الثمر
المستطاب في فقه السنة والكتاب
المجلد الأول
كتاب الطهارة
( ا )
1 - المياه : (
وأنزلنا من السماء ماء طهورا . لنحيي به بلدة ميتا ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي
كثيرا ( [ الفرقان : 48 - 49 ] .
طهورية ماء
البحر .
طهورية الماء
المستعمل فيه عن جابر : جاء رسول الله يعودني وأنا مريض لا أعقل فتوضأ وصب وضوءه
علي فعقلت ( دارمي : 1/187 ) ( متفق عليه ) .
وفي حديث صلح
الحديبية : ما تنخم رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامة إلا وقعت في كف رجل فدلك
بها وجهه وجلده وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه .
( خ حم ) وفي
معناه عن جمع .
حديث حذيفة :
( إن المسلم لا ينجس ) ( خ م ) .
وفيه : أنه
كان يغتسل بفضل ميمونة . ( م ) ابن عباس : اغتسل بعض أزواج النبي صلى الله عليه
وسلم في جفنة فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ منه فقالت : يا رسول
الله إني كنت جنبا فقال : ( إن الماء لا يجنب ) . صحيح . اختاره ابن تيمية ( 3 )
في ( الاختيارات ) وفي ( مجموعة الرسائل ) ( 2/217 ) ( حم د ن ت : صح - مج مس قط
خز ) . والنهي عنه للتنزيه . ( لا يغتسلن أحدكم في الماء الدائم وهو جنب ) ( م )
وذلك للاستخباث . ومثله وأقبح منه البول
( ا ) كتب الشيخ
- رحمه الله - في أعلى هذه الصفحة :
( رؤوس أقلام عن
المسائل التي سيجري البحث حولها في دروسنا الآتية إن شاء الله تعالى ) .
فيه : ( لا
يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه ) . ( خ ) : ( ثم يغتسل
منه ) . 1 ( م وغيره ) : ( ثم يتوضأ منه ) ( ت ) .
وهو طهور لا
ينجسه شيء ما لم يتغير بنجاسة واختاره ابن تيمية ( 3 ) وفي ( مجموعة الرسائل ) (
2/217 ) .
2 - أسآر البهائم :
إذا ولغ الكلب
فليرقه . الهرة : إنها ليست بنجس .
3 - تطهير
النجاسات : الغائط البول من الآدمي والروث من الخيل والبغال والحمير والدم والمذي .
يكون التطهير
غالبا بالماء لتطهير الدماء وما شابهه قالت أسماء بنت أبي بكر : جاءت امرأة إلى
النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إحدانا يصيب ثوبها من دم الحيضة كيف تصنع ؟ فقال
: ( تحته ثم تقرصه بالماء ثم تنضحه ثم تصلي فيه ) ( متفق عليه ) . وتطهر الأرض
النجسة بالمكاثرة كما في حديث الأعرابي وبالشمس والريح إذا لم يبق أثر النجاسة وهو
اختيار الشيخ ( 11 ) . ويطهر الإناء الذي ولغ فيه الكلب بغسله بالماء سبع مرات
وتعفيره مرة بالتراب ويطهر ما أصابه المذي وبول الغلام الرضيع بالنضح والرش والأول
اختبار الشيخ ( 15 ) دون بول الجارية ويطهر النعل بمسحه بالأرض والإهاب بالدبغ ولو
إهاب خنزير وتطهر النجاسة بالاستحالة واختاره شيخ الإسلام ( 14 ) وابن القيم في (
الإغاثة ) .
انظر بطلان
الفرق بين القليل والكثير من النجاسة في ( تفسير القرطبي ) ( 8/263 ) وفي ( تفسير
ابن ) 2 ( 1/416 ) .
طهارة شعر
الميتة وصوفها في ( أحكام القرآن ) للجصاص ( 1/140 - 141 ) وفتاوى السبكي ( 1/139 ) .
4 - الأواني
يحرم استعمال
أواني الذهب لقوله : هذان حرامان . . . إلخ وأما الفضة فالعبوا بها لعبا ويحرم
الأكل أو الشرب فيها ويجوز استعمال الإناء الذي فيه سلسلة من فضة للحاجة نصا أو
ذهب قياسا - مكان الشعب . وأراد الفقهاء بالحاجة هنا أن يحتاج إلى تلك الصورة كما
يحتاج إلى التشعيب والشعيرة سواء كان من فضة أو نحاس أو حديد أو غير ذلك وليس
مرادهم أن يحتاج إلى كونها من فضة . ( فتاوى شيخ الإسلام ) ( 2/353 ) .
ويستحب تخمير
الأواني : ( غطوا الإناء - وزاد في رواية : واذكر اسم الله عليه ولو أن تعرض عليه
عودا - وأوكوا السقاء فإن في السنة ليلة ينزل فيه من ذلك الوباء ) ( مسلم والزيادة
متفق عليها و( مشكل الآثار ) ( 2/20 - 21 ) .
ويجوز استعمال
أواني الكفار فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم الوضوء من مزادة مشركة ( أخرجاه )
وقال جابر : كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنصيب من آنية المشركين
وأسقيتهم فنستمتع بها فلا يعيب ذلك عليهم ) ( د ( 2/148 ) حم ( 3/379 ) بإسناد جيد
. لكن إذا كان يغلب عليهم أكل لحم الخنزير ويتظاهرون بذلك فلا يجوز استعمالها إلا
أن لا يجد غيرها فحينئذ يجب غسلها قال أبو ثعلبة الخشني : قلت : يا نبي الله إن
أرضنا أرض أهل كتاب وإنهم يأكلون لحم الخنزير ويشربون الخمر فكيف أصنع بآنيتهم
وقدورهم ؟ قال : ( إن لم تجدوا غيرها فارخصوها واطبخوا فيها واشربوا ) ( حم 4/194
) مس ( 1/143 ) وهو صحيح على شرطهما وله طريق آخر عند ( د : 2/148 ) بسند لين .
5 - التخلي
القول عند
الدخول والخروج .
كان عليه
الصلاة والسلام إذا دخل الخلاء قال : ( اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث ) (
الجماعة ) . وقد ثبت الأمر به عند ( د مج طيا حم مس ) فينبغي الاهتمام به وكان إذا
خرج قال : ( غفرانك ) ( الخمسة إلا النسائي ) وهو أصح حديث . ( علل ) ( 1/43 ) .
وكان لا يأتي
البراز وهو في السفر حتى يغيب فلا يرى ( مج د ) وربما كان يبعد نحو الميلين ( يعلى
طب ) .
وكان يستر
للحاجة بالصدف ( كل مرتفع من بناء أو كثيب رمل أو جبل ) تارة وبحائش النخل تارة (
الحائش : النخل الملتف المجتمع كأنه لالتفافه يحوش بعضه إلى بعض . نهاية ) . أخرجه
مسلم وحم ومج .
وكان يبول
عليه الصلاة والسلام وهو وقاعد وأحيانا قائما ( الجماعة ) والقصد أمن الرشاش
فبأيهما حصل ذلك وجب .
وكان إذا سلم
عليه أحد وهو يبول لا يرد إلا بعد الفراغ . عن المهاجر بن قنفذ أنه أتى النبي صلى
الله عليه وسلم وهو يبول فسلم عليه فلم
يرد عليه حتى
توضأ ثم اعتذر إليه فقال إني كرهت أن أذكر الله عزوجل إلا على طهر ( أو طهارة ) (
د ن مج ح . م )
ودليل الجواز
كان يذكر الله على كل أحيانه ( د ت مج حم ) .
6 - المناهي :
نهى عن
استقبال أو استدبارها حالة التخلي ( م حم ) بدون تفريق وهو اختيار ابن تيمية ( 5 )
. وعن أن يستطيب بيمينه وعن الروثة والرمة ( الخمسة إلا الترمذي ) وعن التخلي في
طريق الناس أو في ظلهم ( م د حم ) وفي الموارد ( د مج مس هق عن معاذ وحم عن ابن
عباس ) وعن البول في الجحر ( د ن مس هق حم ) وفي الماء الراكد كما سبق وفي الجاري
نصا ( طس ) وفي مستحمه ( ن مج ت حم مس ) أو مغتسله ( د ن مس ) وعن الاستنجاء بأقل
من ثلاثة أحجار وأن يستنجي بعظم ( م د ت ) وقال : إنه طعام الجن وكذا قال : البعر
( م حم خ ) وعن إصابة البول الثوب وغيره وقال : ( عامة عذاب القبر منه ) وكان
يستنجي بالماء تارة ( متفق عليه ) وبالأحجار تارة ( خ ) وفيه سبب نزول قوله تعالى
: ( فيه رجال يحبون أن يتطهروا ( [ التوبة/108 ] انظر رقم ( 35 ) من ( صحيح أبي
داود ) .
7 - الوضوء
فرضيته : ( يا
أيها الذين آمنوا إذا قمتم ( أي : محدثين ) إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى
المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين ( [ المائدة/6 ] ( لا يقبل الله صلاة
بغير طهور ) ( الجماعة إلا خ ) وكان يتوضأ لكل صلاة ( خ 4 ) وقال : ( لولا أن أشق
على أمتي لأمرتهم عند كل صلاة بوضوء ومع كل وضوء سواك ) رواه أحمد بإسناد صحيح كما
في ( المنتقى ) وقد أخرجه أحمد ( 2/258 - 259 ) من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة
عن أبي هريرة . وهذا سند حسن . انظر ( ترغيب ) ( 99 ) .
وجوب النية .
صفته : السواك
التسمية : ( توضؤا باسم الله ) 3 غسل الكفين ثلاثا وهما سنة المضمضة والاستنشاق
والاستنثار وهي واجبة وكان يصل بين المضمضة والاستنشاق فيأخذ نصف الغرفة لفمة
ونصفها لأنفه وكان يستنشق بيده اليمنى ويستنثر باليسرى . وأمر بالمبالغة في
الاستنشاق ( إلا أن تكون صائما ) . غسل الوجه فرض ويستحب تخليل اللحية . غسل
اليدين مع المرفقين . وأمر بالتخليل . مسح الرأس كله فرض وصورته أن يمسح يديه
بمقدم رأسه ثم يذهب بهما إلى قفاه ثم يردهما إلى المكان الذي بدأ منه ويستحب المسح
ثلاثا ويكفي مسح بعضه إذا اتجه على العمامة ويكفي المسح عليهما . مسح الأذنين
يستحب بماء الرأس . غسل الرجلين فرض حتى يشرع في الساقين وويل للأعقاب من النار
ويخلل بخنصر اليمين في الوضوء وفي كل شيء . وقال صلى الله عليه وسلم : ( إذا لبستم
وإذا توضأتم فابتدؤا بأيمانكم ) ( د 1/187 ) بسند صحيح وكان يتوضأ مرة مرة ومرتين
ومرتين وثلاثا ثلاثا . وقال : ( فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم ) .
يستحب أن يقول
بعد الفراغ : ( أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده
ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ) ( وراجع مجلة المنار
16/670 فإن له ههنا وهما ) . أو ( سبحانك اللهم وبحمدك أشهدك أن لا إله إلا أنت
أستغفرك وأتوب إليك ) .
جواز المعاونة
على الوضوء .
الوضوء لمن
أراد النوم : ( إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن ثم قل . . . ) .
الوضوء للجنب
إذا أراد أن يعود : ( إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ ) ( م 4 حم ) .
وإذا أراد أن
يأكل ( م حم ) وأحيانا يقتصر على غسل اليدين ( ن حم : صح ) .
ويتأكد ذلك له
إذا أراد أن ينام جنبا .
والوضوء عند
كل حدث لحديث بريدة بن الحصيب قال : أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فدعا
بلالا فقال : ( يا بلالا بم سبقتني إلى الجنة إني دخلت الجنة فسمعت خشخشتك أمامي )
فقال بلال : يا رسول الله ما أذنت قط إلا صليت ركعتين ولا أصابني حدث قط إلا توضأت
عنده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لهذا ) . رواه ابن خزيمة في ( صحيحه )
و( ت مس حم : صح على م ) انظر ( الترغيب ) ( 1 - 99 ) . وقال صلى الله عليه وسلم :
( ولن يحافظ على الوضوء إلا مؤمن ( مس حم طب : صح ) وانظر ( الفتاوى ) ( 2/424 -
425 ) .
الوضوء قبل
الغسل .
الوضوء على من
حمل الميت لقوله عليه الصلاة والسلام : ( من غسل ميتا فليغتسل ومن حمله فليتوضأ )
أخرجه الطيالسي ( 305 ) وأحمد ( 2/454 ) من طريق ابن أبي ذئب عن صالح مولى التوأمة
عن أبي هريرة .
وهذا سند حسن
في بعض الأقوال ولم يتفرد به مولى التوأمة المتكلم فيه . فرواه أحمد ( 2/272 ) عن
ابن جرير 4 ثني سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة به . وهذا سند صحيح على شرط
مسلم .
وخالفه سفيان
فقال : عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن إسحاق مولى زائدة عن أبي هريرة به . أخرجه
أبو داود ( 2 - 63 ) فأدخل بين أبي صالح وأبي هريرة إسحاق موسى زائدة وهو ثقة من
رجال مسلم كما في ( التقريب ) فالإسناد على كل حال شرطه سواء سمعه أبو صالح من أبي
هريرة مباشرة أو بواسطة إسحاق هذا .
وله طريق ثالث
: رواه أبن أبي ذئب أيضا عن القاسم بن عباس عن عمرو ابن عمير عن أبي هريرة به .
أخرجه أبو داود ( 2 - 62 ) وعنه ابن حزم ( 2/23 ) ورجاله رجال الصحيح غير عمرو بن
عمير هذا فهو مجهول كما في ( التقريب ) .
وله طريق رابع
أخرجه ابن حزم ( 1/250 2/23 ) حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة بن عبد
الرحمن بن عوف عن أبي هريرة به . وهذا سند حسن .
وبالجملة
فالحديث صحيح لا شك فيه وإن كان قد تكلم فيه .
8 - المسح على
الخفين
ثبت ذلك عنه
صلى الله عليه وسلم بطريق التواتر وصح أنه مسح بعد نزول آية المائدة : ( يا أيها
الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة ( [ المائدة/6 ] وهي على قراءة الخفض مفسرة
بالسنة فالمراد المسح على الخفين وإليه مال ابن تيمية في ( الاختيارات ) ( 8 ) .
ويجوز المسح
عليهما ولو كانا مخروقين ما دام الاسم عليهما باقيا والمشي فيهما ممكن لإطلاق
الشارع وقد فصله شيخ الإسلام في ( الفتاوى ) ( 1/257 - 263 ) .
وكان يمسح في
السفر والحضر ووقت للمقيم يوما وليلة وللمسافر ثلاثة أيام ولياليهن إذا تطهر فلبس
خفيه كما في حديث أبي بكرة عند الدار قطني ( 71 ) بسند حسن وتبدأ مدة المسح من
الوقت الذي مسح إلى مثله من الغد وهو قول أحمد كما في ( مسائل أبي داود ) ( 10 ) .
ولا تتوقت مدة
المسح في حق المسافر الذي يشق اشتغاله بالخلع واللبس كالبريد المجهز في مصلحة
المسلمين وعليه يحمل قصة عقبة بن عامر . كذا قاله شيخ الإسلام في ( اختياراته ) (
9 ) والقصة المشار إليها هي ما أخرجه الدارقطني ( 72 ) من طريق علي بن رباح عن
عقبة قال : خرجت من الشام إلى المدينة يوم الجمعة فدخلت المدينة يوم الجمعة ودخلت
على عمر بن الخطاب - زاد في رواية : وعلي خفان من تلك الخفاف الغلاظ - فقال : متى
أولجت خفيك في رجليك ؟ قلت : يوم الجمعة قال : فهل نزعتهما ؟ قلت : لا قال : أصبت
السنة . قال الدارقطني : وهو صحيح الإسناد . وقال شيخ الإسلام في ( الفتاوى ) (
1/259 ) : وهو حديث صحيح . وهو كما قالا . وانظر التفصيل في ( الفتاوى ) أيضا ) (
2/188 - 189 ) .
قلت : والحديث
أخرجه في ( المختارة ) ( 1/93 ) بهذا اللفظ . وفي رواية : ( أصبت ) بدون ( السنة )
قال : وهو المحفوظ .
وكان يمسح
ظاهر الخفين ويكفي فيه مطلق المسح .
والأفضل في حق
كل أحد بحسب قدمه فللابس الخف أن يمسح عليه ولا ينزعهما اقتداء به صلى الله عليه
وسلم وأصحابه ولمن قدماه مكشوفتان الغسل ولا يتحرى لبسه ليمسح عليه وكان صلى الله
عليه وسلم يغسل قدميه إذا كانا مكشوفتين ويمسح إذا كان لابس الخفين . شيخ الإسلام
في ( الاختيارات ) ( 8 ) .
ثم قال : ( 9
) : ولا ينتقض وضوء الماسح على الخف والعمامة بنزعهما ولا بانقضاء المدة وبهذا قال
ابن حزم ( 2/80 - 84 و97 ) ولا يجب عليه مسح رأسه ولا غسل قدميه وهو مذهب الحسن
البصري وإبراهيم النخعي وابن أبي ليلى وداود كما في ( المحلى ) ( 2/94 ) كإزالة
الشعر الممسوح على الصحيح من مذهب أحمد وقول الجمهور . وقد روى الطحاوي ( 1/58 )
عن شعبة بن عن سلمة بن كهيل عن ظبيان أنه رأى عليا توضأ ومسح على نعليه ثم دخل
المسجد فخلع نعليه ثم صلى . وهذا سند صحيح جدا .
9 - المسح على
الجوربين
وثبت عنه صلى
الله عليه وسلم أنه مسح على الجوربين وهو حديث صحيح ومن أعله فلا حجة له . قال أبو
داود بعد أن خرجه : وروي هذا أيضا عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه مسح على الجوربين وليس بالمتصل ولا بالقوي . وقد أخرجه الطحاوي ( 1/58 )
وقال أبو داود : ومسح على الجوربين علي بن أبي طالب وأبو مسعود والبراء بن عازب
وأنس بن مالك وأبو أمامة وسهل بن سعد وعمرو بن حريث وروي ذلك عن عمر بن الخطاب
وابن عباس .
والجوربان
بمنزلة الخفين في المسح كما قال سعيد بن المسيب وغيرها كما في ( المحلى ) ( 2/86 )
فلهما حكمهما . ولا يشترط فيهما التجليد في أسفلهما ولا أن يثبتا بأنفسهما ولذلك
نص أحمد أنه يجوز المسح على الجوربين وإن لم يثبتا بأنفسهما بل إذا ثبتا بالنعلين
جاز المسح عليهما كما نقله شيخ الإسلام في ( الفتاوى ) ( 1/262 ) وعليه يجوز المسح
على الجوارب الرقيقة إذا كانت مشدودة بسوار من المطاط كما هو المستعمل اليوم .
وصرح ابن حزم ( 2/81 ) بجواز ذلك حتى ولو كان من الحرير للمرأة خاصة .
وثبت أيضا أنه
عليه الصلاة والسلام كان يمسح على النعلين . رواه أبو داود من حديث المغيرة .
ثم أخرجه أحمد
( 4/9 و10 ) من حديث أوس بن أبي أوس وكذا الطبراني في ( الكبير ) كلاهما من طريق
حماد بن سلمة وشريك كلاهما عن يعلى بن عطاء عن أوس بن أبي أوس قال :
رأيت أبي يوما
توضأ فمسح على النعلين فقلت : أتمسح عليهما ؟ فقال : هكذا رأيت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يفعل .
وهذا سند صحيح .
وقد رواه أبو
داود من طريق هشيم عن يعلى بن عطاء عن أبيه : أخبرني أوس بن أبي أوس الثقفي أنه
رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى كظامة قوم فتوضأ ومسح على نعليه وقدميه .
وهذا مخالف
للأول سندا ومتنا :
أما الأول فقد
جعله من مسند أوس وأدخل بينه وبين يعلى بن عطاء عطاء أبا يعلى .
وأما المتن
فقد زاد فيه : وقدميه .
وقد أخرجه
أحمد ( 4/8 ) من هذا الوجه دون قوله : ومسح على نعليه وقدميه . والرواية الأولى
عندي أصح لاتفاق ثقتين عليها : حماد وشريك ومخالفهما - وهو هشيم - كثير التدليس
كما في التقريب وقد عنعنه .
ورواه أحمد (
1/148 ) والدارمي ( 1/181 ) من حديث علي رضي الله عنه قال - والسياق للأول - : ثنا
أبو نعيم : ثنا يونس عن أبي إسحاق عن عبد خير قال : رأيت عليا رضي الله عنه توضأ
ومسح على النعلين ثم قال : لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل كما
رأيتموني فعلت لرأيت أن باطن القدمين هو أحق بالمسح من ظاهرهما . وهذا إسناد صحيح .
وقد تابعه
الأعمش عن أبي إسحاق بلفظ قال : كنت أرى أن باطن القدمين أحق بالمسح من ظاهرهما
حتى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح ظاهرهما . أخرجه أحمد ( 1/114 124 ) .
وكأن بعض
الرواة اختصر منه ذكر النعلين فهو محمول على المسح من على النعلين بدليل الرواية
الأولى .
وكذلك رواه
السدي عن عبد خير بنحوه وفيه : ومسح على نعليه ثم قال : هكذا وضوء رسول الله صلى
الله عليه وسلم للطاهر ما لم يحدث .
أخرجه أحمد (
1/120 ) عن سفيان عنه .
لكن أخرجه
أحمد أيضا ( 1/116 ) من طريق شريك عن السدي به بلفظ : ومسح على ظهر قدميه ثم قال :
هذا وضوء من لم يحدث ثم قال : لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على
ظهر قدميه رأيت أن بطونهما أحق .
فيقال في هذه
ما قلناه في الرواية عن أبي إسحاق لا سيما وأن شريكا سيء الحفظ فرواية سفيان عن
السدي أصح .
ثم إنه قد
تابعه أيضا ابن عبد خير عن أبيه بلفظ : فغسل ظهور قدميه وقال : لولا أني رأيت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يغسل ظهور قدميه لظننت أن بطونهما أحق بالغسل . أخرجه
أحمد أيضا ( 1/124 ) من طريق إسحاق بن إسماعيل : ثنا سفيان عن أبي السوداء عن ابن
عبد خير . ثم قال : ثنا إسحاق : ثنا سفيان مرة أخرى قال : رأيت عليا رضي الله عنه
توضأ فسمح على ظهورهما . وهذا سند صحيح . وأبو السوداء اسمه عمرو بن عمران وابن
عبد خير اسمه المسيب وهما ثقتان . فهذه الروايات كلها تفسرها الرواية الأولى وإلا
فهي بظاهرها حجة للشيعة .
وأما الرواية
الأخرى عند أحمد أيضا ( 1/139 و144 و159 ) من طريق عبد الملك بن ميسرة عن النزال
بن سبرة أنه شهد عليا رضي الله عنه صلى الظهر ثم جلس في الرحبة في حوائج الناس
فلما حضر العصر أتى بتور فأخذ حفنة ماء فمسح يديه وذراعيه ووجهه ورأسه ورجليه . .
. الحديث فهو محمول على الغسل بدليل أن المسح قد استعمل في هذه الرواية في جميع
الأعضاء وذا لا يجوز باتفاق المسلمين قال في ( النهاية ) : والمسح يكون مسحا باليد
وغسلا .
وإسناد هذه
الرواية صحيح على شرط البخاري .
هذا وحديث علي
رضي الله عنه في المسح على النعلين رواه ابن خزيمة أيضا وأحمد بن عبيد الصفار كما
في ( نيل الأوطار ) ( 1/158 ) وفي الباب عن ابن عباس عند ابن حبان والبيهقي كما في
( الاختيارات ) لشيخ الإسلام ( 8 ) وعن أنس عند البيهقي .
قلت : ورواه
الدولابي في ( الكنى ) ( 2/96 ) عن هميان بن ثمامة الزماني قال : ثني راشد أبو
محمد الحماني قال : رأيت أنس بن مالك توضأ فمسح على نعليه وصلى .
وهميان هذا لم
أجد من ذكره وبقية رواته ثقات .
وثبت المسح
عليهما عن ابن مسعود وعن عمرو بن حريث . أخرجهما الطبراني في ( الكبير ) وإسناد
الأول رجاله موثقون والآخر رجاله ثقات كما في ( المجمع ) .
وذهب إلى جواز
المسح عليهما الأوزاعي وكذا ابن حزم في ( المحلى ) ( 2/103 ) فقول شيخ الإسلام في
( الفتاوى ) ( 1/266 ) أنه ( لا يجوز المسح عليهما باتفاق المسلمين ) مدفوع بما
ذكرنا .
ومن الغريب
أنه حمل المسح هنا على الرش فذكر في موضع آخر : ( إن الرجل لها ثلاثة أحوال :
الكشف له الغسل وهو أعلى المراتب والستر المسح وحالة متوسطة وهي في النعل فلا هي
مما يجوز المسح ولا هي بارزة فيجب الغسل فأعطيت حالة متوسطة وهو الرش وحيث أطلق
عليها لفظ المسح في هذا الحال فالمراد به الرش وقد ورد الرش على النعلين والمسح
عليهما في ( المسند ) من حديث أوس بن أبي أوس . ورواه ابن حبان والبيهقي من حديث
ابن عباس ) كذا في ( الاختيارات ) ( 8 ) .
وليس في شيء
من هذه الأحاديث ذكر الرش لا في المسند ولا في غيره من حديث أوس بن أبي أوس ولا من
حديث غيره اللهم إلا في حديث آخر عن علي رضي الله عنه أنه قال : يا ابن عباس ألا
أتوضأ لك وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قلت : بلى - فداك أبي وأمي - . قال
: فوضع له إناء فغسل يديه ثم مضمض واستنشق واستنثر ثم أخذ بيديه فصك بهما وجهه
وألقم إبهامه ما أقبل من أذنيه قال : ثم عاد في مثل ذلك ثلاثا ثم أخذ كفا من ماء
بيده اليمنى فأفرغها على ناصيته ثم أرسلها تسيل على وجهه ثم غسل يده اليمنى إلى
المرفق ثلاثا ثم يده الأخرى مثل ذلك ثم مسح برأسه وأذنيه من ظهورهما ثم أخذ بكفيه
من الماء فصك بهما على قدميه وفيهما النعل ثم قلبها بها ثم على الرجل الأخرى مثل
ذلك . قال : فقلت : وفي النعلين ؟ قال : وفي النعلين قلت : وفي النعلين ؟ قال :
وفي النعلين . قلت : وفي النعلين ؟ قال : وفي النعلين .
أخرجه الإمام
أحمد ( 1/82 - 83 ) عن محمد بن إسحاق : ثني محمد ابن طلحة بن يزيد بن ركانة عن
عبيد الله الخولاني عن ابن عباس قال : دخل علي علي بيتي فدعا بوضوء فجئنا بقعب
يأخذ المد أو قريبه حتى وضع بين يديه وقد بال فقال : يا ابن عباس . . . إلخ .
وهذا سند جيد .
فهذا الحديث
يكاد يكون نصا على ما ذهب إليه شيخ الإسلام رحمه الله من الرش على القدم وهي في
النعل ولكنه لا يلزم منه إبطال السنة الأخرى وهي المسح على النعلين كالخفين
والجوربين بحمل المسح عليهما على الرش كما قال الشيخ رحمه الله لعدم وجود قرينة
قاطعة صارفة من الحقيقة إلى المجاز والله أعلم .
ثم وجدت نصا
لشيخ الإسلام ذهب فيه إلى المسح على النعلين بشرط مشقة نزعهما فقال في ( الفتاوى )
( 2/85 ) : ونقل عنه صلى الله عليه وسلم المسح على القدمين في موضع الحاجة مثل أن
يكون في قدميه نعلان يشق نزعهما . وقيده في ( الاختيارات ) : إلا بيد أو رجل .
10 - نواقض الوضوء
2 . 1 - البول الغائط
: ( لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ ) ( متفق عليه ) ( لا وضوء إلا من
صوت أو ريح ) ( ت : صح مج هق حم ( 2/410 ) .
3 - المذي : فيه
الوضوء ( متفق عليه ) .
4 - النوم : كان
يأمرنا إذا كنا سفرا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة لكن من
غائط وبول ونوم . ( ت : صح ن حم ) وهو مذهب الحسن البصري والمزني وأبي عبيد القاسم
بن سلام وابن راهويه وابن المنذر وإليه ذهب ابن حزم ( 1/222 - 231 ) .
5 - أكل لحم الإبل
وبه قال أحمد وإسحاق وابن المنذر وابن خزيمة واختاره البيهقي وابن حزم ( 1/241 )
وقال الشافعي : إن صح الحديث قلت به . وقال النووي في مسلم : وهذا المذهب أقوى
دليلا وإن كان الجمهور على خلافه . وانتصر له شيخ الإسلام في ( الفتاوى ) ( 1/57 -
59 ) ومال إليه في ( مجموعة الرسائل ) ( 2/432 ) وبه قال الشوكاني ( 1/175 - 177 ) .
6 - لمس العضو
بشهوة .
11 - المتطهر يشك
في الحدث .
( إذا وجد أحدكم
في بطنه شيئا فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا فلا يخرج من المسجد حتى يسمع صوتا أو
يجد ريحا ) ( م ت ) .
12 - ما يستحب
الوضوء لأجله
الوضوء لكل
صلاة .
الوضوء مما
مسته النار . شيخ الإسلام في ( مجموعة الرسائل ) ( 2/231 - 232 ) .
الوضوء لذكر
الله تعالى وللقرآن من باب أولى عن المهلب .
الوضوء من
القيء : ( مجموعة الرسائل ) ( 2 - 234 ) .
الوضوء عقب كل
حدث . انظر ( الترغيب ) ( 1/99 رقم 4 ) .
13 - موجبات الغسل
1 - خروج المني
بشهوة : ( إذا حذفت الماء فاغتسل من الجنابة فإذا لم تكن حاذفا فلا تغتسل ) ( حم :
1/107 ) عن جواب التيمي عن يزيد بن شريك - يعني التيمي - عن علي به مرفوعا .
وهذا سند حسن
رجاله ثقات غير جواب هذا وهو صدوق رمي بالإرجاء كما في ( التقريب ) .
وفي لفظ له من
طريق آخر ( 1/109 ) ود ( 1/32 ) :
( فإذا فضخت
الماء فاغتسل ) وسنده جيد .
2 - خروجه في
الاحتلام والنساء فيه كالرجال 5 : عن أم سلمة أن أم سليم قالت : يا رسول الله إن
الله لا يستحي من الحق فهل على المرأة الغسل إذا احتلمت ؟ قال : ( نعم إذا رأت
الماء ) فقالت أم سلمة : وتحتلم المرأة ؟ فقال : تربت يداك فيما يشبهها ولدها ؟ )
. متفق عليه ) .
وفيه رد على
من قال أن ماء المرأة لا يبرز .
3 - مس الختان
الختان : إذا قعد بين شعبها الأربع ومس الختان الختان فقد وجب الغسل . ( حم م ت :
صح ) وإن لم ينزل ( م حم ) .
وكان الحكم في
ابتداء الإسلام : ( الماء من الماء ) ( م ) ثم نسخ . ويؤيده قوله تعالى : ( وإن
كنتم جنبا فاطهروا ( [ المائدة 6 ] فإن كلام العرب يقتضي أن الجنابة تطلق بالحقيقة
على الجماع وإن لم يكن معه إنزال كما قال الشافعي .
4 - الحيض ( فإذا
أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي ) ( خ م ) .
5 - النفاس وقد
وقع الإجماع من العلماء على أن النفاس كالحيض في جميع ما يحل ويحرم ويكره ويندب .
14 - الأغسال
الواجبة
1 - الغسل على
الكافر الذي أسلم عن قيس بن عاصم قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أريد السلام
فأمرني أن أغتسل بماء وسدر ( د ن ت حم : 5/61 ) .
2 - غسل الجمعة
على كل محتلم .
3 - غسل ميت المسلمين .
15 - الأغسال
المستحبة
1 - الغسل من غسل
الميت . فيه ما سبق ( من غسل ميتا فليغتسل ومن حمله فليتوضأ ) .
2 - الغسل من
مواراة المشرك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه : لما توفي أبي أتيت رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقلت : إن عمك قد توفي قال : ( اذهب فواره ) قلت : إنه مات مشركا
قال : ( اذهب فواره ولا تحدثن شيئا حتى تأتيني ) ففعلت ثم أتيته فأمرني أن أغتسل .
أخرجه الطيالسي ( 19 ) : ثنا شعبة عن أبي إسحاق قال : سمعت ناجية بن كعب يقول :
شهدت عليا يقول . . . . فذكره .
وكذلك أخرجه
أحمد ( 1/97 ) والنسائي ( 1/41 ) عن شعبة به ببعض اختصار .
وقد تابعه
سفيان الثوري عن أبي إسحاق . أخرجه أبو داود ( 2/70 ) والنسائي أيضا ( 1/282 - 283
) . وهذا إسناد صحيح 6 . وزاد سفيان : فاغتسلت ودعا لي .
وله طريق أخرى
أخرجه عبد الله بن أحمد في ( زوائد المسند ) ( 1/103 - 129 ) عن الحسن بن يزيد
الأصم قال : سمعت السدي إسماعيل يذكره عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي به وفيه :
فاغتسلت ثم أتيته قال : فدعا لي بدعوات ما يسرني أن لي بها حمر النعم وسودها قال :
وكان علي رضي الله عنه إذا غسل الميت اغتسل . وهذا إسناد حسن .
( 3 ) الغسل للإحرام
حتى للنفساء وقد قيل : إنه واجب بحقها . قاله الحسن وأهل الظاهر ومنهم ابن حزم (
7/82 و2/26 ) .
( 4 ) لدخول مكة قال
ابن عمر : إن من السنة أن يغتسل إذا أراد أن يحرم وإذا أراد أن يدخل مكة . ( قط مس
: صحيح ) وانظر ( التلعيقات الجياد ) .
( 5 ) عقب الجماع :
عن أبي رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف ذات يوم على نسائه يغتسل عند هذه
وعند هذه قال : فقلت : يا رسول الله ألا تجعله غسلا واحدا ؟ قال : هذا أزكى وأطيب
وأطهر ) أخرجه د ( 1/34 ) ومج ( 1/206 ) وحم ( 6/8 - 9 ) عن حماد بن سلمة عن عبد
الرحمن بن أبي رافع عن عمته سلمى عنه . وهذا سند حسن .
( 6 ) عقب الإغماء
كما في حديث عائشة في مرض النبي صلى الله عليه وسلم .
( 7 ) غسل المستحاضة
لكل صلاة . أو لصلاة الظهر والعصر معا غسلا واحدا وكذا لصلاة المغرب والعشاء إذ
تؤخر الأولى إلى وقت الأخرى . وغسلا واحدا لصلاة الصبح . راجع تعليقنا على ( المعجم
) ( 2/178 - 179 ) و( المجمع ) أيضا ( 1/280 - 281 ) و( المسند ) ( 6/128 - 129 ) .
16 - صفة الغسل
كان إذا اغتسل
من الجنابة يبدأ فيغسل يديه مرتين أو ثلاثا ثم يفرغ يمينه على شماله فيغسل فرجه ثم
يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يأخذ الماء ويدخل أصابعه في أصول الشعر حتى إذا رأى أن قد
استبرأ حفن على رأسه ثلاث حثيات ثم أفاض على سائر جسده ثم غسل رجليه . أخرجاه .
وكان يبدأ بشق
رأسه الأيمن ثم الأيسر . أخرجاه .
وكان لا يتوضأ
بعد الغسل .
ويكفي المرأة
أن تحثي على رأسها ثلاث حثيات ثم تفيض عليها الماء فتطهر ( م ه ) .
17 - قدر الماء في
الغسل والوضوء
كان عليه
الصلاة والسلام يغتسل بالصاع ويتطهر بالمد ( حم مج م ت : صحيح ) والطحاوي ( 1/322
- 324 ) وقط ( 35 ) .
وقال عليه
الصلاة والسلام :
( يجزئ من
الوضوء المد ومن الجنابة الصاع ) حم : ( 3/370 ) ومس : ( 1/161 ) وقال :
( صحيح على
شرطهما ) ووافقه الذهبي وهو كما قالا .
والأظهر أن
الصاع خمسة أرطال وثلث عراقي سواء صاع الطعام والماء وهو قول الجمهور العلماء
خلافا لأبي حنيفة . كذا في ( اختيارات شيخ الإسلام ) .
وقد روى
الطحاوي ( 1/324 ) عن علي بن صالح وبشر بن الوليد جميعا عن أبي يوسف قال : قدمت
المدينة فأخرج إلي من أثق به صاعا فقال : هذا صاع النبي صلى الله عليه وسلم فقدرته
فوجدته خمسة أرطال وثلث . قال الطحاوي : وسمعت ابن أبي عمران يقول : يقال : إن
الذي أخرج هذا لأبي يوسف هو مالك بن أنس .
والصاع أربعة
أمداد والمد ملئ كفي الإنسان المعتدل إذا ملأهما ومد يده بهما وبه سمي مدا وقد
جربت ذلك فوجدته صحيحا . قاله في ( القاموس ) .
وهو يعادل (
700 ) غرام في تقدير الشيخ بهجة البيطار حفظه الله تعالى .
وكان أحيانا
يتوضأ بما هو أقل من ذلك فتوضأ مرة في إناء فيه ماء قدر ثلثي المد ( د : 15 ) صحيح .
والذي يتحصل
من مجموع الأحاديث والنصوص أن ( القدر المجزئ من الغسل ما يحصل به تعميم البدن على
الوجه المعتبر وسواء كان صاعا أو أقل أو أكثر ما لم يبلغ في النقصان إلى مقدار لا
يسمى مستعمله مغتسلا أو إلى مقدار في الزيادة يدخل فاعله في حد الإسراف . وهكذا
الوضوء القدر المجزئ منه ما يحصل به غسل أعضاء الوضوء سواء كان مدا أو أقل أو أكثر
ما لم يبلغ في الزيادة إلى حد السرف أو النقصان إلى حد لا يحصل به الواجب ) كذا في
( النيل ) ( 1/219 - 220 ) .
وقد قال عليه
الصلاة والسلام : ( إنه سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء ) ( د :
15 ) وانظر ( نقد التاج ) .
18 - آداب الاغتسال
ودخول الحمام
وكان صلى الله
عليه وسلم إذا اغتسل استتر بثوب ففي ( الصحيح ) أن فاطمة ابنته 7 كانت تستر النبي
صلى الله عليه وسلم عام الفتح بثوب وهو يغتسل ثم صلى ثماني ركعات . وفيه أيضا أن
ميمونة سترته فاغتسل .
ورأى رجلا
يغتسل بالبراز ( اسم للفضاء الواسع ) فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال : (
إن الله عز وجل حليم حيي ستير يحب الحياء والستر فإذا اغتسل أحدكم فليستتر ) ( ن :
70 ) من طريق زهير : ثنا عبد الملك عن عطاء عن يعلى . وهذا سند جيد .
ورواه ( حم :
4/224 ) و( ن ) في رواية مختصرا بلفظ :
( إن الله عز
وجل حيي ستير فإذا أراد أحدكم أن يغتسل فليتوار بشيء ) .
ورواه أبو
داود ( 2/170 ) باللفظين وقال : الأول أتم .
وقال صلى الله
عليه وسلم : ( كانت بنو إسرائيل يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى بعض وكان موسى عليه والسلام
يغتسل وحده فقالوا : والله ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلا أنه أدر ( الأدرة :
نفخة في الخصية ) قال : فذهب مرة يغتسل فوضع ثوبه على حجر ففر الحجر بثوبه قال :
فجمع موسى عليه السلام يقول : ثوبي حجر ثوبي حجر حتى نظر بنو إسرائيل إلى سوأة
موسى عليه السلام فقالوا : والله ما بموسى بأس . قال : فأخذ ثوبه فطفق بالحجر ضربا
) ( متفق عليه ) .
وقال عليه
السلام : ( بينما أيوب عليه السلام يغتسل عريانا فخر عليه جراد من ذهب فجعل أيوب
يحتثي في ثوبه فناداه ربه تبارك وتعالى : يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى ؟ قال :
بلى وعزتك ولكن لا غنى بي عن بركتك ) . ( حم خ ن ) .
انظر ( نقد
التاج ) رقم ( 60 ) .
ورغب صلى الله
عليه وسلم في التستر حتى في الخلوة فقال : ( احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت
يمينك ) قال : قلت : يا رسول الله إذا كان القوم بعضهم في بعض ؟ قال : ( إذا
استطعت أن لا يرينها أحد فلا يرينها ) . قال : قلت : يا رسول الله إذا كان أحد
خاليا ؟ قال : ( الله أحق أن يستحيا منه من الناس ) ( د : 2/171 ت : 2/130 ومج :
1/553 والبيهقي 2/225 ) والحاكم ( 4/179 - 180 ) وقال ت : حديث حسن وهو كما قال .
وصححه الحاكم ( 4/180 ) كما في ( الفتح ) ( 1/306 ) وعلقه خ .
ورخص صلى الله
عليه وسلم للرجال بدخول الحمام بشرط الاستتار ومنع النساء منه مطلقا فقال عليه
السلام : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر ومن كان
يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل حليلته الحمام ) ( ن ت وحسنه ومس : صح ) وفي لفظ
: ( ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر من نسائكم فلا يدخلن الحمام ) ( مس حب : صح )
وانظر ( الترغيب ) ( 1/88 - 90 ) .
ولم يصح
استثناء المريضة والنفساء فلا بأس من دخولهما للضرورة مستورة العورة كما في (
الاختيارات ) ( 3/61 ) .
وقال عليه
الصلاة والسلام :
( ما من امرأة
تنزع ثيابها في غير بيت أحد من أمهاتها إلا وهي هاتكة كل ستر بينها وبين الرحمن عز
وجل ) ( حم حب ) وفي رواية أخرى : ( في غير بيت زوجها ) ( د ت مج مي مس طيا حم ) .
19 - التيمم
ومن لم يجد
الماء تيمم مسافرا كان أم غير مسافر قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا
الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا وإن
كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغآئط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء
فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم ( [ النساء/43 ] .
وكانوا مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فصلى بالناس فإذا هو برجل معتزل فقال : ( ما
منعك أن تصلي ؟ ) قال : أصابتني جنابة ولا ماء قال : ( عليك بالصعيد فإنه يكفيك )
( متفق عليه ) .
وتيمم عليه
الصلاة والسلام في المدينة لرد السلام .
ويتيمم بما
على وجه الأرض ترابا كان أو غيره كما تيمم عليه السلام بالحائط . ولعموم قوله : (
وجعلت لي الأرض كلها لي ولأمتي مسجدا وطهورا ) . وهو مذهب أبي حنيفة ومالك وغيرهما
واختاره ابن حزم ( 2/158 - 161 ) .
ويصلي به ما
شاء من الصلوات الفرائض والنوافل ما لم يجد الماء :
( إن الصعيد
الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجد الماء فليمسه بشرته فإن ذلك
خير ) ( د ت : صح حم عن أبي ذر ) وله شاهد من حديث أبي هريرة بإسناد صحيح كما قال
ابن القطان . قلت : ورجاله رجال البخاري بلفظ : ( فليتق الله ويمسه بشرته ) انظر
الزيلعي ( 1/148 - 150 ) . وهو قول ابن المسيب والحسن البصري والزهري وأبو جعفر
الباقر ويزيد بن هارون . ( المحلى ) ( 2/128 ) .
فإذا وجد
الماء فإنه لا يعيد ما صلى وهو مذهب الأربعة قال أبو سعيد : خرج رجلان في سفر
فحضرت الصلاة وليس معهما ماء فتيمما صعيدا طيبا فصليا ثم وجدا الماء في الوقت
فأعاد أحدهما الوضوء والصلاة ولم يعد الآخر ثم أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم
فذكرا ذلك له فقال للذي لم يعد : ( أصبت السنة وأجزأتك صلاتك ) وقال للذي توضأ
وأعاد : ( لك الأجر مرتين ) ( د ن ) وغيرهما انظر ( نقد التاج ) .
ولا يبطله إلا
ما يبطل الوضوء من النواقض وإلا وجدان الماء لحديث أبي ذر وأبي هر المتقدمين
ولقوله - في حديث الذي اعتزل الصلاة وراءه وهو جنب وقد مر قريبا - : وكان آخر ذلك
أن أعطى صلى الله عليه وسلم الذي أصابته الجنابة إناء من ماء وقال : ( أذهب فأفرغه
عليك ) .
ويتيمم الجنب
للجرح مع وجود الماء : الوليد بن عبيد الله بن أبي رياح أن عطاء حدثه عن ابن عباس
أن رجلا أجنب في شتاء فسأل فأمر بالغسل فاغتسل فمات فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه
وسلم فقال : ( ما لهم قتلوه قتلهم الله - ثلاثا - قد جعل الله الصعيد أو التيمم
طهورا ) . أخرجه الحاكم ( 1/165 ) وابن خزيمة وابن حبان وقال الأول صحيح . ووافقه
الذهبي وهو عجيب منه فإنه قد ذكر في ( ميزانه ) أن الوليد هذا ضعفه الدارقطني
ولكنه قد توبع
عليه فقد أخرجه أبو داود ( 1/56 ) وابن ماجه ( 202 ) والدارمي ( 192 ) والحاكم
أيضا ( 1/178 ) من طريق الأوزاعي أنه بلغه عن عطاء بن أبي رباح به نحوه وفيه أن
الرجل أصابته جراحه وفيه آخره : آلم يكن شفاء العي السؤال ؟
وفي رواية
للحاكم عن بشر بن بكر : ثني الأوزاعي : ثنا عطاء به . وهذا لو ثبت لكان صحيحا ولكن
علته أن الأوزاعي لم يسمعه من عطاء إنما سمعه من إسماعيل بن مسلم عن عطاء .
قلت :
وإسماعيل هذا ضعيف ولكن يقويه متابعة الوليد له كما سبق وكذا تابعه الزبير بن خريق
ولكن خالفه في الإسناد فقال : عن عطاء عن جابر به أتم منه . أبو داود ( 56 )
والدارقطني ( 69 ) وقال : لم يروه عن عطاء عن جابر غير الزبير بن خريق وليس بالقوي
وصححه ابن السكن كما في ( النيل ) ( 224 ) .
وبالجملة
فالحديث قوي ثابت بهذه المتابعات .
ويتيمم لخوف
البرد : عن عمرو بن العاص قال احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل فأشفقت إن
اغتسلت أن أهلك فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم
فقال : ( يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب ؟ ) فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت
: إني سمعت الله يقول : ( ولا تقتلوا أنفسكم إن اله كان بكم رحيما ( [ النساء/29 ]
فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئا . أخرجه أبو داود وغيره مقطوعا
وموصولا وكلاهما صحيح وقواه الحافظ في ( الفتح ) وتكلمنا عليه مفصلا في ( نقد
التاج ) رقم ( 45 ) .
وإذا لم يكف
الماء للوضوء وللغسل يستعمله في غسل أعضاءه الأول فالأول ثم يتيمم للباقي لقوله :
( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ) ( متفق عليه ) وهو مذهب ابن حزم ( 2/137 ) .
20 - صفة التيمم
عن عمار قال :
أجنبت فلم أصب الماء فتمعكت في الصعيد وصليت فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم
فقال : ( إنما كان يكفيك هكذا ) وضرب النبي صلى الله عليه وسلم بكفيه الأرض ونفخ
فيهما ثم مسح بهما وجهه وكفيه . ( متفق عليه ) .
وهو ضربة
للوجه والكفين . وبه قال أحمد وإسحاق وغيرهما .
وهو ضربة
للوجه والكفين . وبه قال أحمد وإسحاق وغيرهما .
وأما
استيعابهما بالمسح فلا دليل عليه . ( المحلى ) ( 2/156 - 158 ) .
21 - الحيض
هو الدم
الأسود الخاثر الكريه الرائحة خاصة فمتى ظهر من المرأة صارت حائضا .
عن فاطمة بنت
أبي حبيش أنها كانت تستحاض فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا كان دم
الحيضة فإنه دم أسود يعرف فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة فإذا كان الآخر فتوضئي
وصلي فإنما هو عرق ) . ( د : 45 و50 ن : 66 قط : 76 مس : 174 ) وابن حزم ( 2/164 )
عن ابن أبي عدي : ثنا محمد بن عمرو : ثنا ابن شهاب عن عروة بن الزبير عنها .
وهذا سند حسن
وقد حسنه ابن العربي في ( العارضة ) وقال الحاكم : ( صحيح على شرط مسلم ) ووافقه
الذهبي . وليس كما قالا .
ثم أخرجه
الحاكم ( 1/174 ) عن سهيل بن أبي صالح عن الزهري عن عروة بن الزبير عن أسماء بنت
عميس قالت : قلت : يا رسول الله إن فاطمة بنت أبي حبيش استحاضت منذ كذا وكذا فلم
تصل . قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( فسبحان الله هذا من الشيطان
لتجلس في مركن فإذا رأت صفرة فوق الماء فتغتسل للظهر والعصر غسلا واحدا وتغتسل
للمغرب والعشاء غسلا واحدا وتغتسل للفجر وتتوضأ فيما بين ذلك ) . وقال :
( صحيح على شرط
مسلم ) ووافقه الذهبي . وهو كما قالا .
ورواه د ( 48
) وقط ( 79 ) وطحا ( 60 - 61 ) .
فهذا الحديث
يفيد أن الصفرة ليست دم حيض لقوله : ( دم الحيض أسود يعرف ) . وهو مذهب ابن حزم
وجمهور الظاهرية كما قال في ( المحلى ) ( 2/168 ) .
وأما الحمرة
والصفرة بعد الطهر فلا يعد شيئا وهو قول أبي حنيفة وسفيان الثوري والأوزاعي
والشافعي وأحمد وغيرهم .
عن عائشة زوج
النبي صلى الله عليه وسلم أن أم حبيبة بنت جحش ختنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
وتحت عبد الرحمن بن عوف استحيضت سبع سنين فاستفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم في
ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن هذه ليست بالحيضة ولكن هذا عرق
فاغتسلي وصلي ) . قالت عائشة : فكانت تغتسل في مركن في حجرة أختها زينب بنت جحش
حتى تعلو حمرة الدم الماء . ( م : 181 د 44 ن : 655 مج : 215 - 216 مي : 196 - 198
199 و200 ) وحم ( 6 - 83 و187 ) ورواه : م ( 181 - 182 ) ن ( 65 ) د ( 43 ) .
وعن عائشة أن
النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف معه بعض نسائه وهي مستحاضة ترى الدم فربما وضعت
الطست تحتها من الدم وزعم أن عائشة رأت ماء العصفر فقالت : كان هذا شيء كانت فلانة
تجده . ( خ : 26 مي : 217 وفي لفظ
ل خ : 327
و4/226 ) : اعتكفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة مستحاضة من أزواجه فكانت
ترى الحمرة والصفرة فربما وضعنا الطست تحتها وهي تصلي .
وعن أيوب عن
محمد عن أم عطية قالت : كنا لا نعد الكدرة والصفرة شيئا . ( خ : 338 د : 50 ن : 66
مي : 214 مجج : 222 مس : 174 ) ثم أخرجه د مي : 215 مج : 222 ومس من طريق حماد بن
سلمة عن قتادة عن أم الهذيل عنها بزيادة : بعد الطهر شيئا وقال : مس :
( صحيح على
شرطهما ) .
وأم الهذيل هي
حفصة بنت سيرين وكذا قال الذهبي وإنما هو على شرط مسلم من أجل حماد بن سلمة والأول
هو على شرطهما واستدراكه على البخاري لا معنى له .
وروى الدارمي
عن ابن سيرين قال : لم يكونوا يرون في الكدرة والسفرة بأسا .
1 - فإذا كان دم
الحيض أسود يعرف فكل من رأته من النسائء وميزته فهي حائض وإلا فمستحاضة .
2 - إلا التي لا
تميز دمها بسبب كثرته واستدامته فعليها أن ترجع إلى عادتها وأيامها المعرفة من
الحيض .
3 - وإذا لم تعرف
أيام الحيض ولم تميز الدم فعليها أن ترجع إلى الغالب من عادة النساء في ذلك .
يدل للأول حديث
فاطمة بنت أبي حبيش المتقدم .
وللثاني حديث
أم حبيبة عند أحمد وقد مر قريبا وهو من حديث عائشة .
وقد روته -
أيضا - أم سلمة عند أحمد ( 6 - 322 - 323 و320 و393 ) وأبو داود ( 42 ) ن ( 65 )
مي ( 199 ) مج ( 215 ) قط ( 76 ) عن سليمان بن يسار عنها . وهو معلول بالانقاطاع
بيته وبينها فقد رواه د وغيره عنه أن رجلا أخبره عنها .
لكن له طريق
أخرى في ( المسند ) ( 6/304 ) : ثنا سريج : ثنا عبد اله - يعني ابن عمر_ عن سالم
أبي النضر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عنها . وهذا سند حسن بما قبله .
ويدل للثالث
حديث حمنة بنت جحش قالت : كنت أستحاض حيضة شديدة كثيرة فجئت إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم أستفتيه وأخبره فوجدته في بيت أختي زينب بنت جحش قالت : قلت : يا
رسول الله إني أستحاض حيضة كثيرة شديدة فما ترى فيها ؟ قد منعتني الصلاة والصيام .
فقال : ( أنعت لك الكرسف ( أي : القطن ) فإنه يذهب الدم . قالت : هو أكثر من ذلك .
قال : ( فاتخذي ثوبا ) . قالت : هو أكثر من ذلك . قال : ( فتلجمي ) . قالت : إنما
أثج ثجا ( الثج : السيلان ) فقال : سآمرك بأمرين أيهما فعلت فقد أجزأ عنك من الآخر
فإن قويت عليهما فأنت أعلم ) . فقال : لها : ( إنما هذه ركضة من ركضات الشيطان
فتحيضي ( أي : اجعلي نفسك حائضا ) ستة ايام أو سبعة في علم الله ثم اغتسلي حتى إذا
رأيت أنك قد طهرت واستنقيت فصلي أربعا وعشرين ليلة أو ثلاثا وعشرين ليلة وأيامها
فصومي فإن ذلك مجزيك وكذلك فافعلي في كل شهر كما تحيض النساء وكما يطهرن لميقات
حيضهن وطهرهن . وإن قويت أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر فتغتسلين ثم تصلين الظهر
والعصر جميعا ثم تؤخري المغرب وتعجلي العشاء ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين
فافعلي وتغتسلين مع الفجر وتصلين فكذلك فافعلي وصلي وصومي إن قدرت على ذلك ) وقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وهذا أعجب الأمرين إلي ) رواه أصحاب السنن إلا
النسائي وغيرهم وهو مخرج في التعليق على ( المعجم ) ( ص 179/ج 2 ) وهو حديث حسن .
وما ذكرناه من
الأحوال الثلاثة قال به أحمد وإسحاق ففي الترمذي ( 1/227 ) : وقال أحمد وإسحاق في
المستحاضة : إذا كانت تعرف حيضها بإقبال الدم وإدباره وإقباله أن يكون أسود
وإدباره أن يتغير إلى لاصفرة فالحكم لها على حديث فاطمة بنت أبي حبيش وإن كانت
المستحاضة لها أيام معروفة قبل أن تستحاض فإنها تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل
وتتوضأ لكل صلاة وتصلي وإذا استمر بها الدم ولم يكن لها أيام معروفة قبل أن تستحاض
فإنها تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتتوضأ لكل صلاة وتصلي وإذا استمر بها
الدم ولم يكن لها ايام معروفة ولم تعرف الحيض بإقبال الدم وإدباره فالحكم لها على
حديث حمنة بنت جحش . وكذلك قال أبو عبيد ) .
ولا بد
للمستحاضة من أن تتوضأ لكل صلاة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة :
أن فاطمة بنت
أبي حبيش أتت النبي فقالت : إني أحيض الشهر والشهرين فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم :
( إن ذلك ليس
بحيض وإنما ذلك عرق فإذا أقبل الحيض فدعي الصلاة وإذا أدبر فاغتسلي لطهرك ثم توضئي
عند كل صلاة ) .
طحا ( 61 ) عن
أبي حنيفة عنه . وخ ( 1/264 - 265 ) وت ( 1/217 - 219 ) قط ( 76 ) عن أبي معاوية
عنه وقال ت : حسن صحيح وحب كما في ( نصب الراية ) ( 203 ) عن أبي حمزة عنه .
ورواه م ( 180
) د ( 44 ) ن ( 64 ) مج ( 214 ) مي ( 198 ) طحا ( 62 ) قط ( 76 ) حم ( 4/84 ) من
طرق عن هشام به دون قوله : ( ثم توضئي عند كل صلاة ) وهو رواية ( خ ت ) ولذلك تكلم
في هذه الزيادة بعضهم بأنها مدرجة ورد ذلك الحافظ في ( الفتح ) وقد جاءت من طريق
أخرى عن عروة ابن الزبير عند مج ( 215 ) وطحا ( 61 ) وقط ( 78 ) وحم ( 6/42 و204
و262 ) عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة . زاد ابن ماجه : ابن الزبير به
نحوه بلفظ :
( وتوضئي لكل
صلاة إن قطر الدم على الحصير ) ورجاله رجال الشيخين ولكن أعل بالانقطاع بين حبيب
وعروة . وله طريق أخرى عن فاطمة عن عثمان بن سعد الكاتب عن عبد الله بن أبي مليكة
قال : حدثتني فاطمة بنت أبي حبيش قالت : أتيت عائشة . . . الحديث . وفيه أنه صلى
الله عليه وسلم قال لعائشة :
( مري فاطمة بنت
أبي حبيش فلتمسك كل شهر عدد أيام أقرائها ثم تغتسل وتحتشي وتستثفر وتنظف ثم تطهر
عند كل صلاة وتصلي ) . . . الحديث أخرجه حم ( 6/464 ) وقط ( 80 ) ومس ( 175 ) وقال :
( حديث صحيح ) .
وعثمان بن سعد
الكاتب بصري ثقة غزير الحديث يجمع حديثه . قلت : وضعفه غير الحاكم . وفي ( التقريب
) أنه ضعيف . وفي الباب أحاديث أخرى تراجع في ( نصب الراية ) .
وقد ذهب إلى
وضوء المستحاضة لكل صلاة : الشافعي وأحمد وأبو ثور وغيرهم وقال ابو حنيفة وصاحباه
: تتوضأ لوقت كل صلاة . وهذا مجاز حذف يحتاج إلى دليل . ولذلك رده الشوكاني ( 240
) تبعا للحافظ .
ويحرم وطء
الحائض في الفرج ويجوز التمتع بها فيما سوى ذلك . عن أنس بن مالك : أن اليهود
كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يواكلوها ولم يجامعوها في البيوت فسأل أصحاب النبي
النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل اله عز وجل : ( ويسألونك عن المحيض قل هو أذى
فاعتزلوا النساء في المحيض ( . . إلى آخر الآية . فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : ( اصنعوا كل شيء إلا النكاح ) وفي لفظ : ( إلا الجماع ) . رواه الجماعة إلا
البخاري .
وقال عليه
الصلاة والسلام :
( من أتى حائضا
أو امرأة في دبرها أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله
عليه وسلم ) . رواه أهل ( السنن ) بإسناد صحيح كما بيناه في ( نقد التاج ) رقم (
64 ) .
وتحريم إتيان
الحائض مجمع عليه .
وقد ذهب إلى
الحديث أحمد بن حنبل ومحمد بن الحسن وإسحاق وغيرهم أن إتيان المرأة في غير المذكور
جائز ويكره ذلك لمن يخشى عليه أن يقع في المحرم سدا للذريعة .
وعلى من أتاها
أن يتصدق بدينار أو بنصف دينار على التخيير : عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه
وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض يتصدق بدينار أو بنصف دينار . رواه أصحاب السنن
بسند صحيح وقد أطال في تحقيق الكلام على أسانيده وتصحيح بعضها على متنه العلامة
أحمد محمد شاكر في التعليق على الترمذي ( 1/246 - 254 ) .
ولا تصلي ولا
تصوم : قال عليه الصلاة والسلام للنساء :
( أليس شهادة
المرأة مثل نصف شهادة الرجل ؟ ) قلن بلى . قال : ( فذلكن من نقصان عقلها أليس إذا
حاضت لم تصل ولم تصم ) ؟ قلن : بلى . قال : فذلكن من نقصان دينها ) . رواه البخاري .
وتقضي الصوم
دون الصلاة : عن معاذة رضي الله عنه قالت : سألت عائشة فقلت : ما بال الحائض تقضي
الصوم ولا تقضي الصلاة ؟ قالت :
كان يصيبنا
ذلك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة .
روااه الجماعة .
ولا تطوف
بالبيت . قال عليه الصلاة والسلام :
( الحائض تقضي
المناشسك كلها إلى الطواف بالبيت ) .
رواه أحمد (
6/137 ) عن عائشة و( 1/364 ) عن ابن عباس وأحدهما يقوي الآخر لا سيما وأن معناه في
( الصحيحين ) عنها .
ويحضرن مصلى
العيد يكبرن مع الناس ويعتزلن الصلاة . عن أم عطية قالت :
أمرنا رسول
الله صلى الله عليه وسلم أن نخرجهن في الفطر والاضحى العواتق والحيض وذوات الدور
فأما الحيض فيعتزلن الصلاة ويشهدن الخير ودعوة المسلمين قلت : يا رسول الله إحدانا
لا يكون لها جلباب . قال : ( لتلبسها أختها من جلبابها ) وفي رواية : كنا نؤمرر
بالخروج في العيدين والمخبأة والبكر قالت : الحيض يخرجن فيكن خلف الناس يكبرن مع
الناس . م ( 3/20 - 21 ) وراجع خ في العيدين وغيره .
ولها أن تدخل
المسجد : عن عائشة قالت : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ناوليني الخمرة
من المسجد ) ن فقلت : إني حائض ؟ فقال : تناوليها فإن الحيضة ليست في يدك ) . ( م
168 ) د ( 41 ) ن ( 1/52 - 53 و68 ) وت ( 1/241 ) وصححه ومي ( 248 ) مج ( 218 )
وحم ( 6/45 و101 و106 و110 و111 و114 و173 و179 و208 و214 و229 و245 ) من طرق عنها
وفي الباب عن أبي هريرة عند م ن حم ( 2/428 6/214 ) وأم سلمة عند ن حم ( 6/331
و334 ) وابن عمر عند حم ( 2/70 و86 ) وأنس عند البزار وأبي بكرة عند الطبراني في (
الكبير ) . مجمع ( 1/283 ) .
وقد أجاز لها
ذلك ابن حزم ( 2/184 - 187 ) وحكاه عن المزني وداود وغيرهما .
ويجوز
مواكلتها : عن عائشة قالت : كنت أشرب وأنا حائض فأناوله النبي صلى الله عليه وسلم
فيضع فاه على موضع في . رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي وهو في ( المسند ( 6/62
و64 و127 و192 و210 و214 ) وفي الدارمي ( 1/246 ) .
وقال عبد الله
بن سعد : سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن مواكلة الحائض ؟ قال : واكلها . ت (
1/240 ) مي ( 248 ) وحم ( 4/342 و5/293 ) عن عبد الرحمن ابن مهدي : ثنا معاوية بن
صالح عن العلاء بن الحارث عن حرام بن معاوية عنه . وقال الترمذي : حديث حسن . وهو
كما قال .
ثم أخرجه
الدارمي ( 1/249 ) من طريق الهيثم بن حميد : ثنا اللعاء بن الحارث به بلفظ : فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن بعض أهلي لحائض وإنا لمتعشون إن شاء الله
جميعا ) .
ولا يجوز
إتيانها إلا بعد أن تصير مستحاضة وتغتسل فلا بد من الغسل لقوله تعالى : ( ولا
تقربوهن حتى يطهرن ( والطهر بانقطاع الحيض ) فإذا تطهرن ( أي : اغتسلن ) فأتوهن من
حيث أمركم الله ( [ البقر/222 ] وهذا مذهب الجمهور . وانظر الدارمي ( 249 - 251 )
و( نيل المرام ) لصديق حسن خان .
وأما
المستحاضة فلم يرد في خصوصها شيء من السنة عنه صلى الله عليه وسلم فيما علمنا .
وقد اختلف العلماء في إتيانها والجمهور على جواز ذلك وهو الحق لأن الأصل في
الأشياء الإباحة ولأن في المنع من ذلك ضرا على الزوج فيما إذا كانت الاستحاضة
مستديمة كما جرى لأم حبيبة بنت جحش كما سبق . وما أحسن ما روى الدارمي ( 207 )
بإسناد صحيح عن سالم الأفطس قال :
سئل سعيد بن
جبير : أتجامع المستحاضة ؟ فقال : الصلاة أعظم من الجماع .
وروي مثله عن
بكر بن عبد الله المزني بسند صحيح أيضا .
وأقل الحيض
دفعة فإذا رأت المرأة الدم الأسود من فرجها أمسكت عن الصلاة والصوم . . . فإن -
رأت - أثر الدم الأحمر . . . فقد طهرت . ( المحلى ) ( 2/191 ) .
22 - النفاس
أكثره أربعون
يوما قالت أم سلمة : كانت النفساء تجلس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
أربعين يوما وكنا نطلي وجوهنا بالورس ( بت أصفر يصبغ به ) من الكلف ( حمرة كدرة
تعلو الوجه ) . د ( 50 ) ت ( 254 ) مي ( 229 ) مج ( 223 ) قط ( 82 ) مس ( 175 ) حم
( 4/300 303 304 309 ) من طرق عن علي بن عبد ال'لى عن أبي سهل البصري عن مسة عنه .
ثم أخرجه د مس
عن يونس بن رافع عن كثير بن زياد أبي سهل قال : حدثتني مسنة الأزدية قالت :
حججت فدخلت
على أم سلمة فقلت : يا أ/ المؤمنين إن سمرة بن جندب يأمر النساء يقضين صلاة الحيض
فقالت : لا يقضين كانت المرأة من نساء النبي صلى الله عليه وسلم تقعد في النفاس
أربعين ليلة لا يأمرها النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء صلاة النفاس .
وقال الترمذي
: ( حديث غريب ) . وأما الحاكم فقال :
( صحيح ) .
ووافقه الذهبي .
وهو مردود
بقوله في ترجمة مسنة الأزدية هذه من ( الميزان ) - وقد ساق لها هذا الحديث - : (
قال الدارقطني : لا يحتج بها ) .
قلت : لا يعرف
لها إلا هذا الحديث . وقال الحافظ عنها في ( التقريب ) :
( إنها مقبولة ) .
لكن الحديث له
شواهد كثيرة لا ينزل بها عن مرتبة الحسن لغيره :
فمنها ما روى
أبو بلال الأشعري : ثنا أبو شهاب عن هشام بن حسان عن الحسن عن عثمان بن أبي العاص
قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
( وقت للنفساء
في نفاسهن أربعين يوما ) .
أخرجه قط ( 81
) ومس ( 176 ) وقال : إن سلم من أبي بلال فإنه مرسل صحيح فإن الحسن لم يسمع من
عثمان . وقال قط : أبو بلال الأشعري هذا ضعيف .
ومنها عن
عائشة نحوه عند الدارقطني من طريق أبي بلال المذكور : ثنا حبان عن عطاء عن عبد
الله بن أبي مليكة عنها . وقال : أبو بلال ضعيف وعطاء هو ابن عجلان متروك الحديث .
ومنها عن جابر
قال :
وقت رسول الله
صلى الله عليه وسلم للنفساء أربعين يوما .
رواه الطبراني
في ( الأوسط ) وفيه أشعث بن سوار وثقه ابن معين واختلف في الاحتجاج به كما في (
المجمع ) ( 281 ) وفي ( التقريب ) : هو ضعيف .
وفي الباب
أحاديث أخرى سيأتي قريبا ذكرها وقد وجدت لها شاهدا قويا موقوفا أخرجه الدارمي (
1/229 و230 ) من طريق أبي عوانة عن أبي بشر عن يوسف بن ماهك عن ابن عباس قال :
تنتظر النفساء
أربعين يوما أو نحوها .
وهذا سند صحيح
على شرط الستة وكذلك أخرجه البيهقي ( 1/341 ) .
فإن رأت الطهر
قبل ذلك فإنها تغتسل وتصلي . وفيه أحاديث يقوي بعضها بعضا :
( 1 ) عن أنس قال :
كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم وقت للنفساء أربعين يوما إلا أن ترى الطهر قبل ذلك . مج ( 224
) قط ( 81 ) عن عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن سلام بن سلم عن حميد عنه . وقال قط
: لم يروه عن حميد غير سلام هذا وهو سلام الطويل وهو ضعيف الحيدث . وأما قول صاحب
( الزوائد ) أن إسناده صحيح ورجاله ثقات وهذا خطأ منشأه عدم تتبع من خرج الحديث
فراجع لذلك التلعيق على ( المحلى ) ( 2/206 ) وقد أخرجه ابن حزم .
( 2 ) عن عبد الله
بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( تنتظر النفساء
أربعين ليلة فإن رأت الطهر قبل ذلك فهي طاهر وإن جاوزت الأربعين فهي بمنزلة
المستحاضة تغتسل وتصلي فإن غلبها الدم توضأت لكل صلاة ) قط ( 81 ) مس ( 176 ) من
طريق عمرو بن الحصين : ثنا محمد بن عبد الله بن علاثةعن عبدة بن أبي لبابة عن عبد
الله بن باباه عنه . وقال قط : عمرو بن الحصين وابن علاثة ضعيفان متروكان . .
( 3 ) عن معاذ بن
جبل مرفوعا :
( إذا مضى
للنفساء سبع ثم رأت الطهر فلتغتسل ولتصل ) .
قط ( 82 ) عن
عبد السلام بن محمد الحمصي ولقبه سليم : ثنا بقية بن الوليد : أنا علي بن علي عن
الأسود عن عبادة بن نسي عن عبد الرحمن بن غنم عنه به . قال سليم : فلقيت علي بن
علي عن الأسود عن عبادة بن نسي عن عبد الرحمن بن غنم عنه مثله .
الأسود هو ابن
ثعلبة شامي .
قلت : ورواه
الحاكم ( 1/176 ) من هذا الوجه لكنه قال : ثنا بقية بن الوليد : أخبرني الأسود بن
ثعلبة به .
فلا أدري
أهكذا الرواية عنده أم سقط من نستختنا ذكر علي بن علي . ثم ليس عنده الإسناد
الثاني ثم قال :
( وقد استشهد
مسلم ببقية بن الوليد وأما الأسود بن ثعلبة فإنه شامي معروف ) .
كذا قال
ووافقه الذهبي مع أنه يقول في ترجمته من ( الميزان ) :
( لا يعرف )
قاله ابن المديني . وفي ( التقريب ) :
( مجهول ) .
قال الشوكاني
( 1/247 ) :
( والأدلة
الدالة على أن أكثر النفاس أربعون يوما متعاضدة بالسنة إلى حد الصلاحية والاعتبار
فالمصير إليها متعين فالواجب على النفساء وقوف أربعين يوما إلا أن ترى الطهر قبل
ذلك كما دلت على ذلك الأحاديث السابقة ) .
وقال الترمذي
( 258 ) :
( وقد اجمع أهل
العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم على أن النفساء تدع
الصلاة أربعين يوما إلا أن ترى الطهر قبل ذلك فإنها تغتسل وتصلي . فإذا رأت الدم
بعد الاربعين فإن أكثر أهل العلم قالوا : لا تدع الصلاة بعد الأربعين وهو قول أكثر
الفقهاء وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق ) .
قلت : وما
ذكره عن الشافعي هو قول له وإلا فالمشهور المذكور في كتب أصحابه أن أكثر النفاس
ستون يوما . وحكاه الترمذي عن عطاء بن أبي رباح والشعبي .
واختلفوا في
أقل النفاس على أقوال أقربها إلى الصواب أنه لا حد لأقله لقوله فيما سبق : فإن رأت
الطهر قبل ذلك . وهو قول الشافعي ومحمد وهو اختيار شيخ الإسلام ( 16 ) من (
الاختبارات ) وابن حزم ( 2/203 ) .
واعلم أن
النفاس كالحيض في جميع ما يحل ويحرم ويكره ويندب وقد نقل الإجماع في ذلك الشوكاني
( 248 ) عن ( البحر ) . وقد أجمعوا أن الحائض لا تصلي فكذلك النفساء .
2 - كتاب الصلاة
1 - هي أحد
الأركان الخمسة : ( بني الإسلام على خمس ) . . . الحديث ( متفق عليه ) . وفيه حديث
: لا أزيد عليهن ولا أنقص .
2 - وفرضت أولا
خمسين ثم جعلت خمسا : أنس بن مالك : فرضت على النبي صلى الله عليه وسلم الصلوات
ليلة أسري به خمسين ثم نقصت حتى جعلت خمسين . ت ( 1/417 ) وصححه وحم ( 3/161 ) :
ثنا عبد الرزاق : نا معمر عن الزهري قال : أخبرني أنس بن مالك به . وهذا سند صحيح
على شرط الشيخين وهو عندهما طرف من حديث الإسراء الطويل بنحوه .
3 - ويجوز لولاة
الأمر أن يقبلوا إسلام الكافر ولولم يرض بإقامة كل الصلوات الخمس : نصر بن عاصم
الليثي عن رجل منهم :
أنه أتى النبي
صلى الله عليه وسلم فأسلم على أنه لا يصلي إلا صلاتين فقبل ذلك منه . حم ( 5/24 -
25 و363 ) من طريق شعبة عن قتادة عنه .
وهذا سند صحيح
على شرط مسلم . وفيه أحاديث .
4 - وفرضت أولا
ركعتين ركعتين إلا المغرب ثم زيدت في الحضر إلا الصبح وتركت على ما هي عليه في
السفر قالت عائشة :
قد فرضت
الصلاة ركعتين ركعتين بمكة فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة زاد مع
كل ركعتين ركعتين إلا المغرب فإنها وتر النهار وصلاة الفجر لطول قراءتهما قال :
وكان إذا سافر صلى الصلاة الأولى . حم ( 6/241 و265 ) عن داود بن أبي هند عن
الشعبي عنها . وهذا بسند صحيح على شرط مسلم . وله عنده ( 6/272 ) طريق أخرى عنها
بنحوه وسنده حسن . وأصله في البخاري ومسلم مختصرا دون ذكر الصبح والمغرب . ولا
يعارض هذا حديث ابن عباس قال : فرض الله الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم
في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة . مسلم ( 2/143 ) وغيره فإن هذا
إخبار عن ما استقر عليه الأمر .
5 - وتاركها يخشى
عليه الكفر لقوله عليه الصلاة والسلام :
( بين الرجل
وبين الكفر تلك الصلاة ) م . زاد هبة الله الطبري :
( فإذا تركها
فقد أشرك ) . قال المنذري :
( إسناده صحيح ) .
وقال صلى الله
عليه وسلم : ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ) ( حم ن ت : صح
مس : صح ) وراجع ( نقد التاج ) .
ولذلك كان
أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة . ( ت
) عن عبد الله بن شقيق العقيلي التابعي به . ووصله الحاكم بذكر أبي هريرة فيه .
وهو صحيح الإسناد ولذا يحشر يوم القيامة مع كبار المشركين قال عليه الصلاة والسلام
: ( من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة ومن لم يحافظ عليها لم
يكن له نور ولا برهان ولا نجاه وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن
خلف ) ( مي حم طب حب في ( صحيحه ) .
وسنده حسن .
ولكن كفره ليس
من النوع الذي لا يمكن أن يغفره الله وأن يدخله الجنة بل ذلك جائز قال صلى الله
عليه وسلم : ( خمس صلوات كتبهن الله على العباد فمن جاءه بهن ولم يضيع منهن شيئا
استخفافا بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ومن لم يأت بهن فليس له عند
الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة ) . ( مالك د ن مي مج حم بسند صحيح ) .
واعلم أنه قد
جاءت أحاديث كثيرة فيها نسبة الكفر إلى من أتى ذنبا من الذنوب الكبار بل في بعضها
أنه كفر وأنه كافر فقال صلى الله عليه وسلم : ( سباب المسلم فسوق وقتاله كفر )
وقال : ( ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر ) و( اثنتان في الناس هما
بهم كفر : الطعن في النسب والنياحة على الميت ) و( لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب
بعضكم رقاب بعض ) و( أيما عبد أبق من مواليه فقد كفر حتى يرجع إليهم ) و( من قال
لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال وإلا رجعت عليه ) . وكل هذه
الأحاديث في ( الصحيح ) . فإذا علمنا أن الكفر درجات وأن منه ما لا يخلد صاحبه في
النار فلا ملجئ حينئذ إلى التأويل من سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم كافرا
سميناه كافرا ولا نزيد على هذا المقدار . وراجع لهذا الشوكاني ( 1/254 - 260 ) .
6 - وتاركها يقتل :
( أمرت أن أقاتل
الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا
الزكاة فإذا فعلوا . . . ) الحديث ( متفق عليه ) ( سيكون عليكم أمراء فتعرفون
وتنكرون فمن أنكر فقد برئ عنقه ومن كره فقد سلم ولكن من رضي وتابع ) فقالوا : ألا
نقاتلهم ؟ قال : ( لا ما صلوا ) ( م ) . ( أليس يصلي ؟ ) قال : بلى ولا صلاة له .
قال عليه السلام : ( أولئك الذين نهاني الله عن قتلهم ) مالك ( 1/185 ) مرسلا بسند
صحيح ووصله الشافعي وأحمد في ( مسنديهما ) .
وله شاهد من
حديث أنس في البراني وأبي يعلى والبزار في ( المجمع ) ( 1/296 ) وآخر عن أبي هريرة
( د 2/305 ) .
7 - ولا تجب
الصلاة على الصبي حتى يبلغ :
( رفع القلم عن
ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يعقل ) ( د ن ت
مي مج مس حم 6/100 - 0101 و101 ) وهو بمجموع طرقه وشواهده صحيح ويراجع في ( نصب
الراية ) ( 4/161 - 165 ) و( التلخيص ) ( 2/95 - 96 ) و( مفتاح كنوز السنة ) ( ص
152 ) .
8 - ولكن يجب على
ولي الأمر أن يأمره بالصلاة إذا بلغ السبع سنين وأن يضربه إذا بلغ العاشرة :
( مروا صبيانكم
بالصلاة لسبع سنين واضربوهم عليها لعشر سنين وفرقوا بينهم في المضاجع ) وهو حديث
حسن أو صحيح بطريقيه . انظر ( نقد التاج ) ( رقم 80 ) وبه قال الشافعية : مجموع (
2/11 ) وإليه ذهب الشوكاني ( 1/260 ) .
9 - ولا قضاء على
المجنون سواء قل زمن الجنون أو كثر - وهو مذهب الشافعية وروي عن مالك وأحمد كما في
( المجموع ) ( 2/6 - 7 ) وهو مذهب ابن حزم ( 2/233 - 234 ) واختاره شيخ الإسلام (
19 ) .
10 - وكذا المغمى
عليه لا قضاء عليه وهو مذهب من ذكر ورواه ابن حزم عن ابن عمر وطاوس والهري والحسن
البصري وابن سيرين وعاصم بن بهدلة .
11 - وكذا الكافر
إذا أسلم لا قضاء عليه : لقوله صلى الله عليه وسلم :
( الإسلام يجب
ما قبله ) . حم ( 4 : 198 - 199 و204 و205 ) من طرق عن عمرو بن العاص .
12 - وأما النائم
فيقضي ما فاته من الصلوات في حالة نومه :
( إذا رقد أحدكم
عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها فإن الله عز وجل يقول : ( أقم الصلاة
لذكري ( ) ( م ) .
1 - الظهر 8
أول صلاة
الظهر حين تزول الشمس وآخر وقتها حين يدخل وقت العصر . وهذا قطعة من حديث لأبي
هريرة رضي الله عنه مرفوعا بلفظ : ( إن للصلاة أولا وآخرا وإن أول وقت صلاة الظهر
حين تزول الشمس وآخر وقتها حين يدخل وقت العصر وإن أول وقت صلاة العصر حين يدخل
وقتها وإن آخر وقتها حين تصفر الشمس وإن أول وقت المغرب حين تغرب الشمس وإن آخر
وقتها حين يغيب الأفق وإن أول وقت العشاء الآخرة حين يغيب الأفق وإن آخر وقتها حين
ينتصف الليل وإن أول وقت الفجر حين يطلع الفجر وإن آخر وقتها حين تطلع الشمس ) .
أخرجه الترمذي
( 1/283 - 284 ) والطحاوي ( 1/89 و93 ) والدارقطني ( 97 ) والبيهقي ( 1/375 - 376
) وأحمد ( 2/232 ) وابن حزم في ( المحلى ) ( 3/168 ) كلهم من طريق محمد بن فضيل عن
الأعمش عن أبي صالح عنه وهذا سند صحيح على شرط الشيخين وقد صححه ابن حزم وقد أعله
البخاري وغيره بأن الصواب أنه مرسل ورد ذلك ابن حزم وغيره فأصاب ولا سيما أن له
شاهدا من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال :
سئل رسول الله
صلى الله عليه وسلم عن وقت الصلوات فقال : ( وقت صلاة الفجر ما لم يطلع قرن الشمس
الأول ووقت صلاة الظهر إذا زالت المشس عن بطن السماء ما لم يحضر العصر ووقت صلاة
العصر ما لم تصفر الشمس ويسقط قرنها الاول ووقت صلاة المغرب إذا غابت الشمس ما لم
يسقط الشفق ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل ) .
رواه مسلم (
2/105 ) واللفظ له وأبو داود ( 1/64 ) ون ( 90 - 91 ) والطحاوي ( 90 و93 ) وأحمد (
2/210 و213 و223 ) عن قتادة عن أبي أيوب عنه . ورواه ابن حزم ( 3/166 ) والطيالسي
( 297 ) .
ويستحب
تأخيرها في الحر : عن أنس بن مالك قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان
الحر أبرد بالصلاة وإذا كان البرد عجل . ن ( 87 ) : أخبرنا عبيد الله بن سعيد قال
: ثنا أبو سعيد مولى بني هاشم قال : ثنا خالد بن دينار أبو خلدة قال : سمعت أ : نس
بن مالك به . وهذا سند صحيح على شرط البخاري .
وقال عليه
الصلاة والسلام : ( إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم ) (
الجماعة ) . وهو قول ابن المبارك وأحمد وإسحاق .
وسواء ذلك لمن
قصد المسجد البعيد عنه أو القريب منه لحديث أبي ذر في الإبراد في السفر وهم
مجتمعون . انظر الترمذي ( 296 ) .
2 - العصر
وأول وقت صلاة
العصر حين يصير ظل كل شيء مثله : عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه جبريل
فقال : قم فصله فصلى الظهر حين زالت الشمس ثم جاءه العصر فقال : قم فصله : فصلى
العصر حين صار ظل كل شيء مثله أو قال : صار ظله مثله ثم جاءه المغرب فقال : قم
فصله فصلى حين وجبت الشمس ثم جاءه العشاء فقال : قم فصله فصلى حين غاب الشفق ثم
جاءه الفجر فقال : قم فصله فصلى حين برق الفجر أو قال : حين سطع الفجر ثم جاءه من
الغد للظهر فقال : قم فصله فصلى الظهر حين صار ظل كل شيء مثله ثم جاءه للعصر فقال
: قم فصله فصلى العصر حين صار ظل كل شيء مثليه ثم جاءه للمغرب ( المغرب ) وقتا
واحدا لم يزل عنه ثم جاءه للعشاء ( العشاء ) حين ذهب نصف الليل أو قال : ثلث الليل
فصلى العشاء ثم جاءه للفجر حين أسفر جدا فقال : قم فصله فصلى الفجر ثم قال : ما
بين هذين وقت .
أخرجه أحمد (
3/330 - 331 ) واللفظ له والنسائي ( 91 - 92 ) والترمذي ( 1/281 ) والحاكم ( 195 -
196 ) والدارقطني ( 95 ) كلهم من كريق عبد الله ابن المبارك : أخبرنا حسين بن علي
بن حسين : أخبرني وهب بن كيسان عنه وقال الترمذي :
( حديث حسن صحيح
) . وقال الحاكم :
( صحيح مشهور )
ووافقه الذهبي .
وهو كما قالوا .
وله طريق أخرى
عن جابر أخرجه أحمد أيضا ( 3/351 ) والنسائي ( 88 ) والطحاوي ( 88 ) من طريق عبد
الله بن الحارث : ثني ثور بن يزيد عن سليمان ابن موسى عن عطاء بن أبي رباح عنه
وهذا سند جيد .
وتابعه برد بن
سنان وعبد الكريم بن أبي المخارق كلاهما عن عطاء . أخره الدارقطني والحاكم .
وهذا القول هو
مذهب الجمهور ورواية أبي حنيفة في الطحاوي ( 95 ) .
وآخر وقتها
حين تصفر الشمس ويسقط قرنها الأول كما في حديث أبي هريرة وابن عمرو السابقين ولما
يدل على ذلك قوله عليه الصلاة والسلام : ( من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب
الشمس فقد أدرك العصر ) ( متفق عليه ) وهو مذهب الجمهور كما في ( النيل ) ( 2/267
) وممن قال بذلك أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد بن الحسن رحمهم اله كما في الطحاوي (
90 ) . وأما قول الشوكاني : وقال أبو حنيفة : آخره الاصفرار فلعله رواية عن أبي
حنيفة .
ولكن لا يجوز
تأخيرها إلى الاصفرار قبل الغروب إلا لعذر قال عليه الصلاة والسلام : ( تلك صلاة
المنافق يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقرها أربعا لا يذكر
الله إلا قليلا ) ( رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه ) وقد نقل الترمذي ( 300 )
القول بكراهة تأخيرها عن عبد الله بن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق . وهو قول ابن
حزم ( 3/164 ) .
وهي الصلاة
الوسطى . قال عليه السلام يوم الأحزاب : ( ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارا كما
شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس ) ( متفق عليه ) ولمسلم وأحمد وأبي داود :
( شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ) وفي معناه أحاديث كثيرة صحيحة وهو قول
أكثر العلماء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم قاله الترمذي ( 1/342 ) .
3 - المغرب
وأول وقت
المغرب حين تغرب الشمس وآخر وقتها حين يغيب الشفق وهو قطعة من حديث أبي هريرة
وحديث ابن عمرو أيضا وقد تقدما في أول الفصل .
والحكم الأول
متفق عليه والآخر مختلف فيه فقد ذهب بعض أهل العلم إلى أنه ليس لصلاة المغرب إلا
وقت واحد وذهبوا إلى حديث جبريل عليه السلام المتقدم وفيه أنه صلى المغرب في
اليومين حين وجبت الشمس وقتا واحدا . وهو قول ابن المبارك والشافعي .
لكن الأحاديث
الصحيحة تقتضي امتداد وقت المغرب إلى ذهاب الشفق وهو قول للشافعي في القديم
والجديد . وصححه جمع من الشافعية واختاره النووي وانتصر له فراجع كلامه في (
المجموع ) ( 3/29 - 33 ) وحديث جبريل إنما يدل على وقت الفضيلة والإختيار كما دل
هو أيضا على ذلك بخصوص صلاة العصر .
والشفق هو
الحمرة لقوله عليه السلام : ( ووقت المغرب ما لم يسقط ثور الشفق ) . أخرجه مسلم (
2/104 ) في رواية من حديث ابن عمرو المتقدم وهو عند أبي داود بلفظ : فور الشفق .
وهو بمعنى ثور أي ثورانه . قال النووي في ( المجموع ) ( 3/36 ) : ( وهذه صفة
الأحمر لا الأبيض ) وقد رواه ابن خزيمة في ( صحيحه ) مصرحا بذلك فقال : ثنا عمار
بن خالد : ثنا محمد بن يزيد - هو الواسطي - عن شعبة عن قتاجة عن أبي أيوب عن عبد
الله بن عمرو رفعه :
( وقت صلاة
المغرب إلى أن تذهب حمرة الشفق . . . . ) الحديث وهذا إسناد جيد إلا أن ابن خزيمة
قال بعد أن ساقه : إن صحت هذه اللفظة تفرد بها محمد بن يزيد وإنما قال أصحاب شعبة
فيه : نور الشفق مكان حمرة الشفق . قال الحافظ في ( التلخيص ) ( 3/28 ) : ( قلت :
محمد بن يزيد صدوق ) وقال : في التقريب ) : ( ثقة ثبت عابد ) .
وقد ذهب إلى
أن الشفق الحمرة جمهور الفقهاء وأهل اللغة وهو قول الصاحبين وقد رواه البيهقي
بإسناد صحيح عن ابن عمر كما في ( تهذيب الأسماء ) ( 2/165 ) ورواه الدارقطني ( 100
) مرفوعا وأعلوه . ثم رواه عن عبادة ابن الصامت وشداد بن أوس معا وعن أبي هريرة
موقوفا .
وقال أبو
حنيفة والمزني وطائفة من الفقهاء وأهل اللغة : المراد الأبيض وهو بعد الأحمر قال
في ( شرح مسلم ) : ( والأول هو الراجح ) . وإليه ذهب ابن حزم ( 3/192 - 194 ) .
ويستحب
المبادرة إلى صلاة المغرب والتعجيل بها قبل اشتباك النجوم لقوله عليه الصلاة
والسلام :
( لا تزال أمتي
بخير - أو على الفطرة - ما لم يؤخروا المغرب حتى تشتبك النجوم ) .
وهو حديث صحيح
بطرقه وقد ذكرت كثيرا منها في التعليق على الطبراني رقم ( 365 ) . وقد صححه الحاكم
والذهبي .
ولا ينافي ذلك
صلاة الركعتين قبل المغرب لثبوتهما عنه صلى الله عليه وسلم قولا وإقرارا قال عليه
السلام : بين كل أذانين صلاة بين كل أذانين صلاة ) ثم قال في الثالثة : ( لمن شاء
) ( الجماعة ) وابن نصر ( 26 ) .
وفي رواية : (
صلوا قبل المغرب ركعتين ) ثم قال : صلوا قبل المغرب ركعتين ) ثم قال عند الثالثة :
( لمن شاء ) كراهة أن يتخذها الناس سنة . ( حم خ دن قط ) .
وقال أنس :
كان المؤذن إذا أذن قام ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يبتدرون السواري
حتى يخرج النبي وهم كذلك يصلون ركعتين قبل المغرب لم يكن بين الأذان والإقامة شيء
. وفي رواية : إلا قليل ( حم خ ابن نصر ) .
وفي رواية :
فقيل له : أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاهما ؟ قال : كان يرانا نصليهما
فلم يأمرنا ولم ينهنا . ( م د قط : 100 ) وله شاهد من حديث عقبة عند ( خ حم قط ابن
نصر ) .
وأما ما أخرجه
أبو داود وحده ( 202 ) من طريق شعبة عن أبي شعيب عن طاوس قال : سئل ابن عمر عن
الركعتين قبل المغرب فقال : ما رأيت أحدا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
يصليهما . فهو مع كونه نافيا - وقد علم أن المثبت مقدم على النافي - لا يقاوم في
الصحة ما تقدم فإن أبا شعيب هذا اسمه شعيب وليس بالمشهور كثيرا وقد قال فيه أبو
زرعة : ( لا بأس به ) .
وكذا في (
التقريب ) وقد سكت على الحديث في ( التلخيص ) ( 4/8 ) وفي ( الدراية ) ( 119 )
وأ/ا النووي فقال في ( المجموع ) ( 4/8 ) :
( إن إسناده حسن
) . واله أعلم .
ثم إني بعد
كتابة ما تقدم رجعت إلى ( المحلى ) لابن حزم فإذا به يقول ( 2/254 ) - وقد ذكر
حديث ابن عمر هذا - :
( إنه لا يصح
لأنه عن أبي شعيب أو شعيب ولا ندري من هو ) .
ذلك وأما إذا
وضع العشاء وكانت نفسه تتوق إليه فعليه أن يبدأ به ولو أدى ذلك إلى تأخير الصلاة
قال عليه الصلاة والسلام :
( إذا قدم
العشاء فابدؤوا به قبل صلاة المغرب ولا تعجلوا عن عشائكم ) ( متفق عليه ) .
وكذلك الشأن
في كل صلاة . قال عليه السلام :
( إذا أقيمت
الصلاة وحضر العشاء فابدؤوا بالعشاء ) . وقال :
( لا صلاة بحضرة
الطعام ) ( م ) .
وكان ابن عمر
يوضع له الطعام وتقام الصلاة فلا يأتيها حتى يفرغ وإنه ليسمع قراءة الإمام .
ويتأكد ذلك
للصائم لقوله عليه الصلاة والسلام :
( لا يزال الناس
بخير ما عجلوا الفطر ) ( متفق عليه ) .
ولا يجوز
تسميتها بالعشاء لقوله عليه السلام :
( لا تغلبنكم
الأعراب على اسم صلاتتكم المغرب ) قال : ( والأعراب تقول : هي العشاء ) .
أخرجه البخاري
في ( الصلاة : باب من كره أن يقال للمغرب : العشاء ) . وأحمد ( 5/55 ) . وعزاه في
( المنتتقى ) لمسلم أيضا حيث قال :
( متفق عليه ) .
وهو وهم فليس
هو في مسلم وقد اقتصر في عزوه إلى البخاري صاحب ( المشارق ) وكذا النووي في (
المجموع ) ( 3/29 ) .
قال السندي :
كأن المراد فيه وفي مثله النهي عن إكثار إطلاق لغة الأعراب بحث تغلب لغة الأعراب
على الاسم الشرعي فيقل إطلاق الاسم الشرعي بين الناس ويكثر إطلاق اسم الأعراب فلا
ينافي إطلاق اسم العشاء على قلة ولهذا ورد مثل هذا النهي في إطلاق اسم العتمة على
العشاء ثم جاء إطلاق اسم العتمة على العشاء في الشرع على قلة والله أعلم .
4 - العشاء
أول وقتها حين
يغيب الشفق وهو الأحمر - كما سبق - ومن حجة من قال ذلك ما قاله ابن سيد الناس في
شرح الترمذي : وقد علم كل من له علم بالمطالع والمغارب أن البياض لا يغيب إلا عند
ثلث الليل الأول بيقين وهو الذي حد عليه الصلاة والسلام خروج أكثر الوقت به فصح
يقينا أن وقتها داخل قبل ثلث الليل الأول بيقين فقد ثبت من النص أنه داخل قبل مغيب
الشفق الذي هو البياض فتبين بذلك يقينا أن الوقت دخل بالشفق الذي هو الحمرة ) نقله
الشوكاني ( 2/9 ) . وقد سبق ابن حزم إلى هذا المعنى في ( المحلى ) ( 2/193 ) ابن
سيد الناس وكأنه أخذه عنه .
وهذا مذهب
الجمهور .
وآخر وقتها
حين ينتصف الليل كما في حديث أبي هريرة وابن عمرو المتقدمين . وهو مذهب ابن حزم (
2/164 ) وقد رواه عن عمر رضي الله عنه بلفظ : ( وصل صلاة العشاء من العشاء إلى نصف
الليل أي حين تبيت ) ( رسمه في الأصل بدون إعجام . كذا في ( المحلى ) وأقول :
الصواب : شئت فقد ذكره ابن حزم من طريق الحجاج بن منهال : ثنا يزيد بن هارون : ثنا
محمد بن سيرين عن المهاجر أن عمر بن الخطاب كتب إلى أبي موسى به . وقد رواه
الطحاوي ( 1/94 ) من طريق أبي عمر الحوضي - واسمه حفص بن عمر - قال : ثنا يزيد بن
هارون به بلفظ : أي حين شئت .
وهذا سند صحيح
رجاله رجال الشيخين والمهاجر هذا هو أبو الحسن كما صرح ابن حزم ( 190 ) .
ولهذا الأثر
طريق آخر أخرجه مالك ( 1/25 ) من طريق هشام بن عروة عن أبيه أن عمر بن الخطاب كتب
إلى أبي موسى بلفظ :
( وأن صل العشاء
ما بينك وبين ثلث الليل فإن أردت فإلى شطر الليل ولا تكن من الغافلين ) .
وهذا سند صحيح
غاية .
وأما ما رواه
الطحاوي من طريق سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن نافع بن جبير قال : كتب عمر
إلى أبي موسى : ( وصل العشاء أي الليل شئت ولا تغفلها ) فمخالف لما سبق وعلة هذه
الرواية الانقطاع بين حبيب ونافع فإن حبيبا وإن كان ثقة فقد كان كثير الإرسال
والتدليس كما في ( التقريب ) وأنت ترى أنه قد عنعن ولم يصرح بالتحديث فلا يحتج
بروايته هذه لا سيما وقد خالفت ما رواه الثقات .
وهذا المذهب
روي عن مالك القول به كما في ( بداية المجتهد ) ( 75 ) وهو قول أبي سعيد الإصطخري
قال :
( إذا ذهب ثلث
الليل أو نصفه فاتت الصلاة وتكون قضاء ) .
ذكره في (
المهذب ) . وهو ظاهر قول الإمام الشافعي في باب استقبال القبلة : ( إذا مضى ثلث
الليل فلا أراها إلا فائتة ) قال النووي في ( شرح المهذب ) ( 3/40 ) :
( فمن أصحابنا
من وافق الإصطخري لظاهر هذا النص وتأوله الجمهور ) .
وقلت : ومن
حجة الشافعي في قوله بالثلث حديث عائشة قالت :
أعتم رسول
الله صلى الله عليه وسلم ليلة بالعتمة فناداه عمر رضي الله عنه : نام النساء
والصبيان . فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( ما ينتظرها غيركم ) ولم
يكن يصلي يومئذ إلا بالمدينة ثم قال :
( صلوها فيما
بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل ) .
أخرجه النسائي
من طريق ابن حمير قال : ثنا ابن أبي عيلة عن الزهري عن عروة عنها .
وهذا سند جيد
رجاله ثقات إلا ابن حمير واسمه محمد تكلم فيه بعضهم مع أنه من رجال البخاري وقد
أخرجه في ( صحيحه ) من طريق صالح بن كيسان : أخبرني ابن شهاب به نحوه إلا أنه قال
بدل قوله : ثم قال : صلوها . . . إلخ قال : وكانوا يصلون العشاء فيما بين أن يغيب
الشفق إلى ثلث الليل الأول .
لكن قد ثبت
تحديد وقت صلاة العشاء إلى نصف ( الليل ) في الحديثين السابقين وهي زيادة يجب
قبولها كما لا يخفى وقد جاءت أحاديث أخرى في ذلك منها حديث أنس قال : أخر النبي
صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء إلى نصف الليل ثم صلى ثم قال : ( قد صلى الناس
وناموا أما إنكم في صلاة ما انتظرتموها ) خ حم ( 3/200 ) والطحاوي ( 94 ) كلاهما
عن حميد الطويل عنه . وأخرجه النسائي ( 93 ) من هذا الوجه بلفظ : ( إلى قريب من
شطر الليل ) . وهو رواية لأحمد ( 3/189 ) .
وله طرق أخرى
منها عن ثابت عنه بلفظ : ( إلى شطر الليل ) أو ( كاد يذهب شطر الليل ) . أخرجه
مسلم ( 2/116 ) وأحمد ( 267 ) وليس عنده : ( إلى شطر الليل ) بل قال : ( حتى كاد
يذهب شطر الليل ) .
ومنها عن قرة
بن خالد عن قتادة عن أنس بلفظ :
( حتى كان قريب
من نصف الليل ) .
أخرجه مسلم
أيضا والطيالسي ( 267 ) وقال : ( حتى مضى شطر الليل ) وهذا اللفظ شاذ مخالف لسائر
الروايات .
ومنها عن أبي
هريرة مرفوعا :
( لولا أن أشق
على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه ) .
أخرجه ت وصححه
مج ( 234 ) حم ( 250 - 433 ) عن عبيد الله بن عمر عن سعيد المقبري عنه . ورجاله
رجال الشيخين .
ورواه الحاكم
( 1/146 ) من طريق أخرى عن سعيد بلفظ : ( إلى نصف الليل ) بدون شك .
ورواه أحمد من
طريق أخرى عن أبي هريرة بلفظ : ( إلى ثلث الليل ) بدون شك .
ولذلك رواه من
وجه آخر عن سعيد عن عطاء مولى صفية عن أبي هريرة فقد اضطرب في هذه اللفظة . انظر
التعليق على الترمذي .
ومنها حديث
أبي سعيد الخدري قال : صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العتمة فلم
يخرج حتى مضى نحو من شطر الليل فقال : ( خذوا مقاعدكم ) فأخذنا مقاعدنا فقال : (
إن الناس قد صلوا وأخذوا مضاجعهم وإنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة ولولا
ضعف الضعيف وسقم السقيم لأخرت هذه الصلاة إلى شطر الليل ) . أخرجه د ( 69 ) واللفظ
له ون ( 92 ) ومج ( 234 - 235 ) وحم ( 3/5 ) من طريق داود بن أبي هند عن أبي نضرة
عنه . وهذا سند صحيح كما قال الحافظ في ( التلخيص ) ( 3/29 ) .
قلت : وهو على
شرط مسلم .
هذا ولم نجد
لمن ذهب - وهم الجمهور - إلى أن وقت العشاء يمتد إلى صلاة الفجر إلا حديثين وليسا
بنص في ذلك :
الأول : عن
أبي قتادة مرفوعا : ( ليس في النوم تفريط إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى
يجيء وقت الصلاة الأخرى ) . احتج به على ما ذكرنا بعض أهل الظاهر من المتقدمين .
والشوكاني المحقق من المتأخرين ( 1/10 ) ورد ذلك ابن حزم ردا قويا فقال ( 3/178 )
: هذا لا يدل على ما قالوه أصلا وهم مجمعون معنا بلا خلاف من أحد من الأئمة أن وقت
صلاة الفجر لا يمتد إلى وقت صلاة الظهر فصح أن هذا الخبر لا يدل على اتصال وقت كل
صلاة بوقت التي بعدها وإنما فيه معصية من أخر صلاة إلى وقت غيرها فقط سواء اتصل
آخر وقتها بأول الثانية لها أم لم يتصل وليس فيه أنه لا يكون مفرطا أيضا من أخرها
إلى خروج وقتها وإن لم يدخل وقت أخرى ولا أنه يكون مفرطا بل هو مسكوت عنه في هذا
الخبر ولكن بيانه في سائر الأخبار التي فيها نص على خروج وقت كل صلاة والضرورة
توجب أن من تعدى بكل عمل وقته الذي حده الله تعالى لذلك العمل فقد تعدى حدود الله
وقال تعالى : ( ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون ( .
والحديث
الثاني عن عائشة قالت : أعتم النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة حتى ذهب عامة
الليل وحتى نام أهل المسجد ثم خرج فصلى فقال : ( إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي
) . مسلم ( 2/116 ) ن ( 93 ) مي ( 1/276 ) والطحاوي ( 94 ) من طريق ابن جريج قال :
أخبرني المغيرة بن حكيم عن أم كلثوم بنت أبي بكر أنها أخبرته عنها .
فظاهر الحديث
أنه صلاها بعد مضي نصف الليل الأول ولكن الحديث مؤول .
قال النووي :
( والمراد بعامة الليل كثير منه وليس المراد أكثره ولا بد من هذا التأويل لقوله
صلى الله عليه وسلم : ( إنه لوقتها ) ولا يجوز أن المراد بهذا القول ما بعد نصف
الليل لأنه لم يقل أحد من العلماء أن تأخيرها إلى ما بعد نصف الليل أفضل ) .
قلت : وقد يدل
لهذا التأويل أن الحديث قد جاء في البخاري ومسلم والنسائي والدارمي والمسند ( 6/43
و215 و272 ) من طرق عن الزهري عن عروة عن عائشة وليس فيه قوله : ( حتى ذهب عامة
الليل ) وإنما فيه : ( حتى ناداه عمر بن الخطاب : قد نام النساء والصبيان ) . وذلك
إنما يكون عادة قبل نصف الليل . ويقوي ذلك أن الحديث هذا رواه ابن عباس أتم منه
فقال : أخر النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ذات ليلة حتى ذهب من الليل فقام عمر
رضي الله عنه فنادى : الصلاة يا رسول الله رقد النساء والولدان . فخرج رسول الله
صلى الله عليه وسلم والماء يقطر من رأسه وهو يقول : ( إنه الوقت لولا أن أشق على
أمتي ) . أخرجه النسائي ( 92 ) والدارمي ( 276 ) من طريق سفيان عن عمرو عن عطاء
عنه وعن ابن جرير عن عطاء عنه .
وهذان إسنادان
صحيحان على شرط الشيخين .
وقد رواه مسلم
( 117 ) وأحمد ( 1/366 ) عن ابن جريج به وفيه التصريح بسماع ابن جريج من عطاء .
فهذه الرواية
تدل على أن حديث عائشة برواية أم كلثوم عنها وحديثها برواية عروة عنها إنما هو
حديث واحد اختصره بعض الرواة وهي تدل دلالة ظاهرة على أن قوله فيها : ( إنه الوقت
) يريد به الوقت الذي نام فيه النساء والولدان وذلك قبل نصف الليل عادة كما قلنا
فرجع الحيث إلى أن المراد بعامة الليل كثير منه لا أكثره كما قال النووي وهو من
دقة فهمه رحمه الله . وإن كان لا بد من الأخذ بظاهر حديث أم كلثوم عنها فهذا إنما
يدل على أنه صلاها في ابتداء النصف الثاني ولذلك قال ابن حزم ( 3/184 ) :
( إذا ذهب نصف
الليل فقد ذهب عامة الليل ) وعلى هذا بنى قوله في أول الفصل ( 3/164 ) : ( ثم
يتمادى وقت صلاة العتمة إلى انقضاء نصف الليل الأول وابتداء نصف الثاني فمن كبر
لها في أول النصف الثاني من الليل فقد أدرك صلاة العتمة بلا كراهة ولا ضرورة فإذا
زاد على ذلك فقد خرج وقت الدخول في صلاة العتمة ) . وأما أنه يدل على امتداد الوقت
إلى صلاة الفجر كما زعم الطحاوي فليس فيه أدنى دلالة على ذلك . وهو قول للشافعي
كما ذكر الشوكاني ( 2/10 ) .
والليل ينتهي
بطلوع الفجر الصادق وهو مذهب الشافعية وكافة العلماء وراجع ( المجموع ) ( 3/10 ) .
وكان صلى الله
عليه وسلم يستحب أن يؤخر العشاء . ( رواه الجماعة ) .
زاد أحمد (
4/424 و425 ) : إلى ثلث الليل . وسنده صحيح على شرطهما .
ويحض على ذلك
فيقول : ( أعتموا بهذه الصلاة فإنكم قد فضلتم بها على سائر الأمم ولم تصلها أمة
قبلكم ) . أبو داود ( 69 ) وحم ( 5/237 ) من طريق حريز بن عثمان : ثنا راشد بن سعد
عن عاصم بن حميد السكوني - وكان من أصحاب معاذ بن جبل - أنه سمع معاذ بن جبل يقول
: رقبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة العشاء فاحتبس حتى ظننا أن لن يخرج
والقائل منا يقول : قد صلى ولن يخرج فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم . . .
فذكره . زاد أبو داود : فإنا لكذلك حتى خرج النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا له
كما قالو . فقال لهم . . . الحديث . وهذا إسناد جيد .
وفي هذا
الانتظار نزل قوله تعالى : ( ليسوا سواء من أهل الكتاب . . . والله عليم بالمتقين
( [ آل عمران/113 - 115 ] قال ابن مسعود رضي الله عنه : أخر رسول الله صلى الله
عليه وسلم صلاة العشاء ثم خرج إلى المسجد فإذا الناس ينتظرون الصلاة قال : ( أما
إنه ليس من أهل هذه الأديان أحد يذكر الله هذه الساعة غيركم ) قال : وأنزل هؤلاء
الآيات : ( ليسوا سواء من أهل الكتاب . . . ( حتى بلغ : ( وما يفعلوا من خير فلن
يكفروه والله عليم بالمتقين ( .
أخرجه أحمد (
1/394 ) عن شيبان عن عاصم عن زر عنه . وهذا سند حسن .
وكان لا يعزم
عليهم بذلك لما فيه من المشقة كما سبق .
ومع ذلك فكان
عليه السلام يراعي أحوال المجتمعين قلة وكثرة فقد كان أحيانا يؤخرها وأحيانا يعجل
إذا رآهم اجتمعوا عجل وإذا رآهم أبطأوا أخر . ( خ م حم : 3/369 ) وطيا ( 124 ) عن
أبي برزة .
وقالت عائشة :
ما نام رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل العشاء ولا سمر بعدها . مج ( 238 ) طيا (
201 ) حم ( 6/264 ) من طريق عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى الطائفي عن عبد الرحمن
بن القاسم عن أبيه عنها . وهذا سند حسن ورجاله رجال سملم . وقال صاحب ( الزوائد )
: إنه صحيح .
وله طريق أخرى
عند ابن نصر قال : ثنا محمود بن آدم : ثنا يحيى بن سليم : ثنا هشام بن عروة قال :
سمعت أبي يقول : انصرفت بعد العشاء الآخرة فسمعت كلامي عائشة رضي الله عنها خالتي
ونحن في حجرة بيننا وبينا سقف فقالت : يا عروة أو يا عرية ما هذا السمر ؟ إني ما
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم نائما قبل هذه الصلاة ولا متحدثا بعدها إما
نائما فيسلم أو مصليا فيغنم . وهذا إسناد محسن أيضا ورجاله رجال البخاري .
وقال ابن
مسعود :
جدب 9 لنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم السمر بعد العشاء يعني : زجرنا .
أخرجه ابن
ماجه ( 238 ) وأحمد ( 1/388 - 389 410 ) من طرق ثلاثة عن عطاء بن السائب عن شقيق
بن سلمة عنه . ورجاله رجال البخاري لكن عطاء كان قد اختلط .
قال الترمذي :
وقد كره أكثر أهل العلم النوم قبل صلاة العشاء والحديث بعدها ورخص في ذلك بعضهم
وقال عبد الله بن المبارك : أكثر الأحاديث الكراهية .
والذي يظهر من
مجموع الأحاديث الواردة في هذا الباب كراهة السمر والسهر إلا فيما فيه صالح
المتكلم أو صالح المسلمين وفي ذلك أحاديث :
( 1 ) عن عمر بن
الخطاب قال :
كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم يسمر مع أبي بكر في الأامر من أمور المسلمين وأنا معهما .
أخرجه الترمذي
( 1/315 ) وابن نصر ( 46 ) والطحاوي ( 391 ) من طريق أبي معاوية عن الأعمش عن
إبراهيم عن علقمة عنه . وهذا سند صحيح على شرطهما واقتصر الترمذي على تحسينه وهو
قصور كما بينه المعلق عليه .
وقد رواه أحمد
( 1/25 - 26 ) بإسنادين عن عمر فقال ثنا أبو معاوية : ثنا الأعمش عن إبراهيم عن
علقمة قال : جاء رجل إلى عمر رضي الله عنه وهو بعرفة قال : [ أبو ] معاوية :
وحدثنا الأعمش عن خيثمة عن قيس بن مروان أ ه أتى عمر رضي الله عنه . . . . فذكر
الحديث مطولا .
فللأعمش في
الحديث إسنادان والأول صحيح كما ذكرنا وكذلك الآخر صحيح ورجاله رجال الشيخين غير
قيس بن مروان أبي قيس وهو صدوق كما في ( التقريب ) .
( 2 ) عن ابن عباس
أنه قال : رقدت في بيت ميمونة ليلة كان النبي صلى الله عليه وسلم عندها لأنظر كيف
صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل قال : فتحدث النبي صلى الله عليه وسلم مع أهله
ساعة ثم رقد .
رواه مسلم (
2/182 ) وابن نصر ( 46 ) .
( 3 ) عن أنس رضي
الله عنه أن أسيد بن حضير ورجلا آخر من الأنصار تحدثا عند رسول الله صلى الله عليه
وسلم ليلة في حاجة لهما حتى ذهب من الليلة ساعة والليلة شديدة الظلمة ثم خرجا من
عند النبي صلى الله عليه وسلم ينقلبان وبيد كل واحد عصاة فأضاءت عصا أحدهما لهما
حتى مشيا في ضوئها حتى إذا افترقت بهما الطريق أضاءت للآخر عصاه فمشى كل واحد
منهما في ضوئه حتى بلغ أهله .
رواه ابن نصر
عن عبد الرزاق : أنا معمر عن ثابت عنه . وهذا سند صحيح على شرط الستة .
ويدل لما
ذكرنا من الجمع : ما رواه أبو سعيد مولى الأنصار قال : كان عمر لا يدع سامرا بعد
العشاء يقول : ارجعوا لعل الله يرزقكم صلاة أو تهجدا فانتهى إلينا وأنا قاعد مع
ابن مسعود وأبي بن كعب وأبي ذر فقال : ما يقعدكم ؟ قلنا : أردنا أن نذكر الله فقعد
معهم .
أخرجه الطحاوي
( 2/391 ) من طريق سليمان بن شعيب : ثنا عبد الرحمن ابن زياد قال : ثنا شعبة عن
الجريري قال : سمعت أبا نضرة يحدث عن أبي سعيد به . وأبو سعيد هذا وعبد الرحمن بن
زياد لم أعرفهما ويحتمل أن يكون عبد الرحمن هذا هو ابن زياد بن أنعم الإفريقي وهو
ضعيف الحديث .
ويكره تسمية
العشاء بالعتمة . قال عليه الصلاة والسلام : ( لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم
: العشاء فإنها في كتاب الله العشاء وإنها تعتم بحلاب الإبل ) . ( م 118 ) ود (
2/312 ) ون ( 93 - 94 ) مج ( 239 ) حم ( 2/10 و19 و49 و144 ) عن عبد الله بن أبي
لبيد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن ابن عمر .
وفي رواية
لأحمد : ( إنما يدعونها العتمة لإعتامهم بالإبل ) . وسندها صحيح على شرط مسلم .
وله شاهد من
حديث أبي هريرة أخرجه ابن ماجه من طريق عبد الرحمن ابن حرملة عن سعيد بن الميب عنه
. وإسناده جيد وقال في ( الزوائد ) : صحيح .
وله طريق أخرى
عنه أخرجه وهو وأحمد ( 2/433 438 ) عن محمد بن عجلان : ثني سعيد - يعني المقبري -
عن أبي هريرة مرفوعا مختصرا . وسنده حسن أيضا .
ولا بأس من
ذلك نادرا لثبوته عنه صلى الله عليه وسلم : ( ولو يعلمون ما في العتمة والصبح
لأتوهما ولو حبوا ) خ م ( 2 - 31 ) ن ( 93 ) حم ( 2/278 و303 و374 و533 ) مالك (
1/87 - 88 ) كلهم عنه عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي صالح السمان عن
أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا به في حديثه .
زاد أحمد في
رواية عن عبد الرزاق عن مالك : فقلت لمالك : إما يكره أن نقول : العتمة ؟ قال :
هكذا قال الذي حدثني .
وثبت ذلك عن
بعض الصحابة كجابر بن سمرة عند مسلم ( 118 ) وأحمد ( 5/89 و105 ) وغيرهما وجابر بن
عبد الله عند أحمد ( 3/348 ) وغيره .
قال ابن القيم
( 2/12 ) بعد أن ذكر حديث ابن عمر ثم حديث أبي هريرة هذا :
( فقيل : هذا
ناسخ للمنع وقيل بالعكس والصواب خلاف القولين فإن العلم بالتاريخ متعذر ولا تعارض
بين الحديثين فإنه لم ينه عن إطلاق اسم العتمة بالكلية وإنما نهى عن أن يهجر اسم
العشاء وهو الاسم الذي سماها الله به في كتابه . ويغلب عليها اسم العتمة فإذا سميت
العشاء وأطلق عليها أحيانا العتمة فلا بأس والله أعلم .
وهذا محافظة
منه صلى الله عليه وسلم على الأسماء التي سمى الله بها العبادات فلا يهجر ويؤثر
عليها غيرها كما فعله المتأخرون في هجران ألفاظ النصوص وإيثار المصطلحات الحادثة
عليها ونشأ بسبب هذا من الفساد ما الله به عليم ) .
5 - الفجر
1 - أول وقتها حين
يطلع الفجر كما سبق في حديث أبي هريرة .
2 - و( إن الفجر
ليس الذي يقول هكذا ( وجمع أصابعه ثم نكسها إلى الأرض ) ولكن الذي يقول هكذا (
ووضع المسبحة على المسبحة ومد يديه ) . مسلم ( 3/129 ) وخ وزاد : عن يمينه وشماله .
3 - وكان صلى الله
عليه وسلم يصليها بغلس . ( متفق عليه عن جابر ) .
4 - ولم يدخل بها
في الإسفار إلا مرة واحدة قال أبو مسعود الأنصاري في حديث له : وصلى الصبح مرة
بغلس ثم صلى مرة أخرى فأسفر بها كانت صلاته بعد ذلك الغلس حتى مات لم يعد إلى أن
يسفر .
رواه أبو داود
( 65 ) وطحا ( 104 ) والدارقطني ( 93 ) وابن حبان في ( صحيحه ) كما في نصب الراية
( 240 ) من طريق أسامة بن زيد الليثي أن ابن شهاب أخبره عن عروة : سمعت بشير بن
أبي مسعود يقول : سمعت أبا مسعود به . وهذا إسناد حسن كما قال النووي ( 3/52 )
وقال الخطابي :
( هو صحيح
الإسناد ) .
وأما ما أخرجه
أحمد ( 2/135 - 136 ) من طريق أبي شعبة الطحان جار الأعمش عن أبي الربيع قال : كنت
مع ابن عمر . . . فقلت له : إني أصلي معك الصبح ثم ألتفت فلا أرى وجه جليسي ثم
أحيانا تسفر قال : كذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وأحببت أن أصليها
كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليها . فضعيف لا يقاومه وعلته أبو الربيع
هذا قال الدارقطني :
( مجهول )
على أنه قد
عارضه عن ابن عمر ما هو أقوى منه سندا فقال نهيك بن يريم : ثنا مغيث بن سمي قال :
صليت مع عبد الله بن الزبير الصبح بغلس فلما سلم أقبلت على ابن عمر فقلت : ما هذه
الصلاة . قال : هذه صلاتنا كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر
فلما طعن عمر أسفر بها عثمان .
أخرجه ابن
ماجه ( 229 - 230 ) والطحاوي ( 104 ) عنه .
وهذا سند صحيح
كما في ( الزوائد ) وفي ( المجموع ) ( 3/53 ) قال الترمذي في ( كتاب العلل ) :
قال البخاري :
هذا حديث حسن ) .
5 - وكان أحيانا
يخرج منها في الغلس كما قالت عائشة : كن نساء المؤمنات يشهدن مع النبي صلى الله
عليه وسلم صلاة الفجر متلفعات بمروطهن ثم ينقلبن إلى بيوتهن حتى يقضين الصلاة لا
يعرفهن أحد من الغلس .
خ م ( 2/119 )
ن ( 94 ) /ي ( 277 ) ابن ماجه ( 669 ) طيا ( 206 ) حم ( 6/33 و37 و248 ) والطحاوي
( 104 ) عن الزهري عن عروة عن عائشة به .
وله طريقان
آخران عنها :
( 1 ) مالك ( 21 )
عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن عنها . وقد رواه مسلم وأبو داود ( 69 ) ون
ت ( 287 ) وقال : حسن صحيح والطحاوي وأحمد ( 1/178 - 179 ) كلهم عن مالك به .
( 2 ) عن عبد الرحمن
بن القاسم عن القاسم بن محمد عنها أخرجه الطحاوي وأحمد ( 6/258 - 259 ) .
وله شاهد من
حديث قيلة عند طبا ( 230 ) طحا ( 105 ) وعن حرملة العنبري عنده وكذا الطيالسي (
167 ) .
6 - وأحيانا يخرج
منها في الإسفار حين يعرف الرجل وجه جليسه كما قال أبو برزة الأسلمي : وكان صلى
الله عليه وسلم ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه . خ م ( 119 - 120 ) د
( 66 ) ن ( 92 ) طحا ( 105 ) طيا ( 124 ) حم ( 4/420 و423 و424 و425 ) عن سيار بن
سلامة عنه .
7 - وهذا الإسفار
هو المراد بقوله عليه الصلاة والسلام : ( أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر ) أي :
اخرجوا منها في وقت الإسفار وذلك بإطالة القراءة فيها . وهذا التأويل لا بد منه
ليتفق قوله صلى الله عليه وسلم هذا مع فعله الذي واظب عليه من الدخول فيها في وقت
الغلس كما سبق وهو الذي رجحه الحافظ ابن القيم في ( إعلام الموقعين ) . وسبقه إلى
ذلك الإمام الطحاوي من الحنفية وأطال في تقرير ذلك ( 1/104 - 109 ) وقال :
( إنه قول أبي
حنيفة وأبي يوسف ومحمد ) .
وإن كان ما
نقله عن الأئمة الثلاثة مخالفا لما هو المشهور عنهم في كتب المذهب من استحباب
الابتداء بالإسفار وقد مال إلى هذا الجمع أيضا من متأخري الأحناف العلامة أبو
الحسنات اللكنوي في ( التعليق للمجد ) ( 42 - 44 ) .
وأما الحديث
المذكور فحديث صحيح لكنه اختلف في لفظه فرواه باللفظ المذكور الترمذي ( 289 )
والدارمي ( 277 ت ) والطحاوي ( 106 ) والطيالسي ( 129 ) كلهم عن محمد بن إسحاق عن
عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود ابن لبيد عن رافع بن خديج به .
وهذا سند حسن
لولا عنعنة محمد بن إسحاق فإنه مدلس فيحتمل أنه سمعه بواسطة عن عاصم ويأتي ما يؤيد
هذا الاحتمال .
ورواه أبو
داود ( 69 ) وابن ماجه ( 230 ) وأحمد ( 4/140 ) كلهم عن سفيان ابن عيينة عن ابن
عجلان عن عاصم به بلفظ : أصبحوا . بدل : أسفروا .
وكذلك رواه
ابن إسحاق عن ابن عجلان فقال أحمد ( 3/465 ) : ثنا يزيد قال : أنا محمد بن إسحاق
قال : أنبأنا ابن عجلان به .
وخالفهما عن
ابن عجلان أبو خالد الأحمر فرواه عنه بلفظ : ( أسفروا ) . أخرجه عنه أحمد ( 4/142
) وكذا يحيى بن سعيد عند النسائي وسفيان الثوري عند الطحاوي ( 105 ) وكذا الدارمي
إلا أن هذا قال : ( نوروا ) .
وقد توبع عليه
ابن عجلان فرواه زيد بن أسلم عن عاصم بن عمر لكن اختلف عليه فيه سندا ومتنا .
أما السند
فرواه أبو غسان : ثني زيد بن أسلم عن عاصم بن عمر عن محمود عن لبيد عن رجال من
قومه من الأنصار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال . . . فذكره .
أخرجه النسائي .
ورواه الليث
بن سعد واسباط بن محمد أما الأول فقال : ثني هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عاصم
بن رجال من قومه من الأنصار من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا : قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم . أخرجه الطحاوي ( 106 )
وأما الآخر
فقال : ثنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن محمود بن لبيد عن بعض أصحاب النبي صلى
الله عليه وسلم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم . . . أخرجه أحمد ( 4/243 ) .
فأسقط الأول
من السند محمود بن لبيد شيخ عاصم بن عمر وأسقط الآخر عاصم بن عمر شيخ زيد بن أسلم .
وأما المتن
فقال أبو غسان : ( ما أسفرتم بالفجر ) وقال الليث : ( أصبحوا بالصبح فكلما أصبحتم
بها ) وقال أسباط : ( أسفروا ) .
وقد تابع
هشاما عن زيد : حفص بن ميسرة مثل رواية الليث سندا ومتنا . رواه الطحاوي ( 105 -
106 ) .
وقد رواه عبد
الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن محمود بن لبيد الأنصاري قال : قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : ( أسفروا . . . ) الحديث .
وهذا اختلاف
آخر لكن عبد الرحمن بن زيد ضعيف .
ورواه شعبة عن
أبي داود عن زيد بن أسقط عن محمود بن لبيد عن رافع ابن خديج مرفوعا به .
وأبو داود هذا
هو نفيع الأعمى وهو متروك وقد كذبه ابن معين . وفيه اختلاف آخر على زيد بن أسلم
ذكره في ( نصب الراية ) ( 1/236 ) فراجعه فيه .
وبالجملة فهذا
اضطراب شديد في الحديث والصواب من حيث الإسناد رواية ابن عجلان عن عاصم بن عمر عن
محمود بن لبيد عن رافع بن خديج وذلك لأمرين : لاتصالها ولموافقة رواية أبي غسان عن
زيد بن أسلم لها متنا وسندا إلا ما فيها من إبهام من رواتها من الصحابة عنه صلى
الله عليه وسلم وليست بمخالفة فادحة كما لا يخفى وإسنادها صحيح كما في ( نصب
الراية ) ( 238 ) .
وللحديث شواهد
كثيرة لا تخلو أسانيدها من مقال وقد خرجها الزيلعي وكذا الهيثمي في ( المجمع ) (
1/315 - 317 ) فليراجعها من شاء وكلها بلفظ : ( أسفروا ) وبعضها : ( نوروا ) . فهي
في الجملة مؤيدة للفظ الذي رجحناه من حديث رافع وهو : أسفروا . ولكن قد علمت بما
سلف أنه ليس المعنى : أسفروا ابتداء بل انتهاء إلا أنه يعكر على هذا المعنى ما
خرجه ابن أبي حاتم في ( العلل ) ( 1/139 و143 - 144 ) والطيالسي ( 129 ) وابن أبي
شيبة وإسحاق بن راهوية في مسانيده والطبراني في ( معجمه ) من طريق إسماعيل بن
إبراهيم المديني عن هرير بن عبد الرحمن بن رافع بن خديج عن رافع بن خديج قال : قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال :
( أسفر بصلاة
الصبح حتى يرى القوم مواقع نبلهم ) .
وهذا سند
رجاله ثقات لكن ما أرى أن هرير بن عبد الرحمن هذا سمعه من جده رافع فإنما يروي عن
أبيه عبد الرحمن وقد ذكر الحافظ في ( التقريب ) أنه من الطبقة الخامسة يعني الطبقة
الصغرى من التابعين الذين رأوا الواحد والاثنين من الصحابة ولم يثبت لبعضهم السماع
من الصحابة كالأعمش .
وعليه فالظاهر
أن الحديث منقطع ولو صح لأمكن تأويله بمثل ما سبق في حديث رافع فيكون قوله : حتى
يرى القوم مواقع نبلهم يعني : حين الفراغ منها لا الابتداء .
وما أخرجه
البخاري ( 3/427 ) م ( 4/76 ) د ( 1/305 ) ن ( 2/47 ) حم ( 1/426 و434 ) من حديث
ابن مسعود قال : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة إلا لميقاتها إلا
صلاتين : صلاة المغرب والعشاء بجمع وصلى الفجر يومئذ قبل ميقاتها .
وفي رواية
للبخاري ( 3/467 ) وأحمد ( 418 و449 ) عن عبد الرحمن بن يزيد قال : خرجت مع عبد
الله رضي الله عنه إلى مكة ثم قدمنا جمعا فصلى الصلاتين كل صلاة وحدها بأذان
وإقامة والعشاء بينهما ثم صلى الفجر حين طلع الفجر قائل يقول : طلع الفجر . وقائل
يقول : لم يطلع الفجر . ثم قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
( إن هاتين
الصلاتين حولتا عن وقتهما في هذا المكان المغرب والعشاء فلا يقدم الناس جمعا حتى
يعتموا وصلاة الفجر هذه الساعة ) .
فهذه الرواية
تبين أن قوله في الرواية الأولى : وصلى الفجر يومئذ قبل ميقاتها ليس على ظاهره
لقوله في هذه : ثم صلى الفجر حين طلع الفجر .
وهذا كقول
جابر في حديثه الطويل : وصلى الفجر حين تبين له الفجر .
أخرجه مسلم
وغيره .
فالمراد إذن
أنه صلى الفجر قبل ميقاتها المعتاد أي : إنه غلس تغليسا شديدا يخالف التغليس
المعتاد إلى حد أن بعضهم كان يشك بطلوع الفجر .
ولذلك قال
الحافظ في ( الفتح ) ( 3/413 ) :
( ولا حجة فيه
لمن منع التغليس بصلاة الفجر لأنه ثبت عن عائشة وغيرها كما تقدم التغليس بها بل
المراد هنا أنه كان إذا أتاه المؤذن بطلوع الفجر صلى ركعتي الفجر في بيته ثم خرج
فصلى الصبح مع ذلك بغلس وأما بمزدلفة فكان الناس مجتمعين والفجر نصب أعينهم
فبادروا بالصلاة أول ما بزغ حتى إن بعضهم كان لم يتبين له طلوعه كما في الرواية
الثانية ) .
1 - وإذا كان من
عادة الأئمة أن يؤخروا الصلاة عن وقتها المختار فعلى المسلم أن يصليها في الوقت في
بيته ثم يصليها معهم متى صلوها وتكون له نافلة هذا الثانية .
قال أبو ذر
رضي الله عنه : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( كيف أنت إذا
كانت عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها أو يميتون الصلاة عن وقتها ) قال : قلت :
فما تأمرني ؟ قال :
( صل الصلاة
لوقتها فإ أدركتها معهم فصل فإنها لك نافلة ) .
م ( 2/120 ) د
( 70 - 71 ) ت ( 1/232 ) مي ( 279 ) طحا ( 1/263 ) طيا ( 60 ) حم ( 5/149 و163
و169 ) متن طرق عن أبي عمران الجوني عن عبد الله بن الصامت عنه والسياق لمسلم .
ثم لأبي داود
وليس عند الآخرين قوله : ( أو يميتون الصلاة ) وهي شك من بعض الرواة عندهما
والظاهر أنه حماد بن زيد فإن كل من رواه عن أبي عمران قال : ( يؤخرون الصلاة )
بدون شك . هذا وزاد أحمد في رواية من طريق صالح بن رستم عنه بعد قوله : ( صل
الصلاة لوقتها ) : وربما قال : ( في رحلك ) .
وصالح هذا من
رجال مسلم لكن تكلم فيه بعضهم وقال في ( التقريب ) :
( إنه صدوق كثير
الخطأ ) .
وقد وجدت لهذه
الزيادة شاهدا من حديث ابن مسعود كما يأتي .
ثم الحديث له
طرق أخرى عن عبد الله بن الصامت :
فرواه م ن (
138 ) مي طحا طيا ( 61 ) حم ( 5/168 ) من طريق شعبة عن بديل قال : سمعت أبا
العالية يحدث عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم - وضرب فخذي - : كيف أنت إذا بقيت في قوم يؤخرون الصلاة عن وقتها ) قال :
فقال : ما تأمر ؟ قال : ( صل الصلاة لوقتها ثم اذهب لحاجتك فإن أقيمت الصلاة وأنت
في المسجد فصل ) .
ثم أخرجه
البخاري في ( الأدب المفرد ) ( 138 و139 ) ومسلم وحم ( 147 و160 و168 ) عن أيوب عن
أبي العلاية به . ونحوه بلفظ : ( فإن أدركت الصلاة معهم فصل ولا تقل : إني قد صليت
فلا أصلي ) .
ثم أخرجه أيضا
( 5/159 مسند ) من طريق أبي نعامة عن عبد الله بن الصامت فزيادة : ( فصل معهم
فإنها زيادة خير ) .
وللحديث شواهد :
( 1 ) عن عبادة بن
الصامت قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنها ستكون عليكم بعدي أمراء
يشغلهم أشياء عن الصلاة لوقتها حتى يذهب وقتها فصلوا الصلاة لوقتها ) فقال رجل :
يا رسول الله أصلي معهم ؟ قال : ( نعم إن شئت ) . د ( 71 ) حم ( 315 ) عن جرير
وسفيان الثوري كلاهما عن منصور عن هلال بن يساف عن أبي يساف عن أبي المثنى الحمصى
عن أبي أبي ابن امرأة عبادة بن الصامت عنه .
ثم أخرجه أحمد
( 5/314 - 315 و6/7 ) من طريق شعبة عن منصور عن هلال بن يساف عن أبي المثنى ابن
امرأة عبادة بن الصامت عنه .
ثم أخرجه أحمد
( 5/314 - 315 و6/7 ) نم طريق شعبة عن منصور عن هلال بن يساف عن أبي المثنى عن أبي
أبي ابن امرأة عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم به بلفظ : ( فصلوا
الصلاة لوقتها ثم اجعلوا صلاتكم معهم تطوعا ) . فجعله من مسند أبي أبي لا من مسند
عبادة بن الصامت .
وكذلك أخرجه
أحمد أيضا ( 315 ) من طريق يعمر - يعني : ابن بشر - : أنا عبد الله : أنا سفيان عن
منصور به بلفظ : قال : كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال . . .
الحديث . ثم قال أحمد : وهذا الصواب يعني أنه من مسند أبي أبي من مسند عبادة .
وأبو أبي هذا
صحابي صلى إلى القبلتين اسمه عبد الله . ورجال إسناده ثقات رجال مسلم غير أبي
المثنى هذا واسمه ضمضم الأملوكي وثقه ابن حبان كما في الخلاصة وقال في ( التقريب )
: ( وثقه العجلي ) . ولم يزد على ذلك فالإسناد حسن أو قابل للتحسين والله أعلم .
( 2 ) عن ابن مسعود
وله طريقان :
الأول : عن
عبد الرحمن بن سايط عن عمرو بن ميمون ال دي عنه مرفوعا بلفظ :
( كيف بكم إذا
أتت عليكم أمراء يصلون الصلاة لغير ميقاتها ) . قلت : فما تأمرني إن أدركني ذلك يا
رسول الله ؟ قال :
( صل الصلاة
لميقاتها واجعل صلاتك معهم سبحة ) .
أخرجه أبو
داود عن الويد : ثنا الأوزاعي : ثني حسان بن عطية عن عبد الرحمن بن سابط به .
وهذا سند صحيح
إذا سلم من تدليس الوليد - وهو ابن مسلم - فإنه كان يدلس تدليس التسوية ورجاله
كلهم رجال مسلم .
الثانية عن زر
عنه رضي الله عنه بلفظ :
( لعلكم ستدركون
أقواما يصلون صلاة لغير وقتها فإذا أدركتموهم فصلوا في بيوتكم في الوقت الذي
تعرفون ثم صلوا معهم واجعلوها سبحة ) .
رواه حم (
1/379 ) عن أبي بكر : ثنا عاصم عن زر به وهذا سند حسن .
وله طريق ثالث
موقوفا عليه بلفظ : ( إنها ستكون أئمة يؤخرون الصلاة عن مواقيتها فإذا فعلوا ذلك
فلا تنتظروهم بها واجعلوا الصلاة معهم سبحة ) .
رواه أحمد (
1/455 و459 ) عن محمد بن إسحاق قال : وثني عبد الرحمن ابن الأسود بن يزيد النخعي
عن أبيه عنه .
وهذا سند حسن
أيضا .
وقد تابعه
هارون بن عنترة عن عبد الرحمن بن الأسود دون قوله : ( واجعلوا . . . ) إلخ .
رواه النسائي
( 128 - 129 ) وأحمد أيضا ( 1/424 ) .
وهذا إسناد
صحيح .
ثم رواه أحمد
( 1/405 ) من طريق شعبة عن عبد الرحمن بن عابس قال : ثنا رجل من همدان من أصحاب
عبد الله عنه .
ورجاله رجال
الشيخين غير الهمداني فإنه لم يسم .
وقد وقعت لابن
مسعود رضي الله عنه قصة في هذا الصدد لا بأس من ذكرها للفائدة وهي : ( أن الوليد
بن عقبة أخر الصلاة مرة فقام عبد الله بن مسعود فثوب بالصلاة فصلى بالناس فأرسل
إليه الوليد : ما حملك على ما صنعت ؟ أجاءك أمر من أمير المؤمنين فيما فعلت أم
ابتدعت ؟ قال : لم يأتي من أمير المؤمنين ولم أبتدع ولكن أبى الله عز وجل علينا
ورسوله أن ننتظرك بصلاتنا وأنت بحاجتك ) .
أخرجها الإمام
أحمد ( 1/450 ) : ثنا إبراهيم بن خالد : ثنا رباح عن معمر عن عبد الله بن عثمان عن
القاسم عن أبيه أن الوليد بن عقبة . . . إلخ .
وهذا سند صحيح
رجاله رجلا الصحيح غير إبراهيم بن خالد وهو الصنعاني وهو ثقة . وغير رباح وهو ابن
زيد القرشي الصنعاني وهو ثقة فاضل كما في ( التقريب ) وعبد الله بن عثمان هو ابن
خثيم والقاسم هو ابن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود وقال في ( المجمع ) ( 1/324
) بعد أن ساقه : ( رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجاله ثقات ) .
( 3 ) عن شداد بن
أوس مرفوعا : ( سيكون من بعدي أئمة يميتون الصلاة عن مواقيتها فصلوا الصلاة لوقتها
واجعلوا صلاتكم معهم سبحة ) .
أخرجه أحمد (
4/124 ) من طريق ابن عياش عن راشد بن داود عن أبي أسماء الرحبي عنه .
وهذا إسناد
شامي حسن . وقال في ا ( المجمع ) ( 1/325 ) : رواه أحمد والبزار والطبراني في
الأوسط وفيه راشد بن داود ضعفه الدارقطني ووثقه ابن معين ودحيم وابن حبان .
( 4 ) عن عامر بن
ربيعة مرفوعا نحوه . أخرجه أحمد ( 3/445 و446 ) عن عاصم بن عبيد الله قال : أخبرني
عبد بن عامر بن ربيعة عن أبيه عامر ابن ربيعة .
وفي الباب عن
عبد الله بن عمرو وأنس بن مالك عند الطبراني وغيره . انظر ( المجمع ) .
( فائدة ) : ذكر
النووي في ( شرح مسلم ) وفي المجموع ( 3/48 ) أن المراد بقوله في هذه الأحاديث : (
يؤخرون الصلاة عن وقتها ) أي : عن وقتها المختار لا عن جميع وقتها فإن المنقول عن
الأمراء المتقدمين والمتأخرين إنما هو تأخيرها عن وقتها المختار ولم يؤخرها أحمد
منهم عن جميع 10 وقتها فوجب حمل هذه الأخبار على ما هو الواقع . ومعنى صل الصلاة
لوقتها أي لأول وقتها . ثم قال : وفيه أن الإمام إذا أخرها عن أول وقتها يستحب
للمأموم أن يصليها في أول الوقت منفردا ثم يصليها مع الإمام فيجمع فيصلي أول الوقت
والجماعة فلو أراد الاقتصار على أحدهما فهل الأفضل الاقتصار على فعلها منفردا في
أول الوقت أم الاقتصار على فعلها جماعة في آخر الوقت ؟
فيه خلاف
مشهور قال : والمختار استحباب الانتظار إن لم يفحش التأخير .
وقال شيخ
الإسلام في ( الاختيارات ) ( ص 19 ) : ( وجمهور العلماء يرون تقديم الصلاة أفضل
إلا إذا كان في التأخير مصلحة راجحة مثل المتيمم يؤخر ليصلي آخر الوقت بوضوء
والمنفرد يؤخر حتى يصلي آخر الوقت مع جماعة ) .
قلت والصواب :
الذي تدل عليه الأحاديث ما ذكره النووي واختاره من استحباب الانتظار إذا لم يفحش
التأخير .
ولا ينافي ما
سبق قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تصلوا صلاة في يوم مرتين ) . لأنه إنما أراد
به أن يصليهما كلتيهما على وجه الفرض كما قال ابن عبد البر . أو يكون من العام
المخصوص بهذه الأحاديث وأمثالها ويأتي بعضها في محالها . وهذا أولى عندي مما قاله
ابن عبد البر لأنه يلزم منه جواز إعادة كل صلاة صلاها مع الجماعة أن يصليها مرة
أخرى منفردا متنفلا بها وما أعتقد أن عالما يعتقد ذلك .
والحديث هذا
أخرجه أبو داود ( 95 ) والنسائي ( 138 ) والدارقطني ( 159 و160 ) والطحاوي ( 1/187
) وأحمد ( 2/19 و41 ) من طريق حسين بن ذكوان أخبرني عمرو بن شعيب : أخبرني سليمان
مولى ميمونة قال : أتيت على ابن عمر ذات يوم وهو جالس بالبلاط والناس في صلاة
العصر فقلت : أبا عبد الرحمن الناس في الصلاة ؟ قال : إني قد صليت إني سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا تصلى صلاة مكتوبة في يوم مرتين ) . والسياق
للدارقطني وإسناده صحيح وقد رواه ابن خزيمة وابن حبان كما في ( التلخيص ) ( 4/298 ) .
2 - ومن أدرك ركعة
من الصلاةقبل خروج وقتها فقد أدرك الصلاة في الوقت وعليه أن يتمها .
قال صلى الله
عليه وسلم : ( من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة [ كلها ) .
أخرجه البخاري
ومسلم ( 102 ) ومالك ( 1/28 ) وعنه محمد ( 100 ) وكذا أبو داود ( 175 ) والنسائي (
95 ) والترمذي ( 2/403 ) وصححه والدارمي ( 277 ) وابن ماجه ( 346 ) وحم ( 2/241
و271 و280 و375 ) من طرق عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة مرفوعا
به . والزيادة رواية لمسلم والنسائي وأحمد .
وله عنده طريق
أخرى أخرجها ( 2/265 ) من طريق ابن إسحاق عن يزيد ابن أبي حبيب عن عراك بن مالك
عنه .
ورجاله ثقات
لكن ابن إسحاق مدلس وقد عنعنه .
وقد أخرجه
الخطيب البغدادي في ( تاريخه ) ( 3/69 ) من طرق عن الزهري به وزاد : قال معمر :
قال الزهري : فنرى أن الجمعة من الصلاة .
قلت : وهذا
يدل على أن كل من قال عن الزهري في هذا الحديث : ( من أدرك من صلاة الجمعة ركعة
فقد أدرك ) كما رواه النسائي ( 1/210 ) عن سفيان عنه إنما هو رواية بالمعنى لأن
الجمعة من الصلاة المطلقة في رواية الجمهور . وقد أعلوا كل الروايات عن أبي هريرة
وعن ابن عمر أيضا التي فيها ذكر الجمعة كما بينته في التعليق على الطبراني رقم (
555 ) .
3 - وسواء في ذلك
صلاة العصر وصلاة الفجر .
قال صلى الله
عليه وسلم : ( من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ومن أدرك
ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر ) .
أخرجه مالك (
1/22 - 23 ) وعنه خ م ( 2/102 ) ن ( 90 ) ت ( 1/253 ) مي ( 277 ) طحا ( 1/90 ) حم
( 2/462 ) كلهم عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار وعن بسر بن سعيد وعن
الأعرج كلهم يحدثونه عن أبي هريرة مرفوعا به .
وتابعه عبد
العزيز بن محمد الدراوردي عن زيد بن أسلم به .
أخرجه ابن
ماجه ( 1/237 ) .
وتابعه أيضا
زهير بن محمد ولكنه جعل أبا صالح مكان عطاء .
أخرجه
الطسالسي ( 313 ) ولفظه : ( فلم تفته ) بدل قوله : ( فقد أدرك ) .
وكذلك رواه
أبو سلمة عن أبي هريرة .
أخرجه أحمد (
2/254 ) عن علي بن المباك عن يحيى بن أبي كثير عنه وسنده صحيح على شرط الستة .
ومن هذا الوجه
أخرجه الطحاوي ( 232 ) بلفظ : ( فقد تمت صلاته ) .
وهو في
البخاري من طريق شيبان عن يحيى بلفظ : ( فليتم صلاته ) .
وفي مسلم (
103 ) وابن ماجه ( 238 ) والمسند ( 254 و260 ) عن الزهري و( المسند ) ( 348 ) عن
محمد بن عمرو كلاهما عن أبي سلمة بمثل حديث مالك .
وحديث أبي
صالح أخرجه الطيالسي أيضا ( 318 ) وأحمد ( 459 ) والطحاوي ( 90 ) عن سهيل بن أبي
صالح عنه مثله .
وحديث الأعرج
أخرجه النسائي ( 94 ) وأحمد ( 399 و474 ) من طريقين عنه مثله إلا أنه قال : ( سجدة
) بدل : ( ركعة ) .
وكذلك أبو
سلمة في رواية البخاري فقط .
فهذه خمسة طرق
لحديث أبي هريرة هذا وكلها صحيحة .
وله عنه طرق
أخرى :
فرواه مسلم
وأبو داود ( 68 ) وأحمد ( 2/282 ) عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس عنه
مثل حديث مالك .
وروى الطحاوي
( 232 ) والدارقطني ( 147 ) وأحمد ( 2/236 - 489 ) عن قتادة عن خلاس عن أبي رافع
عنه مرفوعا : بلفظ : ( من صلى من صلاة الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس ثم طلعت فليصل
إليها أخرى ) .
وفي رواية
للدارقطني وأحمد ( 490 ) من طريق همام قال : سئل قتادة عن رجل صلى ركعة من صلاة
الصبح ثم طلعت الشمس ( وفي رواية لأحمد : ثم طلع قرن الشمس فقال : ثني خلاس عن أبي
رافع أن أبا هريرة حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( يتم صلاته ) .
وهذا سند صحيح
على شرطهما .
ولقتادة فيه
إسنادان آخران عن أبي هريرة :
( 1 ) عن النضر بن
أنس عن بشير بن نهيك عنه به .
أخرجه
الدارقطني وحم ( 2/306 و347 و521 ) عن همام عنه . وهذا سند صحيح أيضا كالذي قبله .
( 2 ) عن عذرة بن
تميم عنه .
قط عن معاذ بن
هشام : ثني أبي عن قتادة عنه .
وعذرة هذا لم
أجد من ذكره .
ثم وجدت
الحاكم أخرجه ( 274 ) عن قتادة بإسناديه الأولين وقال : كلا الإسنادين صحيحان على
شرطهما . ووافقه الذهبي .
وللحديث شاهد
من رواية عائشة رضي الله عنها .
م ( 102 - 103
) ن ( 94 ) مج ( 237 - 238 ) طحا ( 90 ) حم ( 6/78 ) عن الزهري أ عروة بن الزبير
حدثه عنها مثل حديث مالك . إلا أن مسلما وأحمد قالا : ( سجدة ) بدل : ( ركعة ) .
قال الخطابي :
: المراد بالسجدة الركعة بركوعها وسجودها والركعة إنما يكون تمامها سجودها فسميت
على هذا سجدة .
وهذه الأحاديث
تدل على أن من أدرك ركعة قبل خروج الوقت أنها صحيحة ولو وقعت الركعة الثانية في
وقت النهي كصلاة الفجر والعصر وهو مذهب الجمهور . وخالف في بعض ذلك أبو حنيفة فقال
: من طلعت عليه الشمس وهو في صلاة الصبح بطلت صلاته . واحتج له الطحاوي بالأحاديث
الواردة في النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس وزعم هذا المحتج أنها ناسخة لحديث
عائشة وحديث أبي هريرة الذي قبله وهي دعوى تحتاج إلى دليل .
والحق أن
أحاديث النهي عامة تشمل كل صلاة خلا ما استثناه الشارع فيكون مخصصا لهذه الأحاديث
. ومن هذا القبيل حديث أبي هريرة هذا فإنه خاص وهو مقدم على العام كما تقرر في
الاصول .
ثم إن مفهوم
الحديث أن من أدرك أقل من ركعة لا يكون مدركا للوقت وإليه ذهب الجمهور كما في (
نيل الأوطار ) . وراجع تمام هذا البحث فيه ( 2/19 - 20 ) .
4 - وهذا الحكم
إنما هو بخصوص المتعمد لتأخير الصلاة إلى هذا الوقت الضيق وإلا فالنائم والناسي لا
تفوته الصلاة أبدا ولو خرج وقتها كله ما دام غافلا عنها أو ناسيا لها فوقتها
بالنسبة إليهما حين التذكر .
قال عليه
الصلاة والسلام في سفره الذي ناموا فيه حتى طلعت الشمس :
( إنكم كنتم
أمواتا فرد الله إليكم أرواحكم فمن نام عن صلاة فليصلها إذا استيقظ ومن نسي صلاة
فليصل إذا ذكر ) .
ورواه أبو
يعلى والطبراني في ( الكبير ) من حديث أبي جحيفة . ورجاله ثقات كما في ( المعجم ) .
وللحديث شواهد
كثيرة منها :
عن أبي قتادة
قال : ذكروا للنبي صلى الله عليه وسلم نومهم عن الصلاة فقال : ( إنه ليس في النوم
تفريط إنما التفريط في اليقظة فإذا نسي أحدكم صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها ) .
أخرجه النسائي
( 100 - 101 ) ت ( 334 ) مج ( 236 - 237 ) عن حماد ابن زيد عن ثابت البناني عن عبد
الله بن رباح الأنصاري عنه . وقال الترمذي : ( حسن صحيح ) .
قلت : وهو على
شرط مسلم وقد أخرجه في ( صحيحه ) ( 2/138 - 139 ) والبيهقي ( 2/216 ) من طريق
سليمان بن المغيرة : ثنا ثابت به مطولا نحوه بلفظ : ( أما إنه ليس في النوم تفريط
إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى فمن فعل ذلك
فليصلها حين ينتبه لها ) الحديث .
وهذا القدر
رواه النسائي ( 101 ) أيضا وأبو داود ( 73 ) من هذا الوجه ورواه أبو داود ( 72 )
والطحاوي ( 233 ) وأحمد ( 5/298 ) عن حماد بن سلمة عن ثابت به مطولا .
وكذلك رواه
مطولا قتادة عن عبد الله بن أبي رباح به قال : فقلت : يا رسول الله هلكنا فاتتنا
الصلاة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( لم تهلكوا ولم
تفتكم الصلاة إنما تفوت اليقظان ولا تفوت النائم ) الحديث .
أخرجه أحمد (
5/302 ) : ثنا محمد بن جعفر : ثنا شعبة عن قتادة به . وهذا سند صيحح على شرط مسلم
أيضا لولا عنعنة قتادة .
ومنها : عن
أنس مرفوعا بلفظ : ( إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها فإن
الله يقول : ( أقم الصلاة لذكري ( [ طه/ 14 ] ) .
م ( 2/142 )
عن المثنى عن قتادة عنه .
ورواه سعيد -
وهو ابن أبي عروبة_ عن قتادة به بلفظ : ( من نسي صلاة أو نام عنها . . . ) والباقي
مثله .
رواه الدارمي
( 280 ) : أخبرنا سعيد به بلفظ : ( فإن كفارتها أن يصليها إذا ذكرها ) .
وهذا اللفظ
تماما رواه شعبة عن قتادة .
أخرجه أحمد (
3/282 ) .
ورواه حجاج
الأحول عند النسائي ( 100 ) وابن ماجه ( 235 ) وأحمد ( 267 ) وهشام عند الأخير (
216 ) كلاهما عن قتادة عن أنس أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يرقد
عن الصلاة أو يغفل عنها قال : ( ليصلها إذا ذكرها ) .
وهو في
البخاري ومسلم أيضا ود ( 73 ) وطحا والبيهقي ( 2/218 ) وحم ( 269 ) من طريق همام
عن قتادة بلفظ : ( من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك ) قال
قتادة : ( وأقم الصلاة لذكري ( [ طه/14 ] .
رواه أبو
عوانة عن قتادة مختصرا دون قوله : ( لا كفارة لها . . . ) إلخ .
أخرجه مسلم ون
( 100 ) ت ( 335 - 336 ) ومج وطحا والبيهقي من طرق عنه .
هذا وقد صرح
قتادة بسماعه من أنس في رواية للبخاري وأحمد .
ومنها : عن
أبي هرية مرفوعا :
( من نسي الصلاة
فليصلها إذا ذكرها فإن الله قال : ( أقم الصلاة لذكري ( [ طه /14 ] ) .
م ( 138 ) د (
71 - 72 ) ن ( 101 ) عن يونس عن ابن شهاب عن سعيد ابن المسيب عنه . وهو عند م د
مطول فيه قصة نومهم عن صلاة الصبح . وكذلك أخرجها البيهقي ( 2/217 ) .
وفي الباب عن
أبي سعيد الخدري قال :
جاءت امرأة
إلى النبي صلى الله عليه وسلم ونحن عنده فقالت : يا رسول الله إن زوجي صفوان بن
المعطل يضربني إذا صليت ويفطرني إذا صمت ولا يصلي صلاة الفجر حتى تطلع الشمس . قال
: وصفوان عنده . قال : فسأله عما قالت فقال : يا رسول الله أما قولها : يضربني إذا
صليت فإنها تقرأ بسورتين وقد نهيتها . قال : فقال :
( لو كانت سورة
واحدة لكفت الناس ) .
وأما قولها :
يفطرني فإنها تنطلق فتصوم وأنا رجل شاب فلا أصبر فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم يومئذ :
( لا تصوم امرأة
إلا بإذن زوجها ) .
وأما قولها :
إني لا أصلي حتى تطلع الشمس فإنا أهل بيت قد عرف لنا ذاك لا نكاد نستيقظ حتى تطلع
الشمس . قال :
( فإذا استيقظت
فصل ) .
أخرجه د (
1/385 ) مس ( 1/436 ) طحا في ( المشكل ) ( 2/424 ) حم ( 3/80 ) من طريق جرير عن
الأعمش عن أبي صالح عنه . وقال مس : ( صحيح على شرط الشيخين ) ووافقه الذهبي . وهو
كما قالا وقال الحافظ في ( الإصابة ) :
( إسناده صحيح ) .
ثم أخرجه حم
03/85 ) نم طريق أبي بكر - وهو ابن أبي عياش - عن الأعمش به نحوه بلفظ : ( فإني
ثقيل الرأس وأنا من أهل بيت يعرفون بذاك بثقل الرؤوس . قال : ( فإذا قمت فصل ) .
وهو على شرط خ .
5 - وسوءا كان
الاستيقاظ والتذكر عند طلوع الشمس أو عند غروبها فعليه أن يصليها في هذا الوقت
فإنه وقتها لقوله عليه الصلاة والسلام فيما سبق :
( فليصلها إذا
ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك ) .
وهو مذهب
الجمهور من العلماء . قال الترمذي ( 1/335 ) :
( وقد اختلف أهل
العلم في الرجل ينام عن الصلاة أو ينساها فيستيقظ أو يذكر وهو في غير وقت صلاة عند
طلوع الشمس أو عند غروبها فقال بعضهم : يصليها إذا استيقظ أو ذكر وإن كان عند طلوع
الشمس أو عند غروبها وهو قول أحمد وإسحاق والشافعي ومالك - وقال بعضهم : لا يصلي
حتى تطلع الشمس أو تغرب ) .
قلت : وهو
مذهب علماءنا الحنفية صرح به محمد في ( الموطأ ) ( 125 ) قال :
( وهو قول أبي
حنيفة رحمه الله ) .
قال المعلق
عليه أبو الحسنات اللكنوي رحمه الله :
( قد أيده جماعة
من أصحابنا منهم العيني وغيره بما ورد في حديث التعريس أنه صلى الله عليه وسلم
ارتحل من ذلك الموضع وصلى بعد ذلك ولم يكن ذلك إلا لأنه كان وقت الطلوع وفيه نظر :
أما أولا
فلأنه قد ورد تعليل الاختيار صريحا بأنه موضع غفلة وموضع حضور الشيطان فلا يعدل
عنه .
وأما ثانيا
فلأنه ورد في رواية مالك وغره : حتى ضربتهم الشمس . وفي بعض روايات البخاري : لم
يستيقظ حتى وجد حر الشمس . وذلك لا يمكن إلا بعد الطلوع بزمان وبعد ذهاب وقت
الكراهة ) .
وهذا تعقب جيد
قوي من أبي الحسنات المصنف القوي وأمثاله قليل في أصحاب المذاهب من المتأخرين
فرحمه الله تعالى وجزاه خيرا .
والتعليل الذي
ذكره ورد في ( صحيح مسلم ) ( 2/138 ) والنسائي ( 1/102 ) عن أبي هريرة رضي الله
عنه قال :
عرسنا مع نبي
الله صلى الله عليه وسلم فلم نستيقظ حتى طلعت الشمس فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
( ليأخذ كل رجل
برأس راحلته فإن هذا منزل حضرنا به الشيطان ) .
قال : ففعلنا
ثم دعا بالماء فتوضأ ثم سجد سجدتين ثم أقيمت الصلاة فصلى الغداة .
أخرجاه من
طريق يحيى بن سعيد : ثنا يزيد بن كيسان : ثنا أبو حازم عنه .
وله طريق أخرى
أخرجها د ( 72 ) عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة في هذا الخبر
قال :
( تحولوا عن
مكانكم الذي أصابتكم فيه الغفلة ) . قال :
فأمر بلالا
فأذن وأقام وصلى .
وسنده صحيح
على شرطهما .
وله طريق ثالث
بلفظ : ( هذا منزل به شيطان ) . طحا ( 234 ) .
6 - ويصليها كما
كان يصليها كل يوم بأذان وإقامة ويجهر فيها إن كانت جهرية ويصلي معها السنة .
قال أبو قتادة
في حديثه الطويل في نومهم عن صلاة الصبح :
ثم أذن بلال
بالصلاة فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين ثم صلى الغداة فصنع كما يصنع كل
يوم .
أخرجه مسلم من
طريق سليمان بن المغيرة كما سبق .
ونحوه حديث
أبي هريرة : فأمر بلالا فأذن وأقام وصلى .
وفي رواية :
فتوضأ ثم سجد سجدتين ثم أقيمت الصلاة فصلى الغداة . وقد تقدمنا قريبا .
وفي الباب عن
ذي مخمر الحبشي - وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - في هذه القصة :
فأمر بلالا فأذن ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم فصلى الركعتين قبل الصبح وهو غير
عجل ثم أمره فأقام الصلاة فصلى وهو على غير عجل فقال له قائل : يا نبي الله أفرطنا
؟ قال :
( لا قبض الله
عز وجل أرواحنا وقد ردها إلينا وقد صلينا ) .
أخرجه حم (
4/90 - 91 ) ود ( 73 ) دون قوله : فقال له قائل . . . إلخ . من طريق حريز بن عثمان
: ثني يزيد بن صبح - وقيل : ابن صليح - عنه .
وهذا إسناد
حسن .
وعن ابن مسعود
قال :
أقبلنا مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (
من يكلؤنا ؟ ) فقال بلال : أنا فناموا حتى طلعت الشمس فاستيقظ النبي صلى الله عليه
وسلم فقال : ( افعلوا كما كنتم تفعلون ) . قال : ففعلنا . قال : ( فكذلك فافعلوا
لمن نام أو نسي ) .
د ( 73 - 74 )
وطحا ( 269 - 270 ) من طريق جامع بن شداد عن عبد الرحمن بن علقمة عنه . وهذا سند
صحيح .
7 - وأما من أخرج
صلاة عن وقتها متعمدا غير قاصد للجمع فلا يشرع له قضاؤها ولا يعذر عليه أبدا لأنه
كان الناسي للصلاة أو النائم عنها - وهما معذوران شرعا - ليس عليهما إلا الإتيان
بها فورا حين التذكر - وهو وقتها - فأين الوقت بالنسبة إلى المتعمد ؟
لقوله عليه
الصلاة والسلام : ( من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله ) فما فات لا سبيل
إلى إدراكه البتة ولو أمكن أن يدرك لما سمي فائتا . انظر ( الصلاة ) لابن القيم .
وهو مذهب داود
الظاهري وكذا ابن حزم وقد أطال في تقرير ذلك بما لم يسبق إليه وقال : وممن قال
بقولنا في هذا عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وسعد ابن أبي وقاص وسلمان ( صاحب رسول
الله صلى الله عليه وسلم ) وابن مسعود والقاسم بن محمد بن أبي بكر وبديل العقيلي ومحمد
بن سيرين ومطرف بن عبد الله وعمر بن عبد العزيز وغيرهم . وبه قال الحسن البصري :
إذا ترك الرجل صلاة واحدة متعمدا فإنه لا يقضيها . ( الصلاة ) ( 107 ) .
ثم قال : ما
نعلم لمن ذكرنا من الصحابة رضي الله عنه مخالفا منهم . راجع ( المحلى ) ( 2/235 -
244 ) .
واختار هذا
شيخ الإسلام ابن تيمية فقال في ( الاختيارات ) ( ص 19 ) :
( وتارك الصلاة
عمدا لا يشرع له قضاؤها ولا تصح منه بل يكثر من التطوع وكذا الصوم وهو قول طائفة
من السلف كأبي عبد الرحمن صاحب الشافعي وداود وأتباعه وليس في الأدلة ما يخالف هذا
بل يوافقه وأمره عليه السلام المجامع بالقضاء ضعيف لعدول البخاري ومسلم عنه ) .
ومال إليه
الشوكاني فقال في قوله عليه الصلاة والسلام : ( من نسي صلاة . . . ) الحديث :
( تمسك بدليل
الخطاب من قال : إن العامد لا يقضي الصلاة لأن انتفاء الشرط يستلزم انتفاء المشروط
فيلزم منه أن من لم ينس لا يصلي وإلى ذلك ذهب داود وابن حزم وبعض اصحاب الشافعي
وحكاه في ( البحر ) عن ابني الهادي والأستاذ ورواية عن القاسم والناصر قال ابن
تيمية ( شيخ الإسلام ) : والمنازعون لهم ليس لهم حجة قط يرد إليها عند التنازع
وأكثرهم يقولون : لا يجب القضاء إلا بأمر جديد وليس معهم هنا أمر ونحن لا ننازع في
وجوب القضاء فقط بل تنازع في قبول القضاء منه وصحة الصلاة في غير وقتها ) . وأطال
البحث في ذلك وأختار ما ذكره داود ومن معه . والأمر كما ذكره فإني لم أقف مع البحث
الشديد للموجبين للقضاء على العامد - وهم من عدا من ذكرنا - على دليل ينفق في سوق
المناظرة ويصلح للتعويل عليه في مثل هذا الأصل العظيم إلا حديث : ( فدين الله أحق
أن يقضى ) باعتبار ما يقتضيه اسم الجنس المضاف من العموم ولكنهم لم يرفعوا إليه
رأسا وأنهض ما جاءوا به في هذا المقام قولهم : إن الأحاديث الواردة بوجوب القضاء
على الناسي يستفاد من مفهوم خطابها وجوب القضاء على العامد لأنها من باب التنبيه
بالأدنى على الأعلى فتدل بفحوى الخطاب وقياس الأولى على المطلوب . وهذا مردود لأن
القائل بأن العامد لا يقضي لم يرد أنه أخف حالا من الناسي بل بإن المانع من وجوب
القضاء على العامد أنه لا يسقط الإثم عنه فلا فائدة فيه فيكون إتبانه مع عدم النص
عبثا بخلاف الناسي والنائم فقد أمرهما الشارع بذلك وصرح بأن القضاء لا كفارة لهما
سواه . اه .
وأما الحديث
الذي احتج به للقائلين بالقضاء : ( فدين الله أحق أن يقضى ) . فلم يجب عنه بشيء
مطلقا ولذلك قال : ( عن المقام من المضايق ) ولام من قال : إن باب القضاء ركب على
غير أساس ليس فيه كتاب ولا سنة ونسبه من أجل ذلك إلى التفريط لعجزه عن الإجابة عن
الحديث المشار إليه وقد سبقه إلى هذا الاستدلال ابن عبد البر . وقد أجاب عنه ابن
القيم رحمه الله في رسالة ( الصلاة ) بما لا يدع مجالا للشك مطلقا أن الحديث لا
يدل لذلك .
وخلاصته أن
الحديث إنما قاله صلى الله عليه وسلم في حق المعذروين لا المفرط ونحن نقول إن مثل
هذا الدين يقبل القضاء وأيضا فهذا إنما قاله عليه السلام في النذر المطلق الذي ليس
له وقت محدود الطرفين وفي الحج الذي لا يفوت وقته إلا بنفاد العمر . راجع ( ص 109
- 110 ) من الرسالة المذكورة وقد بسط القول في النزاع حول هذا المسألة وأطال بما
لا مزيد عليه وذكر أدلة الفريقين تحقيقا وتعقيبا بما لا يوجد في كتاب فراجعه ( 85
- 122 ) .
8 - ولو نسي
صلاتين فأكثر يصليهما على الترتيب ثم يصلي الصلاة الحاضرة كذلك فعل رسول الله صلى
الله عليه وسلم في غزوة الخندق وقد شغل عنهن بالحرب .
قال أبو سعيد
الخدري رضي الله عنه :
حبسنا يوم
الخندق حتى ذ هب هوي من الليل حتى كفينا وذلك قول الله تعالى : ( وكفى الله
المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا ( [ الأحزاب/25 ] فدعا رسول الله صلى الله
عليه وسلم بلالا فأمره فأقام فصلى الظهر وأحسن كما كان يصليها في وقتها ثم أقام
للعصر فصلاها كذلك ثم أقام للمغرب فصلاها كذلك ثم أقام للعشاء فصلاها كذلك وذلك
قبل أن ينزل في صلاة الخوف : ( فإن خفتم فرجالا أو ركبانا ( [ البقرة/239 ] .
أخرجه ن ( 107
) وعنه ابن حزم ( 3/124 ) مي ( 358 ) والشافعي في ( الأم ) ( 1/75 ) والطحاوي (
190 ) والبيهقي ( 1/402 ) والطيالسي ( 295 ) وحم ( 3/25 و49 و67 - 68 ) من طرق عن
ابن أبي ذئب عن المقبري عن عبد الرحمن ابن أبي سعيد الخدري عن أبيه به . والسياق
لأحمد .
وهذا إسناد
صحيح على شرط مسلم .
وأخرجه أيضا
ابن خزيمة وابن حبان في ( صحيحيهما ) وصححه ابن الشكن كما في ( التلخيص ) ( 3/149
) وقال ابن سيد الناس :
( وهذا إسناد
صحيح جليل ) كما في ( النيل ) ( 2/26 )
وله شاهد من
حديث ابن مسعود أخرجه ن ( 102 و107 ) ت ( 1/337 ) طيا ( 44 ) حم ( 1/375 و423 )
والطبراني في ( الكبير ) والبيهقي ( 2/219 - 220 ) من طريق أبي الزبير عن نافع بن
جبير بن مطعم عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عنه نحوه . وسيأتي لفظه في
المسألة الثامنة في الأذان .
وهذا سند
منقطع وقال الترمذي :
( ليس بإسناده
بأس إلا أبا عبيدة لم يسمع من عبد الله ) .
وله شاهد إلا
أبا عبيدة لم يسمع من عبد الله ) .
وله شاهد آخر
مختصر من حديث جابر متفق عليه وأخرجه البيهقي .
وقد اختلف
العلماء في وجوب الترتيب بين الفوائت فنفاه الشافعية وقالوا : إنه يستحب . وبه قال
طاوس والحسن البصري ومحمد بن الحسن وأبو ثور وداود .
وقال أبو
حنيفة ومالك : يجب ما لم تزد الفوائت على صلوات يوم وليلة فقالا : فإن كان في
حاضرة فذكر في أثنائها أن عليه فائتة بطلت الحاضرة ويجب تقديم الفائتة ثم يصلي
الحاضرة .
وقال زفر
وأحمد : الترتيب واجب قلت الفوائت أم كثرت . قال أحمد : ولو نسي الفوائت صحت
الصلوات التي يصلي بعدها قال أحمد وإسحاق : ولو ذكر فائتة وهو في حاضرة تمم التي
هو فيها ثم قضى الفائتة . ثم يجب إعادة الحاضرة .
واحتج لهم
بحديث عن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من نسي صلاة
فلم يذكرها إلا وهو مع الإمام فإذا فرغ من صلاته فليعد الصلاة التي نسي ثم ليعد
الصلاة التي صلاها مع الإمام ) .
وهذا حديث
ضعيف ضعف موسى بن هارون الحمال ( بالحاء ) الحافظ وقال أبو زرعة الرازي ثم البيهقي
: ( الصحيح أنه موقوف ) كذا في ( المجموع ) ( 3/70 - 71 ) ثم قال :
( واحتج أصحابنا
بأحاديث ضعيفة أيضا والمعتمد في المسألة أنها ديون عليه فلا يجب ترتيبها إلا بدليل
ظاهر وليس لهم دليل ظاهر ولأن من صلاهن بغير ترتيب فقد فعل الصلاة التي أمر بها
فلا يلزمه وصف زائد بغير دليل ظاهر والله أعلم ) .
6 - الأذان
1 - كانوا قبل ذلك
ينادي بعضهم بعضا إذا حان وقت الصلاة وذلك بإشارة من عمر رضي الله عنه وأمره صلى
الله عليه وسلم بذلك .
قال عبد الله
بن عمر رضي الله عنهما :
كان المسلمون
حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحينون الصلوات وليس ينادي بها أحد فتكلموا يوما في
ذلك فقال بعضهم : اتخذوا ناقوسا مثل ناقوس النصارى وقال بعضهم : قرنا مثل قرن
اليهود فقال عمر : أو لا تبعثون رجلا ينادي بالصلاة ؟ قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم :
( يا بلال قم
فناد بالصلاة ) .
خ م ن ت وقال
: حسن صحيح قط ( 88 ) حم ( 2/148 ) ابن جريج أخبرني نافع عنه .
قال في (
المجموع ) ( 3/76 ) :
( هذا النداء
دعاء إلى الصلاة غير الأذان كان قبل شرعة الأذان ) .
وقال معاذ بن
جبل رضي الله عنه : أحيلت الصلاة ثلاثة أحوال . . فإن النبي صلى الله عليه وسلم
قدم المدينة وهو يصلي سبعة عشر شهرا إلى بيت المقدس ثم إن الله أنزل عليه : ( قد
نرى تقلب وجهك في السماء . . . . ( الآية [ البقرة/144 ] قال : فوجهه الله إلى مكة
قال : فهذا حول .
قال : وكانوا
يجتمعون للصلاة ويؤذن بها بعضهم بعضا حتى نقسوا أو كادوا ينقسون قال : ثم إن رجلا
من الأنصار يقال له : عبد الله بن زيد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا
رسول الله إني رأيت فيما يرى النائم ولو قلت : إني لم أكن نائما لصدقت إني بينا
أنا بين النائم واليقظان إذ رأيت شخصا عليه ثوبان أخضران فاستقبل القبلة فقال :
الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن أن لا إله إلا الله مثنى
مثنى حتى فرغ من الأذان ثم أمهل ساعة قال : ثم قال مثل الذي قال غير أنه يزيد في
ذلك : قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( علمها بلالا
فليؤذن بها ) فكان بلال أول من أذن بها .
قال : وجاء
عمر بن الخطاب فقال : يا رسول الله قد طاف بي مثل الذي طاف به غير أنه سبقني فهذان
حولان . الحديث .
أخرجه أحمد (
5/246 ) وأبو داود ( 82 ) عن المسعودي : ثني عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي
ليلة عنه .
وروى قطعة منه
مما يتعلق بالصيام الحاكم ( 2/224 ) من هذا الوجه وقال : ( صحيح ) . ووافقه الذهبي .
قلت :
المسعودي كان قد اختلط لكن قد تابعه شعبة عن عمرو 11 نحوه . أخرجه أبو داود أيضا
083 ) ويأتي لفظه في المسألة ( 13 ) فهو بهذه المتابعة صحيح .
قوله : نقسوا
. في النهاية : النقس : الضرب بالناقوس وهي خشبة طويلة تضرب بخشبة أصغر منها
والنصارى يعلمون بها أوقات صلاتهم .
2 - ثم شرع الأذان
بتعليم الملك لعبد الله بن زيد بن عبد ربه إياه في الرؤيا وبقوله عليه السلام : (
إنها لرؤيا حق إن شاء الله ) .
قال عبد الله
بن زيد : لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناقوس ليضرب به للناس في الجمع
للصلاة طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوسا في يده فقلت له : يا عبد الله أتبيع
الناقوس ؟ فقال : ما تصنع به . قال : فقلت : ندعو به إلى الصلاة قال : أفلا أدلك
على ما هو خير من ذلك ؟ قال : فقلت : بلى قال : تقول : الله أكبر الله أكبر الله
أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله لا الله أشهد أن محمدا
رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي
على الفلاح الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله . ثم استأخر غير بعيد ثم قال :
تقول إذا أقيمت الصلاة : الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن
محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الفلاح قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله
أكبر الله أكبر لا إله إلا الله . فلما أصبحت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأخبرته بما رأيت فقال :
( إنها لرؤيا حق
إن شاء الله فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن به فإنه أندى صوتا منك ) .
قال : فقمت مع
بلال فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به قال : فسمع بذلك عمر بن الخطاب وهو في بيته فخرج
يجر رداءه يقول : والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل الذي أري . قال : فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : ( فلله الحمد ) .
أخرجه أبو
داود ( 81 ) والدارمي ( 268 - 269 ) وابن ماجه ( 239 - 240 ) والترمذي مختصرا (
359 ) وأحمد ( 4/43 ) والسياق له وعنه الدارقطني ( 89 ) وابن خزيمة وابن حبان كما
في ( الفتح ) ( 2/61 - 62 ) من طريق محمد بن إسحاق قال : ثني محمد بن إبراهيم بن
الحارث التيمي عن محمد بن عبد الله ابن زيد بن عبد ربه قال : ثني عبد الله بن زيد
به .
وهذا إسناد
جيد وقال الترمذي :
( حسن صحيح ) .
وقال النووي في ( المجموع ) ( 3/76 ) :
( إسناده صحيح )
وفي ( التلخيص ) ( 3/161 ) :
( وقد صححه
البخاري فيما حكاه الترمذي في ( العلل ) عنه وقال محمد ابن يحيى الذهلي : ليس في
أخبار عبد الله بن زيد أصح من حديث محمد ابن إسحاق عن محمد بن إبراهيم التيمي يعني
هذا لأن محمدا قد سمع من أبيه عبد الله . وقال ابن خزيمة في ( صحيحه ) : هذا حديث
صحيح ثابت من جهة النقل لأن محمدا سمع من أبيه عبد الله . وقال ابن خزيمة في (
صحيحه ) : هذا حديث صحيح ثابت من جهة النقل لأن محمدا سمع من أبيه وابن إسحاق سمع
من التيمي وليس هذا مما دلسه ) .
ولابن إسحاق
فيه إسناد آخر أخرجه أحمد ( 4/42 - 43 ) عنه قال : وذكر محمد بن مسلم الزهري عن
سعيد بن المسيب عن عبد الله بن زيد بن عبد ربه قال : لما أجمع رسول الله صلى الله
عليه وسلم أن يضرب بالناقوس يجمع للصلاة الناس وهو له كاره لموافقة النصارى طاف بي
من الليل طائف وأنا نائم رجل عليه ثوبان أخضران وفي يده ناقوس يحمله قال : فقلت له
: يا عبد الله أتبيع الناقوس . . . الحديث نحوه . وزاد في آخره : فكان بلال مولى
أبي بكر يؤذن بذلك ويدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة قال : فجاء
فدعاه ذات غداة إلى الفجر فقيل له : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نائم قال :
فصرخ بلال بأعلى صوته : الصلاة خير من النوم قال سعيد بن المسيب : فأدخلت هذه
الكلمة في التأذين إلى صلاة الفجر .
وهذا سند جيد
أيضا وابن إسحاق وإن كان لم يصرح بسماعه من الزهري فقد تابعه عليه جمع . قال
الحاكم ( 3/336 ) :
( وحديث الزهري
عن سعيد بن المسيب مشهور رواه يونس بن يزيد ومعمر ابن راشد وشعيب بن أبي حمزة
ومحمد بن إسحاق وغيرهم ) .
قال الشوكاني
( 2/31 ) :
( ومتابعة هؤلاء
لمحمد بن إسحاق عن الزهري ترفع احتمال التدليس الذي يحتمله عنعنة ابن إسحاق ) .
وللحديث شاهد
من حديث أبي عمير بن أنس عن عمومة له من الأنصار قال : اهتم النبي صلى الله عليه
وسلم للصلاة كيف يجمع الناس لها فقيل له : انصب راية عند حضور الصلاة فإذا رأوها
أذن بعضهم بعضا فلم يعجبه ذلك قال : فذكر له القنع يعني الشبور وفي رواية : شبور
اليهود فلم يعجبه ذلك وقال : ( هو من أمر اليهود ) قال : فذكر له الناقوس فقال : (
هو من أمر النصارى ) . فانصرف عبد الله بن زيد وهو مهتم لهم رسول الله صلى الله
عليه وسلم فأري الأذان في منامه قال : فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأخبره فقال له : يا رسول الله إني لبين نائم ويقظان إذ أتاني آت فأراني الأذان .
قال : وكان عمر قد رآه قبل ذلك فكتمه عشرين يوما قال : ثم أخبر النبي صلى الله
عليه وسلم فقال له : ( ما منعك أن تخبرني ؟ ) فقال : سبقني عبد الله بن زيد
فاستحييت . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا بلال قم فانظر ما يأمرك به
عبد الله بن زيد فافعله ) قال : فأذن بلال .
أخرجه أبو
داود ( 80 - 81 ) عن هشيم بن أبي بشر عنه .
وهذا سند صحيح
كما قال الحافظ في ( الفتح ) ( 2/64 ) .
3 - وهو فرض كفاية :
قال عليه
الصلاة والسلام لمالك بن الحويرث : [ 116 ]
( ارجعوا إلى
أهليكم فأقيموا فيهم وعلموهم ومروهم وصلوا كما رأيتموني أصلي فإذا حضرت الصلاة
فليؤذن أحدكم وليؤمكم أكبركم ) .
وعن عمرو بن
سلمة الجرمي عن أبيه وكان وافد قومه على النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال له : ( صلوا صلاة كذا في حين كذا وصلوا صلاة كذا في حين
كذا فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكثركم قرآنا ) .
أخرجهما
البخاري ( 2/87 و89 و239 و10/359 و13/198 - 199 ) ومسلم ( 1/134 ) والنسائي (
2/105 ) وقط ( 101 ) والدارمي ( 1/286 ) وأحمد ( 3/436 و5/53 ) من طريق أبي قلابة
عن مالك بن الحويرث والطحاوي في ( المشكل ) ( 2/296 ) .
وقال عليه
الصلاة والسلام : ( ما من ثلاثة في قرية لا يؤذن ولا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ
عليهم الشيطان فعليك بالجماعة فإن الذئب يأكل القاصية ) .
أخرجه أحمد (
5/196 و6/446 ) من طريق وكيع : ثني زائدة بن قدامة : ثني السائب بن حبيش الكلاعي
عن معدان بن أبي طلحة اليعمري قال : قال لي أبو الدرداء : أين مسكنك ؟ قال : قلت :
في قرية دون حمص قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : . . . . فذكره .
وهذا سند حسن .
وقد رواه د ن
مس دون ذكر التأذين . انظر تعليقنا على ( الترغيب ) ( 1/156 ) . وله في ( المسند )
( 6/445 - 446 ) طريق آخر .
ولو لم يكن
إلا استحلال رسول الله صلى الله عليه وسلم دماء من لم يسمع عندهم أذانا وأموالهم
وسبيهم لكفى في وجوب فرض ذلك كما قال ابن حزم ( 3/125 ) وهو يشير بذلك إلى حديث
أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا غزا قوما لم يغز
بنا ليلا حتى يصبح فإن سمع أذانا كف عنهم وإن لم يسمع أذانا أغار عليهم .
خ في الأذان
وحم ( 3/159 و206 و236 و237 ) من طرق عن حميد عنه . ورواه مسلم ( 2/3 - 4 )
والترمذي ( 1 - 305 طبع بولاق ) وصححه والدارمي ( 2/217 ) والطيالسي ( 271 ) وحم (
3/132 و229 ) من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس به وزادوا إلا الدارمي
والطيالسي : فاستمع ذات يوم فسمع رجلا يقول : الله أ كبر الله أكبر فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : ( على الفطرة ) فقال : أشهد أن لا إله إلا الله فقال : (
خرجت من النار ) . وزاد مسلم : فنظروا فإذا هو راعي معزى .
وله شاهد من
قوله عليه الصلاة والسلام بلفظ : ( إذا رأيتم مسجدا أو مناديا فلا تقتلوا أحدا ) .
أخرجه الترمذي
( 1/292 طبع بولاق ) وأحمد ( 3/448 ) من طريق ابن عيينة عن عبد الملك بن نوفل بن
مساحق عن ابن عصام المزني عن أبيه - وكانت له صحبة - قال :
كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم إذا بعث جيشا أو سرية يقول لهم . . . فذكره . وقال الترمذي : (
حديث حسن ) .
كذا قال .
وابن عصام لا يعرف حاله كما في ( التقريب ) .
والقول
بفرضيته - كما ذكرنا - هو قول أحمد ووجه للشافعية وبه قال داود الظاهري وأصحابه
وزاد عليهم ابن حزم ( 3/122 - 125 ) فجعله شرطا لصحة الصلاة لا تصح إلا به وهو غير
ظاهر . وقد سئل ابن تيمية عن الأذان : هل هو فرض أم سنة ؟ فأجاب بقوله : ( الصحيح
أن الأذان فرض على الكفاية فليس لأهل مدينة ولا قرية أن يدعوا الأذان والإقامة
وهذا هو المشهور من مذهب أحمد وغيره وقد أطلق طوائف من العلماء أنه سنة ثم من
هؤلاء من يقول إذا اتفق أهل بلد على تركه قوتلوا والنزاع مع هؤلاء قريب من النزاع
اللفظي فإن كثيرا من العلماء يطلق القول بالسنة على ما يذم تاركه شرعا ويعاقب
تاركه شرعا . وأما من زعم أنه سنة لا إثم على تاركه ولا عقوبة فهذا القول خطأ فإن
الأذان هو شعار دار الإسلام الذي ثبت في ( الصحيح ) أن النبي صلى الله عليه وسلم
كان يعلق استحلال أهل الدار بتركه ) . ثم ذكر حديث أنس وحديث أبي الدرداء ثم قال :
( وقد قال تعالى : ( استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا
إن حزب الشيطان هم الخاسرون ( [ المجادلة/ 19 ] ) ( الفتاوى ) ( 1/67 - 68 ) و(
4/20 ) وانظر ( المجموع ) ( 3/82 ) .
4 - وقد جاء في صفته
ثلاثة أنواع :
الأول :
ألفاظه تسع عشرة كلمة : الله 1 أكبر الله 2 أكبر الله 3 أكبر الله 4 أكبر ( أربع
مرات ) أشهد 5 أن لا إله إلا الله أشهد 6 أن لا إله إلا الله أشهد 7 أن محمدا رسول
الله أشهد 8 أن محمدا رسول الله ( يخفض بهما صوته مرتين . ثم يرفع صوته فيعود
ويقول - وهو الترجيع - ) أشهد 9 أن لا إله إلا الله أشهد 10 أن لا إله إلا الله
أشهد 11 أن محمدا رسول الله أشهد 12 أن محمدا رسول الله حي 13 على الصلاة حي 14
على الصلاة حي 15 على الفلاح حي 16 على الفلاح الله 17 أكبر الله 18 أكبر لا إله
19 إلا الله .
وهو من حديث
أبي محذورة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه الأذان تسع عشرة كلمة
والإقامة سبع عشرة كلمة .
أخرجه أبو
داود ( 82 ) والنسائي ( 103 ) والترمذي ( 367 ) والدارمي ( 271 ) وابن ماجه ( 242
- 243 ) والطحاوي ( 1/78 ) والدارقطني ( 87 و88 ) وابن حزم ( 3/150 ) والطيالسي (
193 ) وأحمد ( 3/409 و6/401 ) كلهم من طريق همام : ثنا عامر الأحول : ثني مكحول :
أن عبد الله بن محيرز حدثه عنه به .
وزاد أبو داود
وابن ماجه والدارقطني والطحاوي وأحمد وابن حزم فذكروا ألفاظ الأذان . ومن الغريب
أن أحدا منهم عدا قط وابن حزم وطحا لم يبلغوا بألفاظه التسع عشرة كلمة كما هو نص
الحديث فأبو داود لم يذكر الترجيع فكلماته سبع عشرة وابن ماجه لم يذكر شهادة أن لا
إله إلا الله في الترجيع إلا مرة واحدة فكلماته ثمان عشرة وأحمد لم يذكر التكبير
في أوله إلا مرتين فكلماته سبع عشرة أيضا . ثم قال الترمذي : ( هذا حديث حسن صحيح ) .
وهو على شرط
مسلم وقد أخرجه في ( صحيحه ) كما يأتي قريبا ورواه ابن خزيمة في ( صحيحه ) ولفظه :
( فعلمه الأذان والإقامة مثنى مثنى ) .
وكذلك رواه
ابن حبان في ( صحيحه ) قال في ( الإمام ) : وهذا السند على شرط الصحيح وهمام بن
يحيى احتج به الشيخان وعامر بن عبد الواحد احتج به مسلم كما في ( نصب الراية ) (
1/268 ) وقال الحافظ في ( التلخيص ) ( 3/164 ) : ( وتكلم البيهقي عليه بأوجه من
التضعيف رده ابن دقيق العيد في لإمام وصحح الحديث ) .
ثم أخرج
الحديث الدارمي : أخبرنا سعيد بن عامر عن همام به بلفظ : ( أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم أمر نحوا من عشرين رجلا فأذنوا فأعجبه صوت أبي محذورة فعلمه الأذان ) .
قلت : فذكره
بتسع عشرة كلمة ثم قال : والإقامة مثنى مثنى . وسنده صحيح أيضا على شرط مسلم وقد
أخرجه في ( صحيحه ) ( 2/3 ) من طريق معاذ بن هشام : ثني أبي عن عامرالأحول به : أن
نبي الله صلى الله عليه وسلم علمه هذا الأذان : الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا
إله إلا اله أشهد أن لا إله لا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول
الله ثم يعود فيقول : أشهد أن لا إله إلا اله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن
محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله . . . والباقي مثله .
هكذا وقع في (
صحيح مسلم ) : الله أكبر الله أكبر مرتين فقط .
وقد أخرجه
النسائي ( 1/103 ) : أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال : أنبأنا معاذ بن هشام به إلا
أنه ذكر التكبير في أوله : أربعا .
وإسحاق هذا هو
أحد شيخي مسلم في هذا الحديث والآخر هو أبو غسان المسمعي مالك بن عبد الواحد ولعله
هو الذي رواه بتثنية التكبير دون إسحاق فقد رواه بالتربيع كما في النسائي .
وكذلك رواه
أبو نعيم في ( المستخرج ) والبيهقي من طريق إسحاق بن إبراهيم عن معاذ بن هشام
بسنده وفيه تربيع التكبير .
وكذلك أخرجه
أبو عوانة في ( مستخرجه ) من طريق علي بن المديني عن معاذ .
ولذلك قال ابن
القطان : ( الصحيح في هذا تربيع التكبير وبه يصح كون الأذان تسع عشرة كلمة وقد قيد
بذلك في نفس الحديث . قال : وقد يقع في بعض روايات مسلم بتربيع التكبير وهي التي
ينبغي أن تعد في الصحيح ) . انتهى من ( التلخيص ) ( 3/160 ) .
وللحديث طريق
أخرى عن ابن محيريز . رواه ابن جريج قال : ثني عبد العزيز ابن عبد الملك بن أبي
محذورة أن عبد الله بن محيريز أخبره - وكان يتيما في حجر أبي محذورة حين جهزه إلى
الشام - قال : قلت لأبي محذورة : إني خارج إلى الشام وأخشى أن أسأل عن تأذينك .
فأخبرني أن أبا محذورة قال له : خرجت في نفر فكنا ببعض طريق حنين مقفل رسول الله
صلى الله عليه وسلم من حنين فلقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الطريق
فأذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم
فسمعنا صوت المؤذن ونحن عنه متنكبون فظللنا نحكيه ونهزأ به فسمع رسول الله صلى
الله عليه وسلم الصوت فأرسل إلينا حتى وقفنا بين يديه فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : ( أيكم سمعت صوته قد ارتفع ) فأشار القوم إلي وصدقوا فأرسلهم كلهم
وحبسني فقال : ( قم فأذن بالصلاة ) فقمت فألقى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم
التأذين هو بنفسه قال : ( قل : الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن
لا إله إلا اله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا
رسول الله ) ثم قال : ( ارجع فامدد صوتك ) ثم قال : ( قل : أشهد أن لا إله إلا
الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله حي
على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح الله أكبر الله أكبر لا إله
إلا الله ) . ثم دعاني حين قضيت التاذين فأعطاني صرة فيها شيء من فضة فقلت : يا
رسول الله مرني بالتأذين بمكة فقال : ( قد أمرتك به ) فقدمت على عتاب بن أسيد عامل
رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فأذنت معه بالصلاة عن أمر رسول الله صلى الله
عليه وسلم .
النسائي ( 103
- 104 ) والسياق له وعنه ابن حزم ( 3/151 ) وابن ماجه ( 241 - 242 ) والطحاوي ( 78
) والدارقطني ( 86 ) حم ( 3/409 ) وزادا إلا النسائي في آخره : وأخبرني ذلك من
أدركت من أهلي ممن أدرك أبا محذورة على نحو ما أخبرني عبد الله بن محيريز . ورواه
أبو داود ( 82 - 83 ) مختصرا مقتصرا على إلقاء التأذين عليه فقط . وكلهم ساقوه
بتربيع التكبير في أوله إلا الطحاوي وأحمد فوقع عندهم بتثنيته فقط .
وكذلك رواه
نافع بن عمر الجمحي عن عبد الملك بن أبي محذورة أخبره عن عبد الله بن محيريز
الجمحي عن أبي محذورة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمه الأذان يقول : الله
أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله . . . ثم ذكر مثل أذان حديث ابن جريج عن
عبد العزيز بن عبد الملك ومعناه .
أخرجه أبو داود
( 83 ) .
وعبد العزيز
بن عبد الملك وأبوه مقبولان كما في ( التقريب ) فالإسناد حسن فإن الظاهر أن كلا
منهما رواه ابن محيريز .
ورواه
الدارقطني ( 89 ) من طريق الشافعي : قال : وأدركت إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد
الملك بن أبي محذورة يؤذن كما حكى ابن محيريز وسمعته يحدث عن أبيه عن ابن محيريز
عن أبي محذورة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى ما حكى ابن جريج وسمعته يقيم :
الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على
الصلاة حي على الفلاح قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله
إلا الله .
ولابن جريج
فيه إسناد آخر عن أبي محذورة قال : ثني عثمان بن السائب مولاهم عن أبيه السائب
مولى أبي محذورة وعن أم عبد الملك بن أبي محذورة أنهما سمعاه من أبي محذورة قال
أبو محذورة : خرجت في عشرة فتيان مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو أبغض الناس إلينا
فأذنوا فقمنا نؤذن نستهزئ بهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ائتوني بهؤلاء
الفتيان ) فقال : ( أذنوا ) فأذنوا فكنت أحدهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (
نعم هذا الذي سمعت صوته اذهب فأذن لأهل مكة ) فمسح على ناصيته وقال : ( قل : الله
أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا اله ( مرتين ) أشهد أن
محمدا رسول الله ( مرتين ) ثم ارجع فاشهد أن لا إله إلا الله ( مرتين ) وأشهد أن
محمدا رسول الله ( مرتين ) حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على
الفلاح ( مرتين ) الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله .
وإذا أذنت
بالأول من الصبح فقل : الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم . وإذا أقمت فقلها
مرتين : قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة . أسمعت ؟ ) . قال : وكان أبو محذورة لا
يجز ناصيته ولا يفرقها لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح عليها .
أخرجه أحمد (
3/408 ) والسياق له وأبو داود ( 82 ) والنسائي ( 104 ) والطحاوي ( 78 ) و( 80 - 82
) والدارقطني ( 86 ) عنه . إلا أن الطحاوي ذكر التكبير في أوله مرتين فقط لا اربعا
وهو رواية لأحمد .
وإسناده مقبول
. وأخرجه الفاكهي في ( تاريخ مكة ) ( ص 12 - 13 ) مع التربيع .
وله عن أبي
محذورة طريق ثالث رواه الحارث بن عبيد عن محمد بن عبد الملك عن أبي محذورة عن أبيه
عن جده قال :
قلت : يا رسول
الله علمني سنة الأذان . قال : فمسح مقدم رأسي وقال :
( تقول : الله
أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر ترفع بها صوتك ثم تقول : أشهد أن لا إله إلا
الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله
تخفض بها صوتك ثم ترفع صوتك بالشهادة : أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله
إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على
الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ) .
أخرجه أبو
داود ( 81 - 82 ) وأحمد ( 3/408 - 409 ) إلا أنه ذكر التكبير مرتين في أوله .
وإسناده مقبول أيضا .
وأخرجه
الترمذي ( 1/366 ) واللفظ له والنسائي ( 103 ) من طريق بشر ابن معاذ : ثنا إبراهيم
بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة قال : أخبرني أبي وجدي جميعا عن أبي
محذورة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقعده وألقى عليه الأذان حرفا حرفا قال
إبراهيم : مثل أذاننا قال بشر : فقلت له : أعد علي فوصف الأذان بالترجيع .
وهذا سند حسن
وقال الترمذي ( حديث أبي محذورة في الأذان حديث صحيح وقد روي عنه من غير وجه ) .
وأخرجه
الدارقطني ( 87 ) عن الحميدي : ثنا أبو إسماعيل إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد
الملك بن أبي محذورة قال : سمعت جدي عبد الملك بن أبي محذورة يحدث عن أبيه أبي
محذورة به نحوه .
وهذا الأذان
هو أذان أهل مكة وهو قول الشافعي كما قال الترمذي واختاره ابن حزم ( 3/150 ) .
والنوع الثاني
ألفاظه سبع عشرة وهو مثل الأول إلا أن التكبير في أوله مرتين لا أربعا وهو رواية
لمسلم وغيره كمالك في ( المدونة ) ( 1/57 - 58 ) من حديث أبي محذورة ولكنها رواية
مرجوحة كما سبق إلا أن لها شواهد تدل على أن لها أصلا في السنة منها عن سعد القرظ
مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن بلالا كان يؤذن مثنى ويتشهد مضعفا يستقبل
القبلة فيقول : أشهد أن لا إله إلا الله ( مرتين ) أشهد أن محمدا رسول الله (
مرتين ) ثم يرجع فيقول : أشهد أن لا إله إلا الله ( مرتين ) أشهد أن محمدا رسول
الله ( مرتين ) حي على الصلاة ( مرتين ) حي على الفلاح ( مرتين ) الله أكبر الله
أكبر لا إله إلا الله . . . الحديث .
أخرجه
الطبراني في الصغير ( 240 - 241 ) عن هشام بن عمار : ثنا عبد الرحمن بن سعد بن
عمار بن سعد القرظ : ثني أبي عن جدي عن أبيه سعد .
وهذا سند ضعيف
فيه ضعف وجهالة كما بينته في تعليقي على ( المعجم ) . ويشهد له حديث ابن عمر رضي
الله عنه قال : كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مثنى مثنى
والإقامة واحدة غير أن المؤذن كان إذا قال : قد قامت الصلاة قال : قد قامت الصلاة
( مرتين ) .
أخرجه أحمد (
2/85 و87 ) واللفظ له والطيالسي ( 160 ) وأبو داود ( 85 ) والنسائي ( 103 )
والدارقطني ( 88 ) والحاكم ( 1/197 و198 ) والطحاوي ( 1/79 و80 ) والدارمي ( 1/270
) من طريق شعبة عن أبي جعفر المؤذن : سمعت أبا المثنى يحدث عنه به .
وهذا سند حسن
وقال النووي ( 3/95 ) : إنه إسناد صحيح وكذا قال الحاكم ووافقه الذهبي .
ورواه ابن
خزيمة وابن حبان في ( صحيحهما ) كما في ( نصب الراية ) ( 1/262 ) .
وله عند
الدارقطني طريق أخرى رواه من طريق سعيد بن المغيرة الصياد : ثنا عيسى بن يونس عن
عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر به دون قوله : غير أن . . . إلخ . قال ابن
الجوزي :
( وهذا إسناد
صحيح سعيد بن المغيرة وثقه ابن حبان وغيره ) .
قلت : وممن
وثقه أبو حاتم كما في ( التلخيص ) ( 3/159 ) ولذا قال في ( التقريب ) :
( إنه ثقة ) .
وله شاهد من
حديث سلمة بن الأكوع رواه الطبراني في ( الكبير ) وإسناده حسن كما في ( المجمع ) (
1/331 ) .
ومن حديث بلال
أنه كان يثني الأذان .
قط ( 89 )
بسند صحيح وقد أمر به في ( الصحيحين ) .
وهذا الأذان
هو أذان أهل المدينة وبه قال مالك في ( المدونة ) ( 1/57 ) .
والنوع الثالث
ألفاظه خمس عشرة وهو مثل الأول إلا أنه لا ترجيع فيه على حديث عبد الله بن زيد بن
عبد ربه . وقد تقدم . وهذا أذان الكوفيين .
وبه قال أبو
حنيفة وسفيان الثوري كما في ( المجموع ) ( 3/93 ) .
5 - ولا يشرع
الزيادة على الأذان إلا في موضعين منه :
الأول : في
الاذان الأول من الصبح خاصة فيقول بعد قوله : حي على الفلاح : الصلاة خير من النوم
الصلاة خير من النوم ( مرتين ) .
وفيه أحاديث :
الأول : عن
أبي محذورة :
أن النبي صلى
الله عليه وسلم علمه في الأذان الأول من الصبح : الصلاة خير من النوم الصلاة خير
من النوم .
أخرجه الطحاوي
( 1/82 ) عن ابن جريج قال : أخبرني عثمان بن السائب عن أم عبد الملك بن أبي محذورة
عنه . وقد مضى مطولا بلفظ : ( وإذا أذنت بالأول من الصبح فقل : الصلاة خير من
النوم الصلاة خير من النوم ) .
وله طريق أخرى
أخرجه النسائي ( 1/106 ) وأحمد ( 3/408 ) من طريق سفيان عن أبي جفعر عن أبي سلمان
عن أبي محذورة قال : كنت أؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت أقول في أذان
الفجر الأول : حي على الفلاح الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم الله أكبر
الله أكبر لا إله إلا الله .
وأبو جعفر هذا
مجهول كما في ( الخلاصة ) قال : وقيل : إنه أبو جعفر الفراء وقد وثقه أبو داود
ولعله من أجل هذا القيل صححه ابن حزم كما في ( التلخيص ) ( 3/172 ) . وقال الزركشي
في ( تخريج أحاديث الرافعي ) :
( قال ابن حزم :
وإسناده صحيح ) كما في ( سبل السلام ) ( 1/167 ) .
قلت : ولم أجد
الآن تصحيح ابن حزم هذا والحديث في كتابه ( المحلى ) وإنما أورد فيه ( 3/151 ) من
طريق وكيع عن سفيان الثوري عن أبي جعفر المؤذن عن أبي سليمان عن أبي محذورة أنه
كان إذا بلغ : حي على الفلاح في الفجر قال : الصلاة خير من النوم الصلاة خير من
النوم ) ولم يصرح بتصحيحه .
قال الشوكاني
( 2/32 ) :
( وصححه أيضا ابن
خزيمة ورواه بقي بن مخلد ) .
قلت : فيه
ملاحظتان :
الأولى : أن
قوله : ( خزيمة ) أخشى أن يكون تصحف عليه والصواب : ( حزم ) كما نقلناه عن (
التلخيص ) والزركشي .
والثانية : أن
قوله : ( ورواه بقي بن مخلد ) مفاده أنه رواه من الوجه الذي رواه النسائي وليس
كذلك بل رواه من طريق أخرى فقال - كما في ( التلخيص ) ( 3/172 ) - : ثنا يحيى بن
عبد الحميد : ثنا أبو بكر بن عياش : ثني عبد العزيز بن رفيع : سمعت أبا محذورة قال
: كنت غلاما صبيا فاذنت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر يوم حنين فلما
انتهيت إلى : حي على الفلاح قال : ( ألحق فيها : الصلاة خير من النوم ) .
قلت وقد أخرجه
الطحاوي ( 1/82 ) من طريق خالد بن يزيد : ثنا أبو بكر بن عياش به نحوه . وهذا سند
جيد .
الحديث الثاني
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال :
كان في الأذان
الأول بعد الفلاح : الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم .
أخرجه الطحاوي
( 1/82 ) من طريق سفيان عن محمد بن عجلان عن نافع عن ابن عمر به .
وهذا سند حسن
كما قال الحافظ في ( التلخيص ) ( 3/169 ) وقد عزاه إلى السراج والطبراني والبيهقي
من حديث ابن عجلان .
الحديث الثالث
: عن أنس قال :
من السنة إذا
قال المؤذن في أذان الفجر : حي على الفلاح قال : الصلاة خير من النوم الصلاة خير
من النوم ( مرتين ) .
أخرجه
الدارقطني ( 90 ) من طريق أبي أسامة : ثنا ابن عون عن محمد عنه .
ورواه ابن
خزيمة أيضا في ( صحيحه ) والبيهقي في ( سننه ) ( 1/423 ) وقال :
( إسناده صحيح ) .
ثم أخرجه
الدارقطني والطحاوي أيضا ( 1/82 ) من طريق هشيم عن ابن عون به بلفظ : كان التثويب
في صلاة الغداة إذا قال المؤذن : حي على الفلاح قال : الصلاة خير من النوم ( مرتين ) .
وهذا اللفظ
رواه ابن السكن وصححه كما في ( التلخيص ) ( 3/148 ) .
وفي الباب
أحاديث أخرى في أسانيدها ضعف فمن شاء الاطلاع عليها فليرجع إلى ( نصب الراية ) و(
التلخيص ) .
واعلم أنه لم
يرد في شيء من الروايات - فيما علمنا - التصريح بأن هذا القول : ( الصلاة خير من
النوم ) كان في الأذان الثاني للصبح بل الأحاديث على قسمين : منها ما هو صريح بأنه
في الأذان الأول كالحديث الأول والثاني . ومنها ما هو مطلق ليس فيه التقييد بالأول
أو الثاني كالحديث الثالث وغيره من الأحاديث التي لم تصح أسانيدها فتحمل هذه على
الأحاديث المقيدة كما في القواعد المقررة وعلى هذا فليس ( الصلاة خير من النوم )
من ألفاظ الأذان المشروع للدعاء إلى الصلاة والإخبار بدخول وقتها بل هو من الألفاظ
التي شرعت لإيقاظ النائم . وانظر تمام هذا الكلام في ( سبل السلام ) 0167 - 168 ) .
( تنبيه ) : عقد
الطحاوي ( 1/81 - 82 ) بابا في قول المؤذن في أذان الصبح : الصلاة خير من النوم .
ثم ذكر أن قوما كرهوا ذلك وخالفهم آخرون فاستحبوا ذلك قاك ( وهو قول أبي حنيفة
وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله ) . وهذا مخالف لما نص عليه الإمام محمد في ( موطأه )
حيث قال : ( 84 ) ( الصلاة خير من النوم يكون ذلك في نداء الصبح بعد الفراغ من
النداء ولا يجب أن يزاد في النداء ما لم يكن فيه ) فهذا صريح في أنه لا يستحب أن
يقال ذلك في أذان الصبح كما عقد له الطحاوي بل بعده . والله أعلم .
والموضع
الثاني : إذا كان برد شديد أو مطر فإنه يزيد بعد قوله : حي على الفلاح أو بعد
الفراغ من الأذان : صلوا في الرحال . أو يقول : ومن قعد فلا حرج عليه .
وفي ذلك
أحاديث :
( 1 ) عن ابن عباس
رواه عنه عبد الله بن الحارث قال :
خطبنا ابن
عباس في يوم ردغ ( مطر ) فلما بلغ المؤذن حي على الصلاة فأمره أن ينادي : الصلاة
في الرحال فنظر القوم بعضهم إلى بعض فقال : فعل هذا من هو خير منه وإنها عزمة .
خ ( 2/77 و78
) وم ( 2/148 ) وابن حزم ( 3/142 ) من طرق عنه .
ورواه أبو
داود بلفظ :
أن ابن عباس
قال لمؤذنه في يوم مطير : إذا قلت أشهد أن محمدا رسول الله فلا تقل حي على الصلاة
قل : صلوا في بيوتكم فكأن الناس استنكروا ذلك فقال : قد فعل هذا من هو خير مني إن
الجمعة عزمة وإني كرهت أن أخرجكم فتمشون في الطين والمطر .
وهو رواية
للبخاري ( 2/307 ) وكذا مسلم ورواه بنحوه ابن ماجه ( 300 ) .
( 2 ) عن ابن عمر
رواه عنه نافع قال :
أذن ابن عمر
في ليلة باردة بضجنان ( جبل بناحية مكة ) ثم قال : صلوا في رحالكم فأخبرنا أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر مؤذنا يؤذن ثم يقول على إثره : ( ألا صلوا في
الرحال ) في الليلة الباردة أو المطيرة في السفر .
أخرجه خ (
2/89 - 90 ) وم ( 2/147 ) ود ( 1/167 ) وحم ( 2/53 ) من طريق عبيد الله بن عمر عنه .
ورواه مالك (
1/94 ) وعنه محمد ( 126 ) وكذا النسائي ( 107 ) والدارمي ( 292 ) ومسلم وأبو داود
أيضا ( 2 - 4 و10 ) من طرق أخرى عن نافع نحوه .
( 3 ) عن عمرو بن
أوس قال :
أنبأنا رجل من
ثقيف أنه سمع منادي النبي صلى الله عليه وسلم - يعني في ليلة مطيرة في السفر -
يقول : حي على الصلاة حي على الفلاح صلوا في رحالكم .
أخرجه النسائي
( 106 - 107 ) وأحمد ( 5/373 ) عن عمرو بن دينار عنه .
وهذا سند صحيح
وعمرو بن أوس تابعي كبير .
( 4 ) عن نعيم بن
النحام قال :
سمعت مؤذن
النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة باردة وأنا في لحافي فتمنيت أن يقول : صلوا في
رحالكم فلما بلغ حي على الفلاح قال : صلوا في رحالكم ثم سألته عنها فإذا النبي صلى
الله عليه وسلم قد أمره بذلك .
أخرجه أحمد (
4/320 ) : ثنا عبد الرزاق : أنا معمر عن عبيد بن عمير عن شيخ سماه عنه .
وهذا سند
رجاله رجال الستة غير الشيخ الذي لم يسم .
وله طريق أخرى
عنه بلفظ آخر وهو :
( 5 ) عن نعيم أيضا
قال :
نودي بالصبح
في يوم بارد وأنا في مرط امرأتي فقلت : ليت المنادي قال : من قعد فلا حرج عليه
فنادى منادي النبي صلى الله عليه وسلم في آخر أذانه : ومن قعد فلا حرج عليه .
أخرجه أحمد
أيضا ( 5/320 ) من طريق إسماعيل بن عياش قال : ثني يحيى بن سعيد قال : أخبرني محمد
بن يحيى بن حبان عنه .
ورواه
الطبراني في ( الكبير ) إلا أنه قال :
( فلما قال :
الصلاة خير من النوم قال : ومن قعد فلا حرج عليه ) .
وإسماعيل بن
عياش ضعيف في الحجازيين وروايته هذه عنهم .
لكن رواه
الطبراني من طريق آخر رجاله رجال ( الصحيح ) كما قال في ( المجمع ) ( 2/47 ) وقد
ذكره الحافظ في ( الفتح ) ( 2/78 ) بنحو رواية ( الكبير ) وقال :
( رواه عبد
الرزاق وغيره بإسناد صحيح ) .
وبعد كتابة
هذا رجعت إلى ( المستدرك ) فرأيته قد أخرج الحديث في ( 3/259 ) من طريق عبد الرزاق
: أنا ابن جريج عن نافع عن عبد الله بن عمر عن نعيم النحام به نحوه . وقال :
( صحيح ) ووافقه
الذهبي .
قلت : وهو كما
قالا إلا أن فيه عنعنة ابن جريج وهو مدلس .
( تنبيه ) :
الرواية الثانية من الحديث الأول تدل على أن المؤذن يحذف الحيعلتين ويجعل مكانه :
الصلاة في الرحال . وقد ذهب إلى ذلك بعض المحدثين فقد بوب عليه ابن خزيمة وتبعه
ابن حبان ثم المحب الطبري : حذف حي على الصلاة في يوم المطر . وهو الذي يقتضيه
الحديث لولا أنه غير ظاهر فروي رفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإذا ثبت
رفعه كان المؤذن مخيرا بين حذفها لهذا الحديث وبين إثباتها للأحاديث الأخرى .
والله أعلم .
( 6 ) عن أبي هريرة
قال :
كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم إذا كانت ليلة باردة أو مطيرة أمر المؤذن فأذن الأذان الأول
فإذا فرغ نادى : الصلاة في الرحال أو في رحالكم .
رواه أبو أحمد
بن عدي كما في ( طرح التثريب في شرح التقريب ) ( 1/319 ) للحافظ العراقي ولم يتكلم
على إسناده بشيء .
6 - ومن السنة أن
يؤذن للصبح مرتين : إحداهما بعد طلوع الفجر كما هو في سائر الأوقات والأخرى قبل
ذلك بزمن يسير ليستيقظ النائم وينام المتهجد لحظة ليصبح نشيطا أو يتسحر من أراد
الصيام .
وفي ذلك
أحاديث :
الأول : عن
ابن عمر وله عنه طرق :
( 1 ) عن ابن شهاب
عن سالم بن عبد الله عن أبيه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
( إن بلالا يؤذن
بليل فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم ) .
أخرجه خ (
2/79 ) وم ( 3/128 - 129 ) ون ( 105 ) وت ( 2/392 ) والدارمي ( 1/270 ) والطحاوي (
1/82 ) والطيالسي ( 250 ) وأحمد ( 2/9 ) .
( 2 ) عن عبد الله
بن دينار عنه به .
أخرجه مالك (
1/95 ) وعنه محمد ( 176 - 177 ) وخ ( 2/81 ) وكذا ن ( 105 ) وطحا ( 1/82 ) وحم (
2/64 ) كلهم عن مالك عنه به .
وأخرجه حم (
2/62 و73 و79 ) والطحاوي أيضا من طرق عن عبد الله بن دينار به .
( 3 ) عن عبيد الله
بن عمر عن نافع عنه .
أخرجه خ (
2/83 و4/109 - 110 ) وم ( 3/129 ) مي ( 1/270 ) حم ( 2/57 ) من طرق عنه وزاد مسلم
: ولم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا ويرقى هذا .
الثاني : عن
عائشة رضي الله عنها مرفوعا مثل رواية عبيد الله بن عمر عند مسلم .
أخرجه الشيخان
ون ( 105 ) والدارمي ( 270 ) والطحاوي ( 82 ) وأحمد ( 6/44 و54 ) من طريق عبيد
الله بن عمر : ثنا القاسم عنها .
وله طريق أخرى
عنها مع تغاير في اللفظ والمعنى وسنذكره قريبا .
الثالث : عن
أنيسة بنت خبيب رضي الله عنها قالت :
كان بلال وابن
أم مكتوم يؤذنان للنبي صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم :
( إن بلالا يؤذن
بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتم ) فكنا نحبس ابن أم مكتوم عن الأذان
فنقول : كما أنت حتى نتسحر ولم يكن بين أذانيهما إلا أن ينزل هذا ويصعد هذا .
أخرجه
الطياسلي ( 231 ) : ثنا شعبة عن خبيب بن عبد الرحيم ثتني عمتي أنيسة به .
وهذا سند صحيح
على شرطهما .
وقد خرجه أحمد
( 6/433 ) والطحاوي ( 1/ - 82 - 83 ) من طرق عنه شعبة به بلفظ : بلال أو ابن أم
مكتوم . هكذا على الشك في الموضعين .
وهو رواية
لشعبة أيضا من رواية عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر .
أخرجه الطحاوي .
ثم أخرجه
النسائي ( 2/105 ) والطحاوي أيضا وأحمد والطبراني من طريق هشيم عن منصور بن زاذان
عن خبيب به جازما بالثاني بلفظ :
( إذا أذن ابن
أم مكتوم فكلوا واشربوا وإذا أذن بلال فلا تأكلوا ولا تشربوا ) . والسياق لأحمد
وزاد/ :
إن كانت
المرأة ليبقى عليها من سحورها فتقول لبلال : أمهل حتى أفرغ من سحوري .
وسنده صحيح
أيضا كالأول .
وكذا أخرجه
ابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان من طرق عن شعبة .
قال الحافظ (
2/81 ) :
( وادعى ابن عبد
البر وجماعة من الأئمة بأنه مقلوب وأن الصواب حديث الباب وقد كنت أميل إلى ذلك إلى
أن رأيت الحديث في ( صحيح ابن خزيمة ) من طريقين آخرين عن عائشة وفي بعض ألفاظه ما
يبعد وقوع الوهم فيه وهو قوله : إذا أذن عمرو فإنه ضرير البصر فلا يغرنكم وإذا أذن
بلال فلا يطعمن أحد ) . وأخرجه أحمد ) .
قلت : هو في (
المسند ) ( 6/185 ) هكذا : ثنا إسماعيل بن عمر قال : ثنا يونس بن أبي إسحاق عن
الأسود بن يزيد قال :
قلت لعائشة أم
المؤمنين : أي ساعة توترين ؟ لعلها قالت : ما أوتر حتى يؤذنون وما يؤذنون حتى يطلع
الفجر قالت : وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذنان : بلال وعمرو بن أم مكتوم
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( إذا أذن عمرو
فكلوا واشربوا فإنه رجل ضرير البصر وإذا أذن بلال فارفعوا أيديكم فإن بلالا لا
يؤذن - كذا قال - حتى يصبح ) .
وهذا سند
رجاله كلهم رجال مسلم إلا أنه منقطع بين يونس بن أبي إسحاق والأسود بن يزيد فإن
بين وفاتيهما ( 84 ) سنة ولعل يونس رواه عن أبيه عن الأسود فسقط من الطابع أو الراوي
ذكر أبيه ويؤيد ذلك أن الأسود بن يزيد يروي عنه أبو إسحاق هذا . والله أعلم . ثم
ذكر الحافظ وجه الجمع بين هذه الرواية وما يخالفها كما سبق فراجعه .
الرابع : عن
ابن مسعود عنه صلى الله عليه وسلم قال :
( لا يمنعن
أحدكم أو أحدا منكم أذان بلال من سحوره فإنه يؤذن أو ينادي بليل ليرجع قائمكم
ولينبه نائمكم وليس أن يقول الفجر أو الصبح ) وقال بأصابعه ورفعها إلى فوق وطأطأ
إلى أسفل حتى يقول هكذا . وقال الراوي : بسبابتيه : إحداهما فوق الأخرى ثم مدها عن
يمينه وشماله .
خ ( 2/82 - 83
) م ( 3/129 ) د ( 1/369 ) ن ( 1/105 و305 ) وابن ماجه ( 1/518 - 519 ) والطجحاوي
( 1/83 ) وأحمد ( 1/386 ) من طريق سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي عنه به
والسياق للبخاري . وقال الحافظ :
( معناه : يرد
القائم - أي المتهجد - إلى راحته ليقوم إلى صلاة الصبح نشيطا أو يكون له حاجة إلى
الصيام فيتسحر ويوقظ النائم ليتأهب لها بالغسل ونحوه ) .
7 - ويؤذن للجمع
بين الصلاتين جمع تقديم أو تأخير أذانا واحدا كذلك فعل رسول الله صلى الله عليه
وسلم في عرفة ومزدلفة .
فيه حديث جابر
الطويل في صفة حجه صلى الله عليه وسلم قال فيه : فأجاز رسول الله صلى الله عليه
وسلم حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس . . .
. أذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئا ثم ركب . . . .
حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبح بينهما .
. . . الحديث .
أخرجه بطوله
مسلم ( 4/39 - 43 ) وأصحاب السنن وغيرهم وأخرج هذا القدر منه النسائي ( 1/107 )
والطحاوي ( 1/411 ) الصلاة بمزدلفة .
وهذا مذهب أبي
حنيفة وأصحابه وهو قول الشافعي وإليه ذهب ابن حزم ( 7/125 - 129 ) قال : وصح عن
عمر رضي الله عنه الجمع بينهما بأذانين وإقامتين .
قلت : أخرجه
الطحاوي ( 1/409 ) عن الأسود :
أنه صلى مع
عمر بن الخطاب صلاتين مرتين بجمع كل صلاة بأذان وإقامة والعشاء بينهما .
وإسناده صحيح
كما قال الحافظ ( 3/413 ) .
وصح ذلك أيضا
عن ابن مسعود .
أخرجه البخاري
( 3/492 ) وابن حزم ( 7/127 ) بنحو رواية عمر وروي عن علي رضي الله عنه وهو قول
محمد بن علي بن الحسن وذكره عن أهل بيته وبه يقول مالك . قال ابن حزم :
( ولا حجة في
هذا القول من خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم 12 ولا حجة في قول عمر وابن مسعود
وعلي في ذلك لأنه قد خالفهم غيرهم من الصحابة ) قال :
( وقد روي مثل
قولنا عن ابن عمر وسالم ابنه وعطاء ) .
8 - وكذلك يوذن
للفائتة المشروعة وإن كثرت أذانا واحدا كما فعل صلى الله عليه وسلم .
فيه أحاديث :
الأول : عن
أبي قتادة في نومهم عن صلاة الصبح وفيه أنه عليه الصلاة والسلام أمر بلالا بالأذان
لها .
أخرجه مسلم
وقد سبق قبيل الأذان في المسألة ( 6 ) .
الثاني : عن
أبي هريرة مثله . وقد سبق - أيضا - هناك .
الثالث : عن
ابن مسعود : أن المشركين شغلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أربع صلوات يوم
الخندق حتى ذهب من الليل ما شاء الله فأمر بلالا فأذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام
فصلى العصر ثم أقام فصلى المغرب ثم أقام فصلى العشاء .
أخرجه الترمذي
وغيره وقد سبق الكلام عليه في المسألة ( 8 ) قبيل الأذان .
9 - ويشرع الأذان
لمن يصلي وحده فإنه إذا أذن في أرض قفر صلى خلفه من جنود الله ما لا يرى طرفاه .
وفيه أحاديث :
الأول : عن
أنس :
أنه صلى الله
عليه وسلم استمع ذات يوم فسمع رجلا يقول : الله أكبر الله أكبر فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : ( على الفطرة ) . فقال : أشهد أن لا إله إلا الله فقال : ( خرجت
من النار ) فنظروا فإذا هو راعي معزى .
أخرجه مسلم
وغيره وقد سبق في المسألة ( 3 ) من الأذان . ورواه بنحوه ابن خزيمة في ( صحيحه )
كما في ( الترغيب ) ( 1/110 ) ولفظه أتم عن أنس رضي الله عنه قال : سمع النبي صلى
الله عليه وسلم رجلا وهو في مسير له يقول : الله أكبر الله أكبر فقال نبي الله صلى
الله عليه وسلم : ( علىالفطرة ) . فقال أشهد أن لا إله إلا الله . قال : ( خرج من
النار ) .
فاستبق القوم
إلى الرجل فإذا راعي غنم حضرته الصلاة فقام يؤذن .
الثاني : عن
عبد الله بن ربيعة الأسلمي قال :
كان النبي صلى
الله عليه وسلم في سفر فسمع مؤذنا يقول : أشهد أن لا إله إلا الله فقال النبي صلى
الله عليه وسلم :
( أشهد أن لا
إله إلا الله ) قال : أشهد أن محمدا رسول الله قال النبي صلى الله عليه وسلم :
( أشهد أني محمد
رسول الله ) فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( تجدونه راعي غنم أو عازبا عن أهله ) .
اخرجه أحمد (
4/336 ) واللفظ له والنسائي ( 1/108 ) وزاد : ( فنظروا فإذا هو راعي غنم ) . وهو
من طريق شعبة عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عنه .
وهذا سند صحيح
على شرط الشيخين .
وقد رواه
الحكم بن عبد الملك عن عمار بن محمد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل قال
. . . فذكره بنحوه .
أخرجه
الطبراني في ( الصغير ) ( 159 ) وأحمد ( 5/248 ) .
والحكم هذا
ضعيف اتفاقا .
وله في (
المسند ) شاهد من حديث ابن مسعود بإسناد صحيح على شرط الستة ذكرته في التعليق على
الطبراني .
الثالث : عن
قبلة بن عامر مرفوعا :
( يعجب ربكم من
راعي غنم في رأس شظية ( قطعة مرتفعة في رأس الجبل ) بجبل يؤذن بالصلاة ويصلي فيقول
الله عز وجل : انظروا إلى عبدي هذا ويؤذن ويقيم الصلاة يخاف مني فقد غفرت لعبدي
وأدخلته الجنة ) .
أخرجه أبو
داود ( 1/188 ) والنسائي ( 1/108 ) والبيهقي ( 1/405 ) وأحمد ( 4/157 و158 ) من
طريق أبي عشانة عنه .
وأبو عشانة -
بضم المهملة - واسمه حي بن يؤمن وهو ثقة كما في ( التقريب ) فهو حديث صحيح .
الرابع : عن
سلمان مرفوعا :
( إذا كان الرجل
بأرض قي فحانت الصلاة فليتوضأ فإن لم يجد ماء فليتيمم فإن أقام صلى معه ملكان وإن
أذن وأقام صلى خلفه من جنود الله ما لا يرى طرفاه ) .
أخرجه عبد
الرزاق وأبو بكر بن أبي شيبة عن معتمر بن سليمان التيمي عن أبيه عن أبي عثمان
النهدي عنه به .
وهذا سند صحيح
على شرط الستة .
وأخرجه البيهقي
( 1/405 ) مرفوعا وموقوفا ورجح الموقوف . ولا يخفى أن له حكم المرفوع لا سيما وأن
له شاهدا ذكره في ( التلخيص ) ( 3/145 ) وانظر ( الترغيب ) ( 11/153 ) .
وقد ذهب إلى
العمل بهذه الأحاديث الشافعي وأصحابه فقالوا بأنه يشرع الأذان للمنفرد سواء كان في
صحراء أو في بلد قال الشافعي في ( الأم ) :
( وأذان الرجل
في بيته وإقامته كهما في غير بيته سواء سمع المؤذنين حوله أم لا ) . كذا في (
المجموع ) ( 3/85 - 86 ) . وقال في ( شرح مسلم ) :
( وهذا هو
الصحيح المشهور في مذهبنا ومذهب غيرنا أن الأذان مشروع للمنفرد ) .
قلت : وهو مذهب
الحنفية أيضا .
10 - ويجب على
المؤذن أن يكون محتسبا في أذانه لا يطلب عليه أجرا .
قال تعالى : {
وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين } [ البينة/5 ] .
وقال عثمان بن
أبي العاص : إن من آخر ما عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اتخذ مؤذنا لا
يأخذ على أذانه أجرا .
أخرجه الترمذي
( 1/409 - 410 ) وابن ماجه ( 1/244 ) وابن حزم ( 3/145 ) من طريق أشعث بن عبد
الملك الحمراني عن الحسن عنه . وقال الترمذي :
( حديث حسن صحيح ) .
قلت : ورجاله
كلهم ثقات إلا أن الحسن مدلس لكنه توبع عليه فقال حماد بن سلمة : أخبرنا سعيد
الجريري عن أبي العلاء عن مطرف عن مطرف بن عبد الله عن عثمان بن أبي العاص قال :
قلت : يا رسول الله اجعلني إمام قومي قال :
( أنت إمامهم
واقتد بأضعفهم واتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا ) .
أخرجه أبو
داود ( 1/8 ) والنسائي ( 109 ) والطحاوي 02/270 ) والحاكم ( 1/199 و217 ) من طرق
عنه . وقال الحاكم :
( صحيح على شرط
مسلم ) ووافقه الذهبي وهو كما قالا .
ثم قال
الترمذي :
( العمل على هذا
عند أهل العلم كرهوا أن يأخذ المؤذن على الأذان أجرا واستحبوا للمؤذن أن يحتسب في
أذانه ) .
وبعضهم ذهب
إلى أن ذلك لا يجوز وهو مذهب ابن حزم ( 3/145 - 146 ) قال : ( وهو قول أبي حنيفة
وغيره ) وهو وجه للشافعية وبه قطع الشيخ أبو حامد والقفال وغيرهما وصححه المحاملي
والبغوي وغيرهم كما في ( المجموع ) ( 3/127 ) قال : ( وبه قال الأوزاعي وأبو حنيفة
وأحمد وابن المنذر ) . وقد مال إلى هذا الشوكاني في ( نيل الأوطار ) فراجعه ( 2/49
- 50 ) .
ويؤيد ما ذهب
إليه هؤلاء ما رواه عبد الرزاق عن جعفر بن سليمان الضبعي عن يحيى البكاء قال :
رأيت ابن عمر يقول لرجل : إني لأبغضك في الله ثم قال لأصحابه : إنه يتغنى في أذانه
ويأخذ عليه أجرا .
ذكره ابن حزم
وقال الشوكاني : وقد أخرج ابن حبان عن يحيى البكاء ( وفي الأصل : البكالي وهو
تصحيف ) قال : سمعت رجلا قال لابن عمر : إني لأحبك في الله فقال له ابن عمر : إني
لأبغضك في الله فقال : سبحان الله أحبك في الله وتبغضيني في الله قال : نعم إنك
تسأل على أذانك أجرا .
قلت : وقد
أخرج الطحاوي نحوه من طريق حماد بن سلمة عن يحيى البكاء .
ثم قال ابن
حزم : ( ولا يعرف لابن عمر في هذا مخالف من الصحابة رضي الله عنهم ) .
قلت : لكن في
ثبوت هذا الأثر عن ابن عمر نظر لأن مداره على يحيى البكاء وهو ضعيف كما في (
التقريب ) وقد ضعفه غير ما واحد من الأئمة كالنسائي والدارقطني وقال ابن حبان : (
يروي المعضلات عن الثقات لا يجوز الاحتجاج به ) . ذكره الذهبي في ( الميزان ) ثم
ساق له هذا الأثر عن ابن عمر .
ثم الظاهر أن
ابن حبان إنما أخرج أثره هذا في كتابه ( الضعفاء ) لا في ( صحيحه ) كما يوهم صنيع
الشوكاني والله أعلم .
11 - وأما إن جاءه
شيء من غير مسألة ولا إشراف نفس فليقبله ولا يرده فإنما هو رزق ساقه الله إليه .
وفيه أحاديث :
الأول : عن
خالد بن عدي الجهني قال :
سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول :
( من بلغه معروف
عن أخيه من غير مسألة ولا إشراف نفس فليقبله ولا يرده فإنما هو رزق ساقه الله عز
وجل إليه ) .
أخرجه أحمد (
5/320 - 321 ) : ثنا عبد الله بن يزيد : ثنا سعيد بن أبي أيوب : ثني أبو الأسود عن
بكير بن عبد الله بن بسر بن سعيد عنه .
وهذا سند صحيح
كما قال المنذري ( 2/16 ) .
قلت : ورجاله
رجال الستة .
ورواه أبو
يعلى والطبراني في ( الكبير ) إلا أنهما قالا : ( من أخيه ) . كما في ( المجمع ) (
3/100 ) وابن حبان في ( صحيحه ) والحاكم وقال :
( صحيح الإسناد ) .
الثاني عن أبي
هريرة مرفوعا :
( من عرض له شيء
من غير أن يسأله فليقبله فإنما هو رزق ساقه الله إليه ) .
أخرجه أحمد
أيضا ( 2/323 و490 ) والطيالسي ( 325 ) نحوه من طريق همام : أنا قتادة عن عبد
الملك عنه .
وهذا رجاله
رجال الستة أيضا غير عبد الملك هذا فإنه لم يعين عندي الآن وقد جعله الهيثمي من
رجال الصحيح حيث قال :
( رواه أحمد
ورجاله رجال الصحيح ) .
فلعله عبد
الملك بن عمير أو عبد الملك بن أبي سليمان . والله أعلم . وقال المنذري : ( ورواته
محتج بهم في الصحيح ) .
الثالث : عن
عائشة مرفوعا :
( يا عائشة من
أعطاك عطاء بغير مسألة فاقبليه فإنما هو رزق عرضه الله لك ) .
أخرجه أحمد من
طريق ليث ( وهو ابن سعد ) عن يزيد بن الهاد عن عمرو عن المطلب بن حنطب أن عبد الله
بن عامر بعث إلى عائشة بنفقة وكسوة فقالت للرسول : إني يا بني لا أقبل من أحد شيئا
فلما خرج قالت : ردوه علي فردوه فقالت : إني ذكرت شيئا قاله لي رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال : . . . فذكرته .
ورجاله رجال
الستة غير المطلب هذا وهو المطلب بن عبد الله بن المطلب ابن حنطب نسب إلى جده
الأعلى وهو صدوق كثير التدليس والإرسال كما في ( التقريب ) . وقال الهيثمي :
( ورجاله ثقات
إلا أن المطلب بن عبد الله مدلس واختلف في سماعه من عائشة ) .
وعمرو هو ابن
دينار وقال المنذري :
( رواه أحمد
والبيهقي ورواة أحمد ثقات ) ثم قال :
( فإن كان
المطلب سمع من عائشة فالإسناد متصل وإلا فالرسول إليها لم يسم . والله أعلم ) .
الرابع : عن
أبي الدرداء قال :
سئل رسول الله
صلى الله عليه وسلم عن إعطاء السلطان قال :
( ما أتاك الله
منه من غير مسألة ولا إشراف فخذه وتموله ) .
أخرجه أحمد :
ثنا أبو معاوية : ثنا هشام بن حسان القردوسي عن قيس بن سعد عن رجل حدثه عنه به
وزاد :
قال : وقال
الحسن رحمه الله : لا بأس بها ما لم ترحل إليها أو تشرف لها . ورجاله رجال مسلم
غير الرجل الذي لم يسم .
الخامس : عن
عائذ بن عمرو مرفوعا : ( من عرض له شيء من هذا الرزق من غير مسألة ولا إشراف
فليوسع به في رزقه فإن كان عنه غنيا فليوجهه إلى من هو أحوج إليه منه ) .
أخرجه أحمد من
طرق عن أبي الأشهب عن عامر الأحول قال : قال عائذ بن عمرو . . . فذكره .
ورجاله رجال
الصحيح إلا أنه منقطع . وعامر هذا هو عامر بن عبد الواحد الأحول ولم يدرك عائذ بن
عمرو كما قال الحافظ في ( التقريب ) - ومنه تعلم أن قول المنذري : ( إسناد أحمد
جيد قوي ) غير جيد - . وقال شيخه في ( المجمع ) :
( رواه أحمد
والطبراني في ( الكبير ) وقال : ( من عرض عليه من هذا الرزق شيء ) وأسقط أحمد (
شيء ) ورجال أحمد رجال الصحيح ) .
قلت : وفيه
قصور واضح لأنه لم ينبه على علة الانقطاع . وأيضا فإن لفظة ( شيء ) ثابتة عند أحمد
في جميع الروايات هذا وعقب الحديث عبد الله بن الإمام أحمد بقوله : سألت أبي : ما
الإشراف ؟ قال : تقول في نفسك : سيبعث إلي فلان سيصلني فلان .
السادس : عن
عمر بن الخطاب بمعنى الحديث الرابع وسيأتي في الزكاة إن شاء الله تعالى . وراجع :
البخاري ومسلم وأبا داود والنسائي والدارمي والطحاوي وأحمد .
وفي الباب عن
أبي محذورة في حديث الأذان قال :
ثم دعاني عليه
السلام حين قضيت التأذين فأعطاني صرة فيها شيء من فضة . وقد مضى في المسألة ( 4 )
من الأذان وفيه عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة وهو غير معروف الحال كما
قال الحافظ في ( التلخيص ) فالاحتجاج بهذا الحديث في هذا الباب على جواز أخذ
الأجرة مطلقا ليس بجيد أولا : لما علمت من ضعفه وثانيا : لأنه ليس في طلب الأجرة
بل فيه الإعطاء بدون طلب وهذا جائز كما أفادته الأحاديث التي قبله . وراجع
الشوكاني .
12 - وينبغي أن
يؤذن من هو أحسن صوتا وأندى .
فيه حديثان :
الأول : عن
عبد الله بن زيد في حديث الأذان قال : فلما أصبحت أتيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم فأخبرته بما رأيت فقال : ( إنها لرؤيا حق إن شاء الله فقم مع بلال فألق عليه
ما رأيت فليؤذن به فإنه أندى صوتا منك ) الحديث . وسنده جيد كما تقدم في المسألة
الأولى .
الثاني : عن
أبي محذورة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر نحوا من عشرين رجلا فأذنوا
فأعجبه صوت أبي محذورة فعلمه الأذان . . . الحديث وهو صحيح وقد سبق في المسألة
الرابعة .
ورواه ابن
خزيمة في ( صحيحه ) كما في ( بلوغ المرام ) و( التلخيص ) وأخرجه النسائي من طريق
أخرى بلفظ : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( قد سمعت في هؤلاء تأذين إنسان
حسن الصوت ) فأرسل إلينا . . . الحديث وسنده مقبول .
وقد أخرجه
أحمد وغيره بنحوه وسبق هناك وصححه ابن السكن كما في ( التلخيص ) .
13 - ويستحب له
أمور :
( 1 ) أن يؤذن على
طهارة :
والدليل عليه
قوله عليه السلام :
( إني كرهت أن
أذكر الله إلا على طهر أو قال : على طهارة ) .
وقد سبق في
الطهارة . وصححه ابن خزيمة وابن حبان كما في ( التلخيص ) .
وروى البيهقي
والدارقطني في ( الأفراد ) وأبو الشيخ في ( الأذان ) من حديث عبد الجبار بن وائل
عن أبيه قال : حق وسنة أن لا يؤذن الرجل إلا وهو طاهر ولا يؤذن إلا وهو قائم .
قال في (
التلخيص ) :
( وإسناده حسن
إلا أن فيه انقطاعا لأن عبد الجبار ثبت عنه في ( صحيح مسلم ) أنه قال : كنت غلاما
لا أعقل صلاة أبي ونقل النووي اتفاق أئمة الحديث على أنه لم يسمع من أبيه ) .
وأما حديث : (
لا يؤذن إلا متوضئ ) فضعيف لا يصح .
أخرجه الترمذي
من طريق معاوية بن يحيى الصدفي عن الزهري عن أبي هريرة مرفوعا به .
ومعاوية هذا
ضعف كما قال الحافظ . والزهري لم يسمع من أبي هريرة كما قال الترمذي .
ثم أخرجه من
طريق يونس عن ابن شهاب به قال : قال أبو هريرة : لا ينادي بالصلاة إلا متوضئ .
وقال :
( هذا أصح من
الحديث الأول ) .
قلت : فهو لا
يصح مرفوعا ولا موقوفا لوجود الانقطاع في الطريقين .
ثم قال
الترمذي : واختلف أهل العلم في الأذان على غير وضوء فكرهه بعض أهل العلم وبه يقول
الشافعي وإسحاق ورخص في ذلك بعض أهل العلم وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك وأحمد .
( 2 ) وأن يقف قائما :
وفيه أحاديث :
الأول : عن
عبد الرحمن بن أبي ليلى قال :
أحيلت الصلاة
ثلاثة أحوال قال : ثنا أصحابنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لقد
أعجبني أن تكون صلاة المسلمين - أو قال : المؤمنين - واحدة . . . ) فذكر الحديث
فجاء رجل من الأنصار فقال : يا رسول الله إني لما رجعت لما رأيت من اهتمامك رأيت
رجلا كأن عليه ثوبين أخضرين فقام على المسجد فأذن ثم قعد قعدة ثم قام مثلها إلا
أنه يقول : قد قامت الصلاة ولولا أن تقول الناس إني كنت يقظان غير نائم فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم :
( لقد أراك الله
خيرا فمر بلالا فليؤذن ) .
قال : فقال
عمر : أما إني قد رأيت مثل الذي رأي ولكني لما سبقت استحييت .
أخرجه أبو
داود من طريق شعبة عن عمرو بن مرة : سمعت أبن أبي ليلى به .
وهذا سند صحيح
رجاله رجال الستة .
وقد أخرجه
الطحاوي من طريق زيد بن أبي أنيسة عن عمرو بن مرة به نحوه .
وأخرجه ابن
أبي شيبة في ( مصنفه ) كما في ( نصب الراية ) : فقال : ثنا وكيع : ثنا الأعمش عن
عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : ثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم
أن عبد الله بن زيد الأنصاري جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول
الله . . . الحديث نحوه إلا أنه قال : فقام على حائط .
أخرجه الطحاوي
وابن حزم عن وكيع به مختصرا . وقال ابن حزم :
( وهذا إسناد في
غاية الصحة ) .
وكذلك رواه
ابن خزيمة والبيهقي عن وكيع .
وهذه الرواية
تبين ما أبهم في رواية شعبة وهو أن قوله : أصحابنا إنما أراد به أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم ولهذا صححها ابن حزم وابن دقيق العيد أيضا كما في ( التلخيص )
و( نصب الراية ) . وهي ترد قول من أعل الحديث بالانقطاع أو الإرسال لظاهر بعض
الروايات عن ابن أبي ليلى فقد رواه المسعودي عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي
ليلى عن معاذ بن جبل نحوه . وقد سبق في المسألة الأولى ويأتي قريبا .
وكذلك رواه
أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن عبد الرحمن بن أبي ليلى به .
رواه أحمد
والدارقطني بلفظ : نزل على جذم حائط .
وأخرجه
الطحاوي من طريق عبد الله بن داود عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي
ليلى أن عبد الله بن زيد به . فأسقط من السند ذكر معاذ أو أحد من الصحابة .
وأخرج
الدارقطني نحوه من طريق أخرى عن عمرو وقال : ( وابن أبي ليلى لا يثبت سماعه من عبد
الله بن زيد وقال الأعمش والمسعودي : عن عمرو بن خالد بن مرة عن ابن أبي ليلى عن
معاذ بن جبل ولا يثبت والصواب ما رواه الثوري وشعبة عن عمرو بن مرة وحصين بن عبد
الرحمن عن ابن أبي ليلى مرسلا ) .
كذا قال وقد
علمت أن رواية وكيع عن الأعمش متصلة صحيحة الإسناد ولعل الدارقطني لم يقف عليها
والذي نقطع به أن ابن أبي ليلى قد سمع هذا الحديث عن جمع من الصحابة لم يسمهم فكان
أحيانا يسنده إليهم وأحيانا يسنده إلى صاحب القصة وهو عبد الله بن زيد وأحيانا إلى
بعض رواتها من الصحابة كمعاذ وكان يفعل ذلك وإن لم يسمعها منهما باعتبار أنه سمعها
مسندا إليهما فلا يضر هذا الإرسال حينئذ كما لا يخفى ومن شاء زيادة تحقيق في ذلك فليراجع
تعليق الشيخ أحمد محمد شاكر على كتاب ( أصول الأحكام ) لابن حزم .
الحديث الثاني
: عن وائل بن حجر قال :
حق وسنة أن لا
يؤذن الرجل إلا وهو طاهر ولا يؤذن إلا وهو قائم وقد مضى قريبا .
قال ابن
المنذر : ( أجمع أهل العلم أن القيام في الأذان من السنة ) . وراجع ( الفتح ) .
( 3 ) على مكان عال :
وفيه أحاديث :
الأول : حديث
عبد الله بن زيد في أذان الملك قال : فقام على المسجد فأذن . وفي رواية على حائط
وفي أخرى جذم حائط . وقد سبق ذكرها قريبا . ( والجذم ) بالكسر والفتح : الأصل :
أراد بقية حائط .
الثاني : عن
امرأة من بني النجار قالت :
كان بيتي من
أطول بيت حول المسجد وكان بلال يؤذن عليه الفجر فيأتي بسحر فيجلس على البيت ينظر
إلى الفجر فإذا رأه تمطى ثم قال : اللهم إني أحمد . . . الحديث .
أخرجه أبو
داود عن محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير عنها .
وهذا إسناد
رجاله ثقات إلا أن ابن إسحاق مدلس ولذلك قال النووي : ( إسناده ضعيف ) . وأما قول
الحافظ في ( الفتح ) :
( وإسناده حسن ) .
فغير حسن ولو
سكت عليه كما فعل في ( التلخيص ) لكان أحسن .
لكني وجدت له
طريقا أخرى فقال ابن سعد في ( الطبقات ) : أخبرنا محمد بن عمر : ثني معاذ بن محمد
عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة قال : أخبرني من سمع النوار أم
زيد بن ثابت تقول :
كان بيتي أطول
بيت حول المسجد فكان بلال يؤذن فوقه من أول ما أذن إلى أن بنى رسول الله صلى الله
عليه وسلم مسجده فكان يؤذن بعد على ظهر المسجد وقد رفع له شيء فوق ظهره .
ومحمد بن عمر
هو الواقدي : ضعيف .
الثالث : عن
ابن عمر قال : كان ابن أم مكتوم يؤذن فوق البيت .
أخرجه أبو
الشيخ عن عبد الله بن نافع عن أبيه عنه .
ذكره الزيلعي
والعسقلاني وسكتا عليه .
وعبد بن نافع
هذا ضعيف كما في ( التقريب ) .
ويشهد لمعاني
الحديث حديث ابن عمر رضي الله عنه :
كان لرسول
الله صلى الله عليه وسلم مؤذنان : بلال وابن أم مكتوم الأعمى فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم :
( إن بلالا يؤذن
بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم ) .
قال : ولم يكن
بينهما إلا أن ينزل هذا ويرقى هذا . ( متفق عليه ) واللفظ لمسلم .
وأخرجاه أيضا
من حديث عائشة وقد سبق تخريجه في المسألة ( 6 ) .
الرابع : عن
أي برزة الأسلمي قال :
من السنة
الأذان في المنارة والإقامة في المسجد .
أخرجه أبو
الشيخ في كتاب الأذان عن سعيد الجريري عن عبد الله بن شقيق عنه .
وهو في ( سنن
سعيد بن منصور ) مثله .
وسكت عليه
الحافظان المذكوران آنفا فإن كان السند إلى سعيد سلم من علة فهو إسناد صحيح .
ثم رأيت
البيهقي أخرجه في ( سننه ) من طريق خالد بن عمرو قال : ( ثنا سفيان عن الجريري به
) وقال :