ج2. صفات النبي صلي الله عليه وسلم
لما أعطى الله - سبحانه وتعالى- لرسوله المكانة الرفيعة والدرجة العالية، وهدى الناس إلى محبته -عليه الصلاة والسلام-، وجعل اتباعه من محبته فقال عز من قائل: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } (31) سورة آل عمران. فكان هذا من الأسباب التي جعلت القلوب تهفو إلى محبته -عليه الصلاة والسلام-، وتتلمس الأسباب التي توثق الصلة فيما بينها وبينه -عليه الصلاة والسلام-، ومنذ بزوغ فجر الإسلام والمسلمون يتسابقون إلى إبراز محاسنه، من أقوال وأفعال وأعمال, وما زال المسلمون يهتمون اهتماماً كبيراً بذكر أخباره -عليه الصلاة والسلام-، وتتبع ثرواته وممتلكاته. وهذا إن دل فإنما يدل على اهتمام العلماء بالحفاظ على السنة المطهرة, وهذا مصداقاً لقول الله عز وجل: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (9) سورة الحجر. فحفظ السنة حفظاً للقرآن؛ لأنها جاءت مفسرة لمعانيه. وإننا في هذا المبحث سنذكر أملاكه -عليه الصلاة والسلام- لما لذلك من أهمية في ذكر أخبار نبينا وحبيبنا محمد -عليه الصلاة والسلام-.
وقد يسأل سائل لماذا ذِكْرُ أملاك النبي-صلى الله عليه وسلم-وما هي الفائدة من وراء ذلك؟
أقول: إن في ذلك فوائد جمة لا يعرفها كثير من الناس, فمن هذه الفوائد ما يلي:
1. الدلالة الواضحة على حرص المسلمين والحفاظ على سنة إمامهم ونبيهم محمد -عليه أفضل الصلاة والسلام, فإذا كانوا يذكرون مما يتعلق به من هذه الأشياء الصغيرة التي لا يضر المسلم الجهل بها, فإنهم من باب أولى وأحرى أن يهتموا بالجوانب الأخرى من ضبط مسائل الدين التي فيها العقائد والتشريعات والحلال والحرام التي في إتباعها سعادة حياتهم وأُخراهم، وإذا كان ذلك كذلك فقد اهتموا بسيرة الرسول أيما اهتمام فذكروا كل ما قاله وما فعله وما أقره, وهذا حفظ للسنة الغراء المطهرة على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم. ومصداقاً لقول الله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (9) سورة الحجر. التعرف الصحيح على حياته وما كان يعيش عليه الرسول -عليه الصلاة والسلام- بعيداً عن المغالاة والترف الذي اعتاد عليه المترفون والمنعمون, وبيان أنه-بأبي وأمي-لم تكن من عنايته واهتمامه أن يتملك وأن يتنعم وأن يتلذذ فقد كان لا يملك شيئاً من هذه الدنيا إلا شيئاً لا يكاد يُذكر, وأنه لم يهتم بشيء مما يهتم به القوم. فهذه صورة واضحة لمن أراد أن يعرف حقيقة أملاكه -عليه الصلاة والسلام-.
2. القناعة بما عند الإنسان من متاع يسير في هذه الدنيا, إقتداء بما كان عليه سيد ولد آدم - صلى الله عليه وسلم - وهو خير من وطأ الثرى.
3. شفاء قلوب المحبين , فإن الحبيب يحب أن يسمع كل شيء عن محبوبه, والأمة المحمدية كلها –إن شاء الله –محبة لرسول الله –صلى الله عليه وسلم-, ولا نتصور مؤمناً يخلو قلبه من محبة المصطفى –صلى الله عليه وسلم- فلذلك جميع الأمة مشتاقة لسماع كل شيء عن حبيبهم -عليه الصلاة والسلام-, و هم مشتاقون لذكر أخباره .
4. معرفة حقارة الدنيا عند الله وعند رسوله حيث أنه -عليه الصلاة والسلام- لم يشتغل بجمع الأثاث والعقارات والمراكب، وإنما اكتفى بما كان عليه من قلة في الأملاك موافقة عملية منه لقدر الدنيا عند الله فقد قال -عليه الصلاة والسلام-: (لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافر منها شربة ماء) رواه الترمذي، كتاب الزهد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في هوان الدنيا على الله – عز وجل - رقم(2320). وذِكْرُ أملاكه -عليه الصلاة والسلام- يدل دلالة واضحة أنه لم يكن همه وعنايته الدنيا كغالب الناس وإنما كان همه الدعوة إلى الله والتبليغ للدين والجهاد في سبيل الله ================نبذة عن لبسه صلي الله عليه وسلم
قد يقول قائل - حسن النية أو غير حسن النية - ما الفائدة من إنشاء بحث كامل في ملبس النبي - صلى الله عليه وسلم -وما الفائدة أو الفوائد التي تعود على المسلمين مثل هذه الأبحاث ؟
ونجيب عن ذلك – باختصار - فنقول:
إنَّ أيَّ مُحب للنبي - صلى الله عليه وسلم - لا ينبغي أن يسأل هذا السؤال، ولو لم تكن إلا المحبة، لكانت كافية لاستعراض كُلِّ ما يتعلَّق بالحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم - فكيف واستعراض ما يتعلق بملبسه - صلى الله عليه وسلم -يبين أموراً متعددة، يبين تواضعه وأن ليس كالملوك الذين لا هم لهم إلا الترفه والتعالي والجمع والإمساك، ويبين أيضاً مدى مراقبة الصحابة لكل ما يتعلق بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا كان الصحابة ينقلون لنا لون الحلة التي لبسها ونوع الأكمام التي يدخل فيها يديه الشريفتين، فكيف يكون حرصهم في نقل ما يتعلق بالعقائد والأحكام والحلال والحرام؟ وكيف يكون حرصهم في نقل كلام الله تعالى" القرآن الكريم "، وأيضاً من استعراض ملبسه يمكن أن نتعرف على ما حُرِّم من الملبس كثياب الحرير وخاتم الذهب وغير ذلك، وكذلك نتعرف على إباحة ما نتوهم تحريمه، ونعلم أن الأصل في الملبس الإباحة، إلا ما ورد دليل يدل على منعه، وكذلك من استعراض هذا الموضوع يمكن أن نستفيد فوائد عرضت في هذه الأحاديث مثل مدى طاعة الصحابة للنبي - صلى الله عليه وسلم -فمثلاً في أحد هذه الأحاديث لما ألقى خاتم الذهب ألقوه جميعاً ولم يلبسوه بعد، وهناك فوائد متعددة ولكن هذا ما سمحت به هذه المقدمة للرد على هذه الشبهة فكم لشياطين الإنس والجن من شبهات، نسأل الله أن يعيذنا من مضلات الفتن، وأن يذيقنا حلاوة الإيمان إنه هو الكريم المنان.
وبعد فهذا آوان الشروع في الموضوع، فنقول:
أولاً : بعض آدابه عند لباسه:
1. البدء بميامنه:
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا لبس قميصاً بدأ بميامنه1. وعنه أيضا ًقال: كان إذا لبس قميصا بدأ بميامنه2.
وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت : كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُعجبهالتيمن في تنعله وترجله وطهوره، وفي شأنه كله3.
2. دعائه إذا استجدَّ ثوباً:
عن أبي سعيد قال: كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إذا استجدَّ ثوباً سمَّاه باسمه إزاراً كان أو قميصاً أو عمامة، ثم يقول: (اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه أسالك من خيره وخير ما صُنع له، وأعوذ بك من شره وشر ما صُنع له)4.
3. دعائه - صلى الله عليه وسلم - لمن رأى عليه ثوباً جديداً:
عن ابن عمر- رضي الله عنه - : أَنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم- رأى على عمر قميصاً أبيض فقال: " ثوبك هذا غَسيل أم جديد؟ " قال: لا بل غسيل، قال: (البس جديداً، وعِش حميداً، ومُت شهيداً)5.
ثانياً: عمامته - صلى الله عليه وسلم-:
كانت له عمامة تُسمَّى: السحاب، كساها علياً، وكان يلبسها ويلبس تحتها القلنسوة. وكان يلبس القلنسوة بغير عمامة، ويلبس العمامة بغير قلنسوة. وكان إذا اعتم، أرخى عمامته بين كتفيه6.
وعن عمرو بن حُريث قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر وعليه عمامة سوداء قد أرخى طرفيها بين كتفيه7. وفي مسلم أيضاً، عن جابر بن عبد الله أَنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم- دخل مكة وعليه عمامة سوداء)8. وعن ابن عمر - صلى الله عليه وسلم - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا اعتم سدل عمامته بين كتفيه9.
وعن ابن عباس قال: خرج رسولُ - صلى الله عليه وسلم - وعليه مِلْحفة متعطفاً بها على منكبيه وعليه عصابة دسماء10. وعن أنس - صلى الله عليه وسلم - قال: رأيت رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم- يتوضأ وعليه عمامة قِطْريَّة11. قال القسطلاني في "المواهب اللدنية": فقد كانت سيرته - صلى الله عليه وسلم - في ملبسه أتم وأنفع للبدن ، وأخفه عليه ، فإنه لم تكن عمامته بالكبيرة التي يُؤذي حملها ، ويضعفه ، ويجعله عرضة للآفات، كما يُشاهد من حال أصحابها، ولا بالصغيرة التي تقصر عن وقاية الرأس من الحر والبرد، بل وسطاً بين ذلك، وكان يُدخلها تحت حنكه، فإنها تقي العنق من الحر والبرد، وهو أثبت لها عند ركوب الخيل والإبل، والكر والفر، وكذلك الأردية والأزر أخف على البدن من غيره12.
والعمامة كل ما يلف على الرأس. وعن عبد الرحمن بن عوف يسأل بلالاً عن وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: كان يخرج يقضي حاجته، فآتيه بالماء، فيتوضأ ويمسح على عمامته وموقيه13.
ثالثاً: قلنسوته - صلى الله عليه وسلم-:
(القَلَنْسُوَة) بفتح القاف واللاَّّم وسكون النون وضم المهلة وفتح الواو: غشاءٌ مبطَّن يستر الرأس، فهي من ملابس الرأس، كالبرنس الذي تغطى به العمامة من نحو شمس ومطر. قال ابن العربي: القلنسوة من لباس الأنبياء والصالحين السالكين، تصون الرأس ، وتمكن العمامة14. وقال في الإحياء: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلبس القلانيس بالعمامة، وبغير عمامة، وربما نزع قلنسوة من رأسه، فيجعلها سترة بين يدية، ثم يصلي إليه15. وقال ابن القيم - رحمه الله-: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يلبس القلنسوة بغير عمامة ويلبس العمامة بغير قلنسوة16. وعن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يلبس قلنسوة بيضاء17. وعن ابن عباس قال: كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم- ثلاث قلانس، قلنسوة بيضاء مضربة، وقلنسوة برد حبرة، وقلنسوة ذات آذان في السفر، وربما وضعها بين يديه إذا صلَّى18.
رابعاً: تقنعه - صلى الله عليه وسلم -:
عن ابن عمر - رضي الله عنهما- قال : لما مَرَّ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بالحِجْر قال : ( لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم أن يُصيبكم ما أصابهم، إلا أن تكونوا باكين). ثم قنَّع رأسه، وأسرع حتى أجاز الوادي19. وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت : بينا نحن جلوس في بيتنا في نحر الظهيرة، فقال قائل لأبي بكر: هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقبلاً متقنع20. وعن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكثر تسريح لحيته ورأسه بالماء ثم تقنع كأن ثَوب زيًّات21. وعن أسامة بن زيد - رضي الله عنه -قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أدخل عليَّ أصحابي). فدخلوا عليه، فكشف القِنَاع، ثم قال: (لعن الله اليهود النصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)22. وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مُتَقَنِّعاً بثوبه فقال: (يا أيها الناس، إن الناس يكثرون، وإن الأنصار يقلُّون. فمن ولي منكم أمراً ينفع فيه أحداً، فليقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم)23. قال الحافظ - رحمه الله تعالى-: (متقنعاً) أي مغطياً رأسه، وفي رواية موسى بن عقبة عن ابن شهاب: قالت عائشة: وليس عند أبي بكر إلا أنا وأسماء " قيل فيه جواز لبس الطيلسان، وجزم ابن القيم بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يلبسه ولا أحد من أصحابه، وأجاب عن الحديث بأن التقنع يخالف التطليس، قال: ولم يكن يفعل التقنع عادة بل للحاجة، وتعقب بأن في حديث أنس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يكثر التقنع. وفي طبقات ابن سعد مرسلا ذكر الطيلسان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (هذا ثوب لا يُؤدي شكره)24. وقال التُّوربشتي في قول ابن عمر- رضي الله عنه – (تَقَنَّع): أي لبس قناعاً على رأسه وهو شبه الطيلسان25.
خامساً : قميصه - صلى الله عليه وسلم -:
القميص : هو اسم لما يُلبسُ من المخيطِ الذي له كُمَّانِ وجَيْبُ، يُلبس تحت الثياب ولا يكون من صوفٍ ؛ كذا في " القاموس "، مأخوذ من التقمُّصِ، بمعنى: التَّقلّب لتَّقلَّّب الإنسان فيه، وقيل سمي باسم الجلدة التي هي غلاف القلب، فإن اسمها القميص26. قال ابن القيم - رحمة الله-: ولبس القميص ، وكان أحبَّ الثياب إليه ، وكان كُمُّه إلى الرُّسغ27.
عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما- قال : لما كان يوم بدر، أتي بالعباس، ولم يكن عليه ثوب، فنظر النبي - صلى الله عليه وسلم - له قميصاً، فوجدوا قميص عبد الله بن أبي يُقدر عليه، فكساه النبي - صلى الله عليه وسلم - إياه، فلذلك نزع النبي - صلى الله عليه وسلم - قميصه الذي ألبسه، قال ابن عيينة : كانت له عند النبي - صلى الله عليه وسلم - يد، فأحب أن يكافئه28. وعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما- قال: أتى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عبدَ الله بن أُبي بعد ما أُدخل قبره، فأُمر به فأُخرج، ووُضِع على ركبتيه، ونفث عليه من ريقه، وألبسه قميصه29.
وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: لما تُوفي عبد الله بن أبي، جاء ابنُه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، أعطني قميصك أُكفِّنه فيه، وصلِّ عليه، واستغفر له. فأعطاه قميصه، وقال : (إذا فرغت منه فآذنا). فلما فرغ آذنه به، فجاء ليُصلِّي عليه، فجذبه عمرُ فقال: أليس قد نهاك الله أن تُصلِّي على المنافقين؟، فقال: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ} سورة التوبة(80). فنزلت: {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ} سورة التوبة(84). فترك الصلاة عليهم30.
وعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال : أتى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن أُبي بعد ما أُدخل حفرته، فأمر به فأُخرج، فوضعه على ركبتيه،ونفث عليه من ريقه، وألبسه قميصه، فالله أعلم، وكان كسا عباسا قميصا. قال سفيان: وقال أبو هارون: وكان على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قميصان، فقال له ابن عبد الله: يا رسول الله، ألبس أبي قميصك الذي يلي جلدك. قال سفيان: فيرون أن النبي - صلى الله عليه وسلم- ألبس عبدالله قميصه، مكافأة لما صنع31.
وعن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت: كان أحب الثياب إلى رسول الله يلبسهالقميص32.
وعن معاوية بن قرة عن أبيه قال: أتيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - في رَهْطٍ فبايعناه، وإنَّ قميصه لمطلقٌ، ثم أدخلت يدي في جيب القميص، فنسيت الخاتم. فقال عروة: فما رأيت معاوية ولا ابنه إلا مُطلقي إزارهما في شتاء ولا حر33.
وعن أنس - رضي الله عنه - قال : كان لرسول الله قميصٌ من قطن، قصير الطول، قصير الكمين34.
وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم- يلبس قميصاً فوق الكعبين مستوى الكُميَّن بأطراف أصابعه35.
وعن أنس بن مالك : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج وهو يتوكأ على أسامة بن زيد متوشحاً في ثوب قِطْري، فصلَّى بهم36. وعن أبي جُحيفة عن أبيه قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة ، وهو في قبة حمراء من أدم، فخرج بلال فأذن ، فكنت أتتبع فمه هاهنا وهاهنا ، قال ثم خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليه حلة حمراء، برود يمانية قطري37.
سادساً: سراويله - صلى الله عليه وسلم -:
عن سُويد بن قيس قال: جلبت أنا ومخرمة العبدي بزاً من هجر فأتينا به مكة، فجاءنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمشي ، فساومنا بسراويل فبعناه ، وثَمَّ رجل يزن بالأجر ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زِن وأرجح38. وعن سماك بن حرب قال: سمعت مالكاً أبا صفوان بن عميرة قال : بعتُ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رِجْلَ سراويل قبل الهجرة فوزن لي فأرجح لي39.
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -قال: (من لم يجد إزاراً فليلبس سراويل، ومن لم يجد نعلين فليلبس خفين)40.
1 - رواه الترمذي، كتاب اللباس، باب ما جاء في القمص، وصححه الألباني في صحيح الترمذي ، رقم(1445).
2 - صحيحه الألباني في "صحيح الجامع" (4779).
3 - أخرجه البخاري- الفتح، كتاب الوضوء، باب التيمن في الوضوء والغسل(1/324) برقم (168).
4 - رواه أبو داود، كتاب اللباس، باب ما يقول إذا لبس ثوباً جديداً، وصححه الألباني في صحيح أبي داود برقم (3393).
5 - صححه الألباني في صحيح ابن ماجه (2863).
6 - راجع: زاد المعاد (1/135).
7 - أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب جواز دخول مكة بغير إحرام(2/990) رقم (1359).
8 - أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب جواز دخول مكة بغير إحرام (2/990) رقم (1358).
9 - سنن الترمذي كتاب اللباس عن رسول الله، باب في سدل العمامة بين الكتفين رقم (1736). وصححه الألباني في "السلسة الصحيحة" رقم (716).
10 - البخاري- الفتح، كتاب المناقب، باب قول النبي اقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم رقم (3800) .
11 - راجع: ضعيف أبي داود للألباني، كتاب الطهارة، باب المسح على العمامة، رقم (25).
12 - راجع "المواهب اللدنية بالمنح المحمدية" (2/427).
13 - سنن أبي داود، كتاب الطهارة، باب المسح على الخفين. وصححه الألباني في صحيح أبي داود برقم (139).
14 - راجع: كتاب "منتهى السُول على وسائل الوصول إلى شمائل الرسول" (1/432).
15 - راجع "سبل الهدى الرشاد". (7/285).
16 - راجع : "زاد المعاد" (1/135).
17 - مجمع الزوائد والجامع الصغير للسيوطي، وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع الصغير" (4/234) و"السلسلة الضعيفة" برقم (2538).
18 - ذكر السيوطي نحوه في الجامع الصغير وأشار إلى ضعفه، وقال الألباني: ضعيف جد. ذكره في الأحاديث الضعيفة رقم (2538) ؛ وضعيف الجامع الصغير وزيادته (4/233- 234).
19 - البخاري، كتاب المغازي، باب نزول النبي - صلى الله عليه وسلم -الحِجْر (7/731) رقم (4419).
20 - صححه الألباني في صحيح أبي داود، كتاب اللباس، باب في التقنع، رقم (3441).
21 - . رواه ابن سعد 1/2/170).
22 - رواه أحمد في مسنده (1/218،518) وأبو عوانة (1/399).
23 - رواه أحمد في مسنده (1/289).
24 - فتح الباري (6/277).
25 - راجع: " سبل الهدى والرشاد " (7/289).
26 - راجع :" منتهى السُّول على وسائل الوصول إلى شمائل الرسول " (1/432).
27 - " زاد المعاد"(1/137).
28 - . البخاري- الفتح، كتاب الجهاد والسير، باب الكسوة الأسارى، (6/167) رقم (3008).
29 - . البخاري- الفتح، كتاب اللباس، باب لبس القميص (10/277) برقم (5795).
30 - . البخاري – الفتح، كتاب اللباس، باب لبس القميص(10/277) رقم (5796) .
31 - البخاري – الفتح، كتاب الجنائز، باب هل يخرج الميت من اللحد والقبر لعلة (3/254) رقم (1350).
32 - . أبو داود في سننه، كتاب اللباس، باب ما جاء في القميص (4/321)، وصححه الألباني في "مختصر الشمائل"صـ( 46).
33 - سنن أبي داود، كتاب اللباس، باب حل الأزرار، وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه" رقم (3578).
34 - ذكره السيوطي في الجامع ورواه ابن سعد في الطبقات. وضعفه الألباني في السلسة الضعيفة برقم (2458)، وفي ضعيف الجامع (4/235).
35 - رواه ابن سعد (1/458) وأبو نعيم (2/347) وذكره السيوطي في الجامع، وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (4/234).
36 - رواه أحمد، وصححه الألباني في "مختصر الشمائل المحمدية"صـ (49).
37 - صححه الألباني في "صحيح أبي داود "(488).
38 - صححه الألباني في "صحيح أبي داود"(2854).
39 - صححه الألباني في كتابه صحيح ابن ماجه-(1806).
40 - البخاري – الفتح، كتاب اللباس، باب السراويل(10/284) رقم (5804). =====
ذكر حربته ( صلى الله عليه وسلم ) وعنزته:
عن ابن عمر- رضي الله عنه-:( أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كانت تركز له الحربة فتوضع بين يديه فيصلي إليها. والنَّاس وراءه وكان يفعل ذلك في السفر فمن ثم اتخذها الأمراء). البخاري – الفتح ( 1/ 685) رقم ( 498) – كتاب الصلاة – باب الصلاة إلى الحربة.
وعن الحكم سمعت أبا جُحيفة-رضي الله عنه – قال:(خرج رسول الله(صلى الله عليه وسلم)بالهاجرة إلى البطحاء فتوضأ ثم صلّى الظهر ركعتين والعصر ركعتين وبين يديه عنزة). البخاري – الفتح ( 1/ 3) رقم ( 187) – كتاب الوضوء – باب استعمال فضل وضوء الناس.
قال الصالحي الشامي: وعدد الحراب خمس:
الأولى: حربة يقال لها النبعة. روى الطبراني عن ابن عباس-رضي الله عنهما- قال: (كان لرسول(صلى الله عليه وسلم)حربة تسمى النَّبعاء) الطبراني في المعجم الكبير، (11/111).
الثانية: البيضاء، وهي أكبر من الأولى.
الثالثة: العَنَزة، وهي صغيرة شبه العُكازة يمشي بها بين يديه في الأعياد، حتى تركز أمامه، فتتخذ سترة يصلي إليها وكان يمشي بها أحياناً.
وروى بن أبي شيبة عن ابن عمر - رضي الله عنهما- قال: (كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) تغرز له العنزة ويصلي إليها). قال عبد الله: وهي الحربة.
الرابعة: السهد.
الخامسة: القمرة.
روى عن ابن عباس - رضي الله عنهما- قال: (كان لرسول الله(صلى الله عليه وسلم)حربة تسمى القمرة)
انظر سبل الهدى الرشاد (7/365-366).
ذكر منائحه ( صلى الله عليه وسلم ):
عن لقيط بن صبرة - رضي الله عنه - قال: (كنت وافد بني المنتفق أو في وفد بني المنتفق، فأتينا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فلم نصادفه في منزله وصادفنا عائشة، فأوتينا بقناع فيه تمر، والقناع الطّبق، وأمرت لنا بخزيرة فصنعت لنا، ثم أكلنا، فلم نلبث أن جاء رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال: (هل أكلتم شيئاً؟ هل أمر لكم بشيء؟) فقلنا: نعم، فلم نلبث أن دفع الراعي غنمه إلى المراح فإذا شاة تيعر، فقال: هيه يا فلان ما وَلَّدت؟) قال: بَهْمَة قال: (فاذبح لنا مكانها شاة) ثم انحرف إلي فقال: (لا تحسبن أن من أجلك ذبحناها، لنا غنم مائة، لا نريد أن تزيد، فإذا وَلَّّد الراعي بَهْمة ذبحنا مكانها شاة). سنن أبي داود، وصححه الألباني في صحيح أبي داود ( 1/ 29) رقم ( 129) - كتاب الطهارة -في الاستنثار.
وروى ابن سعد عن إبراهيم بن عبد، قال:( كانت منائح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الغنم عشراً.
الأولى: عَجْوة. الثانية: زَمْزم. الثالثة: سُقيا. الرابعة: بَرَكة. الخامسة: وَرْسَة.
السادسة: إطْلال. السابعة: إطْراق. الثامنة: قُمْرة. التاسعة: غَوثَة أو غَوْثيّة.
قال ابن الأثير: كانت له(صلى الله عليه وسلم)شاة تسمى غَوْثة، وقيل غيثة، وعنَزْ تسمى اليُمن.
وروى ابن سعد عن ابن عباس-رضي الله عنهما- قال: كانت لرسول الله(صلى الله عليه وسلم)أعنُزُ صنائح ترعاهن أم أيمن.راجع سبل الهدى والرشاد (7/412-413).
وروى أيضاً عن محمد بن عبد الله الحصين قال:(كانت ترعى منائح رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) بأحد وتروح كل ليلة على البيت الذي يدور فيه رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) منها شاة تسمى قمراً، ففقدها يوماً، فقال: (ما فعلت؟) فقالوا: ماتت يا رسول الله، قال: (ما فعلتم بإهابها؟) قالوا: ميتة، قال: (دباغها طَهورها) أخرجه ابن سعد في طبقاته (1/496).
ذكر لقاحه ( صلى الله عليه وسلم ):
روى ابن مسعود عن معاوية بن عبد الله بن أبي رافع قال: (كانت لرسول الله(صلى الله عليه وسلم)لِقاح وهي التي أغار عليها القوم بالغابة وهي عشرون لقحة، وكانت التي يعيش بها أهل محمد(صلى الله عليه وسلم)يراح إليه كل ليلة بقربتين من لبن، وكان فيها لقائح لها غرز كما في الهدى خمس وأربعون، لكن المحفوظ من أسمائهن سنذكره.
الأولى: الحناء. الثانية: السَّمراء. الثالثة: العرِيس. الرابعة: السَعْدية. الخامسة: البَعوم، بالباء الموحدة، والعين المعجمة.
يراح إليه لبنهن كل ليلة، وكان فيها غلام لرسول الله(صلى الله عليه وسلم)يسمى يساراً، فاستاقها العرنيون وقتلوا يساراً ونحروا الحِناء.
السادسة: الرِّياء.
السابعة: بَرْدة كانت تحلب كما تحلب لِقْحتان غزيرتان، أهداها له الضحاك بن سُفيان الكلابي.
الثامنة: الحُفْدة.
التاسعة: صُهْرة أرسل بها سعد بن عُبادة من نَعَم بن عقيل.
العاشرة: الشقراء أو الرَّياء ابتاعها بسوق النَّبط من بني عامر، وقيل: كانت له لقحة تدعى سورة.
وروى ابن سعد عن أم سلمة-رضي الله عنها- قالت:( كان عيشنا مع رسول الله(صلى الله عليه وسلم)لَقَائح بالغابة، كان قد فرقها على نسائه، فكانت لي منها لقمة تسمى العريس فكان لنا منها ما شئنا من اللبن، وكانت لعائشة لقيحة تسمى السَّمراء غزيرة، ولم تكن كلقحتي، فقرب راعيهن اللَّقاح إلى مرعى الغابة تصيب من أثلها وطِرْفائها فكانت تروح على أبياتنا، فتؤتى بها فيْحلبان فيأخذ لقحة يعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أغزر منها بمثل لبنها أو أكثر). انظر سبل الهدى و الرشاد (7/7/408). ======
يُروى أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر رضي الله عنه ومولاه ودليلهما، خرجوا من مكة ومَرّوا على خيمة امرأة عجوز تُسمَّى (أم مَعْبد)، كانت تجلس قرب الخيمة تسقي وتُطعِم، فسألوها لحماً وتمراً ليشتروا منها، فلم يجدوا عندها شيئاً. نظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى شاة في جانب الخيمة، وكان قد نَفِدَ زادهم وجاعوا.
سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- أم معبد: (ما هذه الشاة يا أم معبد؟)
فأجابت أم معبد: شاة خلَّفها الجهد والضعف عن الغنم.
قال الرسول -صلى الله عليه و سلم-: (هل بها من لبن؟)
ردت أم معبد: بأبي أنت وأمي ، إن رأيتَ بها حلباً فاحلبها!.
فدعا النبي -عليه الصلاة و السلام- الشاة، ومسح بيده ضرعها، وسمَّى الله -جلَّ ثناؤه-، ثم دعا لأم معبد في شاتها حتى فتحت الشاة رِجليها، ودَرَّت. فدعا بإناء كبير، فحلب فيه حتى امتلأ، ثم سقى المرأة حتى رويت، و سقى أصحابه حتى رَوُوا (أي شبعوا)، ثم شرب آخرهم، ثم حلبَ في الإناء مرة ثانية حتى ملأ الإناء، ثم تركه عندها وارتحلوا عنها ... وبعد قليل أتى زوج المرأة (أبو معبد) يسوق أعنُزاً يتمايلن من الضعف، فرأى اللبن!!.
قال لزوجته: من أين لكِ هذا اللبن يا أم معبد و الشاة عازب (أي الغنم) ولا حلوب في البيت؟!!.
أجابته: لا والله، إنه مَرَّ بنا رجل مُبارَك من حالِه كذا وكذا.
فقال لها أبو مـعبد: صِفيه لي يا أم مـعبد !!.
أم معبد تَصِفُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (رأيت رجلاً ظاهر الوضاءة، أبلَجَ الوجهِ (أي مُشرِقَ الوجه)،لم تَعِبه نُحلَة (أي نُحول الجسم) ولم تُزرِ به صُقلَة (أنه ليس بِناحِلٍ ولا سمين)، وسيمٌ قسيم (أي حسن وضيء)، في عينيه دَعَج (أي سواد)، وفي أشفاره وَطَف (طويل شعر العين)، وفي صوته صحَل (بحَّة و حُسن)، و في عنقه سَطع (طول)، وفي لحيته كثاثة (كثرة شعر)، أزَجُّ أقرَن (حاجباه طويلان و مقوَّسان و مُتَّصِلان)، إن صَمَتَ فعليه الوقار، و إن تَكلم سما و علاهُ البهاء، أجمل الناس و أبهاهم من بعيد، وأجلاهم و أحسنهم من قريب، حلوُ المنطق، فصل لا تذْر ولا هذَر (كلامه بَيِّن وسط ليس بالقليل ولا بالكثير)، كأنَّ منطقه خرزات نظم يتحَدَّرن، رَبعة (ليس بالطويل البائن ولا بالقصير)، لا يأس من طول، ولا تقتَحِمُه عين من قِصر، غُصن بين غصين، فهو أنضَرُ الثلاثة منظراً، وأحسنهم قَدراً، له رُفَقاء يَحُفون به، إن قال أنصَتوا لقوله، وإن أمَرَ تبادروا لأمره، محشود محفود (أي عنده جماعة من أصحابه يطيعونه)، لا عابس ولا مُفَنَّد (غير عابس الوجه، وكلامه خالٍ من الخُرافة).
قال أبو معبد: هو والله صاحب قريش الذي ذُكِرَ لنا من أمره ما ذُكِر بمكة، و لقد همَمتُ أن أصحبه، ولأفعَلَنَّ إن وَجدتُ إلى ذلك سبيلا.
و أصبح صوت بمكة عالياً يسمعه الناس، و لا يدرون من صاحبه و هو يقول :
رفيقين حلا خيمتي أم معبــد ****
جزى الله رب الناس خيرَ جزائه
فقد فاز من أمسى رفيق محمد ****
هما نزلاها بالهدى و اهتدت به
أخرجه الحاكم و صححه ، ووافقه الذهبي.
- وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: (رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ليلة إضْحِيانٍ، وعليه حُلَّة حمراء، فجعلتُ أنظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإلى القمر، فإذا هو عندي أحسنُ من القمر). الترمذي-كتاب الأدب عن رسول الله –باب ماجاء في الرخصة في لبس الحمرة للرجال (5/109) برقم (2811) .(إضحِيان هي الليلة المقمرة من أولها إلى آخرها).
- وما أحسن ما قيل في وصف الرسول - صلى الله عليه وسلم -:
ثِمال اليتامى عِصمة للأرامل وأبيض يُستَسقى الغمام بوجهه
(ثِمال: مُطعِم ، عصمة: مانع من ظُلمهم).
ومما جاء في اعتدال خَلقِه-صلى الله عليه وسلم -:
قال هند بن أبي هالة رضي الله عنه: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معتدل الخلق، بادن متماسك، سواء البطن والصدر)، "مجمع الزوائد" للهيثمي (8/273).
وقال البراء بن عازب -رضي الله عنه-: (كان رسول الله أحسن الناس وجهاً وأحسنهم خَلقاً). البخاري، الفتح-كتاب المناقب-باب صفة النبي- (6/652) برقم (3549).
=====
ربما يرد سؤال-هنا- بأن يُقال: قد علمنا الفائدة من معرفة صفات النبي الخُلقية ، وهي الاقتداء به والاهتداء بهديه في تلك الأخلاق التي يحتاج إليها البشرية ، ولكن ما الفائدة من ذكر صفات النبي الخَلقية ؟، وماذا يستفيد الناس من كون النبي كان طويلاً أو أبيض ، أو لم يكن في شعره بياض؟! ، ولماذا تُسوَّد الصفحات في هذا الشأن ، ولن يقتدي الناسُ به –بأبي وأمي – في كونه طويلاً أو شعره أسود ليس فيه بياض ، أو غير ذلك من هذه الأوصاف التي ترد في صفاته الخَلقية؟
الجواب : إذا علمنا حقيقة الأمور سنعرف أن ذكر أوصاف النبي الخَلقية لا تقل أهمية عن ذكر أوصاف النبي الخُلقية ، وينبغي أن تتسع عقولنا وقلوبنا لنفهم هذا الأمر المهم ونحل هذا الإشكال الذي يتكرر ويتردد في مثل هذه الأمور ، ونقول إن السر الأساس في هذه المسألة ، ومفتاحها هو " الحب" نعم الحب الذي لايفهمه بعض القاسية قلوبهم ، وكثير من الماديين ، ومن المعلوم أن التدين أو التعبد يقوم بصورة أساسية على المحبة ، محبة الله تعالى ومحبة رسوله ومحبة المؤمنين ، ومحبة الصالحين والأولياء الصادقين ومحبة الدين، فالمحبة عنصر رئيس في الدين ، حتى فُسِّرت العبادة التي خُلق الخلق لأجلها كما في قوله تعالى : " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" ، فسرت العبادة بأنها " غاية الحب مع غاية الذل " ، فهذا الدين قائم على المحبة ، بل بين الله تعالى وبين رسوله –صلى الله عليه وسلم - أن هذه المحبة واجبة لا يصلح الإيمان بدونها ويصبح الإيمان دعوى فارغة لا حياة فيها ولا عمل، فقد قال الله - تعالى-: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} (24) سورة التوبة. فكفى بهذا حضاً وتنبيهاً ودلالةً وحجةً على التزام محبته ووجوب فرضها، وعِظم خَطَرِها، واستحقاقه لها - صلى الله عليه وسلم -، إذ قرَّع اللهُ تعالى من كان مالُه وأَهلُه وولدُه أحبَّ إليه من الله ورسوله وأوعدهم بقوله تعالى: ((فتربصوا حتى يأتي الله بأمره)) ثم فسَّقهم بتمامِ الآيةِ وأعلمهم أنهم ممن ضل ولم يهده الله.
وعن أنس - رضي الله عنه –: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال: (لا يُؤمن أحدُكم حتى أكونَ أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين). رواه البخاري ومسلم
وعن أنسٍ - رضي الله عنه – عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ثلاثٌ مَن كُن فيه وجد بهن حلاوةَ الإيمانِ : أن يكون الله ورسولُه أحبَّ إليه مما سواهما،وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله،وأن يكره أن يعود في الكفر كما يَكْرَهُ أن يقذف في النار.)
وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه – أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: لأنت أحب إليّ من كل شيءٍ إلا نفسي التي بين جنبيّ.. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لن يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه) فقال عمر: والذي أنزل عليك الكتاب لأنت أحبُّ إلي من نفسي التي بين جنبي.. فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: ( الآن يا عمر) رواه البخاري.
وقد بلغت محبة المؤمنين لرسول الله – صلى الله عليه وسلم - مبلغاً عجيباً يُضرب به الأمثال ، حتى تعجَّب منه عروة بن مسعود في صلح الحديبية ، فعن عروة بن مسعود - رضي الله عنه -قال عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -فوالله ما تنخم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -نُخامة إلا وقعت في كفِّ رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده...)) جزءٌ من حديث صلح الحديبية الطويل أخرجه البخاري في صحيحه (3/180) كتاب الشُّروط.
وهذه المحبة لرسول قد أصبحت سجية في نفوس المؤمنين لا يتكلفونها ولا يتطلبونها بكلفة ، بل كانت محبته –بأبي وأمي هو – تملأ عليهم نفوسهم وقلوبهم وبلغ بهم المحبة كما قال إسحاق التجيبي: كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم – بعده لا يذكرونه إلا خشعوا واقشعرت جلودُهم وبكوا.. وكذلك كثير من التابعين منهم من كان يفعل ذلك محبةً له وشوقاً إليه.. ومنهم من كان يفعله تهيباً وتوقيراً..
وقد قال علي - رضي الله عنه – في صفته - صلى الله عليه وسلم -: "من رآه بديهةً هابه.. ومن خالطه معرفة أحبه " ، وذُكِر عن بعض الصحابة أنه كان لا يصرف بصرَه عنه محبةً فيه." اهـ.
ولا تظن أن هذه المحبة في صحابته فقط، بل هي في قلب كل مؤمن إلى يوم القيامة، فهي من لوازم الإيمان، ومن دأب أهل الإسلام، فمن ذلك ما رُوي عن مالك وقد سُئل عن أيوب السختياني: (ما حدثتكم عن أحدٍ إلا وأيوب أفضل منه). قال: وحج حجتين فكنت أرمقه ولا أسمع منه.. غير أنه كان إذا ذُكر النبي - صلى الله عليه وسلم – بكى حتى أرحمه.. فلما رأيت منه ما رأيت وإجلاله للنبي - صلى الله عليه وسلم – كتبت عنه.
وقال مصعب بن عبد الله: كان مالك إذا ذُكر النبي - صلى الله عليه وسلم – يتغير لونه وينحني حتى يَصعُبَ ذلك على جلسائه، فقيل له يوماً في ذلك فقال: لو رأيتم ما رأيت لما أنكرتم عليَّ ما ترون؟!،
ولقد كنت أرى محمد بن المنكدر وكان سيد القرّاء، لا نكاد نسأله عن حديث أبداً إلا يبكي حتى نرحمه.. ولقد كنت أرى جعفر بن محمد. وكان كثيرَ الدعابة والتبسم فإذا ذُكِر عنده النبي - صلى الله عليه وسلم – اصفرّ وما رأيته يُحدِّث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – إلا على طهارةٍ.. ولقد اختلفت إليه زماناً، فما كنت أراه إلا على ثلاث خصال: إما مصلياً وإما صامتاً، وإما يقرأ القرآن. ولا يتكلم فيما لا يعنيه.. وكان من العلماء والعباد الذين يخشون الله - عز وجل -.
ولقد كان عبد الرحمن بن القاسم يذكر النبي - صلى الله عليه وسلم – فيُنظر إلى لونه كأنه نُزِفَ منه الدم، وقد جف لسانُه في فمه هيبة منه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ولقد كنت آتي عامِرَ بن عبد الله بن الزبير فإذا ذُكر عنده النبي - صلى الله عليه وسلم – بكى حتى لا يبقى في عينيه دموع.
ولقد رأيت الزهري وكان من أهنأ الناس وأقربهم، فإذا ذُكر عنده النبي - صلى الله عليه وسلم – فكأنه ما عرفك ولا عرفته..
ولقد كنت آتي صفوان بن سليم، وكان من المتعبدين المجتهدين فإذا ذُكر النبي - صلى الله عليه وسلم – بكى فلا يزال يبكي حتى يقوم الناس عنه ويتركوه.
وروي عن قتادة أنه كان إذا سمع الحديث أخذه العويل والزويل. ولما كثر على مالك الناس قيل له: (لو جعلت مستملياً يُسمعهم) فقال: (قال الله - تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} (2) سورة الحجرات، وحرمته حياً وميتاً سواء.
وكان ابن سيرين ربما يضحك. فإذا ذُكِر عنده حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: بكى).
(وكان عبد الرحمن بن مهدي إذا قرأ حديث النبي - صلى الله عليه وسلم – أمرهم بالسكوت وقال: (لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي). ويتأول أنه يجب له من الإنصات عند قراءة حديثه ما يجب له عند سماع قوله..
ولم تحن إليه قلوبُ المؤمنين فقط، بل حنَّت إليه الجمادات، وحنين الجذع إليه مشهورٌ متواترٌ وقد أفرد له القاضي عياض فصلاً هو الفصل السابع عشر في كتابه (الشفا).فقال :
روى البخاري في صحيحه عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال) : كان النبي- صلى الله عليه وسلم- إذا خطب استند إلى جذع نخلة من سواري المسجد ، فلما صنع له المنبر فاستوى عليه ، صاحت النخلة التي كان يخطب عليها حتى كادت أن تنشق ، فنزل النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى أخذها فضمها إليه ، فجعلت تئن أنين الصبي الذي يسكت حتى استقرت ، قال : (بكت على ما كانت تسمع من الذكر (البخاري، الفتح، كتاب البيوع، باب النجار، رقم (2095).
وروى البخاري عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - : أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرة أو نخلة ، فقالت امرأةٌ من الأنصار - أو رجلٌ - : يا رسول الله ، ألا نجعل لك منبراً ؟ قال : ( إن شئتم ) . فجعلوا له منبراً . فلما كان يوم الجمعة دُفع إلى المنبر ، فصاحت النخلةُ صياح الصبي! ، ثم نزل النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- فضمَّه إليه ، تـئن أنينَ الصبيِّ الذي يُسكَّن ، قال : ( كانت تبكي على ما كانت تسمع من الذكر عندها ) البخاري، الفتح، كتاب البيوع، باب النجار، رقم (2095).
وكان الحسنُ البصريُّ - رحمه الله تعالى - إذا حدّث بحديثِ حنين الجِذْع، يقولُ :" يا معشرَ المُسلمين ، الخشبةُ تحنُّ إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- شوقاً إلى لقائه فأنتم أحقُّ أن تشتاقوا إليه " . من فتح الباري 6/697.
وقال ابن كثير –رحمه الله- في البداية والنهاية "(3/219) : "... وما أحسنَ ما قال الحسنُ البصريُّ - : يا معشر المسلمين ، الخشبةُ تحنُّ إلى رسول الله شوقاً إليه ، أو ليس الرجال الذين يرجون لقاءَه أحقُّ أن يشتاقوا إليه ."
وكيفما كان، فحديثُ الجذع مشهورٌ ومنتشرٌ، والخبر فيه متواتر، أخرجه أهل الصحيح، ورواه من الصحابة بضعة عشر رجلاً، وحنينه إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- معجزة من معجزاته الكثيرة.
قال البيهقيُّ: "قصة حنين الجذع، من الأمور الظاهرة التي حملها الخلفُ عن السلف، وفيها دليلٌ على أن الجمادات قد يخلق الله لها إدراكاً كأشرف الحيوان".
وقال الإمام الشافعيُّ -رحمه الله-: "ما أعطى الله نبياً ما أعطى محمداً ، فقيل له: أعطى عيسى إحياء الموتى، فقال: أعطى محمداً حنين الجذع حتى سُمِعَ صوتُه، فهذا أكبر من ذلك".(1)
فهذه مكانةُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم – في قُلوب المؤمنين عُموماً، وإن أصدق تعبير عن تلك المحبة وهذه المكانة ما قاله أنس بن مالك - رضي الله عنه -يقول أنس بن مالك -رضي الله عنه-: "حينما تُوفي رسول الله -صلى الله عليه و سلم- كنا نقول : يا رسولَ الله إنَّ جذعاً كنتَ تخطب عليه فترَكتَه فَحَنَّ إليك، كيف حين تركتنا لا تحنُّ القلوب إليك ؟
اللهم أمِدَّنا بحَولِكَ وقوتك فأنت وحدك المستعان ، وتقبَّل منا عملنا هذا بقَبول حسن، واجعله خالصاً لوجهك الكريم، إنك أنت السميع المجيب، وإليك أخي القارئ بعض هذه الصفات .
1 -فتح الباري شرح صحيح البخاري ـ ابن حجر العسقلاني (6/602 )، و "وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى ـ السمهودي (2/388) ،و" الشفا " للقاضي عياض( / ).
===
درعه ( صلى الله عليه وسلم ):
عن السائب بن يزيد:( أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ظاهر (أي لبس درعين فوق بعضهما) يوم أحدٍ بني الدِّرعين). سنن أبي داود، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود ( 2/ 516) رقم ( 2354) -كتاب الجهاد – باب السلاح.
وعن عامر قال:(أخرج إلينا علي بن الحسين - رضي الله عنه - دِرْع رسول الله (صلى الله عليه وسلم )، فإذا هي يمانية رقيقة، ذات زرافين، فإذا علقت بزرافيها شمرت، وإذا أرسلت مست الأرض). أخرجه أبو الشيخ في أخلاق النبي ( صلى الله عليه وسلم ) 150. وابن سعد في الطبقات(1/488). الأنوار (2/588).
وعن جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنهم- قال:( كانت في درْع رسول الله(صلى الله عليه وسلم) حلقتان من فضَّة، عند موضع الثنيِّ، وفي ظهره حلقتان من فضة أيضا، وقال: لبستها فخطت الأرض). أخرجه أبو الشيخ في أخلاق النبي(صلى الله عليه وسلم)(150، 151)، وابن سعد في الطبقات (1/488).
وعن علي بن أبي طالب-رضي الله عنه- قال:(كان اسم درع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ذات الفضول). سنن البيهقي(10/26)
وعن الزبير بن العوام قال: كان على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يوم أحدٍ درعان، فنهض إلى الصخرة فلم يستطع، فأقعد طلحة تحته، وصعد النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى استوى على الصخرة قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (أوجب طلحةُ).الترمذي ( 4/ 174)رقم ( 1692)-كتاب الجهاد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – باب ما جاء في الدرع.
قال في كتاب سبل الهدى والرشاد وكانت دروعه سبعاً.
الأولى: السُعديّة: وهي درع داود التي لبسها حين قَتل جالوت.
الثانية: فضة.
روى ابن سعد عن مروان بن أبي سعد بن المعلّى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصابها والتي قبلها من سلاح بني قينقاع.
الثالثة: ذات الفضول: سميت بذلك لطولها، أرسل بها إليه سعد بن عبادة حين سار إلى بدر، وكانت من حديد، وهي التي رهنها عند أبي الشحْم اليهودي على شعير، وكان ثلاثين صاعاً، وكان الدين إلى سنة.
وروى الطبراني عن ابن عباس - رضى الله عنهما-: أن رسول الله(صلى الله عليه وسلم)كان له دِرْع موشحة بنحاس، تسمى ذات الفضول.
الرابعة: ذات الوشاح.
الخامسة: ذات الحَوَاشي.
السادسة: البتراء سميت بذلك لقصرها.
السابعة: الخِرْنق.
وروى ابن سعد عن محمد بن مسلمة-رضي الله عنه -قال:( رأيت على رسول الله(صلى الله عليه وسلم)يوم أُحُد درعين إحداهما ذات الفضول، ورأيت عليه يوم حنين درعين: ذات الفضول والسعدية. وروى أيضاً عن عائشة - رضي الله عنهما- قالت: قبض رسول الله(صلى الله عليه وسلم)وإن درعه لمرهونة في ثلاثين صاعاً، وفي رواية بستين صاعاً من شعير رزقاً لعياله). البخاري- الفتح( 6/ 116) رقم ( 2916).- كتاب الجهاد - ما قيل في درع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) والقميص في الحرب.
راجع:سبل الهدى والرشاد (7/368-369).
وذكر صاحب عيون الأثر أن (دروعه كان عددها سبعاً) عيون الأثر (2/416).
مغفره ( صلى الله عليه وسلم ):
عن أنس بن مالك- رضي الله عنه-:( أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) دخل مكة (عام الفتح) وعليه مغفر، فلما نزعه قيل له: هذا ابن خَطَل متعلق بأستار الكعبة. فقال: (اقتلوه). صحيح مسلم ( 2/ 990) رقم ( 1357) / كتاب الحج/ دخول الحرم ومكة بغير إحرام.
عن أنس قال: (دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة وعلى رأسه مغْفر من حديد). أخرجه أبو الشيخ في كتابه أخلاق النبي(صلى الله عليه وسلم)(2/402).
قال في عيون الأثر(7/416): وكان له مغفران: الموشح، والسبوغ، أو ذو السبوغ.
وفي غاية السؤل قال عبد الباسط الحنفي: وكان له مغفر يقال له: السَبوغ. وكان له منطقة من أدم مبشور، له ثلاث حلق من فضة وأبز يم، وطرف من فضة. راجع:غاية السؤل (59).
قال الإمام الذهبي:" وكان له مغفر من سلاح بني قينقاع، وآخر يقال له السبوغ". راجع: السيرة النبوية المستقاة من تاريخ الإسلام" (357).
ذكر خيله وسرجه ( صلى الله عليه وسلم ):
عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنه- قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): ( الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة). البخاري – الفتح ( 6/ 64) رقم ( 2849)كتاب الجهاد والسير- باب الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة.
وعن أنس - رضى الله عنه - قال: (لم يكن شيء أحبَّ إلى رسول الله(صلى الله عليه وسلم) بَعْدَ النساء من الخيل).النسائي ( 6/ 527) رقم ( 3566)- كتاب الخيل - باب حب الخيل.
وعن أُبي بن عباس بن سهل عن أبيه عن جده - رضي الله عنه -، قال:( كان للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) في حائطنا فرسُ يقال له: اللَّحيف. قال أبو عبد الله ويروى اللخيف). البخاري- الفتح ( 6/ 68-69) رقم ( 2855) كتاب الجهاد - باب اسم الفرس والحمار.
وعن علي - رضى الله عنه - قال: (كان اسم فرس النبي(صلى الله عليه وسلم)وسلّم المُرْتَجز، واسم بغلته البيضاء دلدل، واسم حِمَاره عُفير، واسم درعه ذات الفضول) سنن البيهقي(10/26) والحاكم في المستدرك (2/665).
وعن عبد الله بن عمر - رضى الله عنهما-:( أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم )سابق بين الخيل التي قد أضمرت، من الحيفاء إلى ثنية الوداع، وكان أمدها ثنية الوداع. وسابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق وكان عبد الله فيمن سابق بها).صحيح مسلم- ( 3/ 1491) رقم ( 870) كتاب الإمارة – باب المسابقة بين الخيل وتضميرها.
وعن أبي عبد الرحمن الفهري - رضي الله عنه – قال:( شهدتُ مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) يومَ خيبر، في يومٍ صائف شديد الحرّ، فقال: (يا بلالُ أسرج لي فرسي)، فأخرج سرجاً رقيقاً من لبد، ليس فيها أشر ولا بطر)، أحمد في مسنده (5/286).
قال ابن الجوزي: أول فرس مَلكه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرس يقال له: السَّكب (أي) كثير الجري، كأنما يصب جريه صبا، وكان له المرتجز (سمي به لحسن صوته). انظر المواهب( 3/384) وهو الفرس الذي اشتراه من الأعرابي وشهد فيه خزيمة بن ثابت وفرس يقال له اللِّزار (سمي به لشدة تلززه، أو لاجتماع خلقه، وفرس يقال له الطِّرف ( الطرف الكريم الطرفين)، وفرس يقال له الورد، وفرس يقال له النحيف). راجع: الوفاء بأحوال المصطفى (2/265).
وعن أبي لبيد قال: أرسلت الخيل زمان الحكم بن أيوب، فلّما رجعنا قلنا: لو مررنا بأنس بن مالك فسألناه فأتيناه فقلنا: يا أبا حمزة: هل كنتم تراهنون على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: نعم. لقد سابق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على فرس يقال لها سبخة فجاءت سابقة، فهش لذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم – وأعجبه). راجع/ تركة النبي- صلى الله عليه وسلم- ص(98).
وقال في عيون الأثر ذكر خيله ( صلى الله عليه وسلم ).
السَّكْب: وكان اسمه قبل أن يشتريه: الضرس، اشتراه بعشر أواقٍ، أوّل ما غزا عليه( صلى الله عليه وسلم ) أحداً، ليس للمسلمين غيره.
وكان له فرس يقال له المرتجز: سمي بذلك لحسن صهيله، كأنه يُنشد رَجَزاً، وكان أبيض، وهو الذي شهد له فيه خزيمة بن ثابت، فجعل شهادته شهادة رجلين، وقيل: هو الطَّرف، وقيل هو النجيب، والطِّرف والنجيب: الكريم من الخيل.
وكان له: اللَّحيف: أهداه له ربيعة بن أبي البراء، وكأنه يُلحف الأرض بذنبه، ولِزار: من قولهم: لاززته، أي لاصقته، كأنه يلتصق بمطلوبه لسرعته, وقيل لاجتماع خَلْقه، والملزز: المجتمع الخلق.
والظَّرب: واحد الظَّراب، وهي الروابي الصغار، سمي به لكبره وسمنه، وقيل: لقوته وصلابته.
وفرس يقال له الورد: أهداه له تميم الداري، فأعطاه عمر بن الخطاب، فحمل عليه في سبيل الله، ثم وجده يباع برخص، فقال له: لا تشتره.
والورد: لون بين الكميت والأشقر.
وفرس يُدعى سبحة: من قولهم: فرس سابح؛ إذا كان حسن مد اليدين في الجري، وسبح الفرس: جريُه.
قال الشيخ الحافظ أبو محمد الدمياطي -رحمه الله- فهذه سبعة متفق عليها. وقيل كانت له أفراس أخر غيرها: وهي: الأبلق: حمل عليه بعض أصحابه، وذو العُقال، وذو اللَّمة، والمرتجل، والمرواح، والسَّرحان، واليعسوب، واليعبوب والبحر – وهو كميت- والأدهم والشحَّا، والسَّجل، وملاوح، والطرف، والنحيب، هذه خمسة عشر مختلف فيها. وذكر السهيلي في خيله - صلى الله عليه وسلم -: الضْريس، وذكر ابن عساكر فيها: مندوباً. انظر عيون الأثر (2/420-421). ===========
لما أرسل الله رسوله لم يرسله ليتكبر على الناس في المسكن والملبس والمركب، بل كان متواضعاً لا يأخذ إلا ما يكفيه، بل لقد كان من دعائه- صلى الله عليه وسلم - أن يجعل رزقه ورزق آله قوتاً، وقد اكتفى بما تيسر له من المسكن، فكان لا يُوجد بداخله إلا القليل من الفراش والمتاع، وكان يصلي على الحصير في النهار، وإذا أتى الليل أخذها ونام عليه؛ لأنه لم يكن له غيرها، وكان لا يشبع من خبز الشعير، ولو أراد أن يجعل الله له الجبال ذهباً لفعل، ولكن أراد الله أن يجعل منه قدوة في جميع أحواله، وأن يكون في شأنه وحاله سلوة للفقراء والمساكين، وأن يكونوا درساً عملياً في الصبر، وفي بيان أن التضييق على الإنسان في الدنيا ليس معناه أن الله لا يحبه، كما أنه ليس معنى الغنى أن الله يحب الغني، ومن أجل ذلك أعطاه، ولوكان الأمر كذلك، لكان النبي - صلى الله عليه وسلم - أغنى الناس بالأحوال والأثاث والفراش وغيره، ولكن الأمر كما قال تعالى: {فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ* وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ} سورة الفجر (15-16)، والآن إليك صورة واضحة عن مسكن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وفراشه ، وعيشه، ومطعمه، ومشربه.
أولاً: فراشه:
عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان وسادة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي يتكئ عليها من أدَمٍ حشوها ليف1.
وعن عبد الله بن مسعود - صلى الله عليه وسلم - قال: دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو نائم على حصير، قد أثَّر بجنبه فبكيت، فقال: (ما يُبكيك يا عبد الله؟). قلت: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كسرى وقيصر قد يطؤون على الخز والديباج والحرير، وأنت نائم على هذا الحصير قد أثَّر في جنبك!. فقال: (لا تبكِ يا عبد الله، فإن لهم الدنيا و لنا الآخرة)2.
وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: إنما كان فراش رسول الله الذي ينام عليه أدَمٍ حشوه ليف3.
ثانياً : لحافه - عليه الصلاة والسلام -:
عن هشام عن أبيه قال: قال كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة قالت: فاجتمع صواحبي إلى أم سلمة فقلن يا أم سلمة والله إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة وإنا نريد الخير كما تريده عائشة فمري رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يأمر الناس أن يهدوا إليه حيث ما كان أو حيث ما دار قالت فذكرت ذلك أم سلمة للنبي - صلى الله عليه وسلم - قالت : فأعرض عني فلما عاد إلى ذكرت له ذاك فأعرض عني فلما كان في الثالثة ذكرت له فقال يا أم سلمة لا تؤذيني في عائشة فإنه والله ما نزل على الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيره4.
وعن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر عن أبيه، قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وعليه ثوبان مصبوغان بالزعفران رداء وعمامة5.
ثالثاً: كرسيه وسريره - صلى الله عليه وسلم -:
عن أبي رفاعة - صلى الله عليه وسلم - قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو جالس على كرسي خلت قوائمه حديد6.
وعن عائشة - صلى الله عليه وسلم - قالت: أعدلتمونا بالكلب والحمار لقد، رأيتني مضطجعة على السرير فيجيء النبي - صلى الله عليه وسلم - فيتوسط السرير فيصلي فأكره أن أسنحه فأنسل من قبل رجلي السرير حتى أنسل من لحاف7.
رابعاً: قطيفته - صلى الله عليه وسلم -:
عن ابن عباس- رضي الله عنهما - قال: لما دُفن النبي - صلى الله عليه وسلم - وضع بينه وبين اللحد قطيفة بيضاء بعلبكيَّة8. وعن أنس بن مالك قال: حج النبي - صلى الله عليه وسلم - على رحل رث وقطيفة تساوي أربعة دراهم أو لا تساوي ثم قال: "اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة)9. وعن زينب عن أمها، قالت: بينما أنا مضطجعة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في الخميلة...10
خامساً: حصيره - صلى الله عليه وسلم -:
عن أنس بن مالك يقول: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - نُضِحَ له طرف حصير فصلى ركعتين11. وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت : كان لنا حصير نبسطها بالنهار ونحتجرُها علينا بالليل12. وعن المغيرة بن شعبة: أن النبي- صلى الله عليه وسلم - كان يصلي على الحصير والفروة المدبوغة13.
سادساً: عيشه - صلى الله عليه وسلم -:
عن مالك بن دينار قال: ما شبع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من خبزٍ قطّ، ولا لحمٍ إلا على ضففٍ14. وعن سماك بن حرب قال: سمعت النعمان بن بشير يقول:ألستم في طعام وشراب ما شئتم؟ لقد رأيت نبيكم - صلى الله عليه وسلم - وما يجد منالدقل، ما يملأ به بطنه15. والدقل: رديء التمر.
وذكر عمر - صلى الله عليه وسلم - ما أصاب الناس من الدنيا. فقال : لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يظل اليوم يلتوي، ما يجد دقلاً يملأ به بطنه16.
وعن عائشة - رضي الله عنها- قالت : إن كنا، لننظر إلى الهلال ثم الهلال ثم الهلال، ثلاثة أهلة في شهرين وما أوقد في أبيات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نار..17
وعن مالك بن دينار قال: ما شبع آل محمد - - صلى الله عليه وسلم -- منذ قدم المدينة، من طعام بر ثلاث ليال تباعاً، حتى قُبض18.
وعن محمد بن سيرين قال: كنا عند أبي هريرة، وعليه ثوبان ممشقان من كتان، فتمخط، فقال : بخ ٍبخٍ، أبو هريرة يتمخط في الكتان، لقد رأيتني وإني لأخر فيما بين منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى حجرة عائشة مغشياً عليَّ، فيجيء الجائي فيضع رجله على عنقي، ويرى أني مجنون، وما بي من جنون، ما بي إلا الجوع19.
وعن أبي هريرة - صلى الله عليه وسلم - قال: خرج رسول الله في ساعة لا يخرج فيها ولا يلقاه فيها أحد، فأتاه أبو بكر فقال: ما جاء بك يا أبا بكر؟ قال : خرجت ألقى رسول الله أنظر في وجهه، وأُسلم عليه . فلم يلبث أن جاء عمر، فقال : (ما جاء بك يا عمر؟). قال : الجوع يا رسول الله! قال : (وأنا قد وجدت بعض ذلك) . فانطلقوا إلى منزل أبي الهيثم بن التيهان الأنصاري، وكان رجلاً كثير النخل والشاء، ولم يكن له خدم، فلم يجدوه، فقالوا لامرأته : أين صاحبك؟ فقالت : انطلق يستعذب لنا الماء . فلم يلبثوا أن جاء أبو الهيثم بقربة يزعبها فوضعها، ثم جاء يلتزم النبي ويُفِّديه بأبيه وأمه، ثم انطلق بهم إلى حديقته، فبسط لهم بساطاً، ثم انطلق إلى نخله، فجاء بقنو فوضعه، فقال النبي : (أفلا تنقيت لنا من رطبه؟). فقال : يا رسول الله إني أردت أن تختاروا، أو تخيروا من رطبه وبسره، فأكلوا وشربوا من ذلك الماء، فقال : (هذا والذي نفسي بيده من النعيم الذي تسألون عنه يوم القيامة؛ ظل بارد، ورطب طيب، وماء بارد). فانطلق أبو الهيثم ليصنع لهم طعاماً، فقال النبي : (لا تذبحن لنا ذات در). فذبح لهم عناقاً أو جدياً، فأتاهم بها، فأكلوا، فقال: (هل لك خادم؟). قال : لا. قال : (فإذا أتانا سبي فأتنا). فأُتي برأسين ليس معهما ثالث. فأتاه أبو الهيثم، فقال النبي : (اختر منهما). فقال: يا رسول الله! اختر لي. فقال النبي: (إن المستشار مؤتمن، خُذ هذا، فإني رأيته يصلي، واستوص به معروفاً). فانطلق أبو الهيثم إلى امرأته، فأخبرها بقول رسول، فقالت امرأته : ما أنت ببالغ حق ما قال فيه النبي إلا بأن تعتقه، قال : فهو عتيق، فقال : (إن الله لم يبعث نبياً ولا خليفة إلا وله بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر، وبطانة لا تألوه خبالاً، ومن يوق بطانة السوء فقد وقي)20.
وعن سعد بن أبي وقاص قال: إني لأول رجل أهراق دماً في سبيل الله – صلى الله عليه وسلم -، وإني لأول رجل رمى بسهم في سبيل الله، لقد رأيتني أغزو في العصابة من أصحاب محمد ما نأكل إلا ورق الشجر والحبلة حتى تقرحت أشداقنا، وإن أحدنا ليضع كما تضع الشاة والبعير، وأصبحت بنو أسد يعزرونني في الدين، لقد خبت وخسرت إذاً وضل عملي21.
وعن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:( لقد أُخفت في الله وما يخاف أحد، ولقد أوذيت في الله وما يُؤذى أحد، ولقد أتت عليَّ ثلاثون من بين ليلة ويوم، وما لي و لبلال طعام يأكله ذو كبد إلا شيء يواريه إبط بلال)22.
وعن أنس بن مالك - صلى الله عليه وسلم -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يجتمع عنده غداء ولا عشاء من خبز ولحم إلا على ضفف23.
سابعاً: أكله - صلى الله عليه وسلم -.
عن أنس بن مالك - صلى الله عليه وسلم - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أكل طعاماً لعق أصابعه ثلاث24.
وعن أنس بن مالك قال: أتي رسول الله بتمر، فرأيته يأكل وهو مُقعٍ25.
ثامناً: خبزه - صلى الله عليه وسلم -:
عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: ما شبع آل محمد - صلى الله عليه وسلم - من خبز الشعير يومين متتابعين حتى قُبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم -26.
وعن عائشة - رضي الله عنها- قالت: تُوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد شبعنا من الأسودين: الماء والتمر27.
وعن عائشة أيضاً قالت : لما فُتحت خيبر قلنا : الآن نشبع من التمر28.
وعن أبي أمامة الباهلي - صلى الله عليه وسلم - قال: ما كان يفضل عن أهل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خبز الشعير29.
وعن ابن عباس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبيت الليالي المتتابعة طاوياً وأهله؛ لا يجدون عشاء، و كان أكثر خبزهم الشعير30.
وعن أبي حازم عن سعد أنه قيل له : هل أكل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النقي؟ فقال سهل : ما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النقي، من حين ابتعثهالله حتى قبضه الله. قال : فقلت : هل كانت لكم في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مناخل؟ قال : ما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منخلاً، من حين ابتعثه الله حتى قبضه. قال : قلت : كيف كنتم تأكلون الشعير غير منخول؟ قال : كنا نطحنه وننفخه، فيطير ما طار، وما بقي ثريناه فأكلناه31.
عاشراً: ما جاء في إدامه - صلى الله عليه وسلم -:
عن عائشة-رضي الله عنها- قالت : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (نِعْمَ الأدم، أو الإدام، الخل). وفي رواية: بهذا الإسناد، وقال: (نعم الأدم). ولم يشك32.
وعن زهدم الجرمي قال: كنا عند أبي موسى الأشعري فأُتي بلحم دجاج، فتنحى رجل من القوم، فقال: مالك؟ فقال: إني رأيتها تأكل شيئاً فحلفت أن لا آكلها، قال: ادن فإني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأكل لحم الدجاج33.
وعن أبي أسيد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (كلوا الزيت، وادهنوا به؛ فإنه من شجرة مباركة)34.
وعن عمر بن الخطاب - صلى الله عليه وسلم - قال: قال: رسول الله -- صلى الله عليه وسلم - -: " كلوا الزيت وادهنوا به؛ فإنه من شجرة مباركة)35.
وعن أنس بن مالك قال: إن خياطاً دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لطعام صنعه قال أنس بن مالك: فذهبت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى ذلك الطعام، فقرّب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خبزاً ومرقاً فيه دباء وقديد، فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يتتبع الدباء من حوالي القصعة قال : فلم أزل أحب الدباء من يومئذٍ36.
وعن أنس أيضاً قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعجبه الدباء، فأتي بطعام، أو دعي له، فجعلت أتتبعه، فأضعه بين يديه، لما أعلم أنه يحبه37.
وعن أنس بن مالك - صلى الله عليه وسلم - الله عنه قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتتبع في الصحفة يعني الدباء فلا أزال أحبه38.
وعن عائشة قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحب الحلواء والعسل39.
وعن عطاء بن يسار أن أم سلمة أخبرته: أنها قربت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جنباً مشوياً، فأكل منه ثم قام إلى الصلاة وما توض40.
وعن ابن مسعود - صلى الله عليه وسلم - قال: كان النبي يعجبه الذراع. قال :وسم فيالذراع، وكان يرى أن اليهود سموه41. وعن أم هاني - رضي الله عنها - قالت: دخل علي النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: (أعندك شيء؟). فقلت: لا، إلا كسرة يابسة وخل، فقال - صلى الله عليه وسلم - : (قربيه فما أقفر بيت من أدم فيه خل)42.
وعن أنس بن مالك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أولم على صفية بسويق وتمر43.
وعن جابر قال: خرج رسول الله وأنا معه، فدخل على امرأة من الأنصار، فذبحت له شاة، فأكل منها، وأتته بقناع من رطب فأكل منه، ثم توضأ للظهر وصلَّى، ثم انصرف، فأتته بعلالة من علالة الشاة، فأكل، ثم صلى العصر، ولم يتوض44.
الحادي عشر: قدحه - صلى الله عليه وسلم -:
عن أنس - صلى الله عليه وسلم - قال: لقد سَقَيْتُ رسولَ الله بقدحي هذا الشراب كله: العسل والنبيذ، والماء واللبن45.
الثاني عشر: فاكهته - صلى الله عليه وسلم -:
عن عبد الله بن جعفر قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأكل القِثَّاء بالرُّطَب46.
وعنه أيضاً قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأكل الرطب بالقثاء47.
وعن عائشة قالت: كان - صلى الله عليه وسلم - يأكل البطيخ بالرطب فيقول: (نكسر حر هذا ببرد هذا، و برد هذا بحر هذا)48.
وفي الختام بعد أن ذكرنا ما تيسر لنا في هذا الموضوع ، فإنه حريُّ بكل مسلم بعد أن يقرأ هذا الفصل أن تطمئن نفسه إن كان فقيراً، وأن ينفق على الفقراء والمساكين إن كان غنياً؛ لأنه قرأ ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي أيده الله من فوق سبع سماوات، وحباه بالرسالة ومع ذلك كانت هذه حالته في الدنيا وكان هذا مسكنه، فما للقلوب لا تعقل؟! وما للأبصار لا تبصر؟! وما للنفوس لا تتوب؟!. هذا والله من وراء القصد.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
1 - صحيح مسلم، كتاب اللباس والزينة، باب التواضع في اللباس والاقتصار على الغليظ منه واليسير (3/1650) برقم (2082).
2 - رواه أبو داود (3/ (954رقم (4228).
3 - أخرجه الترمذي، كتاب اللباس عن رسول الله، باب ما جاء في فراش النبي (4/208) برقم (1761).
4 - البخاري، الفتح، كتاب المناقب، باب فضل عائشة - صلى الله عليه وسلم -(7/134) رقم (3775).
5 - رواه ابن سعد في الطبقات عن مصعب بن عبد الله به (1/452). أخلاق النبي (2/ 514).
6 - أخرجه مسلم، كتاب الجمعة، باب حديث التعليم في الخطبة (2/597) برقم( 876).
7 - البخاري- الفتح، كتاب الصلاة، باب الصلاة إلى السرير (1/692) رقم(508).
8 - قال الذهبي حسن غريب، راجع " سير أعلام النبلاء " (7/405).
9 - سنن ابن ماجه وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة، رقم (2337).
10 - صحيح مسلم، كتاب الحيض، باب الاضطجاع مع الحائض في لحاف واحد (1/243) برقم( 296).
11 - البخاري،الفتح، كتاب الأذان، باب هل يصلي الإمام بمن حضر وهل يخطب يوم الجمعة (2/185) برقم (670).
12 - رواه أحمد، كتاب باقي مسند الأنصار، باب حديث السيده عائشة.
13 - انظر ضعيف أبي داود للألباني، كتاب الصلاة، باب الصلاة على الحصير، رقم (128)
14 - صححه الألباني في " مختصر الشمائل " صـ (76).
15 - أخرجه مسلم، كتاب الزهد والرقائق، (4/2284) برقم (2977).
16 - أخرجه مسلم، كتاب الزهد والرقائق، (4/2285) برقم (2978).
17 - أخرجه مسلم، كتاب الزهد والرقائق، (4/2283) برقم (2972).
18 - .أخرجه مسلم، كتاب الزهد والرقائق، (4/2281) برقم (2970).
19 - أخرجه البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب ما ذكر النبي ...(13/316) برقم (7324 ).
20 - أخرجه مسلم، كتاب الأشربة، باب جواز استتباعه غيره إلى دار من يثق برضاه ذلك (3/1609) برقم (2038).
21 - رواه الترمذي، انظر " مختصر الشمائل المحمدية " للألباني صـ (81-82).
22 - رواه الترمذي، انظر " مختصر الشمائل المحمدية "صـ ( 83).
23 - صححه الألباني في " مختصر الشمائل " صـ (84).
24 - رواه الترمذي، كتاب الأطعمة عن رسول الله، باب ما جاء في اللقمة تسقط (4/ 228) برقم (1803).
25 - انظر صحيح أبي داود للألباني برقم (3205) كتاب الأطعمة، باب ما جاء في الأكل متكئاً.
26 - أخرجه مسلم، كتاب الزهد والرقائق، (3/2281) برقم (2970).
27 - أخرجه مسلم، كتاب الزهد والرقائق، (4/2284) برقم (2975).
28 - أخرجه البخاري، الفتح, كتاب المغازي، باب غزوة خيبر (7/567) برقم (4242).
29 - مختصر " الشمائل المحمدية " للألباني صـ(87).
30 - حسنه الألباني في " السلسلة الصحيحة " رقم (2119(.
31 - البخاري، كتاب الأطعمة، باب ما كان النبي وأصحابه يأكلون(9/460) برقم (5413 ).
32 - أخرجه مسلم، كتاب الأشربة، باب فضيلة الخَل والتأدم به (4/245) برقم( 1840).
33 - الترمذي، كتاب الأطعمة عن رسول الله، باب ما جاء في أكل لحم الدجاج (4/239) برقم( 1826).
34 - أخرجه الترمذي، كتاب الأطعمة عن رسول الله، باب ما جاء في أكل الزيت (4/251) برقم (1852).
35 - أخرجه الترمذي- الأطعمة عن رسول الله-باب ما جاء في أكل الزيت (4/251) برقم (1851).
36 - البخاري، كتاب البيوع، باب ذكر الخياط (4/372) برقم (2092).
37 - رواه أحمد، كتاب باقي مسند المكثرين، باب باقي السند السابق . انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم (2172).
38 - رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح (4/250) برقم (1850).
39 - أخرجه البخاري،الفتح، كتاب الأطعمة، باب الحلواء والعسل (9/468) برقم (5431).
40 - أخرجه الترمذي، كتاب الأطعمة عن رسول الله، باب ما جاء في أكل الشواء (4/240) برقم (1826).
41 - انظر " مختصر الشمائل المحمدية " صـ(94).
42 - أخرجه الترمذي، كتاب الأطعمة عن رسول الله، باب ما جاء في الخل(4/246) برقم(1841).
43 - رواه ابن ماجة، انظر صحيح سنن ابن ماجة للألباني برقم (1550).
44 - أخرجه الترمذي، كتاب الطهارة عن رسول الله، باب ما جاء في ترك الوضوء مما غيرت النار (1/116) برقم (80).
45 - أخرجه مسلم، كتاب الأشربة، باب إباحة النبيذ الذي لم يشتد ولم يصر مسكرا (3/1591) برقم (2008).
46 - أخرجه الترمذي، كتاب الأطعمة عن رسول الله، باب ماجاء في أكل القثاء بالرطب (4/247) برقم (1844).
47 - أخرجه البخاري، كتاب الأطعمة، باب الرطب بالقثاء (9/475) برقم (5440).
48 - أخرجه الترمذي، كتاب الأطعمة، باب ما جاء في أكل البطيخ بالرطب (4/246) برقم (1843).
========
ما جاء في حسن وجمال النبي ص
لقد وُصِفَ بأنه كان مشرباً حمرة وقد صدق من نعته بذلك، ولكن إنما كان المشرب منه حُمرة ما ضحا للشمس والرياح، فقد كان بياضه من ذلك قد أشرب حمرة، وما تحت الثياب فهو الأبيض الأزهر لا يشك فيه أحد ممن وصفه بأنه أبيض أزهر ...
يعرف رضاه وغضبه وسروره في وجهه، وكان لا يغضب إلا لله، كان إذا رضي أو سُرّ استنار وجهه فكأن وجهه المرآة، وإذا غضب تلون وجهه واحمرت عيناه.
وفي ختام هذا العرض لبعض صفات الرسول الكريم-صلى الله عليه وسلم-الخَلقية التي هي أكثر من أن يحيط بها كتاب لا بد من الإشارة إلى أن تمام الإيمان بالنبي - صلى الله عليه وسلم - هو الإيمان بأن الله -سبحانه وتعالى- خلق بدنه الشريف في غاية الحسن والكمال على وجه لم يظهر لآدمي مثله.
ويرحم الله القائل:
ثم اصطفاه حبيباً باريء النسـم فهـو الذي تم معناه وصورته
فجوهر الحسن فيه غير منقسم فتنزه عن شريك في محاسنه
وقيل في شأنه - صلى الله عليه وسلم - أيضاً:
كشف الدجى بجمـــالـه
بلـغ العـلى بكمــالـه
صــلـوا عليــه وآلـه حسنـت جميـع خصالـه
ويقول حسان بن ثابت -رضي الله عنه- وأرضاه:
وأفضلُ منْكَ لم تَلِدِ النســاءُ وأجـمل منْكَ لم تر قَطّ عيني
كأنَّك قدْ خُلِقْتَ كمــا تشــاءُ
خُلقـتَ مبرَّءاً من كل عَيْبٍ
مسألة: من المعلوم أن النسوة قطعت أيديهم لما رأين يوسف -عليه السلام- إذ إنه عليه السلام أوتيَ شطر الحسن، فلماذا لم يحصل مثل هذا الأمر مع النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ هل يا ترى سبب ذلك أن يوسف -عليه السلام- كان يفوق الرسول -عليه الصلاة والسلام- حُسناً وجمالاً؟
الجواب: صحيح أن يوسف-عليه السلام-أوتي شطر الحُسن، ولكنه مع ذلك ما فاق جماله جمال وحُسن النبي-صلى الله عليه وسلم-. فلقد نال سيدنا محمد-صلى الله عليه وسلم-صفات كمال البشر جميعاً خَلقاً وخُلُقاً، فهو أجمل الناس، وأكرمهم، وأشجعهم على الإطلاق, وأذكاهم, وأحلمهم, وأعلمهم… إلخ هذا من جهة، ومن جهة أخرى وكما مر معنا سابقاً أن النبي-صلى الله عليه وسلم- كان يعلوه الوقار والهيبة من عظمة النور الذي كلَّله الله –تعالى- به، فكان الصحابة إذا جلسوا مع النبي-صلى الله عليه وسلم-كأن على رؤوسهم الطير من الهيبة والإجلال، فالطير تقف على الشيء الثابت الذي لا يتحرك.
وما كان كبار الصحابة يستطيعون أن ينظروا في وجهه ويصفوه لنا لشدة الهيبة والإجلال الذي كان يملأ قلوبهم, وإنما وصفه لنا صغار الصحابة، ولهذا السبب لم يحصل ما حصل مع يوسف-عليه السلام-.
وعن جابر بن سمرة -رضي الله عنه-قال: (رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ليلة إضْحِيان، (أي مضيئة مقمرة) وعليه حلة حمراء فجعلت أنظر إليه وإلى القمر، فلهو عندي أحسن من القمر) أخرجه الترمذي في كتاب الأدب رقم (2812). وقال الألباني صحيح. مختصر الشمائل ص27.
ومن صفاته-صلى الله عليه وسلم-أنه أُعطي قوةً أكثر من الآخرين، من ذلك قوته في الحرب فعن علي -رضي الله عنه- قال: (كنا إذا حمي البأس، ولقي القوم القوم، اتقينا برسول الله-صلى الله عليه وسلم-، فلا يكون أحد منا أدنى إلى القوم منه). مستدرك الحاكم(2/155). تلك هي بعض صفات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخَلْقية التي نُقلت إلينا ممن رآه وصاحبه، نقلاً صحيحاً ثابتاً، إنها صفات طيبة، وصدق الصديق أبو بكر- رضي الله عنه- عندما قال عنه وهو يُقبِّله بعد موته-صلى الله عليه وسلم -: (طبت حياً وميتاً يا رسول الله)، فعليك أخي الزائر الكريم أن تكون قوي الصلة بصاحب تلك الصفات من خلال اتباعه، والسير على هديه، وتعميق حبه، والإكثار من الصلاة والسلام عليه، والحمد لله رب العالمين.
إخوتي الكرام، من منا لم تراوده أمنيته رؤية الحبيب المحبوب، دواء القلوب المصطفى-صلى الله عليه وسلم-بل من منا لم يتمنى أن يبذل مهجته رخيصةً في سبيل نظرةواحدة، تشرق بها مقلتيه وتكتحل عيناه برؤية سيدنا وشفيعنا محمد-صلى الله عليه وسلم-، ألا ما أرخص الروح في سبيل هذه الغاية، وما أهون الصعاب في سبيل نيلها، ولكن أنى لنا هذا ونحن أسرى هذه الحياة الدنيا، فلا سبيل أمامنا إلا زيارة قبره الشريف لاستنشاق عبير عطره, واستشعار عظيم قدره, واليقين من أنه ترد له روحه حتى يرد السلام علينا، أو اللجوء لقراءة أوصافه الجليلة من الروايات التي أوردتها الكتب، ومحاولة استحضارها في الذهن، ومع ذلك فلن نستطيع أن نحيط بجوانب جمال المصطفى-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم - فَغَايَةُ العِلمِ فِيهِ أَنَّهُ بَشَرٌ، وَأنَّهُ خَيرُ خَلقِ اللهِ كُلِّهِمِ، - صلى الله عليه وسلم -.
وإنني وإن كنت قد ركزت حديثي على صفات النبي-صلى الله عليه وسلم-الخَلقية، إلاأن كمالات المصطفى الخُلُقية أعظم، ولكن حبنا له صلوات ربي وسلامه عليه يجعلنا في حيرة من أين نبدأ، وماذا نقول، وكيف نعبر عن هذا الحب.
وشخص النبي الكريم -صلوات ربي وسلامه عليه- بما فيه من أوصاف تفوق الحصر، وخصال عالية القدر لهي مما ينبغي أن نفاخر بها الأمم، إذ أنعم الله علينا بأن جعلنا من أتباعه:
وكِدْتُ بأَخْمُصِي أَطَأُ الثُّريَّا ومِمـا زادَني شَـرَفـاً وتِيْـهـاً
وأنْ صَيَّرتَ أَحمَدَ لي نَبِيَّـا
دُخُــولي تَحـتَ قَولِكَ يا عِبَادِي
وصلى الله وسلم على سيد الأولين والآخرين وخاتم المرسلين،،،
========
غسل النبي ص
الغُسل المراد هنا بضم الغين أو فتحها: هو فعل الاغتسال أو الماء الذي يُغتسل به.
وهو لغة: سيلان الماء على الشيء مُطلقاً.
شرعاً: إفاضة الماء الطهور على جميع البدن على وجهٍ مخصوص.( انظر الفقه الإسلامي وأدلته – وهبة الزحيلي - (1/358) )
من المعلوم لدينا جميعاً أن الإسلام دين النظافة والطهارة، والنزاهة عن كل ما يُستقذر ، ويُستقبح ظاهراً ، وباطناً ، ولما كانت النظافة تثير في النفس الحيوية والنشاط ، ولما كان جسم الإنسان يخرج منه العرق ويصحبه شيء من الروائح التي تُستقذر عند كثير من الناس ، والتي يكون سببها بعض المأكولات أو الغبار الذي يتعرض له الجسم لكل ذلك والله أعلم شرع الله لنا على لسان أطهر الخلق محمد بن عبد الله ( صلى الله عليه وسلم ) الغسل والاغتسال.
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى:
(وهذا من أعظم محاسن الشريعة وما اشتملت عليه من الرحمة، والحكمة والمصلحة)
(أنظر الأغسال أحكامها وأنواعها من خلال السنة المطهرة د/ عبد الله الشريف ص6).
وسنتحدث بمشيئة الله - عز وجل - في هذا المبحث عن غُسله ( صلى الله عليه وسلم ) .
وفيه أنواع :
الأول: صفة غسله ( صلى الله عليه وسلم ):
ورد في صفة غسله ( صلى الله عليه وسلم ) من الجنابة أحاديثٌ كثيرة عن عائشة، وعن ميمونة، وجابر بن عبد الله وجبير بن مطعم رضي الله عنهم أجمعين، وأجمعُ هذه الأحاديث حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا اغتسل من الجنابة، يبدأ فيغسل يديه ثم يُفرغ بيمينه على شماله فيغسل فرجه ثم يتوضأ،[1] ثم يأخذ الماء فيدخل أصابعه في أصول الشعر، ثم حفن على رأسه ثلاث حفنات،[2] ثم أفاض الماء على سائر جسده، ثم غسل رجليه). رواه البخاري 1/ 119-127 كتاب أحكام الغسل باب الوضؤ قبل الغسل .
الثاني: في غسله الواحد للمرات من الجماع:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان يطوف على نسائه بغُسلٍ واحد). البخاري 1 / 324 -كتاب الغسل- باب إذا جامع ثم عاد . ومسلم-كتاب الحيض-باب جواز نوم الجنب (1/249) برقم 309 .
الثالث: في استتاره ( صلى الله عليه وسلم ) من الاغتسال بثوبٍ مع بعض أصحابه:
عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما: أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أمر علياً فوضع له غُسلاً، ثم أعطاه ثوباً، فقال: أُسترني وولني ظهرك). مسند أحمد-كتاب ومن مسند بني هاشم-باب باقي مسند الأنصار
عن أبي السمح رضي الله عنه قال: كنت أخدُم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان إذا أراد أن يغتسل قال: (ولِّني ظهرك) فأوليته قفاي، وأنشُر الثوب وأستره). (رواه أبو داود). أنظر صحيح برقم 400 .
عن ميمونة رضي الله عنها قالت: وضعت للنبي صلى الله عليه وسلم ماء وسترته فاغتسل. أخرجه مسلم 1/266.
الرابع: في اغتساله ( صلى الله عليه وسلم ) من الإغماء:
عن عبيد الله بن عبد الله بن عُتبة قال: دخلتُ على عائشة رضي الله عنها فقلت: ألا تحدثيني عن مرض رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )؟ فقالت: بلى ثقل النبي (صلى الله عليه وسلم ) فقال: ((أصلى الناس؟)) قلنا: لا هم ينتظرونك قال: (ضعوا لي ماء المخضب). (رواه البخاري ومسلم). أنظر مختصر صحيح مسلم كتاب الصلاة باب استخلاف الإمام إذا مرض وصلاته بالناس الألباني برقم 319
الخامس : في اغتساله مع بعض نسائه من إناءٍ واحد :
عن معاذة عن عائشة رضي الله عنهما قالت كنت أغتسل أنا ورسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من إناء واحد بيني وبينه فيبادرني حتى أقول دع لي دع لي قالت وهما جنبان .مسلم-كتاب الحيض-باب القدر المستحب لغسل الجنابة (1/257) برقم 321 .
عن أم هانئ رضي الله عنها: أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) اغتسل هو وميمونة من إناء في قصعةٍ فيها أثر العجين) سنن النسائي-كتاب الطهارة-باب ذكر الاغتسال في القصعة التي يعجن فيها (1 /142 )
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أغتسل أنا ورسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من إناءٍ واحد تختلف أيدينا فيه من الجنابة) البخاري-كتاب الغسل-باب هل يدخل الجنب يده في الإناء قبل أن يغسلها(1/444) برقم 261
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )والمرأة من نسائه يغتسلان من إناءٍ واحد) رواه البخاري. كتاب الغسل – باب هل يدخل الجنب يده في الإناء قبل أن يغسلها – (1/446) برقم 265
قلت: وهذا من تواضعه عليه الصلاة والسلام، ومكارم أخلاقه، وحسن معاشرته لنسائه وتبعله لهن كيف لا وهو القائل: ((خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)). أنظر صحيح ابن ماجة برقم 16081 الألباني
السادس : في القدر الذي كان يغتسل به ( صلى الله عليه وسلم ):
عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )يغتسلُ من إناءٍ هو الفَرَقُ من الجنابة. مسلم-كتاب الحيض-باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة (1/255) برقم 319
قال سفيان : والفَرَق ثلاثة آصُع.
وعنها أيضاً أنها كانت تغتسل هي ورسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من إناءٍ واحدٍ يسعُ ثلاثة أمدادٍ أو قريباً من ذلك. رواه مسلم - كتاب الحيض – باب القدر المستحب لغسل الجنابة – (1/256) برقم 321 )
السابع : في تنشُفه من الغُسل ( صلى الله عليه وسلم ) :
عن أم هانئ رضي الله عنها: أنه لما كان عام الفتح أتت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهو بأعلى مكة، قام رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى غُسله فسترت عليه فاطمة، ثم أخذ ثوبه فالتحف به). أخرجه مسلم –كتاب الحيض-باب تستر المغتسل بثوب ونحوه (1/266) برقم 336 .
الثامن : لم يكن يتوضأ ( صلى الله عليه وسلم ) بعد الغسل :
عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان لا يتوضأ بعد الغُسل. رواه الترمذي (1/179). أنظر صحيح الترمذي المجلد 1 برقم 93 الألباني
تاسعاً: في امتناعه ( صلى الله عليه وسلم ) من قراءة القرآن وهو جنب :
عن علي - رضي الله عنه - قال: ( كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )يقضي حاجته ثم يخرج فيقرأ القرآن ويأكلُ معنا اللجم ولا يحجزه ورُبّما قال: لا يحجبه من القرآن شيء إلا الجنابة. رواه أحمد في المسند (1/83) كتاب مسند العشرة المبشرين بالجنة-باب مسند علي بن أبي طالب . أنظر تمام المنة برقم 55 الألباني .
قلت: فالمقصود من ذكر هذه الأمثلة والأدلة أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان يحرص على الاغتسال ويأمر به؛ لأن في ذلك منافع عظيمة تعود للإنسان من جراء اهتمامه بالنظافة وتأسيه بقدوته عليه الصلاة والسلام: فأين نحن من ذلك..!؟
وفي ختام هذا المبحث لا بأس أن نعرج على بعض الفوائد الصحية للغُسل:
يقول الدكتور على عويضة:
ونظافة الجسم تمنعُ الإصابة بالأمراض الخبيثة ، وتفتح المسام فيخرج العرق ونظافته بانتظام عن طريق الاستحمام يومياً في الصيف ومرة كل أسبوع في الشتاء، تنعش المرء ، وتنشط الدورة الدموية.
ويقول الشيخ / عفيف طبارة :
"وقد ثبت طبياً وعلمياً أن الجسم الإنساني يفقدُ من حيويته بعد الانتهاء من الاتصال الجنسي وليس من شيء يعيده إلى تلك الحيوية مثل أن يغسل الجسم كله ويدلكه جزءاً جزءاً بالماء للتنظيف". المصدر السابق.
ويقول الدكتور / أمين رويحة :
"أن الاغتسال علاجٌ لكثير من الأمراض العضوية والنفسية ".
ويقول الدكتور/ وليد رومان :
"إن الجلد يعلب دوراً كبيراً فهو مهمٌ للصفاء الذهني وإنَّ الجلد الجميل والجذاب يعني الصحة والعلاج بالماء يُبقي الجلد في حالة جيدة".
قلت : وبعد هذه الأدلة والشواهد من سيرته ( عليه الصلاة والسلام ) فلا يبقى لنا إلا الامتثال والعمل , (( إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين)).
ملاحظة مهمة :
لمزيد من الفائدة يراجع كتاب: ( الأغسال أحكامها وأنواعها من خلال السنة المطهرة. د/ عبد الله الشريف
[1]- أجمع العلماء على استحباب الوضوء قبل الغُسل تأسياً برسول الله ( صلى الله عليه وسلم )؛ ولأنه أعون على الغسل، وأهذب.
[2]- الحفنة: ملئ الكف. (انظر الفقه الإسلامي وأدلته – وهبة الزحيلي (1/368). ========
الزينة في اللغة :
الزَّين خلاف الشّين ، وزانه زيناً أي جمله وحسنه ، و الزينة : ما يُتزين به فهي اسم جامعٌ لكل شيء يُتزين به. انظر المفصل في أحكام المرأة : لزيدان ( 3/347).
الزينة في الاصطلاح الشرعي :
قال تعالى: { قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق } (سورة الأعراف:32)
قال الزمخشري والآلوسي : المراد بالزينة في الآية الكريمة اللباس وكل ما يُتجمل به . (المصدر السابق).
- من الأمور والأشياء التي لا ينكرها عقل أن الإسلام دينُ النظافة ، والطهارة ، والنزاهة ، و الجمال ، ورمزهما , ومن تأمل كتاب الله - عز وجل - وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - يجد ذلك جلياً وواضحاً فكان من هدية - عليه الصلاة والسلام - الاعتناء بتزيين نفسه وتهذيبها ، وكذلك الاعتناء بنظافة جسمه ، وملابسه وشعره ، وغير ذلك .. بأبي هو وأمي طاب حياً وميتاً، وما ذلك إلا لأنه يعلم علم اليقين بأن الله جميلٌ يحبُ الجمال فكان صلوات ربي وسلامه عليه يحبُ الأعمال التي تقربه إلى الله عز وجل وترفعه درجات عند مولاه ، ومن ضمنها الاهتمام بالزينة والتزين لإرضاء خالقه عز وجل ولتربية الأمة الإسلامية على هذا الخلق العظيم ، وهذه السجايا والصفات الطيبة والرفيعة.
مشروعية الزينة:
يقول الدكتور عبد الكريم زيدان : الزينة في الأصل مباحة بجميع أنواعها إلا ما خصصه الشرع وأخرجه عن درجة الإباحة، فقد جاء في تفسير الرازي أن جميع أنواع الزينة مُباحٌ مأذونٌ في استعماله إلا ما خصصه الدليل.. أي منعة ونهى عنه. (المصدر السابق).
الطـيــــــب
في اللغة: كل ما تستلذه الحواس, أو النفس؛ والطيب كلُ ما يتطيب به من عطر وعودٍ ومسكٍ وغيره.1 كان النبي - عليه الصلاة والسلام - يحب الطيب ويحرص عليه أشدَّ الحرص بل كان ينبعث عرف الطيب من يده فإذا مس رأس طفل بيده استمرت الرائحة معه حتى ليُعرف أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر فلمسه بيده مما يجدون من طيبة... حتى أنَّ رائحته طيبة من غير تطيب ، وذلك أمرٌ جائزٌ في العقل فقد اختصه الله بخواصٍ ليست في كل الناس2
ويؤيدُ هذا ما رواه مسلم في صحيحه من حديث جابر بن سمرة - رضي الله تعالى عنهما - : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح خده قال : فوجدت ليده برداً وريحاً كأنما أخرجها من جؤنة3 عطار . وكان - صلى الله عليه وسلم - يُعرف منه ريح الطيب إذا أقبل. رواه مسلم - كتاب الفضائل - باب طيب رائحة النبي صلى الله عليه وسلم ولين مسه والتبرك بمسحه . (4/1814) برقم 2329
وكان - صلى الله عليه وسلم - لا يسلك طريقاً فيتبعه أحد إلا عرف أنه قد سلكه من طيب عرفه.4
قال إسحاق بن راهوية : أنّ تلك كانت رائحته بلا طيب - صلى الله عليه وسلم - .5
بل كان له - عليه الصلاة والسلام - سُكة يتطيب منها ، فعن أنس بن مالك - رضي الله تعالى عنه - : كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - سُكة يتطيب منها ، ومعنى السُكة : طيب مجموعَ من أخلاطٍ، ويحتمل أن يكون وعاءً لذلك.6أنظر صحيح أبي داود 2 برقم 3508 الألباني
وكان - عليه الصلاة والسلام - يُحب التطيب بالعود، والمسك، والعنبر وغيرها. عن محمد بن علي قال : سألتُ عائشة - رضي الله عنها - : أكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتطيب ؛ قالت : نعم بذكارة الطيب7: المسك والعنبر.
وكان من هديه - صلى الله عليه وسلم -: عدم رد الطيب إذا قُدِّم له أو أهدي إليه.
أخرج أبو داود والنسائي : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من عُرض عليه طيبٌ فلا يرده فإنه طيب الريح خفيف المحمل ، والحديث يدلُ على أن رد الطيب خلاف السُنة لأنه باعتبار ذاته خفيف لا يثقل حمله.8
أنظر صحيح أبي داود 2 برقم 3515
وكان الطيب من الأشياء المحببة جداً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - , ومن الأشياء التي كان يحضُ عليها.
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه قال -: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: حُبِّب إليَّ من دنياكم النساء والطيب، وجُعلت قرة عيني في الصلاة).9
والمتأمل لحال المسلمين في هذا الزمان يجد أن هذه السُنة قد غابت عند الكثير إلا من رحم الله - عز وجل – هناك من الناس من يأتي إلى المسجد أو إلى مقر عمله أو إلى أي مكان وإذا رائحته.. وشكله ، وهيئته ، وملبسه , يكاد ينفر منها الجميع ، وهذه الظاهرة قد انتشرت وللأسف حتى على مستوى الملتزمين ، والمثقفين ، والمتعلمين ، فأين نحن من أخلاقه - صلى الله عليه وسلم - وآدابه عليه الصلاة والسلام.
والحقيقة أن الإنسان الحسن المظهر، وذا الرائحة الجميلة الطيبة يحبه الجميع ويألفونه , بل ويحبون مجالسته , والتحدث معه ولو لساعات طويلة بلا مللٍ ولا كللٍ والعامل هُنا نفسي ، وهي فطرة الله التي فطر الناس عليها .
وفي ختام هذا المبحث أوردُ لك أخي القارئ الكريم: بعضاً من الفوائد الصحية للطيب أشار إليها ابن القيم - رحمه الله تعالى – يقول:
لما كانت الرائحة الطيبة غذاء الروح، والروح مطية القوى، والقوى تزداد بالطيب، وهو ينفع الدِّماغ والقلب وسائر الأعضاء الباطنية، ويُفرح القلب، ويسر النفس، ويبسط الروح، وهو أصدق شيء للروح وأشده ملاءمة لها، وبينه وبين الروح الطيبة نسبة قريبة.
ويقول أيضاً :
وفي الطيب من الخاصية أن الملائكة تحبه ، والشياطين تنفر منه ، وأحب شيءٍ إلى الشياطين الرائحة المنتنة الكريهة ، فالأرواح الطيبة تحب الرائحة الطيبة ، والأرواح الخبيثة تحب الرائحة الخبيثة ، وكل روح تميل إلى ما يُناسبها ، فالخبيثات للخبيثين ، والخبيثون للخبيثات ، والطيبات للطيبين , والطيبون للطيبات . انظر زاد المعاد - ابن القيم - (4/279).
فـائـدة :
التطيب مستحب في أي وقت ويتأكد في الأوقات التالية:
- يوم الجمعة.
- في العيدين.
- عند الإحرام.
- عند حضور الجماعة.
- وحضور المحافل.
- عند قراءة القرآن.
- عند حضور مجالس العلم.
- عند الذكر.
(انظر كتاب – منتهى السول على وسائل الوصول إلى شمائل الرسول – اللحجي (1/355).
1 - المفصل في أحكام المرأة – زيدان (3/365).ً
2- قبسات تربوية من السيرة النبوية- أبو غدة ص31.
3- منتهى السول إلى شمائل الرسول – اللحجي (1/349).
4- المصدر نفسه
5- المصدر السابق.
6- نفس المصدر ص 355-356.
7- المصدر السابق.
8- المفصل – زيدان (3/365).
9- تنبيه مهم: وقد اشتهر على ألسنة الناس حديث: ((حبب إليّ من دنياكم ثلاث – النساء... إلخ). يقول شيخ الإسلام ابن حجر: إن لفظ ثلاث لم يقع في شيء من طرقه، وزيادته تفسد المعنى فإن الصلاة ليست من أمور الدنيا – ونقله الحافظ السخاوي في " المقاصد الحسنة" وأقره، أنظر المقاصد الحسنة – للسخاوي (293) دار الكتاب العربي. ===
رقبته فيها طول، أما عنقه فكأنه جيد دمية (الجيد: هو العنق. والدمية: هي الصورة التي بولغ في تحسينها).
فعن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: (كأن عنق رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إبريق فضة). أخرجه ابن سعد في الطبقات (1/210).
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (كان أحسن عباد الله عنقاً، لا ينسب إلى الطول ولا إلى القصر، ما ظهر من عنقه للشمس والرياح فكأنه إبريق فضة يشوب ذهباً يتلألأ في بياض الفضة وحمرة الذهب، وما غيب في الثياب من عنقه فما تحتها فكأنه القمر ليلة البدر). أخرجه البيهقي (1/304).
ومن حديث هند بن أبي هالة وفيه: (كأن عنقه جيد دمية في صفاء الفضة). البيهقي (1/287).
صفة منكِبيه:
عن البراء بن عازب -رضي الله عنهما - قال: (كان النبي (صلى الله عليه وسلم) مربوعاً بعيد ما بين المنكبين له شعر يبلغ شحمة أذنه رأيته في حلة حمراء لم أرى شيء قط أحسن منه). البخاري ، الفتح ، كتاب المناقب ، باب
صفة النبي (6/652) رقم (3551).
والمنكب هو مجمع العضد والكتف. والمراد بكونه بعيد ما بين المنكبين أنه عريض أعلى الظهر ويلزمه أنه عريض الصدر مع الإشارة إلى أن بُعد ما بين منكبيه لم يكن منافياً للاعتدال.
صفة ختم النبوة:
وهو خاتم أسود اللون مثل الهلال. وفي رواية أنه أخضر اللون، وفي رواية أنه كان أحمراً، وفي رواية أخرى أنه كلون جسده. والحقيقة أنه لا يوجد تدافع بين هذه الروايات لأن لون الخاتم كان يتفاوت باختلاف الأوقات، فيكون تارة أحمراً وتارة كلون جسده، و هكذا بحسب الأوقات.
ويبلغ حجم الخاتم قدر بيضة الحمامة، وورد أنه كان على أعلى كتف النبي(صلى الله عليه وسلم) الأيسر. وقد عرف سلمان الفارسي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بهذا الختم.
وعن عبد الله بن سرجس قال: (رأيتُ النبي (صلى الله عليه وسلم) وأكلتُ معه خبزاً ولحماً وقال ثريداً. فقيل له: أستغفر لك النبي؟ قال: نعم، ولك ، ثم تلى هذه الآية:وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} محمد: 19. قال: (ثم درت خلفه فنظرت إلى ختم النبوة بين كتفيه عند ناغض كتفه اليسرى عليه خيلان كأمثال الثآليل). صحيح مسلم-كتاب الفضائل-باب إثبات خاتم النبوة وصفته ومحله من جسده (4/1823) رقم (2346).
وقال أبو زيد -رضي الله عنه-: (قال لي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) اقترب مني، فاقتربت منه، فقال: أدخل يدك فامسح ظهري، قال: فأدخلتُ يدي في قميصه فمسحتُ ظهره فوقع ختم النبوة بين أصبعي قال: فسئل عن ختم النبوة فقال: (شعرات بين كتفيه). أخرجه أحمد-(5/77).
وكان له ختم النبوة بين كتفيه، وهو شئ بارز في جسده - صلى الله عليه وسلم - كالشامة، فعن جابر بن سمرة قال: (ورأيت الختم عند كتفه مثل بيضة الحمامة، يشبه جسده). صحيح مسلم-كتاب الفضائل-باب شيبه –(4/1822) برقم (2344) .
وعن السائب بن يزيد قال: (ذهبت بي خالتي إلى النبي(صلى الله عليه وسلم) فقالت: يا رسول الله! إن ابن أختي وجع، فمسح - صلى الله عليه وسلم - رأسي ، ودعا لي بالبركة، وتوضأ، فشربت من وضوئه، وقمت خلف ظهره ، فنظرت إلى الختم بين كتفيه، فإذا هو مثل زر الحجلة). البخاري ،الفتح– كتاب الوضؤ- باب استعمال فضل وضؤ الناس – (1/354) برقم (190).
صفة إبطيه:
كان -عليه الصلاة والسلام- أبيض الإبطين، وبياض الإبطين من علامة نُبُوَّتِهِ إذ إن الإبط من جميع الناس يكون عادة مُتَغَيِّر اللون.قال عبد الله بن مالك -رضي الله عنه-: (كان النبي (صلى الله عليه وسلم) إذا سجد فرَّج بين يديه (أي باعد) حتى نرى بياض إبطيه). البخاري، الفتح-كتاب المناقب-باب صفة النبي- (6/655) برقم (3564).
وقال جابر بن عبد الله -رضي الله عنه-: (كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إذا سجد جافى حتى يُرى بياض إبطيه). أخرجه أحمد-(3/373) .
صفة ذراعيه:
كان -عليه الصلاة والسلام- أشعر، طويل الزندين (أي الذراعين)، سبط القصب (القصب يريد به ساعديه).
وكان(صلى الله عليه وسلم)ضخم اليدين، ذو شَعرٍ جميل، ففي الخبر عن أَنَسٍ -رضي الله عنه- قال : (كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ضَخْمَ الْيَدَيْنِ، لم أرَ بعده مثله، وكان شَعْرُ النبي (صلى الله عليه وسلم) رَجِلاً لا جَعْدَ - أي لا التواء فيه ولا تقبض- وَلا سَبِطَ - أي ولا مسترسل- ). البخاري، الفتح-كتاب اللباس- باب الجعد (10/369) برقم (5906).
صفة كفيه:
كان(صلى الله عليه وسلم)رحب الراحة (أي واسع الكف) كفه ممتلئة لحماً، غير أنّها مع غاية ضخامتها كانت لَيِّنَة أي ناعمة. قال أنَس -رضي الله عنه-: (ما مَسَستُ حريراً ولا ديباجاً أليَنَ من كَفِّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ). البخاري، الفتح-كتاب المناقب-باب صقة النبي- (6/654) برقم (3561). وأمَّا ما ورد في روايات أخرى عن خشونة كفيه وغلاظتها، فهو محمول على ما إذا عَمِل في الجهاد أو مهنة أهله، فإنّ كفه الشريفة تصير خشنة للعارض المذكور (أي العمل) وإذا ترك رجعت إلى النومة.
وعن جابر بن سمرة -رضي الله عنه- قال: (صليتُ مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) صلاة الأولى، ثم خرج إلى أهله وخرجتُ معهُ، فاستقبله ولدان، فجعل يمسح خدي أحدهم واحداً واحداً. قال: وأما أنا فمسح خدي. قال: فوجدتُ ليده برداً أو ريحاً كأنما أخرجها من جونة عطار). صحيح مسلم-كتاب الفضائل-باب طيب رائحة النبي ولين مسه والتبرك بمسحه- (4/1815) برقم (2329).
وقال أبو جحيفة: (أخذت بيده، فوضعتها على وجهي، فإذا هي أبرد من الثلج، وأطيب رائحة من المسك).البخاري، الفتح (1/502)(3360)-كتاب المناقب، باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم-.
وقال جابر بن سمرة- كان صبيا- : مسح خدي فوجدت ليده برداً أو ريحاً كأنما أخرجها من جونة عطار).صحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب طيب رائحة النبي صلى الله عليه وسلم(4/1814)(2329)
صفة أصابعه:
قال هند بن أبي هالة -رضي الله عنه-: (كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) سائل الأطراف، قوله (سائل الأطراف يريد الأصابع أنها طوال ليست بمنعقدة). ابن سعد في الطبقات (1/422).
صفة صَدره:
عريض الصدر، مُمتَلِىءٌ لحماً، ليس بالسمين ولا بالنَّحيل، سواء البطن والظهر. وكان(صلى الله عليه وسلم) أشعر أعالي الصدر، عاري الثديين والبطن (أي لم يكن عليها شعر كثير) طويل المَسرَبَة وهو الشعر الدقيق البيهقي (1/244).
وكان (صلى الله عليه وسلم): (سواء البطن والصدر، عريض الصدر).ابن سعد في الطبقات (1/422)
صفة بطنه:
قالت أم معبد -رضي الله عنها-: (لم تعبه ثُجله"، الثجلة: كبر البطن.البداية والنهاية (3/190)
صفة سرته:
عن هند بن أبي هالة-رضي الله عنه-: (كان رسول الله(صلى الله عليه وسلم) دقيق المسربة موصول ما بين لبته إلى السرة بشعر يجري كالخط، عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك): البيهقي (1/304). واللَّبَةُ المنحر وهو النقرة التي فوق الصدر.
صفة مفاصله وركبتيه:
كان(صلى الله عليه وسلم)ضخم الأعضاء كالركبتين والمِرفَقين و المنكبين والأصابع، وكل ذلك من دلائِل قوَّته (عليه الصلاة والسلام)
صفة ساقيه:
عن أبي جحيفة - رضي الله عنه- قال: (... وخرج رسول الله (صلى الله عليه وسلم)ٍ كأني أنظر إلى وبيص ساقيه). البخاري ، الفتح-كتاب المناقب-باب صفة النبي- (6/655) برقم (3566).
صفة قدميه:
قال هند بن أبي هالة-رضي الله عنه-: (كان النبي(صلى الله عليه وسلم)خمصان الأخمصين مسيح القدمين، ينبو عنهما الماء ...). مجمع الزوائد للهيثمي (8/273). قوله: خمصان الأخمصين: الأخمص من القدم ما بين صدرها وعقبها، وهو الذي لا يلتصق بالأرض من القدمين، يريد أن ذلك منه مرتفع. مسيح القدمين: يريد أنهما ملساوان ليس في ظهورهما تكسر لذا قال: ينبو عنهما الماء يعني أنه لا ثبات للماء عليها وششن الكفين والقدمين أي غليظ الأصابع والراحة.
وعن أنس بن مالك-رضي الله عنه- قال: (كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ربعة ليس بالطويل ولا بالقصير حسن الجسم، وكان شعره ليس بجعد ولا سبط، أسمر اللون... ). الترمذي-كتاب اللباس –باب ما جاء في الجمة واتخاذ الشعر (4/233) برقم (1754).
وعن البراء بن عازب يقول : (كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) رجلاً مربوعاً ، بعيد ما بين المنكبين ، عظيم الجمة ( وهي ما سقط من شعر الرأس ووصل إلى المنكبين) إلى شحمة أذنيه، عليه حلة حمراء( ثوبان: إزار ورداء) ما رأيت شيئاً قط أحسن منه). صحيح مسلم في الفضائل-باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم(4/1818) برقم (2337).
وعن علي بن أبي طالب-رضي الله عنه- قال: (لم يكن النبي (صلى الله عليه وسلم) بالطويل ولا بالقصير،شثن الكفين والقدمين ،ضخم الرأس ، ضخم الكراديس (أي غليظ الأصابع والراحة) طويل المسربة، أي الشعر الدقيق الذي يبدأ من الصدر وينتهي بالسرة) إذا مشى تكفأ تكفؤاً كأنما ينحط من صبب، لم أرى قبله ولا بعده مثله - صلى الله عليه وسلم -). أخرجه الترمذي في المناقب برقم (3641). وقال الألباني في مختصر الشمائل: صحيح ص15.
صفة عَقِبيه:
عن سماك بن حرب قال: سمعت جابر بن سمرة قال: (كان رسول الله(صلى الله عليه وسلم)ضليع الفم، أشكل العين، منهوس العقبين، قال قلت لسماك: ما ضليع الفم؟ قال: عظيم الفم، قال قلت: ما أشكل العين؟ قال: طويل شق العين. قال قلت: ما منهوس العقب؟ قال: قليل لحم العقب.صحيح مسلم-كتاب الفضائل-باب صفة فم النبي وعينيه وعقبيه –(4/1820) برقم (2339) .
صفة قامته وطوله:
عن أنس -رضي الله عنه قال: (كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) رَبعَة منالقَوم) (أي مربوع القامة)، ليس بالطويل البائن ولا بالقصير، وكان إلى الطول أقرب.البخاري، الفتح-كتاب المناقب-باب صفة النبي- (6/252) برقم (3547).
وقد ورد عند البَيهَقي وابن عساكر أنه(صلى الله عليه وسلم)لم يكن يُماشي أحداً من الناس إلا طاله، و لرُبَّما اكتنفه الرجُلان الطويلان فيطولهما فإذا فارقاه نُسِبَ إلى الرَّبعة، وكان إذا جلس يكون كتفه أعلى من الجالس. وبالجملة كان- صلى الله عليه وسلم-حسن الجسم، معتدل الخَلق ومتناسب الأعضاء.
صفة عَرَقِه:
عن أنس -رضي الله عنه- قال: (كان رسول الله(صلى الله عليه وسلم)أزهر اللون كأنَّ عَرَقه اللؤلؤ) (أي كان صافياً أبيضاً مثل اللؤلؤ) ... وقال أيضاً: (ما شَمَمتُ عنبراً قط ولا مسكاً أطيب من ريح رسول الله(صلى الله عليه وسلم))، صحيح مسلم-كتاب الفضائل-باب طيب رائحة النبي ولين مسه والتبرك بمسحه (4/1815) برقم (2330) .
وعن أنس أيضاً قال: (دخل علينا رسول الله(صلى الله عليه وسلم) فَقَال (أي نام) عندنا، فعرِقَ وجاءت أمي بقارورة فجعلت تَسلُتُ العَرَق، فاستيقظ النبي(صلى الله عليه وسلم)فقال: (يا أم سُلَيم ما هذا الذي تصنعين؟) قالت: عَرَق نجعله في طيبنا وهو أطيَب الطيب). صحيح مسلم-كتاب الفضائل-باب عرق النبي والتبرك به (4/1815) برقم (2331). وفيه دليل أن الصحابة كانوا يتبرَّكون بآثار النبي(صلى الله عليه وسلم)، وقد أقرَّ الرسول-عليه الصلاة والسلام- أم سُليم على ذلك. =========
التَّرجُل :
تسريح الشعر ( أي تمشيطه بمشطٍ وغيره) قال الأصمعي: ومعنى رجَّل أي سرح بمشط مع ماء وغيره.. النووي شرح مسلم (1/409)
الدِّهن :
ا يُدهن به من زيتٍ ونحوه. ( انظر مختصر الشمائل المحمدية – الألباني ص37)
كان من هديه (صلى الله عليه وسلم) إكرام الشعر وترجيله وتطويله ، وفعله ذلك بنفسه.. إلخ إنما لأن اتخاذ الشعر وتطويله هو الأفضل من سُنته بحيث أن المحافظة على ذلك تتطلب الإكرام، والترجيل، والدهن وفي ذلك كما هو معلوم بعض المئونة والمشقة ، وفي الحث على تحمل ذلك ما يستحق من الثواب ، ونيل الفضيلة ، والإتباع لما هو الأفضل، والأخذ بسُنة المُصطفى قولاً وعملاً في كل وجهٍ شرعٌ ؛ مشروعٌ لا يُمارى فيه هُنا أو يتكاسل عن الإقتداء به فيما هاهنا إلاّ متساهلٌ بحق السُنة الشريفة، ومُعرض عن قبول ما لا يريده منها، وإن كان حقاً ثابتاً عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وإلا لما يقول في اتخاذ الشَعر وإكرامه رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ويحثُ على ذلك، ويفعله هو؟ إذاً فماذا بقي غير امتثال قول رسول الله (صلى الله عليه وسلم)!!؟ والإقتداء بفعله وسنته مما صلح وثبت، ومن ذلك ما يلي:-
1. عن أبي هريرة – رضي الله عنه- أنَّ النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: من كان له شَعَرٌ فليُكرمه.
رواه أبو داود. صحيح أبي داود 2 برقم 3509 الألباني
وهذا الحديث فيه دلالة على استحباب إكرام الشعر بالدهن والتسريح وإعفائه من الحلق؛ لأنه يخالف الإكرام إلا أن يطول.
2. عن وائل بن حجر قال : أتيتُ النبي (صلى الله عليه وسلم) ولي شعرٌ طويلٌ فلما رآني رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال : ذبابٌ ، قال : فرجعت فجززته ، ثم أتيته من الغد فقال: إني لم أعْنك، وهذا أحسن ) رواه أبو داود والنسائي. أنظر صحيح أبي داود 2 برقم 3530 الألباني
3. عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أنه قال لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) إنَّ لي جمة ضخمة أفأُرَجِّلُها؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (نعم، وأكرمها) فكان أبو قتادة رُبما دهنها في اليوم مرتين لمَّا قال له رسول الله (صلى الله عليه وسلم) نعم، وأكرمها. (النسائي ومالك) الحديث ضعيف أنظر تمام المنة برقم 29 الألباني .
قال المناوي في "فتح القدير": (وهو محمول على أنه كان مُحتاجاً لذلك لغزارة شعره، أو لبيان الجواز).
4. عن عطاء بن يسار قال: (كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في المسجد، فدخل رجلٌ ثائر الرأس (أي شعث الرأس) واللحية، فأشار إليه رسول الله(صلى الله عليه وسلم) بيده أن اخرج كأنه يعني إصلاح شعر رأسه ولحيته، ففعل الرجل، ثم رجع، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): أليس هذا خيراً من أن يأتي أحدكم ثائر الرأس كأنه شيطان؟) أي في قبح المنظر (مالك في الموطأ). الحديث ضعيف أنظر غاية المرام برقم 73 الألباني .
وفي الأحاديث التأكيد الظاهر على العناية بالشعر، وإكرامه، وترجيله، والمداومة على ذلك حتى يبقى الشعر في المظهر المقبول. كما أن فيها ما يدل على كراهة تركه مشوشاً ثائراً، ووصف من تهاون في العناية بشعره، ثم قال في الحديث: (كأنه شيطان). ولذا أمر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أبا قتادة الأنصاري بترجيل جُمته، وإكرامها كل يوم، لكونها كبيرة تحتاج إلى مثل ذلك، أو لبيان جواز إصلاح الشعر كلما تشوش، وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يُداوم على الاعتناء بشعره.
5. ثبت في الصحيحين عن سهل بن سعد الساعدي (أن رجلاً اطلع من جُحرٍ في دار النبي (صلى الله عليه وسلم)، والنبيُّ (صلى الله عليه وسلم) يحكُ رأسه بالمدْرى.. ) الحديث.
والمِدْرى: عودٌ تدخله المرأة في رأسها لتضم بعض شعرها إلى بعض.
وفيه دلالة على اعتناء النبي (صلى الله عليه وسلم) بشعره إلى ما هو أبعد من الاكتفاء بالمشْطِ والترجيل، وذلك بالمدرى.
ومن شدة محافظته وملازمته على إكرام شعره وترجيله أنه كان يستعين عليه بزوجته عائشة - رضي الله عنها- وهي في زمان الحيض ورسول الله (صلى الله عليه وسلم) في المسجد في أيام اعتكافه للعبادة والخلوة.
6. كما روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أرجِّل رأس رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأنا حائضٌ). أنظر صحيح ابن ماجة 1 برقم 516 الألباني
ولم يقتصر الاهتمام بإكرام الشعر وترجيله على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بل شمل ذلك أصحابه - بتوجيه لهم- رضوان الله عليهم.
7. عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ((إذا كان يومُ صوم أحدكم فليُصبح دهيناً مُترجلاً. رواه البخاري.كتاب الصوم-باب اغتسال الصائم (4/181) الفتح
ملاحظة مهمة :
لمزيد من الفائدة يراجع كتاب ( أحكام تربية شعر رأس وتهذيبه. د/ سالم بن علي الثقفي من ص55-61. )
والله الموفق والمعين
=============
المبحث الرابع: ذكر سيفه - صلى الله عليه وسلم-:
كان له تسعة سيوف، منها: ذو الفقار، والقلعى، والبتار، والحتف، والمخدم، والرسوب، والقضيب، وهو أول سيف تقلد به -عليه الصلاة والسلام-.
وكان له سيف آخر تركه له والده. راجع: غاية السؤل في سيرة الرسول (58).
وقال في سبل الهدى والرشاد وله من السيوف إحدى عشر سيفاً:
الأول: المأثور – وهو أول سيف ملكه، ورثه من أبيه، وقدم به المدينة، وهو الذي يقال: إنه من عمل الجنّ.
وروى ابن سعد عن عبد المجيد بن سهْل قال: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة في الهجرة بسيف كان لأبي (قُثَم) مأثور يعني أباه.
الثاني: ذو الفقار، كان وسطها مثل الفقرات غنمه يوم بدر، وكانت للقاضي ابن حُنبَّه السهمي- وكان لا يكاد يفارقه في حروبه، وكان قائمته، وقبضته، وذؤابته، وبكراتُه، ونُصله، من فضة.
الثالث والرابع والخامس: أصابهم من سلاح بني قينقاع.
روى ابن سعد عن مروان بن أبي سعيد بن المعلّى قال: أصاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من سلاح بني قينقاع ثلاثة أسياف: قلعَّية: وسيف يدعى البتار، والبتار القاطع، وسيف يدعى الحتف، روى ابن سعد عن مجاهد وزياد بن أبي مَرْيم قالا: كان سيف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحتف له قَرْن.
السادس والسابع: أصابهم من صنم لطيء.
روى ابن سعد عن مروان بن أبي سعيد المعلى قال: كان عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سيف يدعى المخِدم، وسيف يدعى رسوباً أصابهما من الفلس( صنم لطيء).
الثامن: العضب: أرسل إليه به سعد بن عبادة - رضي الله عنه - عند توجهه إلى بدر.
التاسع: القضيب: أصابه من سلاح بني قينقاع.
العاشر: الصَّمصامة: كانت لعمرو بن مَعْدي كرب الزبيدي، فوهبها خالد بن سعد بن العاص بن أميه بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي استعمله - صلى الله عليه وسلم - وكانت مشهورة عند العرب.
الحادي عشر: اللُحيف وقد نظم بعض ذلك الحافظ أبو الفتح من قصيدة في ديوانه فقال:
وإِذَا هَـزَّ حُسَـاماً هَـزَّهُ حَتْـفَ الكُمَاة
مِن قَضِيبٍ وَرَسُوبِ رَأْسٍ في الضَّرَبَاتِ
أَبْيــضُ البتار قـدَّ حـدَّ البَاتــرَات خِلتَ لَمْعَ البـَرْقِ يَبْدو مِنْ سَنَاءِ الفَقَراتِ
وَالنَارِ المْخِدَمِ المَاضي لَهيبُ الجَمَرات وَبِما الحَتْفِ والعَضْبِ ظُهور المُعْجِزَات
راجع/ سبل الهدى والرشاد (7/363-364).
وعن ابن عباس - رضي الله عنه -:( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -تنفل سيفه ذا الفقار يوم بدرٍ، وهو الذي رأى فيه الرُّؤيا يوم أحدٍ) سنن الترمذي –(4/ 110) رقم(1561) كتاب السير عن رسول الله – باب في النفل.
وعن أنس - رضى الله عنه – قال:(كانت قبعة سيف رسول الله - صلى الله عليه وسلم – فضةً). الجامع الصحيح للترمذي ( 4/ 173) كتاب الجهاد – باب ما جاء في السيوف.
وعن أنس بن مالك-رضي الله عنه-: أن سيف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان حنفياً (نسبة إلى بني حنيفة قبيلة مسيلمة وكانوا معروفين بصناعة السيوف).رواه الترمذي (4/ 172) رقم ( 1691) – كتاب الجهاد – باب ما جاء في السيوف وحليتها).
قوسه ونبله - صلى الله عليه وسلم -:
عن ابن عباس- رضي الله عنه-قال: (كان رسول الله-صلى الله عليه وسلم-يخطبهم يوم الجمعة في السفر، متوكئاً على قوس قائماً). صحيح سنن أبي داود( 1/ 204) رقم ( 971)- كتاب الصلاة-باب الرجل يخطب على قوس.
قال أبو هريرة-رضي الله عنه-:(أقبل رَسولُ الله-صلى الله عليه وسلم-إلى الحجر فاستلمه ثم طافَ بالبيت. قال: فأتى على صنم إلى جنب البيت، وفي يد رسول الله-صلى الله عليه وسلم-قوسُ، وهو آخذٌ بسية القوس، فلما أتى على الصنم جعل يطعن في عينه، ويقول: {جاء الحق وزهق الباطل}.سورة الإسراء، من الآية 81. صحيح مسلم ( 3/ 1405) رقم ( 1780)- كتاب الجهاد- باب فتح مكة).
وعن سعيد بن المسيب قال: سمعت سعد بن أبي وقاص - رضى الله عنه - قال: نثل لي النبي - صلى الله عليه وسلم - كنانته يوم أحد، فقال: (ارم فِداك أبي وأمي)البخاري- الفتح ( 7/ 415) رقم ( 4055) – كتاب المغازي- باب إذا همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما.
قال ابن أبي سبرة عن مروان بن أبي سعيد قال: (كانت للنبي-صلى الله عليه وسلم-قوس تُدعَى الكتوم من نبع كُسرت يوم أُحُد، أخذها قتادة بن النعمان).تركة النبي-صلى الله عليه وسلم- ص(103).
قال صاحب عيون الأثر: وكان له من القسيّ خمس: 1. الروحاء. 2. الصفراء: من نبع، 3-البيضاء من شوحط، أصابهما من بني قينقاع. 4-الزوراء. 5-الكتوم؛ لانخفاض صوتهما إذا رمى عنها.
وكانت له جعبة: وهي الكنانة، يجمع فيها نبله، ومنطلقه: من أديم مبشور، ثلاث حِلَقها وأبزيمها وطرفها فضة. راجع: عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير (2/416).
قال صاحب سبل الهدى والرشاد قسيه ست ذكر منها ما ذكره صاحب عيون الأثر الخمسة والسادس هو/ السَّداس: ذكرها جماعة وأسقطها غيرهم من السيوف.
وروى ابن ماجه عن علي-رضي الله تعالى عنه-قال: (كان بيد رسول الله-صلى الله عليه وسلم-قوس عربية، فرأى رجلاً بيده قوس فارسيه، فقال: (ما هذه القناة؟ عليكم بهذه وأشباهها، ورماح القنا فإنما يؤيد الله بكم الدين، ويمكن لكم في البلاد). سنن ابن ماجه، وضعفه الألباني في ضعيف سنن ابن ماجه ( 229) رقم( 562- 286) كتاب الجهاد – باب السلاح.
وروى ابن أبي شيبة عن رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال:(كنا مع رسول الله في غزوة فأصابتنا حاجة شديدة وأصبنا غنماً فانتهبنا قبل أن نقسم وإن قدُورنا لتغلي، فأتانا رسول الله-صلى الله عليه وسلم- يمشي على قوسه نحونا، فكفأها بقوسه، وقال: (ليست النهبة بأحل من الميتة). سنن أبي داود-كتاب الجهاد – باب النهي عن النهبى إذا كان في الطعام قلة في أرض. ========
فمه وأسنانه
قال هند بن أبي هالة -رضي الله عنه-: (كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أشنب مفلج الأسنان (الأشنب: هو الذي في أسنانه رقة وتحدد) .الترمذي في الشمائل وابن سعد في الطبقات والبغوي في شرح السنة.وقال الألباني إسناده ضعيف جداً في السلسلة الضعيفة رقم (4220).
وعن جابر بن سمرة -رضي الله عنه- قال: (كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ضليع الفم (أي واسع الفم) جميلهُ، وكان من أحسن عباد الله شفتين وألطفهم ختم فم. وكان -عليه الصلاة والسلام- وسيماً أشنب (أبيض الأسنان مفلج أي متفرق الأسنان، بعيد ما بين الثنايا والرباعيات)، أفلج الثنيَّتين (الثنايا جمع ثنية بالتشديد وهي الأسنان الأربع التي في مقدمة الفم، ثنتان من فوق وثنتان من تحت، والفلج هو تباعد بين الأسنان)، إذا تكلم رُئِيَ كالنور يخرج من بين ثناياه )، (النور المرئي يحتمل أن يكون حسياً كما يحتمل أن يكون معنوياً، فيكون المقصود من التشبيه ما يخرج من بين ثناياه من أحاديثه الشريفة وكلامه الجامع لأنواع الفصاحة والهداية). راجع:البيهقي (1/ 215).
وفي الحديث أنه كان -عليه الصلاة والسلام-: (فخماً مفخماً، يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر، أطول من المربوع، وأقصر من المشذب، عظيم الهامة، رجل الشعر، إن انفرقت عقيقته فرق، وإلا فلا يجاوز شعره شحمة أذنيه إذا هو وفره، أزهر اللون، واسع الجبين، أزج الحواجب، سوابغ في غير قرن، بينهما عرق يدره الغضب، أقنى العرنين، له نور يعلوه يحسبه من لم يتأمله أشم، كث اللحية، سهل الخدين، ضليع الفم، أشنب، مفلج الأسنان، دقيق المسربة، كأن عنقه جيد دمية في صفاء الفضة، معتدل الخلق، بادناً متماسكاً، سواء البطن والصدر، عريض الصدر، بعيد ما بين المنكبين، ضخم الكراديس، أنور المتجرد موصول ما بين اللبه والسرة بشعر يجري كالخط، عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك، أشعر الذراعين والمنكبين وأعالي الصدر، طويل الزندين رحب الراحة، سبط العصب، شثن الكفين والقدمين، سائل الأطراف خمصان الأخمصين، مسيح القدمين، ينبو عنهما الماء، إذا زال تقلعا، ويخطو تكفواً، ويمشي هوناً، ذريع المشية، كأنما ينحط من صبب، وإذا التفت التفت جميعاً، خافض الطرف، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء، جل نظره الملاحظة، يسوق أصحابه، ويبدأ من لقيه بالسلام. ضعفه الألباني في ضعيفالجامع (4470).
صفــة ريقـــه:
لقد أعطى الله - تعالى- رسوله (صلى الله عليه وسلم) خصائص كثيرة لريقه الشريف ومن ذلك أن ريقه -صلى الله عليه و سلم- فيه شفاء للعليل، ورواء للغليل وغذاء وقوة وبركة ونماء، فكم داوى - صلى الله عليه وسلم - بريقه الشريف من مريض فبرىء من ساعته !.
جاء في الصحيحين عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يوم خيبر: (لأعطِيَنَّ الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله). فبات الناس ليلتهم أيهم يعطى، فغدوا كلهم يرجوه، فقال: أين علي؟ فقيل يشتكي عينيه، فبصق في عينيه ودعا له فبرأ كأن لم يكن به وجع، فأعطاه، فقال: أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا ، فقال : (أنفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم، فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً خير لك من أن يكون لك حمر النعم) البخاري-كتاب الجهاد والسير-باب فضائل من أسلم على يديه رجل (6/168) برقم (3009).
وروى الطبراني وأبو نعيم أنَّ عميرة بنت مسعود الأنصارية وأخَواتها دخلن على النبي -صلى الله عليه و سلم- يبايعنَه، وهن خمس، فوجدنَه يأكل قديداً (لحم مجفَّف)، فمضغ لهن قديدة، قالت عميرة: ثم ناولني القديدة فقسمتها بينهن، فمضغَت كل واحدة قطعة فلَقَينَ الله –تعالى- وما وُجِدَ لأفواههن خلوف، (أي تغَيُّر رائحة فم).
وكان بصاقه طيباً طاهراً، فعن عبد الجبار بن وائل قال حدثني أهلي عن أبي قال: (أُتي النبي (صلى الله عليه وسلم) بدلو من ماء، فشرب منه، ثم مجّ في الدلو، ثم صُبّ، في البئر، أو شرب من الدلو، ثم مج في البئر، ففاح منها مثل ريح المسك)رواه أحمد (4/427).
وقال الزيال: لقد رأيت حنظلة يؤتى بالرجل الوارم وجهه أو الشاة الوارم ضرعها فيقول: بسم الله موضع كف رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فيمسحه فيذهب الورم.
وعن يزيد بن أبي عبيد قال : (رأيت أثر ضربة في ساق سلمة فقلت: يا أبا مسلم ما هذه الضربة ؟ قال: هذه ضربة أصابتها يوم خيبر فقال الناس: أُصيب سلمة فأتيت النبي (صلى الله عليه وسلم) فنفث فيه ثلاث نفثات فما اشتكيت حتى الساعة)أخرجه البخاري-كتاب المغازي -باب غزوة خيبر (7/542) برقم (4206).
صفـــة لحيتـــه:
عن عبد الله بن بسر -رضي الله عنه- قال: (كان في عنفقة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) شعرات بيض). البخاري، الفتح-كتاب المناقب-باب صفة النبي (6/652) – برقم (3546).
وقال أنس بن مالك -رضي الله عنه-: (لم يختضب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إنما كان البياض في عنفقته). صحيح مسلم –كتاب الفضائل-باب شيبه (4/1821) برقم (2341).
وكان من هديه -عليه الصلاة والسلام- حف الشارب وإعفاء اللحية. وكان - صلى الله عليه وسلم - كث اللحية، كما وصفه أحد أصحابه جابر بن سمرة -رضي الله عنه- قال: (وكان كثير شعر اللحية) صحيح مسلم –كتاب الفضائل-باب شيبه (4/1823) برقم (2344).
صفـــــة رأســــه:
عن قتادة قال قلت لأنس بن مالك- رضي الله عنه-: (هل خضب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ؟ قال: لم يبلغ ذلك ، إنما كان شيباً في صدغيه). أخرجه البخاري-كتاب المناقب-باب صفة النبي (6/652) – برقم (3550).
وعن أنس بن مالك-رضي الله عنه- قال: (ما عددت في رأس رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ولحيته إلا أربع عشرة شعرةً بيضاء). أحمد في المسند(3/208).
وعن سماك بن حرب قال: سمعت جابر بن سمرة ، وقد سئل عن شيب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ؟ فقال: (كان إذا دهن رأسه لم ير منه شيء ، وإذا لم يدهن رئي منه). مسلم-كتاب الفضائل-باب شيبة (4/1822) برقم (2344).
وعن أبي جحيفة قال: قالوا: يا رسول الله ! نراك قد شبت. قال: (قد شيبتني هود وأخوتها). صححه الألباني في مختصر الشمائل ص40.
صفـــة شَعـــــره:
كان شديد السواد رَجِلاً (أي ليس مسترسلاً كشعر الروم ولا جعداً كشعر السودانوإنَّما هو على هيئة المُتَمَشِّط. يصل إلى أنصاف أذنيه حيناً ويرسله أحياناً فيصل إلى شَحمَة أُذُنيه أو بين أذنيه و عاتقه، وغاية طوله أن يضرب مَنكِبيه إذا طال زمان إرساله بعد الحلق، وبهذا يُجمَع بين الروايات الواردة في هذا الشأن، حيث أخبر كل واحدٍ من الرواة عمَّا رآه في حين من الأحيان.
قال الإمام النووي: (هذا، ولم يحلق النبي (صلى الله عليه وسلم) رأسه (أي بالكلية) في سِنتيّ الهجرة إلا عام الحُديبية، ثم عام عُمرة القضاء، ثم عام حجة الوداع). قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: (كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كثير شعر الرأس راجله). الأحاديث المختارة(2/370) رقم(754).
ولم يكن في رأس النبي -صلى الله عليه و سلم- شيب إلا شُعيرات في مفرِق رأسه، فقد أخبر ابن سعيد أنه ما كان في لحية النبي -صلى الله عليه و سلم- و رأسه إلا سبع عشرة شعرة بيضاء وفي بعض الأحاديث ما يفيد أن شيبه لا يزيد على عشرة شعرات وكان - عليه الصلاة والسلام - إذا ادَّهن واراهُنَّ الدهن (أي أخفاهن)، وكان يدَّهِن بالطيب والحِنَّاء.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: (كان النبي يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه، وكان أهل الكتاب يُسدِلون أشعارهم وكان المشركون يَفرقون رؤوسهم، فسدل النبي (صلى الله عليه وسلم) ناصيته ثم فرق بعد). البخاري-كتاب اللباس-باب الفرق – (10/374) باب (5917).
وكان رجل الشعر حسناً ليس بالسبط ولا الجعد القطط، كما إذا مشطه بالمشط كأنه حُبُك الرَّمل، أو كأنه المتون التي تكون في الغُدُر إذا سفتها الرياح، فإذا مكث لم يرجل أخذ بعضه بعضاً، وتحلق حتى يكون متحلقاً كالخواتم ، لما كان أول مرة سدل ناصيته بين عينيه كما تسدل نواصي الخيل جاءه جبريل -عليه السلام- بالفِرق ففرق.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (كنتُ إذا أردتُ أن أفرق رأس رسول الله صَدعْت الفرق من نافوخه وأرسلُ ناصيته بين عينيه). انظر صحيح سنن أبي داود للألباني برقم (3529) - كتاب الترجل-باب ماجاء في الفرق.
وكان - صلى الله عليه وسلم - يُسدِلُ شعره أي يُرسِله ثم ترك ذلك وصار يَفرِقُهُ، فكان الفَرقُ مستحباً، وهو آخِرُ الأمرين منه - صلى الله عليه وسلم -.
وفَرقُ شعر الرأس هو قسمته في المَفرِقِ وهو وسط الرأس .
وكان يبدأ في ترجيل شعره من الجهة اليمنى، فكان يفرق رأسه ثم يُمَشِّطُ الشِّق الأيمن ثم الشِّق الأيسر.
وكان رسول الله -صلى الله عليه و سلم- يترَجَّل غباً (أي يُمشط شعره ويتَعَهَّدُهُ من وقت إلى آخر).
وعن عائشة -رضي الله عنها-: (كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطُهوره في شأنه كله). أخرجه البخاري-كتاب الوضؤ-باب التيمن في الوضؤ والغسل-(1/324 ) برقم (168).
وعن عبد الله بن وهب قال : (أرسلني أهلي إلى أم سلمة بقدح من ماء، وقبض إسرائيل ثلاث أصابع من قُصة فيها شعر من شعر النبي (صلى الله عليه وسلم)، وكان إذا أصاب الإنسان عن أو شيء بعث إليها مخضبة، فاطلعت في الجلجل فرأيت شعرات حُمر). البخاري - الفتح-كتاب اللباس-باب ما يذكر في الشيب (10/364) برقم (5896). قال الحافظ في الفتح: المراد أنه كان من اشتكى أرسل إناء إلى أم سلمة فتجعل فيه تلك الشعرات تغسلها فيه وتعيده فيشربه صاحب الإناء أو يغتسل به استشفاء بها فتحصل له بركتها . ويوجد بعض شعرات النبي (صلى الله عليه وسلم) في المسجد الكبير في طرابلس في لبنان عُهد بها لرجل فاضل من آل الميقاتي يخرجها في آخر يوم جمعة من رمضان في كل سنة بعد صلاة الفجر وبعد صلاة الجمعة. وثبت في الصحيحين عن البراء أن رسول الله كان يضرب شعره إلى منكبيه.
وجاء في الصحيح عنه وعن غيره إلى أنصاف أذنيه. ولا منافاة بين الحالين، فإن الشعر تارة يطول وتارة يقصر منه ، فكل حكى بحسب ما رأى. المرجع شمائل الرسول ودلائل نبوته وفضائله وخصائصه للإمام أبي الفداء إسماعيل ابن كثير ص 23.
وعن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: (كان شعر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فوق الوَفْرة ودون الجمة). انظر صحيح سنن أبي داود للألباني برقم (3527)-كتاب الترجل-باب ماجاء في الشعر.
وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه -قال: (كان شعرُ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى أنصاف أذنيه). صحيح مسلم-كتاب الفضائل-باب صفة شعر النبي (صلى الله عليه وسلم) (4/1819) برقم (2338).
وعن أم هاني بنت أبي طالب قالت: (قدم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مكة قدمةً وله أربع غدائر، (وفي رواية : ضفائر). انظر صحيح سنن أبي داود للألباني برقم (3531) كتاب الترجل-باب في الرجل يعقص شعره. =========
ذكر فراشه - صلى الله عليه وسلم -:
عن عائشة-رضي الله عنها- قالت: (كان ضجاع النبي-صلى الله عليه وسلم-الذي ينام عليه بالليل من أدم محشواً لِيفاً). صحيح مسلم( 4/ 208) رقم ( 1761) - كتاب اللباس- باب التواضع في اللباس.
وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: (دخَلت عليَّ امرأة من الأنصار فرأت فراش رسول الله-صلى الله عليه وسلم- مثنية فانطلقت فبعثت إليّ بفراش فيه صوف، فدخل علي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: ما هذا؟ فقلت: إنّ فلانة الأنصارية دخلت فرأت فراشك، فبعثت إليّ بهذا فقال: رُدّيه، قالت: فلم أرده، وأعجبني أن يكون في بيتي، قالت: حتى قال لي ذلك ثلاث مرات. فقال: رُديه يا عائشة، فو الله لو شئت لأجْرى الله عليَّ جبال الذهب والفضة. قالت: فرددتها). رواه الطبري المعجم الكبير، (6/141) ورواه ابن سعد في الطبقات عن سعيد بن سليمان، عن عبَّاد بن عبَّاد المهلبي، به (1/465).
ون عائشة- رضي لله عنها - قالت: (كان وسادُ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الذي يتكيء عليه من أدَمٍ، حشوه ليفٌ). صحيح مسلم ( 3/ 1650) رقم ( 2083) - كتاب اللباس والزينة –باب التواضع في اللباس والاقتصار على الغليظ منه واليسير في اللباس والفراش وغيرها.
سئلت حفصة - رضي الله عنها -:( ما كان فراش رسول الله-صلى الله عليه وسلم-؟ قالت: مِسْح ( أي كساء خشن يعد للفراش من صوف، والمسح البلاس والمسح الكساء من شعر (لسان العرب) نثنيه ثنتين، فينامُ عليه، فلما كان ذات ليلة قلت: لو نثنيه بأربع ثنيات، فلما أصبح قال: (ما فرشتموني الليلة؟ قالت: قلنا: هو فراشك، إلا أنّا ثنيناه بأربع ثنيات، قلنا: هو أوطأ لك. قال: رُدوه لحاله الأولى، فإنه منعني وطأته صلاتي الليلة). رواه الطبراني في المعجم الصغير،(1/222) وأخرجه الترمذي في الشمائل برقم (322).
وعن ميمونة زوج النبي- صلى الله عليه وسلم-قالت: (كان رسول الله-صلى الله عليه وسلم-يُصلي في مرطٍ (المروط مرط وهو كساء من صوف أو خزٍ أوغيره) بَعضه علي وبعضه عليه، وأنا حائض). سنن البيهقي(2/239)
وروى الطبراني عن ابن عباس :(أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان له بساط يسمى الكِنَّ، وكانت له عباة تسمى النمرة. وكانت له ركوة تسمى الصادرة، وكانت له مرآة تسمى المرآة، وكان له مقراض يسمى الجامع، وكان له قضيب يسمى الممشوق). رواه الطبراني في المعجم الصغير،(11/111).
ذكر لحافه - عليه الصلاة والسلام -:
روى البخاري عن هشام عن أبيه قال: (كان الناس يتحرون الهدايا في يوم عائشة قالت عائشة: فاجتمع صواحبي إلى أم سلمة فقلن يا أم سلمة والله إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة وإنا نريد الخير كما تريده عائشة فمري رسول الله-صلى الله عليه وسلم-أن يأمر الناس أن يهدوا إليه حيث ما كان أو حيث ما دار, قالت: فذكرت ذلك أم سلمة لرسول الله-صلى الله عليه وسلم-.قالت: فأعرض عني. قالت: فلما عاد إليّ ذكرت له ذلك فأعرض عني, فلما كان في الثالثة ذكرت له ذلك, فقال: يا أم سلمة لا تؤذيني في عائشة, فإنه والله ما نزل علي الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها). البخاري- الفتح (7/ 134) رقم ( 3775) كتاب فضائل الصحابة – باب فضل عائشة.
وعن عائشة - رضي الله عنها- قالت:( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي وعليه طَرَف اللّحاف وعلى عائشة - رضي الله عنها- طرفه ثم يصلي). مسند أحمد (6/32).
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول : ( خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعليه ملحفة متعطفاً بها على منكبيه وعليه عصابة دسماء حتى جلس على المنبر فحمد الله وأثنى عليه, ثم قال: أما بعد أيها الناس فإن الناس يكثرون وتقل الأنصار حتى يكونوا كالملح في الطعام, فمن ولي منكم أمراً يضر فيه أحداً أو ينفعه فليقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم ) البخاري- الفتح -كتاب المناقب – باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم- اقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم.
في ذكر كرسيه وسريره - صلى الله عليه وسلم -:
عن أبي رفاعة-رضي الله عنه – قال:( أتيت النبي-صلى الله عليه وسلم- وهو جالس على كرسي خلْت قوائمه حديداً). صحيح مسلم (2/ 597) رقم ( 876) كتاب الجمعة - باب حديث التعليم في الخطبة.
وعن عائشة-رضي الله عنها- قالت: (أعدلتمونا بالكلْب والحمار؟ لقد رأيتني مضطجعة على السرير فيجيء النبي- صلى الله عليه وسلم-فيتوسط السّرير فيصلي، فأكره أن أسنحه فأنسل من قبل رجلي السّرير حتى أنسلّ من لحافي).البخاري – الفتح ( 1/ 692) رقم ( 508) – كتاب الصلاة – باب الصلاة إلى السرير.
وعن أنس-رضي الله عنه – قال:( دخلت على رسول الله-صلى الله عليه وسلم-وهو على سرير مَرْمول بشريط تحت رأسه وسادة من أدَم، وحشوها ليف ما بين جلده وبين السرير ثوب). البخاري- الفتح ( 10/ 314) رقم ( 5843) كتاب اللباس - باب ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم – يتجوز من اللباس والبسط.
وعن عائشة-رضي الله عنها- قالت: (كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - سرير مشبك بالبَردي، عليه كساء أسود). صحيح ابن حبان(2/479).
وروى أبو الشيخ عن عمر بن مهاجر قال: (كان متاع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند عمر بن عبد العزيز في بيت ينظر إليه كل يوم، وكانت إذا اجتمعت إليه الوفود أدخلهم ليروا تلك المتاع فيقول: هذا ميراث من أكرمكم الله تعالى، وأعزكم به، قال: وكان سريراً مَرْمُول بشريط ومِرْقعة من أدم محشوة بليف وجفنه وقدحاً، وقطيفة صوف، ورحىً، وكنانة، فيها أسهم وكان في القطيفة أثر عَرَق رأسه، فأصيب رجل فطلبوا أن يغسلوا بعض ذلك العرق فيسقط به فذكر ذلك لعمر فسقط فبرأ). سبل الهدى والرشاد (7/354). وحلية الأولياء(5/327).
قال محمد بن عمر:( اجتمع أصحابنا بالمدينة لا يختلفون أن سرير النبي - صلى الله عليه وسلم - اشترى ألواحه عبد الله بن إسحاق الإسحاقي من موالي معاوية ابن أبي سفيان، اشترى ألواحه بأربعة آلاف درهم). راجع: تركة النبي- صلى الله عليه وسلم- ص(105).
ذكر قطيفته - صلى الله عليه وسلم -: قطيفته وحصيره
عن أم سلمة-رضي الله عنها- قالت:( بينا أنا مع النبي- صلى الله عليه وسلم- مضطجعة في خميصة إذ حِضْتُ فانسللت فأخذت ثياب حيضتي. قال: أنفستي؟ قلت: نعم .فدعاني فاضطجعت معه في الخميلة). البخاري، الفتح(1/ 48) رقم ( 298) كتاب الحيض -باب من سمى النفاس حيضاً.
وعن أنس- رضي الله عنه-قال: (حجّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على رَحْل رث وقطيفة لا تساوي أربعة دراهم). سنن ابن ماجه (2/965)،كتاب المناسك،باب الحج على الرحل.
ذكر حصيره - صلى الله عليه وسلم -:
عن أنس بن مالك- رضي الله عنه-يقول:(أن النبي-صلى الله عليه وسلم-نُضح له طَرَف حصير فصلى ركعتين). البخاري – الفتح ( 2/ 185) رقم ( 670)كتاب الأذان – هل يصلي الإمام بمن حضر وهل يخطب يوم الجمعة .
وعن أنس بن مالك-رضي الله عنه-قال:( كان رسول الله-صلى الله عليه وسلم-يدخل بيت أم سُليم فتبسط له الخمرة. فيصلي فيه عليها). مسند أحمد رقم (6/334)، والطبراني في المعجم الكبير، (24/13).
وعن عائشة-رضي الله عنها قالت:( كان لنا حصير نبسطها بالنهار ونتحجرُها علينا بالليل). رواه أحمد في مسنده رقم ( 23186).
وعن المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه-:( أن النبي-صلى الله عليه وسلم-كان يصلي على الحصير والفروة المدبوغة). سنن أبي داود – كتاب الصلاة – باب الصلاة على الحصير. =======
عن ربيعة بن عبد الرحمن قال : (سمعت أنس بن مالك يصف النبي (صلى الله عليه وسلم) قال : (كان ربعة من القوم، ليس بالطويل ولا بالقصير، أزهر اللون، ليس بأبيض أمهق ولا آدم، ليس بجعد قطط ولا سبط رجل، أُنزل عليه وهو ابن أربعين، فلبث بمكة عشر سنين ينزل عليه، وبالمدينة عشر سنين، وقُبض وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء)، قال ربيعة (أحد رواة الحديث): فرأيت شعراً من شعره، فإذا هو أحمر، فسألت، فقيل: أحمر من الطيب. - البخاري – كتاب المناقب – باب صفة النبي – (6/652) برقم (3547).
وعن أنس -رضي الله عنه- قال: (كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ليس بالطويل البائن ولا بالقصير ولا بالأبيض الأمهق وليس بالآدم ، وليس بالجعد القطط، ولا بالسّبط، بعثه الله على رأس أربعين سنة، فأقام بمكة عشر سنين، وبالمدينة عشر سنين، وتوفاه الله وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء) . -البخاري – كتاب المناقب – باب صفة النبي – (6/652) برقم (3548).
وكان (صلى الله عليه وسلم) أبيض اللون، ليِّن الكف، طيب الرائحة، دلَّ على ذلك ما رواه أنس - رضي الله عنه- قال: (كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أزهر اللون- أبيض مستدير-، كأنَّ عرقه اللؤلؤ، إذا مشى تكفأ، ولا مَسَسْتُ ديباجة - نوع نفيس من الحرير- ولا حريرة ألين من كف رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ولا شممتُ مسكة ولا عنبرة أطيب من رائحة رسول الله (صلى الله عليه وسلم))صحيح مسلم-كتاب الفضائل-باب طيب رائحة النبي ولين مسه والتبرك بمسحه (4/1815) برقم (2330).
وعن أبي الطفيل: قال: (رأيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وما على وجه الأرض رجل رآه غيري، قال فقلت له : فكيف رأيته قال : كان أبيض مليحاً مقصداً . وفي رواية (كان أبيض مليح الوجه) رواه مسلم-كتاب الفضائل-باب كان النبي أبيض مليح الوجه – (4/1820) برقم (2340).
وعن أبي الطفيل قال : (رأيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كان أبيض مليحاً، إذا مشى كأنما يهوي في صبوب).(1) صحيح سنن أبي داود-كتاب الأدب-باب هدي الرجل (3/921) رقم (4071).
وعن سليم بن جبير مولى أبي هريرة، أنه سمع أبا هريرة-رضي الله عنه- يقول: (ما رأيت شيئاً أحسن من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كان كأن الشمس تجري في جبهته، وما رأيت أحداً أسرع في مشيته من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كأن الأرض تُطْوى له، إنا لنجهد أنفسنا وإنه لغير مكترث). رواه الإمام أحمد-(2/461).
صفــة وجهــه:
كان - عليه الصلاة والسلام - أسيل الوجه مسنون الخدين ولم يكن مستديراً غاية التدوير، بل كان بين الاستدارة والإسالة، وهو أجمل عند كل ذي ذوق سليم. وكان وجهه مثل الشمس والقمر في الإشراق والصفاء، مليحاً كأنما صيغ من فضة لا أوضأ ولا أضوأ منه وكان (صلى الله عليه وسلم) إذا سُرَّ استنار وجهه حتى كأنَّ وجهه قطعةُ قمر. قال عنه البراء بن عازب: (كان أحسن الناس وجهًا و أحسنهم خَلقاً).
فعن عبد الله بن كعب قال: سمعت كعب بن مالك يحدث حين تخلف عن غزوة تبوك قال: (فلما سلّمت على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهو يبرق وجهه من السرور، وكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إذا سُرَّ استنار وجهه، حتى كأنه قطعة قمر، وكنا نعرف ذلك منه) البخاري –كتاب المناقب – باب صفة النبي – (6/653) برقم (3556).
وكان وجهه (صلى الله عليه وسلم) مستديراً كالقمر والشمس، فقد سُئل البراء أكان وجه النبي (صلى الله عليه وسلم) مثل السيف؟ قال: (لا بل مثل القمر) البخاري –كتاب المناقب – باب صفة النبي – (6/ 653) برقم (3552) .
وفي مسلم (كان مثل الشمس والقمر، وكان مستديراً)، مسلم- كتاب الفضائل-باب شيبه – (4/1823) برقم (2344).
وعن علي بن أبي طالب-رضي الله عنه- قال: (كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ضخم الرأس عظيم العينين أهدب(2) الأشفار، مشرب العينين بحمرة، كث اللحية، أزهر اللون شثن(3) الكفين والقدمين، إذا مشى كأنما يمشي في صُعُد(4)وإذا التفت التفت جميعاً. مسند أحمد (1/89).
وعن علي قال: (كان رسول الله ليس بالقصير ولا بالطويل، ضخم الرأس واللحية شثن الكفين والقدمين والكراديس مشربا وجهه حمرة، طويل المسربة، إذا مشى تكفَّأ كأنما يقلع من صخر، لم أرى قبله ولا بعده مثله).رواه الإمام أحمد –(1/156).
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال : : (كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أبيض، كأنما صيغ من فضةٍ، رجل الشعر).رواه الترمذي وصححه الألباني في " مختصر الشمائل" ص (27).
وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)قال: (عُرض عليَّ الأنبياء، فإذا موسى -عليه السلام- ضرب من الرجال، كأنه من رجال شَنوءة (بفتح الشين قبيلة من اليمن ورجال هذه القبلية متوسطون بين الخفة والسمن) ورأيت عيسى ابن مريم -عليه السلام- فإذا أقرب من رأيت منه شبهاً عروة بن مسعود، ورأيت إبراهيم (عليه السلام) فإذا أقرب من رأيت به شبهاً صاحبكم، (يعني نفسه)، ورأيت جبريل -عليه السلام- فإذا أقرب من رأيت به شبهاً دحية). الترمذي في المناقب برقم (3651). وصححه الألباني في "مختصر الشمائل" ص(28).
صفة جبينه:
الجبين هو غير الجبهة، هو ما اكتنف الجبهة من يمين وشمال، فهما جبينان، فتكون الجبهة بين جبينين.وسعة الجبين محمودة عند كل ذي ذوق سليم.
فعن سعيد بن المسيب أنه سمع أبا هريرة-رضي الله عنه- يصف رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال : (كان مفاض الجبين أهدب الأشفار) سنن البيهقي (1/214).
وكان - صلى الله عليه وسلم – (واسع الجبين) أي ممتد الجبين طولاً وعرضاً) سنن البيهقي (1/214). وخلاصة السيرة ص 19-20.
وسئل أبو هريرة عن صفة النبي(صلى الله عليه وسلم) فقال : ( كان أحسن الناس صفة وأجملها كان ربعة إلى الطول ما هو بعيد ما بين المنكبين أسيل الجبين) سنن البيهقي (1/275).
وقد كان جبينه عليه الصلاة والسلام يتفصد عرقاً عندما يتنزل عليه الوحي فقد قالت عائشة –رضي الله عنها:ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا" البخاري، الفتح، كتاب بدء الوحي ، باب بدء الوحي، رقم(2).
وعند النسائي من حديث أبي سيعد الخدري-رضي الله عنه- أنه قال رأت عيناي رسول الله(صلى الله عليه وسلم)على جبينه وأنفه أثر الماء والطين من صبح ليلة إحدى وعشرين".سنن النسائي، كتاب التطبيق ، باب السجود على الجبين، رقم (1095)
صفة حاجبيه:
حاجباه قويان مقوَّسان، متّصلان اتصالاً خفيفاً، لا يُرى اتصالهما إلا أن يكون مسافراً وذلك بسبب غبار السفر.
وفي خلاصة السيرة ص(19-20) : " أزج الحواجب في غير قرن بينهما"
صفة عينيه:
كان -عليه الصلاة والسلام- مشرب العينين بحمرةمسند أحمد، (1/110) . وقوله مشرب العين بحمرة: هي عروق حمر رقاق وهي من علاماته (صلى الله عليه وسلم) التي في الكتب السالفة. وكانت عيناه واسعتين جميلتين، شديدتي سواد الحدقة، ذات أهداب طويلة (أي رموش العينين)، ناصعتي البياض وكان -عليه الصلاة والسلام- أشكل العينين، قال القسطلاني في المواهب: الشُكلة بضم الشين هي الحمرة تكون في بياض العين وهو محبوب محمود.
وقال الزرقاني: قال الحافظ العراقي: هي إحدى علامات نبوته – صلى الله عليه وسلم-، ولما سافر مع ميسرة إلى الشام سأل عنه الراهب ميسرة فقال : في عينيه حمرة؟ فقال : ما تفارقه. راجع :شرح المواهب
وعن جابر بن سمرة قال: ( ...وكنت إذا نظرت إليه قُلت أكحل العينين وليس بأكحل) رواه الترمذي-كتاب المناقب عن رسول الله –باب صفة النبي (5/562) برقم (3645).
ووصفه الصحابي الجليل جابر بن سمرة -رضي الله عنه- فقال: (كان رسول (صلى الله عليه وسلم) ضَلِيعَ - واسع - الْفَمِ، أَشْكَلَ الْعَيْنِ - حمرة في بياض العينين - مَنْهُوسَ الْعَقِبَيْن- قليل لحم العقب-) رواه مسلم-كتاب الفضائل-باب صفة فم النبي وعينيه وعقبيه (4/1820) برقم (2339).
وفي حديث أم مبعد وهي تصفه لزوجها، :" وفي عيينه دعج"(5)
وقال على بن أبي طالب وهو يصفه (صلى الله عليه وسلم):" أدعج العينين"راجع: ابن هشام (1/401-402).
صفة أنفه:
يحسبه من لم يتأمله أشم ولم يكن أشم وكان مستقيماً، أقنى أي طويلاً في وسطه بعض ارتفاع، مع دقة أرنبته (الأرنبة: هي ما لان من الأنف).
عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-قال: (اعتكفنا مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) العشر الأواسط، فلما كان صبيحة عشرين، نقلنا متاعنا، فأتانا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: (من كان اعتكف فليرجع إلى معتكفه، فإني رأيت هذه الليلة، ورأيتني أسجد في ماء وطين). فلما رجع إلى معتكفه وهاجت السماءفمطرنا، فوالذي بعثه بالحق، لقد هاجت السماء من آخر ذلك اليوم، وكان المسجد عريشاً، فلقد رأيت على أنفه وأرنبته أثر الماء والطين. صحيح البخاري-كتاب الاعتكاف-باب من خرج من اعتكافه عند الصبح (4/332) برقم (2040).
صفة خـدّيه:
كان (صلى الله عليه وسلم) صلب الخدين. وعن عمار بن ياسر -رضي الله عنه- قال: (كان رسول الله(صلى الله عليه وسلم) يُسَلِّمُ عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خده) أخرجه ابن ماجه-كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها-باب التسليم، وصححه الألباني صحيح ابن ماجه (755).
1 - الصبوب : قال في النهاية 2/ 269 : يروى بالفتح والضم . فالفتح اسم لما يصب على الإنسان من ماء وغيره كالطهور، وبالضم : جمع صبب والصيب:الموضع المنحدر.
2 - الأهدب: الكثير الهدب، وهو شعر أشفار العين.
3 - الشثن: الغليظ.
4 - الصعد. المواضع المرتفعة.
5 - راجع: زاد المعاد:2/54. ===========
السواك لغة :
هو بكسر السين على الأفصح، ويُطلق على الآلة والفعل، وساك الشيء سوكاً: دلكه، ويُقال: ((جاءت الغنم تساوك هزلاً، أي: يحكُ بعضها بعضاً) قال ابن فارس: (والسواك مأخوذ من تساوكت الإبل إذا اضطربت أعناقها من الهزل).
واسم العود: سواك ومسواك يُذكر ويؤنث. قال أبو زيد: (جمعه سُوك مثل: كتاب وكُتُب).
السواك في الشرع :
الآلة: هو ما تدلّك به الأسنان من العيدان وغيرها.
الفعل: استعمال عود أو غيره في الفم، لإذهاب التغيير ونحوه، وتطييب الفم.
( انظر مجلة الحكمة العدد الثامن شوال 1416هـ مقال للأخ/ صدام عبد القادر حسين ص74.)
قلت: كان من هديه (عليه الصلاة والسلام) أيضاً وزيادة على ما مضى من اهتمامه بتزيين نفسه، وتطييبها، والاهتمام بنظافة ملابسه وشعره، واعتنائه به فهو أطهر خلق الله عز وجل على الإطلاق قلباً وقالباً إضافة إلى ذلك كله كان له اهتمام خاص بما يتعلق بشأن السواك والتسوك لعلمه عليه الصلاة والسلام أنه سببٌ لتطهير الفم، وموجبٌ لرضا الله على فاعله، ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح عنه (السواك مطهرةٌ للفم مرضاة للرب)) النسائي-كتاب الطهارة-باب الترغيب في السواك (1-2/17) برقم 5
وكان عليه الصلاة والسلام شديد المواظبة عليه حتى أنه قال في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) البخاري-كتاب الجمعة-باب السواك يوم الجمعة (2/435) برقم 887 . وفي رواية لأحمد (لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء). المسند-كتاب مسند المكثرين-باب باقي المسند السابق .
قال بعض الفقهاء :
اتفق العلماء على أنه سُنة مؤكدة لحث الشارع عليه ومواظبته، وترغيبه وندبه إليه.
(انظر الفقه الإسلامي وأدلته د/ وهبة الزحيلي (1/300).
وكان من هديه ( عليه الصلاة والسلام ) استخدام السواك في كثير من الأوقات ومن آكدها:
1. عند الصلاة: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم): ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ) البخاري-كتاب الجمعة-باب السواك يوم الجمعة (2/435) برقم 887 .
2. عند الوضوء: الحديث السابق: وفي رواية: (عند كل وضوء). المسند-كتاب مسند المكثرين-باب باقي المسند السابق .
3. عند القيام من النوم: عن حذيفة رضي الله عنه قال: كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم) إن قام من الليل يشوصُ فاه بالسواك. البخاري-كتاب الوضوء-باب السواك (1/424) برقم 245 .
4. عند تغيير الرائحة: ودليله حديث حذيفة السابق، ولأن الإنسان إذا نام ينطبق فوه فتتغير رائحته، والسواك مشروع لإزالة رائحة الفم وتطييبه.
5. عند دخول البيت: عن شريح قال: قلت لعائشة- رضي الله عنها- بأي شيءٍ كان يبدأ ( صلى الله عليه وسلم) إذا دخل بيته؟ قالت: بالسواك). مسلم-كتاب الطهارة-باب السواك (1/220) برقم 253 .
6. عند الانصراف من صلاة الليل: عن ابن عباس رضي الله عنه قال: (كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم) يُصلي بالليل ركعتين ركعتين). ثم ينصرف فيستاك. أنظر صحيح ابن ماجة 1 برقم 234 الألباني
7. عند قراءة القرآن والذكر عموماً: عن عليٍ رضي الله عنه قال: (إنّ أفواهكم طرق للقرآن فطيبوها بالسواك). صحيح ابن ماجة 1 برقم 326 الألباني .
8. عند الصوم : عن عامر بن ربيعة - رضي الله عنه - قال: ( رأيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ما لا أحصي يستاك وهو صائم). الحديث ضعيف أنظر تمام المنه للألباني برقم 38 في كل وقت وفي أي لحظة : لعموم الأحاديث الواردة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم) منها :
9. عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم) قال : ( السواك مطهرةٌ للفم مرضاةٌ للرب). النسائي-كتاب الطهارة-باب الترغيب في السواك (1-2/17) برقم 5
10. وعن أنس -رضي الله عنه- أن رسول الله( صلى الله عليه وسلم) قال :( أكثرتُ عليكم في السواك ). البخاري-كتاب الجمعة-باب السواك يوم الجمعة (2/435) برقم 888
كان من هديه ( صلى الله عليه وسلم ) أن يبدأ بالسواك بالشق الأيمن :
11. عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: ( كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم) يُعجبه التيامُن في تنعله وترجله، وطهوره وفي شأنه كله ). البخاري-كتاب الوضوء-باب التيمن في الوضوء والغسل (1/324) برقم 168
كان من هديه أيضاً غسل السواك بالماء ليزيل ما عليه :-
12. عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم)يُعطيني السواك أغسله ، فأبدأ به فأستاك ، ثم أغسله ، ثم أدفعه إليه . أنظر صحيح أبي داود برقم 42 الألباني
وفي ختام هذا المبحث نذكر لك أخي القارئ الكريم وننقل لك بعضاً من فوائد السواك علها تكون لنا دافعاً لمحبة هذه السُنة العظيمة المهجورة...
يقول الدكتور/ عبد العزيز عبد الرحيم :
توصل البحث إلى أن خلاصات السواك تقضي علىخمس وعشرين نوعاً من الميكروبات القاطنة في الفم.
(المصدر السابق مجلة الحكمة).
يقول الدكتور/ وهبة الزحيلي : ذكر العلماء من فوائد السواك ما يلي :
1. أنه يطهر الفم.
2. يرضي الرب
3. يبيض الأسنان
4. يطيب النكهة
5. يسوي الظهر
6. يشد اللَّثة
7. يبطئ الشيب.
8. يُصفي الخلقة.
9. يُذكي الفطنة
10. يُضاعف الأجر ويسهل النزع ويذكر الشهادة عند الموت، ونحو ذلك، مما يصل إلى بضع وثلاثين فضيلة ذكرها الحافظ ابن حجر رحمه الله. ( انظر الفقه الإسلامي وأدلته – وهبة الزحيلي (1/305) )
ويوصي الأطباء المعاصرون باستعمال السواك لما يلي :
- لمنع نخر الأسنان.
- لمنع القلح ( الطبقة الصفراء على الأسنان )
- التهابات اللثة والفم.
- منع الاختلاطات العصبية والعينية والتنفسية والهضمية.
- منع ضعف الذاكرة وبلادة الذهن وشراسة الأخلاق. ( انظر المصدر السابق )ا.هـ
والله الموفق والمعين ========
قبل البدء في جانب خلقه(صلى اللهُ عليه وسلم) في هذا الجانب نذكر لمحة سريعة عن توحيد الربوبية.
توحيد الربوبية:
هو إفراد الله-عز وجل - بالخلق , والملك , والتدبر.
فإفراده بالخلق: أن يعتقد الإنسان أنه لا خالق إلا الله، قال-تعالى-:{ألا له الخلق والأمر}الأعراف 54.
فهذه الجملة تفيد الحصر لتقديم الخبر، إذ أن تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر، وقال تعالى: {هل من خالقٍ غير الله يرزقكم من السماء والأرض} فاطر: 3, فهذه الآية تفيد اختصاص الخلق بالله.
وأما إفراد الله بالملك: فأن نعتقد أنه لا يملك الخلق إلا خالقهم؛ كما قال-تعالى-:{ولله ملك السماوات والأرض} آل عمران: 189, وقال-تعالى-:{قل من بيده ملكوت كل شيء} المؤمنون: 88.
وأما إفراد الله بالتدبير: فهو أن يعتقد الإنسان أنه لا مدبر إلا الله وحده. القول المفيد على كتاب التوحيد (1/5-7).
وإذا عرفنا أن كلمة الرب التي منها اشتق لفظ الربوبية يطلق على عدة معان منها: السيد، والمالك، والمربي، والمصلح، والمعبود بحق-سبحانه وتعالى-.
ومن هذه المعاني الكثير للفظ الرب اشتق اسم الربوبية التي تعني: الخلق، والزرق، والملك، والسيادة، والتربية، والإصلاح، والتدبير – ولكون الله تعالى هو الرب الحق للعالمين اختص بالربوبية دون سواه ، ووجب توحيده فيها وامتنع عنه الشريك فيها بحيث لا تصلح الربوبية لغيره من سائر خلقه ولا تصح، ومن هنا أصبح توحيد الربوبية معناه نفي الشريك عنه–تعالى- في صفات الربوبية الحقة، والتي هي الخلق، والرزق، والملك، والتدبير الذي من لوازمه الأماتة والأحياء، والعطاء والمنع، والضر والنفع، والإعزاز والإذلال.
وعقلاء الناس في كل زمان ومكان يتحاشون دائماً أن ينسبوا شيئاً من صفات الربوبية لغير الله، وذلك لعجزهم عنها؛ ولأن المخلوق لا يخلق، والمملوك لا يملك.
ويكفي شاهداً على هذه الحقيقة اعتراف مشركي العرب حين نزل القرآن وهم يُدعون إلى عبادة الله وحده، اعترافهم بعدم صلاحية آلهتهم لشيء من صفات الربوبية وحقائقها، مع شدة تعصبهم لتلك الآلهة وتقديسهم لها، وتعظيمهم، فإنهم كانوا لا يترددون في الاعتراف بعدم صلاحية الإنسان فضلاً عن غيره من التماثيل والأصنام، لاتصافها بصفات الربوبية، فلم يكونوا ينتحلونها لأفرادهم، ولا لآلهتهم ولا يدعونها لهم بحال، وذلك لما وقر في نفوسهم بحكم الفطرة البشرية من عجز المخلوقين عن الخلق والرزق، والتدبير، والملك.عقيدة المؤمن للجزائري ص(67-68).
وقد سجل القرآن الكريم عجزهم واعترافهم في غير آية منه، ومن ذلك قوله – تعالى-: {قل من يرزقكم من السماء والأرض أم من يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله} يونس: 31 وقوله – تعالى-: {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم} الزخرف: 9 وقوله - تعالى-:{قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم سيقولون لله قل أفلا تتقون} المؤمنون: 86-87, وقوله– تعالى-: {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون} الزخرف: 87.
ولما كان النبَّيُّ(صلى اللهُ عليه وسلم)إمام المُوحِّدين فهو يعلم عن ربه ما لا يعلم غيره فقد رسخ في قلبه معاني ربوبيته سبحانه وتعالى، فهو يعلم أن لا خالق إلا الله، ولا مالك إلا الله، ولا رازق إلا الله، ولا مدبر إلا الله، فكل ما في الكون من خلقه وفي ملكه وهو يدبر أمرها ويصرفها، ويفعل فيها ما يشاء سبحانه.
فهو يعلم أن الله فوق عرشه يدبر أمر عباده وحده، فلا خالق ولا رازق ولا معطي ولا مانع ولا محيي ولا مميت ولا مدبر لأمر المملكة (والملكوت) ظاهراً وباطناً غيره، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، ولا تتحرك ذرة إلا بإذنه، ولا يجري حادث إلا بمشيئته، ولا تسقط ورقة إلا يعلمها، ولا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض.. إلا وقد أحصاها علمه، وأحاطت بها قدرته، ونفدت فيها مشيئته، واقتضتها حكمته.
ولمعرفته (صلى اللهُ عليه وسلم) بهذا الجانب فإنه قد بينه للأمة بقوله وفعله، فعلمهم كل ما يجب عليهم لخالقهم، ونهاهم وحذَّرهم عن كل ما يقدح في حق ربهم، فقد حذر النَّبيُّ(صلى اللهُ عليه وسلم)من الشرك وسد كل الجوانب التي تُوصِّل إليه حتى يكون الأمر واضحاً جلياً للناس، ولا يكون على الله حجة بعد الرسل، وهذا من خلقه (صلى اللهُ عليه وسلم) مع ربه.
فقد علَّم أصحابه وربَّاهم ورسَّخ العقيدة في قلوبهم، ومن هذا العلم الذي علمهم أن الله - سبحانه وتعالى - هو المالك المدبر المعطي المانع النافع الضار، الخافض الرافع، المعز المذل، بيده مقاليد الأمور، وهو على كل شيءٍ قدير، ولا يكون في ملكه إلا ما يريد، قال (صلى اللهُ عليه وسلم) لابن عباس: (واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك وإن اجتمعت على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك) الترمذي رقم (1516)، وصححه الألباني في صحيح الترمذي رقم (2648).
وقد أمر(عليه الصلاة والسلام)بالتعلق بالله الذي بيده كل شيء في الأمور كلها فقال: (لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً).
أخرجه الترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه كتاب الزهد عن رسول الله باب التوكل على الله (4/495) رقم (2344) وصححه الألباني انظر صحيح الترمذي رقم (1911)، وابن ماجة كتاب الزهد باب التوكل واليقين وصححه الألباني انظر صحيح ابن ماجة رقم (3359)، وقال: (لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر).
البخاري كتاب الطب باب لا هامة (10/226) رقم (5757)، ومسلم كتاب السلام باب لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر ولا نوء ولا غول (4/742) رقم (2220)
وقال عندما ذكرت عنده الطيرة: (أحسنها الفأل ولا ترد مسلماً فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقل: اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت ولا يدفع السيئات إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بك) رواه أحمد وأبو داود وقال النووي: صحيح. رياض الصالحين (537) وقال الألباني: ضعيف. انظر ضعيف أبي داود رقم (843).
وقال: (ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن خمر، وقاطع رحم، ومصدق بالسحر) المسند وصححه الألباني انظر صحيح الجامع (2539), وقال: (أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركوهن... والاستسقاء بالنجوم) وقد قال(عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ)للذي قال له: (ما شاء الله وشئت، أجعلتني لله نداً، بل ما شاء الله وحده) أحمد، وحسنه الألباني انظر السلسلة الصحيحة رقم (139).
كل هذه وغيرها من الشواهد تدل على ما كان عليه-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ-في هذا الجانب.
ج3. صفات النبي صلى اللهُ عليه وسلم
قبل البدء في جانب خلقه(صلى اللهُ عليه وسلم) في هذا الجانب نذكر لمحة سريعة عن توحيد الربوبية.
توحيد الربوبية:
هو إفراد الله-عز وجل - بالخلق , والملك , والتدبر.
فإفراده بالخلق: أن يعتقد الإنسان أنه لا خالق إلا الله، قال-تعالى-:{ألا له الخلق والأمر}الأعراف 54.
فهذه الجملة تفيد الحصر لتقديم الخبر، إذ أن تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر، وقال تعالى: {هل من خالقٍ غير الله يرزقكم من السماء والأرض} فاطر: 3, فهذه الآية تفيد اختصاص الخلق بالله.
وأما إفراد الله بالملك: فأن نعتقد أنه لا يملك الخلق إلا خالقهم؛ كما قال-تعالى-:{ولله ملك السماوات والأرض} آل عمران: 189, وقال-تعالى-:{قل من بيده ملكوت كل شيء} المؤمنون: 88.
وأما إفراد الله بالتدبير: فهو أن يعتقد الإنسان أنه لا مدبر إلا الله وحده. القول المفيد على كتاب التوحيد (1/5-7).
وإذا عرفنا أن كلمة الرب التي منها اشتق لفظ الربوبية يطلق على عدة معان منها: السيد، والمالك، والمربي، والمصلح، والمعبود بحق-سبحانه وتعالى-.
ومن هذه المعاني الكثير للفظ الرب اشتق اسم الربوبية التي تعني: الخلق، والزرق، والملك، والسيادة، والتربية، والإصلاح، والتدبير – ولكون الله تعالى هو الرب الحق للعالمين اختص بالربوبية دون سواه ، ووجب توحيده فيها وامتنع عنه الشريك فيها بحيث لا تصلح الربوبية لغيره من سائر خلقه ولا تصح، ومن هنا أصبح توحيد الربوبية معناه نفي الشريك عنه–تعالى- في صفات الربوبية الحقة، والتي هي الخلق، والرزق، والملك، والتدبير الذي من لوازمه الأماتة والأحياء، والعطاء والمنع، والضر والنفع، والإعزاز والإذلال.
وعقلاء الناس في كل زمان ومكان يتحاشون دائماً أن ينسبوا شيئاً من صفات الربوبية لغير الله، وذلك لعجزهم عنها؛ ولأن المخلوق لا يخلق، والمملوك لا يملك.
ويكفي شاهداً على هذه الحقيقة اعتراف مشركي العرب حين نزل القرآن وهم يُدعون إلى عبادة الله وحده، اعترافهم بعدم صلاحية آلهتهم لشيء من صفات الربوبية وحقائقها، مع شدة تعصبهم لتلك الآلهة وتقديسهم لها، وتعظيمهم، فإنهم كانوا لا يترددون في الاعتراف بعدم صلاحية الإنسان فضلاً عن غيره من التماثيل والأصنام، لاتصافها بصفات الربوبية، فلم يكونوا ينتحلونها لأفرادهم، ولا لآلهتهم ولا يدعونها لهم بحال، وذلك لما وقر في نفوسهم بحكم الفطرة البشرية من عجز المخلوقين عن الخلق والرزق، والتدبير، والملك.عقيدة المؤمن للجزائري ص(67-68).
وقد سجل القرآن الكريم عجزهم واعترافهم في غير آية منه، ومن ذلك قوله – تعالى-: {قل من يرزقكم من السماء والأرض أم من يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله} يونس: 31 وقوله – تعالى-: {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم} الزخرف: 9 وقوله - تعالى-:{قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم سيقولون لله قل أفلا تتقون} المؤمنون: 86-87, وقوله– تعالى-: {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون} الزخرف: 87.
ولما كان النبَّيُّ(صلى اللهُ عليه وسلم)إمام المُوحِّدين فهو يعلم عن ربه ما لا يعلم غيره فقد رسخ في قلبه معاني ربوبيته سبحانه وتعالى، فهو يعلم أن لا خالق إلا الله، ولا مالك إلا الله، ولا رازق إلا الله، ولا مدبر إلا الله، فكل ما في الكون من خلقه وفي ملكه وهو يدبر أمرها ويصرفها، ويفعل فيها ما يشاء سبحانه.
فهو يعلم أن الله فوق عرشه يدبر أمر عباده وحده، فلا خالق ولا رازق ولا معطي ولا مانع ولا محيي ولا مميت ولا مدبر لأمر المملكة (والملكوت) ظاهراً وباطناً غيره، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، ولا تتحرك ذرة إلا بإذنه، ولا يجري حادث إلا بمشيئته، ولا تسقط ورقة إلا يعلمها، ولا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض.. إلا وقد أحصاها علمه، وأحاطت بها قدرته، ونفدت فيها مشيئته، واقتضتها حكمته.
ولمعرفته (صلى اللهُ عليه وسلم) بهذا الجانب فإنه قد بينه للأمة بقوله وفعله، فعلمهم كل ما يجب عليهم لخالقهم، ونهاهم وحذَّرهم عن كل ما يقدح في حق ربهم، فقد حذر النَّبيُّ(صلى اللهُ عليه وسلم)من الشرك وسد كل الجوانب التي تُوصِّل إليه حتى يكون الأمر واضحاً جلياً للناس، ولا يكون على الله حجة بعد الرسل، وهذا من خلقه (صلى اللهُ عليه وسلم) مع ربه.
فقد علَّم أصحابه وربَّاهم ورسَّخ العقيدة في قلوبهم، ومن هذا العلم الذي علمهم أن الله - سبحانه وتعالى - هو المالك المدبر المعطي المانع النافع الضار، الخافض الرافع، المعز المذل، بيده مقاليد الأمور، وهو على كل شيءٍ قدير، ولا يكون في ملكه إلا ما يريد، قال (صلى اللهُ عليه وسلم) لابن عباس: (واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك وإن اجتمعت على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك) الترمذي رقم (1516)، وصححه الألباني في صحيح الترمذي رقم (2648).
وقد أمر(عليه الصلاة والسلام)بالتعلق بالله الذي بيده كل شيء في الأمور كلها فقال: (لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً).
أخرجه الترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه كتاب الزهد عن رسول الله باب التوكل على الله (4/495) رقم (2344) وصححه الألباني انظر صحيح الترمذي رقم (1911)، وابن ماجة كتاب الزهد باب التوكل واليقين وصححه الألباني انظر صحيح ابن ماجة رقم (3359)، وقال: (لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر).
البخاري كتاب الطب باب لا هامة (10/226) رقم (5757)، ومسلم كتاب السلام باب لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر ولا نوء ولا غول (4/742) رقم (2220)
وقال عندما ذكرت عنده الطيرة: (أحسنها الفأل ولا ترد مسلماً فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقل: اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت ولا يدفع السيئات إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بك) رواه أحمد وأبو داود وقال النووي: صحيح. رياض الصالحين (537) وقال الألباني: ضعيف. انظر ضعيف أبي داود رقم (843).
وقال: (ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن خمر، وقاطع رحم، ومصدق بالسحر) المسند وصححه الألباني انظر صحيح الجامع (2539), وقال: (أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركوهن... والاستسقاء بالنجوم) وقد قال(عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ)للذي قال له: (ما شاء الله وشئت، أجعلتني لله نداً، بل ما شاء الله وحده) أحمد، وحسنه الألباني انظر السلسلة الصحيحة رقم (139).
كل هذه وغيرها من الشواهد تدل على ما كان عليه-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ-في هذا الجانب.
فـــي جانـــب الألوهـــــية:
الأخلاق في اللغة:
الخليقَة: الطبيعة ، هذه خليقته التي خُلِقَ عليها: أي طبيعته، ويُقال: إنه لكريم الطبيعة.
الخُلُق: العادة، ومنه قوله تعالى:{إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ} (137) سورة الشعراء الخُلُق: السجية ، وهو ما خلق عليه من الطبع.
الخُلُق: المروءة، جمعها أخلاق.
الأخلاق في الاصطلاح:
قال العلامة العيني: (الخُلُق: هي القوى والسجايا المدركة بالبصيرة).
قال العلاّمة القرطبي: هو ما يأخذ به الإنسان نفسه من الأدب ويُسمَّى خُلُقاً ؛ لأنه يصير كالخليقة فيه.
انظر كتاب: "دعوة النَّبيِّ-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- للأعراب":حمود الحارثي (ص123-124).
توحيد الألوهية:
التوحيد في اللغة: مشتق من وحَّد الشيء إذا جعله واحداً فهو مصدر وحد يوحد أي: جعل الشيء واحداً.
التوحيد في الاصطلاح: إفراد الله سبحانه بما يختص به من الربوبية والألوهية والأسماء والصفات .
أنظر :( القول المفيد على كتاب التوحيد) ابن عثيمين(1/5)
وتوحيد الألوهية: هو إفراد الله سبحانه وتعالى بجميع أنواع العبادة، ويُسمَّى توحيد العبادة؛ لأن الألوهية، والعبادة بمعنى واحد. فالإله: معناه المعبود. محاضرات في العقيدة والدَّعوة:للشيخ صالح الفوزان(1/43-44).
خُلُقه (صلّى الله عليه و سلم) في جانب الألوهية:
أي تحقيق النَّبيِّ (صلى الله عليِ وسلم) للعبودية تحقيقاً كاملاً، بأدبه صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ مع ربه في جانب الألوهية. وليس المراد بهذا المعنى العام الشمولي، لأن ذلك يستوعب حياته كلها (صلى الله عليِ وسلم)، فقد كانت حركاته، وسكناته كلها لله، وفي سبيل الله-عَزَّ وجَلَّ-،فبذلك أُمر وعليه أُجر قال-تعالى- مُخاطباً نبيه، وحبيبه ومصطفا ه:
{قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (162) سورة الأنعام .
وكان(صلى الله عليِ وسلم) إذا افتتح صلاته قال:(وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً مسلماً وأما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي و مماتي لله رب العالمين) صحيح مسلم – كتاب صلاة المسافرين-باب الدعاء في صلاة الليل (1/534) برقم( 771) .
وتوحيد الألوهية هو الذي خلق اللهُ الخلقَ من أجلِهِ:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}(56) سورة الذاريات .
وهو الذي أرسل اللهُ به الرُّسلَ،وأنزل به الكتبَ,قال-سبحانه-:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ} (36) سورة النحل.
وهذا النوع هو الذي شُرع من أجله الجهاد كما قال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (39) سورة الأنفال (البقرة :193).
وهذا النوع هو الذي أنكره المشركون حين دعتهم الرسل إليه
{قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} (70) سورة الأعراف.
وهذا النوع هو الذي يهل به المُحرم بحجٍ أو عمرة حين يُلبي ((لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك)) وهذا النوع هو الذي يُسأل عنه الأولون والآخرون كما في الأثر ((كلمتان يُسأل عنها الأولون والآخرون ماذا كنتم تعبدون؟ وماذا أجبتم المرسلين)).
قال ابن القيم - رحمه الله - في كتابه:" إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان" (1/84) في تعليقه على الأثر السابق : قال قتادة: كلمتان يُسأل عنها الأولون والآخرون... إلخ. فتبين من ذلك أنه ليس بحديثٍ, بل هو من كلام قتادة السَّدوسي.
بعد هذه المقدمة السريعة تعال بنا أخي القارئ الكريم لنتأمل سوياً كيف حقق النَّبيُّ(صلى الله عليِ وسلم)هذا الجانب مع خالقه ومولاه-سبحانه وتعالى-إنه ليس هُناك أدنى شك أن النَّبيّ (صلى الله عليِ وسلم) كان قدوةً, وإماماً, ومثالاً, فريداً في أدبه مع الله-عَزَّ وجَلَّ-وسيرته (عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ) حافلة بذلك وإليك مقتطفات، ونماذج من سيرته العطرة، تدلنا وتبين لنا كيف كانت علاقته، وخُلقه، وأدبه مع الله-عَزَّ وجَلَّ-في جميع جوانب حياته، ومن هذه الجوانب ما يلي:-
في جانب عبادته:
عن المغيرة-رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-يقول: "إن كان النَّبيُّ(صلى الله عليِ وسلم)ليقوم أو ليُصلي حتى ترم قدماه – أو ساقاه- فيقال له، فيقول: ((أفلا أكونُ عبداً شكوراً)) البخاري – الفتح، كتاب التهجد -باب قيام النَّبيّ (صلى الله عليِ وسلم) الليل- حتى ترم قدماه (3/19) برقم (1130) .
قلت: تأمل معي قليلاً في هذا الحديث، بل وفي هذه العبارة على وجه الخصوص، ((أفلا أكون عبداً شكوراً)) ففيها من المعاني العظيمة ما تدلنا، وترشدنا إلى أمور كثيرة، ومنها:
1. أدبه الجم مع الله-عَزَّ وجَلَّ-.
2. كثرة عبادته، وتهجدهُ، والانطراح بين يدي خالقه مع أنه قد غُفر له ما تقدم من ذنبه.
3. وصفه نفسه بكونه عبداً شكوراً ، وذلك تأدباً منه تجاه خالقه ومولاه.
وعن ابن مسعود-رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-,قال: "صليتُ مع النَّبيِّ(صلى الله عليِ وسلم)ليلةً فلم يزل قائماً حتى هممت بأمر سوءٍ، قلنا: وما هممت؟ قال: هممت أن أقعد وأذر النَّبيَّ(صلى الله عليِ وسلم)". البخاري – الفتح, كتاب التهجد-باب طول القيام في صلاة الليل (1/24) برقم 1135 .
وما أحسن ما قاله ابن رواحة:
وفينـا رسـولُ الله يتلو كتابه إذا انشقَ معروفٌ من الفجر ساطعُ
أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا بــه موقنــاتٌ أن ما قال واقع
يبيت يجافي جنبه عن فراشـه إذا استثـقت بالمشركين المضاجع
البخاري – التهجد 3 / 39).
حمايته جانب توحيد الألوهية ، وتحذيره من الشرك وأهله:
لقد حَذَّر النَّبيُّ(صلى الله عليِ وسلم)أمته من الشرك غاية التحذير، وسد كل الطرق الموصلة إليه، وحَمَى حِمَى التوحيد، وذلك تأدباً مع الله من أن يكون معه شريك أو ند، ومن ذلك ما يلي:
1.أنه نهى عن الغلو في مدحه بما قد يُفضي إلى الغلو فيه و عبادته من دون الله كما وقع للنصارى في حق عيسى بن مريم,قال رَسُولُ اللهِ(صلى الله عليِ وسلم):((لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله)) البخاري، الفتح-كتاب الأنبياء-باب قول الله تعالى ( واذكر في الكتاب مريم ) (6/541) برقم 3431
2.نهى عن الغلو في تعظيم قبور الصالحين وذلك بالبناء عليها، وإسراجها، وتجصيصها، والكتابة عليها ؛ لأن هذا يُفضي إلى الغلو فيها و عبادتها، وطلب قضاء الحوائج من الموتى.
ويدل على ذلك حديث ابن عباس- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله(صلى الله عليِ وسلم): ((إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو )) أحمد في المسند (1/215) .
3. نهى عن الوفاء بالنذر بالذبح لله في مكان يُذبح فيه لغير الله أو يُقام فيه عيدٌ من أعياد الجاهلية إبعاداً عن التشبه بهم في تعظيم المكان، والوثن.
ويدلُ على ذلك حديث ثابت بن الضَّحاك - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قال:(نذر رجلٌ أن ينحر إبلاً ببوانَة فسأل النَّبيَّ (صلى الله عليِ وسلم),فقال:((هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يُعبد؟)) قالوا: لا. قال:(( فهل كان فيها عيدٌ من أعيادهم؟)) قالوا: لا.فقال رسولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-":((أوفِ بنذرك فإنه لا وفاء لنذرٍ في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم)).(رواه أبو داود،وصححه الألباني في صحيح أبي داود للألباني,برقم (2834) .
4. نهى عن الألفاظ التي ظاهرها التسوية بين المخلوقين وبين الله كقول الناس ((ما شاء الله وشئت)) و ((لولا الله وأنت)) كل هذا تأدباً مع الله وصيانة للتوحيد، وسداً لمنافذ الشرك، وإبعاداً للأمة عن أن تقع فيما وقعت فيه الأمم قبلها من فساد العقائد والسلوك، وغيرها. انظر :"محاضرات في العقيدة والدعوة" الفوزان ص50).
ويدلُ على ذلك حديثُ ابنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- أنَّ رجلاً قال للنَّبيِّ(صلى الله عليِ وسلم):ما شاء الله وشئت فقال النَّبيُّ(صلى الله عليِ وسلم):((أجعلتني لله نداً؟! بل ما شاء الله وحده)). رواه أحمد في المسند (1/74),أنظر السلسلة الصحيحة ( 1 / 139).
5.عن أبي هريرة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أنَّ أعرابياً أتى النَّبيَّ(صلى الله عليِ وسلم) ,فقال: دُلَّني على عملٍ إذا عملته دخلت الجنة؟ قال: ((تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان)) قال: والذي نفسي بيده لا أزيدُ على هذا، فلما ولى قال النَّبيّ (صلى الله عليِ وسلم) لأصحابه:(( من سره أن ينظر إلى رجلٍ من أهل الجنة فلينظر إلى هذا) البخاري- الفتح – كتاب لزكاة-باب وجوب الزكاة (3/308) برقم (1397).
3. في جانب توبته واستغفاره:
كان رسول الله(صلى الله عليِ وسلم)أعرف الخلق بربه-جل جلاله-،متعبداً له بجميع أسمائه وصفاته, وسيرته (صلى الله عليِ وسلم) تترجم هذا، فقد كان (عليه الصلاة والسلام) يُظهر ذله وافتقاره في كل شأنه ، و يكثر من الاستغفار والتوبة – حدَّث عن ذلك بقوله ((والله إني لأستغفرُ الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة)) البخاري، الفتح– كتاب الدعوات-باب استغفار النَّبيّ (صلى الله عليِ وسلم) في اليوم والليلة (11/104) برقم 6307 .
سبحان الله.. ما أعظم هذا النَّبيّ الكريم، وما أجمل شمائله وأخلاقه، وما أحسن كلامه وأحواله، تأمل معي:
((إني لأستغفر الله، وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة)) إنَّ هذا الكلام لا يصدر إلا من نبيٍّ بلغ درجة عظيمة في حبه، وخوفه، وتقواه، وورعه، وخشيته من خالقه–سبحانه-بالإضافة إلى أدبه الجم الذي لا يوصف.
4. في جانب دُعائه وافتقاره إلى ربه:
كان النَّبيُّ(صلى الله عليِ وسلم) يُكثر من الدُّعاء ويلح فيه ويتضرع لربه السميع المجيب الجواد الكريم حتى أن أبا بكر الصديق-رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-((أشفق عليه يوم بدرٍ من كثرة ما بَكى وتضرع فأخذه بيده وقال له: حسبك يا رسول الله)) البخاري – المغازي- ص752. (تحقيق العبودية – فوز الكردي ص87).
كان دُعاء النَّبيِّ(صلى الله عليِ وسلم)في ركوعِهِ:((اللهم لك ركعت، وبك آمنت، لك أسلمت خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي)) صحيح مسلم-كتاب صلاة المسافرين وقصرها-باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه (1/534) برقم (771 ) .
والمتأمل لأذكار النَّبيِّ(صلى الله عليِ وسلم)وأدعيته يرى عجباً في هذا الباب؛ففي سيد الاستغفار مثلاً أعظم معاني العبودية، وتبرز أسمى معاني الانكسار والتذلل ((اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت... إلخ)) وتأمل أيضاً دعاء النَّبيِّ(صلى الله عليِ وسلم)وتذلله لله إذا قام من الليل يتهجد ويُناجي ربه قال: ((اللهم لك الحمد أنت قيم السماوات الأرض ومن فيهنَّ، ولك الحمد... إلخ)).
إنَّ حمد الله–تعالى-وشكره، والثناء عليه بما هو أهله مع الاعتراف بالذنب والعجز يُعمّر القلب بالنور, ويوجب له الطمأنينة والسعادة. نقلاً من موقع – البيان- كلمة لأحمد الصويان في جانب العبودية.
5. في جانب الالتجاء إلى الله وخشيته وتأثره بكلامه:
عن جابر بن عبد الله -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-,قال: غزونا مع رسول الله (صلى الله عليِ وسلم) غزوة قبل نجد فأدركنا رسول الله (صلى الله عليِ وسلم) في وادٍ كثير العضاة ((أي الشوك)) فنزل رسول الله (صلى الله عليِ وسلم) تحت شجرة فعلق سيفه في بعض من أغصانها قال: وتفرق الناس في الوادي يستظلون وهو قائم على رأس فلم أشعر إلاّ والسيف صلتا في يده، فقال لي: من يمنعك مني؟ قال: قلت: الله، ثم قال في الثانية: من يمنعك مني: قال: ((قلت الله)) – فشام السيف- أي سقط من يده.. إلخ)) رواه مسلم – كتاب الفضائل- (7/62).
وهذه الواقعة تبين لنا قوة إيمان النَّبيِّ(صلى الله عليِ وسلم) بالله-عَزَّ وجَلَّ-،وتوحيده الخالص وهذا من الأدب مع الله، وثقته بنصره وتأييده، وحمايته وعصمته من الناس، وهذا هو الإيمان إذا خالط بشاشته القلب.
عن عبد الله قال:قال لي رسولُ اللهِ(صلى الله عليِ وسلم):((اقرأ عليَّ القرآن)) قال: فقلتُ يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أُنزل؟ قال:(( إني أشتهي أن أسمعه من غيري)) فقرأت النساء حتى إذا بلغت {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا}(41) سورة النساء. فقال لي: حسبك – فنظرت إليه فإذ عيناه تذرفان). رواه مسلم – كتاب الصلاة - (2/195).
وفي ختام هذا المبحث نقول: هذا غيضٌ من فيض,فمن ذا الذي يُحيط بجوانب عبادته ومظاهر أدبه وخُلُقِهِ مع ربِّهِ، ومحبته له،وأما دُعاؤه(صلى الله عليِ وسلم)،وإنابته وذكره وخشيته.. إلخ. فبحرٌ لا قرارَ له،ومحيطٌ لا ساحل له.. لا يجمعه ديوان ولا يحصيه إنسان.. والله أعلم. ==========
معنى القضاء والقدر شرعاً:
هو تقدير الله -تعالى- الأشياء في القدم، وعلمه - سبحانه- أنها ستقع في أوقات معلومة عنده، وعلى صفات مخصوصة، وكتابته- سبحانه-لذلك ومشيئته له، ووقوعها على حسب ما قدرها وخلقه لها.
ومراتب القدر أربع وهي إجمالاً:
الأولى: العلم: أي أن الله علم ما الخلق عاملون بعلمه القديم.
الثانية: الكتابة: أن الله كتب مقادير الخلائق في اللوح المحفوظ.
الثالثة: المشيئة: أي أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه ليس في السماوات والأرض من حركة إلا بمشيئته-سبحانه- ولا يكون في ملكه إلا ما يريد.
الرابعة: الخلق والتكوين: أن الله خلق كل شيء، ومن ذلك أفعال العباد كما دلت على ذلك النصوص. القضاء والقدر في ضوء الكتاب والسنة ص30.1
ولما كان الرَّسُولُ (صلى الله عليه وسلم)هو أعرف الخلق بربه، وبتوحيده كان في ذلك القدوة الحسنة لجميع أتباعه في إيمانه بقضاء الله وقدره، وفي جوانبها كلها، وأفعاله وأقواله (صلى الله عليه وسلم) كلها شاهدة على ما كان عليه (صلى الله عليه وسلم)من حسن الأدب مع ربه - عَزَّ وجَلَّ-.
ومن أدبه مع ربه أنه وضح هذا الجانب لصحابته -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم-وشرحه أتم الشرح، فكان يعلمهم ويربيهم على عقيدة القدر؛ لأنها هي العدة التي تجعل المؤمن شجاعاً لا يخاف إلا الله، وهي التي تجعل المؤمن يلاقي المصائب والصعاب راضياً مطمئناً، فعن عبد الله بن عباس - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- قال: كنت خلف النَّبيِّ(صلى الله عليه وسلم)يوماً فقال:(يا غلام إني أعملك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك. وإن اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف) الترمذي رقم 1516، وصححه الألباني في صحيح الترمذي رقم (2648). وفي روايةٍ:(احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً). رواه أحمد في المسند (1/293) وصححه الألباني انظر كتاب السنة (315).
ومن هذا الأدب الذي كان يتحلى به النَّبيُّ(صلى الله عليه وسلم)مع ربه وظهر في أقواله وأفعاله، فقد كان يلاقي كل ما نزل به بالتسليم والرضى إيماناً وتصديقاً بقضاء وقدره، لما توفي عمه أبو طالب وزوجته خديجة بنت خويلد، هذان النصيران له في تبليغ هذه الدعوة، فقد عاوناه وناصراه ولم تنل قريش من رسول الله ما نالت منه إلا بعد ما مات عمه أبو طالب ورغم كل ذلك إلا أن النَّبيّ (صلى الله عليه وسلم) قابل أمر ربه بالرِّضَى والتسليم.
ومما يدل كذلك على حسن أدبه مع ربه وإيمانه بقضائه وقدره ما كان يقابل ما ينزل به بالحمد والثناء على الله بما هو أهله، فقد روى الإمام أحمد، لما كان يوم أحد وانكفأ المشركون، قال رسولُ اللهِ(صلى الله عليه وسلم):(استووا حتى أثني على ربي - عَزَّ وجَلَّ-)، فصاروا خلفه صفوفاً، فقال: (اللهم لك الحمد كله، اللهم لا قابض لما بسطت، ولا باسط لما قبضت، ولا هادي لمن أضللت، ولا مضل لمن هديت، ولا معطي لما منعت، ولا مانع لما أعطيت ولا مقرب لما باعدت، ولا مبعد لما قربت، اللهم: ابسط علينا من بركاتك ورحمتك وفضلك ورزقك.
اللهم إني أسألك النعيم المقيم، الذي لا يحول ولا يزول، اللهم إني أسألك العون يوم العلة، والأمن يوم الخوف، اللهم إني عائذ بك من شر ما أعطيتنا وشر ما منعتنا.
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينة في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين.
اللهم توفنا مسلمين وأحيينا مسلمين وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين، اللهم قاتل الكفرة الذين يكذبون رسلك، ويصدون عن سبيلك، واجعل عليهم رجزك وعذابك. اللهم قاتل الكفرة الذين آوتوا الكتاب إله الحق). رواه البخاري في الأدب المفرد، والإمام أحمد في المسند (3/424) .
ولما توفي ولده إبراهيم وهو ابن ثمانية عشر شهراً رآه النَّبيّ (صلى الله عليه وسلم) وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، فأخذه في حجره وقال: (إن العين تدمع، والقلب يحزن، لا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون) البخاري كتاب الجنائز باب قول النَّبيّ إنا بك لمحزونون (3/206) رقم (1303), ثم قال:(تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرب، لولا أنه وعد صادق، وموعود جامع، وأن الآخر تابع للأول، لوجدنا عليك يا إبراهيم أفضل مما وجدنا وإنا لمحزونون). ابن ماجة كتاب ما جاء في الجنائز باب ما جاء في البكاء على الميت. وصححه الألباني انظر صحيح ابن ماجة (1292) رقم (2932).
قال القاضي محمد سليمان المنصور فوري:وانظروا إلى عظمة النبوة وقت وفات إبراهيمحيث أخذه الرسول (صلى الله عليه وسلم) في حجره وهو يلفظ أنفاسه فلقنه درس التوحيد بقوله: لا نغني عنك شيئاً، وما أعجب ما بينه الرسول (صلى الله عليه وسلم)من الأدلة في الصبر على الموت من أنه أمر صدق، ووعد حق، وأن الآخر سيلحق بأوله، ثم بين ضعف الإنسان، وقوة الإيمان بالله بإظهار حزنه ورضائه بربه.
وتدبروا كيف تغلب واجبه نحو إصلاح العقيدة على حزنه على الابن الفقيد فأسرع إلى الناس يخطب فيهم ويعظهم – بعد ما قالوا: إنما كسفت الشمس لموت إبراهيم- بينما الآخرون في العادة يحسبون أنفسهم في مثل هذه المصيبة مفجوعين وينوحون ويبكون. رحمة للعالمين ص352.
ولقد ثبت عن النَّبيِّ(صلى الله عليه وسلم)أنه قال:(ما أصاب عبداً قط همٌّ ولا غم ولا حزن، فقال: اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيّ حكمك عدلٌ في قضاؤك..)2
قال ابن القيم: ثم أتبع ذلك باعترافه بأنه في قبضته وملكه وتحت تصرفه، بكون ناصيته في يده يصرفه كيف يشاء، كما يقاد من أمسك بناصيته شديد القوي لا يستطيع إلا الانقياد له.
ثم أتبع ذلك بإقراره له بنفاذ حكمه فيه، وجريانه عليه شاء أم أبى، وإذا حكم فيه بحكم لم يستطع غيره ردَّه أبداً. وهذا اعتراف لربه بكمال القدرة عليه، واعتراف من نفسه بغاية العجز والضعف، فكأنه قال: أنا عبدٌ ضعيف مسكين يحكم فيه قوي قاهر غالب، وإذا حكم فيه بحكم مضى حكمه فيه ولا بد.
ثم أتبع ذلك باعترافه بأن كل حكم وكل قضية ينفذها فيه هذا الحاكم فهي عدلٌ محض منه لا جور فيها ولا ظلم بوجه من الوجوه، فقال: (ماضٍ فيّ حكمك عدلٌ فيّ قضاؤك)، وهذا يعم جميع أقضيته سبحانه في عبده، فقضاءه السابق فيه قبل إيجاده، وقضاءه فيه المقارن لحياته وقضاءه فيه بعد مماته، وقضاءه فيه يوم المعاد، ويتناول قضاءه فيه بالذنب، وقضاءه فيه بالجزاء، ومن لم يثلج صدره لهذا ويكون له كالعلم الضروري لم يعرف ربه، وكماله ونفسه وعينه، ولا عدل في حكمه، بل هو جهول ظلوم، فلا علم ولا إنصاف. شفاء العليل (2/273).
ولقد رسخ الرسول (صلى الله عليه وسلم) العقيدة في قلوب أصحابه فكان التسليم لله ورسوله من قبل الصحابة في كل أمر من الأمور.
وقد نهى الرسول (صلى الله عليه وسلم)الصحابة من الخوض في القدر بالباطل وبلا علم ولا دليل، روى أبو هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قال: خرج علينا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ونحن نتنازع في القدر، فغضب واحمر وجهه حتى كأنما فقئ في وجنتيه الرمان، فقال:(أبهذا أمرتم أم بهذا أرسلت إليكم؟ إنما هلك من كان قبلكم حين تنازعوا في هذا الأمر، عزمت عليكم ألا تتنازعوا فيه). روى الترمذي (4/443) رقم (2133)، وحسنه الألباني مشكاة المصابيح (95).
وفي رواية أخرى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: خرج رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على أصحابه وهم يختصمون في القدر، فكأنما يفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب فقال: (بهذا أمرتم أو لهذا خلقتم، تضربون القرآن بعضه ببعض بهذا هلكت الأمم قبلكم) قال: فقال عبد الله بن عمرو: (ما غبطت نفسي بمجلس تخلفت فيه عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ما غبطت نفسي بذلك المجلس وتخلفي عنه)3. وحسنه الألباني صحيح ابن ماجة (69).
وكان رسول الله(صلى الله عليه وسلم)يبين لأصحابه أن كل شيء يجري بقضاء الله وقدره، حتى في الأمور التي يعتادها الناس، فقد روى أبو زرعة قال: حدثنا صاحب لنا عن ابن مسعود قال: قام فينا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: (لا يُعدى شيء شيئاً)، فقال أعرابي: يا رسول الله! البعير أجرب الحشفة ندبنه فيجرب الإبل كلها، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (فمن أجرب الأول؟ لا عدوى ولا صفر، خلق الله كل نفس وكتب حياتها ورزقها ومصائبها).
رواه البخاري: كتاب الطب، باب لا صفر وباب لا هامة وباب لا عدوى فتح الباري (10/171، 215، 241، 243) والترمذي، واللفظ له كتاب الغدر باب ما جاء في لا عدوى ولا هامة ولا صفر (4/450). ورقمه (2143)، وابن ماجه- المقدمة- باب في القدر (1/34) وفيه أنه قال: (ذلكم القدر فمن أجرب الأول) قال الألباني: صحيح دون كلمة ذلكم القدر. انظر صحيح ابن ماجة (70) .
ومن أقواله(صلى الله عليه وسلم) الدالة على وجوب الإيمان بالقضاء والقدر ما يلي:
حديث جبريل المشهور، الذي رواه عبد الله بن عمر عن أبيه عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما - وفيه: (قال: فأخبرني عن الإيمان، قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره، قال: صدقت) مسلم كتاب الإيمان باب الإيمان والإسلام والإحسان (1/36) رقم (8).
حديث جابر بن عبدالله - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -,قال:قال رسول الله(صلى الله عليه وسلم):(لا يؤمن عبد حتى يؤمن بالقدر خيره وشره من الله، وحتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وأن ما أخطئه لم يكن ليصيبه) رواه الترمذي وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي رقم (1743)، وفي السلسلة الصحيحة رقم (2439).
وعن علي-رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-,قال: قال رسولُ اللهِ(صلى الله عليه وسلم): (لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع: يشهد أن لا إله إلا الله، وأني محمد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- بعثني بالحق ويؤمن بالموت وبالبعث بعد الموت ويؤمن بالقدر)
رواه الترمذي وابن ماجه وقال الألباني صحيح. انظر صحيح ابن ماجة (66)، وقال المباركفوري في تحفة الأحوذي (وحديث علي هذا رجاله رجال الصحيح وأخرجه أيضاً أحمد وابن ماجه والحاكم). تحفة الأخوذي (3/201) ط: الهند الناشر دار الكتاب العربي لبنان.
وعن عبد الله بن عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (كل شيء بقدر حتى العجز والكيس أو الكيس والعجز).
مسلم كتاب القدر باب كل شيء بقدر، (4/2045) رقم (2655)..
وقد ورد عن النَّبيِّ(صلى الله عليه وسلم)التحذير من التكذيب بالقدر، وذلك في الحديث الذي رواه أبو الدرداء- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عن النَّبيِّ(صلى الله عليه وسلم) أنه قال: (لا يدخل الجنة عاق ولا مدمن خمر، ولا مكذب بقدر). رواه أحمد (6/441) وذكره الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم (675).
وأقواله(صلى الله عليه وسلم)الدالة على وجوب الإيمان بالقضاء والقدر كثيرة جداً ويدل ذلك على أن الرسول قد بين هذا الجانب ووضحه وجعله في غاية الوضوح حتى لا يلتبس الأمر على الأمة، وكل هذا يدل على ما كان عليه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- من الأدب مع ربه في تبليغ دينه إلى خلقه حتى يعبدوه على علم وبصيرة.
ولقد علم الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- الأمة التسليم للقضاء والقدر بعد بذل الجهد في ما أمر به من الأسباب، فعن أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال النَّبيّ (صلى الله عليه وسلم): (المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا؛ كان كذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان). رواه مسلم كتاب القدر باب الأمر بالقوة وترك العجز والاستعانة بالله (4/2052) رقم (2664).
قال ابن القيم: فنهى النَّبيُّ(صلى الله عليه وسلم) أن يقول عند جريان القضاء ما يضره ولا ينفعه وأمره أن يفعل من الأسباب ما لا غنى له عنه، فإن أعجزه القضاء قال: حسبي الله فإذا قال: حسبي الله بعد تعاطي ما أمره من الأسباب؛ قالها وهو محمود، فانتفع بالفعل والقول، وإذا عجز وترك الأسباب وقالها وهو ملوم بترك الأسباب التي اقتضتها حكمة الله - عَزَّ وجَلَّ- فلم تنفعه الكلمة نفعها لمن فعل ما أُمرَ به. الوابل الصيب: (ص279- 280).
1- رسالة ماجستير. لـ عبد الرحمن بن صالح المحمود.
2- أحمد في المسند (1/391، 452)، والحاكم في المستدرك (1/509) وأشار إلى صحته الألباني في صحيح الكلم الطيب ص 74. ط/ الرابعة من المكتب الإسلامي.
3- رواه ابن ماجه – المقدمة- باب في القدر (1/33)، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، ورواه أيضاً الإمام أحمد، وقال الساعاتي: وقال البويصيري في زوائد ابن ماجه: هذا إسناده صحيح رجاله ثقات، الفتح الرباني 1/142. الطبعة الأولى، وقد حسنه محق جامع الأصول: 10/135 عبد القادر الأرناؤط.. ===============
. كرمه -صلى الله عليه وسلم-:
إن كرمه - صلى الله عليه وسلم- كان مضرب الأمثال، وقد كان - صلى الله عليه وسلم- لا يرد سائلاً وهو واجد ما يعطيه، فقد سأله رجل حلةً كان يلبسها، فدخل بيته فخلعها ثم خرج بها في يده وأعطاه إياها.
وفي صحيح البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله-رضي الله عنهما-قال: ما سُئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- شيئاً على الإسلام إلا أعطاه، سأله رجل فأعطاه غنماً بين جبلين فأتى الرجل قومه، فقال لهم: (يا قوم أسلموا فإن محمداً يُعطي عطاء من لا يخشى الفاقة ) مسلم كتاب الفضائل باب ما سئل رسول الله شيئا قط فقال لا وكثرة عطائه (4/1806) رقم (2312)1، وكان الرجل ليجيء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ما يريد إلا الدنيا فما يمسي حتى يكون دينه أحب إليه وأعز من الدنيا وما فيها، أخرج البخاري عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، وقد سئل عن جود الرسول وكرمه، فقال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أجود الناس، وكان أجود ما يكون في شهر رمضان حين يلقاه جبريل بالوحي فيدارسه القرآن، فرسول الله أجود بالخير من الريح المرسلة). البخاري - الفتح- كتاب المناقب, باب صفة النبي -صلى الله عليه وسلم- (6/653) رقم (3554)، بمعنى أن إعطائه دائماً لا ينقطع بيسر وسهولة، وها هي ذي أمثلة لجوده وكرمه - صلى الله عليه وسلم-.
- وحملت إليه تسعون ألف درهم فوضعت على حصير، ثم قام إليها يقسمها فما رد سائلاً حتى فرغ منها.
- أعطى العباس - رضي الله عنه- من الذهب ما لم يطق حمله.
(هذا الحبيب يا محب (525- 526).
2. حلمه - صلى الله عليه وسلم -:
الحلم: هو ضبط النفس حتى لا يظهر منها ما يكره قولاً كان أو فعلاً عند الغضب، وما يثيره هيجانه من قول سيء أو فعل غير محمود. هذا الحلم كان فيه الرسول - صلى الله عليه وسلم- مضرب المثل، والأحداث التي وقعت له - صلى الله عليه وسلم- شاهدة على ذلك.
- في غزوة أحد شُجت وجنتاه, وكُسرت رباعيته, ودخلت حلقات من المغفر في وجهه - صلى الله عليه وسلم- فقال: (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون) البخاري، الفتح كتاب الأنبياء, باب حديث الغار (6/593) رقم (3477) والجامع الصحيح (3477)،وهذا منتهى الحلم والصفح والصبر منه - صلى الله عليه وسلم-.
- والرسول-صلى الله عليه وسلم-يقسم الغنائم فقال له: ذو الخويصرة اعدل يا محمد فإن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله!! فقال له الرسول - صلى الله عليه وسلم-: (ويلك فمن يعدل إن لم أعدل) صحيح مسلم, كتاب الزكاة, باب ذكر الخوارج وصفاتهم (2/755) رقم (1064)، وحلم عليه ولم ينتقم منه.
- عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم- أدركه أعرابي فأخذ بردائه فجبذه جبذة شديدة حتى نظر إلى صفحة عنق رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وقد أثرت فيه حاشية الرداء من شدة جبذته، ثم قال: يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك فالتفت إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فضحك وأمر له بعطاء. البخاري الفتح، كتاب الأدب, باب التبسم والضحك (10/519) رقم (6088), ومسلم, كتاب الزكاة, باب إعطاء من سأل بفحش وغلظه (2/730-731) رقم (1057).
- وعن أبي هريرة أن أعرابياً جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- يستعينه في شيء فأعطاه ثم قال: (أحسنت إليك؟) قال الأعرابي: لا، ولا أجملت، قال: فغضب المسلمون وقاموا إليه فأشار إليهم أن كفوا، قال عكرمة: قال أبو هريرة: ثم قام النبي - صلى الله عليه وسلم- فدخل منزله ثم أرسل إلى الأعرابي فدعاه إلى البيت فقال: (إنك جئتنا فسألتنا فأعطيناك، فقلت ما قلت)، فزاده رسول الله - صلى الله عليه وسلم- شيئاً، ثم قال: (أحسنت إليك)، قال الأعرابي: نعم، فجزاك الله من أهل وعشيرة خيراً. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم-: (إنك جئتنا فسألتنا فأعطيناك، وقلت ما قلت، وفي أنفس أصحابي شيء من ذلك، فإن أحببت فقل بين أيديهم ما قلت بين يدي حتى يذهب من صدورهم ما فيها عليك)، قال: نعم. قال أبو هريرة: فلما كان الغد أو العشي جاء فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: (إن صاحبكم هذا كان جاء فسألنا فأعطيناه، وقال ما قال: وأنا دعوناه إلى البيت فأعطيناه فزعم أنه قد رضي أكذلك؟) قال الأعرابي: نعم فجزاك الله من أهل وعشيرة خيراً. قال أبو هريرة: فقال النبي - صلى الله عليه وسلم-: (ألا إن مثلي ومثل هذا الأعرابي كمثل رجل كانت له ناقة، فشردت عليه، فاتبعها الناس، فلم يزيدوها إلا نفوراً، فناداهم صاحب الناقة: خلوا بيني وبين ناقتي فأنا أرفق بها وأعلم، فتوجه لها صاحب الناقة بين يديها فأخذ لها من قمام الأرض فردها هوناً هوناً حتى جاءت واستناخت، وشد عليها رحلها، واستوى عليها، وإني لو تركتكم حيث قال الرجل ما قال، فقتلتموه دخل النار) رواه البزار في مسنده وقال: لا نعلمه يروى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إلا من هذ الوجه. كشف الأستار (3/159-160).
- وجاءه زيد بن سعنة أحد أحبار اليهود بالمدينة، جاء يتقاضاه ديناً له على النبي - صلى الله عليه وسلم- فجذب ثوبه عن منكبه وأخذ بمجامع ثيابه وقال مغلظاً القول: (إنكم يا بني عبد المطلب مُطلٌ) فانتهره عمر وشدد له في القول، والنبي - صلى الله عليه وسلم- يبتسم، وقال - صلى الله عليه وسلم-: (أنا وهو كنا إلى غير هذا أحوج منك يا عمر، تأمرني بحسن القضاء وتأمره بحسن التقاضي)، ثم قال: (لقد بقي من أجله ثلاث)، وأمر عمر أن يقضيه ماله، ويزيده عشرين صاعاً لما روّعه، فكان هذا سبب إسلامه فأسلم، وكان قبل ذلك يقول: ما بقي من علامات النبوة إلا عرفته في محمد - صلى الله عليه وسلم- إلا اثنتين لم أخبرهما، يسبق حلمه جهله، ولا تزيده شد الجهل إلا حلماً، فاختبره بهذه الحادثة فوجده كما وصف. رواه أبو نعيم في دلائل النبوة (1/108-112), والحاكم في المستدرك وصححه وأقره الذهبي (3/604-605), والهيثمي في مجمع الزوائد (8/239-240).
هذا شيء يسير من حلمه - صلى الله عليه وسلم-.
3. عفوه - صلى الله عليه وسلم-:
العفو: هو ترك المؤاخذة عند القدرة على الأخذ من المسيء المبطل، وهو من خلال الكمال، وصفات الجمال الخلقي.
قالت عائشة-رضي الله عنها-: ما خُيِّر رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لنفسه إلا أن تُنتهك حرمة الله تعالى فينتقم لله بها. البخاري - الفتح- كتاب المناقب باب صفة النبي -صلى الله عليه وسلم- (6/654) رقم (3560).
عن جابر بن عبد الله قال: قاتل رسول الله محارب بن خصفة، قال: فرأوا من المسلمين غرّه فجاء رجل حتى قام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بالسيف فقال: من يمنعك مني، قال: (الله)، فسقط السيف من يده فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم- السيف فقال: (من يمنعك مني؟) قال: (كن خير آخذ قدر)، قال: (أتشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله)، قال: (لا، غير أني لا أقاتلك، ولا أكون مع قوم يقاتلونك). فخلى سبيله.
فجاء أصحابه فقال: (جئتكم من عند خير الناس). (المسند (3/365)، والبخاري بنحوه كتاب المغازي, باب غزوة ذات الرقاع (7/491) رقم (4136), ومسلم بنحوه, كتاب صلاة المسافرين وقصرها – باب صلاة الخوف (1/576) رقم (843).
وعن أسامة بن زيد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ركب على حمار، فقال: (أي سعد ألم تسمع ما قال أبو الحباب) يريد عبد الله بن أبيّ قال: كذا وكذا، فقال سعد بن عبادة: اعف عنه واصفح، فعفا عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم-. (البخاري، الفتح, كتاب تفسير القرآن, باب قوله تعالى: ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذىً كثيراً، (8/78) رقم (4566), ومسلم بنحوه, كتاب الجهاد والسير, باب دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم- وصبره على أذى المنافقين (3/1422-1423) رقم (1798).
- لما دخل المسجد الحرام صبيحة الفتح ووجد رجالات قريش جالسين مطأطئين الرؤوس ينتظرون حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فيهم، فقال: (يا معشر قريش ما تظنون أني فاعل بكم؟) قالوا: أخ كريم، وابن أخٍ كريم!، قال: (اذهبوا فأنتم الطلقاء!) قال الألباني: لم أقف له على إسناد ثابت وهو عند ابن هشام معضل (انظر كتابه "دفاع عن الحديث النبوي" ص: 32) فعفا عنهم بعدما ارتكبوا من الجرائم ضده وضد أصحابه ما لا يُقادر قدره ولا يحصى عده، ومع هذا فقد عفا عنهم، ولم يعنف، ولم يضرب، ولم يقتل، فصلى الله عليه وسلم.
- وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه-: أن يهودية أتت النبي - صلى الله عليه وسلم- بشاة مسمومة ليأكل منها فجيء بها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- فسألها عن ذلك، فقالت: (أردت قتلك)، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم-: (ما كان الله ليسلطك على ذلك)، أو قال: (على كل مسلم)، قالوا: أفلا نقتلها؟ قال: لا. صحيح مسلم, كتاب السلام، باب السم (4/1721) رقم (2190)، البخاري- الفتح, كتاب الهبة وفضلها, باب قبول الهدية من المشركين (5/272) رقم (2617).
4. شجاعته - صلى الله عليه وسلم -:
إن الشجاعة خلق فاضل، ووصف كريم، وخلة شريفة، لا سيما إذا كانت في العقل كما هي في القلوب، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم- أشجع الناس على الإطلاق، فمن الأدلة على شجاعته ما يلي:
- شهادة الشجعان الأبطال له بذلك، فقد قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه-، وكان من أبطال الرجال وشجعانهم، قال: "كنا إذا حمي البأس واحمرت الحدق نتقي برسول الله - صلى الله عليه وسلم-، فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه". رواه أحمد في مسنده (1/156)، والبغوي (13/257).
وعن البراء قال: "كنا والله إذا احمر البأس نتقي به – يعني النبي -صلى الله عليه وسلم- وإن الشجاع منا الذي يحاذى به". مسلم كتاب الجهاد والسير , باب غزوة حنين (3/1401).
- وعن أنس بن مالك قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- من أجمل الناس وأجود الناس وأشجع الناس، ولقد فزع أهل المدينة مرة فركب فرساً لأبي طلحة عرياناً, ثم رجع وهو يقول: (لن تراعوا لن تراعوا) ثم قال: (إنا وجدناه بحراً) البخاري- الفتح، كتاب الأدب, باب حسن الخلق والسخاء وما يكره من البخل(10/470)، ومسلم كتاب الفضائل, باب في شجاعة النبي- عليه السلام- وتقدمه في الحرب (4/1802-1803) رقم (2307).
- مواقفه البطولية الخارقة للعادة في المعارك، ومنها ما كان في حنين حيث انهزم أصحابه وفر رجاله لصعوبة مواجهة العدو من جراء الكمائن التي نصبها وأوقعهم فيها وهم لا يدرون، فبقى وحده - صلى الله عليه وسلم- في الميدان يجول ويصول وهو على بغلته يقول:
أنا النبي لا كذب
*** أنا ابن عبد المطلب
عن البراء: قال لما غشيه المشركون نزل فجعل يقول: (أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب)، فما رُؤي في الناس يومئذ أحد كان أشد من النبي - صلى الله عليه وسلم-. البخاري-الفتح، كتاب الجهاد والسير, باب من قال خذها وأنا ابن فلان (6/190) رقم (3042), ومسلم كتاب الجهاد والسير, باب في غزوة حنين (3/1401).
وما زال في المعركة وهو يقول: (إلي عباد الله!!) حتى فاء أصحابه إليه وعاودوا الكرة على العدو فهزموه في الساعة.
كانت تلك الشواهد على شجاعته -صلى الله عليه وسلم- وما هي إلا غيض من فيض، ومواقفه - صلى الله عليه وسلم- كلها تدل على ما كان عليه من الشجاعة, ولقد قال أنس بن مالك: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم- أحسن الناس وأجود الناس وأشجع الناس". (البخاري كتاب الأدب, باب حسن الخلق والسخاء وما يكره من البخل (10/470)، ومسلم كتاب الفضائل, باب في شجاعته - صلى الله عليه وسلم- وتقدمه للحرب (4/1802) رقم (2307)).
1 - وأخرجه البخاري بلفظ: ما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء قط فقال: لا. كتاب الأدب باب حسن الخلق والسخاء وما يكره من البخل. (10/470) رقم (6034). ==============
المِزَاحُ المحمديُّ :
إن المزاح كالمداعبة والملاعبة والهزل الذي هو خلاف الجد, يقال: هزل في قوله أو فعله، أو مزح، أو داعب, الكل بمعنى واحد. والسؤال: هل كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم)على جلال قدره وسمو مكانته، وانشغال باله بمهام الرسالة وأعباء القيادة وهداية الناس يمزح؟ والجواب: نعم,كان يمزح ويداعب ويهزل مع استيعاب الجدِّ وقته كله, إلا أنه كان في مزاحه ومداعبته وهزله لا يخرج أبداً عن دائرة الحق وبحال من الأحوال, وهو في مزاحه ومداعبته يقدم معروفاً لأزواجه و أصحابه بما يدخل عليهم من الغبطة والسرور, وعلى أطفالهم إذا داعبهم من الفرح والمرح والسرور والحبور.
وباستعراضنا للمواقف النبوية الآتية تتجلَّى لنا الحقيقة وهي أن النَّبيّ(صلى الله عليه وسلم)كان يمزح ولا يقول إلا حقاً. وفي الإمكان الاستنان به في ذلك؛ لأنه من المقدور المستطاع وليس من خصائصه(صلى الله عليه وسلم)بل هو أدب عام يأخذ به كل مؤمن قدر عليه.
حدَّث أنس بن مالك -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فقال: إن رجلاً أتى النَّبيّ (صلى الله عليه وسلم)فاستحمله, أي طلب منه أن يحمله على بعير ونحوه، فقال له(صلى الله عليه وسلم): (إنا حاملوك على ولد الناقة). فقال الرجل: يا رسول الله ما أصنع بولد الناقة؟ فقال رسول الله-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (هل تلد الإبل إلا النوق؟) فكان قوله هذا مداعبة للرجل ومزحاً معه وهو حق لا باطل فيه. سنن الترمذي، كتاب البر والصلة عن رسول الله(صلى الله عليه وسلم)، باب ما جاء في المزاح، رقم (1990) وقال الترمذي حديث حسن صحيح
وحدث النعمان بن بشير -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- قال: استأذن أبوبكر على النَّبيّ(صلى الله عليه وسلم)فسمع صوت عائشة عالياً على رسول الله(صلى الله عليه وسلم)فلما دخل تناولها ليلطمها، وقال: ألا أراكِ ترفعين صوتك على رسول الله, فجعل النَّبيّ(صلى الله عليه وسلم)يحجزه. وخرج أبو بكر مغضباً، فقال رسول الله(صلى الله عليه وسلم)حين خرج أبوبكر: (كيف رأيتني أنقذتك من الرجل؟).فمكث أبو بكر أياماً ثم استأذن على رسول الله(صلى الله عليه وسلم) فوجدهما قد اصطلحا فقال لهما: أدخلاني في سلمكما,كما أدخلتماني في حربكما، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (قد فعلنا قد فعلنا). سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب ما جاء في المزاح، رقم (4999).
ففي هذا الحديث من حسن العشرة وطيب المداعبة ما لا يخفى على متأمل.
وحدث أنس بن مالك-رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-أن النَّبيّ(صلى الله عليه وسلم)قال له: (يا ذا الأذنين) سنن الترمذي، كتاب البر والصلة عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، باب ما جاء في المزاح، رقم (1992) ، وسنن أبي داود، كتاب الأدب ، باب ما جاء في المزاح ، رقم (5002)، وهي مداعبة ظاهرة وهي حق واضح، إذ كل إنسان ذو أذنين اثنتين.
وحدث أنس بن مالك فقال: كان رجل من أهل البادية يقال له زاهر، وكان يهدي للنبي(صلى الله عليه وسلم) الهدية من البادية فيجهزه النَّبيّ(صلى الله عليه وسلم) إذا أراد أن يخرج فقال رسول الله(صلى الله عليه وسلم) فيه يوماً: (إن زاهراً باديتنا ونحن حاضروه) , وكان رسول الله(صلى الله عليه وسلم)يحبه وكان هو رجلاً دميماً فأتاه النَّبيّ(صلى الله عليه وسلم)وهو يبيع متاعه فاحتضنه من خلفه ولا يبصره الرجل، فقال: أرسلني , من هذا؟ فالتفت فعرف النَّبيّ(صلى الله عليه وسلم)فجعل لا يألو ما ألصق ظهره بعد النَّبيّ(صلى الله عليه وسلم)، وجعل رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ-يقول: (من يشتري مني هذا العبد؟) فقال لرسول(صلى الله عليه وسلم): (إذن والله تجدني كاسداً)، فقال رسول الله(صلى الله عليه وسلم): (لكن عند الله لست بكاسد , أنت عند الله غال) مسند أحمد (3/161)، وسنن البيهقي الكبرى(10/248)، فالمزاح في هذا الحديث ظاهر بصورة واضحة، ومعه من كمال الخُلُق وحسن الصحبة، وطيب المخالطة ما لا مزيد عليه.
وروى البزار عن ابن عمر: "أن رجلاً كان يقال له عبد الله ويلَّقب بحمارة. وكان مضحك النَّبيّ(صلى الله عليه وسلم)، وكان يؤتى به في الشراب أي السكر ليقام عليه الحد. فجيء به يوماً فقال رجل: لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به!! فقال رسول الله(صلى الله عليه وسلم): (لا تلعنه , فإنه يحب الله ورسوله) مسند البزار، (1/393)، فقوله: وكان يضحك النَّبيّ(صلى الله عليه وسلم)دليل على أنه كان يمازحه حتى يضحكه، والمزاح يكون بين اثنين فكل واحد يمازح الثاني.
حديث الحسن البصري-رحمه الله تعالى-فقال: أتت امرأة إلى النَّبيّ(صلى الله عليه وسلم), فقالت: يا رسول الله! ادع الله لي أن يدخلني الله الجنة، قال: (يا أم فلان إن الجنة لا يدخلها عجوز) فولت العجوز تبكي، فقال: (أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز فإن الله تعالى يقول: إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا عُرُبًا أَتْرَابًا ( 35-37) سورة الواقعة. ذكره ابن كثير في تفسيره عن هذه الآية(4/292)، وقال رواه الترمذي في الشمائل،
وحدث أن امرأة جاءت تسأل عن زوجها فقال لها النَّبيُّ(صلى الله عليه وسلم): (زوجك الذي في عينيه بياض) فبكت وظنت أن زوجها عمي، فأعلمت أن العين لا تخلو من بياض، فكانت مداعبة كمداعبته(صلى الله عليه وسلم)للعجوز، ومصداقاً لما قدمناه في أنه لا يقول في مزاحه إلا حقاً. فقد قال أبو هريرة-رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-قالوا: يا رسول الله إنك تداعبنا، قال: (إني لا أقول إلا حقاً). سنن الترمذي،كتاب البر والصلة عن رسولِ اللهِ(صلى الله عليه وسلم)، باب ما جاء في المزاح، رقم (1990) وقال: هذا حديث حسن صحيح
راجع: هذا الحبيب يا محب ص547-550. ط/ مكتبة السوادي للتوزيع.
ما جاء في ضحك رسولِ اللهِ(صلى الله عليه وسلم):
عن جابر بن سَمُرة-رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قال: (كان في ساقِ رسولِ اللهِ(صلى الله عليه وسلم) حُموشةٌ، وكان لا يضحكُ إلا تبسماً، فكنتُ إذا نظرتُ إليه,قلت: أكحُل العينينِ،وليس بأكحل). سنن الترمذي، كتاب المناقب عن رسول الله،باب صفة النَّبيِّ(صلى الله عليه وسلم),وقال:هذا حديث حسن غريب صحيح.
وعن عبد الله بن الحارث بن جَزْءٍ-رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-أنه قال: (ما رأيت أحداً أكثرَ تبسماً من رسول الله (صلى الله عليه وسلم)). سنن الترمذي، كتاب مناقب الرسول، باب في بشاشة النَّبيّ ، وقال: هذا حديث حسن غريب