من اسـم الله الخـالـق الي اسم الله "الرب"جل جلاله
اسـم الله الخـالـق
أولاً: ورد اسم الله تعالى الخالق في القرآن مُطلقًا ومُقيدًا، مُعرفًا ومُنونًا، قال اللهُ جلّ وعلا: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الحشر:24]، وقال جل شأنه: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ }[فاطر:3].
لابد في البداية أن نشير إلى أنَّ هذا الاسم الشريف يشير إلى صفة من صفات ربوبية الرب جل وعلا، فإنَّ صفات الربوبية تؤول إلى معانٍ خمس:
الصفة الأولى: صفة الخلق
والصفة الثانية: صفة المُلك
والصفة الثالثة: صفة التدبير والهيمنة
والصفة الرابعة: صفة الإحياء
والصفة الخامسة: صفة الإماتة والبعث والنشور
فلا يكون ربًا من لم يتصف بهذه الصفات، وأضف إليها كذلك صفة الرزق. فصفة الخلق بإحياءِ الموتى وإيجادِ الشيء من العدم وفي نفس الوقت هو سبحانه وتعالى الذي يرزقهم ويتولى أمورهم. أفلا يستحق من اتصف بذلك أن يكون هو الإله فلا يُعبد إلا هو ولا يحب ولا يُجَلُ إلا هو سبحانه وتعالى على هذا الاعتبار. فهو الذي خلق وهو الذي رزق وهو الذي يحي ويميت، وهو سبحانه وتعالى له صفة المُلك وله صفة الهيمنة، إذا كان الله سبحانه وتعالى تفضل على عباده بكل ذلك. ألا يستحق بعد هذا أن يكون هو الإله؟
وقد ورد اسم الله تعالى الخالق مُقيدًاكقوله تعالى {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [الزمر:62] خلق سبحانه وتعالى كل شيء فأوجد هذه الأشياء بعد أن كانت في عالم العدم، هو سبحانه وتعالى الذي قدر وجودها وأوجدها وهو على كل شيء وكيل.
اسم الله الخالق في السنة
وقد ورد في السنة إثبات هذا الاسم كذلك، كما في الحديث الذي رواه الإمام أحمد وصححه الألباني من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: غلا السعر على عهد رسول الله فقالوا: يا رسول الله، غلا السعر، فسعر لنا سعرًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله هو الخالق القابض الباسط الرازق المُسعِّر، وإني لأرجو أن ألقى الله ، ولا يطلبني أحد بمظلمة ظلمتها إياه في دمٍ ولا مال) [صححه الألباني]
هذا الحديث يشير إلى قضية التسعير.. فالأصل أن يترك الأفراد لبعضهم البعض في أمر التسعير ولا يتدخل الحاكم ولا يسعر، لكن إن وجد احتكار لسلعة من السلع الضرورية أو وصل الأمر إلى حد التضييق على عباد الله تعالى بأن غَلَوا جدًا في الأسعار بحيث لا يستطيعها أفراد المجتمع فهنا رخص الفقهاء للحاكم أن يتدخل لكن الأصل ألا يسعر وأن يدع الناس كل منهم يكون له حظ من أخيه.
الشاهد قول النبي (إنَّ اللهَ هو الخالق) وقد ورد كذلك أن النبي قال: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) [صححه السيوطي في الجامع الصغير]
معنى اسم الله الخالق في اللغة:
الخلق في اللغة يدور حول معنيين:
المعنى الأول: هو إيجاد الشيء من الشيء، أو إيجاد الشيء من العدم.
أي يأتي الخلق بمعنى الإنشاء والإبداع، ويأتي بمعنى تقدير الشيء. فمن ذلك قولُ الله جل وعلا {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ} [السجدة:7]، وقول الله تعالى {هذَا خَلْقُ اللَّهِ } [لقمان: 1] أي هذه مخلوقات الله {فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [لقمان: 11] فالمعنى هنا أصله التقدير وإبداع الشيء من غير أصل. الخلق قد يأتي أيضًا بمعنى الكذب على اعتبار أن الذي يكذب يُؤلف ويُنشئ كلامًا لا يُطابق الحقيقة لذلك ستأتي {إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ} [ص:7] يعني افتراء وكذب. ويقول الله جل وعلا: {إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا} [العنكبوت:17] يعني أنكم تؤلفون وتكذبون وتأتون بهذه الأمور التي لا تتطابق مع الحقيقة. ويقول الله تعالى{ إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ} [الشعراء:137]أي إن هذا إلا كذب الأولين.
الخالق في أسماء الله تعالى هو الذي أوجد جميع الأشياء بعد أن لم تكن موجودة، فالخالق هو الذي ركب الأشياء تركيبًا ورتبها بقدرته ترتيبًا، يقول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ} [فاطر:3]
{ هَلْ مِنْ خَالِقٍ} أي هل من مُبدع؟ هل من مُنشئ؟ هل من مُوجد للأشياء؟ من العدم غير الله
المعنى الثاني:.هو تقدير الشيء أو تركيبه وترتيبه
يدل عليه قوله تعالى{ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً} أي قدرناها كذلك{ثم خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون:14].
وقفة مع مسألة مهمة في القضاء والقدر:
كل مخلوق مهما عظم شأنه أو دق حجمه لابد أن يمر بأربعِ مراحل أو مراتب:
المرتبة الأولى: مرتبة التقدير، المرتبة الثانية: مرتبة الكتابة، المرتبة الثالثة: مرتبة المشيئة، المرتبة الرابعة: مرتبة الخلق والإيجاد والتكوين. أي شيء قدره الله تعالى لابد أن يمر بهذه المراتب الأربعة.
أول مرحلة: مرحلة التقدير وحساب المقادير:
وهذه تعني أنَّ اللهَ سبحانه وتعالى في علمه السابق قدَّر كل شيء قبل تصنيعه. ذكرنا عندما تدارسنا اسم الله تعالى العليم أنه جل وعلا يعلم قبل إيجاد الشيء وصف هذا الشيء وما سيكون وحاله. فالله سبحانه وتعالى يعلم جميع خلقه قبل أن يخلقهم ، وفي نفس الوقت قدر لهم كل شيء قبل أن يُوجدوا. إذًا أول شيء قبل أن يوجد ذلك الشيء كان في علم الله مُقدَّر ثم..
المرحلة الثانية: كُتب في اللوحِ المحفوظ:
هذه هي المرحلة الثانية التي هي مرحلة الكتابة، فكُتِب فيه تفصيل هذا الخلق وما يلزم لنشأته وإعداده وهدايته وإمداده وجميع ما يرتبط بتكوينه. ثم بعد ذلك..
المرحلة الثالثة: وهي المشيئة :
ونعني بذلك أن الله سبحانه وتعالى شاء لهذا الشيء أن يوجد في هذا الزمان وهذا المكان فما شاء الله كان ومالم يشأ لم يكن.
وبعدها جاءت مرحلة التنفيذ والخلق: وهي المرتبة الأخيرة أن وجد هذا الشيء وقُدَّرَ له كل تفاصيل حياته ، فكانت المرحلة الرابعة، مرحلة خلق الأشياء وتكوينها وتصنيعها وتنفيذها وفق ما قُدر له بمشيئة الله في اللوح المحفوظ.
وقد علق ابن القيم على هذه المراتب في كتابه الماتع شفاء العليل فقال: "مراتب القضاء والقدر التي من لم يؤمن بها، لم يؤمن بالقضاء والقدر"
وانتبه..فهذه جملة خطيرة.. فأنت حين تقول "أؤمن بالقدر خيره وشره" يجب أن تكون مؤمنا بهذه المراحل إيمانا جازما..تؤمن بأن الله سبحانه وتعالى قبل أن يقدر الشيء كان يعلمه، وتؤمن بأن كل شيء مكتوب في اللوح المحفوظ، وتعلم علم اليقين أنَّ ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وتؤمن بقدرة الله على التقدير ومرحلة الإيجاد.
تؤمن بهذه الأربعة إيمانًا جازمًا لا نقاش فيه ولا جدال وإن لم يدركها عقلك وأن تسلم بترتيب هذه المراحل وتدرجها ولا تعمل فيها عقلك لأنه قاصر عن إدراك مثلها-كما ذكرنا من قبل-.
إذًا معنى الخلق يدور حول معنيين شريفين عظيمين. المعنى الأول معنى الإنشاء وإيجاد الشيء من العدم، والمعنى الثاني معنى تقدير الشيء وتكوينه على هذه الصفة التي تقدمت معنا.
دلالة هذا الاسم على صفة الرب سبحانه وتعالى
اسم الله الخالق يدل على ذاتِ الله المُتصف بصفة الخالقِ.
ويدل باللزوم –أي يلزم من كونه خالقًا- أن يكون هو ابتداءً حي وإلا كيف يخلق وهو ليس بحي ؟!. ويلزم أن يكون هو القيوم الذي به قيام كل شيء ومن ذلك إيجاده من العدم، يقوم به كل شيء ولا يقوم هو سبحانه وتعالى على شيء.
ويلزم من ذلك أن يكون سميعًا بصيرًا، فكيف يخلق وهو سبحانه وتعالى لا يكون سميعًا لما يخلق، بصيرًا بكل شيء، عليمًا بكل شيء. وكذلك صفة المشيئة والحكمة والقدرة والغنى والقوة إلى غير ذلك من هذه الصفات التي ينبغي أن يتصف بها الخالق.
الدعاء باسم الله تعالى الخالق: دعاء مسألة ودعاء عبادة
ورد هذا الاسم بهذه الصفة في كثير من نصوص الكتاب والسنة، من ذلك قول الله جل وعلا {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآَيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ. الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ } [آل عمران: 190-191].
هنا محل الشاهد {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} فجعل هذه الصفة في مقام دعاء الثناء، يا رب ما خلقت هذا باطلاً سبحانك أنت الخالق، ثم ثناه بدعاء المسألة فقال فقنا عذاب النار.
ومن هذا أيضا ما ورد في سنن النسائي وصححه الألباني من حديث حميد بن عبد الرحمن بن عوف أن رجلاً من أصحاب النبي قال: إن رجلا من أصحاب النبي قال : قلت - وأنا في سفر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : والله لأرقبن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لصلاة ، حتى أرى فعله ، فلما صلى صلاة العشاء - وهي العتمة - ، اضطجع هويًا من الليل ، ثم استيقظ فنظر في الأفق ، فقال : ربنا ما خلقت هذا باطلا -{رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192) رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194) } [آل عمران: 191-194]
حتى بلغ إلى - : إنك لا تخلف الميعاد ، ثم أهوى رسول الله إلى فراشه ، فاستل منه سواكا ، ثم أفرغ في قدح - من إداوة عنده - ماء فاستن ، ثم قام فصلى ، حتى قلت : قد صلى قدر ما نام ، ثم اضطجع ، حتى قلت : قد نام قدر ما صلى ، ثم استيقظ ، ففعل كما فعل أول مرة ، وقال مثل ما قال ، ففعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث مرات قبل الفجر
الراوي: رجل من أصحاب النبي المحدث: الألباني - المصدر: تخريج مشكاة المصابيح - الصفحة أو الرقم: 1166
خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح على شرط مسلم
الشاهد أنه صلى الله عليه وسلم أول ما فتح عينيه تعبد الله سبحانه وتعالى بعبادة التفكر وهذا سيجعلنا نتوقف عند هذا المعنى مليًا في حظ المؤمن من اسم الله تعالى الخالق
وكذلك الدعاء حال النوم
كان صلى الله عليه وسلم ربما يقول: (اللهم أنت خلقت نفسي وأنت توفاها لك مماتها ومحياها إن أحييتها فاحفظها وإن أمتها فاغفر لها. اللهم إني أسألك العافية) [صحيح مسلم]
وكذلك جاء أيضًا في أذكار الصباح والمساء
قال أبو صالح رضي الله عنه سمعت رجلاً من أسلم قال كنت جالسًا عند رسول الله فجاء رجل من أصحابه فقال يارسول الله لدغت الليلة فلم أنم حتى أصبحت ,قال ماذا؟ قال عقرب. قال: (أما إنك لو قلت حين أمسيت أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق, أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تضرك إن شاء الله) [إسناده صحيح]
حظ المؤمن من اسم الله تعالى الخالق
أن يمعن نظره ويمتع بصره بخلق الله، يما يحل له النظر إليه من هذا الخلق
كما قلنا سنتوقف عند معنى التفكر قليلا مع اسم الله الخالق، فقد جاء في تفسير ابن كثير لآيات التفكر التي أوردناها أن رجلا في الصحراء ليلا نظر إلى السماء فوجدها مُتلألئة بالنجوم فقال "أشهدُ أن لكِ ربًا. اللهم اغفر لي، فغفر الله له". امتلأ قلبه باليقين في هذه اللحظة فنطقها صادقا متعبدا فغفر له.
وكانت أم الدرداء تقول "كان جُلٌُّ عبادة أبي الدرداء التفكر" على إنَّ أبا الدرداء –رضي اللهُ عنه-كان معروفًا بكثرة صلاته وتسبيحه لكن لعله كان يسبح في إثر التفكر.
عبادة التفكر عبادةٌ عظيمة الشأن –كما ذكرنا قبل ذلك- و نحتاج حين نتدارس اسم الله الخالق أن نحيي هذه السنة، سنة التفكر. فاختلِ بالله سبحانه وتعالى وناجه لتشعر بالرهبة العظيمة وأنت تنظر للسماء وتحدثه وتكلمه جل وعلا، فيكون هناك نوع من الذكر والفكر والشكر يملأ القلب فيتولد اليقين بالله سبحانه وتعالى.
أن تعلم أنك ميسر لما خلقت له
في الحديث الذي رواه أبو داود وصححه الألباني أن عمر بن الخطاب سئل عن هذه الآية : {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [الأعراف:172] . فقال عمر بن الخطاب : سمعت رسول الله سئل عنها ، فقال رسول الله : إن الله خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية ، فقال : خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون ، ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية ، فقال : خلقت هؤلاء للنار ، وبعمل أهل النار يعملون . فقال الرجل : ففيم العمل يا رسول الله ؟ قال : فقال رسول الله : إن الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخله الله الجنة ، وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخله الله النار
الراوي: عمر بن الخطاب المحدث: الترمذي - المصدر: سنن الترمذي - الصفحة أو الرقم: 3075
الحديث في الرواية الأخرى، أنَّ الرجل لما قال للنبي ذلك قال ( اعمل فكلٌ مُيسَّر لِما خُلِقَ له)
فالرجل تداخلت عليه المسألة، فنالله عدل حكم.. لمَ يدخل أناس النار وأناس الجنة؟ الأمر التبس على الرجل.
فلم يجيبه النبي في المسألة بإجابة عقلية، إنما أرشده إلى ما ينبغي عليه أن يُشغلَ ذهنه فيه، ألا وهو أن يعمل عملاً يُختَم له به، طالما هو لا يستطيعُ أن يعلمَ أو يفهم مقادير الله، ولا يستطيعُ أن يعلمَ ما هو مُقدَّرٌ له ، فلِمَ يُشغِل ذهنه بهذه القضية؟
قال له: أن الله عندما خلق العباد وقال أنَّ هؤلاء أهل الجنة فإنه ييسر لهم عمل الجنة... فاعمل بعملِ أهلِ الجنة إن كنت تريدها، وإن وجدت من نفسك نزوحا ناحية المعاصي فهذا عمل أهل النار.
إذا فالنبي بإجابته على سؤال الرجل أثبت أمرين:
أول شيء أثبت له أنَّ له إرادة، وطالما أنَّ له إرادة، فهذه هي التي تشغل باله، تشغل نفسك بها لأن هذه هي التي عليها التكليف.
وثاني شيء أغلق مسألة دخول الشيطان عليه بأنه يقول أصل أنا مُقدَّر لي أن أكون من أهلِ النار. قال له: لا. أنت لو خُتِمَ لك بعملِ أهل الجنة تدخل الجنة، فركِّز الآن في أنك تعمل عمل يدخِلُك اللهُ به الجنة، ولا تفكر في شيء آخر. لا تُفكر في أنَّ ذنوبك هذه ستكون أنها سبب والعياذُ بالله تهلك في النار، أو... أو...
، فجعله ما بين الترغيبِ والترهيبِ وما بين الأمرين تتولد إرادة العباد ما بين الخوف والرجاء. الأمر الثالث : الشكر
أن يشكر العبدُ لخالقه أن منَّ عليه بمثل هذه المنن، هذا الخالق سبحانه وتعالى خلق فسوى، وقدر فهدى لذلك سبح {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2)} [الأعلى: 1-2] فأول شيء أن يشكر الله سبحانه وتعالى أن منَّ عليه بهذه النعم العظيمة، ويسرّها له.
كما في الحديث الذي رواه مُسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أنها سمعت النبي يقول: إنه خلق كل إنسان من بني آدم على ستين وثلاثمائة مفصل . فمن كبر الله ، وحمد الله ، وهلل الله ، وسبح الله ، واستغفر الله ، وعزل حجرًا عن طريق الناس ، أو شوكة أو عظمًا من طريق الناس ، وأمر بمعروف ، أو نهى عن منكر ، عدد تلك الستين والثلاثمائة السُّلامَى . فإنه يمشي يومئذ وقد زحزح نفسه عن النار
الراوي: عائشة المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 1007
و يُغني عن هذا كله ركعتين يركعهما من الضحى، لذلك صلاة الضحى لها مقام عظيم جدًا، صلاة الأوابين فإن لم يُصلَّها فعليه أن يسبح الله تعالى، ويحمده ، ويهلله، ويستغفره ، أقل شيء عدد الثلاثمائة وستين مفصل.
يقسمهم يستغفر مائة مرة ، ويسبح خمسين مرة، وهكذا. فقال يمشي يومئذٍ وقد زحزح نفسه عن النار. لأنه شكر الله سبحانه وتعالى على نعمه هذه.
من أثرِ الاسم على العبد إيمانه بأنَّ الخالقَ في أوصافه يختلف عن المخلوق.
المعنى الرابع: أن يؤمن بأنَّ الله سبحانه وتعالى مُخالِفٌ لجميعِ خلقه. {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11] يقول النبيُّ ليسألنكم الناس عن كل شيء حتى يقولوا : الله خلق كل شيء . فمن خلقه ؟ صحيح مسلم
وقال: "يأتي الشيطان إلى أحدكم فيقول من خلقك؟ فتقول خلقني الله فما زال به حتى يقول: فمن خلق الله؟ قال: فإذا وجدتم ذلك، فليستعذ بالله، ولينتهِ." [صحيح البخاري]
الأمر الأول: يلجأ إلى اللهِ عزّ وجل ويستعيذ به من شرِّ همزات الشياطين
والأمر الثاني: ينتهي. لا يتمادى مع الشيطان في ذلك يُغلِق الباب فورًا.
الأمر الخامس: الذكر
ذكرنا {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2)} [الأعلى: 1-2] حقه انه ما دام خلق أن تسبحه وتذكره.
الأمر السادس: وهو أنك لا تُشبِههه سبحانه وتعالى بما انفرد به
فلا ينبغي لك أن تدَّعي لنفسِك أي صفة من صفات الربوبية التي انفرد الله بها، ومن هنا يأتي تشنيع العلماء على المصورين .
فالتصوير هو النحت بالصلصال وغيره بما يضاهي خلق الله، فالنبي قال: (إن أشد الناس عذابًا عند الله يوم القيامة المصورون.) [رواه البخاريّ] وفي رواية الامام أحمد قال: (أشدَّ الناس عذابًا يوم القيامة المصورون يقال لهم أحيوا ما خلقتم.)
ألم تدعوا الخلق؟ هي صنع الله ولا يصح أن يضاهيها ويقول هواية. فبالتالي هذا الأمر باتفاق العلماء هو حرام بلا خلاف. ورخص منهم في غير التماثيل.
وفي صحيح البخاري من حديثِ أبي زُرعة البجلي قال دخلت مع أبي هريرة دارًا بالمدينة فرأى أعلاها مصورًا يصور فقال سمعت رسول الله يقول يعني عن رب العزة أنه قال – عز وجل- (ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي فليخلقوا حبة وليخلقوا ذرة.) [صحيح البخاري] فهذا فعل فيه منازعة لله عزوجل يحرم القيام به باتفاق.
الخلاصـة:
إذا اسم الله الخالق يعلمك التفكر وكثرة ذكر ربك الذي خلقك ودبر لك أمرك، وشكره على نعمائه التي امتن بها عليك، وليس أكبر من نعمة الوجود..ومما ينافي هذا الشكر أن تنازعه في صفة الخلق تلك فتدعي لنفسك ما ليس لك أو تضاهيه في خلقه.
======الجبار جل جلاله============
اسم الله الجـبـار الجبار لغةً: هو العظيم، القوي، الطويل، ذي الطول سبحانه وتعالى، قال الله تعالى {إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ} [المائدة/22] أراد بذلك أنهم أصحاب قوة وعظمة وطول.
ويستخدم لفظ الجبروت بمعنى الكبرياء ومنه قول الله تعالى {وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا} [مريم/32] ، أي: لم يجعلني متكبرًا على عبادة الله سبحانه وتعالى.
ورود الاسم في القرآن
ورد هذا الاسم في القرآن مرة واحدة في قول الله تعالى في سورة الحشر { هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ } [الحشر/23] معناه في حق الله تعالى:
يقول الإمام الطبري رحمه الله: "الجبار يعني المصلح أمور خلقه، المُصَرِّفهم فيما فيه صلاحهم" وفيها معنى القهر فهو سبحانه وتعالى له الكبرياء وهو القاهر فوق عباده.
يقول الخطابي: "الجبار هو الذي جبر الخلق على ما أراد من أمره ونهيه، ويقال هو الذي جبر مفاقر الخلق، وكفاهم أسباب المعاش والرزق"
الوقوف على معاني اسم الله الجبار
أولاً: الجبار بمعنى العالي على خلقه من قولهم تجبر النبات إذا علا .
ثانيًا: معناه المصلح للأمور، من جبر الكسر إذا أصلحه، وجبر الفقير إذا أغناه، لذا ففيه صفة جمال وصفة جلال إذ يجبر الكسر سبحانه وفي نفس الوقت له الجبروت بمعنى العظمة والجلال والقوة.
يقول الخطابي: "الجبار هو القاهر خلقه على ما أراد"، والمقصود بالإرادة هنا الإرادة الكونية.
فلله إرادتان: إرادة كونية وإرادة دينية، فالكونية هي سنن الله في الكون التي تنفذ فينا وليس لنا حيالها أي تصريف {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس/82]، أما الإرادة الدينية فهي التي تعبدنا الله بها وأمرنا أن نلجأ إليه وفقها وبمقتضاها.
قال ابن القيم في النونيــــــــة:
وكذلك الجبار من أوصافه .... والجبر في أوصافه قسمانِ
جبر الضعيف وكل قلب قد غدا .... ذا كسرة فالجبر منه داني .
والثاني جبر القهر بالعز الذي .... لا ينبغي لسواه من إنسانِ
وله مسمًى ثالث وهو العلو .... فليس يدنو منه من إنسانِ
من قولهم جبارة للنخلة العليا .... التي فاتت لكل بنانِ المراد وفق النونية أن اسم الله الجبار يحوي عدة معاني:
المعنى الأول: العلو، العالي على خلقه.
المعنى الثاني: جابر الكسر، فهو يجبر كسر كل ضعيف.
المعنى الثالث: القاهر فوق عباده.
وهذه المعاني لا شك سنعتمد عليها في معرفة حظ العبد من اسم الله الجبار.
أثر الإيمان بهذا الاسم
الدرس الأول: أن تعلو همتك:
أن الله سبحانه وتعالى، طالما هو الجبار الذي له العلو على خلقه، علو الذات وعلو القدر وعلو القهر والجبر فلا يدنو منه الخلق إلا بأمره. لذا فلكي تصل إليه عليك بالترقي..عليك بعول الهمة.
وكلام أهل العلم في علو الهمة يقتصر على طالب الآخر لا طالب الدنيا، بمعنى أنك إذا وجدت إنسانا حاصل على أعلى الشهادات في علم دنيوي بحت ليس فيه خدمة لدينه، وليس فيه أي نوع من القربة لله عز وجل، فلا يسمى هذا عالي الهمة، هذا نشيط أو مجتهد أو أي لفظ آخر، لكن لفظ علو الهمة لا يراد به إلا من علت نيته وتعلقت بالدار الآخرة.
فإذا ارتقت همتك وتعلقت بالله عز وجل وبالجنة .. علوت وارتقيت وصارت الدنيا عندك سفاسف، فتعلو عنها وعن شهواتها، قال النبي صلى الله عليه وسلم "إن الله يحب معالي الأمور ويكره سفاسفها" [حسنه السيوطي في الجامع الصغير وصححه الألباني].
وأمسك يوما بجدي أَسَكّ -يعني جيفة- أمام الصحابة وقال أيكم يأخذ هذه بدرهم؟ قالوا أهذه تساوي شيء؟ قال: "للدنيا أهون على الله من هذا عليكم." [صحيح مسلم] انظر لهذا التمثيل، هكذا الدنيا ، خبيثة، منتنة، لا تريد أن تنظر لها، حقيرة، فلا ينبغي أن تنشغل بها إذا كنت عالي الهمة؟!
وهناك معنى آخر في العلو: هو علو القهر والجبر: أنه لا يدنو منه الخلق إلا بأمره، ولا يشفعون أو يتكلمون إلا من بعد إذنه، فلن يبلغوا ضره فيضروه ولن يبلغوا نفعه فينفعوه، بمعنى لا تتصور أنك حين تطيع، أنه صار لك منزلة عنده سبحانه وتعالى، وسبق في اسم الله العزيز، أنه ليس أحد عزيز عند الله عز وجل، لا تحسب أنك عملت قليلاً .. فالنبي في أول الخطاب الدعوي أمره ربه فقال {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [المدثر/6] يعني حتى لو عملت وأديت لا تمنن ولا تستكثر هذا العمل..واعلم أن معاصيك هذه لا تضره شيئًا، وإنما تضرك أنت فقط.
الدرس الثاني: أنه سبحانه وتعالى جبر خلقه على ما أراد أن يكونوا عليه من خلق
فهو سبحانه لا يمتنع عليه شيء {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [ يس/82]. وقلنا أن هذه هي الإرادة الكونية، والخطأ دائمًا يكون في الانشغال بهذه الإرادة عن الإرادة الدينية..كما حدث مع المتكلمة الذين شغلوا أنفسهم بذات الله وأفعاله وإرادته وقضاءه على عباده وأوقعوه موقع النقد والتحليل وأدخلوا فيه العقول القاصرة فانشغلوا عما تعبدهم الله به.
والصحيح أن العبد المؤمن يتلقى أفعال الله وإرادته بالرضا والتسليم، يقول أيوب السختياني: "إذا لم يكن ما تريد فأرد ما يكون" بمعنى أنك متى ما أردت شيء مخالف لسنة الله الكونية فلترد إرادة الله وتثق به وتسلم لأمره..
وذلك لأن المؤمن دوما يردد في نفسه أن كل شأنه يدور على "كن" فإذا مرض أو فقر أو ابتلي بأي بلاء كان فإن فرجه مع "كن" ، فالأمر إليه سبحانه وتعالى ولا مرد لقضائه سبحانه وتعالى.
قال تعالى:{أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} [آل عمران/83] ومن ها هنا كان السلف يقولون: عرفت الله بنقض العزائم ..فمهما أخذت بالأسباب في تحصيل مرادك فإنما وسيلتك إليه هي التوفيق. فالعبد لا يخلق إرادته وإنما خالقها الله وهو خالق أفعال العباد.
الدرس الثالث: التسليم لشرع الله سبحانه وتعالى
الله سبحانه وتعالى، جبر خلقه على ما شاء من أمر أو نهي، بمعنى، أنه شرع لهم من الدين ما ارتضاه هو، فلابد أن يرتضي العبد ما ارتضاه الله سبحانه وتعالى من هذه الشرائع، فالله تعالى شرع لهم من الشرائع ما شاء، وأمرهم باتباعها ونهاهم عن العدول عنها، فمن أطاع له الجنة ومن عصى فله النار، ولم يجبر أحدًا من خلقه على إيمان أو كفر، بل لهم المشيئة في ذلك ومنه قول الله تعالى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ} [الكهف/29 ] وإن كان السياق على التهديد فبعض الناس يستخدمها استخدام في غير محلها، يقول :هذا دليل على حرية الإلحاد فالله قال من يريد أن يؤمن فليؤمن ومن يريد أن يكفر فليكفر!!. وفي ذلك خطأ عظيم ولا شك..إذ أن المعنى في الآية للتهديد إذ قال الله بعدها {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} [ الكهف/29] فلا شك الآية على سياق التهديد، وهذا كلام أهل العلم في تفسير هذه الآية.
الدرس الرابع: إياك والجبـروت
الجبروت بمعنى: الكبرياء والعز والعلو، وهو صفة استأثر الله تعالى بها نفسه، فالله قاهر الجبابرة بجبروته سبحانه وتعالى {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [ الأنبياء/23] أما الخلق، فموصوفون بصفات النقص، مقهورون مجبورون، تؤذيهم البقة وتأكلهم الدودة وتشوشهم الذبابة، العبد أسير جوعه وصريع شبعه، ومن تكون هذه صفته كيف يليق به التكبر والتجبر؟!!.
وقد أنكرت الرسل على أقوامها صفة التكبر والتجبر في الأرض، فهذا هود عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام يقول لقومه{وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِين .فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} [الشعراء/130،131] إلى أن قال لهم {إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الشعراء/135]
فعاندوا واتبعوا أمر جبابرتهم فهلكوا أجمعين {وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ وَاتَّبَعُواْ أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} [هود/59] وقد كان هذا التكبر سببًا للطبع على قلوبهم، يقول الله تعالى: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} [غافر/35] فالطبع على القلوب هذا وعيد الله سبحانه وتعالى لمن تجبر وطغى في الأرض. فلما تجد قلبك مقفل ولا تنفع فيه موعظة، ولا يحركه مؤثر فاعلم أن هذا هو الطبع.
و توعد الله الجبارة كذلك سبحانه وتعالى بالعذاب والنكال في الأخرة، قال الله في سورة إبراهيم {وَاسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِن مَّاء صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ} [إبراهيم/15،16،17]
يشرب هذا الماء الذي هو المهل لكي يسد ظمأه فما يكون له إلا زيادة في وباله وعقابه وعذابه .. {يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ} .. ولا يستطيع أن يستسيغه يشربه هكذا حتى يروي هذا العطش فلا يكون من أمره إلا أن يزداد في العذاب {وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ} [إبراهيم/17]. كل المهلكات تجتمع عليه {وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ} يضرب حتى يكون من أمره الهلكة ولا يكون كذلك .. {وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ} [إبراهيم/17]. لم كل ذلك؟ هذا لأنه نازع الله في صفة استأثر بها نفسه.
الأحاديث التي ورد فيها اسم الله الجبـار:
عن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه- أن النبيقال: "تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة، يتكفؤها الجبار بيده كما يكفأ أحدكم خبزته في السفر نزلاً لأهل الجنة " [الصحيحين] .
قالوا ومعنى يكفؤها الجبار بيده: أي: يميلها من يد إلى يد حتى تجتمع وتستوي.
فلماذا استخدم اسم الله الجبار في هذا الحديث ؟ لأنه لا شك فيه دلالة على قهره سبحانه وتعالى، فيوم القيامة يقول الله عزوجل {ِلمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [ غافر/16] فيتناسب هذا مع هذا المقام أنه مقام عزة ومقام جبروت.
الدعاء باسم الله تعالى الجبار
من دعاء الطلب والمسألة بهذا الاسم، عن عبد الله بن عباس-رضي الله عنه- أن النبي كان يقول "اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني وارفعني واهدني وعافني وارزقني"[الترمذي] يقولها بين السجدتين، فالجبر هو جبر للكسر ونحو ذلك، من جبر الله مصيبته أي رد عليه ما ذهب منه.
وعن عوف بن مالك أن النبي يقول في ركوعه "سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة " [سنن أبي داود] والمقام واضح لماذا يستخدم هذا في هذا المقام لا شك هذا مقام الذل والافتقار لله سبحانه وتعالى.
=========المتكبر جل جلاله
اسم اللـه المتكبر الكبير
المتكبر هو من الكِبر أو الكِبَر نقيض الصغر، وكبر الأمر جعله كبيرًا منه{فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} [يوسف/31] أي عظمه..فالتكبير التعظيم.
والكِبر هو الرفعة في الشرف، والكبرياء الملك، كقول الله تعالى: {وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ} [ يونس/78] أي العظمة والتجبر.
ورود اسم الله المتكبر في القـرآن:
ورد اسم الله تعالى المتكبر في آية واحدة أيضًا من القرآن وهو قول الله تعالى: {الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ}[الحشر/23] . وورد اسم الله الكبير في ستة مواضع من منها:
1/قول الله تعالى {وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [ الحج/62]
2/وقوله {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} [ الرعد/9]
وجاء هذا الاسم مقترنًا باسم الله العلي واسم الله المتعال.
الوقوف على معاني اسم الله الكبيـر المتكبر:
ïأما المتكبر فمعناه الذي تكبر عن كل شر، فسبحانه وتعالى تكبر عن ظلم العباد، يقول النبي فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال " يا عبادي ! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا . فلا تظالموا" [رواه مسلم]
ïومعناه الذي تكبر وتعالى عن صفات الخلق فلا يلحقه نقص، ولا يعتريه سوء سبحانه.
ï,هو الذي يتكبر على عتاة خلقه إذا نازعوه العظمة فيعاملهم بكبريائه سبحانه وتعالى.
ïوهو الذي تكبر بربوبيته فلا شيء مثله، هو الذي تكبر عن كل سوء، المتعظم عما لا يليق من صفات الذم،
ïوقال بعضهم: المتكبر: البليغ الكبرياء والعظمة.
أما الكبير - اسم الله الكبير - فقال أهل العلم كابن جرير الطبري: الكبير هو: العظيم الذي كل شيء دونه، ولا أعظم منه.
وقال الخطابي: الكبير هو: الموصوف بالجلال وكبر الشأن فصغر دون جلاله كل كبير.
على هذا يكون اسم الله المتكبر والكبير معني به أمور : التكبر عن كل سوء وظلم،
التكبر عن صفات الخلق وعن مشابهة الحوادث،
التكبر والتعاظم على كل شيء دونه، فكل شيء دونه حقير صغير، أما الله فهو الكبير المتكبر سبحانه. وهو الذي له الكبرياء في السماوات والأرض أي له السلطان والعظمة.
ما يورثه اسم الله الكبير:
هذا الاسم يورث في نفس العبد الثقة بالله سبحانه وتعالى، ويورثه أيضًا المعنى الذي توقفنا عنده ابتداءً في اسم الله الجبار، معنى العلو الذي يليق بالله سبحانه وتعالى، فترتقي همته إلى الله، ويدع ما دونه من سفاسف الأرض.
حظ المؤمن من هذا الاسـم
حين يلوذ الإنسان بالمتكبر الكبير المتعال سبحانه وتعالى، ويكون عنده هذا النوع من الثقة واليقين به سبحانه وتعالى، تجده لا يخضع إلى أحد، ولا يصيبه الانهزام مهما واجه، ففي يوم أحد لما وقف أبو سفيان وقال : اعلُ هبل .. اعلُ هبل قال رسول الله :" ألا تجيبونه؟ قالوا يا رسول الله ما نقول ؟ قال : قولوا الله أعلى وأجل" [البخاري]. يقولها لهم وهم مهزومون !
نريد قلوبا كهذه لا يتسلل إليها الانهزام، نريد عُباد الكبير المتكبر المتعال، نريد عباد الله الأعلى والأجل، الله الأكبر من كل كبير، ألست تسمعها كل يوم تردد في الآذان: الله أكبر الله أكبر. إنه أمرك بترديدها حتى تتملك نفسك هذه المعاني، وتتشربها وتحيا بها ، فلا تعظم شيئًا حقره ولا تحقر شيئًا عظمه.
إن التكبر لا يليق إلا به سبحانه وتعالى، أما العبد فهو صفته الأساسية التذلل والخشوع والخضوع، فحظ المؤمن ألا يتكبر في الأرض بل يكون ذليلاً لله سبحانه وتعالى .. ذليلاً على المؤمنين عزيزًا على الكافرين.
وتوعد الله سبحانه وتعالى المتكبرين بأشد العذاب يوم القيامة فقال:{فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [الأحقاف/20] وقال الله: {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ} [الزمر/60] فاستكبارهم هذا معناه رفضهم الانقياد لله الكبير المتعال، فإذا رفضت الانقياد للمتكبر فقد عرضت نفسك للعقوبة وإلى معاملتك بصفات الجلال، كما قال الله تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} [الصافات/35] أي يرفضوا الإذعان لكلمة التوحيد وقال الله: {أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنتُمْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ} [الجاثية/31] يبين أنهم رفضوا الحق الذي جاءت به الرسل وردوه وقال سبحانه: {قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ} [الشعراء/111] فاحتقروا أتباع الرسل فكان هذا سببًا لإعراضهم عن الحق الذي جاءهم به.
من تكبر في الأرض فقد شابه إبليـس:
قلنا إن الكبر سبب للطبع على القلب وهذه من أشد العقوبات { كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} [غافر/35] ومن تكبر في الأرض فقد شابه إبليس، فإنه ما أخرجه من النعيم إلا استكباره {إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [البقرة/34] فمن وقع في هذا الداء الوبيل، فقد شابه إبليس، ونازع الله في صفة من الصفات التي استأثر بها نفسه، ولذلك يكون الوعيد بهذه الشدة.
والمشكلة الكبرى أن يتسلل إلى النفس شيء من هذا الداء يقول ابن القيم: "ولو أنه يؤمر بأن يضع فوق عاتقه الجبال لكان أهون وأيسر." أي لو وضع فوق رأسك جبل كان أحسن من أن تتعرض أن يدخل قلبك ذرة كبر، لأنها مسألة خطيرة جدا وطرق العلاج منها تحتاج إلى أمور كثيرة، أولها لا شك أن يتعلم كيفية التذلل لله والاستعانة به سبحانه وتعالى، ويعلم أنه لن يستطيع أن يطهر من هذا إلا إذا شاء الله سبحانه وتعالى. الكبر كالورم السرطانـي:
الكبر -والعياذ بالله- مثل الورم السرطاني، ليس له علاج إلا لمن اختصه الله سبحانه وتعالى برحمة. فهناك بعض الأدواء والآفات مثل الأنفلونزا وغيرها أمرها سهل، مثل أثر ذنب من الذنوب، نكتت نكتة سوداء فيستغفر ويتوب فتنتهي المشكلة. إنما مع الكبر فهي طامة كبرى، لذا دائمًا أبدًا لابد أن يكون للعبد حظ من هذا التذلل بين يدي الله سبحانه وتعالى في اليوم والليلة، في قيام ليل .. في أعمال بر خفية يقوم بها لا يدري عنها أحد...
الكبر نهايته الذلة والصغار:
ما من طاغية في الأرض أبتلى بهذا الأمر إلا وأهلكه الله سبحانه وتعالى بقضاء يكون فيه عبرة لكل معتبر، والدواء أن يتذكر العبد دومًا أنه لا حول ولا قوة إلا بالله، وأن الله هو الكبير المتعال على الخلق أجمعين، القادر على الانتقام من الأقوياء للضعفاء والمساكين، قال الله: {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً} [النساء/34]
انظر..فالنساء اللاتي يعصين أزواجهن، أمرنا الله بأن نذكرهن ابتداءً، فإن أبت المرأة تكون المرحلة الثانية وهي الهجر في المضجع، فإن لم يكن يأتي التأديب الثالث بالضرب غير المبرح للفت النظر، فإن أطاعت المرأة زوجها في جميع ما يريده منها مما أباحه الله فلا سبيل له عليها، لذا قال: {فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً} فهذه حدودك إن تجاوزتها ستعرض نفسك لله عزوجل قال الله: { إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً} [النساء/34] وهذا تهديد للرجال إذا بغوا على النساء من غير سبب، فإن الله العلي الكبير سيكون وليهن وسينتقم ممن ظلمهن وبغى عليهن. إنها الآية التي يرددها الطاعنون في مكانة المرأة في الإسلام فتلك الآية التي يقولون أنها تدعو للضرب، الآية نفسها هي التي تقول غير ذلك تمامًا، فالآية تنصفها وتكرمها وتجعلها في أعلى مكان، الله وليها هو الذي يدفع عنها ليس لها ولي آخر من أب أو أخ أو عم، الله هو الذي سيتكفل .. فماذا يريدون أكثر من ذلك؟
الكبر والعلم:
الكبر يمنع أيضًا من الاستفادة بالعلم النافع، لأن المتكبر يترفع عن الجلوس بين يدي العالم. ودائمًا أبدًا من لم يذق ذل التعلم فلم يصب من العلم شيئًا، لابد من ذل في التعلم، لابد أن تسهر الأيام والليالي وتكابد المشاق حتى يصل إليك هذا العلم ليكون لك حظ من اسم الله تعالى المتكبر، فيلين لك صعاب العلم وما يكون فيه من أمور قد لا يستسهلها الكثير. يقول الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ * ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} [الحج/8،9]
ثاني عطفه أى: يلين بجانبه معرضًا غير مقبل، {ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ} [الحج/9] أي أن من الناس من يجادل في الله بغير علم صحيح ولا نقل صريح، وهذه آفة زماننا هذا، كل ناعق ينعق بما يريد، يهرف بما لا يعرف، فيقع في مثل ذلك برأيه وهواه، وإذا دُعِيَ إلى الحق ثنى عطفه أي لوى رقبته مستكبرًا عما يدعى إليه من الحق، فأخبر تعالى أن له في الدنيا الخزي وهو الإهانة والذل، لأنه استكبر عن آيات الله فجزي بنقيض قصده بأن يكون ذليلاً.
يقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [غافر/56] إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ.. أي بغير حجة. إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ .. لذا دائمًا أبدًا لا تجادل إلا بعلم. وراعِ المسائل الخلافية ولا تحتد برأيك فيها. مثلا في مسألة حكم النقاب ليس معنى أن كل أهل بيتك منتقبات أن تفرض وجوب النقاب على غيرك وتتهم غيرك بالتفريط، أو العكس لا تفرض الكشف على غيرك وتتهمه بالتشدد.
فليس كل الناس يتعبدون بمذهب واحد بل هناك مسائل خلافية سائغ فيها الخلاف بين أهل العلم،
فلا تجادل ولا تفرض حالك على أحد..بل تأدب بأدب الخلاف.
===========
اسم الله تعالى المهيمن
المهيمن لغةً: معناه الأمين هكذا قال بعضهم: وهو من آمن غيره من الخوف أي أمَّنه.
وقالوا مهيمن بمعنى مؤيمن والهاء بدلاً من الهمزة مثل ما قاله عندما دخل الأعرابي وبال في المسجد فقال "أهريقوا عليه"والمعنى أريقوا، فنقول أن مهيمن أصلها مؤيمن . وقيل معنى مهيمن أي مؤتـَمن
وقيل المهيمن: (الرقيب الحافظ)
وقيل أنه (الشاهد).. تقول "فلان مُهيمنِّي على فلان" إذا كان شاهدُك.
إذا (شاهد وأمين ورقيب وحافظ)كل هذه دلالات اسمه تعالى المهيمن، ولا شك ستكون لها وقع خاص في حظ المؤمن من هذا الاسم.
وروده في القرءان: ورد اسم الله تعالى المهيمن مرة واحدة في قول الله تعالى في سورة الحشر:
{هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الحشر:23] وذُكِرَ معناه في قول الله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ......} [المائدة: 48]
ومعنى الآية أن القرءان مهيمنٌ على ما سواه من الكتب المنزلة، فهو شاهد لها فيما اتفقوا فيه وفي نفس الوقت هو مهمين عليها بمعنى أنه فوقها وبمعنى يقرب من معنى (الرقيب).
معنى هذا الاسم (المهيمن) في حق الله تعالى:
اختلف أهل التأويل في تأويله:
فقالوا: المهيمن الشهيد، وقالوا أيضًا الهيمنة الحفظ والارتقاب.
قال ابن كثير: قال ابن عباس وغير واحد:(المهيمن :أي الشاهد على خلقه بأعمالهم أي هو رقيبٌ عليهم) كقول الله تعالى: ﴿وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ [المجادلة: 6] وقوله:﴿ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ﴾ [يونس: 46] وكما قال الله تعالى ﴿أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ ......﴾ [الرعد/33] بمعنى أنه رقيب على كل نفس.
قال الحُلَيمي:( المهيمن لا يُنقص للمطيعين يوم الحساب من طاعاتهم شيئًا فلا يثيبهم عليه، لأن الثواب لا يعجزه ولا هو مُستكـَره عليه فيحتاج إلى كتمان بعض الأعمال أو جحدها، وليس ببخيل فيحمله استكثار الثواب إذا كثرت الأعمال على كتمان بعضها، ولا يلحقه نقص بما يثيب فيحبس بعضه لأنه ليس منتفعًا بشيء من مثل ذلك، كما لا يُنقص المطيع من حسناته شيئًا فلا يزيد العصاة على ما اجترحوه من السيئات شيئًا.) ومنه يُستخلص عدة معاني:
- أن المهيمن على هذا التقدير هو:
العالم بجميع المعلومات الذي لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء.﴿... إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ ....﴾ [يونس/61] أي أنه يلزم من كونه مهيمنًا أنه عالمٌ بكل شيء سبحانه وتعالى، أي أنه عليم لأنه يشهد ويرقب.
– أن المهيمن معناه أنه رقيب حفيظ سبحانه، قال الحليمي: "لا ينقص المطيعين يوم الحساب من طاعتهم شيئًا ولا يزيد العصاة على ما اجترحوه من السيئات شيئًا".
لكن اسم الله المهيمن أعمّ من الحفظ لأن فيه معنى الارتقاب. فتشمل أيضًا معنى اسم الله (البصير)، لأنه شاهد عليهم فيلزم من كونه شاهدًا على أفعالهم أنه يُبصرهم ويعلم سرهم وعلانيتهم سبحانه وتعالى.
قال الحسن البصري: "المهيمن المُصدق"
وهو في حق الله تعالى يعني:أن يكون ذلك التصديق بالكلام فيُصدق أنبياءه بإخباره تعالى عن كونهم صادقين أو يكون بمعنى تصديقه لهم أنه يُظهر المعجزات على أيديهم.
قال الغزالي: هو اسم لمن كان موصوفًا بمجموع صفات ثلاث:
أولها: العلم بأحوال الشيء
الثاني: القدرة التامة على تحصيل مصالح ذلك الشيء
الثالث: المواظبة على تحصيل تلك المصالح -بمعنى هو يعلمه ويَقدُر له الخير الصالح له ويديم عليه ذلك، يديم عليه علمه وقدرته. –
ولا يستطيع ذلك إلا الله جلّ وعلا. فقد يكون أحد الناس يعلم حالك وإن كان لا يستطيع أن يعرف كل حالك لكن يعلم حالك تجاوزًا ويستطيع أن يقدر لك -أن يعطيك- خيرًا ويراعي مصالحك كشأن الأب مع ابنه، يعلم تصرفات ابنه وما طُبع عليه لأنه هو الذي رباه وهو يراعي مصالحه لكن لا يستطيع أن يديم عليه ذلك لأنه يفنى.. أما الله عز وجل ّ فهو الأول والآخر.
من المعاني كذلك:
أنه المطلع على خفايا الأمور وهذا يشمل معنى علمه سبحانه وتعالى.
يقول الشيخ السعدي: المهيمن المطلع على خفايا الأمور فكونه عالم هو يعلم سرك وعلانيتك يعلم الصالح لك من الفاسد فلذلك ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ﴾[ البقرة/220] فهو المطلع على خفايا الأمور وخبايا الصدور ﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ﴾ [الطارق/9]
حظ المؤمن من اسم الله المهيمن
طالما أن الله سبحانه وتعالى هو الشاهد على خلقه بما يصدر منهم ولا يعزب عنه مثقال ذرة سبحانه وتعالى ولا يغيب عنه من أفعالهم شيء وهو سبحانه وتعالى له الكمال فلا يضل ولا ينسى ﴿وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ فهذا يوجهك إلى:
1-مراقبة الله تعالى
فهذا أول ما تستفيده من هذا الاسم، فطالما أنه مهيمن رقيب إذًا فواجب عليك مراقبته سبحانه وتعالى في السر والعلن ﴿فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾[ طه/7] فتحتاج أن تراقبه في سائر أحوالك، فإن عين الله تعالى ناظرة تبصر حالك.
يقول الشيخ النابلسي في شرح اسم الله المهيمن: " إنه رقيب على كل شيء، كمثل طبيب مؤمن عنده مريضة تشكو له ناحية من جسمها، لو أنه نظر إلى مكان آخر هل في الأرض كلها جهة تستطيع أن تضبط هذه المخالفة ؟ أبداً..فالله عز وجل يقول: ﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ يعلم خواطرك ويحول بينك وبين قلبك، ولا تخفى عليه خافية، يسمعك إذا قلت، ويراك إذا تحركت، ويعلم خبايا نفسك إن سكت، تتكلم، تتحرك، تجلس، وتصمت، أنت في علم الله، وفي قبضته، هو يعلم، ولا نهاية لعلمه
2-الرضا
قلنا أنه يعلم الصالح ويعلم الفاسد بالنسبة لك فسلم له أمرك وارض بما قسمه لك..فدوما الخير بين يديه. ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ﴾ [الملك/14].
3-الاستقواء به
يقول الشيخ محمد راتب النابلسي: " أنت حينما تكون مع ( المهيمن ) فأنت في حصن حصين، وأنت مع القوي الكبير، وأنت مع من بيده مقاليد السماوات والأرض. إذا كنت مع ( المهيمن ) فلن يخيب مسعاك، ولن تشعر بالإحباط، و لن تشعر بالإخفاق، أنت مع ( المهيمن )، ليس شيئاً سهلاً أن يكون خالق السماوات والأرض يدعمك، ويؤيدك، وينصرك، ويحفظك، ويوفقك. المستقبل لمن كان مع ( المهيمن )، والشقاء والخزي والعار لمن كان مع عبد من عبيد المهيمن . إن كنت مع ( المهيمن ) فأنت أيضاً مهيمن في عملك، في أسرتك، في اختصاصك، في راحة نفسك، في سلامة صدرك.
ثم قال: الآن الناس يلتفون حول القوي، لأنهم يتوهمون أن قوته دعم لهم، وأنهم يطمئنون إليه، لأنه يعطيهم، ولا يمنعهم، هذا إذا كنت مع إنسان قوي، فكيف إذا كنت مع ملك الملوك، ومع مالك الملوك، ومع قيوم السماوات والأرض، ومع من بيده كل شيء، ومع من إليه يرجع الأمر كله، ومع من هو خالق كل شيء، وهو على كل شيء وكيل. إذا كنت أنت مع القوي فأنت معافى من الخوف، معافى من القلق، معافى من الإحباط، معافى من اليأس."
4- التصديق:
أن الله سبحانه وتعالى جعل كلامه المنزل على خاتم أنبيائه ورسله مهيمنًا على ما قبله من الكتب. وفي هذا إشارة إلى كمال التصديق بما في الكتاب. فقد قلنا أن من معاني المهيمن (المصدق) وكأن في معنى أن القرءان مهيمنٌ على ما قبله أنه مُصدق لما بين يديه من الكتب ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ﴾ [المائدة/48]
فقوله مهيمنًا عليه: أي عال وعلوه على سائر كتب الله ذلك بما زاد عليها من السور، وأن الله جعله قرءانًا عربيًا مبينًا، وأن جعله نظمه وأسلوبه معجز، وإن كان الإعجاز في سائر الكتب المنزلة من عند الله سبحانه وتعالى ولكن القرءان لا شك فيه إشارات عظيمة في هذا الباب.
الدعاء باسم الله تعالى المهيمن
لم يرد في الكتاب ولا في السنة دعاءٌ خاصٌ بهذا الاسم أو بهذا الوصف لكن جاءت أدعية بمعنى هذا الاسم ومقتضاه. فقد جاء بعض الأحاديث في هذا المعنى:
منه الحديث الذي رواه البخاري من حديث البراء بن عازب أن النبي4 قال:
(إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن ثم قل اللهم أسلمت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت فإن مت من ليلتك فأنت على الفطرة وقال صلى الله عليه وسلم واجعلهن آخر ما تتكلم به). [رواه البخاري]
ومنه ما [روى البيهقي وحسنه الألباني] من حديث مصعب بن سعد عن أبيه رضي الله عنه -سعد بن أبي وقاص- "أن أعرابيًا قال للنبي4 علمني دعاءً لعل الله أن ينفعني به قال قل اللهم لك الحمد كله وإليك يرجع الأمر كله"
ومما ورد في دعاء المسألة مما رُوي عن السلف ما جاء في دعاء يحيى بن معاذ الرازي دعاء المسألة باسم الله المهيمن كان يقول: (جلالك يا مهيمن لا يبيد، وملكك دائم أبدًا جديد، وحكمك نافذ في كل أمر، وليس يكون إلا ما تريد، ذنوبي لا تضرك يا إلهي، وعفوك نافع و به تجود، فنعم الرب مولانا وإنا لنعلم أننا بئس العبيد، وينقص عمرنا في كل يوم ولا زالت خطايانا تزيد، قصدت إلى الملوك بكل باب عليه حاجبٌ فظ شديد، وبابك معدن للجود يا من إليه يقصد العبد الطريد)
=========
اسم الله العـــزيز
العزيز لغة: يدور حول ثلاثة معانٍ: القوة والشدة والغلبة
ü منه قول الله تعالى ﴿وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ﴾ [ص/23] يعني غلبني فيه
ü وقوله ﴿فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ﴾ [يس/14] أي فقوينا وشددنا بثالث
(وعز الشيء) إذا قل أو ندر فهو شيء عزيز أي أصبح نادرًا
لذلك هذه صفة اختص الله بها نفسه فلا يشاركه فيها أحد لذلك قال ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [المنافقون/8] استأثر بالعزة نفسه هو سبحانه وتعالى فله الغلبة وله القوة وله البأس سبحانه وتعالى.
وروده في القرءان
اسم الله العزيز ورد كثيرًا في القرءان، ورد اثنتين وتسعين مرة. ولا شك أن في هذا إشارات، فورود الاسم وتكراره بهذا الشكل لابد أن يكون له حكمة. واقترن بأسماء كُثر
فاقترن أحيانًا باسمه الحكيم ﴿وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [البقرة/260]
واقترن بالعليم ﴿ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ [الأنعام/96]
واقترن بالغفور﴿ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾ [فاطر/28]
واقترن بصفة (الانتقام المنتقم) سبحانه وتعالى يقول الله جل و علا ﴿وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ﴾ [آل عمران/4]
واقترن باسم الله الغفار ﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ﴾ [ص/66]
واقترن باسمه الحميد ﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾[البروج /8]
معنى الاسم في حق الله تعالى:
¯ يقول ابن جرير: العزيز أي الشديد في انتقامه ممن انتقم من أعدائه لذلك قال ﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾[البروج /8 ]
آمنوا بالعزيز فمالهم ينقمون عليهم؟ آمنوا بالحميد وشكروا أنعم الله عليهم ،أهذا ما نقموه عليهم؟!
¯قال ابن كيسان: معناه الذي لا يُعجزه شيء، ألم يقل الله ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا﴾[فاطر/43]
¯قالوا العزيز الذي لا مثل له ألم يقل ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾[الشورى/11]
يقول ابن القيم في النونية:-
وهو العزيز فلن يُرام جنابه ******* أنى يُرام جناب ذي السلطان
وهو العزيز القاهر الغلاب لم********** يغلبه شيء هذه صفتان
وهو العزيز بقوة هى وصفه ********** فالعز حينئذ ثلاث معان
وهي التي كملت له سبحانه ********** من كل وجه عادم النقصان
¯ ومن معاني العزيز :الندرة ونفاسة القدر، وهو سبحانه وتعالى لا يعادله شيء ولا مثل له ولا نظير له.
&&&&&&&&&&&&&
حظ المؤمن من اسم الله العزيز
¿إذا علم العبد أن الله العزيز الذي لا يُغلب ولا يقهر يتولد في نفسه شجاعة وثقة كبيرة بالله سبحانه وتعالى؛ فهو عبد العزيز الذي لا يغلب سبحانه ولا يقهر. لذا تجد بعض الصالحين حين يتعاملون مع الأمراء والسلاطين يتعاملون بثقة وصمود وشموخ ولا يخشون في الله لومهم أو بطشهم..لسان حالهم يقول: قد لذنا بالعزيز القهار فمن علينا؟!
¿من معاني اسم الله العزيز واتصافه بالعزة أنه لا يخذل أحدًا ارتمى بجنابه والعكس صحيح، إذا ارتميت أنت على أبواب خلقه ذُللت ولابد لأنه لا يصح أن تتعزز بغيره؛ ولذلك قالوا أبى الله إلا أن يذل من عصاه. فإذا خالفت أمره وحِدْتَ عن طريقه ذللت وما كانت لك العزة .
و إذا أردنا أن نبحث عن أسباب ذل المسلمين اليوم فعلينا البحث حول هذا المعنى..فلقد فقد المسلمين أهم ما ينبغي أن يتقووا به..ألا وهو: الثقة بالله سبحانه وتعالى والتعزز به.
إن من يتصف بهذه الصفة وهو مؤمن بها تمام الإيمان يحيا بين البرية رافعا لرأسه شامخا صامدا، يمضي في الأرض لا يخشى في الله ملكا ولا سلطانا ولا لومة لائم. يتضف بالشجاعة المحمودة لا التهور ولا الطيش..شجاعته تحمل معنى الحكمة والثقة والصمود والشموخ، شجاعة لا تعرف الجبن ولا الارتجاف ولا التذبذب ولا الاضطراب..وانظر في قصص الرسل والأنبياء عليهم أفضل الصلوات والتسليم ترى ذلك واضحًا جليًا .
v انظر في قصة موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام
حين حاول فرعون أن يمنع خروج هذا الصبي إلى الدنيا بأن أمر بقتل جميع الذكور من بني إسرائيل لأنه علم أنه سيخرج فيهم نبي ينتزع منه ملكه، يأبى العزيز إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.. فيولد موسى. ثم يكون من كمال قهره وغلبته وبيان عزته سبحانه وتعالى أن يتربى موسى عليه السلام في قصر فرعون وفي بيته وتحت رعايته ولما حاول أن يقتله أهلكه الله هو وقائده وهامان وجنوده أجمعين..فكان نتاج ذلك (إن معي ربي سيهدين) الثقة العالية في قلب سيدنا موسى.
وهكذا الأمر بالنسبة ليوسف عليه السلام:
أراد إخوته قتله في أول الأمر ولم يكن لهم سبيل لذلك..إذ خالف مرادهم مراد العزيز الذي متى ما أراد امرا أتمه وأمضاه. ثم يأتي فتح الله عليه ويُمكن له ببلاد مصر والحكم بها.
ولما حاول اليهود قتل عيسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ﴿بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾. [النساء/158]
وهكذا كان الأمر أيضا لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين مكر به الكفار ليقتلوه أو يحبسوه أو يخرجوه من بلدته ﴿ ... وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾ [الأنفال/30] وحاولوا أن يصدوا الناس عن الإيمان به وبدعوته وحاربوه وألبوا عليه القبائل لكن يأبى الله العزيز إلا أن يفتح على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا﴾. [الفتح/1].
¿ إن العزيز في الدنيا والآخرة هو من أعزه الله
﴿ ... وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آل عمران/26]. فمن طلب العز فليطلبه من رب العزة ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا .... ﴾ [فاطر/10]، من كان يحب أن يكون عزيزًا في الدنيا والآخرة فليلزم طاعة الله تحصل له العزة. فمع عظم الطاعة تزداد العزة ولذا فأعز الناس هم الأنبياء ثم الذين يلونهم من المؤمنين المتبعين لهم وعزة كل أحد بقدر علو رتبته في الدين فإنه كلما كانت هذه الصفة فيه أكمل كان أشد عزة وأكمل رفعة ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [المنافقون/8]
وإذا استبدل طاعته بذنوب ومعاصي فلا يعجب إذا وجد ذلة وصغار خاصة إذا كانت ذنوب كالكبر والعجب..فصاحبها يأبى الله العزيز إلا أن يذله حتى يعرف قدر نفسه.
¿ العزيز لا عزيز عنده..فإياك والتعزز:
v يقع الكثيرون في هذه المخالفة خاصة في بداية الطريق، تجده لما يفتح له في الطاعة ويستقيم ويستشعر قدره عند الله ويفرح بحاله يتهاون بعدها في المخالفة ظنّا منه أن ما بينه وبين الله يشفع له..أو أن الله لن يؤاخذه بها وسيتجاوز عنه فهو حبيبه..وهذا معنى خطأ ويؤتى منه الكثيرون، إذ ان أخطاء المقربين أعظم عند الله من غيرهم وعقوباتها أشد.
v انظر إلى قول الله تعالى في يونس عليه السلام ﴿فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [الصافات 143،144] لولا أنه قال هذا الدعاء لم يكن له أي شيء..ويونس من؟ إنه نبي..ورغم ذلك نبوته لم تشفع له عند الله حينما تصرف دون إذن وخرج من قريته إلى أخرى.
وانظر إلى قول الله عز وجل في حق حبيبه خليله رسول الله4: ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ* لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ *ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ *فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ﴾ [الحاقة/44:47]،
هذا هو النبي..والله يفصل في الآية ما سيفعله به إن خالف وتقول ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ* لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ *ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ﴾ وهو العرق الذي يُذبح في الرقبة..وهذا التفصيل فيه شدة بلا شك ﴿فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ﴾ ولن ينفعه أحد منكم.
فانظر إلى الشدة في الخطاب والشدة في الأخذ ومع من؟ مع الأنبياء ..فكيف بك لو خالفت؟ أو تعززت؟
حتى تحصل العزة فعليك بأسبابها:
*الذل للمؤمنين والتواضع والعفو.يقول- 4- (ما نقصت صدقة من مال،وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزًا،وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله) [صحيح مسلم] يزداد قدره تعززًا و قوة ( وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله ) فمن عفا عن شيء مع قدرته على الانتقام عُظم في القلوب في الدنيا أو في الآخرة. وهكذا شأن التواضع.
اقتران اسـم الله العزيز باسمه الرحيم اقترن اسم الله العزيز مع الرحيم كثيرًا في سورة الشعراء وغيره ليعطينا معنى الكمال...فهو عزيز في رحمته رحيم في عزته بلا ذل. لأن أحيانًا الرحمة إذا زادت عن حدها وعن قدرها تنقلب إلى ذل، فالأب مثلا من شدة رحمته بابنه قد يذل له أو لأجله حتى لا يصيبه شيء.
فهو سبحانه وتعالى رحيم لكنه عزيز؛ لذلك فإن حبه دوما مشوب بالخوف، ليس الخوف الذي يبعدك عنه بل خوف الإجلال والمهابة..فهو معي رحيم ودود رءوف لكنه عزيز قد يطردني عن جنابه في أي لحظة ولا يبالي!.
============
اســـم الله العظيــم
ورد هذا الاسم تسع مرات في القرآن الكريم من ذلك قول الله تعالى: {وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة:255]، وقوله تعالى:"عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ۖ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ" التوبة:129، وقوله:"اللَّـهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ "النمل:، 26ومنه كذلك قوله تعالى:" فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ "الواقعة:74.
والعظيم في اللغة: صفة مشبهة لمن اتصف بالعظمة، والعظمة: معناها الكبر والاتساع وعلو الشأن والارتفاع، يقال:عَظُمَ أي كبر واتسع وعلا شأنه وارتفع،. والعظم خلاف الصغر، والتعظيم معناه التبجيل والعظمة والكبرياء.
كل هذه معان تراعى في اسمه تعالى "العظيم"، وفي معنى التعظيم يأتي اسمه تعالى الكبير وكذا اسمه الواسع وكذا يأتي معنى التبجيل لله سبحانه وتعالى. أما في حق العبد فإن العظمة مذمومة، ففي الحديث الذي رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألبانى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من تعظم فى نفسه أو اختال فى مشيته،لقى الله وهو عليه غضبان " لأنه نازع الله تعالى فى صفة استأثر بها نفسه.
معنى الاسم في حق الله تعالى:
◄العظيم هو الذي يعظمه خلقه ويهابونه ويتقونه، فله سبحانه وتعالى صفة العظمة في كل شيء ،فهو عظيم في ذاته، عظيم في أفعاله ، عظيم في صفاته وكل ما كان من دونه سبحانه وتعالى فصغير"
لو ملأ قلبك بهذه فإنها تحفظك أن تخاف ما سواه –سبحانه- ، ولم تخاف وليس في الكون عظيم غيره؟ فلا يعظم أحد مثله فهو وحده ذو العظمة والجلال في ملكه وسلطانه.
◄قال الأصفهاني : "العظمة صفة من صفات الله لا يقوم لها خلق ، والله تعالى خلق بين الخلق عظمة يعظم بها بعضهم بعضا، فمن الناس من يعظم لمال، ومنهم من يعظم لفضل، ومنهم من يعظم لعلم ،ومنهم من يعظم لسلطان، ومنهم من يعظم لجاه، وكل واحد من الخلق إنما يعظم بمعنى دون معنى؛ أما الله -عز وجل- فيعظم في الأحوال كلها"..
◄ ويقول ابن الأثير: "العظيم معناه الذي جاوز قدره -عزوجل- حدود العقول فلا تدركه الأبصار ولا تدركه العقول حتى لا تتصور الإحاطة بكنهه وحقيقته"
فالله عظيم لدرجة لا يستوعبها عقلك القاصر الذي ليس بعظيم لذا فهو لا يستوعب معرفة عظمة الله عزوجل، فهو محدود مهما راح وغدا.
إذا الله سبحانه وتعالى "عظيم" في كل شيء..
من ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا عن عظم الكرسي ففي صحيح ابن حبان والحديث صححه الألباني من حديث أبى ذر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال"ما السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقة بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة.." وفى بعض الأحاديث تفصيل أن الأرض وما فيها كحلقة في فلاة بالنسبة للسماء الدنيا ، نعم الأرض بما فيها من مجرات ونجوم كلها تساوى حلقة في صحراء بالنسبة للسماء الدنيا،، وهكذا إلى أن تصل إلى السماء السابعة ثم السموات السبع بما فيها كحلقة في فلاة بالنسبة للكرسي !! وهكذا تظل تتفكر بخيالك حتى تصل إلى مرحلة العجز عن الإدراك لشدة العظمة، وهذا هو عين الإدراك.
وصح عن ابن عباس موقوفا أنه قال:" الكرسي موضع القدمين لله" والعرش لا يقدر قدره إلا الله –سبحانه-. فإذا كان عرشه قد وصف بالعظمة وخصه بالإضافة إليه والاستواء عليه قال تعالى:"الرَّحْمَـٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ" طه:5 فما بالك بعظم وعظمة من استوي عليه وعلا فوقه؟! سبحانه.. سبحانه
يقول ابن القيم رحمه الله في الفوائد: " أنزه المخلوقات وأوسعها وأعظمها وأكبرها.. الكرسي.. أعظم خلق الله لأنه آثره الله –تعالى- بعلوه وكلما كان شيء من خلق الله أقرب كلما كان أرفع"، ثم قال رحمه الله:" وقلب المؤمن محل لعلو المثل الأعلى، والمثل الأعلى هو معرفته ومحبته وإرادته سبحانه!! لذلك أعظم خلق الله الكرسي وأعظم ما يملك الإنسان قلبه لأنه محل لمعرفة الله وإرادته ومحبته "
الشاهد: أنه يقول أن أنزه المخلوقات وأعظمها الكرسي، وهذا يناسب أن آية الكرسي في القرآن ختمت باسمه "العظيم"
الدعاء باسم الله العظيم:
ورد هذا الاسم مقرونا باسمه العلي وورد الدعاء بالوصف في بعض الأحاديث من ذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " اللهم اجعل في قلبي نورا وفى بصري نورا وفى سمعي نورا وعن يميني نورا وعن يساري نورا ومن فوقى نورا وتحتي نورا وأمامى نورا وخلفي نورا وعظم لي نورا"
وفى لفظ عند أبى داوود " اللهم وأعظم لي نورا"
وورد كذا في أذكار الصباح والمساء أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يدعو بهؤلاء الدعوات حين يمسي وحين يصبح "اللهم إني أسالك العافية في الدنيا والآخرة اللهم إني أسالك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي اللهم استر عوراتي وآمن روعاني اللهم أحفظني من بين يداي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي فيخسف به "
وروى النسائي وصححه الألباني "قال كشف رسول الله صلى الله عليه وسلم الستر ورأسه معصوب في مرضه الذي مات فيه فقال :اللهم قد بلغت ثلاث مرات اللهم قد بلغت اللهم قد بلغت،إنه لم يبقى من مبشرات النبوة إلا الرؤية الصالحة يراها العبد أو ترى له ،ألا إني قد نهيت عن القراءة في الركوع والسجود فإذا ركعتم فعظموا ربكم وإذا سجدتم فاجتهدوا في الدعاء فانه قمن (أي: حرى أو أولى) أن يستجاب لكم "
وهنا لفتة: فهذا موقف للنبي -صلى الله عليه وسلم- قبل وفاته، رغم شدة مرضه لا يسكت عن الدعوة وفي مسائل المفترض أنه قد رسخها في أتباعه وعاشوا عليها، فلقد صلى معه الصحابة ما يقارب العشر سنوات ويعرفون الركوع والسجود وما يقولون فيه، ولكنه صلى الله عليه وسلم يؤكد على المعالم، يؤكد على الاقتداء به "صلوا كما رأيتموني أصلى" حتى لا يلتبس الأمر على الناس فيأتي من يقول نقرأ في الركوع والسجود بدلا من التسبيح.
وكان -صلى الله عليه وسلم- يقول " إذا دعى أحدكم فلا يقل اللهم اغفر لي إن شئت ولكن ليعزم المسالة وليعظم الرغبة فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه "
ورد كذلك الدعاء بمقتضى هذا الاسم فقد كان -صلى الله عليه وسلم- إذا أراد أن ينام يضطجع على شقه الأيمن ويقول:" اللهم رب السموات ورب الأرض ورب العرش العظيم ربنا ورب كل شيء فالق الحب والنوى ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان..." إلى أن يقول -صلى الله عليه وسلم-"... اقض عنا الدين واغننا من الفقر"
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم صحابته الاستخارة في الأمور ومن ذلك أن تقول:" وأسالك من فضلك العظيم" فهو يدعو بصفة من صفات الله –سبحانه- أنه ذو الفضل العظيم
وكذلك الحديث في الأدب المفرد من حديث عبد الله بن مسعود أنه-صلى الله عليه وسلم- كان يقول:" إذا كان على أحدكم إمام يخاف تغطرسه (يخاف ظلمه)فليقل اللهم رب السموات السبع ورب العرش العظيم ،كن لي جارا من فلان بن فلان وأحزابه من خلقائك أن يفرط على أحد منهم أو يطغى، عز جارك وجل ثناءك ولا إله إلا أنت "......
روى ابن ماجه وصححه الألباني من حديث أسماء بنت يزيد أنها قالت:" لما توفى ابن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إبراهيم بكى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فقال المعزى إما أبى بكر وإما عمر أنت أحق من عظم الله حقه.." كأنهم تعاظموا أن يبكي النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالوا أنت أحق من عظم الله حقه فقال:" تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب لولا أنه وعد صادق وموعود جامع وأن الآخر تابع للأول لوجدنا عليك يا إبراهيم أفضل مما وجدنا وإنا بك لمحزونون "
حظ المؤمن من هذا الاسم :
لا شك أن اعتقاد العبد بأن الله سبحانه وتعالى عظيم هذا يورثه شيء من الاطمئنان لأنه حين يشعر أن ربنا هو العظيم كما قلنا وما دونه حقير لا يساوى شيئا فإنه لا يأبه بأي ضغوط ولا يخاف شيء .
ï الأمر الثاني قاله ابن القيم في الوابل الصيب أن العبد إذا أراد أن يكون له حظ من اسم الله العظيم فينبغي أن يعظم أمره ونهيه.. قال رحمه الله:
"فعلامة تعظيم الآمر الناهي تعظيم الأمر والنهى ، ومن هذا أن لا يترخص ترخصا جافيا يخرجه عن حد التعظيم" ومثاله ما شرع من الإبراد في شدة الحر، وهو تأخير صلاة الظهر عن وقتها قليلا اتقاء حر الشمس ورفعا للمشقة على الناس، فبدلا من أن تصلى في الثانية عشر ظهرا تصلى في الواحدة أو الواحدة والنصف، رخصة من الله لعبادة.. فيأتي أحدهم ويترخص ترخصا جافيا فيصليها قبل العصر بقليل بحجة شدة الحر. فهنا يخرج عن حد التعظيم ، لأن تعظيم الله عزوجل يوجب على العبد الامتثال للأمر والنهي ابتداءً وسرعة الاستجابة ثم إتيان الأمر على مراد الله ولا يخرجه عن حد الاعتدال، يعني لا يترخص ولا يغلو .
ï قال تعالى:" وَمَا قَدَرُوا اللَّـهَ حَقَّ قَدْرِهِ "الأنعام:91، فالله -سبحانه وتعالى- مهما بالغت في العبادة له لا تفي له بأدنى شيء، يقول النبي:" لو أن إنسانا من يوم أن ولد إلى يوم القيامة أتى ربه زحفا وأمسك بهذا العمل يوم القيامة لحقره" يوم القيامة لذا ينبغي على العبد أن يستقصى جهده وتعلو همته في البذل لكي يصل إلى ربه.فيكون تعظيم الله سبحانه وتعالى دافعا له على ذلك.
ï منها كذلك إذا كان هو يرى الله بعين العظم والإكبار يرى نفسه بعين الذل والانكسار والافتقار...
لذلك سبحان ربي العظيم مناسبة جدا للركوع، "سبحان" فيها تنزيه له سبحانه عن النقص والإقرار لنفسي به، و "ربي" فيها معنى المحبة، ثم "العظيم" فيها الإعظام والإكبار..فيتحقق في سبحان ربي العظيم معاني العبودية: ذل تام وحب تام على جهة التعظيم والإكبار والإجلال.
ïو من تعظيم الله الإكثار من ذكره والبدء باسمه دائما في كل شيء كما بدأ به –سبحانه- كتابه. فيستحب أن يسمي الإنسان في جميع أموره لاسيما في البيوت، ولاسيما حين انكشاف العورات، فالنبي-صلى الله عليه وسلم- يقول:"ستر مابين أعين الجن وعورات بني البشر أن يقول العبد باسم الله" فالشيطان يخنس ويصغر عند ذكر الله لأنه لا يعظم مع اسم الله شيء، والمفترض أن قلبك كذلك يخضع وينكسر لما يذكر عنده اسم الله. فلا يعظم مع اسم الله شيء!!!!!!
ï..من تعظيمه –سبحانه- أن يطاع نبيه ورسوله -صلى الله عليه وسلم- لأن الله قال:" مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّـهَ ۖ "النساء:80 ..
فمن أطاع الرسول فقد أطاع المرسل ومن عصاه فقد عصى الله. قال الله " لِّتُؤْمِنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ "الفتح: أي أن تعظموه وتعطوه قدره -صلى الله عليه وسلم- فلا ينبغي بأي حال ابتداء أن ينادى النبي –صلى الله عليه وسلم- كما ينادى غيره ولا ينبغي بحال أن تكون مكانة النبي -صلى الله عليه وسلم- توازى في قلبك مكانة أي أحد آخر فالله ورسوله أحب إليك مما سواهما، وهذا يحتاج إلى معايشة معه -صلى الله عليه وسلم- من خلال سيرته. فمن يتعايش معه ومع صفاته يكبره ويعظمه ويجله.
ï..من تعظيم الله أن يعظم كلامه.. تعظيم القرآن..
فعليك بمعرفة آدابه قراءة وحملا ، اقرأ "آداب حملة القران" للإمام النووي، و"التبيان في آداب حملة القرآن" وللآجوري، واقرأ كذلك "مقدمة تفسير القرطبي" في المبحث الخاص آداب تعلم القران، لتعرف كيف تعظم القرآن وتتعامل معه. فالقرآن له عظمة وتعظيمه من تعظيم الله عزوجل.
ï..من تعظيم الله كذلك تعظيم الشعائر..
ما عظمه الله يجب أن يعظم عندك،ونذكر قول الله تعالى في سورة الحاقة لما تكلم عن أهل الشمال أعاذنا الله منهم وإياكم:"وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ ﴿٢٥﴾ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ ﴿٢٦﴾ يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ ﴿٢٧﴾ مَا أَغْنَىٰ عَنِّي مَالِيَهْ ۜ ﴿٢٨﴾ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ ﴿٢٩﴾ خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ﴿٣٠﴾ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ﴿٣١﴾ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ ﴿٣٢﴾ إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّـهِ الْعَظِيمِ ﴿٣٣﴾ " أي أنه لم يكن يعظم ما نعظم فإذا كان الله سبحانه يعظم شأن بعض الأيام كالعشر من ذي الحجة فينبغي أن تعظم في قلبك، وإذا كان لرمضان مزية عن باقي الشهور فينبغي أن يعظم في قلبك، وإذا كان للأشهر الحرم مزية عن غيرها من الشهور فينبغي أن تعظم، وهكذا لذلك قال الله تعالى:" ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّـهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ "الحج:٣٢ فمن تعظيمه تعظيم شعائره لاسيما ما عظم في شرعنا وعلى رأسها الصلاة.
ومن تعظيم الله كذلك أن تجتنب النواهي يقول الله:" ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّـهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ "الحج:30 لأنك ما وقعت في النهي إلا لما هان الله في قلبك ، والأصل أنك قد هنت عنده فوكلك إلى نفسك ومن يهن الله فماله من مكرم. ولو كان لله في قلبك من التعظيم ما وقعت.
ï..من تعظيم الله تعالى الغيرة له..
أن تغار لله، فالله يغار وغيرة الله أن تنتهك محارمه، فتغار وأنت ترى انتهاك حرمات الله -سبحانه وتعالى- وينكر قلبك ولا يخلو حال العبد من أسف وندم على هذا الانتهاك. إذا كان يؤمن أن الله عظيم فيغار لله -سبحانه وتعالى-.
===============
إســم الله المقيـت
ورود الاسم في القرآن:
الله جل في علاه سمى نفسه المقيت فى موضع واحد فى القرآن الكريم وهو قوله تعالى: { مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا (85) } [النساء 85]. وورد هذا الاسم مطلقا منونا مقرونا بمعانى العلو والفوقية، و إنطبقت عليه الشروط التي وضعها أهل العلم فى إحصاء الأسماء فعلى هذا يكون هذا الاسم ثابت بالكتاب.
معنى اسم الله المقيت:
المقيت: من القوت، اسم فاعل للموصوف بالإقاتة. فعله: أقات، وأصله: قات يقوت قوتا. Û
والقوت في اللغة هو ما يمسك الرمق من الرزق، يقال: قات الرجل أي أعطاه قوته. ويطلق على الشيء المدخر المحفوظ الذي يقتات منه حين الحاجة فيسمى قوتا، كالطعام الضروري الذي تدخره في بيتك تأكل منه وأسرتك. أما الشيء الزائد عن الحاجة فلا يسمى قوتا .
و بهذا يكون القوت على دربين : قوت للأبدان ، و قوت للأرواح .
فالماء والطعام المتنوع قوت ضروري للبدن وبنسب محددة لو قلت هلك البدن، وكذلك القلب له قوته الضروري الذي بدونه يهلك ويموت.
:: وقال بعض أهل العلم المقيت يأتي بمعني المقتدر، قال الزجاجي رحمه الله: "المقيت المقتدر على الشيء"، يقال: أقات على الشئ اذا إقتدر عليه وهو بذلك صفة ذات، أما إذا جاء بمعنى الذي يعطي القوت فيكون صفة فعل.
والمقيت - بمعني المقتدر- هو الذي يمد الإنسان بما يحتاجه من طعام ويهيئ له هذا الطعام بكيفية تتوافق مع طبيعة جسده وأجهزته الحيوية، وبما ييسر للجسد الانتفاع به.
فسبحانه هو المقيـت المقتدر علما وقـوة، مقتدر علما: فيعلم ما الذي يفيدك ويرسله لك قوتـا ورزقـا لبدنك وروحـك، ومقتدر قوة: يهيئ الأسبـاب لتقبل هـذا القـوت فتتقبله روحك ويتقبله جسدك.
:: وبعضهم قال المقيت ( الحافظ )، قال أبو عبيدة: "هو الحافظ أي الذى يحفظ لك الجسم بحفظه لما يقومه من طعام وشراب"، وهذا يتماشي مع اسمه القيوم الذي به قيام كل شئ .
:: كذلك قالوا المقيت هو: " من شهد النجوى فأجاب وعلم البلوي فكشف واستجاب" شهد همس القلب قبل أن ينطق اللسان فأجاب ولما نطق اللسان استجاب.
:: ومن المعاني كذلك ما قاله الشيخ السعدي رحمه الله: " المقيت هو الذي أوصل إلى كل موجود ما به يقتات، أوصل إليها أرزاقها وصرفها كيف شاء بحكمته وحمده. هو المقيت تلخيصا، هو القدير على كل شيء، المعطي الأقوات للخلق صغيرهم وكبيرهم قويهم وضعفيهم، غنيهم وفقيرهم، { وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (6) } [هود 6] قدر الله ذلك كله عند خلقه للأرض { وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10)} [غافر 10 ]"
الله قدر الأقوات والأرزاق وجعلها في خزائن وأوكل بها خازن لا يفتحها إلا بإذن المقيت.
:: يقول ابن كثير رحمه الله: "قدر فيها أقواتها أي ما يحتاج أهلها إليه من الأقوات والأرزاق والأماكن التي تغرس وتزرع"
الفرق بين اسم الله المقيت واسمه الرزاق:
يذهب الإمام الغزالي رحمه الله إلى أن المقيت هو خالق الأقوات وموصلها إلى الأبدان والقلوب، وبهذا يشبه في المعنى اسم الله الرزاق غير أنه أخص، فالرزاق يرزق القوت وغيره وأوسع منه. فالرزاق أعم من المقيت.
كيف ندعو الله تعالى بإسمه المقيت:
من دعاء المسألة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول (اللهم أرزق آل محمد قوتا ). لأن الرزق هو القوت وزيادة عليه، لكن النبي لا يريد إلا القوت الضروري الذي يسد الحاجات الأساسية. يعني طعام يقيم البدن، وملبس يستر وبيت بسيط وزوجة صالحة ومركب ييسر الترحال..أما عيشة المترفين المنعمين، ما للمؤمن ولها ؟!!
ومن هذا المعني دعاء سيدنا إبراهيم { رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37) } [إبراهيم 37] فكأنه يقول أعطيهم الرزق الطيب الذي يقيم أبدانهم.
المعاني الإيمانية التي نستخلصها من اسم الله المقيت:
1. ألا نأكل إلا الحلال الطيب، فالله يطعمنا الطيب ويسقينا الطيب وما أحل لنا إلا الطيب، ولن يقبل منا إلا الطيب..فأطب مطعمك وكل الحلال.
فالحلال الطيب من أعظم القربات عند الله، النبي صلى الله عليه وسلم (إن الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن إلا الله فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه ألا وإن في الجسد مضغه إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب ) قال العلماء أن في هذا الحديث إشارة إلى أن طيب المطعم من أعظم أسباب تقوية القلب وزيادة رصيد الإيمان، وأن من أعظم مهلكات القلب ومفسدات أحوال الإنسان أكل الحرام..لذا وجب على الإنسان التحري.
وروي أن سفيان الثوري كان يتحرى الحلال من الرزق حتى عانى أولاده الفقر، فجاءه رجل بسرة مال ورجاه أن يقبلها منه، فقبلها سفيان وبعد قليل ردها إليه خشية الشبهة، فقال له أحد أولاده، يا أبت أليس لك أولاد بحاجة لهذا المال؟ فقال سفيان: أتريد أن تأكل وتتنعم ويُسأل أبوك يوم القيامة؟!!. فهكذا شأن سلفنا الصالح كانوا يتورعون في مسألة أكل الحلال .
2 شاهد المنعم في نعمته:
كان أحد السلف إذا أمسك بتفاحه قال: سبحان الله ! ، وكانوا يتعجبون من دقة خلق الرمان. فتفكر في طعامك وشرابك، قال الله تعالى: { كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ (23) فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (32) } [عبس 32:23]
وفي هذه الآية فائدة جميلة، يقول العلماء أن النفي في قوله تعالى: { كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ (23) فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) } نفي الأمر في الحال مع توقع حدوثه في المستقبل، مثل قوله تعالى: { قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ } [الحجرات 14] نفى الإيمان عنهم وأثبت لهم الإسلام مع توقع حدوث الإيمان مستقبلا، كذلك { كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ} فهذا الإنسان الكفور الجحود ما امتثل لأمري لكن متوقع حدوثه شريطة أن ينظر إلى طعامه، أن ينظر إلى النعم، فلو نظر سيمتثل. إذن الأدب الثاني أن تشاهد المنعم من خلال النعمة.
3. ألا تطلب حوائجك إلا من الله لأن خزائن الأرزاق بيده. فعلى الإنسان أن يسأل ربه حاجته كلها لأنه سبحانه هو الذي يقيت هذا البدن وهذه النفس. تأمل قوله تعالى: { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (40)} [الروم 40] المقام مقام امتنان، لهذا اختير معنى رزاق، فلم يقل " الله الذي خلقكم ودبر أموركم وعلمكم وأعطاكم من فضله ونعمه"، بل ذكر الرزق لأنه يشمل هذا كله.
ثم تأمل قوله تعالى: "ثم رزقكم" ولم يقل "يرزقكم" لتعلم أن الرزق مقسوم، وأن قسمتك منه قد كتبت وحددت فستأتيك ستأتيك..فهو الذي يطلبك وما عليك إلا الأخذ بأسباب وصوله إليك.
4. أن يسعي العبد لقوت قلبه وروحه، فكما يغذي بدنه عليه تغذية قلبه ، فإنه يجوع ويعطش كما يجوع البدن ويعطش ، يقول عتبة الغلام:
أنا العطشان من حبك لا أروي أنا الجائع الذي لم يشبع من حب ربي
وأعظم الأقوات للقلب والروح الذكر.. فهو أعظم الأقوات التي توصل إلى معرفة الغايات وهي معرفة الله جل وعلا. فإذا فقد القلب هذا القوت أنهكته الأمراض النفسية من كآبة وضيق واختناق وهم وغيره. فليكن لك قوت قلبي من الذكر والطاعة لا تقطعه أبدا، وإلا ضعف قلبك ووهن كما يضعف البدن حين يفقد قوته اليومي.
==========
اسـم الله الحسيـب
ورود الاسم في القرآن الكريم:
هذا الاسم ورد في القرآن الكريم في قول الله تعالى: { وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللّهِ حَسِيباً} [النساء : 6] } و، قوله تعالى في سورة الأحزاب: { الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً} [الأحزاب : 39 ] وقول الله تعالى " أيضا في سورة النساء: {وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً }[النساء : 86]
وقوله تعالى :{ ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ }[الأنعام : 62] وقوله تعالى:{ َنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ }[الأنبياء : 47]
معنى الاسم في اللغة:
الحسيب : يجوز أن يكون من : حسبت الحساب، ويجوز أن يكون من معنى :أحسبني الشيء: إذ كفاني، فمعنى الحسيب: أي الكافي.
من معاني الاسم في حق الله تعالى : أنه يحاسب العبد على خفايا نواياه وعلى أعماله الظاهرة
قال أبو عبيدة {إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً }[النساء : 86] أي كافيا مقتدرا.
وقال ابن جرير: {وَكَفَى بِاللّهِ حَسِيباً} أى كفى بالله كافيا من الشهود الذين يُشهدهم، أى جاء أيضا بمعنى الكفاية.
وقال في قوله تعالى { وَكَفَى بِاللّهِ حَسِيباً}: أي وكفاك يامحمد بالله حافظا لأعمال خلقه ومحاسبا لهم عليها
إذا أول معنى: الكفاية والاقتدار
والمعنى الثاني: وهذا الذي اختاره ابن جرير الطبري أن حسيبا أي حفيظا يعني بذلك أن الله كان على كل شيء مما تعملون أيها الناس من الأعمال من طاعة أو معصية حفيظا عليكم حتى يجازيكم بها جزاؤه.
ï يقول الخطابي: الحسيب هو المكافيء وقيل :الحسيب أي المُحاسب ومنه قول الله تعالى : {اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} [الإسراء : 14] أي محاسبا.
ïالحليمي ذكر معنى آخر فقال: "الحسيب المدرك للأجزاء والمقادير التي يعلم العباد أمثالها بالحساب من غير أن يحسب". سبحانه حسيب من غير أن يحسب. أي أنك لكي تعرف كم ذرة رمل في جبل فهذا أمر يعجز عنه البشر! اللهم إلا إذا وجدت تقنيات عالية تصنع مثل هذا الأمر، لكن إن صنعته ستصنعه عن حساب كالحاسوب أو غيره، أما الله عزّ وجلّ فيحسب دون حاجة إلى حساب، الله سبحانه وتعالى يدرك هذه الأجزاء ومقاديرها، هذا جبل الحسنات وهذا جبل السيئات لا يحتاج إلى أن يحسب أو يجند ملائكته لكي يحسبون، الله سبحانه وتعالى يدرك الأجزاء والمقادير التي يعلمها العباد بالحساب من غير أن يحسب.
ïويقول الشيخ السعدي رحمه الله: "المجازي لعباده بالخير والشر بحسب حكمته وعلمه بدقيق أعمالهم وجليلها"
فيتلخّص لنا من ذلك :أن اسم الله تعالى الحسيب يدور حول معاني :
أولها: الكافي
الثاني: الحفيظ
الثالث: المحاسب. كل هذا في طيّات معاني هذا الاسم الشريف.
ذكروا أيضا بعض المعاني الأخرى قالوا : أن الحسيب بمعنى السيّد الذي عليه الاعتماد وعلى هذا فليس في الوجود حسيب سواه، فقد تعتمد على إنسان يحبّك لكنه ضعيف لا يستطيع أن ينجّيك مما أنت فيه وقد تعتمد على إنسان قوي ولكنه لا يحبّك وقد تعتمد على إنسان قوي ويحبك ولكن لاتصل إليه.
أما الله فهو قريب ودود قادر فيجعله هذا سبحانه وتعالى محل الإعتماد، هو لطيف بعباده يلطف بهم ويعطيهم ما يريدون على وفق حكمته سبحانه وتعالى،قال تعالى:{ِإن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ: }[فاطر 14]، إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم لأنهم ضعفاء ولو سمعوا مااستجابوا لكم لأنهم عجزة لايستطيعون أن يقدروا على كل شيئ فمن اعتمد على غير الله ضلّ ومن اعتمد على غير الله ذُلّ ومن اعتمد على ماله افتقر ومن اعتمد على عزّ الإنسان خُذل، فاللهمّ إنا نعوذ بك أن نَذلَّ أو نُذل أونضلّ أو نُضلّ أو نجهل أو يُجهل علينا،
ïقيل كذلك إن الحسيب هو الكريم العظيم المجيد الذي له علو الشأن ومعاني الكمال.
ï وقيل : الحسيب جل شأنه هو الذي يحصي أعداد المخلوقات وهيئاتها وما يميزها ويضبط مقاديرها وأحصى أعمال المكلفين في مختلف الدواوين فأحصى أرزاقهم وأسبابهم وأفعالهم ومآلهم ثم كيف يكون حالهم بعد الموت وعند الحساب يوم يقوم الأشهاد فيجازيهم سبحانه وتعالى على حسناتهم وسيئاتهم وحسابه واقع لامحالة لايشغله حساب واحد عن الآخر كما لايشغله سمع عن سمع .
في ضوء هذه المعاني التي تقدمت سنتدبر الآيات التي ذكر فيها اسم الله الحسيب:
قال تعالى :{وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً }[النساء : 86]، فمفهوم السياق في الآيات يتكلم عن بذل السلام وعن أدب السلام، إما أن تحييه بنفس هذه التحية أو تأتي له بالأفضل، فإذا مثلا قال : السلام عليكم، قلت :وعليكم السلام ورحمة الله فزدته، أو إذا أبلغ فقال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، قلت : كذلك قلت وعليكم، ولكن ما الارتباط -في ضوء هذه المعاني- بين إفشاء السلام وتذييل الآية باسم الله الحسيب؟
أولا: يدل ذلك ذكر الله لمسألة السلام في القرآن في آية تتلى إلى يوم القيامة على أهمية هذه العبادة بين المسلمين وأنها من أعظم القربات عند الله عزوجل.
فالنبيّ صلّ الله عليه وسلم حين دخل المدينة كان أول مرسوم وأول قرار له " يا أيها الناس أفشوا السلام بينكم و أطعموا الطعام و صلوا الأرحام و صلوا والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام " وإفشاء السلام منك يجب أن يشمل الناس جميعا..كل المسلمين، حتى لمن تحمل في قلبك تجاهه عداوة أو بغض..فالله يذكرك أنه حسيب، فإن ألقيت علي مسلم السلام وأنت بداخلك فتور أو اعراض عنه، أو لو أفشيت السلام بغرض مصلحة لديك عنده، فالله يقول لك انتبه إلى نيتك حتى يؤتي العمل ثمرته من الألفة والمودة.
فبذل السلام جُعل سببا عظيما "للتواد بين البشر" قال النبي صلى الله عليه وسلم "ألا أدلكم على شيئ إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم" وهذه مسألة بناء مجتمع وبناء أمة. وبناء هذه الأمة يجب أن يكون على روابط وثيقة فإذا كان النبي صلّ الله عليه وسلم يجعل المفتاح في هذا الأمر اليسير جدا في بذل السلام وتنزل آية منزلة من قبل الله سبحانه وتعالى في هذا الأمر اليسير تتلى إلى يوم القيامة إذاً فالأمر كبير. فكان ذكر اسم الله الحسيب تذكرة لك أنه سبحانه وتعالى يعلم بواطنك ومتى تفشي السلام عن بغض أو عن مصلحة وسيحاسبك على ذلك فأصلح نيّتك وألقي السلام وابذله وأنت لا تريد إلا رضا رب العالمين. فإذا حسُنت نيتك في مثل ذلك سيجازيك الله عز وجل عن هذا أضعاف ما تتصور وسيعود ذلك بالنفع العميم على المجتمع الإسلامي كله.
وانتبه إلى جرم قد يفعله الكثيرون وهم غافلون: أنه حين تقع خصومة بين اثنين ثم يهاتف أحدهما الآخر بادئا بالسلام وإصلاح ذات البين ..فيرده الآخر ويغلق الهاتف في وجهه ويرفض مصالحته..سيحاسب عن هذا حسابا مريرا إذ أفسد ذات البين التي سعى صاحبه لإصلاحها، يقول النبي صل الله عليه وسلم يقول: "ألا أدلكم على أفضل من درجة الصلاة و الصيام و الصدقة ؟ - وهذه أعظم أعمال الإسلام -قالوا : بلى يا رسول الله . قال : إصلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة . لا أقول : إنها تحلق الشعر ولكن تحلق الدين " (صححه الألباني)
لذلك يحث الله عزوجل مثل هذا بتذكيره بـ "الحسيب" أنه سيحاسبك، سيحفظ عليك ذلك الموقف وسيجازيك به حين تعرض عنه ثم تقبل عليه تناديه يارب فيعرض عنك ولا يقبل عذرك. من هنا تأتي خطورة اسم الله الحسيب.
حظ المؤمن من اسم الله "الحسيب"
þ لا مفر من حساب الله:
الله لا يشغله حساب أحد عن أحد، فأنت حينما كنت تلميذا تنتظر حساب معلمك لك وتصغى بأذنك لصوته وهو ينادي أسماء من حولك، تقول في نفسك لعل الوقت ينتهى وأنجو من هذه المواجهه، لعله ينشغل مع تلميذ قبلي، وتظل تحدث نفسك وتنظر في الوقت منتظرا الجرس، وهكذا إلى أن يصل دورك أو أن تنجو..
الله سبحانه وتعالى لا يشغله حساب أحد عن أحد ولن يكون هناك دور تنتظر فيه ولن يكون هناك مفر من هذا الحساب، الكل سيحاسب وبدقة شديدة عن كل صغيرة وكبيرة، قال جلّ في علاه :{الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ } [غافر : 17] وهو أسرع الحاسبين سبحانه وتعالى.
þ أن الحسيب معناه الكافي انظر إلى هذا الدعاء الجميل الذي نردده كثيرا لكن نحتاج أن نستشعره بقلوبنا، في البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنه قال: "حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم -عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام-حين ألقي في النار وقالها محمّد -صل الله عليه وسلم - حين قالوا{ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُواحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ } ( آل عمران173)" (صحيح البخاري)
ما أحبّ هذا الدعاء إلى القلوب "حسبنا الله" تشعر بها بالسكينة على قلبك، الله يكفيني، يكفي قلبي فلا أقلق ولا أنزعج ولا أرتاب ولا تصيبني من جرّاء الخوف أي إساءة ولا أي إشكال كيف وقد أنزل ربي سبحانه وتعالى على قلبي برد الرضا فصرت ساكناً هادئاً مرتاحاً.
كل هذا حين تقول : "حسبي الله" فيكفيك..قد تبتلى ولكن هذا البلاء لا يؤثر على نفسيتك فلا تشعر به بلاءا وقد قلت هذا كثيراً، وقد يحدث العكس فالبعض يُبتلى فيعيش في البلاء دون أن يمسّه البلاء، يكون دائما خائفا، تحدّثه نفسه: سوف يحدث كذا، سأفقد فلانا، سأخسر صفقة، سأتعرض لحادث..فتصيبه الأمراض النفسية والقلق والإكتئاب والمشاكل من دون أن يمسه شيء، أو يحدث له أي مشكلة.
إنما المؤمن موقفه حيال هذه الإبتلاءات { إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فزادهم إيمانا} فلم يقعوا في شراك شرك الخوف بل اعتمدوا على ربهم ، السيّد الذي لا يعتمد إلا عليه سبحانه ..{ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ }، فكان هذا الرزق العميم {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ } وجاءت "فضل" نكرة في سياق الاثبات على اعتبار أن تكون مطلقة. وكان يمكن أن يقول فانقبلوا "بنعمة وفضل" لكن أضاف من الله لكي يشعر قيمة هذه النعمة، فهى نعمة خاصة جدا مميزة جدا { بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ } أي كل سوء، سواء كان هذا السوء مشاكل نفسية سواء كانت ابتلاءات تصيبه بأذى في جسده أو بأذى في نفسيته أو في أهله في ماله، لم يقربه أدنى شئ {لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيم } فرضى عنهم ربهم فأرضاهم ولا شك هذا هو الفوز العظيم
إذاً فمن حظ المؤمن أن يستشعر أن الله الحسيب هو الذي يكفيه لا غنىً له عنه بل لا يتصور العبد حياته دون ربه، فيديم اتصاله به ويديم افتقاره له ويتجسد ذلك في دوام الدعاء.
فتجد دائما العبد المنيب إلى ربه دائم الاتصال بربه وكلمة يارب هذه لا تخلو منها ساعة من وقته " يارب" دائماً يارب اغفر لي يارب تب عليّ يارب استرني يارب يارب ليس لي سواك.. يارب يارب.. يتصل بالله سبحانه وتعالى.
ويشير العلماء هنا إلى معنى دقيق من معانى الكفاية:
فيقولون هل احتياج الإنسان لملاذ الحياة يقدح في شعوره بكفاية الله له؟
فأنت إذا احتجت إلى طعام وشراب وإلى شمس وإلى أرض وإلى مسكن وإلى زوجة وسعيت في تحصيل ذلك هل هذا يقدح في فهمك بأن الله هو كافيك؟
فقالوا: الكفاية حصلت بهذه الأسباب لكن الله وحده المتفرد بخلقها للعبد فهذا لا يُسمى في الاعتبار إنشغالاً عن الله إلا إذا كان هذا قاطعاً عن الله، يعنى العبد إذا خرج من بيته ليعمل متوكلا على الله سائلا منه الرزق والفتح موقن بأن الله هو الفتاح الرزاق يختلف عن عبد آخر خرج مشغولا بالأسباب ناسيا للاستعانة معتمدا على عقله وحوله وقوته ومهارته فيأبى الله عزّ وجل إلا أن ينقض عزيمته ولا يحصل مراده، بل وقد يُفتن. إذاً فمتى استعان فلا قدح في سعيه إلا أن يتعلّق بالأسباب دون مسببها.
þ " حسبنا الله ونعم الوكيل " ما حقها منك؟:
انظر إلى قول الله تعالى لنبيه:{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ }[الأنفال : 64]
لو تصورت الآن بخيالك وقع هذا الكلام على قلب النبيّ صلّ الله عليه وسلم وأصحابه !! ، تخيل لو أنك في مشكلة كبيرة تسبب لك خوف وقلق بالغ ثم تجد إنسان له منزلة كبيرة يأتي بجانبك ويربت على كتفك ويقول لك : لا تخف أنا معك، أنت في حمايتي أنت في ضماني ..كيف يكون أثرها وقد ضاقت عليك الدنيا من كل مكان ؟ لا شك أنك ستشعر بالظفر وبكثير من الدفء والحنان والأمان ..أليس كذلك ؟
فحين يقول الله عزوجل: "يا أيها النبي حسبك الله" أدركها النبي صلى الله عليه وسلم ففرح واستبشر، فمن كان الله معه ماذا فقد ومن كان الله عزّ وجلّ بعيداً عنه فماذا وجد،
ولكن:{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ }[الأنفال : 64] ماحقها منك أنت؟
أعني ذلك الرجل الذي وقف معك ذلك الموقف وقت ضعفك فحفظك وأمنك ونصرك على ظروفك، بماذا ستقابل فعله هذا معك ؟ لعلك تريد أن تقبّل يديه وقدميه أو تفعل له أي جميل وخدمة جزاء وقوفه بجانبك في شدتك.
فحق هذه الآية الجميلة، قول الله تعالى: { أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الزمر : 36] أن يكون ردك : بلى يارب ومن يكفيني غيرك؟ يقولها قلبك فتشعر بلذة تودده إليك وقربه منك، فتزداد بدورك حبا وقربا له سبحانه.
þ لاشك أن المعنى الثالث :الذي ينبغي أن نتوقف عنده ملياً في اسم الله تعالى الحسيب هي مسألة المحاسبة : وضع العلماء للمحاسبة شروطاً وأركاناً ينبغي أن نفقهها.
أول الأمر : أن يكون الإنسان دائماً أبداً محاسباً لنفسه " حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا " فمن حاسب نفسه بدقه في حياته خُفّف عليه من الحساب يوم القيامة.
يقول الله سبحانه وتعالى :{ فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى،وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى}[الليل : 5، 6،7] فيكون حسابه يسيراً وهو مجرد العرض كما أخبر النبيّ صلّ الله عليه وسلم.
فلا يمر بك يوم دون أن تنظر أين أنت من الطريق ؟ هل تقدمت أم تأخرت ؟
وقد تسأل الآن: على أي شيئ أحاسب نفسي؟
- حاسبها كما يحاسبك ربك، إبدأ أولاً بالأمور العظام الكبار وانظر فيها فإن وجدتها خفيفة عندك فاعلم أن هذا وزنك، يعني ماشأن الصلوات عندك؟ عظيمة هي عند الله، ما شأنها عندك وما وزنها ؟ هل هي عظيمة في قلبك ؟
ماذا عن انظر أخلاقك وسلوكياتك ! فالأخلاق عظيمة عند الله..ألم يأتي في الحديث "الرجل يدرك بحسن خلقه منزلة الصائم القائم" فهل للأخلاق مكانة عندك..؟
وهكذا سل نفسك كثيراً هذه الأسئلة، ابدأ بالعظام من الأعمال عند الله ثم تدرج شيئا فشيئا إلى أن تصل بالمحاسبة إلى خطرات النفوس.
فمثلا تضع جدولا أسبوعيا للمحاسبة ولو ابتداءا لكي تضبط أمورك، فتحاسب نفسك مثلا على إدراك تكبيرة الإحرام، وتحدد مدة للثبات أسبوعين أوثلاثة حتى ينضبط حالك في هذا الأمر، ثم تركز على غيره.
وهكذا تتدرج في الأقل فالأقل، فتبحث عن الأعمال التي لم تفعلها من قبل إذ يجب ان تضرب فيها بسهم، وضع لك قائمة بمثل هذه الأعمال تراجعها كل فترة لتعرف أي الأبواب لم تدقها بعد فتسعى لها. هذا مثال للمحاسبة على الأوامر
- كذلك تحاسب نفسك على النواهي، فتعرف ما الكبائر التي تقع فيها فتسارع في التوبة والإقلاع عنها لعل الله يكفر عنك ما سواها، قال الله عزّ وجلّ :{إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم}..
واحذر من بعض الكبائر المغفول عنها، كالغيبة والكبر والعجب وآفات النفوس بشكل عام، ويساعدك في هذا كتاب "الزواجر عن اقتراف الكبائر" لابن حجر الهيثمي، فأنصحك بطبعة محققة له تعينك. تقرأ فيه وتحاسب نفسك على كل كبيرة من هذه الكبائر وتسعى للتنزه منها، حتى تصل إلى باقي الذنوب واللمم الأخرى.
وأقول لك استعن وابدأ وتدرج، وكل أسبوع خصص له أمرا ونهيا تحاسب نفسك عليه، أو أكثر إن استطعت إلى أن يصل بك الأمر إلى أن تحاسب نفسك على الكلمة، " إن الرجل ليتفوه بالكلمة لا يعطي لها بالا يهوي بها في النار سبعين خريفا " فتصبح الكلمة عندك بميزان، وهذه أحوال المحسنين، أحوال عباد الله تعالى المقربين إلى الله.
واعلم أنك لو فعلت هذا سيتبين لك أنك لا تعمل إلا على عدة ذنوب مكررة لا تحاسب نفسك إلا عليها، وسيتكشف لك أمور أعظم وأخطر أنت غافل عنها تماما، مما يجعلك على خطر عظيم.
فغالبا ما تجد الشباب لا يؤرقه إلا ذنوب مثل إطلاق البصر، العادة السرية، مقدمات الزنا بشكل عام من حب وعشق محرم وغيره. وهو يرتكب أمور أشد وأخطر لكنه لا يعتبرها ذنباً أو غافل عن خطرها..فأنت في حاجة شديدة لتفقد ذلك.
واعلم أنه من أدب المؤمن مع ربه أن يعلم أن الله سبحانه وتعالى سيحاسبه غداً على الكبيرة والصغيرة، ويطالبه بالنقير والقطمير ومن وراء علم العبد بذلك عليه أن يحاسب نفسه قبل أن يحاسبه غيره، فيطالب قلبه بالقيام بالحقوق قبل أن يطالبه سواه، ومتى راقب العبد معنى الحسيب تجلّى له نور الله القريب، فانبثق في قلبه نور فإذا نفسه تحاسبه على التقصير في الطاعة وتذكّره بحساب يوم القيامة.
أمثلة من محاسبة السلف لأنفسهم:
- أرسل رجل مؤمن طعاما إلى البصرة عن طريق وكيل وقال : بع الطعام بسعر يومه. فلما وصل هذا الوكيل إلى البصرة استدعى التجار ونصحوه أن يؤخر البيع إسبوعاً فقط ليرتفع السعر، فأخّر إسبوع وربح أرباحا طائلة وبشّر موكله بهذه الأرباح وجاء الجواب : إدفع الثمن كله لفقراء البصرة فقد دخل على مالي الشبهة.
القصة أن التاجر أمر وكيله أن يذهب إلى البصره ويبيع الطعام فور وصوله بالسعر الذي يبيعون به فالتجار قالوا له فقط إنتظر أسبوع سترتفع الأسعار وستكسب أكثر، فانتظر الرجل وربح فعلا، فلما بشّره بهذا امره أن يوزع الأرباح الزائدة على فقراء البصرة مخافة الشبهة. لأنه حبس الطعام ليزداد سعره فصار محتكراً والنّبيّ صلّ الله عليه وسلم قال :" المحتكر خاطيئ" "المحتكر ملعون " (صحيح الجامع الصغير)
إنما هكذا يحاسب الإنسان نفسه، على أدنى شيئ، انظر كيف فكّر الرجل ؟
فسبحان الله..لو كان رجلا من عصرنا بل ومن الملتزمين هل كان سيفعل فعلته؟ أم سيقول يا شيخ لم التشدد، هون على نفسك، الدين يسر إنما رزق وبركه ! وغيره مما سيقال ؟!
-آخر جاءته رسالة أن قصب السكر قد تلف فذهب إلى السوق واشترى السّكر وبعدها ربح ثلاثين ألف دينار وبعد ربحه تذكّر أن هذا الذي اشترى منه السكر ماعلم أن السّكر أصابته آفة فباعه بهذا السعر البخس فاعتبر أنه بهذا غرر به وخدعه فجاءه فقال: ياهذا لقد جاءتني رسالة من غلامي أن قصب السّكر أصابته آفة، فأقل هذه البيعة،فقال له :أنت الآن قد بلّغتني قال : كان ينبغي أن أبلغك قبل هذا وبَطُل شرائي للبضاعة، فقال البائع : قد سامحتك على هذا ، فقال : لن أقبل ولا أنام الليل إلاإذا أقلتني من هذه البضاعة، أي أنه يطلب منه أن يأخذ ماله فيقول له : أني سامحتك، فيقول له : لا أنا الآن لن أستطيع أن أنام أو أن افعل أي شيئ إلا إذا أنت أخذت حاجتك وأخذت أموالك وأنا لا أريد أن يدخل جيبي أي شيئ من هذا !!..
-وذاك الراعي قال له ابن عمر - رضي الله عنهما - بعني هذه الشاة!! فقال : ليست لي، فقال له : قل له ماتت، قال له: والله إني لفي أشد الحاجة إلى ثمنها ولو قلت له أنها ماتت أو أكلها الذئب لصدّقني فأنا أمين عند صاحب هذه الشاة ولكن أين الله !!
-كان عمر ابن عبد العزيز إذا كلمه أحد بمسألة شخصية يطفأ السراج الذي يوقد من بيت المال.
- وهذا عمر رضي الله عنه رأى إبلاً سمينة فقال لمن هذه الإبل ؟ فقالوا : هي لابن عمر، قال : ائتوني به، فقال : لمن هذه الإبل ؟، فقال : هي لي، اشتريتها بمالي الحلال وبعثت بها إلى المرعى لتسمن فماذا فعلت ؟!! ، قال عمر - رضي الله عنه - : ويقول الناس يابنيّ: ارعوا هذه الإبل فهي لابن أمير المؤمنين اسقوا هذه الإبل فهي لابن أمير المؤمنين وهكذا تسمن إبلك ياابن أمير المؤمنين!! هل علمت لماذا هي سمينة ؟ لأنك ابني، بع هذه الإبل وخذ رأس مالك وردّ الباقي إلى بيت مال المسلمين. ،
انظر كيف كان سلفنا الصالح يحاسبون أنفسهم حساباً شديداً على كل شيئ، حتى إذا وقفوا أمام الله عزّوجل وامسكوا كتاباً لا يغادر صغيرة ولا كبيرة خُفّف عليهم من هذا الحساب،
يقول الأُقْليْشِيّ :أرباب القلوب الذين يستشعرون بأوجاع الذنوب العالمون يقيناً بمحاسبة علّام الغيوب وإحصاء حسابه لجميع العيوب أقاموا في الدنيا موازين القسط على أنفسهم وأحصوا عليها بالحساب المُحرِّر كل ما برز عنها وصدر ثم حاسبوها محاسبة الشريك النّحرير القائم بمال شريكه، الذي انفصل عن شركته بعداوة وقعت بينه وبينه فانظر هل يسمح له بأن يترك حبة أو يسقيه من مائه عند ظمأه عُبّة ؟
فلذلك انتثرت ذنوب هؤلاء من الصحائف كما ينتثر ورق الشجر اليابس بالريح العاصف فإذا قدموا قضاء الموقف برزت لهم تلك الصحائف منيرة وقد استنارت فيها المعاني والأحرف لأنها مُمحّضة مُخلَّصة بدقيق المحاسبة وشديد المطالبة فكان حسابهم عرضا لا مناقشة فيه"
وروى عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت لا تسمع شيئاً لا تعرفه إلا راجعت فيه حتى تعرفه، وأنّ النّبيّ صل الله عليه وسلم قال : " من حوسب عُذّب " قالت عائشة : فقلت : أوليس يقول الله عزّوجلّ :{فسوف يحاسب حسابا يسيرا } قال :" إنما ذلك العرض " - أي ذلك عرض الصحائف أي تُطوى من غير أن يُناقش في أي شيئ لكن "من نوقش الحساب يهلك" (صحيح البخاري)
فائدة:
روي أن رجلا سأل أي الشهداء أفضل؟ قال : الذين إن يلقوا في الصف لا يلفتون وجوههم حتى يقتلوا، أولئك ينطلقون في الغرف العلا من الجنة، ويضحك إليهم ربهم، وإذا ضحك ربك إلى عبد في الدنيا فلا حساب عليه" (صححه الألباني)
وفي الحديث أن النبيّ صلّ الله عليه وسلم قال " ثلاثة يحبهم الله، و يضحك إليهم، و يستبشر بهم : الذي إذا انكشفت فئة قاتل وراءها بنفسه لله عز و جل، فإما أن يقتل، و إما أن ينصره الله و يكفيه، فيقول : انظروا إلى عبدي هذا كيف صبر لي بنفسه . والذي له امرأة حسنة و فراش لين حسن، فيقوم من الليل، فيقول : يذر شهوته و يذكرني، و لو شاء رقد و الذي إذا كان في سفر، و كان معه ركب، فسهروا، ثم هجعوا، فقام من السحر في ضراء و سراء (صححه الألباني)
هؤلاء الثلاثة عمل الأول منهم كان قيام الليل، كانوا في سفر ثم نام الناس جميعا أما هو فقام يتملّق الله سبحانه وتعالى ويتلو آياته، والثاني الذي يدافع عن هذا الدّين بصدره، يفرّ الناس من المواجهة وهو يبقى ثابتا إما أن يقتل وإما أن ينال من هؤلاء الأعداء فيردهم،
والثالث رجل ينام مع زوجته الجميلة الوضيئة على فراش وطيئ جميل فما يكون منه إلا أن يقوم فزعاً ليقف بين يدي الله سبحانه وتعالى ويدع شهوته من زوجته.
وقياسا على المعنى فإن فكل موقف وقفته في حياتك نازعتك فيه نفسك على شهوة شديدة مباحة تداخل معها حق لله فآثرت الله على الحلال المباح إلا خفف عنك الحساب بإذن الله .
نسأل الله تعالى أن يمنّ علينا بمحاسبة دائمة لأنفسنا وأن نشهد اسم الله تعالى الحسيب هذا دائما أبدا فلا يمر بنا يوم إلا وكنا مستشعرين لهذا المعنى نسأل الله تعالى أن يدخلنا الجنّة بغير حساب ولا سابقة عذاب،
=========اسم الله الحق جل جلاله===================
اســم الله الحــق
ورد الاسم في القرآن الكريم في عشر آيات:
في سورة الأنعام:
{ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [62]
وفي سورة يونس في موضعين:
{هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [30]
{فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} [32]
وفي سورة الكهف:
{هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا} [44]
وفي سورة الحج في موضعين:
{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [6]
{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [62]
وفي سورة المؤمنون:
{فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [116]
وفي سورة النور:
{يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} [25]
وهذا هو الموضع الوحيد الذي جاء فيه اسم الله الحق تذييلاً. الآيات الأخرى كلها يأتي الاسم ضمن الآية وهذا يحتاج إلى تأمل.
وفي السنة المطهرة
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَقُولُ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ " ...أَنْتَ الْحَقُّ وَوَعْدُكَ الْحَقُّ وَقَوْلُكَ الْحَقُّ وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ وَالْجَنَّةُ حَقٌّ وَالنَّارُ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ حَقٌّ اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ وَبِكَ خَاصَمْتُ وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ فَاغْفِرْ لِى مَا قَدَّمْتُ وَأَخَّرْتُ وَأَسْرَرْتُ وَأَعْلَنْتُ أَنْتَ إِلَهِى لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ". [صحيح مسلم (769)]
معنى الحق في اللغة:
دائما يكون في المعنى اللغوي إشارات لمعنى الاسم في حق الله وفي حظ العبد من الاسم
1- الحق اسم فاعل، فعله: حقَّ يحقُّ حقًا. يقال حققت الشيء أحقه حقًا إذا تيقنت كونه ووجوده ومطابقته للحقيقة. ويغلق معنى الريبة والشك اللذان يناقضان الإيمان وقد ذكرهما الله في صفات أهل النفاق.
أي شيء لا ريبة عندك فيه شيء مسلم به، على النقيض يكون الشيء باطل، أي توهمت وجوده بل وقعت في الجهل ابتداء فوقعت في الباطل. فنلاحظ أن القضية ستئول إلى اليقين والعلم.
2- والحق بمعنى المطابقة والموافقة والثبات وعدم الزوال
وعندما سنتكلم عن الحقوق مثل حق الالتزام .. حق الإيمان ..فمن حقه أن يثبت على المعنى الذي يتيقنه ويعلمه ولا ينبغي أن يتزعزع أو يزول هذا المعنى المتيقن من قلبه.
3- الحق بمعنى العدل خلاف الباطل والظلم
4- الحق هو الاعتقاد في الشيء المطابق لما عليه في الحقيقة. كأن تقول أعتقد أن البعث والثواب والعقاب والجنة والنار حق.
5- وتأتي كلمة الحق في القرآن بمعنى الإسلام والحكمة والعدل والصدق والوحي والقرآن والحقيقة والحساب والجزاء كما في قوله: {يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} [النور: 25]
أما معنى الاسم في حق الله سبحانه وتعالى:
ذكر أهل العلم في ذلك كلامًا جليلاً نفيسًا منه:
يقول ابن جرير في تفسير الآية: {وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [يونس: 30] "رجع المشركون يومئذ إلى الله الذي هو ربهم ومالكهم الحق لا شك فيه ورفعت الحجب وصار الأمر حق". ما عاد هناك ريبة، صار الغيب شهادة فيعلمون أن الله هو الحق.
وذكر في تفسير الآية: {فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} [يونس: 32] "أيها الناس، فهذا الذي يفعل هذه الأفعال، فيرزقكم من السماء والأرض، ويملك السمع والأبصار، ويخرج الحي من الميت والميت من الحي، ويدبر الأمر؛ (الله ربُّكم الحق)، لا شك فيه، (فماذا بعد الحق إلا الضلال) يقول: فأي شيء سوى الحق إلا الضلال، وهو الجور عن قصد السبيل".
يقول: "فإذا كان الحقُّ هو ذا، فادعاؤكم غيره إلهًا وربًّا، هو الضلال والذهاب عن الحق لا شك فيه".
وهذه الآية تسمى آية الربوبية في القرآن ففيها من أوصاف الربوبية الرزق والملك والإحياء والإماتة وتدبير الأمر.
وقال في قوله تعالي {ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّـهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّـهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [لقمان: 30]
"يعني تعالى ذكره بقوله (ذلكَ) هذا الفعل الذي فعلت من إيلاجي الليل في النهار، وإيلاجي النهار في الليل، لأني أنا الحقّ الذي لا مثل لي ولا شريك ولا ندّ، وأن الذي يدعوه هؤلاء المشركون إلهًا من دونه هو الباطل الذي لا يقدر على صنعة شيء، بل هو المصنوع".
يقول الخطابي: " الحق هو المتحقق كونًا ووجودًا وكل شيء صح وجوده وكونه فهو حق".
سمي الله القيامة الحاقّة لأنها الكائنة حقًا لا شك فيها ولا مدفع لوقوعها. ولاحظ المد في الحاقّة كان يمكن أن تسمى الحقيقة ولكن المد يعطي معنى المبالغة في الشيء.
قال الخليل: "الحق ما لا يسع إنكاره" وفيه دلالة على أن وجود الله حق تهتدي إليه الفطر السليمة دون احتياج إلى نظر وتأمل وتفكر كبير حتى يصل إلى أن الله رب هذا الكون ومالكه فلا يسع إنكاره ويلزم ثبوته والاعتراف به فلا يجحد وجوده إلا جاحد يتظاهر عليه من الدلائل.
قال الخشيري: الحق هو بمعنى الموجود الكامل وكذا معناه في اللغة.
أما الغزالي فقال: في المقصد الأسمى:
"الحق هو الذي في مقابلة الباطل والأشياء قد تستبان بأضدادها وكل ما يخبر عنه فإما باطل مطلقًا وإما حق مطلقًا وإما حق من وجه وباطل من وجه. فالممتنع بذاته هو الباطل مطلقًا. والواجب بذاته هو الحق مطلقًا. والممكن بذاته الواجب بغيره هو حق من وجه باطل من وجه".
قال ابن الأثير: الحق هو الموجود حقيقة، المتحقق وجوده وإلوهيته والحق ضد الباطل.
إذًا فاسم الله الحق يعني:
المتصف بالوجود والدوام والحياة والقيومية والبقاء فلا يلحقه زوال ولا فناء، كما يقول الطحاوي: "لا يفنى ولا يبيد ولا يكون إلا ما يريد".
كل أوصاف الحق جامعة للجمال والكمال والعظمة والجلال. وهو الذي يحق الحق بكلماته فيقول الحق وإذا وعد فوعده الحق وما أمر به حق، كما قال تعالى: {وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} [يونس: 82]، {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: 73]
حظ المؤمن من اسم الله الحق
1- طلب العلم والرسوخ فيه:
العلم لا مجرد المعرفة، أن تتعلم أي أن تكون راسخًا في علمك وليس حفظ كلمتين أو قراءة كتابين أو سماع درسين. بل يحتاج الأمر أن يترسخ في قلبك لكي يكون عقيدة وعلمًا.
2- تحقيق الإيمان واليقين
كيف تكون موقنًا بالشيء؟
· بإصلاح المحل (القلب). عندما يدخل نور العلم إلى القلب القاسي لا يثبت يه لأن الرن قد علاها وأشرب القلب المعاصي. لذا تحتاج إلى تطهير القلب لتثبت فيه المعاني. حينئذ تجد نفسك موقنًا ثابتًا لا تتزعزع ولا تنتابك الشبهات ولا تأخذ بك الريب والشكوك.
3- أن تثبت ولا تتزعزع-؟
والثبات له أسبابه الكثيرة نذكر منها:
أ. قول الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} [النساء: 66] الامتثال لما توعظ به والامتثال لأمر الله. لو امتثلت وتأدبت يترسخ الفعل عندك ويصير ثابتًا لا يتزعزع عندك، أما إذا أعرضت وأخذت ما يناسب هواك وعلى حسب الحالة الإيمانية عندك وما يناسب الوسط الاجتماعي ونقول هذا لا ينفع في زماننا، يقول الله: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} [البقرة: 85]
ب. يقول الله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال: 45] الذكر لصلاحية المحل وتطهير القلب.
4- العدل
أن تكون عادلاً ولا تظلم مثقال ذرة كما قال تعالى في الحديث القدسي "يا عبادي! إني حرَّمتُالظلمَعلىنفسيوجعلتُهبينكممحرَّمًا.فلا تظَّالموا" [صحيح مسلم (2577)]
أولا لا تظلم نفسك بارتكاب المعاصي فهذا سوف يزعزع ثباتك، فالظلم ظلمات.
ثانيا لا تظلم غيرك فإن من أعظم الذنوب تعجيلاً بالعقوبة البغي والعقوق وكن منصفًا.
كان الخطابي وهو من علماء القرن الرابع يقول: " نحن في زمان قل فيه من يعرف وأقل منه من يُنصف". فماذا نقول نحن الآن؟! ماذ نقول في زمان لا أحد فيه يعرف ولا أحد فيه يُنصف إلا من رحم ربي.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة: 8]
ليس لأني أحبه ويتبع اتجاهي الفكري الذي اتبعه أتحمل له كل شيء ومن ليس كذلك أشن عليه الحروب والمعارك. فطريق التقوى العدل.
5-اعط كل ذي حق حقه:
هذا المفهوم الماتع في ديننا، قضية التوازن. فإن لأهلك عليك حقًا وإن لنفسك عليك حقًا وإن لجارك عليك حقًا وإن لصديقك عليك حقًا وإن لوالديك عليك حقًا فأعط كل ذي حق حقه.
ودعونا نمر على بعض الحقوق المهمة:
أولاً حق الله: حقه أن يُعبد ولا يشرك به شيئا كما في الحديث، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا معاذُ! تدري ماحقُّاللهِعلىالعبادِ وما حقُّالعبادِعلىاللهِ؟" قال قلت: اللهُ ورسولُه أعلمُ. قال: "فإن حقَّاللهِعلىالعبادِ أن يعبدوا اللهَ ولا يشركوا به شيئًا. وحقُّ العبادِعلىاللهِ عزَّ وجلَّ أن لا يعذبَ من لا يشركُ به شيئًا " قال قلت: يا رسولَ اللهِ! أفلا أبشرُ الناسَ؟ قال: "لا تُبشرْهم. فيتَّكلوا" [مسلم (30)]
وعنْ عُبَادَةَ بن الصامت، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ شَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ وَالْجَنَّةُ حَقٌّ وَالنَّارُ حَقٌّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنَ الْعَمَلِ." [البخاري (3435)]
وفي رواية زاد "مِنْ أيّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ شَاءَ" [الألباني (صحيح الجامع: 6320)].
لا معبود بحق إلا الله وكذلك لا متبوع بحق إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تتبع غيره إلا أن يكون على هديه.
فمن حق الله العبودية {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، وانظر إلى الملائكة يوم القيامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يُوضَعُالمِيزَانُيومَالقيامةِ،فَلَوْوُزِنَفيهِ السَّمَوَاتُ والأرضُ لَوَسَعَتْ، فَتقولُ الملائكةُ: يا رَبِّ لِمَنْ يزِنُ هذا؟ فيقولُ اللهُ تعالى: لِمَنْ شِئْتُ من خَلْقِي، فَتقولُ الملائكةُ، سبحانَكَ ما عَبَدْناكَ حقَّ عِبادَتِكَ، ويُوضَعُ الصِّرَاطُ مِثْلَ حَدَّ المُوسَى، فَتقولُ الملائكةُ، مَنْ تُجِيزُ على هذا؟ فيقولُ: مَنْ شِئْتُ من خَلْقِي، فَيقولونَ: سبحانَكَ ما عَبَدْناكَ حقَّ عِبادَتِكَ [الألباني، السلسلة الصحيحة: 941] فمن حق الله أن تعبده ثم تستصغر ما تقوم به ولا تمنن تستكثر.
ومن حقوق العبودية حق الصلاة، قال رسول الله صلي اله عليه وسلم: "مَنْحافَظَعلىالصلواتِالخمسِ، رُكُوعِهِنَّ، وسُجُودِهنَّ، ومَوَاقِيتِهنَّ، وعَلِمَأنَّهُنَّحقٌّمنعِنْدِاللهِدخلَالجنةَ، أوْ قال: وجَبَتْ لهُالجنةُ" [الألباني: صحيح الترغيب (381)]
وفي رواية قال "مَنحافَظعلىالصلواتِالخمسِ -أو الصلاةِ المكتوبةِ - علىوضوئِها، وعلى مواقيتِها، وركوعِهاوسجودِها، يراه حقًّاعليهحرُمعلىالنارِ" [البوصيري: إتحاف الخيرة المهرة (1/415)]
وعن عثمان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "منعلمأنَّالصلاةَحقٌّمكتوبٌواجبٌدخلالجنَّةَ" [الألباني: صحيح الترغيب (382)]
ثانيًا حق المسلم:
قَالَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ رَدُّ السَّلاَمِ وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ" [البخاري (1240)]
وفي رواية عند مسلم قَالَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- "حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ، قِيلَ مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتْهُ وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ". [مسلم (2126)]
إذا سألك النصيحة لا تقل يا أخي أنا والله المحتاج للنصيحة، لكن انصحه. المؤمن مرآة أخيه.
ومن حق المسلم ألا يقتطع حقه قَالَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- "مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ" [مسلم (137)]
ثالثًا حق الكبير:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ليسَمنَّامنلَميَرحَمْصغيرَنا، ويعرِفْحَقَّكَبيرِنا" [الألباني: صحيح الترغيب (100)] فحقه التوقير.
رابعا حق الزوجة:
"سأل رجلٌ النبيَّ فقال: يا رسولَ اللهِ ما حقُّ زوجةِ أحدنا عليه؟ قال: أنتُطعِمَهاإذاطَعِمتوتكسوهاإذااكتسيتولاتضربُالوجهَولا تُقَبحِّ ولا تهجرُ إلا في البيتِ
[الألباني: (غاية المرام: 244)]
خامسا حق الزوج:
"جاء رجلٌ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بابنةٍ له فقال:يا رسولَ اللهِ هذهابنتي قد أبتْأنْتتزوَّجَفقاللها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (أطيعيأباكِ)فقالت: والَّذي بعَثك بالحقِّ لا أتزوَّجُ حتَّىتُخبِرَنيماحقُّالزَّوجِعلىزوجتِه؟ فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (حقُّالزَّوجِعلىزوجتِهأنْ لو كانت قرحةٌ فلحَستْها ما أدَّتْ حقَّه) قالت: والَّذي بعَثك بالحقِّ لا أتزوَّجُ أبدًا فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (لا تَنكحِوهنَّ إلَّا بإذنِ أهلِهنَّ)" [صحيح ابن حبان (5488)]
وعَنْ مُعَاذِ بن جَبَلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَوْ أَمَرْتُ أحدًا أنْيَسْجُدَلأَحَدٍ؛ لأَمَرْتُالمرأةَأنْتَسْجُدَلِزَوْجِها؛ من عِظَمِ حَقِّهِعليْها، ولاتَجِدُامرأةٌحَلاوَةَالإيمانِ؛ حتى تُؤَدِّيَ حقَّ زَوْجِها، ولَوْ سألَها نَفْسَها وهيَ على ظَهْرِ" [الألباني: صحيح الترغيب (1939)]"
سادسًا حق الضيف:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ليلةُالضَّيْفِحقٌّعلىكلِّمُسلِمٍ، فمَنْ أصْبَحَ الضيْفُ بِفنائِهِ، فهو لهُ عليه ديْن، إنْ شاءَ اقْتَضَى، وإنْ شاءَ تَرَكَ" [الألباني: صحيح الجامع (5470)]
وهذا أدب مهجور أن تضيفه ليلة إلا أن تتعنت أن تكون ليس لديك مكان مثلاً، إلا أن كان مسافرا فحقه ثلاثة ليال. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الضيافة ثلاثة أيام فما كان بعد ذلك فهو صدقة" [الألباني: صحيح الأدب المفرد (570)]
سابعا حق الطريق:
في الصحيحين قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم "إياكموالجلوسَفيالطرقاتِ. فقالوا: ما لنا بدٌ، إنما هي مجالسُنا نتحدثُ فيها. قال: فإذا أبيتم إلا المجالسَ، فأعطوا الطريقَ حقَّها. قالوا: وما حقُّ الطريقِ؟ قال: غضُّ البصرِ، وكفُّ الأذى، وردُّ السلامِ، وأمرٌ بالمعروفِ، ونهيٌ عن المنكرِ" [البخاري (2465)]
إذًا التسكع في الشوارع والوقوف على النواصي لا يجوز في شريعة الرحمن ومخالفة لهدي النبي العدنان. والأصل ألا تقف إلا لمصلحة وإن وقفت تقوم بهذه الحقوق وإلا فليسعك بيتك.
ثامنًا حق الحياء:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "استَحيوامنَاللَّهِحقَّالحياءِ، قُلنا: يا رسولَ اللَّهِ إنَّا لنَستحيي والحمد لله، قالَ: ليسَ ذاكَ، ولَكِنَّ الاستحياءَ منَاللَّهِحقَّالحياءِ أن تحفَظ الرَّأسَ، وما وَعى، وتحفَظَ البَطنَ، وما حوَى، ولتَذكرِ الموتَ والبِلى، ومَن أرادَ الآخرةَ ترَكَ زينةَ الدُّنيا، فمَن فَعلَ ذلِكَ فقدَ استحيا يعني:منَاللَّهِحقَّالحياءِ" [الألباني: صحيح الترمذي (2458)]
تحفظ العقل فلا يسكر بمسكر مادي (مخدرات وخمور)، ولا بمسكر معنوي (الدِش والشهوات تفسد عليه عقله)، ويحفظ البطن فيأكل الحلال ويتبع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم في آداب الطعام.
تاسعا حق الوصية:
رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلاَّ وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ." [البخاري (2738)]
عاشرًا أن تجهر بالحق:
فالجهر بالحق حق، قال النبي صلى الله عليه وسلم "أفضلُ الجهادِكلِمةُحقٍّعندَسُلطانٍأوأميرٍجائرٍ" [الألباني: صحيح الترغيب (2305)]
والإنكار يكون بالضوابط الشرعية منها:
1. أن يكون عليمًا بما يأمر عليما بما ينهى
2. أن يكون حكيمًا بما يأمر حكيما بما ينهى
3. ألا يترتب على نهيه عن المنكر منكرات أكبر منه. وهكذا كان صنيع العلماء دوما.
===================
اســــــم الله الــــــرب
اسم الله الرب تشعر فيه -حين تفهم مدلوله ومعناه- بنوع من الطمأنينة والسكينة؛
إذ أن هذا الاسم في ثنايا معناه: أنه هو- سبحانه وتعالى- هو الرازق والخالق ومدبر الأمر؛
فتشعر بأنك ترمى كل حملك على هذا الرب السيد -سبحانه وتعالى- فتشعر بالطمأنينة والسكينة،
وتشعر أنه لا ينبغي لك أن تخاف من شيء، تشعر بنوع من الأمان في ثنايا مدلول هذا الاسم الشريف. فهيا نشرع سويا في التقاط معاني هذا الاسم العظيم.
▪ أولا:ورود الاسم في الكتاب والسنة.
في القرآن:
ورد في قول الله: ﴿سَلَامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ﴾ [يس 58]، وكذلك ﴿بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ﴾ [اسبأ 15].
وورد هذا الاسم الشريف في السنة في مواضع كثيرة منها:
ç ورد في حديث ابن عباس رضي الله عنه الذي في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:<ألا وإني نُهيتُ أن أقرأَ القرآنَ راكعًا أو ساجدًا, فأما الركوعُ فعظموا فيه الربَّ> [صحيح مسلم (479)].
هنا أتى اسم الله الرب معرفًا مطلقًا ودالًّا على كمال الوصفية؛ كما هي الشروط.
ç والحديث كذلك عند الترمذي وصححه الألباني من حديث عمرو بن عبس أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
"أقرَبُ ما يَكونُ الرَّبُّ منَ العبدِ في جوفِ اللَّيلِ الآخرِ ، فإن استَطعتَ أن تَكونَ مِمَّن يذكرُ اللَّهَ في تلكَ السَّاعةِ فَكُن" [صححه الألباني في صحيح الترمذي (3579)].
ç وورد عند البخاري من حديث مالك بن صعصعة -في حديث الإسراء- أن النبي صلى اله عليه وسلم قال:
"فأتيتُ على موسى فسلمتُ عليه، فقال: مرحبًا بك من أخٍ ونبيٍّ، فلما جاوزتُ بكى، فقيل: ما أبكاكَ ؟ قال: يا ربِّ هذا الغلامُ الذي بُعِثَ بعدي ، يدخلُ الجنةَ من أمتِه أفضلُ مما يدخُلُ من أمتي" [صحيحالبخاري (3207)].
والأدلة كثيرة على أن الرب اسم من أسماء الله -تعالى- الحسنى؛سمى الله به نفسه في كتابه، وسماه به رسوله صلى الله عليه وسلم، واجتمعت فيه الشروط.
▪ ثانيًا: معنى الاسم في اللغة:
ابن الأنباري - الإمام الحافظ اللغوي ذو الفنون- كان يقول: الرب على ثلاثة أقسام :
يكون الرب بمعنى المالك، ويكون الرب بمعنى السيد المطاع، ويكون الرب بمعنى المصلح.
1) قال الزجاجي: هو المصلح للشيء، تقول رببت الشيء أربه ربًا وربابة؛ إذا أصلحته وقمت عليه.
قال الراغب: الرب في الأصل التربية وهي إنشاء الشيء حالًا فحالًا إلى حد التمام.
وفي حق الله -سبحانه وتعالى-:
الرب هو المتكفل بخلق الموجودات وإنشائها، القائم على هدايتها وإصلاحها الذي نظم معيشتها ودبر لها أمورها.
يقول الله -جل وعلا-: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّـهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ۗ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّـهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأعراف54].
فالرب هو الذي أوجد كل شيء، وأمده، ورعاه، وقام على كل نفس بما كسبت.
ففي معنى اسم الله الرب تجد: صفة الخلق، وصفة الرزق، وصفة التدبير، وتجد كذلك صفة القيويمة؛
يقول الله: ﴿أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ﴾ [الرعد 33].
2) المعنى الثاني لغةً .. الرب بمعنى المالك ، رب الشيء هو مالكه.
وهذا يفتح معنا الكلام الذي ذكرناه في اسم الله {المالك والملك والمليك} حينما تدارسنا ذلك:
قلنا أنت عبد له يصرفه كيف شاء ولا ينبغي للعبد أن يخرج عن إذن مالكه ولا عن أمره.
هو الذي ملك أمرك ففوض له أمرك واسمع ما يدعوك إليه واستجب له ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّـهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ [الأنفقال 24] يدعوك إلى ما فيه النفع لك لك فهو الأولى -سبحانه وتعالى- بأن يكون له هذه المنزلة عندك، فأولى بأن تذعن له وتخضع لقوله وتذل بين يديه .
3) الرب مصدره الربوبية، وكل من ملك شيئُا فهو ربه؛ يقال: (هذا رب الدار) و(رب الضيعة)
ولا يقال الرب معرفًا بالألف واللام مطلقًا إلا لله -عز وجل-؛ لأنه مالك كل شيء؛ فلا يقال (الرب فلان)؛ لأنه يوهم معنى آخر، فلا يطلق إلا على الله -جل وعلا-.
يقال أيضاً في معنى الربوبية: سياسة الشيء ، تدبير أمر المرء .
إذن هو -سبحانه وتعالى- الذي يدبر لك أمرك؛ فسله وحده أن يدبر لك حالك ، وفوض له أمرك.
حقيقة (الربوبية) في القرآن الكريم:
حقيقة معنى الربوبية في القرآن تقوم على ركنين اثنين:
الركن الأول: إفراد الله بالخلق، والركن الثاني: إفراده بالأمر والتدبير.
كما قال الله -تعالى- عن موسى وهو يبين حقيقة الربوبية لفرعون: ﴿قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَىٰ﴾ [طه 49]
فيشّرح له مُوسى -عليه السّلام- معنى الربوبية:
1/ ﴿قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ﴾ [طه 50]إذًا هو -سبحانه وتعالى- الخالق له، الموجد له، القائم عليه.
2/ ﴿ثُمَّ هَدَىٰ﴾ فيها معنى تدبير الأمر لكل هذه المخلوقات والهداية كما هو معلوم.
فالله -سبحانه وتعالى- أعطى كل شيء خلقه ثم هدى؛ فبين لكل إنسان وجه المطلوب منه ﴿فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾[الشمس 8]، ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾[البلد 10]فلا حجة لأحد أن ينفي عن نفسه معرفة طريق الحق من الباطل إذ بيّن الله -عز وجل- هذا الأمر في فطرة الإنسان .
إذن سيدنا موسى أجاب عن الربوبية فحصرها في معنيين جامعين:
الأول هو إفراد الله -تعالى- بخلق الأشياء وتكوينها وإنشائها من العدم.
والثاني إفراد الله -تعالى- بتدبير الأمر في خلقه كهدايتهم، والقيام على شئونهم، وتصريف أحوالهم؛
فهو -سبحانه- الذي توكل بالخلائق أجمعين، وهو القائل: ﴿اللَّـهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ [الزمر 62].
معنى (العبد الرّباني):
الله -سبحانه وتعالى- يقول: ﴿كُونُوا رَبَّانِيِّينَ﴾ [آل عمران 79].
قال الجوهري: الرباني هو المتأله العارف بالله -تعالى-.
المتأله أي العبد 1/الذليل 2/الخاضع 3/المحب؛
* لأن الألوهية معناها العبادة، والعبادة على ثلاث معانٍ: حب تام، وذل تام، على سبيل الإجلال والتعظيم.
4/عارف بالله؛ لأنه لن يصل لهؤلاء الثلاثة إلا على سبيل المعرفة.
فمن عرف الله أحبه، ومن عرف الله ذل بين يديه، ومن عرف الله وأعطاه قدره عظمه وأجله وهابه.
إذًا للعبد الرّباني أربع صفات: ذليلً، خاضعٌ، محبٌ، عارفٌ بالله -تعالى-.
تربية النفوس:
يقال: (عالم رباني) و (رجلٌ مربٍّ)؛ معناه أنه يقوم بتهذيب النفوس وتربيتها وإصلاحها.
وتقول: (رجل رباني)؛ بمعنى أنه راسخ في العلم.
والمربي ينبغي أن يكون ابتداءً رباني حتى يكون مربٍ على الجادة؛ فلابد أن يكون راسخُا في هذا العلم.
و علم تهذيب النفوس ما أصعبه، النفس تتشكل في اليوم الواحد أكثر من مئة مرة
كان الجنيد يقول:"الصادق يتقلب في اليوم أربعين مرة، والمرائي تجده على حالة واحدة أربعين سنة".
يعلق ابن القيم -رحمه الله- على هذا الكلام قائلًا: "وأبو القاسم -يعني الجنيد- رجل راسخ في فهم الصدق. فلكي يكون المرء صادقًا يتقلب أربعين مرة في اليوم، تأتى عليه الواردات من هنا ومن هنا..."
دور المربي أنه يبين لهذا الشخص الذي يربيه كيف نزوع النفس وتقلباتها، وكيف يستطيع أن يتعامل مع هذه الشبهات وهذه الواردات عليه، ولابد لهذا أن يكون له طول باع في معاملته لنفسه؛ لأنها تتلون.. تتقلب ..
فتوصل له هذه الرسالة: لا تمكث على حالة واحدة، وإذا مكثت على حالة واحدة ستبتلى بالرياء والعجب؛ فلابد أن تتقلب من ذكر لقراءة قرآن لصلوات لصدقات، فإذا أعجبت نفسك بشيء توجه لباب آخر كي لا تفتح على نفسك باب إعجاب بالعمل.
هذه هي رسالة التربية: أن تصل به إلى معنى الصدق والإخلاص وهما الركنان اللّذان يقوم عليهما هذا البناء.
▪ ثالثًا: الدعاء باسم الله (الرب).
ورود الدعاء باسم الله الرب مقيدًا ورد في نصوص كثيرة من ذلك: قول الله -تعالى-:
﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [البقرة/127]،
وقوله ﴿رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة/286]،
وقوله ﴿وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً﴾ [ الإسراء/80]
مدخل الصدق ومخرج الصدق أن يكون دخوله صادقًا وأن يكون خروجه صادقًا؛ دخوله في الشيء يحتاج قبلها إلى أن يكون عنده الإرادة والهمة والعزيمة صادقًا، في كل ذلك هو متصل بالله فالباعث بالله .. بحول الله وقوته، وكذلك المقصد لله وحال القيام بالفعل مع الله؛ فهو بالله ولله ومع الله.
إلى غير هذا من الآيات التي صدرت حال الدعاء بصفة الربوبية.
أما دعاء السؤال:
فهناك أدعية تكون بصفة الإلوهية "اللهم.. يا الله .. لا إله إلأنت. .. إلهي"
لكن الغالبية العظمى تدعو بـ"رب" لا بـ"إله" على إن إله معناها الذل والإخبات والحب والإجلال؛ لكن الأغلب يكون بصفة الربوبية وذلك لخمسة معاني:
1/صفة الخلق. 2/صفة الرزق. 3/صفة التدبير. 4/صفة الإحياء 5/والإماتة.
لذا عند طلب المغفرةتقول: "يا رب اغفر لي"، ولا تقول: "يا إلهي اغفر لي".. لأن مقام طلب المغفرة
يقتضي أنك عبد ذليل خاضع، واسم الرب بمعانيه يتماشى معه.
مقام الدعاء في قلب العبد يتماشى معه صفة الربوبية، فعندما تقول: "يا رب" .. استشعر هذا ..
لذا من آداب الدعاء كذلك:
أن ترفع يديك، وتنكس رأسك، وتقف بين يدي الله -عز وجل- مستشعرًا مقام العبودية له -جل في علاه-، وتبدأ في مناجاته والخطاب إليه، وتشعر أن ما طلبته لن يكون إلا منه...،فكل ذلك في ثنايا الربوبية وهي تتماشى مع مقام الدعاء بخلاف الألوهية.
الألوهية تقتضي أن يكون هناك علو فتوظف في بعض الأدعية كسيد الاستغفار " لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت".
▪ ثالثًا: حظ المؤمن من هذا الاسم.
1) أن تعلم أن الله -تعالى- له علو الشأن والقهر والفوقية وأوصاف العظمة والكبرياء، وأنه لا ينازع في ذلك؛ فتقتضى منك ذلًا وانكسارًا وافتقارًا.
أن يكتسي العبد ثوب العبودية، ويخلع عن نفسه رداء الربوبية.
2) أن تستشعر طوال الوقت أنك عبد له رب.
ففي قصة توبة بشر الحافي ان أحد الصالحين مر على بيته فسمع منه أثر من اللهو والموسيقى، فأطرق على بابه ففتحت له الجارية فقال : هذا بيت عبد؟ أهذا بيت عبد؟ ثم تركها وولى.
فنادى بشر على الجارية وسالها:" ماذا هنالك؟"، قالت: "جاء رجل فقال أهذا بيت عبد؟"
فوقعت في قلبه بموقع حسن وطار لها لبه وخرج في إثر الرجل حافيًا وفتح الله عليه باب التوبة.
فلما جرى خلفه، وتمرغ في التراب، وناجى الله -عز وجل- وفتح الله عليه باب التوبة بعد ذلك فكان يمشى بعدها كثيرًا حافيًا وعلم منه ذلك، فقيل له: ألا تتخذ النعال؟ قال: كان أول الأمر هكذا حافًيا.
الشاهد: أن الرجل قال كلمة واحدة " أهذا بيت عبد؟"؛ ما يفعل ذلك عبد، هذا ليس عبدًا،
لو كان عبدًا ما كان منه هذا العصيان وهو يعلم أن الله مطلع عليه.
3) من ذلك أيضًا أن يتقيه لا سيما فيمن ولاه عليهم.
4) ألا يصف نفسه بأنه رب كذا؛ تواضعًا لربه وتوحيدًا له، من باب التأدب، فثبت في ذلك حديث عند أبي داود من حديث أبى هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "لا يقولن أحدُكم عبدي وأمتي، ولا يقولن المملوكُ ربِّي وربَّتي، وليقل المالك فتاي وفتاتي، وليقلِ المملوكُ سيدي وسيدتي؛ فإنكم المملوكون والربُّ اللهُ -عز وجل-" [صححه الألباني في صحيح أبي داود (4975)].
5) الرضا .. أن يكون هو ربك وأنت راض بقدره وقضائه، وإذا رضيت عنه فاعلم أنه قد رضي عنك؛ فعلامة رضاه عنك رضاك عنه.
6) أن يسعى في إصلاح نفسه وتهذيبها وفق قواعد أهل العلم من التخلية والتحلية؛ فكما قلنا من معاني الرب الإصلاح والتهذيب، فلابد أن يضع يده كل فترة على آفات يسعى في إصلاح نفسه فيها؛ ويدونها ويشرع في تهذيب نفسه بها.
التخلية بأن يتخلى عن آفات نفسه ، وذلك وفق اسس معينة:
أ- أول مقام هو الاستعانة بالله -سبحانه وتعالى- على هذا، ويعلم أنه لن يُهذب إلا إذا شاء الله -عز وجل- له ذلك، لا بحوله ولا قوته ﴿إِنَّ اللَّـهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ [الرعد/11] إذن عليهم فقط أن يشرعوا في التغيير والله -عز وجل- يقربهم إليه.
ب- ثم بعد ذلك يأتي مقام الصدق وقاعدة الأساس: الصدق والإخلاص في طلب التغيير، وإلا فلن يتغير.
قالوا: إن من علامات الصدق التبشير من الله قبل العمل، واستدلوا بحديث أنس بن النضر لمّا قال "ليَرَيَنَّاللهُ ما أصنعُ" ، فبشّره الله فشمّ ريح الجنة "الجنةُ وربِّ النضرِ ، إني أجدُ ريحها من دونِ أُحُدٍ"[صحيح البخاري (2805)] .
فإذا صدقت -مثلًا- في طلب العلم؛ تجد الأمور فتحت وتيسرت، إذا أردت أن تغير نفسك وتسعى في تهذيبها وصدقت؛ اعلم أنك ستُرشد، هذا حال الصادق. أما الكاذب أو المرائي تجده متخبطًا متعثرًا (إنما يتعثر من لم يخلص).
ج- القاعدة الثالثة أن يعرف نفسه؛ لأنه إذا عُلم السبب سهل، ومن عرف نفسه عرف ربه.
فالتغيير هنا يقوم على داعمتين:
/ معرفته بنفسه وبمقام الذنب: وهذه تحتاج أن يضع يده طوال الوقت على عيوبه وأن تكون عيوبه طوال الوقت أمام عينيه،ولا يفتش على عيوب الآخرين؛ فلو فتش على عيوب الآخرين سيبتلى. انجُ بنفسك ابتداءً ثم بمن يكون تحت رعايتك.
فكيف تُبصر عيبك؟
.. أولًا: نقد الناقد له ونصيحة الناصح وكيفية تقبله لها ؟ هل بتكبر، أم بالمبررات حتى يظهر نفسه بريئًا؟
لأن "المؤمنُ أخو المؤمنِ" [صحيح مسلم (1414)]، وفي لفظ: "المؤمِنُ مرآةُ أخيهِ" [حسّنه الألباني في صحيح الأدب المفرد (178)]. النصيحة رسالة من الله -سبحانه وتعالى- كي أشرع في تهذيب نفسي؛ لأن الله رب فيربي.
الأمر الثاني ﴿بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ . وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ﴾ [القيامة/14-15] فهو على علم بحقيق نفسه وعيوبه، لكن بتوسط؛ دون أن يهوّل اليسير، أو يهون العظيم.
ه- المرحلة الرابعة بعد ذلك: الشروع في إصلاح ما بنفسه على علم وبصيرة.
لابد أن يعرف أن كل آفة من هؤلاء لها علاجها.. وأصل العيب هو فراغ القلب، القلب فارغ فيتمكن منه حب سوى الله؛ فيحتاج أن يشرب القلب محبة الله -عز وجل-،.
كيف تأتي محبة الله؟
/ نقطع عليه الغفلة التي جعلته ينسى الله ويتعلق بما سواه، فنعطيه في البداية جرعة ذكر، ونشرب القلب محبة الله شيئًا فشيئاً فشيئًا ونعلقه به ونزيد في الجرعة فنوهن هذا التعلق بغيره.
وفي هذا الوقت تحتاج إلى ذكر، وقرآن، وخلوة لأنه مبتلى بسبب الاختلاط.
والموضوع له بسط آخر ليس هذا الموضع لكني أردت وضع بعض القواعد الأساسية في تربية الإنسان لنفسه هذا هو مقامها مقام التربية.
7) تتذكر أن الله لو ابتلاك فهو رب يربيك.
قد تكون لديك آفة لا تستطيع التخلص منها مهما امتثلت كلام العلماء -كالعُجب مثلًا-، فيمر بك ابتلاء يكسرك ويوقفك على حقيقة نفسك؛ فتقول "ربّاني الله في هذا الموقف".
8) أحد الأشياء التي تستفيدها من اسم الله الرب قضية التدرج . . معاملتك لنفسك
في طلب العلم -مثلًا- أحقق فرض العين فأعرف ثم أتدرج، منهجية ومرحلية.
أما من يستشرف فيلتقط كبار المسائل في البدايات سينقطع به الطريق لا محالة "إِنَّ هذا الدينَ متينٌ ، فأوْغِلُوا فيه بِرِفْقٍ" [حسّنه الألباني في صحيح الجامع (2246)].
هذه كانت بعض اللطائف حول هذا الاسم الجميل .. اسم الله تعالى الرب
وأرجو أن نتفاعل مع هذا الاسم وجدانيًا -لاسيما في مقامات الدعاء رب-
نسأل الله تعالى أن ينفعنا بما علمنا وأن يجعله حجةً لنا لا علينا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق