ! لا يقدر عليها كل طالب ، ولا يبلغ كنه وصفها كل خاطب " [صيد الخاطر] .

ومن عجائب ودَّهُ : أنه يتودد بنعمه لأهل المعاصي ، ويقيم بها عليهم الحجة .

ومن لطائف ودَّهُ : أنه لا يرفعه عن المذنبين ، وإن تكررت ذنوبهم ، فإذا تابوا منها وعادوا إليه شملهم بمحبته أعظم مما كانوا عليه .. أليس الله يحب التوابين ؟ .

يقول ابن القيم : " وهذا بخلاف ما يظنه من نقصت معرفته بربِّه من أنه سبحانه إذا غفر لعبده ذنبه فإنه لا يعود الودُّ الذي كان له منه قبل الجناية ، واحتجوا فى ذلك بأثرٍ إسرائيليٍ مكذوب أن الله قال لداود : يا داود ، أما الذنب فقد غفرناه ، وأما الودُّ فلا يعود .

وهذا كذبٌ قطعاً ، فإن الودُّ يعود بعد التوبة النصوح أعظمُ مما كان ، فإنه سبحانه يحب التوابين ، ولو لم يعد الودُّ لما حصلت له محبته ، وأيضًا فإنه يفرح بتوبة التائب ، ومحال أن يفرح بها أعظم فرح وأكمله وهو لا يحبه .

وتأمل سر اقتران هذين الاسمين فى قوله تعالى : " إِنَّهُ هُوَ يُبْدِيءُ وَيُعِيدُ وَهُوَ الْغَفُورُ الْودُود " [البروج:13-14] تجد فيه من الرد والإنكار على من قال : لا يعود الودُّ والمحبة منه لعبده أبدًا ، ما هو من كنوز القرآن ولطائف فهمه ، وفى ذلك ما يُهَيِّج القلب السليم ويأْخذ بمجامعه ويجعله عاكفًا على ربِّه الذي لا إله إلا هو ولا ربُّ له سواه .. عكوف المحب الصادق على محبوبه الذي لا غنى له عنه ، ولا بد له منه ولا تندفع ضرورته بغيره أبدًا " [طريق الهجرتين] .

فالله هو الذي يبدأ بالمغفرة ويُعيدها مرةً أخرى ..

تذنب ثم تتوب إليه بصدق ، فيغفر ويصفح .. ليس هذا فحسب بل تزداد محبته لك ، أفضل وأعظم مما كانت لك قبل ذلك .. إذا أردت أن يكون لك حظ عظيم من اسم الله تعالى " الودود " فتودد إليه بالأعمال الصالحة .. وإن وصلت إلى تلك المنزلة ، ستنال محبة الله عزَّ وجلَّ وملائكته وسيُبسَط لك القبول في الأرض .

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ : إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ ، ثُمَّ يُنَادِي جِبْرِيلُ فِي السَّمَاءِ : إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ وَيُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي أَهْلِ الْأَرْضِ " [البخاري] .

ولوْ لمْ يَكُنْ في مَحَبَّةِ اللَّهِ إلاَّ أنَّهَا تُنْجِي مُحِبَّهُ منْ عذابِهِ لكانَ يَنْبَغِي للعبدِ أنْ لا يَتَعَوَّضَ عنها بشيءٍ أبداً ، فَأَبْشِرْ فَإِنَّ الْلَّهَ تَعَالَىْ لَا يُعَذِّبُ حَبِيْبَهُ .

كيف نُحبَّ الله جلَّ في علاه ؟

أولاً : معرفة الله : فالله يحب أن تتعرف عليه ، كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " تعرَّف إلى الله في الرخاء ، يعرفك في الشدة " [صحيح الجامع] وقال : " إن الله ليعجب من العبد إذا قال : لا إله إلا أنت إني قد ظلمت نفسي فاغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، قال : عبدي عَرِفَ أن له ربًّا يغفر ويعاقب " [صحيح الجامع] .

عن الحسن بن أبي جعفر قال : سمعت عتبة الغلام يقول : من عرف الله أحبه ، ومن أحب الله أطاعه ومن أطاع الله أكرمه ، ومن أكرمه أسكنه في جواره ، ومن أسكنه في جواره فطوباه ، وطوباه ، وطوباه ، وطوباه فلم يزل يقول وطوباه حتى خرَّ ساقطًا مغشيًا عليه [حلية الأولياء] .

ومن أعظم الأسباب التي تُعين على معرفة الله تعالى :

- التفكُّر في خلق السماوات والأرض : كان ذو النون المصري يقول : " تنال المعرفة بثلاث : بالنظر في الأمور كيف دبرها ، وفي المقادير كيف قدرها ، وفي الخلائق كيف خلقها " [حلية الأولياء] .

- ومطالعة أسماء الله تعالى وصفاته : لا سيما بتدبُّر آيات القرآن والنظر في هذه الأسماء ومواضعها ، وكذلك تلمُّس آثار هذه الأسماء في الكون من حولك .. يقول ابن القيم : " واللَّهُ سبحانَهُ تَعَرَّفَ إلى عبادِهِ منْ أسمائِهِ وصفاتِهِ وأفعالِهِ بما يُوجِبُ مَحَبَّتَهُم لهُ ؛ فإنَّ القلوبَ مَفْطُورَةٌ على مَحَبَّةِ الكمالِ وَمَنْ قامَ بهِ ، واللَّهُ سبحانَهُ وتَعَالَى لهُ الكمالُ المُطْلَقُ منْ كلِّ وَجْهٍ ، الذي لا نَقْصَ فيهِ بِوَجْهٍ ما " [روضة المحبين] .

- استشعار نعم الله على العبد : فإن القلوب جُبِلَت على حب من أحسن إليها ، وبغض من أساء إليها ، ولا أحد أعظم إحسانًا من الله سبحانه ، فإن إحسانه على عبده في كل نفس ولحظة ، وهو يتقلَّبُ في إحسانه في جميع أحواله [طريق الهجرتين] وكان عمر بن عبد العزيز يقول : " .. الفكرة في نعم الله أفضل العبادة " [حلية الأولياء] .

ثانيًا : حب النبي صلى الله عليه وسلم واتبـــاع سُنَّته :

فمن اتبع رسوله صلى الله عليه وسلم فيما جاء به ، وصدق في اتباعه ، فذلك الذي أحب الله وأحبه الله .. قال تعالى : " قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ " [آل عمران:31] .

ثالثًا : كثـرة ذكـر الله تعـالى : قــال ذو النــون : " وَمَنْ شُغِـلَ قَلْبُهُ وَلِسَانُـهُ بِالذِّكْـرِ ، قَذَفَ اللهُ فِي قَلْبِـهِ نُورَ الِاشْتِيَاقِ إِلَيْهِ " [شعب الإيمان] .

رابعًا : حب القرآن وتلاوته بتدبُّر وتفكُّر : عن عائشةرضي الله عنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً على سرية وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بـ " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ  " [الإخلاص:1] فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : " سلوه لأي شيءٍ يصنع ذلك " فسألوه ، فقال : لأنها صفة الرحمن وأنا أحب أن أقرأ بها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أخبــروه أن الله يحبـه " [متفق عليـه] أحــبَّ " قُـلْ هُـوَ اللَّهُ أَحَـدٌ  " فأحبَّـهُ الرحمن .

قال ابن القيم : " فتبارك الذي جعل كلامه حياة للقلوب وشفاء لما في الصدور وبالجملة فلا شيء أنفع للقلب من قراءة القرآن بالتدبُّر والتفكُّر ؛ فإنه جامع لجميع منازل السائرين وأحوال العاملين ومقامات العارفين ، وهو الذي يورث المحبة والشوق والخوف والرجاء والإنابة والتوكُّل والرضا والتفويض والشكر والصبر وسائر الأحوال التي بها حياة القلب وكماله " [مفتاح دار السعادة] .

خامسًا : الانكسار والذلَّ بين يدي العزيز الجبــار : فإن منن الرحمن تفيض على أهل الانكسار .. قال تعالى : " وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ .. " [آل عمران:123] ويقول جلَّ وعلا : " وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ " [القصص:5] وأقرب ما يكون العبد من الربِّ حال انكساره بين يديه .. كما ورد في بعض الإسرائيليات أن موسى قال : يا رب أين أبغيك ، قال : ابغني عند المنكسرة قلوبهم [حلية الأولياء] .

فالله تعالى يبتليك ليسمع تضرعك وأنينك ؛ لأن فيه انكسار وافتقار بين يديه .

سادسًا : التقرُّب إليه بالفرض وكثرة النوافل ، لاسيما الصلاة : كما ورد في الحديث القدسي " .. وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ .. " [البخاري] .

سابعًا : الخلوة لمناجاة الله :

لو قام المذنبون في هذه الأسحار على أقدام الانكسار ورفعوا قصص الاعتذار مضمونها : " .. يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا .. " [يوسف:88] لبرز لهم التوقيع عليها : " .. لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ " [يوسف:92] [لطائف المعارف] .

ومناجاتك سبب نجاتك ، وبها يغرس الله تعالى حبَّهُ في قلبك .

ثامنًا : معاملة الله بالصدق والإخلاص ومخالفة الهوى : فإن كنت تريد أن يحبك الله ، ينبغي أن تترك شيئًا تحبه ابتغاء مرضاته .. ومن ترك شيئًا لله ، عوضه الله خيرًا منه .

فلتجربي أيتها الفتاة أن تتركي التبرُّج والملابس الضيقة ؛ ابتغاء مرضاة الله وحده وانظري كم فيوضات الرحمة التي سيفيض بها الكريم عليكِ ويكفيكي أن يُحبك ويرزقكِ حبه ، إن وجدكِ صادقة مخلصة .

ولتجرب أيها الشاب أن تترك مصاحبة الفتيات والتدخين ، وسائر المُنكرات التي يقع فيها شباب هذا الزمان ؛ ولسان حالك يقول : " .. وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى " [طه:84] وحينها ستُبلَّغ حُب ربِّك .

تاسعًا : تذكُّر نعيم أهل الجنة ، ورؤيتهم لربِّهم : فاستحضار هذه اللحظة يُسكِب في القلب معاني المحبة .

عاشرًا : محبة أولياء الله ومجالسة الصالحين المحبين : فإذا أحببت أولياءه أحبك وإذا عاديت أولياءه أذلَّك .. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ اللَّهَ قَالَ : مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ .. " [البخاري] .

وعن النبي صلى الله عليه وسلم : " أن رجلا زار أخا له في قرية أخرى ، فأرصد الله له على مدرجته ملكًا قال : أين تريد ؟ قال : أريد أخًا لي في هذه القرية ، قال : هل لك عليه من نعمة تربها ؟ قال : لا ، غير أني أحببته في الله ، قال : فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه " [مسلم] .

وقال بعض السلف : " أحِب أهل الجنة تكن معهم يوم القيامة وابغض أهل المعاصي يحبك الله " [حلية الأولياء] .

ومجالسة الصالحين المحبين ترقق القلب .. وتلتقط من أفواههم أطايب الكلام كما تنتقى أطايب الثمار ..هؤلاء قوم أحبوا الله فتتفطر القلوب القاسية لكلامهم، وتدمع العيون الجافية عند سماع أصواتهم .. قوم عرفوا الله، فذاقوا طعم السعادة ونالوا لذة الإيمان، فلو عرف الملوك وأبناء الملوك مانحن فيه من السرور والنعيم لجالدونا عليه بالسيوف .

حادي عشر : حب الصحابة ، لاسيما الأنصار .. عن البراء قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :     " الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق ، فمن أحبهم أحبه الله ومن أبغضهم أبغضه الله " [متفق عليه] .

ثاني عشر : الزهد في الدنيـــا .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ازهد في الدنيا يحبك الله ، وازهد فيما في أيدي الناس يحبوك " [ابن ماجه] .

ثالث عشر : أداء الأمانة وصدق الحديث وحسن الجوار .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أحببتم أن يحبكم الله تعالى ورسوله ، فأدوا إذا ائتمنتم واصدقوا إذا حدثتم وأحسنوا جوار من جاوركم " [رواه الطبراني وحسنه الألباني، صحيح الجامع] .

رابع عشر : أن تبتعد عن كل سبب يحول بينك وبين الله تعالى .. فابتعد عن كل ذنبٍ تعلم أنه يقطع بينك وبين ربِّك ؛ حتى يخلص قلبك له وحده .

خامس عشر : المبادرة إلى طلب القرب بالطاعات .. قال النبي صلى الله عليه وسلم : " قال الله : يا ابن آدم ، قم إليَّ أمش إليك ، وامش إليَّ أهرول إليك " [رواه أحمد وصححه الألباني] .

سادس عشر : محبة لقاء الله .. والاستعداد له بالزيادة في الأعمال الصالحة ، عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه " [متفق عليه] .

الدعاء باسم الله الودود :

لم يرد الدعاء بالاسم أو الوصف في القرآن أو السُّنَّة ، ويمكن الدعاء بمعنى الاسم ؛ فالودود هو المحبوب الذي يستحق أن يحب ، وأن يكون أحب إلى العبد من سمعه وبصره وجميع محبوباته ، ومما ورد في ذلك حديث معاذ : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ ، وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ ، وَأَنْ تَغْفِرَ لِي وَتَرْحَمَنِي ، وَإِذَا أَرَدْتَ فِتْنَةَ قَوْمٍ فَتَوَفَّنِي غَيْرَ مَفْتُونٍ ، أَسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ ، وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُ إِلَى حُبِّكَ "  قَالَ رَسُولُ اللهِ " إِنَّهَا حَقٌّ فَادْرُسُوهَا ثُمَّ تَعَلمُوهَا " [رواه الترمذي وصححه الألباني] .

يقول ابن القيم : ومنْ أفضلِ ما سُئِلَ اللَّهُ حُبُّهُ ، وَحُبُّ مَنْ يُحِبُّهُ ، وَحُبُّ عَمَلٍ يُقَرِّبُ إلى حُبِّهِ .

ومِنْ أَجْمَعِ ذلكَ أنْ يَقُولَ : " اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُنِي إِلَى حُبِّكَ ، اللَّهُمَّ مَا رَزَقْتَنِي مِمَّا أُحِبُّ فَاجْعَلْهُ قُوَّةً لِي فِيمَا تُحِبُّ ، وَمَا زَوَيْتَ عَنِّي مِمَّا أُحِبُّ فَاجْعَلْهُ فرَاغاً لي فِيمَا تُحِبُّ ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ حُبَّكَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَهْلِي وَمَالِي وَمِنَ الْمَاءِ الْبَارِدِ عَلَى الظَّمَأِ ، اللَّهُمَّ حَبِّبْنِي إِلَيْكَ وَإِلَى مَلائِكَتِكَ وَأَنْبِيَائِكَ وَرُسُلِكَ وَعِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ، وَاجْعَلْنِي مِمَّنْ يُحِبُّكَ وَيُحِبُّ مَلائِكَتَكَ وَأَنْبِيَاءَكَ وَرُسُلَكَ وَعِبَادَكَ الصَّالحِينَ ، اللَّهُمَّ أَحْيِ قَلْبِي بِحُبِّكَ وَاجْعَلْنِي لَكَ كَمَا تُحِبُّ ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي أُحِبُّكَ بِقَلْبِي كُلِّهِ ، وَأُرْضِيكَ بِجُهْدِي كُلِّهِ ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ حُبِّي كُلَّهُ لَكَ ، وَسَعْيِي كُلَّهُ في مَرْضَاتِكَ " [روضة المحبين] .

=========

الربُّ جلَّ جلاله

اسْمُ ( الرَّبِّ ) من الأسماء الجميلة التي تُشعِر العبد بالأمان والطمأنينة والسكينة .. فالله سبحانه هوَ ربُّ كلِّ شيءٍ وخالقُهُ ، والقادرُ عليهِ ، لا يَخْرُجُ شيءٌ عنْ رُبُوبِيَّتِهِ ، وكلُّ مَنْ في السَّمَاواتِ والأرضِ عَبْدٌ لهُ في قَبْضَتِهِ ، وَتَحْتَ قَهْرِهِ .. وهوَ الذي يُرَبِّي عَبْدَهُ ، فَيُعْطِيهِ خَلْقَهُ ، ثُمَّ يَهْدِيهِ إلى مَصَالِحِهِ ..

فلا خالق إلا هو .. ولا مُدبِّر لأمركَ سواه .. ولا رازق لك إلاه ..

المعنى اللغوي :

يرد اسم الربُّ على عدة معاني لغوية ، منها :

1) الإصلاح : قال الزجاجي : الربُّ : المصلح للشيء ، يقال : رَبَبتُ الشيء أرُبُه رَبًا وربابة ، إذا أصلحته وقمت عليه .

2) المالك : ربُّ الشيء مالكه .

ومصدر الربُّ : الربوبية ، وكل من ملك شيئًا فهو ربُّه ، يقال : هذا ربُّ الدار وربُّ الضيعة ، ولا يقال : " الربُّ " معرفًا بالألف واللام مطلقًا ، إلا لله ؛ لأنه مالك كل شيء .

3) العبد الربَّاني : وقال الجوهري : " الربَّاني : المُتَألِّهُ العارف بالله تعالى " أي العبد الذليل الخاضع المُحب لله تعالى ، العارف بالله .. فمن عَرِفَ الله أحبه وذلَّ بين يديه وعظمَّه حقَّ التعظيم .

4) سياسة الشيء وتدبير الأمر : قال ابن الأنباري : " الرَّبُّ ينقسم على ثلاثة أقسام : يكون الربُّ المالك ، ويكون الربُّ السيد المطاع .. ويكون الربُّ المُصلِح " .

5) المُربِّي : وقال الراغب : " الربُّ في الأصل التربية ، وهو إنشاءُ الشيءِ حالاً فحالاً إلى حد التمام " .

ورود الاسم في القرآن الكريم :

ثبت الاسم في القرآن والسنة ، فقد سمى الله نفسه بالربِّ على سبيل الإطلاق والإضافة ، وكذلك سماه به رسوله ؛ فالإطلاق الذي يفيد المدح والثناء على الله بنفسه فكما ورد في قوله : " سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ " [يس:58] وكقوله : " بَلدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُور " [سبأ:15] .

وفي السنة ما رواه مسلم من حديث ابن عباس : أن رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم قال : " أَلاَ وَإِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ ، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ فَقَمِنٌ ( أي : فأولى ) أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ " [مسلم] .

وَعَن عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ : أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم  يَقُولُ : " أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنَ الْعَبْدِ في جَوْفِ الليْلِ الآخِرِ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ اللهَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَكُنْ " [رواه الترمذي وصححه الألباني] .

معنى الاسم في حق الله تعالى :

الربُّ سبحانه هو .. المتكفل بخلق الموجودات وإنشائها والقائم علي هدايتها وإصلاحها ، وهو الذي نظَّم معيشتها ودبَّر أمرها .. يقول الله جلَّ وعلا " إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الذِي خَلقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلى العَرْشِ يُغْشِي الليْل النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لهُ الخَلقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ العَالمِينَ " [الأعراف:54] فالربُّ سبحانه هو المتكفل بالخلائق أجمعين إيجادًا وإمدادًا ورعايةً وقيامًا على كل نفس بما كسبت ، قال تعالى : " أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلى كُل نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ " [الرعد:33] .

وحقيقة معنى الربوبية في القرآن تقوم على ركنين اثنين وردا في آيات كثيرة :

الركن الأول : إفراد الله بالخلق ، والثاني : إفراده بالأمر وتدبير ما خلق ، كما قال تعالى عن موسى وهو يبين حقيقة الربوبية لفرعون لما سأله:" قَال فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (49) قَال رَبُّنَا الذِي أَعْطَى كُل شَيْءٍ خَلقَهُ ثُمَّ هَدَى " [طه:49-50] فأجاب عن الربوبية بحصر معانيها في معنيين جامعين ، الأول إفراد الله بتخليق الأشياء وتكوينها وإنشائها من العدم حيث أعطى كل شيء خلقه وكمال وجوده ، والثاني إفراد الله بتدبير الأمر في خلقه كهدايتهم والقيام على شؤونهم وتصريف أحوالهم والعناية بهم ، فهو سبحانــه الذي توكـل بالخلائق أجمعين قــال تعــالى : " اللهُ خَالقُ كُل شَيْءٍ وَهُوَ عَلى كُل شَيْءٍ وَكِيل " [الزمر:63] .

قال السعدي : " الربُّ : هو المربي جميع عباده بالتدبير وأصناف النعم ، وأخص من هذا تربيته لأصفيائه بإصلاح قلوبهم وأرواحهم وأخلاقهم ، ولهذا كثر دعاؤهم له بهذا الاسم الجليل ، لأنهم يطلبون منه هذه التربية الخاصة " [تيسير الكريم الرحمن] .

حظ المؤمن من اسم الله تعالى الربِّ :

1) أن يكتسي العبد بثوب العبودية ، ويخلع عن نفسه رداء الربوبية :

لعلمه أن المنفرد بها من له علو الشأن والقهر والفوقية ، فيثبت لله أوصاف العظمة والكبريا ء ، ولا ينازع ربُّ العالمين في كمال شريعته أو يتخلف عن درب النبي وسنته .

2) أن يتقي العبد ربَّه فيمن ولاه عليهم :

عن عبد الله بن جعفر قال : أن رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ حَائِطًا لِرَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ ، فَإِذَا جَمَلٌ فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَنَّ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ فَمَسَحَ ذِفْرَاهُ فَسَكَتَ ، فَقَالَ : مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ ؟ لِمَنْ هَذَا الْجَمَلُ ؟ فَجَاءَ فَتًى مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ : لِي يَا رَسُولَ اللهِ ، فَقَالَ : " أَفَلاَ تَتَّقِى اللهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ التِي مَلكَكَ اللهُ إِيَّاهَا ، فَإِنَّهُ شَكَى إِلَىَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ " [رواه أبو داوود وصححه الألباني] .

وألا يصف نفسه بأنه ربُّ كذا تواضعًا لربِّه وتوحيدًا لله في اسمه ووصفه ، وإن جاز أن يصفه غيره بذلك .. فقد ورد عن أَبِى هريرة : أن رسول صلى الله عليه وسلم قال : " لاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ : عَبْدِي وَأَمَتِي ، وَلاَ يَقُولَنَّ الْمَمْلُوكُ : رَبِّى وَرَبَّتِي ، وَلْيَقُلِ الْمَالِكُ : فَتَايَ وَفَتَاتِي وَلْيَقُلِ الْمَمْلُوكُ : سَيِّدِي وَسَيِّدَتِي ، فَإِنَّكُمُ الْمَمْلُوكُونَ وَالرَّبُّ اللهُ " [رواه أبو داوود وصححه الألباني] .

3) الرضــا بالله ربًّا :

ومن كانت هذه صفته ذاق طعم الإيمان وحلاوته ، قال رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : "ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا " [مسلم] .

4) أن يسعى العبد في تربية وإصلاح نفسه :

فمن كل حينٍ لآخر عليه أن يبحث عن آفات نفسه وعيوبها ، ويسعى في علاجها وتهذيب نفسه .. وقواعد إصلاح النفس وتهذيبها ، هي :

القاعدة الأولى : الاستعانة بالله تعالى : على تلك المهمة الصعبة القاسية ، ويعلم إنه لن يُهذَّب إلا إذا شاء الله له ذلك .

القاعدة الثانية : الصدق والإخلاص في طلب التغيير : فلن يتغيَّر إلا إذا كان صادقًا مخلصًا ، وإذا صدق بُشِّر .

القاعدة الثالثة : معرفة عيب النفس : ومن عرف نفسه ، عرف ربَّه .. فعليه أن يُبصَّر بعيوبه ، من خلال أمرين : الأول نقد الناقد ونصيحة الناصح .. وأن يُبصِّر الإنسان نفسه بعيوب نفسه ، قال تعالى : " بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ " [القيامة:14-15] .

القاعدة الرابعة : الشروع في إصلاح عيوب نفسه : على علم وبصيرة ، بالعلاج الذي يناسب آفاته وعيوبه .

5) التدرُّج والمنهجية في التعامل مع النفس :

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما : " " .. كُونُوا رَبَّانِيِّينَ .." [آل عمران: 79] الرَّبَّانِيُّ : الَّذِي يُرَبِّي النَّاسَ بِصِغَارِ الْعِلْمِ قَبْلَ كِبَارِهِ " [البخاري] .

فعليك أن تتدرَّج في معاملتك لنفسك ، فتبدأ معها بالأمور اليسيرة إلى أن تصل إلى الأصعب فالأصعب .. ويتضح ذلك في طريقك لطلب العلم ، فينبغي أن تبدأ بتعلُّم الأمور الأساسية التي تُقيم بها دينك وتدرَّج بعدها حتى تصل إلى المسائل الصعبة .. أما إذا بدأت بصعاب الأمور ، فلن تتمكن من إكمال الطريق وستتعثر لا محالة .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق " [رواه أحمد وحسنه الألباني، صحيح الجامع] .

فَإِنَّ الْمُنْبَتّ لَا أَرْضًا ... قَطَعَ وَلَا ظَهْرًا أَبْقَى

كيف ندعو الله تعالى باسمه الربُّ ؟

ورد الدعاء بالاسم المقيد في نصوص كثيرة ، كقوله تعالى : " وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ القَوَاعِدَ مِنَ البَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّل مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَليم " [البقرة:127] .

وأيضًا ما جاء في قوله تعالى : " رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِل عَليْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلتَهُ عَلى الذِينَ مِنْ قَبْلنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلنَا مَا لا طَاقَةَ لنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلى القَوْمِ الكَافِرِينَ " [البقرة:286] .

وقوله سبحانه : " وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيراً " [الإسراء:80] وقوله:" دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللهمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " [يونس:10] .

وعن شدّاد بن أوسٍ : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :  " سيِّد الاستغفار : اللهم أنتَ ربي لا إلهَ إلا أنت خلقتَني وأنا عبدُك ، وأنا على عهدِكَ ووعدِك ما استَطعت أبُوءُ لك بنعمتك ، وأبوءُ لك بذنبي فاغفِرْ لي ؛ فإنه لا يغفر الذنوبَ إلا أنت ، أعوذُ بك من شرِّ ما صنعت ، إذا قال حينَ يُمسي فمات ؛ دخل الجنَّة ، أو كان من أهل الجنة ، وإذا قال حِينَ يُصبح فمات من يومِه دخل الجنَّة " [البخاري] .========

اسم الله تعالى الرقيـــب

مراقبة الله تعالى لخلقه مراقبة عن استعلاء وفوقية ، وقدرة وصمدية ، لا تتحرك ذرة إلا بإذنه ، ولا تسقط ورقة إلا بعلمه ، ملك له الملك كله ، وله الحمد كله ، وإليه يُرجع الأمر كله .. تصريف الأمور كلها بيديه ، ومصدرها منه ومردها إليه ، سبحـانه مستو على عرشه لا تخفى عليه خافية ، عالمٌ بما في نفوس عباده مطلع على السر والعلانية ، يسمع ويرى ، ويعطي ويمنع ، ويثيب ويعاقب ، ويكرم ويهين ، ويخلق ويرزق ، ويميت ويحيي ، ويقدر ويقضي ، ويدبر أمور مملكته ، فمراقبته لخلقه مراقبة حفظٍ دائمة ، وهيمنةٍ كاملة ، وعلم وإحاطة ..

المعنى اللغوي :

الرقيب في اللغة : فعيل بمعنى فاعل وهو الموصوف بالمراقبة ، والرقابة تأتي بمعنى الحفظ والحراسة والانتظار مع الحذر والترقب .

عن ابن عمر : أن أبا بكر قال : " ارْقُبُوا مُحَمَّدًا فِي أَهْلِ بَيْتِهِ " [البخاري] أي : احفظوه فيهم .. وقـال هــارون : " .. إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي " [طه:94] .

فالرقيب الموكل بحفظ الشيء المترصد له المتحرز عن الغفلة فيه ، ورقيب القوم حارسهم ، وهو الذي يشرف على مرقبة ليحرسهم ، ورقيب الجيش طليعتهم ، والرقيب الأمين .. وراقب الله تعالى في أمره ، أي : خافه .

ورود الاسم  في القرآن الكريم :

ورد اسم الله الرقيب في القرآن ثلاث مرات :

في قوله تعالى : " .. وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ " [المائدة:117] وقوله تبارك وتعالى : " .. إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا " [النساء:1] وقوله : " .. وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا " [الأحزاب:52] .

معنى الاسم في حق الله تعالى :

الرقيب سبحانه هو المطلع على خلقه يعلم كل صغيرة وكبيرة في ملكه ، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء .. قال تعالى : " أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ " [المجادلة:7] وقال الله : " أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ " [الزخرف:80] .

فبما ينبض قلبك ؟ هل ينبض بـ" لا إله إلا الله " أم قد زاغ مع سبل الشيطان ؟!

والله سبحانه رقيب راصد لأعمال العباد وكسبهم ، عليم بالخواطر التي تدب في قلوبهم ، يرى كل حركة أو سكنة في أبدانهم ووكل ملائكته بكتابة أعمالهم وإحصاء حسناتهم وسيئاتهم ، قال تعالى : " وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَاماً كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ " [الانفطار:10-12] فالملائكة تسجيل أفعال الجنان والأبدان ، وقال تعالى عن تسجيلهم لقول القلب وقول اللسان : " وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ " [ق:16-18] وهو من فوقهم رقيبٌ عليهم وعلى تدوينهم ، ورقيبٌ أيضًا على أفعال الإنسان قال تعالى : " وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ " [يونس:61] .

قال الحليمي:" الرقيب: هو الذي لا يغفل عما خلق فيلحقه نقصٌ ، أو يدخل خلل من قِبَلِ غفلته عنه " [المنهاج] .

قال ابن الحصار : " الرقيب : المراعي أحوال المرقوب ، الحافظ له جملة وتفصيلاً ، المحصي لجميع أحواله " [الكتاب الأسنى] .

وقال الزجاج : " الرقيــب : هو الحافظ الذي لا يغيب عمَّا يحفظه " [تفسير الأسماء] .

قال السعدي : " الرقيب : المطلع على ما أكنته الصدور ، القائم على كل نفسٍ بما كسبت ، الذي حفظ المخلوقات وأجراها على أحسن نظام وأكمل تدبير " [تيسير الكريم الرحمن] .

يقول ابن القيم في النونية :

وَهْوَ الرَّقِيبُ عَلَى الخَوَاطِرِ واللَّوَا ... حِظِ كَيْفَ بالأَفْعَالِ بالأَرْكَانِ     [القصيدة النونية] .

حظ المؤمن من اسم الله الرقيب :

أولاً : مراقبة الله تعالى في سره وعلانيته :

ما معنى المراقبة ؟

يقول ابن القيم : " المراقبة : دوام علم العبد وتيقنه باطلاع الحق على ظاهره وباطنه " [مدارج السالكين] فكلما هَفَت نفسه إلى المعصية ، عَلِمَ علم اليقين أن الله البصير مُطلعٌ على خفايا نفسه وعلى سره وجهره .. فلا يكن الله تعالى أهون الناظرين إليه .

فإذا تيَّقن العبد من نظر الله تعالى إليه ، تتولد لديه مراقبة لله في جميع أحواله مما يجعله يرتقي درجة عظيمة من درجات الإيمان ألا وهي درجة الإحســـان .

فأول المراقبة : علم القلب بقرب الربِّ ..

قال الحارث المحاسبي : " أوائل المراقبة : علم القلب بقرب الرب ، والمراقبة في نفسها التي تورث صاحبها وتكمل له الاسم ويستحق أن يسمي مراقبًا : دوام علم القلب بعلم الله في سكونك وحركتك ، علمًا لازمًا للقلب بصفاء اليقين " [القصد الرجوع إلى الله] .

والمراقبة درجـــــات :

يقول الإمام الغزالي : " أعلم أن حقيقة المراقبة هي ملاحظة الرقيب وانصراف الهمم إليه ، فمن احترز من أمر من الأمور بسبب غيره يقال : أنه يراقب فلانًا ويراعى جانبه ، ويعنى بهذه المراقبة حالة للقلب يثمرها نوعٌ من المعرفة وتثمر تلك الحالة أعمالا في الجوارح وفي القلب .

أما الحالة : فهي مراعاة القلب للرقيب واشتغاله به والتفاته إليه وملاحظته إياه وانصرافه إليه .

وأما المعرفة : التي تثمر هذه الحالة فهو العلم بأن الله مطلع على الضمائر عالم بالسرائر ، رقيب على أعمال العباد ، قائم على كل نفس بما كسبت وأن سر القلب في حقه مكشوف كما أن ظاهر البشرة للخلق مكشوف بل أشد من ذلك .

فهذه المعرفة إذا صارت يقينًا ، أعنى أنها خلت عن الشك ثم استولت بعد ذلك على القلب فقهرته ، فرُبَّ علمٍ لا شك فيه لا يغلب على القلب ، كالعلم بالموت .. فإذا استولت على القلب ، استجرت القلب إلى مراعاة جانب الرقيب وصرفت همه إليه والموقنون بهذه المعرفة هم المقربون وهم ينقسمون إلى الصديقين وإلى أصحاب اليمين " [إحياء علوم الدين] .

والمراقبة لمن وحد الله في اسمه الرقيب على نوعين :

النوع الأول : مراقبة العبد لربِّه بالمحافظة على حدوده وشرعه واتباعه لسُنَّة نبيه .

فعلى العبد أن يسعى لتحقيق أركان القبول في جميع أعماله، وهي :

1) الإخلاص : فإن كان يقوم بأعمال بر ظاهرة ، عليه أن يقوم بأعمال خفية عن الناس في المقابل ؛ لكي يُحقق معنى الإخلاص .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من استطاع منكم أن يكون له خبء من عمل صالح فليفعل " [صحيح الجامع] .

2) المتابعة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم : بأن يتحرى السُّنَّة في عمله .

فيوقن بأن الله معه من فوق عرشه يتابعه يراه ويسمعه ، كما ورد من حديث عبد الله بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال له : " يَا غُلاَمُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ ، احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ ، إذا سَألت فاسْأل الله ، وإذا اسْتعنتَ فاسْتعن بالله " [رواه الترمذي وصححه الألباني] .

والنوع الثاني : إيمان العبد بمراقبة الله لعباده وحفظه لهم وإحصائه لكسبهم .

عن أبي هريرةرضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ : رَبِّ ذَاكَ عَبْدُكَ يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً ، وَهُوَ   أَبْصَرُ بِهِ ، فَقَالَ : ارْقُبُوهُ فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِمِثْلِهَا وَإِنْ تَرَكَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً ، إِنَّمَا تَرَكَهَا مِنْ جَرَّاي " [مسلم] مِنْ جَرَّاي ، أي : ابتغاء وجهي .

فيستشعر العبد أن الله تعالى ناظرٌ إليه حال عمله ، ويرى خطارات قلبه وظاهر عمله .

نموذج تطبيقي للمراقبة :

إذا فرغ العبد من فريضة الصبح ، ينبغي أن يفرِّغ قلبه ساعة لمشارطة نفسه .. فيقول للنفس : ما لى بضاعة إلا العمر ، فإذا فني منى رأس المال وقع اليأس من التجارة ، وطلب الربح ، وهذا اليوم الجديد قد أمهلني الله فيه ، وأخرَّ أجلي ، وأنعمَّ عليَّ به، ولو توفاني لكنت أتمنى أن يرجعني إلى الدنيا حتى أعمل فيه صالحاً .

هل تحب أن تلقى الله بحالك هذا ؟ أم أفضل منه ؟!

إن كنت تريد أن تكون أفضل مما أنت عليه الآن، لِمَ لا تتحرك وقد أمهلك الله تعالى وأمدَّ في عمرك ؟!

فقل لنفسك : احسبي يا نفس أنك قد توفيتِ ثمَّ رددتِ ، فإياكِ أن تضيعي هذا اليوم .

وينبغى أن يراقب الإنسان نفسه قبل العمل وفى العمل .. هل حركه عليه هوى النفس أو المحرك له هو الله تعالى خاصة ؟ فإن كان الله تعالى ، أمضاه وإلا تركه ، وهذا هو الإخلاص .

قال الحسن : " رحم الله عبداً وقف عند همه ، فإن كان لله مضى ، وإن كان لغيره تأخر " .

فهذه مراقبة العبد في الطاعة وهو : أن يكون مخلصاً فيها .

أما مراقبته في المعصية تكون: بالتوبة والندم والإقلاع .. فكلما ورد الذنب على خاطره ، يستعيذ بالله منه ويبعث على وجل قلبه .. فيكون دائمًا أبدًا مُنيـــب إلى ربِّ العالمين ، كثيــر الرجوع إليه .

ومراقبته في المباح تكون : بمراعاة الأدب ، والشكر على النعم .. فإنه لا يخلو من نعمة لابد له من الشكر عليها ، ولا يخلو من بلية لابد من الصبر عليها، وكل ذلك من المراقبة .

والتوسع في المباحات يبعث على الذنب لا محالة ؛ لأن النفس تطغى بذلك وهي لا تأمر بخيرٍ أبدًا .

ثم تأتي مرحلة المراقبة بعد العمل : وهي أن يكون قلبه وجلاً ألا يُقبَل عمله ، وهذا من تمام المراقبة .. قال تعالى : " وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ " [المؤمنون:60] .

ثـانيــــًا : حراسة الخواطر :

فمراقبة الله سبحانه تعالى تقتضي أن يحترس المرء من خواطره ؛ لأنها نقطة البداية لأي عمل .

وذلك بألا تسبح مع خاطرك .. فلا تطلق لخيالك العنــان وتدع نفسك تشرُد في كل ما تشتهي وتتمنى .. وكلما راودتك تلك الخواطر وأحلام اليقظة ، تحرَّك واشغل نفسك بأي عمل آخر : حتى لا تسبح بخيالك بعيدًا عن هدفك .

ومن راقب الله في خواطره ، عصمَّه الله في حركات جوارحه .

وفوائد المراقبة ست :

1) الفوز بالجنة والنجاة من النــار : فإن من راقب الله يُبلَّغ المنازل العلا .

2) أن يشمله الله بحفظه ورعايته في الدنيــا والآخرة : كما في حديث السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله ، ومنهم " .. ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه ، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال : إني أخاف الله ، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه " [متفق عليه] .

3) الأمان من الفزع الأكبر يوم القيامة .

4) المراقبة دليلٌ على كمال الإيمان وحُسن الإسلام : فالمراقبة ترتقي بإيمان العبد إلى درجة الإحسان ، كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في تعريف الإحسان : " أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ " [مسلم] والمحسن أعلى درجة من المؤمن والمسلم .

5) تُثمر محبة الله تعالى ورضاه .

6) يرزقه الله تعالى حُسن الخاتمة : إذا راقب قلبه واستقامت أحواله في حياته .

دعاء المسألة باسم الله الرقيب :

ورد دعاء المسألة بالاسم المقيد في قوله تعالى عن عيسى : " فَلمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَليْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شيء شَهِيدٌ  (117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيم " [المائدة:117-118] .

وورد فـي السُّنَّـة المطهَّـرة : عَنْ ابْنِ عَبَّـاسٍ رَضِـيَ اللَّهُ عَنْهُمَــا قَــالَ : قَــالَ رَسُـولُ اللَّهِ صلـى الله عليـه وسلـم : " تُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا ثُمَّ قَرَأَ " كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ " .. فَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى إِبْرَاهِيمُ ثُمَّ يُؤْخَذُ بِرِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِي ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ فَأَقُولُ : أَصْحَابِي ، فَيُقَالُ : إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ ، فَأَقُولُ كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ " وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " " [البخاري] .

وفي خطبة الحاجة : كما ورد من حديث ابن مسعود قَال : علمنـا رسـول اللهِ صلـى الله عليه وسلم خطبة الحاجة : " إِنَّ الحَمْدَ للهِ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلاَ مُضِل لهُ ، وَمَنْ يُضْلِل فَلاَ هَادِي لهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ الذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَليْكُمْ رَقِيبًا " [رواه أبو داوود وصححه الألباني] .

سُئِل ذو النون : بِمَ ينال العبد الجنة ؟ فقال : " بخمس : استقامة ليس فيها روغان ، واجتهاد ليس معه سهو ، ومراقبة الله تعالى في السر والعلانية ، وانتظار الموت بالتأهب له ومحاسبة نفسك قبل أن تحاسب وقد قيل " [إحياء علوم الدين] .

إِذَا مَا خَلَوْتَ الدَّهْرَ يَوْمًا ... فَلَا تَقُلْ خَلَوْتُ وَلَكِنْ قُلْ عَلَيَّ رَقِيبُ

وَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ يَغْفُلُ سَاعَةً ... وَلَا أَنَّ مَا يَخْفَى عَلَيْهِ يَغِيبُ

ألم ترَ أن اليوم أسرع ذاهبٍ ... وأن غدًا إذًا للناظرينَ قريبُ

====

 

اسما الله القاهر والقهار

المعنى في اللغه :

( القهَّار ) من القهر ، وهو الغلبة والأخذ بالقوة يُقال قهره أي غليه .

وذكروا كذلك أن القهر في وضع اللغة يفيد أيضًا معنى الرياضة والتمرين،يُقال قهر الناقة فلان إذا راضها وذللها .

وهذا الاسم صيغة مبالغة على وزن الفعَّال .

الفرق بين اسم الله القاهر واسمه القهَّار :

قالوا القاهر هو : الذي له علو القهر الكلي المطلق باعتبار جميع المخلوقات وعلى اختلاف تنوعهم ، فهو قاهر فوق عباده له علو القهر مقترن بعلو الشأن والفوقية .

أي  هو سبحانه وتعالى قاهر لجميع خلقه ، وبهذه الصفة نثبت له صفة العلو والفوقية فلا يقوى ملك من الملوك أن ينازعه في علوه مهما تمادى في سلطانه وظلمه وإلا قهره القاهر ، لأنه إذا كان – هذا الملك - له الغلبة والقوة والبطش وله العلو في الأرض فيلزم من هذا أن يكون له غلبة على بعض الناس ، لكن الله عز وجل فوقه يقهره

بما له من صفة القهر ، فهو غالب على أمره سبحانه وتعالى ولا يستطيع كائن ما كان أن ينازعه في صفته .

* ولذلك تجد قلب المؤمن مطمئن بهذه الصفة لعلمه أن من قهره إنما قهره بإذن الله لا لأن قاهره له الغلبة المطلقة .. وأن الله سبحانه وتعالى إذا قدّر عليه مثل هذا القدر فلا شك أن هذا لحكمة ما .

* والمؤمن إذا قدّر عليه الله أن يُقهر لحكمة فيجب أن لا يمس هذا القهر قلبه ، فقد يُغلب في الأرض ويهزم كما هو حال أهل الإسلام اليوم لكن هزيمته لا تكون داخلية في نفسه لأنه يعلم أن الله سبحانه وتعالى له صفة القهر المطلقة ، فلو شاء أن يخسف بأعدائه الأرض لكان لكنها السنن الكونية والأسباب .

إذًا فمهما مورس من ظلم وقهر على العباد لا ينبغي بأي حال من الأحوال أن يمس ذلك يقينك وإيمانك به سبحانه وتعالى بل تزداد قوة وتوكل وكلما ازددت بلاءًا كلما كان الله عز وجل ألطف بك .

وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يُخبر : " أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم نعوده في نساء فإذا سقاء معلق نحوه يقطر ماؤه عليه مما يجده من حر الحمى فقلنا يا رسول الله لو دعوت الله فشفاك فقال رسول الله : إن من أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم " الراوي : فاطمة عمة أبي عبيدة بن حذيفة المحدث : الهيثمي - المصدر : مجمع الزوائد - خلاصة حكم المحدث : إسناده حسن ، فإن هذا المعنى يجب أن يرسخ في ذهنك .

* ومعلوم أن المقهور يحتمي من ملك بملك ويخرج بخوفه من سلطان أحدهما ليتقوى بالآخر ، فالناس على دين ملوكهم الغالب منه يتبعونه ويستظلون بقوته ، فهو يحتمي من مُلك بمُلك ويخرج بخوفه من سلطان ليتقوى بالآخر لكن الملوك جميعا إذا كان فوقهم ملكٌ قاهرٌ قادر فإلى من يخرجون وإلى جوار من يلجأون ؟ .

يقول تعالى " قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ : [المؤمنون:88] .

وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول : " إذا أخذت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ، ثم اضطجع على شقك الأيمن ، ثم قل : اللهم ! إني أسلمت وجهي إليك ، وفوضت أمري إليك ، وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك ، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك ، آمنت بكتابك الذي أنزلت ، وبنبيك الذي أرسلت ، واجعلهن من آخر كلامك ، فإن مت من ليلتك ، مت وأنت على الفطرة " قال فرددتهن لأستذكرهن فقلت : آمنت برسولك الذي أرسلت ، قال : قل : آمنت بنبيك الذي أرسلت . وفي رواية : وزاد في حديث حصين : وإن أصبح أصاب خيرا " [مسلم] .

فأنت تفر إليه .. كل شيء تفر منه إلا الله فإن فرارك إليه ، فلا ملجأ ولا منجى من الله إلا إليه .

أما القهَّار : التضعيف فعَّال تعطي معنى مبالغة وكثرة فالقهار هو الذي له علو القهر باعتبار الكثرة والتعيين في الجزء أو باعتبار نوعية المقهور ، فالعباد كلهم في قهر كلي وفقا لاسم القاهر قال تعالى : " وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ " [الأنعام:18] أي لكل المخلوقات ، أما القهر الجزئي على الأفراد فهو بالقهَّار فتقول يقهر فلان الظالم .

أما باعتبار نوعية المقهور فهو سبحانه قهار للظلمة والجبابرة والمتكبرين في الأرض ، أهلك قوم نوح وقوم هود وثمود وقهر فرعون وهامان .

يقول الله : " وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الْأُولَى " [النجم:50]  " وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى " [النجم:51]  " وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى " [النجم:52] " وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى " [النجم:53] " فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى " [النجم:54] " فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكَ تَتَمَارَى " [النجم: 55 ] " هَذَا نَذِيرٌ مِّنَ النُّذُرِ الْأُولَى " [النجم:56] .

وهذه الآيات توحي بأن الله سبحانه وتعالى له هذا القهر فقهر قوم لوط وقهر أبا جهل وقهر المشركين وقهر الفُرس والصليبيين فالله سبحانه وتعالى قهَّار لكل متجبر ظالم ، يقهرهم بالإماتة والإذلال ويقهر من نازعه في صفة من صفات ألوهيته وعبادته وربوبيته ومن نازعه في أسمائه وصفاته جل جلاله " أَلَـمْ تَرَ كَيْــفَ فَعَـلَ رَبُّـكَ بِعَــادٍ " [الفجر:6] " إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ " [الفجر:7] " الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ " [الفجر:8] " وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ " [الفجــر:9] " وَفِــرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَـــادِ " [الفجــر:10] " الَّذِيـنَ طَغَـــوْا فِــي الْبِـــلَادِ " [الفجر:11] " فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ " [الفجر:12] " فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ " [الفجر:13] " إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ " [الفجر:14] .

ورود الاسم في القرآن والسنة :

القهَّار ورد ست مرات في القرآن :

منها في سورة الرعد " ...قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ " [الرعد:16]  .

سورة غافر "...لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ " [غافر:16] .

وورد اسم القاهر في الكتاب مرتين :

" وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ " [الأنعام:18] .

وفي الآية [61] " وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً ... " [الأنعام:61] .

وورد هذا الاسم في السنة في الحديث حديث عائشة رضيَّ الله عنها ( بينما النبي واضع رأسه في حجري بكيت ، فرفع رأسه ، فقال : ما أبكاك ؟ قلت : بأبي أنت وأمي : ذكرت قول الله عز وجل : " يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ " فقال النبي الناس يومئذ على جسر جهنم ، والملائكة وقوف تقول : رب سلم رب سلم : فمن بين زال وزالة " [الراوي: عائشة المحدث: ابن كثير - المصدر: نهاية البداية والنهاية خلاصة حكم المحدث: غريب من هذا الوجه] .

وفي الحديث أيضا الذي روته أيضا أمنا عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا تضوَّر من الليـل قــال : " لا إله إلا الله الواحد القهار ، رب السموات و الأرض و ما بينهما العزيز الغفار " [الراوي:  عائشة المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع -خلاصة حكم المحدث: صحيح] ... تضوَّر أي تقلب .

وهذا الحديث رواه ابن حبان وصححه الألباني في صحيح الجامع من السلسلة الصحيحة .

* كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا تقلب أو تضوَّر سواء كان من ألم أو غيره  يقول : " لا إله إلا الله الواحد القهار ، رب السموات و الأرض وما بينهما العزيز الغفار " فيبدأ بصفة الجلال ثم يسمي بصفة الجمال العزيز الغفار .

* ولم يرد - فيما أدري - اسم الله تعالى القاهر في السنة وإنما وردت إشارات إلى هذا الاسم كما في الحديث الذي رواه الترمذي وصححه الألباني من حديث أبي هريرة رضيَّ الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في شأن يأجوج ومأجوج : " يقولون ...قهرنا من في الأرض وعلونا من في السماء قسوة وعلوا ... " إشارة إلى أن لهم القهر فيشير النبي صلى الله عليه وسلم أن الله سبحانه وتعالى يقهرهم بعد ذلك .

* معنى الاسم في حق الله سبحانه وتعالى :

يدل اسم الله القهَّار على ذات الله تعالى وصفة القهر ، ويلزم من إثبات ذلك أن نُثبت له سبحانه الحياة والقيومية ونُثبت له العلم والقدرة والغنى والعزة والكبرياء ونُثبت له القوة والعلو .

يقول ابن القيم : " وكذلك القهَّار من أوصافه فالخلق مقهورون بالسلطان لو لم يكن حيا عزيزا قادرا ما كان من قهر ولا سلطان " .

كلام العلماء في معاني اسمه تعالى القاهر القهَّار :

يقول الخطابي : " القهَّار هو الذي قهر الجبابرة من عُتاة خلقه بالعقوبة وقهر الخلق كلهم بالموت " .

يقول الزجَّاج : " قهر المعاندين بما أقام من الآيات والدلالات على وحدانيته وقهر جبابرة خلقه بعز سلطانه وقهر الخلق كلهم بالموت "

يقول ابن كثير : "... الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ... " [الأنعام:18] هوالذي خضعت له الرقاب وذلت له الجبابرة وعنت له الوجوه وقهر كل شيء دانت له الخلائق وتواضعت لعظمة جلاله وكبريائه وعظمته وعلوه وقدرته على الأشياء واستكانت وتضائلت بين يديه وتحت قهره وحكمه ما يكون هو .

فقال ابن جرير الطبري : " القاهر هو المُذَلِل المُستعبِد خلقه العالي عليهم " .

فسبحانه يحب أن يراك ذليلا بين يديه ، وهذا من تمام العبودية ، وهو أعظم العز ، لأنك إن لم توحده وتذل له ستذل لكل شيء ويتشتت قلبك بين كل شيء وتحمل هم  كل شيء وتجد الابتلاءات والأمراض وغيره وسل أهل العشق عن مثل ذلك يحدثونك .

أما إن ذللت له وحده وأحببته وحده حبب فيك الخلق جميعا وكتب لك الغلبة في الأرض فتعز وتقوى وتدخل في حمى العزيز القهار .

حظ المؤمن ودعائه ربه سبحانه وتعالى باسمه القهار :

أما الدعاء فقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم معنا كان يدعو الله تعالى بهذا الاسم إذا تضور من الليل " أي إذا تقلَّب من الليل " فيقول : " لا إله إلا الله الواحـد القهــار ، رب السمـوات والأرض وما بينهمـا العـزيـز الغفــار " [الألباني صحيح] .

وذكر الله سبحانه وتعالى وصفه هذا على لسان نبي الله يوسف قال : " يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ " [يوسف:39] وهذا استفهام تقريري يدل على دعاء المسألة والعبادة معًا أي أراد يوسف دعاء الله وحده لا شريك له وعبادته وخلع ما سواه من الأوثان التي يعبدها قومه ، وهو قال هذا الكلام لأصحاب السجن الذين هم مقهورون بقهر عزيز مصر فاختار من أسماء الله - وهو يعرفهم عليه - ما يلائم حالتهم .

وأما حظ المؤمن من هذا الاسم :

فأول شيء يستفيده العبد من قهر الله سبحانه وتعالى أن يقهر نفسه ، وهذا يكون بالاستغفار والتوبة ، فالنفس كي تلجمها وتعلو عليها تحتاج إلى مجاهدة عظيمة والذي يذلل لك هذا هو التوبة والاستغفار ، فهما يجعلا نفسك مقهورة وذليلة بين يديك فتستطيع أن تتغلب عليها .

وكذلك يقهر العبد وساوس الشياطين وذلك بالاستعاذة ، ويقهر الشبه والجهل وذلك بنور العلم واليقين ، ويقهر كل ظالم جبار يخافه وهذا بالاستعاذة بالله الواحد القهار قال سبحانه : " وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِـي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ " [الأعراف:127] فماذا قال موسى ؟ " قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ " [الأعراف:128] .

وهذه الآية لكل مستضعف في كل زمان ومكان ، فالطريق إلى التمكين أن نلجأ بقلوبنا ونطرح أمرنا كله على الله سبحانه وتعالى فلا يوجد في قلوبنا أي التفات إلا له .

وأن نصبر ، فإن النصر مع الصبر ، والأمر يحتاج إلى مُصابرة على تجرع مرارة الأقدار .

فإن حدث وجبت السنة الكونية " ... وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ " [الأعراف:128] .

فإذا تحققت هذه الشروط الثلاث في أي مستضعف :

1-الاستعانة بالله          2-والصبر

3- والتقوى لله فلم يعد يخاف إلا الله ولا يخشى أحدا إلا الله ولا يخشى فيه لومة لائم ، عز وكانت له الغلبة .

المعنى الثاني : قلنا أن حظ المؤمن من صفات الجلال أن يتلبس بعكسها ، فقلنا في صفة العزة مثلا أن يكون المؤمن ذليلا لإخوانه عزيزا على الكافرين ، أما معنى القهر فيستوجب أن يلين المسلم للفقراء ويعطيهم ويحنو عليهم ويعفو عنهم عند المقدرة وأن يخضع لهم خضوع مشفق ، قال تعالى : " فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ " [الضحى:9-10] فيكون أثر ذلك أن يورثك الله سبحانه وتعالى الغلبة .

روى الإمام أحمد وصححه الألباني من حديث عبدالرحمن بن عوف رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " والذي نفسي بيده إن كنت لحالفا عليهن : لا ينقص مال من صدقة ، فتصدقوا ، ولا يعفو عبد عن مظلمة ؛ إلا زاده الله بها عزا يوم القيامة ، ولا يفتح عبد باب مسألة ؛ إلا فتح الله عليه باب فقر " [صححه الألباني] .

فأولا : أنه يعرف ويثق تمام الثقة أنه " قال الله : أنفق يا ابن أدم أنفق عليك " [رواه البخاري] .

المال يتناقص كمًا نعم لكن يعوض ذلك في كيفه .. أي في البركة ، فتجد نفسك وكأن المال الذي تصدقت به معك وزاد عليه وتقضي كل متطلباتك كما هي وكأن شيئا لم ينقص ، أو يأتيك عوضا عن مالك الذي أنفقت كمًا ، فمثلا لو أخرجت مائة جنيه ترزق بألف والقصص كثيرة في ذلك .

ثانيا : " ولا يعفو عبدٌ عن مظلمة إلا زاده الله بها عزا يوم القيامة " فهنيئا لمن ظُلم وعامل من ظلمه بعفو يسأل به عفو الله سبحانه وتعالى يوم القيامة .

ثالثا : " ولا يفتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر " فإذا سألت فاسأل الله ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعاهد أصحابه على ألا يسألوا الناس .

إذا فملخص حظك من اسم ربك القهار :

أول شيء قهر النفس بالاستغفار والتوبة ، والأمر الثاني أن تلين المسلم للفقراء والمستضعفين ، وكذلك أن لا تفعل ما يعرضك لقهر القهار .

 

=========

 

اسم الله الوهَّــاب

المعنى في اللغة :

وهب أي أعطى ، يقال الهبة هي العطية الخالية عن الأعواض والأغراض ، أي يعطي بلا عوض ولا مقابل ولا غرض ودون استحقاق وإنما يعطيك لمصلحتك .

وفي محاضرة عن أحكام المولود قلت أن الله سبحـانه وتعـالى لم يذكـر شـأن الولــد في القــرآن إلا بصفــة الهبــة " وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا... " [الأنعام:84] " ... يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ " [الشورى:49] قال يهب ولم يقل يُنعم أو يُعطى ، لأن الولد محض فضل من الله سبحانه وتعالى يعطيه لا لعوض ولا لغرض ، وهذه الهبات يتودد الله بها إليك حتى تُطيعه .

ورود الاسم في القرآن :

" الوهَّاب " ورد في الكتاب العزيز ثلاث مرات :

1- مرة في سورة آل عمران " رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ " [آل عمران:8] .

2- ويقول الله سبحانه وتعالى : " أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ " [ص:9] سبحانه وتعالى يفيض برحمته على عباده بمحض تَفَضُلِهِ .

3- وقال على لسان نبي الله سليمان عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام : " قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ " [ص:35] .

فهذا يقتضي الذل والانكسار لله سبحانه وتعالى وذم النفس ، فهو يدعو ويقول أعطني وأنا لا أستحق .. لذا نقول في مواسم الطاعات تواصوا بهذا الدعاء : " رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ " [آل عمران:8] فمعه لا ترى نفسك ولا ترى العمل ، ولا ترى أنك قمت رمضان وصمته ، ولا ترى اجتهادك في العشر الأوائل من ذي الحجة ، ولا ترى أنك أنهيت كتاب كذا وعملت كذا وحفظت كذا فأنت لا ترى نفسك بل ترى أنك لا تستحق ... وحينها تكون الدعوة أقرب للإجابة .

كلام العلماء في معنى اسم الله " الوهَّاب " :

يقول الطبري : " أي المُعطي عباده التوفيق والسداد للثبات على الدين وتصديق الكتاب وتصديق المرسلين "

وفي زمن الفتن هذا نحتاج أن نتواصى بهذا المعنى ولذلك ذكره الله في مقام " رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا ... " لأنه سيمُدُك بالثبات .

وقال : " الوهَّاب أي يهب لمن يشاء ما شاء من مُلكٍ وسلطان ونبوة " ولذلك دعا سيدنا سليمان عليه السلام بهذا الدعاء ، محض رحمة تستوجب أن تذل وتخضع له وتُحبه .

وقال الخطابي : " الوهَّاب هو الذي يجود بالعطاء عن ظهر يد من غير استفادة " أي من غير طلب للثواب ولا مصلحة .

ويقول الحُليني : " وهو المُتفضل بالعطايا المُنعم بها لا عن استحقاق عليه " .

ويقول النسفي : " الوهَّاب هو الكثير المواهب ، المُصيب بها مواقعهم ، الذي يقسمها على من تقتضيه حكمته " أي  يفيض بالخير على الكل على وفق الحكمة .

قال ابن القيم في النونية : " وكذلك الوهَّاب من اسمائه فانظر مواهبه مدى الأزمان أهل السماوات العلا والأرض عن تلك المواهب ليس ينفكان " .

يقول بعضهم في بيان هبات ربه سبحانه وتعالى : " انظر إلى هباته سبحانه تتابعت نعمه وفاض كرمه وزاد ، يغفر ذنبك ، يفرج كربك ، يُجبر كسيرا ، يُغني فقيرا ، يشفي سقيما ، يُخصِب عقيما ، ويُعلم جاهلا ، ويهدي ضالا ، ويُرشد حيرانا ، ويفك أسيرا ، ويكسو عاريا،  ويُسَّلي صابرا ، ويزيد شاكرا ، ويقبل تائبا ، ويُجزي محسنا ، ويعطي محروما ، وينشر مظلوما ، ويقصد ظالما ، ويقيل عثرة ، ويستر عورة ، ويؤمن روعة ، ويُزيد لوعة ، ما للعباد عليه حق واجب ، ولا سعيٌ لديه ضائع ، إن نُعموا فبفضله أو عُذبوا فبعدله ، وهو الكريم الواسع سبحانه وتعالى ... " .

فهو الوهاب سبحانه :

* يهب الولد الصالح " وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ " [ص:30] .

* والزوجة هبة " وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً " [الفرقان:74] . ويقول جل في عُلاه عن نبي الله زكريا : " فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ... " [الأنبياء:90] هبة منه سبحانه وتعالى .

* والأهل هبة ، يقول الله في حق نبي الله أيوب : " وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا ... " [ص:43] .

* كذلك الأخ الصالح هبة ، فعندما يرزقك الله سبحانه وتعالى بأخ صالح يكون عونا لك على طاعة الله فذلك هبة منه سبحانه وتعالى ، يقول الله تعالى عن نبى الله موسي حين أرسل معه أخوه هارون : " وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً " [مريم:53] .

* والنبوة هبة ، يقول الله عن نبي الله موسى : " ... فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ " [الشعراء:21] وقال وهب لي لأنه يشعر أنه لا يستحق النبوة ، لذا لم يقل أعطاني لأن العطاء قد يكون عن استحقاق .

* والأخلاق الطيبة هبة ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه : " اللهم أهدني لأحسن الأعمال وأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت وقني سيئ الأعمال وسيئ الأخلاق لا يقي سيئها إلا أنت " [صححه الألباني] . فالأخلاق الطيبة هبة من هبات الله سبحانه وتعالى ولذلك قال تعالى عن بعض أنبيائه : " وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً " [مريم:50] فهذا هو الوهَّاب سبحانه وتعالى .

ثمرة معرفة الله الوهاب :

* ثمرة معرفة الله تعالى بهذا الإسم أن تتقرب إليه وتحبه ، فأول الأمر أن يزيد العبد في تقربه إلى ربه سبحانه وتعالى فمن نظر إلى واسع كرمه وجليل نعمه طمع في رحمته لذلك يُكثر من دعائه سبحانه وتعالى لأنه وهَّاب فسيعطيه .

واعلم أن العطاء لا يكون هبة حتى يكون مقرونا بطاعة وخير وبركة في الدنيا والآخرة ، لذلك كان الصالحون لا يسألون الله تعالى فيقولون مثلا اللهم زوجني ، وإنما كانوا يقولون ارزقني بزوجة صالحة تكون عون لي على أمر ديني ودنياي " ... رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ ... " [الفرقان:74] أي تقر أعيننا بهن في الدنيا والآخرة فيكونون عونًا لنا على أمور ديننا ودنيانا ، ولا يسألون الله مجرد الولد والذرية ولكن يسألون الله تعالى الولد الصالح العابد الذي يكون خيرا لهم لا فتنة عليهم .

* ويقتضي ذلك لا شك حمد الله تعالى على هباته ، تأمل حمد خليل الرحمن إبراهيم حين وهبه الله تعالى إسماعيل وإسحاق قال : " الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء " [إبراهيم:39] فيكون من الأشياء الأساسية شكر الله على هذه النعم .

* وتقتضي كذلك الزُهد ، هل رأيت هبة من هبات الدنيا قد بقيت لصاحبها ؟ فليعلم كل من وهبه الله تعالى شيئا من الدنيا أنه زائل وأنه لابد أن يذهب عنه ، فلا ينشغل بالنعمة عن المنعم ولا يشتغل بالخلق عن خالقهم ولا بالرزق عن رازقه ولا ينشغل بالهبة عن واهبها فلا يُفتن بولده وزوجه وماله وبأي هبة يعطيها الله إياه .

* وكذلك يقتضي الرضا ، أن يرضى بما يهبه الله سبحانه وتعالى له ، لأن الله سبحانه وتعالى أعطاه برحمته من غير استحقاق فإن منعه الله فليعلم أن منعه عطاء ، فقد يمنع ليعطي وقد يعطي ليمنع ، فأحيانًا يمنع عنك كي يزيدك وأحيانًا يعطيك لأنك لو لم تأخذ الآن ستُفتح عليك أبواب أخرى فيتودد إليك بالنعم ليمنع عنك انصراف القلب واليأس والإحباط وهذه المعاني ، فلا شك أن هذا الأمر يقتضي الرضا به سبحانه وتعالى وبقدره إذا أعطى وإذا منع .

* ويقتضي كذلك الصبر إذا ضاعت هذه النعم والهبات ، فقد يكون المنع هو عين العطاء كما قلنا فإذا ابتلاك الله بالحرمان من النعمة بأن صرفها عنك أو أخذها بعد أن وهبك إياها فلابد أن هناك حكمة .. فاصبر لحكم الله سبحانه وتعالى ، فالله سبحانه وتعالى صاحب النعم ولا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون ، وإنما دائما أبدا نقول إن لله ما أخذ ، وله ما أعطى ، وكل شيء عنده بأجل مسمى ، وعلينا فقط الصبر والاحتساب فمن أعظم ما يُسلي العبد ويُصبره أن يرجع أمره كله إلى ربه سبحانه وتعالى ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم حاكيا عن رب العزة في الحديث القدسي : " إن الله قال : إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر ، عوضته منهما الجنة ، يريد : عينيه " [صحيح البخاري] .

الفرق بين هبة الخالق وبين هبة المخلوق :

قال الخطابي : " كل من وهب شيئًا من عرض الدنيا لصاحبه فهو واهب ولا يستحق أحد أن يُسمى وهَّابا إلا من تصرفت مواهبه في أنواع العطايا فكَثُرَت أفضاله وزادت ، أما المخلوقون فإنما يملكون أن يهبوا مالا أو أن يهبوا نوالاً في حال دون حال ، ولا يملكون أن يهبوا شفاءًا ولا يستطيعون أن يهبوا ولدًا ولا هدى ولا عافية ، فالله الوهَّاب سبحانه يملك جميع ذلك وسع الخلق جوده فدامت مواهبه واتصلت مننه وعوائده ... فهبات العباد محدودة وإن كانت هذه الهبات مطلوبة " .

لذا قال النبي صلى اله عليه وسلم : " تهادوا تحابوا " لأنه سبب لتأليف القلوب .

* ويقتضي كذلك أن يُكثر العبد من هباته ليعامله الله تعالى بهذه الصفة فيهبه ، لأن الله أكرم الأكرمين .

=========

اسـم الله الفتـــاح

أ‌. معنــاه لغة :

الفتح لغةً : نقيض الإغلاق ، والفتح : النصر ، والاستفتاح طلب النصر .

المعنــى الاول : النصر :

قال الله تعالى : " إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءكُمُ الْفَتْحُ " [الأنفال:19] أي إن تستنصروا فقد جاءكم النصر .

المعنــى الثاني : القضاء والحكم بين الخصوم :

قال الأزهري : " الفتح أن تحكم بين قوم يختصمون إليك كما قال الله تعالى مخبراً عن شعيب : " رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ " [الأعراف:89] فمعنى الفتح ها هنا أي ( اقض بيننا ) .

المعنــى الثالث : نقيض الاغلاق :

يقول الله جل وعلا : " إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء " [الأعراف:40] معنى ذلك أن أبواب السماء تغلق أمام أرواحهم فلا تصعد أرواحهم ولا أعمالهم بعكس المؤمنين ، ومن هذا أيضا المفتاح فهو كل ما يُتَوصل به إلى استخراج المغلقات التي يتعذر الوصول إليها، يقول النبي  : " أعطيت مفاتيح الكلم ، ونصرت بالرعب ، وبينما أنا نائم البارحة إذ أُتيت بمفاتيح خزائن الأرض حتى وضعت في يدي " [صحيح] ، فالشاهد ها هنا قوله صلى الله عليه وسم : " أعطيت أو أُتيت مفاتيح الكَلِم " أي أن الله تعالى يسر للنبي صلى الله عليه وسلم من البلاغة ، والفصاحة ، والوصول إلى غوامض المعاني ، وبدائع الحِكم ، ومحاسن العبارات والألفاظ التي أُغلقت على غيره .

ب‌. معنى الاسم في حق الله تعالى :

- قالوا : الفتاح هو الذي يفتح أبواب الرحمة ، ويفتح أبواب الرزق لعباده أجمعين ، ويفتح أبواب الامتحان والبلاء للمؤمنين الصادقين ، قال تعالى : " وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ " [الأعراف:96] أي إنهم لو امتثلوا لأمرنا وراعوا قدرنا في السر والعلانية ، لكان من جزاء ذلك أن اُفَتِح لهم من رحمتي ، وأن أنزل عليهم من فيض رزقي ، لكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون .

ومنه قول الله تعالى : " مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " [فاطر:2] فإذا أراد الله عز وجل أن يفتح على عباده فلا راد لقضائه سبحانه وتعالى ، مهما اجتمع الناس على أن يضروا إنساناً لن يضروه إلا إذا شاء الله له ذلك ، وإن اجتمعوا على أن ينفعوه لن ينفعوه إلا بما قدره الله له .

المعنـــى الثاني : يفتح أبواب البلاء والامتحان :

" فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ " [الأنعام:44] هذه عقوبة الذين لا يذَّكرون برسائل الله تعالى المتتالية .

الله عز وجل يرسل إليك في كل ثانية من عمرك رسالة فإما أن تفهمها وإما أنك تغفل عنها ، فلما تنسى – ولا أقول تجحد أو لا تريد ، بل تنسى .. تسمع وتُذكَّر ثم تنسى ، تغفل - تكون العقوبة شديدة أن تزداد عليك المحن والابتلاءات لكي تفِيق " فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ " [الأنعام:44] وتأتي لك الابتلاءات والامتحانات من كل الطرق ، تبتلى في بيتك ، تبتلى في عملك ، تبتلى في نفسك ... تبتلى حتى تعود ، وقد يكون من هذا الابتلاء أن يزاد لك في النعم زيادة في إقامة الحجج حتى إذا فرحت واستمرئت " حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بغْتَةً " [الأنعام:44] يأخذ مرة واحدة ، يموت فجأة ، يحدث له بلاء ليس على البال ولا على الخاطر ، حادثة سيارة " أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُون " [الأنعام:44] أي حائرون ، تائهون ... سلم  يارب سلم .

المعنـى الثالث : هو الذي يحكم بين العباد فيما هم فيه يختلفون :

كما تقدم معنا " رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ " [الأعراف:89] .

وقيل أيضاً الفتاح هو الذي يفتح خزائن جوده وكرمه لعباده الطائعين ، ويفتح أبواب البلاء والهلاك على الكافرين.

إذا الخلاصة: أن صفة الفتاح صفة جمال وجلال، بمعنى أن ربنا يتنزل برزقه وخيره ورحمته على الطائعين، لكن قد يفتح أبواب الهلاك والبلاء على الكافرين، وهو سبحانه وتعالى الذي يفتح على خلقه ما انغلق عليهم من أمورهم، فإذا ضاقت عليك الطُرق وضاقت عليك الأرض بما رحبت فالجأ إلى ربِّك الفتاح، يفتح لك كل عسير وييسر لك أمرك.

يقول ابن القــــــيم:

وكذلك الفتـــاحُ من أسمائه           والفتح في أوصــافه أمران

فتح بحكم وهو شـــرع إلَهِنا           والفتح بالأقدار فتحٌ ثــاني

والربُّ فتّـــاح بزين كليهما          عدلاً وإحساناً من الرحمــن

ورود الاسم في القرآن:

ورد هذا الاسم مفردا مرة واحدة في قول الله تعالى:" قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ " [سبأ:26] وورد بصيغة الجمع مرة واحدة أيضاً في سورة الأعراف " رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ " [الأعراف:8] .

حـظ العبد من اسم الله تعالى الفتــاح :

أ‌. الأمر الأول : أعمـال الجوارح والقلـوب :

قلنا الله سبحانه وتعالى هو الحاكم بين عباده في الدنيا والآخرة ، يحكم بينهم بالعدل والقسط ، يفتح بينهم في الدنيا بالحق بما أرسل من الرسل وأنزل من الكتب ، وهذا يتضمن من الصفات كل ما لا يتم الحكم إلا به ، بمعنى إنه طالما يحكم بينهم إذن فهو حكم عدل على أعمال العبيد سواء أعمال الجوارح أو أعمال القلوب .

فالله عز وجل يعلم السر ويعلم العلن ، أما العبيد فلا يعرفون إلا العلن ، لا يعرفون إلا هيئتك ، لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى لا يكون بينه وبين الجنة إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها " [صحيح] لماذا ؟ لأن الرجل كان يعمل بعمل أهل الجنة فيما يرى للناس ، كان يتشبه بهم في ظاهرهم أما الباطن فخرب ، ولذا قال يعمل ( ب ـ) عمل ، وليس عمل أهل الجنة ! فمن ها هنا يكون حُكْمَه العدل على أعمال العبيد ، ويقضي ويفصل بينهم بالقسط .

الأمـر الثـاني : الصبر فـي الدعوة :

الله سبحانه وتعالى يحكم بين عباده في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويفتح بينهم بالحق والعدل ، لذلك توجهت الرسل إلى الله الفتاح أن يفتح بينهم وبين قومهم المعاندين فيما حصل بينهم من الخصومة ، وهذه رسالة إلى الدعاة أن ينهجوا بمنهج الأنبياء في معاملةِ قومِهم .

أحيانا يصل الحال بالداعية بعد أن استنفذ كل الطرق مع قومه أن يقول لا فائدة ، وربما يعرض عنهم إلى آخرين ، والأصل في منهج الدعوة أن يلجأ إلى الله بالدعاء كما جاء عن نوح عليه وعلى نبينا  أفضل الصلاة والسلام قال : " قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (117) فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِي وَمَن مَّعِي مِنَ الْمُؤْمِنِينَ " [الشعراء:117-118] احكم بيني وبينهم ... هل ستمر معهم أم لا ؟ لا يُهم أنهم يُكَذبون أو أنهم يَتّبِعون المهم أنت راضٍ عني ؟ هل أنا مقصر في شيء لذلك لا تصل الدعوة ؟.

الأمر الثــالث : مراقبة خطرات النفوس :

يوم القيامة الله الفتاح يحكم بين عباده فيما كانوا يختلفون فيه في الدنيا ، فالله جل وعلا لا تخفى عليه خافية ، وهو سبحانه لا يحتاج إلى شهود ليفتح بين خلقه ، وما كان غائبًا عما حدث في الدنيا فالله سبحانه وتعالى يعلم كما قلنا يعلم سرَّنا ويعلم علانيتنا " فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ " [الأعراف:7] .

ويقول الله : " وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ " [يونس:61] لا شيء يخفى على الله سبحانه وتعالى : " عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ " [يونس:61] حتى أن خطرات النفوس تُسَجل لكن لا يُحكم فيها ، بمعنى أن كل ثانية في حياتك تسجل عليك حتى حديث نفسك ، لكن الحساب على إرادة السيئة ، من بداية إرادته السيئة يبدأ الحساب ، إنما الهم : إنه يهِم مثلا أن يخرج مع امرأة كان يعرفها .. فهذا خاطر ، ثم يسترسل في الحديث مع نفسه : أين هذه الأيام ؟ وأين ذهبت الآن ؟ .. فهذا حديث نفس ، ثم يبدأ أن يهِم بالأمر فيبحث عن رقم التليفون ويوشك الاتصال ، ثم يفيق ويستعيذ ويحجم .

هنا همَّ بالسيئة فلم يعملها كُتبت له حسنة ، بمجرد أن يأخذ القرار ويُمسك بالتليفون وينظر إلى الرقم ويرفع السماعة ويبدأ بالكلام من هنا بدأت السيئات ، أراد السيئة فبدأ يُحسب عليه ، وكل هذا إذا رجع عنه لا شك يُبدَّل إن شاء الله إلا أن يتلبس بالفعل والعياذ بالله تعالى .

سمَّى الله تعالى يوم القيامة يوم الفتح لهذا المعنى فهو يوم القضاء بين العباد " قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ " [السجدة:29] انتهى الأمر ، لم يعد يُنتظر من أحد أن يأتي بشيء لأن الأعمال انتهت بذلك .

الأمـر الرابـع : تفرد الله تعالـى بمفاتيـح الغيب :

ومنه أنَّ الله سبحانه وتعالى متفرد بعلم مفاتح الغيب،قال الله جل جلاله: " وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ " [الأنعام:59] وقد عددها الله تعالى في سورة لقمان في قوله : " إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ " [لقمان:34] .

وليأتي أشد المعاندين ببيان في هذه الأمور الخمس ، عنده علم الساعة فهل من أحد يعلم ساعته ؟ هل من أحد يعلم ميعاد الساعة الكبرى ؟ ولا النبي صلى الله عليه وسلم الذي آتاه الله علمَ الأولين والآخرين ، استأثر الله تعالى نفسه بهذا الأمر فلا يعلم به نبي مُرسل ولا مَلَك حافظ .

" عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ " [لقمان:34] وهذه آية من آيات ربنا ، فقد يتنبأ علماء الأرصاد بنزول المطر ولا ينزل وقد يتنبئوا بعدم نزوله وينزل بقدره سبحانه وتعالى ، فمهما بلغ الإنسان من العلم هو سبحانه وتعالى مُنزل الغيث .

" وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ " يعلم ما في الأرحام ابتداءًا ، يعلم هل هو شقي أم سعيد ، ليس النوع فحسب " وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ " [لقمان:34] كل هذه أمور تفرد الله تعالى بعلمها وهي من أمور علم الغيب .

الأمـر الخامس : الفتح والنصر من الله تعالـى :

أنَّ الفتح والنصر من الله تعالى ، فهو يفتح على من يشاء ويخذل من يشاء ، يُعز من يشاء ويذل من يشاء ، وقد نسب الله الفتوح لنفسه لينبه عباده إلى طلب النصر والفتح منه لا من غيره لذلك قال الله تعالى : " إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً " [الفتح:1] وقال جل ثناؤه : " فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْـحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِنــدِهِ " [المـائدة:52] وقــال : " وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ " [الصف:13] .

إذن ليس علينا إلا اتخاذ الأسباب فقط أما النصر فهو من عند الله سبحانه وتعالى " وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ " [آل عمران:126] وليس من واجباتي قطف الثمار هذا ليس عملي ، عملي يقتصر على الاجتهاد وإيصال الخير للناس وفقط أما الفتح فهذا أمر يختص بسُنة الله الكونية .

أسبـــــاب النصر :

أولهـا ولا شك أن يتحقق في الأمة معاني الإيمان والتوحيد .

أن يُوحِّدوا الله تعالى فلا ولاء ولا براء إلا لله سبحانه وتعالى ، يوالي من يواليه الله سبحانه ، ويعادي من يعادي الله سبحانه وتعالى ، يحب في الله ويُبغض في الله لكن الذي يحدث أننا نوالي في جماعة أو في تيار أوفي حزب وتكون محبتنا للأشخاص على هذا ، ونعادي المختلف معنا ، ولربما يكون في القلب من الكُره والبغض لأخينا المسلم ما لا تجده في تجاه الكافر والفاجر والمنافق فلا يكون الاجتماع على معاني التوحيد .

فأول مفتاح من مفاتيح النصر : التوحيد :

أن يُخلِص الجميع لله سبحانه وتعالى ولا يبغون إلا ذلك ، ثَّم تتوالى بعد ذلك مفاتيح النصر الأُخر كالصدق ، التخلق بأخلاق الإسلام ، علو الهمة وكذلك الأخذ بالأسباب والاجتهاد فيها .

وإذا نظرت فوجدت انهزاما وذلاً وصغارًا فاعلم أنَّ المعادلة لم تأت على الوجه المطلوب لأنَّ الأسباب تؤدي الى نتائج و النتائج تدل على أنَّ الأسباب بها خلل .

الأمر السادس : الفتح بالعلم والحكمة :

ومما يفتحه الله على من يشاء من عباده الحكمة والعلم والفقه في الدين  يقول الله : " وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ " [البقر:282] ويقول جل وعلا : " أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ " [الزمر:22] يقول القرطبي رحمه الله : " وهذا الفتح والشرح ليس له حد ، وقد أخذ كل مؤمن منه  بحظ ففاز الأنبياء بالقسم الأعلى ثم من بعدهم الأولياء ثم العلماء ثم عوام المؤمنين ولم يخيِّب الله منه سوى الكافرين فهم الذين لم ينالوا شيء من هذا الشرح " شرح الصدر .

كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه إذا دخل أحدهم يقول : " إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي اللهم صلي على محمد النبي وأزواجه وأمهات المؤمنين وذريته وآل بيته كما صليت على آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد ، اللهم صلِّ على محمد وليقل اللهم افتح لي أبواب رحمتك . وإذا خرج فليسلم على النبي وليقل : اللهم باعدني من الشيطان " [حسن . اللفظ عند النَّسائي في عملِ اليوم والليلة وعند ابن ماجه باسناد حسن] .

الأمر السابع : دوام التــــوكل :

أن تعتمد على الله سبحانه وتعالى قبل الأخذ بالأسباب وأن تطلب منه وحده مفاتيح الخير ، قام النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر " فَقَالَ : إِنَّمَا أَخْشَى عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِي مَا يُفْتَحُ عَلَيْكُمْ مِنْ بَرَكَاتِ الْأَرْضِ " [صحيح] وفي لفظ آخر عند البخاري أيضًا " إني مما أخاف  عليكم من بعدي ما يُفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها " [صحيح البخاري] وتلك المعاني مقلوبة عندنا تماما ، فالمرء أول ما يوسع له في الرزق ويفيض الله عليه يزداد فرحًا ، ويقول هذه علامة المحبة ويظن بأنَّ الله سبحانه وتعالى قد أغدق عليه من نعمه ومنع غيره فهذا دليل على أنَّ ربنا سبحانه وتعالى يحبه ويريده وهو غير منتظم  في الصلاة، ومقصر في أحواله بشكل عام ، ويظن أنَّ له مكانة خاصة عند ربنا سبحانه وتعالى أو كأنَّ له دلالا ، فلا يوجد مشكلة إذا فرَّط في الصلاة أو فرَّط في شيء ، وهذا من بقايا - وللأسف - فكر بعض المتصوفة ، وهذا باطل ، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يخشى على أمته مثل هذا .. انفتاح الدنيا عليهم لما فيه من فتن واستدراج .

الأمر الثامن : أن تكون مفتــاح خير .

مفتاح الخير هذا معناه أن تكون مُبارك حيثما كنت ، أنك تمكث طوال الوقت تُفكِّر في أفكار وأشياء يكون من نتاجها هداية الناس ، أن تكون أول من صلَّى من أصحابه وأخذ بهم إلى المسجد ، أول من بدأ يُحافظ على دروس العلم ويدعو الناس وأصحابه لنفس الشيء ، أن تكون هي أول من تحجب في وسط أقرانها وفي وسط عائلتها وبدأت تدعو إلى هذا بسمتها وأخلاقها ، وهكذا ، نُفكِّر في فكرة يكون من نتاجها أن تُفتح أبواب الخيرات أمام الناس ، فيكون مفتاح خير ، وفي نفس الوقت مغلاق شر .

أعظم مفاتيح الخير : التوحيد والمُتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم :

يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " ما منكم من أحدٍ يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يقول : أشهدُ أن لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا عبد الله ورسوله إلا فُتِّحت له أبواب الجنة يدخل من أيها شاء " [صحيح] .

الجزاء من جنس العمل ، لما تلبس بأعظم مفاتيح الخير تتفتح له أبواب الجنة ، قال : فُتِّحت له أبواب لجنة ، ولم يُقل : أُدخِلَ من أبواب الجنة ، فكأنه لما تلبس بالتوحيد أمسك بالمفتاح ، ومنه كذلك ما رواه الترمذي وحسنه الألباني من حديثِ أبي هريرة رضي اللهُ عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال : " ما قال عبدٌ  لا إله إلا الله قط مُخلِصًا إلا فُتحت له أبواب السماء ما اجتنب الكبائر " [حسنه الألباني] .

فأعظم أسباب الرزق التوحيد لو أنَّه لهج بها خالصًا من قلبه فتحت له أبواب السماء ، وكذلك أعظم أسباب الحرمان الذنوب لا سيِّما الكبائر ، فبعد ما لهج بالدعاء وفُتحت أبواب السماء ، قام بذنب ، وقع في كبيرة تحجب عنه " إنَّ العبد ليُحرَم الرزق بالذنب يُصيبه " [صحيح] .

دعاء الله باسمه الفتاح :

ما روى مسلم من حديثِ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال : " إنَّا لليلة الجمعة في المسجد إذ جاء رجل من الأنصار فقال : إن رجلاً وجد مع امرأته رجلاً فتكلم جعلتموه أو قتل قتلتموه وإن سكت سكت على غيظ واللهِ لأسألنَّ عنه رسول الله فلما كان من الغد أتى رسولَ الله فسأله فقال لو أنَّ رجلاً وجد مع امراته رجلاً فتكلم جعلتموه ، أو قتل قتلتموه ، أو سكت ، سكت على غيظ ؟ فقال : " اللهم افتح " وجعل يدعو ، فنزلت آية اللعان " وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ " [النور:6] إلى آخر الآيات التي في سورة النور ، فجاء الرجل بعدها وامرأته إلى رسول الله فتلاعنا ، فشهد الرجل أربع شهادات باللهِ إنَّه لمن الصادقين ، ثمَّ لعن الخامسة " أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ " [النور:7] فذهبت لتلعن فقال لها رسول الله : " مه " فأبت فلعنت فلما أدبرا قال : " لعلها أن تجيء به أسودَ جعدًا " فجاءت به أسودًا جعدًا [صحيح] .

الشاهد : أنَّه لما التبس عليه الأمر صلى الله عليه وسلم أخذ يقول : " اللهم افتح ، اللهم افتح " فأنزل اللهُ تعالى آيات اللعان .

وفائدة أخرى في الحديث هي أنَّ الصحابي لما اعترض على الحكم في بدايته أُخِذَ بكلامه وابتُلِيَ فيه ، فما كان بعد نزول آيات اللعان إلا أن اتهم امرأته وجاءا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يتلاعنان .

فانتبه : حينما يكون بداخلك شيء تتزعزع فيه ويقينك فيه مهزوز فكن على وجل من أن تبتلى فيه ليخرج الله ما في قلبك .. " إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ " [المائدة:101] فنسأل الله باسمه الفتاح أن يفتح لنا من أبواب فتحه ورحمته ولطفه ما يقينا مساوئ ذلك .

=============

اسم الله الرزاق الرازق

 

الرزقُ في اللغة : مايُنتفع به، يُقال رزق الخلقَ رَزقـًا ورِزقـًا

فالرَزقُ بفتح الراء هو المصدر من رَزْق. والرِزق بكسر الراء هو اسم يُعبَّر به عن المصدر،

ويُقال: رِزقـًا اسم المصدر ويستخدم أحيانا موضع المصدر الأصلي.

ويُجمع رِزق ورَزق على أرزاق،  والرزاق من أبنية المبالغة على صيغة فعَّال.

 

 

ورود الاسم في القرآن والسنة:

ورد اسم الله الرزاق مفردًا مرة واحدة في قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:58]

وقد قُرِئ الرازِق ها هنا في في قراءة ابن مُحيصن وغيره {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّازِقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:58]

وورد بصيغة الجمع خمس مرات منها  قول الله تعالى {وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [المائدة:114] وقوله تعالى: {وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}  [الجمعة:11] هكذا في سورة الجمعة.

وورد قول النبي لإثبات هذا الاسم في الحديث أنه قال: (إن اللهَ هو المسعر القابض الباسط الرازق) [صححه الألباني]

 

 

اسـم الله الـرزاق

نبدأ باسم الله الرزاق ثم نعرج بعد ذلك على اسمه تعالى الرازق لبيان الاختلافات الواردة.

ورد في الحديث الذي رواه الترمذي وصححه الألباني من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: (أقرئنى رسول الله إني أنا الرزاق ذو القوة المتين) [صححه الألباني] وورد الحديث الذي مر بنا في رواية الترمذي والتى صححها الألباني كذلك أن النبي قال: (إن الله هو المسعر القابض الباسط الرزاق) [صححه الألباني].

حقيقة الرزق قلنا ماينتفع به، وهو العطاء المتجدد الذي يأخذه صاحبه في كل تقديرٍ يومي أو سنوي أو عمري فينال ما قسم الله له في التقدير الأزلي والميثاقي.

يعنى هذا الرزق عطاء يتجدد من الله سبحانه وتعالى للعبد على حسب أقدار، منها تقدير يومي، أي يكتب له رزق ُاليوم، وهناك تقدير سنوي، وهناك تقدير عُمُرِي وهو أرزاقه التي كُتبت لهُ على مدى عُمُرِهِ.

والرزاق سبحانه وتعالى هو الذي يتولى تنفيذ المقدر في عطاء الرزق المقسوم والذى يخرجُه في السموات والأرض. فإخراجه في السموات يعنى أنه مقضيٌّ مكتوب، وإخراجه في الأرض يعنى أنه سينفذ لا محالة.

فالرزق أولا مكتوب في اللوح المحفوظ ثم بعد ذلك ينزل في السموات لتعرفه الملائكة وتنزل به إلى صاحب الرزق في الأرض فينفذ على صاحبه.

ولذلك قال الله تعالى في شأن الهدهد الموحد ومخاطبته سليمان {أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} [النمل: 25] الخبء: أي الشيء الخفي المخبوء. فهنا أدرك الهدهد أن الرزق مكتوبٌ في السماء قبل أن يكون واقعًا مقدرًا في الأرض. وقد قال الله تعالى: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ}[الذاريات:22] وقال عن تنفيذ ماقسمه لكل مخلوق {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [العنكبوت:6] وقال {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا}[هود: 6]

 

إذا فالرزاق سبحانه هو الذي يتولى تنفيذ العطاء الذي قدرهُ لأرزاق الخلائق لحظةً بلحظة، فهو المفيضُ بالأرزاقِ رزقًا بعد رزق ومبالغةً في هذا الإرزاق وهذا الإنفاق، ولذلك ليس من أحدٍ يُسمى بهذا الاسم إلا الله جل في علاه ولا ينبغي أن يوصف به بشر فلا يقال عن أحد أنه رزاق أبدًا لأن هذه صفه استأثر الله سبحانه وتعالى بها لنفسه. ويروى عن امرأة أنه لما هددها زوجها بمنع النفقة قالت: "إنما أنت أكال" أي تأتي لنا بالأكل أما الرزاق فهو الله سبحانه وتعالى.

 

كلام العلماء على اسم الله الرزاق ودلالاته في حق الله تعالى

 

-قال ابن جرير:

هو المتكفل بأقواتهم {وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء:79-80]

- قال الخطابى:

هو المتكفل بالرزق القائم على كل نفس بما يقيمُها من قوتها فليس يختص بذلك مؤمنًا دون كافر ولا ولياً دون عدو.

ويعجبني قول لأحد الأخوة خاص باسم الله الرزاق إذ يقول: "إذا كان الله يرزق فلان الكافر كيف لا يرزقني؟". فمهما ضاقت به السبل وقُدّر عليه رزقه دائمًا عنده يقين وحسن ظن بالله سبحانه وتعالى أن الله سيعطيه.

-يقول الحُليني:

هو المفيض على عباده ما لم يجعل لأبدانهم قوامًا إلا به.

فالصحة رزق والعافية رزق، والمال رزق.

وقال "هو الرزاق رزقًا بعد رزق والمكثر الموسع على عبيده سبحانه وتعالى".

 

-قال السعدى:

الرزق نوعان

رزق عام يشمل البر والفاجر والأولين والأخرين وهذا رزقُ الأبدان، ورزق خاص وهو رزق القلوب.

وهذا معنى هام جدا في اسم الله الرزاق، فمتى تحدثنا عن "الرزاق" سبحانه تجد الناس انصرفت قلوبهم وعقولهم إلى رزق الأبدان فقط من المال وغيره. ولكن أعظم الرزق هو رزق القلب، وهو بأن يُغذيه الله تعالى بالعلم والإيمان هذا هو الرزقُ الحلال الذي يعين على صلاح الدين وهذا خاصٌ بالمؤمنين على مراتبهم بحسب ما تقتضيه حكمة الله تعالى ورحمته.

يقول النبي : (إن الله قسم بينكُم أخلاقكُم كما قسم بينكُم أرزاقكُم وإن الله عز وجل يعُطى الدنيا من يُحب ومن لايُحب ولا يُعطى الإيمان إلا من أحب) [صححه الألباني]  هذا الحديث من حديث ابن مسعود رواه الإمام أحمد وصححه الألباني 

أثر الإيمان باسم الله الرزاق

الدرس الأول: التوكل

أول شيء يتعلمه العبد من اسم الله الرزاق أن يزداد ثقةً ويقينًا في ربه فلا يتوكل إلا عليه. مشكلتنا أننا في مجتمع مادي تحكمه فلسفة مادية الكل متعلق فيه بالأسباب والنتائج، فمن يذاكر 3 ساعات سيحصل على تقدير جيد، ومن يذاكر 6 ساعات يحصل على تقدير جيد جدًا، وهكذا في كل أمورنا. وتناسينا دور المعاني الإيمانية وتقوى الله في زيادة الرزق وفي التوفيق للمعالي. وتناسينا أن الأسباب ما هي إلا وسائل وأن أرزاقنا في السماء قد قدرت من قبل إقدامنا على هذا السبب أو غيره وتناسينا أن هذه الأسباب نفسها ما هي إلا رزق يساق إلينا ليسوق غيره وركنّا إليها وتعلقت بها قلوبنا.

 

فأول شيء لتحقي الإيمان بمعنى اسم الله الرزاق: التوكل ، أن تسعى في اتخاذ الأسباب دون اعتماد عليها و تعلم تمامًا أن الله سبحانه وتعالى إذا أراد شيئًا كان.

وإذا رزقت فانفق تزدد رزقا..ولا تعتمد على الادخار سببا في حفظ الرزق..فإن هذا مما ينافي التوكل أيضا

روى البزار وصححه الألباني من حديث ابن مسعود (أن النبي  صلى الله عليه وسلم دخل على بلال وعنده صُبرة من تمر فقال ماهذا يا بلال؟ قال: شيء ادخرته لغد أو أعد ذلك لأضيافك قال: أما تخشى أن يفور له بخار في نار جهنم يوم القيامة أنفق يا بلال ولا تخشى من ذي العرش إقلالاً) [صححه الألباني]

صبرة من تمر: أي حفنة من التمر، ادخرها سيدنا بلال رضي الله عنه لأضياف النبي صلى الله عليه وسلم، فوجهه النبي إلى الإنفاق.

وهذا المعنى يكاد يكون مفقود في في زماننا، زمن الثلاجات.. يأتي الواحد منا باحتياجات الشهر في بيته ويقول ادخر للزمن.

بل أنفق أخي ولا تخش من ذي العرش إقلالاً ، واترك أهل الحرص وحرصهم ، ألا ترى الطير لا تملك خزائن لقُوتها ولا تملك ثلاجات ولا شيء ولكن تغدو خماصًا وتعود بطانًا كما قال النبي صلى اللهُ عليه وسلم: (لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتعود بطانا) [السلسلة الصحيحة :620]

وقد وكل الله ملكين ينزلان من السماء أحدهما يدعو لكل منفق والأخر يدعو على كل ممسك فيقول النبي صلى اللهُ عليه وسلم  في الحديث الذي رواه البخاري (ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقًا خلفا ويقول الأخر اللهم أعطِ ممسكًا تلفا) [صحيح البخاري]

وتأمل في سورة الليل كيف ربط الله بين البخل والاستغناء عنه سبحانه فقال : {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى} يبخل حين يحب المال ويصفه الله أنه إذا فعل فإنه بهذا يستغني عنه، لأنه يركن إلى ماله ويرى فيه الأمان والمستقبل والعزة فهل وجد في ماله ما يريد..كلا {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}[الليل:5]

إنفاق الشيخ ابن باز:

يروى عن الشيخ ابن باز رحمه الله أنه كان ينفق ما يقارب 68 مليون ريال سعودى في السنة كلها في سبيل الله. وروى أن امرأة مشلولة أرسلت له تشكو الله زهد الرجال في الزواج منها وأنها تتمنى بناء منزل يرغب الناس في الزواج منها..فأرسل لها الشيخ 400 ألف ريال وأمر أن يبنى لها المنزل عسى أن يتقدم أحد للزواج منها.

 

 

 

الدرس الثاني: توحيد الله باسمه الرزاق.

صفة الرزق من صفات الربوبية التي لا يتصف بها سوى الرب الخالق وهذا معناه أن تعلقك بالأسباب يوقعك في شرك وقدح في توحيدك..

يقول الله تعالى {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ..} فكما أن الله هو الخالق المحي المميت فكذلك هو وحده الرزاق، فلا أحد يستطيع أن ينسب الخلق إلا لله، وكذلك الإحياء والإماتة، فكذلك عليك ألا تنسب الرزق لغيره..أن تتودد إلى مديرك وتتقرب إليه لأنه هو الذي يرزقك لا شك أن في هذا مخالفة، ومن تتنازل عن دينها مقابل بقائها في عمل تحتاج رزقها منه لا شك أن في هذا مخالفة..وهي ليست بالمخالفة الصغيرة بل الأمر متعلق بالتوحيد..فلا شك أنه يحتاج منّا لوقفات واستدراك.

 

الدرس الثالث: كلما زادك الرزق قربا من الله وازددت به إيمانا فهو بشارة بزيادة محبة الله لك، ففي الحديث (وإن الله عز وجل يعُطى الدنيا من يُحب ومن لايُحب ولا يُعطى الإيمان إلا من أحب) [صححه الألباني]  فانظر لرزقك ماذا فعل فيك؟

 

 

الدعاء باسم الله الرزاق

ورد بالوصف كثيرًا عن النبي  دعائه باسم الله الرزاق، من ذلك:

­ ما رواه البخاري من حديث أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي قال: (لا يقل أحدكم اللهم اغفر لى إن شئت، وارحمنى إن شئت وارزقنى إن شئت، ليعزم مسألته إنه يفعل مايشاء لا مكره له) [صحيح البخاري]  فدلنا النبيأن ندعو الله تعالى ونوقن بالإجابة ونعزم في المسألة اللهم ارزقنا

­ ومنها ما رواه البخاري أيضًا من حديث عمر قال: (اللهم ارزقني شهادة في سبيلك واجعل موتي في بلد رسولك )

­ وكان من دعائه والحديث رواه مسلم  (أن كان يقول اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً ) [رواه مسلم] أعطهم قدر احتياجهم لا توسع عليهم فيطغوا ولا تقدر عليهم فيضيق عليهم فيجزعوا وإنما أعطهم ما يكفيهم وقنعهم بذلك.

­ أن النبيكان يعلم صحابته هذا الدعاء (كان الرجل إذا أسلم علمه النبي  الصلاة. ثم أمره أن يدعو بهؤلاء الكلمات " اللهم ! اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني.) [رواه مسلم] خمس جمعت الخير كله في الدنيا والآخرة. أن يغفر له تعالى ويرحمه ويكتُب له الهداية هداية التوفيق وكذلك يعافيه في الدنيا.

 

الفرق بين الاسمين بين اسم الله تعالى الرزاق وبين اسم الله الرازق

 

يقول: الرازق سبحانه هو الذي يرزق الخلائق أجمعين وهو الذي قدر أرزاقهم قبل خلق العالمين وهو الذي تكفل باستكمالها ولو بعد حين فلن تموت نفسا إلا باستكمال رزقها يقول النبي   ( أيها الناس اتقوا الله وأجملوا في الطلب فإن نفسا لن تموت حتى تستوفي رزقها وإن أبطأ عنها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، خذوا ما حل ودعوا ما حرم) [صححه الألباني]. في لفظ آخر عن أبى أمامة في مسند الشهاب من حديثِ أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي قال: (إن روح القدس نفث في روعى أنَّ نفسًا لن تموت حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ولا يحملنكم استبطاء الرزق على أن تطلبوه بمعصية الله فإنَّ الله تعالى لا يُنال ماعنده إلا بطاعته.)

 

إذن فالرازقُ فيه معنى الرزق المطلق، فهو يفيد ثبوت صفة الرزق لله عز وجل أما الرزاق فتفيد التكثير، أنه يرزق رزقا بعد رزق.

ولعلنا نذكر الآن بعض مفاتيح الرزق كأسباب يأخذ بها العبد لزيادة رزقه، منها:

 

1_ الاستغفار والتوبة  {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً} [نوح : 12]

2_  التبكير في طلب الرزق يقول النبي : (اللهم بارك لأمتى في بكورها) [صحيح] ووقت البكور هو وقت ما بعد الفجر.

3_  التقوى {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}[الطلاق : 2]

قال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ }[الأعراف : 96] .

4_ اجتناب المعاصي قال الله {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}[الروم : 41] ، وفي الحديث (إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه)

5_ التوكل: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً}[الطلاق : 3]

6_ التفرغ للعبادة: عكس مايقوله الناس والدليل عليه قول الله تعالى في الحديث القدسى (يابن ءادم تفرغ لعبادتي أملأ قلبك غنى وأسدُّ فقرك وأملأ قلبك غنى وأملأ يديك رزقاً) وهذا اللفظ في الحاكم (يابن ءادم تفرغ لعبادتي أملا قلبك غنى وأسدُّ فقرك وأملأ قلبك غنى وأملأ يديك رزقاً، يابن ءادم لا تباعد منى فأملأ قلبك فقرا وأملأ يديك شغلا)

 

7_ المتابعة بين الحج والعمرة فإنها سبب للرزق لأن النبي قال (تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة)

8_ كثرة الإنفاق في سبيل الله قال الله: {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}[سبأ : 39] أنفق ينفق عليك.

9_ الإنفاق على من تفرغ لطلب العلم الشرعي: النفقة على طلبة العلم سبب للرزق، ففي الحديث أنه كان ثمة أخوان على عهد رسول الله   وكان أحدهما يأتى النبيوالآخر يحترف, فشكى المحترف أخاه إلى النبي فقال له النبي   : (لعلك تُرزق به).

ونفصل هنا: بأن ليس المعنى أن يتفرغ الجميع لطلب العلم ، لا وإنما كل ميسر لما خلق له..فطالب العلم  لا نأمره بالعمل وخوض ميدان الحياة وما فيه من أوحال لأن طبيعته التي جبل عليها لا تناسب ذلك، فغالبا ما تجد من هذه صفته يحب الجلوس في البيت والعزلة والقراءة ولا يحب الاختلاط بالناس، فيكون في خروجه إلى العمل والحياة تبديد لقدراته التي لا يناسبها هذا المجال.

وقد تجد آخر لا يناسبه جو الطلب، بل يحب الخلطة والخروج وخوض غمار الحياة والحركة والتجريب ولا يصبر على الجلوس في المنزل أو تصفح كتاب، فهذا خلق ليكون في مجال آخر كالدعوة، فيدفعه حبه للحركة والخلطة وكراهيته للسكون والعزلة إلى التحرك بين الناس وملاطفتهم وبسط الحديث معهم ومجادلتهم..فيكون ناجحا في دعوته على عكس الأول.

إذا فالمقصود أن كلٌ ميسر لما خلق له، وأن الأحكام عامة على الجميع ولكلٍ فرصته في التخصص فيما يناسب مؤهلاته وقدراته التي جبل عليها لذا قال النبي للرجل لعلك ترزق به ، فلم يقلل من عمل أحدهما ولم يلم أحدهما لمعرفته بطبائع النفوس.

10_ صلة الرحم سببٌ لسعة الرزق (من سره أن يبسط له في رزقه وينسَأ له في أثره فليصل رحمه) [رواه البخارى]

11_ إكرام الضعفاء والإحسان إليهم النبىقال: (هل تُنصرون وتُرزقون إلا بضعفائكم ) [رواه البخارى]

12_ الهجرة في سبيل الله ..  يترك مكان الضيق إلى غيره ما فيه سعة في الرزق ولكن بضوابط الهجرة، وليس كما يحدث الآن بأن يهاجر أحدهم بالسنوات تاركا زوجته وأولاده بحجة تأمين المستقبل. مما يفتح أبواب الابتلاءات والفتن والفواحش على الزوجات.

قال الله تعالى: {وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} [النساء: 100]

=======

اسـم الله البـارئ

 

ورود الاسم  في القرآن وفي السنة:

ورد اسم الله تعالى البارئ في ثلاثة مواضع في القرآن الكريم  منها  في سورة الحشر ورد مُطلقًا، معرفًا، مُرادًا به العلانية، دالاً علي كمال الوصفية.

وهذه هي الشروط التي وضعها العلماء حتي يُدخل هذا الاسم في أسماء الله تعالى:

1- أن يكون مطلقًا ليس مقيدًا كقوله تعالى:{هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ} [الحشر:24] فذكر الاسم مطلقًا، إنما ورد مقيدًا في قول الله تعالى{فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ} [البقرة:54].

2- وأن يكون مُعرَّفا (البارئ) هكذا جاء معرفًا ليس نكرة.

3- مُراداً به العلانية ..أي أنه علم علي ذاته سبحانه.

4- دالاً علي كمال الوصفية ..بمعني أنَّ تكون الصفة صفة كمال لا تعتريها أي شائبة. {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ} [الحشر:24]

 

 

معنى اسـم الله البـارئ:

 

المعنى لغة:

يقال برأَ إذا تخلص، كما في قوله تعالي {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } [التوبة:1]قالوا هذا إعذار وإنذار, بمعني أعذر وأنذروتقول مثلاً برأَ الرجل من هذا المرض ..برأ أي أنه تعالج منه, برأ وصار صحيحًا بعد أن كان عليلاً فتخلص من هذا المرض· ويقال برأ أي تنزه وتباعد ،وفي حق الله سبحانه وتعالي معناه المنزه عن كل عيب، منزه عن كل نقص. وفي حق الإنسان هو أن تتباعد وتتنزه عن السفاسف، كما قال النبي  "إن الله يحب معالي الأمور ويكره  سفاسفها" السفاسف أي دنايا الأمر، فيتنزه عن الخطايا والمعاصي التي تودي به إلي الهلكات، وتباعده عن ربه. برِأَ: تخلص وتنزه وتباعد وأعذر وأنذر.

أعذر الله سبحانه وتعالى عباده كما يقول النبي  "فما أحدٌ أحب إليه المدح من الله وما أحدٌ أكثرَ معاذير من الله" [صححه الألباني في صحيح الترمذي وغيره ] يعني يخطئ العبد ولوشاء الله –عز وجل- أن يعجل عليه العقوبة لكن يعذره، ويأمرنا من باب آخر أن نتلمس الأعذار للناس، (أعذر ثم أنذر) فبدأ بصفة الجمال (الإعذار) ثم صفة الجلال (الإنذار).

· ويقال بَرأت العود أو يقال بَرِئْتَ العود وبروته إذا قطعته وأصلحته، ففيها معنى الإصلاح، كأن في ذلك إشارة إلى حال الاعوجاج الذي تكون عليه النفس البشرية، فإذا سعى الإنسان في إصلاحها فله في اسم الله تعالى  البارئ حظ ونصيب.قالوا :البرية: معناها الخلق، وهنا {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّة}[البينة:7]

أي خير البرية: من حقق معنى الإيمان والعمل الصالح

وفي الناحية الأخرى{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ }[البينة:6]

هذا في المعنى اللغوي للاسم.

 

معنى الاسم في حق الله سبحانه وتعالى

البارئ :الذي أوجد الخلق بقدرته.

قال الزجاج: يقال برأ الله الخلق: إذا فطرهم وخلقهم وأوجدهم..فكل مبروء مخلوق.وقال الشوكاني: البارئ أي الخالق، وقيل: أي المبدع، المحدث الشيء على غير نظير.

 

الفرق بين اسم الله البارئ واسم الله الخالق:

عند الخطابي

قال الخطابي: "البارئ هو الخالق إلا أن لهذه اللفظة من الاختصاص بالحيوان ما ليس لها بغيره من الخلق وقلما يُستعمل في خلق السماوات والأرض والجبال".

المقصود أن اسم الله الخالق هذا اسم عام يشمل جميع الخلق، وكلمة الخلق هنا تشمل كل مخلوقات الله سبحانه وتعالى، واسم الله الخلّاق نفس الأمر، أما برأ فتختص بعالم الحيوان.

عند ابن كثير

قال: "الخلق هو التقدير، والبرء هو التنفيذ وإبراز ما قدره وقرره إلى الوجود"

أي أن الله سبحانه وتعالى في مراحل إيجاده للشيء:.

المرحلة الأولى: يقدر الله الشيء في قدره سبحانه وتعالى وفي علمه السابق.

المرحلة الثانية: مرحلة تنفيذ هذا التقدير وإبرازه وتقريره إلى الوجود وهي مرحلة البرء، وليس كل من قدر شيئًا ورتَّبه يقْدِر على تنفيذه وإيجاده.

عند الحليمي

يقول اسم الله البارئ يحتمل معنيين أحدهما: الموجد لما كان في معلومه، وهو الذي يشير إليه الله جل وعلا في قوله {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا } [الحديد /22]

لم يقل من قبل أن نخلقها أو من قبل أن نصورها.."من قبل أن نبرأها"

ولا شك أن إثبات الإبداع للباري جل وعز لا يكون على أنه أبدع بغتة من غير سبق علم بل هو على سبق في علم الله. يعني عندما يحدث زلزال أو بركان أو أي حادثة كونية بغتة مفاجئة للبشر، هذا الشيء الذي برأه الله فأصبح موجودا منفذا أمامنا، كان قبل حدوثه معلوما عند الله..كان مفاجئا لنا فقط له سبق علم عند الله. وهذا يعطينا إشارة إلى ضرورة أن تكون حياة المؤمن مبنية على علم، فلا يمشي في الأرض سدىً ولا عبثًا، و لا يكون أهوجا طائشا يتصرف  من غير دراسة ولا تخطيط..بل يجب أن يكون له حظ من اسم ربه البارئ.

 

المعنى الثاني: يُشير أنَّ المُراد بالبارئ قالب الأعيان، أي أنه أبدع الماء والتراب والنار والهواء لا من شيء، ثم خلق منها الأجسام المختلفة كما قال جل وعلا : {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}  [الانبياء: 30] وقال: {إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ }[ص:71] وقال:  {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ }[النحل: 4] وقال:{ وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ } [الروم: 20] وقال: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ * وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} [الرحمن :14-15]وقال: { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}[المؤمنون:12-14]

 

وبذلك نخلص في معنى البارئ الى أربعة معاني:

1 – البارئ هو: الموجد، المبدع، من برأ الله الخلق أي خلقه. وبهذا يكون مرادف ومشابه لاسم الله  (الخالق).

2 – البارئ: الذي فصل بعض الخلق عن بعض، أي: ميَّز بعضهم عن بعض، وهذا مثل ما قلنا برأ الشيء بمعنى قطعه وفصله. ميَّز الخلق هذا أبيض وهذا أسود، هذا عربيّ وهذا أعجمي،

3 –البارئ يدل على أنه تعالى خلق الإنسان من التراب، قال {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه:55] لأنه في لغة العرب يقولون: البرىّ هو التراب.

4 – البارئ هو: الذي خلق الخلق بريئا من التفاوت، { مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ}[الملك:3] أي خلقهم خلقًا مستويًا، ليس فيه اختلاف ولا تنافر، ولا نقص ولا عيب ولا خلل،  فهم أبرياء من ذلك كله.

وهنا قد تعرض شبهه: كيف مع كون الله هو الخالق البارئ وله الكمال المطلق في ذلك ويكون في خلقه نقصان؟ كمن خلق أعمى لا يبصر أو أصم لا يسمع أو به شلل أو أي عيب خلقي؟

نقول ابتداء أنه { لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:23] يعني السؤال من البداية خطأ، لكن هذا جواب لأهل الإيمان الذين يعرفون أن الله سبحانه حكيم عليم، أنَّ الله سبحانه وتعالى يُحال في حقه الظلم "إني حرمت الظلم على نفسى" فهم يعرفون تماما كما في حديثِ النبي  أن "من فقد حبيبتيه فإن الله عز وجل يبدله بهما  الجنة يصبر على ذلك " [ مسند أحمد بن حنبل] ، ويكون هذا مفتاح دخوله الجنة، لا تحتاج أكثر من أنك فقط تصبر على هذه البلية- المؤمن يفهم ذلك-.

أما الملحدون والمتكلمة أهل الشبهات فنقول لهم: أن الأرزاق قُسِّمَت ما بين الناس جميعًا بالسوية، لكن الرزق تفاوت في كيفيته بالنسبة لكل شخص، فشخص كان الرزق بالنسبة له مال، وآخر كان الرزق له صحة، وثالث كان الرزق له تيسير أمور من نحو تيسير زواج وأولاد ونحو ذلك، وشخص آخر رزق ملكات وذكاء فيستغل ملكاته وذكاؤه ويصبح به مرموقا فكل يأخذ رزقه من ناحية.

فقانون العدل الإلهي يقتضى ذلك، وهذا دليله الحس قبل أن يكون دليله الايمان، فالواقع يشهد أن الذي يفقد شيء يُعوَّضه الله بأشياء، فمثلاً الإنسان الضرير من أكثر الناس في ملكة الحفظ وييسر له ما لا ييسر للإنسان العادي الصحيح. ونفس الحال بالنسبة للغنى والفقير، فالفقير له راحة البال، والله يدخل الفقراء قبل الأغنياء الجنة، وكم من غني أغبط فقيرا على رضاه وراحة باله وصلاح حياته .. فكل إنسان أخذ جزء من الكعكة ولم يأخذها كلها، ولكن كل منا ينظر إلى القطعة التي لم يأخذها.

 

حظ المؤمن من اسم الله البارئ:

 

أولاً:

المؤمن – كما قلنا- لا بد أن تكون له دراسة جدوى في حياته بشكل عام، يخطط لحياته ولا يعيشها عبثا. فأول ما يستيقظ من نومه يأخذ بكلام العلماء في القيام بـ:..(المشارطة، والمحاسبة، والمعاتبة، والمعاقبة) التي هي مراتب المحاسبة.

المشارطة:

يخطط ليومه من بدايته، يسجل ما يريد إنجازه في يومه ويحاسب نفسه بعد ذلك.

المحاسبة:

بعد انتهاء اليوم وقبل أن ينام،  يبدأ ينظر في تنفيذ ما اشترطه على نفسه..ويحاسبها فإن وجدها قصرت تأتي مرحلة..

3.  المعاتبة:

يعاتب نفسه على تقصيرها ويذكرها بالموت والآخرة وأن العمر رأس ماله.

المعاقبة:

ثم يعاقب نفسه بأن يحرمها من نزهة مع الأصدقاء، أو يحرما من شراء شيء تحبه..يعاقبها فيما تحب.

 

وهكذا في كل يوم..فيصل مع الوقت إلى إحكام نفسه وتأييدها.

 

ثانيـا:

قلنا برأ الشيء بمعنى تخلص..ومنها يسعى المؤمن في تنزيه نفسه من العيوب والنقائص والآفات..وهي التزكية وسوف نفصل فيها لاحقا إن شاء الله.

ثالـثا:

الإعذار: فقلنا أن المؤمن لكي يُعذر عند الله عز و جل عليه تلَمُّس الأعذار لغيره.

 

رابعـا:

قلنا البري بمعنى التراب، فتشير لمعنى الذل والانكسار فأي مخلوق من تراب هذا الذي يتكبر وعلامَ؟

 

خامسـا:

تحقيق مبدأ الولاء والبراء:

يبرأ فيها معنى البراءة.. أنه يبرأ من أشياء ويُوالي أشياء، والولاء والبراء يتحقق في عدة معاني منها:

­                   أولا أن يبرأ إلى الله عز وجل من كل دين يخالف دين الإسلام.

­                   ويبرأ في خاصة نفسه من كل شهوة تخالف أمر ربه.

­                  ويبرأ من كل شبهة تخالف النص الذى ورد عن الله سبحانه وتعالى وعن رسوله.

­                  يبرأ من كل ولاء لغيرِ دين الله وشرعه ومن كل بدعة تخالف سنة النبي صلى الله عليه وسلم

­                   يبرأ من كل معصية تؤثر على محبته لربه وقربه منه..

سادسـا:

إذا كان الله عزو جل برأ الخلق وأوجدهم على هذه الصورة المبدعة المذهلة التي ليس لها مثال سابق فحقها الإتقان فيما تستطيع إتقانه. أخبرنا النبي   كما روى ذلك الطبراني الأوسط وصححه الألباني في الصحيح: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه" [صححه الألباني] فالدقة في الصنعة هذا من شيم المؤمنين وبها يتلبس العبد باسم الله البارئ.

====

اسم الله تعالى المصور

 

.

وروده في القرآن وفي السنة:

ورد هذا الاسم مرة واحدة في القرآن وهو قوله تعالى { هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ} [الحشر:24]

وجاء بصيغة الفعل مرات { هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ }[آل عمران:6] { وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ} [الأعراف:11] {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ }[التغابن:3]

 

المعنى لغة:

يُقال: المصوِّر صَوْر الشيء بمعنى الميل. قال: رجل أصور أي مائل،  وصُرتُ إلى الشيء أي أملته إليك ومنه قول الله تعالى {فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ } [البقرة:260]أي أمِلهن وأجمعهن إليكويقال تصور الشيء أي تخيله وتوهمه. والتصاوير أي التماثيلوصورة الأمر كذا وكذا: أي صفته، وضربه فتصور :أي سقط.يُقال صوّر الشيء: أي جعل له شكلا معلوما، قطعه وفصله وميزه وهذا قريب أيضًا من اسم الله البارئ فهو فيه معنى التمييز للشيء. وفيه معنى الخلق وتصويره: جعله على شكل متصور وعلى وصف متعين أو وصف معين .

هكذا ذهب اللغويين فى شرح هذا الاسم.

 

والصورة لغة: هي الشكل والهيئة والذات المتميزة بالصفات.

قال الراغب الأصفهاني في المفردات:  "الصورة ما ينتقش به الأعيان ويتميز بها غيرها وذلك ضربان أحدهما محسوس يدركه الخاصة والعامة، بل يدركه الإنسان  وكثير من الحيوان بالمعاينة كصورة الإنسان والفرس والحمار والثاني معقول يدركه الخاصة دون العامة كالصورة التي اختص الإنسان بها من العقل والروية والمعاني التي خص بها شيء بشيء"

فالمصور في حق الله سبحانه وتعالى: هو الذى صور الأشياء بشتى أنواع الصور الجلية، والخفية، والحسية، والعقلية، فلا يتماثل جنسان أو يتساوى نوعان بل لا يتساوى فردان {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} [القيامة:4] فالصور تتميز بألوان وأشكال في ذاتها وصفاتها، في خارجها وداخلها.

والله جل وعلا أبدع صور المخلوقات وزينها بحكمته وأعطى كل مخلوق ٍ صورة على مقتضى مُشيئته وحكمته، فهو الذي صور الناس في الأرحام أطورا ونوعهم أشكالا. قال تعالى:{وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِين } [الأعراف:11]

ومرحلة التصوير هي المرحلة الثالثة من مراحل الإيجاد بعد الخلق والبرء، فبعد تقدير الشيء وإنفاذه في الوجود تأتي مرحلة  إضفاء الملامح والسمات التي يتميز بها كل مخلوق عن غيره.

ومثله - ولله المثل الأعلى- إذا أراد إنسان أن يبنى بناءً يأتي بمهندس يضع له تصورا للبناء أولا ثم تبدأ مرحلة تنفيذ البناء بالمواد الأولية ثم المرحلة الأخيرة مرحلة التزيين وتجميل البناء حتى يتميز عن غيره من الأبنية، ولله المثل الأعلى.

وإذا كان هذا البناء – وهو أمر هين- يحتاج إلي عدة أشخاص لإخراجه إلى الوجود والفراغ منه. فكيف بخلق السموات والأراضين السبع والشمس والقمر والكون على ما فيه من خلائق وأعاجيب .. فسبحان من خلق وصور وحده بلا معين ولا وزير..فهو وحده الخالق البارئ المصور. وحده قدر الشيء من قبل ثم أنفذه في وجوده ثم أعطاه من الملامح والقدرات ما يجعل له كيانا مميزا مستقلا..فسبحان الرب الإله.

 

المعنى في حق الله سبحانه وتعالى كما ذكر أهل العلم

الطبري يقول: "المصور أي الذي صور خلقه كيف شاء وكما شاء" وقال في تفسير قول الله تعالى {الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ *فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ }[الانفطار:7-8] أي صرفك وأمالك إلى أي صورة شاء.

يعني وكأن الخلق في البداية يكون كقطعة طين ثم يميله إلى جنس معين، فهذا من جنس عربي وآخر من جنس أعجمي، وهذا أبيض وذاك اسمر، وهذا أماله إلى صوره حسنة وذاك إلى صورة قبيحة أو إلى صورة بعض القرابات مثلا، فهذا يشبه أباه وهذا يشبه أمه وهذا يشبه خاله وآخر يشبه عمه وهكذا.

قال الزجاج: "المصور هو مصور كل صورة لا  على مثال احتذاه ولا على رسم ارتسمه بل يصوره كيفما شاء سبحانه وتعالى".قال ابن كثير: "الخالق البارئ المصور أي الذي إذا أراد شيئا قال له كن فيكون على الصفة التي يريد والصورة التي يختار".· ويقول الخطابي: "هو الذي أنشأ خلقه على صور مختلفة ليتعارفوا بها قال: {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ}[التغابن:3]"  لأنه لو وجد شخصين يتشابهان تماما لن يتمكن الناس من التفريق بينهما، وهذه الحكمة تغلق باب الاستنساخ لأنه يناقضها.

 

إذا فمعنى المصور على أمرين الأول: الذي أمال خلقه وعدلهم إلى الأشكال والهيئات التي توافق تقديره وعلمه ورحمته التي تتناسب مع مصالح الخلق ومنافعهم.

والثاني: أنه الذي أنشأ خلقه على صور مختلفة وهيئات متباينة من الطول والقصر والحسن والقبح والذكورة والأنوثة كل واحد بصورته الخاصة.

 

@شبـهـه:

يقولون أن الله قد خلق آدم على صورته، إذا فالصفات واحدة.

ونرد فنقول: أن المصور هو الذي صور الإنسان وأكرمه بأعظم تكريم وهو أن خلقه على صورته في المعنى المجرد ليستخلفه في الأرض ويستأمنه في ملكه. فقد جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي  قال :"خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعا فلما خلقه قال اذهب فسلم على أولئك النفر من الملائكة جلوس, فاستمع ما يحيونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك،  فقال : السلام عليكم،  فقالوا : السلام عليك ورحمة الله، فزادوه ورحمة الله،  فكل من يدخل الجنة على صورة آدم فلم يزل الخلق ينقص بعد حتى الآن." [صحيح]

والعلماء قالوا :الحديث ظاهر المعنى في أن الله تعالى صور آدم وجعل له سمعا وبصرا وعلما وحكمة وخلافة وملكا وغير ذلك من الأوصاف المشتركة عند التجرد والتي يصح عند إطلاقها استخدامها في حق الخالق والمخلوق،فالله رحيم وفي خلقه رحمه يوصفون بها لكن الرحمة في حق الله متفاوتة ومختلفة.. رحمة تليق به سبحانه وتعالى لا يعتريها أي معنى من معاني النقصان ولا تشبه رحمة البشر.

وقالوا: أن لفظ الصورة عند التجرد لا يعنى التماثل قط ..فالله ليس كمثله شيء ولا نشبّهه بشيء ، لكن هناك معاني مشتركة قضى الله بها ليكون العباد ربانيين يسعون إلى الارتقاء إلى رب العالمين  في سلوك طريقهم إليه وأن يتحلوا بما يحب من هذه الصفات وأن يتخلصوا ويتبرءوا ويتنزهوا عن صفات لا يحبها وأن لا يتكلفوا صفات استأثر الله عز وجل نفسه بها.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "ما من شيئين إلا بينهما قدر مشترك وقدر فارق فمن نفى القدر المشترك فقد عطل ومن نفى القدر الفارق فقد مثل "

وهذا من أصول الاعتقاد في باب الأسماء والصفات، فما من شيئين إلا بينهما قدر مشترك وقدر فارق.

فالذي ينفي القدر المشتَرك يُعطِّل صفات الله..فيقول: (الله يسمع وأنا أسمع فكيف ذلك؟ إذا فالله يسمع بلا سمع)..فيعطل الصفة لنفي التشابه. وهو ليس ثمة تشابه أصلا،  فسمع الله تعالى على الوجه الذي يليق به وليس على الوجه الذي خلقنا عليه. وكذلك من نفى القدر الفارق فقد شبه فيقول لا فرق بين رحمة الله ورحمة البشر..نعوذ بالله.

 

 

حظ المؤمن من اسم الله المصور:

توحيد الله سبحانه وتعالى

قلنا أن اسم الله المصور يوجد فيه معنى التمييز. إذا  فأول شيء يُراعيه العبد في العمل بهذا الاسم هو تحقيق التوحيد, فلا يتشبه بما انفرد به ربه من  صفات الربوبية، ولا يقع في شركِ التمثيل ولا يشبه الله سبحانه وتعالى بصفاتِ البشر على الوجه المذموم .

 

2. قضية التصوير:

والحديث رواه مسلم والإمام أحمد من حديث سعيد بن أبي الحسن أنه قال  جاء رجل الى ابن عباس فقال: "إني رجل أصور هذه الصور فأفتني فيها"، فقال ادنُ مني فدنى منه ثم قال ادنُ مني فدنى حتى وضع يده على رأسه فقال أنبئك بما سمعت من رسول الله : سمعت رسول الله  يقول "كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفسا تعذبه في جهنم"[ مسلم والإمام أحمد]

وفي رواية الامام أحمد "قال فربى لها الرجل ربوة شديدة واصفر وجهه فقال له ابن العباس: "ويحك إن أبيت إلا أن تصنع فعليك بهذا الشجر وكل شيء ليس فيه روح "وفي رواية الإمام أحمد (إن كنت لابد فاعلا فاصنع الشجر وما لا نفس له).

هذا الأمر يشير إلى خطورة قضية التصوير وأنها من جملةِ الكبائر ويدل عليه كذلك الحديث الذي رواه الطبراني وحسنه الألباني من حديث عبد الله بن مسعود أنَّ النبي  قال: " أشدُّ الناس عذابًا يوم القيامة رجلٌ قتل نبيًا أو قتله نبي أو رجلٌ يُضِّلُ الناس بغير علم، أو مصور يصور التماثيل" [حسنه الالباني]

 

مصطلح الصورة في زماننا أصبح متشعبا، فلدينا التماثيل والرسم والتصوير الفوتوغرافي والرقمي والفيديو . لكن الجماهير من العلماء على أن مصطلح الصورة هو التماثيل وهي التي تدخل في هذا النهي الشديد الذي ورد عن النبي  . والخلاف بين العلماء على باقي الأنواع  غير أن الرسم باليد يدخل تحت نطاق النهي إلا أن تبتذل وتمتهن كأن تكون سجادة على الأرض تداس بالأقدام أو وسادة كما صنعت عائشة  رضي الله عنها حين اتخذت التصاوير التي كانت معلقة على الجدار وسادة أما أن تعلق هذه الرسوم فهذا يدخل تحت نطاق النهي والدليل عليه حديث عائشة.

 

يسعى في تحسين ظاهره وكذلك في تحسين باطنه:

إذ قلنا أن التصوير فيه معنى تزيين الشيء وتمييزه، وقلنا مثال ذلك البناء الذي يُبنى، فيذكّر هذا بمعنى : الله جميل يحب الجمال ويحب أن تكون على أحسن صورة، فحقها وحظ المؤمن فيها أن يكون هو كذلك جميلا، أن يكون على صورة حسنة طول الوقت لما قال النبي  :"لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر،  فقالوا :أفرأيت الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا وسمته حسنا ( شكله جميل ) قال: ليس ذاك. إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس ".

لكن في نفس الوقت ينبغي أن لا يأخذ هذا التحسين الظاهري منه جل وقته, كأن يقف أمام المرآة مثلا نصف ساعة ليسرح شعره بطريقة معينة ويلبس بشكل معين، لا, قال : "البذاذة من الإيمان" [ أخرجه أحمد في مسنده]  يعني أحيانا لا يهمه مظهره الخارجي فلا يكون عبدا للصورة. ألم يقل النبي  صلى الله عليه وسلم : "تعس عبد الخميصة"  والخميصة هي الثوب،  فبعضهم لا يقدر أن يتخلى عن مظهر ألفه الناس عليه فيعطل صلوات وعبادات لأنه يجب أن يظهر طول الوقت بمظهر معين أمام الناس. وهذا مذموم بل المهم أن يسعى في تحسين باطنه مع الحفاظ على حسن المظهر وأن يسعى في تهذيب نفسه وتطهيرها من آفاتها.. ألم نقل أنهما صورتان: خارجية وداخلية..فلا يهمل أحدهما

نختم اسم الله المصور بقول الله تعالى:{يَا أَيُّها الإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ ِبِرِّبِكَ َاْلَكَرِيم الَِّذِي خِلَقَكَ َفَسّواكَ فَعَدَلَك فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَّك} [لانفطار: 6-8]

كأن الله عز وجل يقول إذا راعيت أنك خلقت في أحسن صورة, فإن المصور حقها عدم الغرور، والغرور يحدث من أن لا يوافق ظنه بربه عمله ثم يقول هذا حسن ظن بالله. ولكن  من أحسن الظن أحسن العمل، لذا قالوا في تفسير الآية: ما غرك، قال السلف: غره حلمه وغره ستره فاجترأوا على المعاصي،  فهو يقول :{يَا أَيُّها الإِنْسَانُ مَاغَرَّكَ ِبِرِّبِكَ َاْلَكَرِيم} [الانفطار : 6]

هل غرك أنه أغدق عليك هذه النعم ظاهرة و باطنه؟ إن حق الكريم سبحانه وتعالى أن يعبد ويطاع لا أن يخالف ثم بعد ذلك يجُترأ عليه ويغتر بستره وحلمه!!, إذن حقها أن لا يغتر بل يحُسن الظن بإحسان العمل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق